فتح الباري لابن حجر

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان الْآيَةَ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَسَاقَ الْبَاقُونَ إِلَى تَذَكَّرُونَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ قَالَ شُتَيْرُ بْنُ شَكَلٍ لِمَسْرُوقٍ حَدِّثْ يَا أَبَا عَائِشَةَ وَأُصَدِّقُكَ قَالَ هَلْ سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعَ لِحَلَالٍ وَحَرَامٍ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القربي قَالَ نَعَمْ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم أَيْ إِنَّ إِثْمَ الْبَغْيِ وَعُقُوبَةَ الْبَغْيِ عَلَى الْبَاغِي إِمَّا عَاجِلًا وَإِمَّا آجِلًا قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ ثمَّ بغي عَلَيْهِ لينصرنه الله كَذَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ وَمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ إِمَّا مِنَ الْمُصَنِّفِ وَإِمَّا مِمَّنْ بَعْدَهُ كَمَا أَنَّ الْمُطَابِقَ لِلتِّلَاوَةِ إِمَّا مِنَ الْمُصَنِّفِ وَإِمَّا مِنْ إِصْلَاحِ مَنْ بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ تَتَّفِقِ الرِّوَايَاتُ عَلَى شَيْءٍ فَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الْوَهْمَ مِنَ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ قَالَ

(10/479)


الرَّاغِبُ الْبَغْيُ مُجَاوَزَةُ الْقَصْدِ فِي الشَّيْءِ فَمِنْهُ مَا يُحْمَدُ وَمِنْهُ مَا يُذَمُّ فَالْمَحْمُودُ مُجَاوَزَةُ الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ فِيهِ وَلَا نُقْصَانٍ مِنْهُ إِلَى الْإِحْسَانِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَرْضِ بِالتَّطَوُّعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمَذْمُومُ مُجَاوَزَةُ الْعَدْلِ إِلَى الْجَوْرِ وَالْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ وَالْمُبَاحِ إِلَى الشُّبْهَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ الْبَغْيُ عَلَى الْمَذْمُومِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم وَقَالَ تَعَالَى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَاد وَإِذَا أُطْلِقَ الْبَغْيُ وَأُرِيدَ بِهِ الْمَحْمُودُ يُزَادُ فِيهِ غَالِبًا التَّاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَابْتَغُوا عِنْد الله الرزق وَقَالَ تَعَالَى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبك ترجوها وَقَالَ غَيْرُهُ الْبَغْيُ الِاسْتِعْلَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمِنْهُ بَغَى الْجُرْحُ إِذَا فَسَدَ قَوْلُهُ وَتَرْكُ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بن بَطَّالٍ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَتَرْجَمَةِ الْبَابِ مَعَ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا نَهَى عَنِ الْبَغْيِ وَأَعْلَمَ أَنَّ ضَرَرَ الْبَغْيِ إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْبَاغِيِ وَضَمِنَ النَّصْرَ لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ كَانَ حَقُّ مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ بِأَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ بَغَى عَلَيْهِ وَقَدِ امْتَثَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَاقِبِ الَّذِي كَادَهُ بِالسِّحْرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُطَابَقَةُ التَّرْجَمَةِ لِلْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِخْرَاجَ السِّحْرِ خَشْيَةَ أَنْ يَثُورَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرٌّ فَسَلَكَ مَسْلَكَ الْعَدْلِ فِي أَنْ لَا يَحْصُلَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَاطَ السِّحْرَ مَنْ أَثَرِ الضَّرَرِ النَّاشِئِ عَنِ السِّحْرِ شَرٌّ وَسَلَكَ مَسْلَكَ الْإِحْسَانِ فِي تَرْكِ عُقُوبَةِ الْجَانِي كَمَا سبق وَقَالَ بن التِّينِ يُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ ضَعِيفَةٌ لِجَمْعِهِ تَعَالَى بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ وَالْعَدْلُ وَاجِبُ وَالْإِحْسَانُ مَنْدُوبٌ قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِهِمَا فِي الْآيَةِ فَقِيلَ الْعَدْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِحْسَانُ الْفَرَائِضُ وَقِيلَ الْعَدْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِحْسَانُ الْإِخْلَاصُ وَقِيلَ الْعَدْلُ خَلْعُ الْأَنْدَادِ وَالْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ وَقِيلَ الْعَدْلُ الْفَرَائِضُ وَالْإِحْسَانُ النَّافِلَةُ وَقِيلَ الْعَدْلُ الْعِبَادَةُ وَالْإِحْسَانُ الْخُشُوعُ فِيهَا وَقِيلَ الْعَدْلُ الْإِنْصَافُ وَالْإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ وَقِيلَ الْعَدْلُ امْتِثَالُ الْمَأْمُورَاتِ وَالْإِحْسَانُ اجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ وَقِيلَ الْعَدْلُ بَذْلُ الْحَقِّ وَالْإِحْسَانُ تَرْكُ الظُّلْمِ وَقِيلَ الْعَدْلُ اسْتِوَاءُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَالْإِحْسَانُ فَضْلُ الْعَلَانِيَةِ وَقِيلَ الْعَدْلُ الْبَذْلُ وَالْإِحْسَانُ الْعَفْوُ وَقِيلَ الْعَدْلُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْإِحْسَانُ فِي الْأَقْوَالِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وأقربها لِكَلَامِهِ الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْعَدْلُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ بِمَزِيدِ الطَّاعَاتِ وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِالْإِنْصَافِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ الرَّاغِبُ الْعَدْلُ ضَرْبَانِ مُطْلَقٌ يَقْتَضِي الْعَقْلُ حُسْنَهُ وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ مَنْسُوخًا وَلَا يُوصَفُ بِالِاعْتِدَاءِ بِوَجْهٍ نَحْوَ أَنْ تُحْسِنَ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ وَتَكُفَّ الْأَذَى عَمَّنْ كَفَّ أَذَاهُ عَنْكَ وَعَدْلٌ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَهُ النَّسْخُ وَيُوصَفُ بِالِاعْتِدَاءِ مُقَابَلَةً كَالْقِصَاصِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَأَخْذِ مَالِ الْمُرْتَدِّ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى فَمَنِ اعْتدى عَلَيْكُم الْآيَةَ وَهَذَا النَّحْوُ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان فَإِنَّ الْعَدْلَ هُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمُكَافَأَةِ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَالْإِحْسَانَ مُقَابَلَةُ الْخَيْرِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَالشَّرِّ بِالتَّرْكِ أَوْ بِأَقَلِّ مِنْهُ

[6063] قَوْلُهُ سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ مَطْبُوبٌ يَعْنِي مَسْحُورًا هَذَا التَّفْسِيرُ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ عِنْدَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَكَذَا قَوْلُهُ فَهَلَّا تَعْنِي تَنَشَّرْتَ وَمَنْ قَالَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّشْرَةِ أَوْ مِنْ نَشْرِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى إِظْهَارِهِ وَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهَا فَأُخْرِجَ وَبَيْنَ قَوْلِهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلَّا اسْتَخْرَجْتَهُ وَأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ الْوَاقِعَ كَانَ لِأَصْلِ السِّحْرِ وَالِاسْتِخْرَاجَ الْمَنْفِيَّ كَانَ لِأَجْزَاءِ السِّحْرِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ حَلِيفٌ لِيَهُودَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا للْيَهُود بِزِيَادَة لَام

(10/480)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ مِنْ بَدَلَ عَنْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حسد أَشَارَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّحَاسُدِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى وُقُوعِهِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا بَلِ الْحَسَدُ مَذْمُومٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ وَقَعَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ إِذَا ذُمَّ مَعَ وُقُوعِهِ مَعَ الْمُكَافَأَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ مَعَ الْأَفْرَاد بطرِيق الأولى وَذكر فِي الْبَاب حديثين أَحدهمَا

[6064] قَوْلُهُ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمَرْوَزِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارَكِ قَوْلُهُ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ غَالِبًا بَلِ الْمُرَادُ تَرْكَ تَحْقِيقِ الظَّنِّ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ وَكَذَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِلَ الظُّنُونِ إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِرُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ تَجَاوَزَ اللَّهُ لِلْأُمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالظَّنِّ هُنَا التُّهْمَةُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا كَمَنْ يَتَّهِمُ رَجُلًا بِالْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهَا وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَا تَجَسَّسُوا وَذَلِكَ أَنَّ الشَّخْصَ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فَيَتَجَسَّسُ وَيَبْحَثُ وَيَسْتَمِعُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى اجْتَنِبُوا كَثِيرًا من الظَّن إِن بعض الظَّن إِثْم وَلَا تجسسوا وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا فَدَلَّ سِيَاقُ الْآيَةِ عَلَى الْأَمْرِ بِصَوْنِ عِرْضِ الْمُسْلِمِ غَايَةَ الصِّيَانَةِ لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ بِالظَّنِّ فَإِنْ قَالَ الظَّانُّ أَبْحَثُ لِأَتَحَقَّقَ قيل لَهُ وَلَا تجسسوا فَإِنْ قَالَ تَحَقَّقْتُ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ قِيلَ لَهُ وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا وَقَالَ عِيَاضٌ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ قَوْمٌ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ فِي الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ وَحَمَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ظَنٍّ مُجَرَّدٍ عَنِ الدَّلِيلِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلٍ وَلَا تَحْقِيقِ نَظَرٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ بِالظَّنِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ أَصْلًا بَلِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِذَلِكَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ضَعْفَهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا بُطْلَانُهُ فَلَا فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إِنْ حُمِلَ عَلَى مَا ذكره القَاضِي عِيَاض وَقد قربه الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِمِ وَقَالَ الظَّنُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ تَغْلِيبُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ هُوَ بِمَعْنَى الْيَقِينِ لَيْسَ مُرَادًا مِنَ الْحَدِيثِ وَلَا مِنَ الْآيَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إِنْكَارِ الظَّن الشَّرْعِيّ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ بِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فِي الْبَيْعِ فَأَبْطَلَ بَيْعَ الْعِينَةِ وَوَجْهُ

(10/481)


الِاسْتِدْلَالِ النَّهْيُ عَنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ شَرًّا فَإِذَا بَاعَ شَيْئًا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْحِيلَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَمَّا وَصْفُ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى ظَنٍّ أَصْلًا أَشَدُّ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَى الظَّنِّ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الظَّنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى شَيْءٍ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ أَصْلًا وَيُجْزَمُ بِهِ فَيَكُونُ الْجَازِمُ بِهِ كَاذِبًا وَإِنَّمَا صَارَ أَشَدَّ مِنَ الْكَاذِبِ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي أَصْلِهِ مُسْتَقْبَحٌ مُسْتَغْنًى عَنْ ذَمِّهِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ صَاحِبَهُ بِزَعْمِهِ مُسْتَنِدٌ إِلَى شَيْءٍ فَوُصِفَ بِكَوْنِهِ أَشَدَّ الْكَذِبِ مُبَالَغَةً فِي ذَمِّهِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْهُ وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ الِاغْتِرَارَ بِهِ أَكْثَرُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَحْضِ لِخَفَائِهِ غَالِبًا وَوُضُوحِ الْكَذِبِ الْمَحْضِ قَوْلُهُ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ قد استشكلت تَسْمِيَةُ الظَّنِّ حَدِيثًا وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يَنْشَأُ عَنِ الظَّنِّ فَوُصِفَ الظَّنُّ بِهِ مَجَازًا قَوْلُهُ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ بِالْجِيمِ وَالْأُخْرَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَذْفُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْمَنَاهِي الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالْأَصْلُ تَتَحَسَّسُوا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا تَبْحَثُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَلَا تَتَّبِعُوهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحَاسَّةِ إِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَبِالْجِيمِ مِنَ الْجَسِّ بِمَعْنَى اخْتِبَارِ الشَّيْءِ بِالْيَدِ وَهِيَ إِحْدَى الْحَوَاسِّ فَتَكُونُ الَّتِي بِالْحَاءِ أَعَمَّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هُمَا بِمَعْنى وَاحِد وَقَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ ذَكَرَ الثَّانِي لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِمْ بُعْدًا وَسُخْطًا وَقِيلَ بِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنْ عَوْرَاتِهِمْ وَبِالْحَاءِ اسْتِمَاعُ حَدِيثِ الْقَوْمِ وَهَذَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَحَدِ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَقِيلَ بِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ وَبِالْحَاءِ الْبَحْثُ عَمَّا يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَرَجَّحَ هَذَا الْقُرْطُبِيُّ وَقِيلَ بِالْجِيمِ تَتَبُّعُ الشَّخْصِ لِأَجَلِ غَيْرِهِ وَبِالْحَاءِ تَتَبُّعُهُ لِنَفْسِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ثَعْلَبٍ وَيُسْتَثْنَى مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّجَسُّسِ مَا لَوْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى إِنْقَاذِ نَفْسٍ مِنَ الْهَلَاكِ مَثَلًا كَأَنْ يُخْبِرَ ثِقَةً بِأَنَّ فُلَانًا خَلَا بِشَخْصٍ لِيَقْتُلَهُ ظُلْمًا أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا فَيُشْرَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّجَسُّسُ وَالْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ اسْتِدْرَاكِهِ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ وَاسْتَجَادَهُ وَأَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِسْرَارُ أَهْلِهَا بِهَا إِلَّا هَذِهِ الصُّورَةَ قَوْلُهُ وَلَا تَحَاسَدُوا الْحَسَدُ تَمَنِّي الشَّخْصِ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ مُسْتَحِقٍّ لَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَسْعَى فِي ذَلِكَ أَوْ لَا فَإِنْ سَعَى كَانَ بَاغِيًا وَإِنْ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَظْهَرَهُ وَلَا تَسَبَّبَ فِي تَأْكِيدِ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَجْزُ بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ لَفَعَلَ فَهَذَا مَأْزُورٌ وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّقْوَى فَقَدْ يُعْذَرُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الْخَوَاطِرِ النَّفْسَانِيَّةِ فَيَكْفِيهِ فِي مُجَاهَدَتِهَا أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَا وَلَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ رَفَعَهُ ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ قِيلَ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعْ وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَفِيهِ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ وَلَا تَدَابَرُوا قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُرُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَوْلِيَةِ الرَّجُلِ الْآخَرِ دُبُرَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حِينَ يَرَاهُ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ مُدَابَرَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ أَعْرَضَ وَمَنْ أَعْرَضَ وَلَّى دُبُرَهُ وَالْمُحِبُّ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَأْثِرُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْآخَرِ وَقِيلَ لِلْمُسْتَأْثِرِ مُسْتَدْبِرٌ لِأَنَّهُ يُوَلِّي دُبُرَهُ حِينَ يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ معنى

(10/482)


التَّدَابُرِ الْمُعَادَاةُ يَقُولُ دَابَرْتُهُ أَيْ عَادَيْتُهُ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا تُجَادِلُوا وَلَكِنْ تَعَاوَنُوا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقَدْ فَسَّرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِأَخَصَّ مِنْهُ فَقَالَ إِذْ سَاقَ حَدِيثَ الْبَابِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ وَلَا أَحْسِبُ التَّدَابُرَ إِلَّا الْإِعْرَاضَ عَنِ السَّلَامِ يُدْبِرُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ صُدُورَ السَّلَامِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْإِعْرَاضَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ فِي زِيَادَاتِ كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ التَّدَابُرُ التَّصَارُمُ قَوْلُهُ وَلَا تَبَاغَضُوا أَيْ لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ لِأَنَّ الْبُغْضَ لَا يُكْتَسَبُ ابْتِدَاءً وَقِيلَ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّبَاغُضِ قُلْتُ بَلْ هُوَ لأعم مِنَ الْأَهْوَاءِ لِأَنَّ تَعَاطِي الْأَهْوَاءِ ضَرْبٌ مِنْ ذَلِكَ وَحَقِيقَةُ التَّبَاغُضِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَدْ يُطْلَقُ إِذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ وَاجِبٌ فِيهِ وَيُثَابُ فَاعِلُهُ لِتَعْظِيمِ حَقِّ اللَّهِ وَلَوْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ السَّلَامَةِ كَمَنْ يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى اعْتِقَادٍ يُنَافِي الْآخَرَ فَيَبْغُضُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْذُورٌ عِنْدَ اللَّهِ قَوْلُهُ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا بِلَفْظِ الْمُنَادَى الْمُضَافِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَمِثْلَهُ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تُشْبِهُ التَّعْلِيلَ لِمَا تَقَدَّمَ كَأَنَّهُ قَالَ إِذَا تَرَكْتُمْ هَذِهِ الْمَنْهِيَّاتِ كُنْتُمْ إِخْوَانًا وَمَفْهُومُهُ إِذَا لَمْ تَتْرُكُوهَا تَصِيرُوا أَعْدَاءً وَمَعْنَى كُونُوا إِخْوَانًا اكْتَسِبُوا مَا تَصِيرُونَ بِهِ إِخْوَانًا مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ إِثْبَاتًا ونفيا وَقَوله عباد الله أَي يَا عِبَادُ اللَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ فَحَقُّكُمْ أَنْ تَتَوَاخُوا بِذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الزَّائِدَةِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَيْ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ لِمَعَانِي الْأُخُوَّةِ وَنِسْبَتُهَا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا لَا أَقُولُ إِلَّا مَا أَقُولُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي شُرِعَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ بِمَعْنى الْأَمر قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ تَحْرِيمَ بُغْضِ الْمُسْلِمِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَقَطِيعَتِهِ بَعْدَ صُحْبَتِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ شَرْعِيٍّ وَالْحَسَدِ لَهُ عَلَى مَا أُنْعِمَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْ يُعَامِلَهُ مُعَامَلَةَ الْأَخِ النَّسِيبِ وَأَنْ لَا يُنَقِّبَ عَنْ مَعَايِبِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَقَدْ يَشْتَرِكُ الْمَيِّتُ مَعَ الْحَيِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ هَمَّامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَلَا تَنَافَسُوا وَكَذَا وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَبَيَّنَ الِاخْتِلَافَ فِيهَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهَا وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَأَفْرَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسلم على الْمُسلم حرَام دَمه وَمَا لَهُ وَعرضه التَّقْوَى هَا هُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَقَدْ أَفْرَدَهَا أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ فِيهِ زِيَادَةٌ سَأَذْكُرُهَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ مِنْ رِوَايَةِ مَوْلَى عَامِرٍ

(10/483)


أَجْمَعُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ أَحْيَانًا مُخْتَصَرًا وَطَوْرًا بِتَمَامِهِ وَقَدْ فَرَّقَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَحَادِيثَ وَمِمَّنْ وَقَعَ عِنْدَهُ بَعْضَهُ مفرقا بن مَاجَهْ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ كِتَابِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ اشْتَمَلَ عَلَى جُمَلٍ مِنَ الْفَوَائِدِ والآداب الْمُحْتَاج إِلَيْهَا الحَدِيث الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ قَوْلُهُ لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا هَكَذَا اقْتَصَرَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَزَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهُ فِيهِ وَلَا تَنَافَسُوا ذكر ذَلِك بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَالْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَن مَالك عَن بن شهَاب وَقد قَالَ الْخَطِيب وبن عَبْدِ الْبَرِّ خَالَفَ سَعِيدٌ جَمِيعَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَي الحَدِيث الَّذِي يَلِي هَذَا فأدرجها بن أَبِي مَرْيَمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَكَذَا قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا عَنْ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ غَيْرَ سَعِيدٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ التَّهَاجُرِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى زِيَادَةٍ وَقَعَتْ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْله بَاب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا من الظَّن إِن بعض الظَّن إِثْم وَلَا تجسسوا)
كَذَا لِلْجَمِيعِ إِلَّا أَنَّ لَفْظَ بَابٍ سَقَطَ من رِوَايَة أبي ذَر وَأورد فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْهُ فَقَطْ وَزَعَمَ بن بطال وَتَبعهُ بن التِّينِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَيِ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ ثُمَّ حكى بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ مُطَابَقَتَهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْبُغْضَ وَالْحَسَدَ يَنْشَآنِ عَنْ سُوءِ الظَّن قَالَ بن التِّينِ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَأَوَّلَانِ أَفْعَالَ مَنْ يُبْغِضَانِهِ وَيَحْسُدَانِهِ عَلَى أَسْوَأِ التَّأْوِيلِ اه وَالَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا كُلِّهَا أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ قَوْلُهُ فِيهِ وَلَا تَنَاجَشُوا كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْبُخَارِيِّ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ النَّجْشِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَحُكْمُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالَّذِي فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ وَلَا تَنَافَسُوا بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الموطآت من طَرِيق بن وهب ومعن وبن الْقَاسِمِ وَإِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ وَالْقَعْنَبِيِّ وَيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيِّ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَأَبِي حُذَافَةَ كلهم عَن مَالك وَكَذَا ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ وَلَا تَنَاجَشُوا كَمَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمَنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ كَذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ على أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهَا عَلَى مَالِكٍ إِلَّا أَنِّي مَا وَجَدْتُ مَا يُعَضِّدُ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ هَذِهِ وَيَبْعُدُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْجَمِيعُ عَلَى

(10/484)


شَيْءٍ وَيَنْفَرِدَ وَاحِدٌ بِخِلَافِهِ وَيَكُونَ مَحْفُوظًا وَلَمْ أَرَ الْحَدِيثَ فِي نُسْخَتِي مِنْ مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَصْلًا فَلَا أَدْرِي سَقَطَ عَلَيْهِ أَوْ سَقَطَ مِنَ النُّسْخَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ رِوَايَةِ الْوَرَكَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَوَقَعَ فِيهِ عِنْدَهُ وَلَا تَنَافَسُوا كَالْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَمَا أَدْرِي هَلْ وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى وِفَاقِ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَلَى مَا عِنْدَنَا وَلَمْ يَعْتَنِ بِبَيَانِ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ حَتَّى إِنَّ الْحُمَيْدِيَّ سَاقَهُ مِنَ الْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ قَدْ مَضَتْ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ فِيهَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا وَلَكِنَّ فِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ إِخْوَانًا وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ قَالَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ فَسَاقَهُ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ بِتَمَامِهِ دُونَ اللَّفْظَةِ الَّتِي أَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا وَقَالَ هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَأَغْفَلَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِيهِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَمَنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ سَوَاءٌ قُلْتُ وَرِوَايَةُ طَاوُسٍ تَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَسَاقَهُ وَفِيهِ وَلَا تَنَافَسُوا قَالَ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ لَا مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ مَعَ تَتَبُّعِهِ وَاعْتِنَائِهِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَكَذَا أغفل بن عَبْدِ الْبَرِّ التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا وَهِيَ عَلَى شَرْطِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَوْ تَفَطَّنَ لَهَا لَسَاقَهَا فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ كَعَادَتِهِ فِي أَنْظَارِهَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فَلَعَلَّهَا مِنْ تَغْيِيرِ بعض الروَاة بعد البُخَارِيّ وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الظَّنِّ)
كَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَكَذَا فِي بن بَطَّالٍ وَفِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ مَا يُكْرَهُ وَلِلْبَاقِينَ مَا يَكُونُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ

[6067] قَوْلُهُ مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّيْثُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا كَانَا مُنَافِقَيْنِ قَوْلُهُ يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ تَأْوِيلُ اللَّيْثِ بَعِيدٌ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُ جَمِيعَ الْمُنَافِقِينَ كَذَا قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَدِيثُ لَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ لِأَنَّ فِي التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ الظَّنِّ وَفِي الْحَدِيثِ نَفْيُ الظَّنِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّفْيَ فِي الْحَدِيثِ لِظَنِّ النَّفْيِ لَا لِنَفْيِ الظَّنِّ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرْجَمَةِ وَحَاصِلُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الَّذِي

(10/485)


وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ مِنَ الظَّنِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّحْذِيرِ مِنْ مِثْلِ مَنْ كَانَ حَالُهُ كَحَالِ الرَّجُلَيْنِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الظَّنِّ السُّوءِ بِالْمُسْلِمِ السَّالِمِ فِي دينه وَعرضه وَقد قَالَ بن عُمَرَ إِنَّا كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي عِشَاءِ الْآخِرَةِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يغيب إِلَّا لأمر سيء إِمَّا فِي بدنه وَإِمَّا فِي دينه

(قَوْلُهُ بَابُ سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ)
أَيْ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُعَابُ فَيُشْرَعُ لَهُ وَيُنْدَبُ لَهُ

[6069] قَوْلُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْأُوَيْسِيُّ قَوْله عَن بن أخي بن شِهَابٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أخي بن شِهَابٍ وَقَدْ رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ الْكَبِيرِ وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً مثل هَذَا قَوْله عَن بن شِهَابٍ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَن بن أخي بن شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ قَوْلُهُ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْعَافِيَةِ وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنَى عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَإِمَّا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَسَلِمَ مِنْهُ قَوْله إِلَّا المجاهرين كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمُسْتَخْرِجِي الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ بِالنَّصْبِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِلَّا المجاهرون بِالرَّفْع وَعَلَيْهَا شرح بن بطال وبن التِّينِ وَقَالَ كَذَا وَقَعَ وَصَوَابُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِالنَّصْبِ وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ الرَّفْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ كَذَا قَالَ وَقَالَ بن مَالِكٍ إِلَّا عَلَى هَذَا بِمَعْنَى لَكِنْ وَعَلَيْهَا خَرجُوا قِرَاءَة بن كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتك أَيْ لَكِنِ امْرَأَتكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ وَكَذَلِكَ هُنَا الْمَعْنَى لَكِنِ الْمُجَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي لَا يُعَافُونَ فَالْمُجَاهِرُونَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ حَقُّ الْكَلَامِ النَّصْبُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّفْيِ وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ يُعْفَى عَنْ ذَنْبِهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقَ الْمُعْلِنَ اه وَاخْتَصَرَهُ مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ كَتَبَ فِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ الْمُجَاهِرُونَ بِالرَّفْعِ وَحَقُّهُ النَّصْبُ وَأَجَابَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ مُعَافًى وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ أَيْ كُلُّ أُمَّتِي لَا ذَنْبَ عَلَيْهِمْ إِلَّا المجاهرون وَقَالَ الطَّيِّبِيّ وَالْأَظْهَر أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى

(10/486)


كُلُّ أُمَّتِي يُتْرَكُونَ فِي الْغِيبَةِ إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ وَالْعَفْوُ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَفِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ كَقَوْلِهِ ويأبى الله الا أَن يتم نوره وَالْمُجَاهِرُ الَّذِي أَظْهَرَ مَعْصِيَتَهُ وَكَشَفَ مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُ بِهَا وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَنْ جَاهَرَ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ جَازَ ذِكْرُهُ بِمَا جَاهَرَ بِهِ دُونَ مَا لَمْ يُجَاهِرْ بِهِ اه وَالْمُجَاهِرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ جَاهَرَ بِكَذَا بِمَعْنَى جَهَرَ بِهِ وَالنُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِفَاعَلَ إِرَادَةُ الْمُبَالَغَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُفَاعَلَةِ وَالْمرَاد الَّذين يُجَاهِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالتَّحَدُّثِ بِالْمَعَاصِي وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ توكد الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ كَذَا لِابْنِ السكن والكشميهني وَعَلِيهِ شرح بن بَطَّالٍ وَلِلْبَاقِينَ الْمَجَانَةُ بَدَلَ الْمُجَاهَرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ كَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ الْجِهَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْإِهْجَارُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَإِنْ مِنَ الْهِجَارِ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى أَرْبَعَةٍ أَشْهَرُهَا الْجِهَارُ ثُمَّ تَقْدِيمُ الْهَاءِ وَبِزِيَادَةِ أَلِفٍ قَبْلَ كُلِّ مِنْهُمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ يَعْنِي إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ عِيَاضٌ وَقَعَ لِلْعَذَرِيِّ وَالسِّجْزِيِّ فِي مُسْلِمٍ الْإِجْهَارُ وَلِلْفَارِسِيِّ الْإِهْجَارُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَقَالَ زُهَيْرٌ الْجِهَارُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ من طَرِيق بن سُفْيَان وبن أَبِي مَاهَانَ عَنْ مُسْلِمٍ وَفِي أُخْرَى عَنِ بن سُفْيَانَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ الْهِجَارُ قَالَ عِيَاضٌ الْجِهَارُ وَالْإِجْهَارُ وَالْمُجَاهَرَةُ كُلُّهُ صَوَابٌ بِمَعْنَى الظُّهُورِ والاظهار يُقَال جَهَرَ وَأَجْهَرَ بِقَوْلِهِ وَقِرَاءَتِهِ إِذَا أَظْهَرَ وَأَعْلَنَ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِتَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَوَّلًا إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ قَالَ وَأَمَّا الْمَجَانَةُ فَتَصْحِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا لَا يَبْعُدُ هُنَا لِأَنَّ الْمَاجِنَ هُوَ الَّذِي يَسْتَهْتِرُ فِي أُمُورِهِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ قُلْتُ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ أَنَّهُ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ فَلَيْسَ فِي إِعَادَةِ ذِكْرِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِلَفْظِ الْمَجَانَةِ فَتُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَّانِ وَالْمَجَانَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا وَعُرْفًا فَيَكُونُ الَّذِي يُظْهِرُ الْمَعْصِيَةَ قَدِ ارْتَكَبَ مَحْذُورَيْنِ إِظْهَارَ الْمعْصِيَة وتلبسه بِفعل المجان قَالَ عِيَاض وَأم الْإِهْجَارُ فَهُوَ الْفُحْشُ وَالْخَنَاءُ وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَجَانَةِ يُقَالُ أَهْجَرَ فِي كَلَامِهِ وَكَأَنَّهُ أَيْضًا تَصْحِيفٌ مِنَ الْجِهَارِ أَوِ الْإِجْهَارِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَبْعُدُ أَيْضًا هُنَا وَأَمَّا لَفْظُ الْهِجَارِ فَبَعِيدٌ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْهِجَارَ الْحَبْلُ أَوِ الْوِتْرُ تُشَدُّ بِهِ يَدُ الْبَعِيرِ أَوِ الْحَلْقَةُ الَّتِي يُتَعَلَّمُ فِيهَا الطَّعْنُ وَلَا يَصِحُّ لَهُ هُنَا مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ بَلْ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ هَجَرَ وَأَهْجَرَ إِذَا أَفْحَشَ فِي كَلَامِهِ فَهُوَ مِثْلُ جَهَرَ وَأَجْهَرَ فَمَا صَحَّ فِي هَذَا صَحَّ فِي هَذَا وَلَا يَلْزَمُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْهِجَارِ بِمَعْنَى الْحَبْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ مَصْدَرًا مِنَ الْهُجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ قَوْلُهُ الْبَارِحَةُ هِيَ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ من وَقت القَوْل تَقول لَقيته البارحة وَأَصْلُهَا مِنْ بَرِحَ إِذَا زَالَ وَوَرَدَ فِي الْأَمر بالستر حَدِيثُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ حَدِيثُ بن عُمَرَ رَفَعَهُ اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْجَهْرِ بِالْمَعْصِيَةِ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْعِنَادِ لَهُمْ وَفِي السِّتْرِ بِهَا السَّلَامَةُ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ تُذِلُّ أَهْلَهَا وَمِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ وَمِنَ التَّعْزِيرِ إِنْ لَمْ يُوجِبْ حَدًّا وَإِذَا تَمَحَّضَ حَقُّ اللَّهِ فَهُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَرَحْمَتُهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ فَلِذَلِكَ إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَفْضَحْهُ فِي الْآخِرَةِ وَالَّذِي يُجَاهِرُ يَفُوتُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُعْرَفُ مَوْقِعُ إِيرَادِ حَدِيثِ النَّجْوَى عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَتْ مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ لِسَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ وَالَّذِي فِي الْحَدِيثِ سَتْرُ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِذَمِّ مَنْ جَاهَرَ بالمعصية فيستلزم

(10/487)


مَدْحَ مَنْ يَسْتَتِرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ سِتْرَ اللَّهِ مُسْتَلْزِمٌ لِسِتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ فَمَنْ قَصَدَ إِظْهَارَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهَا أَغْضَبَ رَبَّهُ فَلَمْ يَسْتُرْهُ وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّرَ بِهَا حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِسَتْرِهِ إِيَّاهُ وَقِيلَ إِنَّ الْبُخَارِيَّ يُشِيرُ بِذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى تَقْوِيَةِ مَذْهَبِهِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ

[6070] قَوْلُهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ وَصَفْوَانُ مَازِنِيٌّ بَصْرِيٌّ وَأَبُوهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ زَاي مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي عِدَّةِ مَوَاضِع قَوْله أَن رجلا سَأَلَ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ الْمَاضِيَةِ فِي الْمَظَالِمِ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ بن عُمَرَ آخُذُ بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ عَن قَتَادَة فِي تَفْسِير هود بَيْنَمَا بن عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ حَدِّثْنِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ كَيْفَ سَمِعْتَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِيَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ كَيْفَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى هِيَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْمَرْءُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ أَوْ يُسْمِعُ غَيْرَهُ سِرًّا دُونَ مَنْ يَلِيهِ قَالَ الرَّاغِبُ نَاجَيْتَهُ إِذَا سَارَرْتَهُ وَأَصْلُهُ أَنْ تَخْلُوَ فِي نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَقِيلَ أَصْلُهُ مِنَ النَّجَاةِ وَهِيَ أَنْ تَنْجُوَ بِسِرِّكَ مِنْ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ وَالنَّجْوَى أَصْلُهُ الْمَصْدَرُ وَقَدْ يُوصَفُ بِهَا فَيُقَالُ هُوَ نَجْوَى وَهُمْ نَجْوَى وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُنَاجَاةُ الَّتِي تَقَعُ مِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ النَّجْوَى لمقابلة مُخَاطبَة الْكفَّار على رُؤُوس الْأَشْهَادِ هُنَاكَ قَوْلُهُ يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ أَيْ يَقْرَبُ مِنْهُ قُرْبَ كَرَامَةٍ وَعُلُوِّ مَنْزِلَةٍ قَوْلُهُ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ جَانِبَهُ وَالْكَنَفُ أَيْضًا السَّتْرُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْأَوَّلُ مَجَازٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي كَنَفِ فُلَانٍ أَيْ فِي حِمَايَتِهِ وَكِلَاءَتِهِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّفَهُ تَصْحِيفًا شَنِيعًا فَقَالَ بِالْمُثَنَّاةِ بَدَلَ النُّونِ وَيُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظٍ يَجْعَلُهُ فِي حِجَابِهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَسِتْرِهِ قَوْلُهُ فَيَقُولُ عَمِلْتُ كَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا زَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَيَقُولُ لَهُ اقْرَأْ صَحِيفَتَكَ فَيَقْرَأُ وَيُقَرِّرُهُ بِذَنْبٍ ذَنْبٍ وَيَقُولُ أَتَعْرِفُ أَتَعْرِفُ قَوْلُهُ فَيَقُولُ نَعَمْ زَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ أَيْ رَبِّ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَيَقُولُ أَعْرِفُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَيَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَيَقُولُ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ إِنَّكَ فِي سِتْرِي لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذُنُوبِكَ غَيْرِي زَادَ هَمَّامٌ وَسَعِيدٌ وَهِشَامٌ فِي رِوَايَتِهِمْ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَيُطْوَى وَهُوَ خَطَأٌ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ وَوَقَعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ وَلِبَعْضِهِمُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ وَأما الْكَافِر فينادي على رُؤُوس الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ هُودٍ أَنَّ الْأَشْهَادَ جَمْعُ شَاهِدٍ مِثْلُ أَصْحَابٍ وَصَاحِبٍ وَهُوَ أَيْضًا جَمْعُ شَهِيدٍ كَشَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ تَفَضُّلُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِسِتْرِهِ لِذُنُوبِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ أَنْفَذَ الْوَعِيدَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّنْ يَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَسِتْرَهُ أَحَدًا إِلَّا الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُم الَّذين

(10/488)


يُنَادى عَلَيْهِم على رُؤُوس الْأَشْهَادِ بِاللَّعْنَةِ قُلْتُ قَدِ اسْتَشْعَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فَأَوْرَدَ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَعَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أَذِنَ لَهُمْ فِي دُخُول الْجنَّة الْحَدِيثَ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذنُوبِ فِي حَدِيث بن عُمَرَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُونَ مَظَالِمِ الْعِبَادِ فَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْمُقَاصَصَةِ وَدَلَّ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعُصَاةِ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كتاب الْإِيمَان فَدلَّ مَجْمُوع هَذِه الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْعُصَاةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْ مَعْصِيَتُهُ بَيْنَهُ وَبَين ربه فَدلَّ حَدِيث بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ مَسْتُورَةً فِي الدُّنْيَا فَهَذَا الَّذِي يَسْتُرُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ وَهُوَ بِالْمَنْطُوقِ وَقِسْمٌ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ مُجَاهَرَةً فَدَلَّ مَفْهُومُهُ عَلَى أَنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَنْ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ فَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا قِسْمٌ تَرْجَحُ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ يَقَعُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَقِسْمٌ تَتَسَاوَى سَيِّئَاتُهُمْ وَحَسَنَاتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقَعَ بَيْنَهُمُ التَّقَاصُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً على مَا دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَنْ يَفْعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ وَهُوَ يَفْعَلُ فِي عِبَادِهِ مَا يَشَاء

(قَوْلُهُ بَابُ الْكِبْرِ)
بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٌ قَالَ الرَّاغِبُ الْكِبْرُ وَالتَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ مُتَقَارِبٌ فَالْكِبْرُ الْحَالَةُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ إِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْظَمُ ذَلِكَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى رَبِّهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّكَبُّرُ يَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ زَائِدَةً عَلَى مَحَاسِنِ الْغَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ وُصِفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْمُتَكَبِّرِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّفًا لِذَلِكَ مُتَشَبِّعًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَهُوَ وَصْفُ عَامَّةِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كل قلب متكبر جَبَّار وَالْمُسْتَكْبِرُ مِثْلَهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْكِبْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الْجَوَارِحِ يُقَالُ تَكَبَّرَ وَإِلَّا قِيلَ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ وَالْأَصْلُ هُوَ الَّذِي فِي النَّفْسِ وَهُوَ الِاسْتِرْوَاحُ إِلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ وَالْكِبْرُ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَهُ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ وَبِهِ يَنْفَصِلُ الْكِبْرُ عَنِ الْعُجْبِ فَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا وَحْدَهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعْجَبًا لَا مُتَكَبِّرًا قَوْلُهُ وَقَالَ

(10/489)


مُجَاهِد ثَانِي عطفه مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسِهِ عِطْفُهُ رَقَبَتُهُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَن وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثَانِي عطفه قَالَ رقبته وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس فِي قَوْله ثَانِي عطفه قَالَ مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسِهِ وَمَنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ لَاوِي عُنُقَهُ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ ثَانِيَ عطفه أَيْ مُعْرِضٌ مِنَ الْعَظَمَةِ وَمَنْ طَرِيقِ أَبِي صَخْر الْمَدَنِيِّ قَالَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يَقُولُ هُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ هَذَا شَيْءٌ ثَنَيْتُ عَلَيْهِ رِجْلِي فَالْعِطْفُ هُوَ الرِّجْلُ قَالَ أَبُو صَخْرٍ وَالْعرب تَقول الْعَطف الْعُنُق وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ن وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَصْفُ الْمُسْتَكْبِرِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَقَوْلُهُ

[6071] أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ هُوَ بِرَفْعِ كُلُّ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ هُمْ كُلُّ ضَعِيفٍ إِلَخْ وَلَا يجوز أَن يكون بَدَلا من أهل حَدِيثُ أَنَسٍ

[6072] قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَي بن أَبِي نَجِيحٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَّاعِ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةٍ وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ نَزِيلُ أَذَنَةَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِحَدِيثِ هُشَيْمٍ حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيّ سَمِعت يحيى الْقطَّان وبن مَهْدِيٍّ يَسْأَلَانِهِ عَنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ وَرَجَّحَهُ عَلَى أَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى وَإِسْحَاقُ أَكْبرُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ يَتَفَقَّهُ وَكَانَ يَحْفَظُ نَحْوَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَا وَاسِطَةٍ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ بِوَاسِطَةٍ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَوْضِعٌ آخَرَ فِي الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا قَالَ حَمَّادٌ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ تَصْرِيحَهُ عَنْهُ بِالتَّحْدِيثِ وَقَدْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَا رِوَايَةٍ وَأَمَّا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى فَذَكَرَهُ وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ سَنَدًا وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا فَسَاقَهُ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَغَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ شَيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى فِيهِ وَإِنَّمَا عَدَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ تَخْرِيجِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِتَصْرِيحِ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بِالتَّحْدِيثِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَنْ هُشَيْمٍ أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَحُمَيْدٌ مُدَلِّسٌ وَالْبُخَارِيُّ يُخَرِّجُ لَهُ مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ قَوْلُهُ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِي حَاجَتِهَا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ إِنْ كَانَتِ الْوَلِيدَةُ مِنْ وَلَائِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تذْهب بِهِ حَيْثُ شَاءَت وَأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْقُ وَالِانْقِيَادُ وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ لِذِكْرِهِ الْمَرْأَةَ دُونَ الرَّجُلِ وَالْأَمَةَ دُونَ الْحُرَّةِ وَحَيْثُ عَمَّمَ بِلَفْظِ الْإِمَاءِ أَيَّ أَمَةٍ كَانَتْ وَبِقَوْلِهِ حَيْثُ شَاءَتْ أَيْ مِنَ الْأَمْكِنَةِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتُهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتَهَا فِي تِلْكَ الْحَاجة لساعد عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى مَزِيدِ تَوَاضُعِهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ وَمَدْحِ التَّوَاضُعِ أَحَادِيثُ مِنْ أَصَحِّهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا قَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ وَالْغَمْطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هُوَ الِازْدِرَاءُ وَالِاحْتِقَارُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ وَالسَّائِلُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ

(10/490)


ذَلِكَ وَكَذَا أَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ سَوَادِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بن حميد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ الْكِبْرُ السَّفَهُ عَنِ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا هُوَ قَالَ السَّفَهُ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَيُنْكِرُهُ فَيَأْمُرُهُ رَجُلٌ بِتَقْوَى اللَّهِ فَيَأْبَى وَالْغَمْصُ أَنْ يَجِيءَ شَامِخًا بِأَنْفِهِ وَإِذَا رَأَى ضُعَفَاءَ النَّاسِ وَفُقَرَاءَهُمْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَجْلِسْ إِلَيْهِمْ مَحْقَرَةً لَهُمْ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأخرج أَحْمد وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ اللَّهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ إِيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ فَإِنَّ الْكِبْرَ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَحكى بن بَطَّالٍ عَنِ الطَّبَرِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِبْرِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْكُفْرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكِبْرِ مَا هُوَ اسْتِكْبَارٌ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَعْنَى مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ مُعْتَقِدَ الْكِبْرِ عَلَى رَبِّهِ يَكُونُ لِخَلْقِ اللَّهِ أَشَدَّ اسْتِحْقَارًا انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حمَار بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ الْحَدِيثَ وَالْأَمْرُ بِالتَّوَاضُعِ نَهْيٌ عَنِ الْكِبْرِ فَإِنَّهُ ضِدُّهُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَقِيلَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَ أَوَّلِ الدَّاخِلِينَ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُهَا بِدُونِ مُجَازَاةٍ وَقِيلَ جَزَاؤُهُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا وَلَكِنْ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَقِيلَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَالَ دُخُولِهَا وَفِي قَلْبِهِ كِبْرٌ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَاسْتَضْعَفَهُ النَّوَوِيُّ فَأَجَادَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِذَمِّ الْكِبْرِ وَصَاحِبِهِ لَا لِلْإِخْبَارِ عَنْ صِفَةِ دُخُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَقَامُ يَقْتَضِي حَمْلَ الْكِبْرِ عَلَى مَنْ يَرْتَكِبُ الْبَاطِلَ لِأَنَّ تَحْرِيرَ الْجَوَابِ إِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الزِّينَةِ لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ فَهُوَ جَائِزٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ كَانَ لِلْبَطَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى تَسْفِيهِ الْحَقِّ وَتَحْقِيرِ النَّاسِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ المذموم

(10/491)


(قَوْلُهُ بَابُ الْهِجْرَةِ)
بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ تَرْكُ الشَّخْصِ مُكَالَمَةَ الْآخَرِ إِذَا تَلَاقَيَا وَهِيَ فِي الْأَصْلِ التَّرْكُ فِعْلًا كَانَ أَوْ قَوْلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ فَإِنَّ تِلْكَ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا قَوْلُهُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ قَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَأَرَادَ هُنَا أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ هَجَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحْرُمُ الْهِجْرَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِالنَّصِّ وَتُبَاحُ فِي الثَّلَاثِ بِالْمَفْهُومِ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ فَسُومِحَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لِيَرْجِعَ وَيَزُولَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمُعْتَبَرُ ثَلَاثُ لَيَالٍ حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْهِجْرَةِ فِي أثْنَاء النَّهَار الغي الْبَعْض وَتعْتَبر لَيْلَة ذَلِك الْيَوْمِ وَيَنْقَضِي الْعَفْوُ بِانْقِضَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ قُلْتُ وَفِي الْجَزْمِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ جُمُودٌ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنِ التَّحَاسُدِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَخَّصَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا فَحَيْثُ أُطْلِقَتِ اللَّيَالِي أُرِيدَ بِأَيَّامِهَا وَحَيْثُ أُطْلِقَتِ الْأَيَّامُ أُرِيدَ بِلَيَالِيهَا وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ مُضِيَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا مُلَفَّقَةً إِذَا ابْتُدِئَتْ مَثَلًا مِنَ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ كَانَ آخِرُهَا الظُّهْرَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُلْغَى الْكَسْرُ وَيَكُونُ أَوَّلَ الْعَدَدِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْيَوْم أَو اللَّيْلَة وَالْأول أحوط ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَفِيه عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ وَبَاقِيهِ عَنْهُمْ وَعَنْ رَابِعٍ مَوْقُوفٍ

[6073] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي عَوْفُ بن الطُّفَيْل وَهُوَ بن أَخِي عَائِشَةَ كَذَا عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالك بن الطُّفَيْل وَهُوَ بن أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ حَدَّثَنِي

(10/492)


الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ أَخًا لَهَا مِنْ أُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ عَنْهُ حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ الطُّفَيْل بن الْحَارِث وَهُوَ بن أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هَكَذَا اخْتَلَفُوا وَالصَّوَابُ عِنْدِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ يَعْنِي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ وَالطُّفَيْلُ أَبُوهُ هُوَ الَّذِي رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْهُ يَعْنِي حَدِيثَ لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان أخرجه النَّسَائِيّ وبن ماجة وَكَذَا أخرج أَحْمد طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ النَّهْيِ عَنِ الْهِجْرَانِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ من طَرِيق معمر وَشُعَيْب وَصَالح الْأَوْزَاعِيّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ طَرِيقِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَمِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ هَذَا وَهَمٌ قَالَ وَكَذَا وَهِمَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ وَصَالِحٌ فِي قَوْلِهِ عَوْفُ بْنُ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَصَابَ مَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فِي قَوْلِهِمَا عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ كَذَا قَالَ ثُمَّ قَالَ الَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيَّ قَدِمَ مَكَّةَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ رُومَان بنت عَامر الكنانية فَخَالف أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ثُمَّ مَاتَ فَخَلَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى أُمَّ رُومَانَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَائِشَةَ وَكَانَ لَهَا مِنَ الْحَارِثِ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ فَهُوَ أَخُو عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَوَلَدَ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ عَوْفًا وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذِهِ وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الَّذِي أَصَابَ فِي تَسْمِيَتِهِ وَنَسَبِهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَأَمَّا مَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فَقَلَبَاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي صَوَّبَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَالرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَرْبِيُّ عَنْهُ هِيَ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة بن كَثِيرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى وَفْقِ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وبن خَالِدٍ وَأَمَّا شُعَيْبٌ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَقَلَبَ الْحَارِثُ أَيْضًا فَسَمَّاهُ مَالِكًا وَحَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَأَصَابَ وَسَكَتَ عَنْ تَسْمِيَةِ جَدِّهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ كَذَلِكَ وَإِذَا تَحَرَّرَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ بن الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ فِي تَحْرِيرِ اسْمِ الرَّاوِي هُنَا عَنْ عَائِشَةَ وَنَسَبِهِ إِلَّا رِوَايَةَ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ فَإِنَّهَا شَاذَّةٌ لِأَنَّهُ قَلَبَ شَيْخَ الزُّهْرِيِّ فَجَعَلَهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ لِلْخَبَرِ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَصْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ قَوْلُهُ إِنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حَدَّثَتْهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ بَلَغَهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ أَيْضًا حَدَّثَتْهُ قَوْلُهُ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي دَارٍ لَهَا بَاعَتْهَا فَسَخِطَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَيْعَ تِلْكَ الدَّارِ قَوْلُهُ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَكَذَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ قَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا فَمَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَصَدَّقَتْ بِهِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الَّذِي هُنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَاعَتِ الرِّبَاعَ لِتَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا وَقَوْلُهُ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا هَذَا أَيْضًا يُفَسِّرُ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدِهَا قَوْلُهُ لِلَّهِ عَليّ نذر أَن لَا أكلم بن الزُّبَيْرِ أَبَدًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ كَلِمَةً أَبَدًا وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِكَلِمَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ بَدَلَ قَوْلِهِ أَبَدًا حَتَّى يُفَرِّقَ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَالَ

(10/493)


بن التِّينِ قَوْلُهَا أَنْ لَا أُكَلِّمَ تَقْدِيرُهُ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ اه وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِحَذْفِ لَا وَشَرَحَ عَلَيْهَا الْكِرْمَانِيُّ وَضَبَطَهَا بِالْكَسْرِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ بِلَفْظِ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّذْرُ مُعَلَّقًا عَلَى كَلَامِهِ لَا أَنَّهَا نَذَرَتْ تَرْكَ كَلَامه ناجزا قَوْله فاستشفع بن الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي حَتَّى بَدَلَ حِينَ وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى الصَّوَابِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَطَالَتْ هِجْرَتُهَا إِيَّاهُ فَنَقَصَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ فَاسْتَشْفَعَ بِكُلِّ جَدِيرٍ أَنَّهَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَاسْتَشْفَعَ عَلَيْهَا بِالنَّاسِ فَلَمْ تَقْبَلْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ فاستشفع بن الزُّبَيْرِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَقَدْ أَخْرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقَالَ لَهَا أَيْنَ حَدِيثٌ أَخْبَرْتِنِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّوْمِ فَوق ثَلَاث قَوْله فَقَالَت لَا وَالله لَا أُشَفِّعُ بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّقِيلَةِ قَوْلُهُ فِيهِ أَحَدًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَبَدًا بَدَلَ قَوْلِهِ أَحَدًا وَجَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَوْلُهُ وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَلَا أَحْنَثُ فِي نَذْرِي وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَا آثَمُ فِيهِ أَيْ فِي نذرها أَو فِي بن الزُّبَيْرِ وَتَكُونُ فِي سَبَبِيَّةً قَوْلُهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِك على بن الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا مِنْ بني زهرَة أما الْمسور فَهُوَ بن مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَجَدُّهُ يَغُوثُ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُثَلّثَة وَهُوَ بن وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ يَجْتَمِعُ مَعَ الْمِسْوَرِ فِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَوُهَيْبٌ وَأُهَيْبٌ أَخَوَانِ وَمَاتَ الْأَسْوَدُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُسْلِمْ وَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَغِيرٌ فَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ حَدِيثٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ سَيَأْتِي قَرِيبًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبِأَخْوَالِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ مَعْنَى هَذِهِ الْخُئُولَةِ وَصِفَةِ قَرَابَةِ بَنِي زُهْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَوْلُهُ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَا بِالتَّخْفِيفِ وَمَا زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ حَكَاهُ عِيَاضٌ يَعْنِي أَلَا أَيْ لَا أَطْلُبُ إِلَّا الْإِدْخَالَ عَلَيْهَا وَنَظَّرَهُ بقوله تَعَالَى لما جَمِيع لدينا محضرون وَقَوله لما عَلَيْهَا حَافظ فقد قرنا بِالْوَجْهَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَلَا أَدْخَلْتُمَانِي زَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فَسَأَلَهُمَا أَنْ يَشْتَمِلَا عَلَيْهِ بِأَرْدِيَتِهِمَا قَوْلُهُ فَإِنَّهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَإِنَّهُ وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قطيعتي لِأَنَّهُ كَانَ بن أُخْتِهَا وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ غَالِبًا قَوْلُهُ فَقَالَا السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَقَالَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي الْأَوَّلِ مَفْتُوحَةً قَوْلُهُ أَنَدْخُلُ قَالَتْ نَعَمْ قَالُوا كُلُّنَا قَالَتْ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَا وَمَنْ مَعَنَا قَالَتْ وَمَنْ مَعَكُمَا قَوْلُهُ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَبَكَى إِلَيْهَا وَبَكَتْ إِلَيْهِ وَقَبَّلَهَا وَفِي رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وناشدها بن الزُّبَيْرِ اللَّهَ وَالرَّحِمَ قَوْلُهُ وَيَقُولَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُرُودُ الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى كَحَدِيثَيْ أَنَسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَرْفُوعُ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ هُنَا مِنْ مُسْنَدِ الْمِسْوَرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَعَائِشَةَ جَمِيعًا فَإِنَّهَا أَقَرَّتْهُمَا عَلَى ذَلِكَ

(10/494)


وَقَدْ غَفَلَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنْظَارَهُ فَيَلْزَمُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ طَرِيقٌ أُخْرَى تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ وَجَاءَ الْمَتْنُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ بَعْدُ تَنْبِيهٌ ادَّعَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْهِجْرَانَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَرْكُ السَّلَامِ إِذَا الْتَقَيَا وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ من عَائِشَة فِي حق بن الزُّبَيْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ وَالْحَالِفُ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ وَتَرْكُ السَّلَامِ دَاخِلٌ فِي تَرْكِ الْكَلَامِ وَقَدْ نَدِمَتْ عَلَى سَلَامِهَا عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا حَنِثَتْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا كَانَتْ تُعْتِقُهُ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ قَوْلُهُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ أَيِ التَّذْكِيرِ بِمَا جَاءَ فِي فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْعَفْوِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ قَوْلُهُ وَالتَّحْرِيجِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ الْجِيمِ أَيِ الْوُقُوعُ فِي الْحَرَجِ وَهُوَ الضِّيقُ لِمَا وَرَدَ فِي الْقَطِيعَةِ مِنَ النَّهْيِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ التَّخْوِيفِ قَوْلُهُ فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كلمت بن الزُّبَيْرِ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَكَلَّمَتْهُ بَعْدَ مَا خَشِيَ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ كَادَتْ أَنْ لَا تَقْبَلَ مِنْهُ قَوْلُهُ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى الْيَمَنِ بِمَالٍ فَابْتِيعَ لَهَا بِهِ أَرْبَعُونَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَتْهَا كَفَّارَةً لِنَذْرِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ فَأَعْتَقَتْهُمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهَا بِالْعَشَرَةِ أَوَّلًا وَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْبَابِ أَنْ تَكُونَ هِيَ اشْتَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَامَ الْأَرْبَعِينَ فَأَعْتَقَتْهُمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ قَوْلُهُ وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَذْكُرُ نَذْرَهَا ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا فَأَعْمَلُهُ فَأَفْرُغُ مِنْهُ وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهَا هَذَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي بَابِ التَّحَاسُدِ وَأَرَادَ بِإِيرَادِهِمَا مَعًا أَنَّهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ شَيْخِهِ وَأَوَّلُ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْهُ لَا يَحِلُّ لِرَجُلِ كَمَا عَلَّقَهُ أَوَّلًا وَزَادَ فِيهِ يَلْتَقِيَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَيَلْتَقِيَانِ بِزِيَادَةِ فَاءٍ

[6077] قَوْلُهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ هَكَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ وَخَالَفَهُمْ عُقَيْلٌ فَقَالَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُبَيٍّ وَخَالَفَهُمْ كُلَّهُمْ شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ أَمَّا شبيب فَلم يضْبط سَنَده وَقد ضَبطه بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ فَسَاقَهُ عَلَى الصَّوَابِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا عُقَيْلٌ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِ لَفْظُ أَيُّوبَ فَصَارَ عَنْ أُبَيٍّ فَنَسَبَهُ مِنْ قِبَلِ نَفسه فَقَالَ بن كَعْبٍ فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ وَهُوَ مِنَ الرِّفْقِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِي طَبْعِهِ الْغَضَبُ وَسُوءُ الْخُلُقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَزُولُ أَوْ يَقِلُّ فِي الثَّلَاثِ قَوْلُهُ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ يَسْبِقُ إِلَى الْجَنَّةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلِأَحْمَدَ وَالْمُصَنّف فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِثَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صِرَامِهِمَا وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ كَفَّارَةً فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صِرَامِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا قَوْلُهُ وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ

(10/495)


بِالسَّلَامِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ تَزُولُ الْهِجْرَةُ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَبْرَأُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا بِعَوْدِهِ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلًا وَقَالَ أَيْضًا تَرْكُ الْكَلَامِ إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ تَنْقَطِعِ الْهِجْرَةُ بِالسَّلَامِ وَكَذَا قَالَ بن الْقَاسِمِ وَقَالَ عِيَاضٌ إِذَا اعْتَزَلَ كَلَامَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَعْنِي وَهَذَا يُؤَيّد قَول بن الْقَاسِمِ قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُتَوَقَّى فِيهَا وَتَرْكَ الْمُكَالَمَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي بَاطِنِهِ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا زَوَالُ الْهِجْرَةِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَرْكِهِ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ فَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَن بن مَسْعُودٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَوْقُوفٍ وَفِيهِ وَرُجُوعُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ أَخَاهُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ لِمَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ الَّذِي يَقْبَلُ خِطَابَ الشَّرْعِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْأُخُوَّةِ فَدَالٌّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ الْكَافِرَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَامْتَنَعَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ أَثِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحِلِّ يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ آثِمٌ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْهِجْرَانُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا لِمَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُدْخِلُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَاهُ مَضَرَّةً فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ وَرُبَّ هَجْرٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَا صدر من عَائِشَة فِي حق بن الزبير قَالَ بن التِّينِ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ أَوْ أَنْ أُصَلِّيَ وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ فَلَا نَذْرَ وَتَرْكُ الْكَلَامِ يُفْضِي إِلَى التَّهَاجُرِ وَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ السَّلَامِ فَقَطْ وَإِنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنْ عَائِشَةَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنَ السَّلَامِ عَلَى بن الزُّبَيْرِ وَلَا مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ لَمَّا بَدَأَهَا بِالسَّلَامِ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ نَظِيرَ مَنْ كَانَا فِي بَلَدَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يُكَلِّمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَا مَعَ ذَلِكَ مُتَهَاجِرَيْنِ قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَأْذَنُ لِأَحَدٍ من الرِّجَال أَن يدْخل عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذن وَمن دخل كَانَ بَينه وَبَينهَا حجاب إِلَّا إِن كَانَ ذَا محرم مِنْهَا وَمَعَ ذَلِك لَا يدْخل عَلَيْهَا حجابها إِلَّا بِإِذْنِهَا فَكَانَت فِي تِلْكَ الْمدَّة منعت بن الزُّبَيْرِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الْمَأْخَذِ الَّذِي سَلَكَهُ مِنْ أَوْجُهٍ لَا فَائِدَةَ لِلْإِطَالَةِ بِهَا وَالصَّوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ غَيره أَن عَائِشَة رَأَتْ أَن بن الزُّبَيْرِ ارْتَكَبَ بِمَا قَالَ أَمْرًا عَظِيمًا وَهُوَ قَوْلُهُ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَإِنَّ فِيهِ تَنْقِيصًا لِقَدْرِهَا وَنِسْبَةً لَهَا إِلَى ارْتِكَابِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ التَّبْذِيرِ الْمُوجِبِ لِمَنْعِهَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا رَزَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَتَهُ أُخْتَ أُمِّهِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَهَا فِي مَنْزِلَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ نَوْعَ عُقُوقٍ وَالشَّخْصُ يَسْتَعْظِمُ مِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ مَا لَا يَسْتَعْظِمُهُ مِنَ الْغَرِيبِ فَرَأَتْ أَنَّ مُجَازَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ بِتَرْكِ مُكَالَمَتِهِ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ عُقُوبَةً لَهُمْ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ كَلَامِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ مُؤَاخَذَةً لِلثَّلَاثَةِ لِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ وَازْدِرَاءً بِالْمُنَافِقِينَ لِحَقَارَتِهِمْ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَدَرَ مِنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَجْرَ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَتَضَيَّقُ بِالثَّلَاثِ وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ مَا صَدَرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ فِي اسْتِجَازَتِهِمْ تَرْكَ مُكَالَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُهَاجَرَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هُنَا مَقَامَيْنِ أَعْلَى وَأَدْنَى فَالْأَعْلَى اجْتِنَابُ الْإِعْرَاضِ جُمْلَةً فَيَبْذُلُ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ وَالْمُوَادَدَةَ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَالْأَدْنَى الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّلَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَتْرُكُ الْمَقَامَ الْأَدْنَى وَأَمَّا الْأَعْلَى فَمَنْ تَركه

(10/496)


مِنَ الْأَجَانِبِ فَلَا يَلْحَقُهُ اللَّوْمُ بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بن الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا قَطِيعَتِي أَيْ إِنْ كَانَتْ هِجْرَتِي عُقُوبَةً عَلَى ذَنبي فَلْيَكُن لذَلِك أمد وَإِلَّا فتأييد ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَكِنَّهَا تَعَارَضَ عِنْدَهَا هَذَا وَالنَّذْرُ الَّذِي الْتَزَمَتْهُ فَلَمَّا وَقَعَ مِنَ اعْتِذَارِ بن الزُّبَيْرِ وَاسْتِشْفَاعِهِ مَا وَقَعَ رُجِّحَ عِنْدَهَا تَرْكُ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَاحْتَاجَتْ إِلَى التَّكْفِيرِ عَنْ نَذْرِهَا بِالْعِتْقِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْرِضُ عِنْدَهَا شَكٌّ فِي أَنَّ التَّكْفِيرَ الْمَذْكُورَ لَا يَكْفِيهَا فَتُظْهِرُ الْأَسَفَ عَلَى ذَلِكَ إِمَّا نَدَمًا عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهَا مِنْ أَصْلِ النَّذْرِ الْمَذْكُورِ وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ عَاقِبَةِ ترك الْوَفَاء بِهِ وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى)
أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيَانَ الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ لِأَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ لِهَجْرِهِ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ فَتَبَيَّنَ هُنَا السَّبَبُ الْمُسَوِّغُ لِلْهَجْرِ وَهُوَ لِمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ فَيَسُوغُ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا مِنْهُ هَجْرُهُ عَلَيْهَا لِيَكُفَّ عَنْهَا قَوْله وَقَالَ كَعْب أَي بن مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَهَذَا طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَذكر حَدِيثُ عَائِشَةَ إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكَ وَرِضَاكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ الْمُهَلَّبُ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُبَيِّنَ صِفَةَ الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ وَأَنَّهُ يَتَنَوَّعُ بِقَدْرِ الْجُرْمِ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِصْيَانِ يَسْتَحِقُّ الْهِجْرَانَ بِتَرْكِ الْمُكَالَمَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُغَاضَبَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْإِخْوَانِ فَيَجُوزُ الْهَجْرُ فِيهِ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ مَثَلًا أَوْ بِتَرْكِ بَسْطِ الْوَجْهِ مَعَ عَدَمِ هَجْرِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ قِيَاسَ هِجْرَانِ مَنْ يُخَالِفُ الْأَمر الشَّرْعِيّ عَلَى هِجْرَانِ اسْمٍ مَنْ يُخَالِفُ الْأَمْرَ الطَّبِيعِيَّ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ قِصَّةُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَصْلٌ فِي هِجْرَانِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ هِجْرَانِ الْفَاسِقِ أَوِ الْمُبْتَدِعِ مَشْرُوعًا وَلَا يُشْرَعُ هِجْرَانُ الْكَافِرِ وَهُوَ أَشَدُّ جُرْمًا مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا من أهل التَّوْحِيد فِي الْجُمْلَة وَأجَاب بن بَطَّالٍ بِأَنَّ لِلَّهِ أَحْكَامًا فِيهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهَا وَعَلَيْهِمُ التَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ فِيهَا فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ الْهِجْرَانُ بِالْقَلْبِ وَالْهِجْرَانُ بِاللِّسَانِ فَهِجْرَانُ الْكَافِرِ بِالْقَلْبِ وَبِتَرْكِ التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ هِجْرَانُهُ بِالْكَلَامِ لِعَدَمِ ارْتِدَاعِهِ بِذَلِكَ عَنْ كُفْرِهِ بِخِلَافِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَنْزَجِرُ بِذَلِكَ غَالِبًا وَيَشْتَرِكُ كُلٌّ مِنَ الْكَافِرِ وَالْعَاصِي فِي مَشْرُوعِيَّةِ مُكَالَمَتِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنَّمَا الْمَشْرُوعُ تَرْكُ الْمُكَالَمَةِ بِالْمُوَادَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ

(10/497)


عِيَاضٌ إِنَّمَا اغْتُفِرَتْ مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرَةُ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَهِيَ لَا تَنْشَأُ إِلَّا عَنْ فَرْطِ الْمَحَبَّةِ فَلَمَّا كَانَ الْغَضَبُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُغْضَ اغْتُفِرَ لِأَنَّ الْبُغْضَ هُوَ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهَا لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا مَمْلُوءٌ بِمَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[6078] قَوْلُهُ أَجَلْ بِوَزْنِ نَعَمْ وَمَعْنَاهُ وَقَالَ الْأَخْفَشُ إِلَّا أَنَّ نَعَمْ أَحْسَنُ مِنْ أَجَلْ فِي جَوَابَ الِاسْتِفْهَامِ وَأَجَلْ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ قُلْتُ وَهِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَفْقِ مَا قَالَ

(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)
قِيلَ الْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَتَمَة وَقيل إِلَى الْفجْر فَقَالَ بن فَارِسٍ الْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الطَّعَامُ وَبِالْكَسْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَتَمَةِ وَالْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْفجْر

[6079] قَوْله هِشَام هُوَ بن يُوسُفَ قَوْلُهُ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ ح وَقَالَ اللَّيْثُ وَهَذَا التَّعْلِيقُ سَبَقَ مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَوْصُولًا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَن اللَّيْث قَوْله قَالَ بن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ كَأَنَّ هَذَا سِيَاقَ مَعْمَرٍ وَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ كَلَامٌ آخَرُ فَعَطَفَ هَذَا عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بن شهَاب قَالَ وَأَخْبرنِي عُرْوَة كَذَا رَأَيْتُهُ فِيهِ بِالْوَاوِ وَأَمَّا رِوَايَةُ عُقَيْلٍ فَلَفْظُهُ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ عَنِ بن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ إِلَخْ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ يُحْوِجُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّفَ الْمَجِيءَ إِلَيْهِ وَكَانَ يُمْكِنُهُ هُوَ أَن يفعل ذَلِك وَأجَاب بن التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجِيءُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِمُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ بَلْ لِمَا يَتَزَايَدُ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي هَذَا الْجَوَابُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَمْنَعُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجِيءُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ يَأْمَنُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ بَيْنَ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ وَالْمَقْصُودُ الْمَسْجِدُ وَكَانَ يَشْهَدُهُ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى بِطُولِهِ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَمَزَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى تَوْهِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ أَكْثَرُهَا غَرَائِبُ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ وَجَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي بَرْزَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ وَأَقْوَى طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ وَالْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بن

(10/498)


السَّقَّاءِ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبُو عَقِيلٍ كُوفِيٌّ مَشْهُور بكنيته قَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ سَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَهُوَ صَدُوقٌ وَذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ رُبَّمَا أَخْطَأَ وَأَغْرَبَ قُلْتُ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَقَدْ رَفَعَهُ أَيْضًا يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ رَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ السَّقَّاءِ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَدِّهِ يَعْقُوبَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ فَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ عَنْ أَبِي حِبَّانَ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْقُوفًا فِي قِصَّةٍ لَهُ مَعَ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ بن حَيَّان فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا قَالَ قَوْلُ الْأَوَّلِ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا فَقَالَ عِبدَ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ دَعُونَا مِنْ بَطَالَتِكُمْ هَذِهِ وَأَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتِ الحَدِيث فِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر أَبُو عبيد فِي الْأَمْثَالِ بِأَنَّهُ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ وَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ شَائِعًا فِي الْمُتَقَدِّمِينَ فَرَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدٍ السَّقَّاءِ قَالَ أَنْشَدُونَا لِهِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي لَكَ أَخْلَصُ الثَّقَلَيْنِ قَلْبَا لَكِنْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا زُورُوا عَلَى الْأَيَّام غبا وَلقَوْله من زار غبا مِنْكُمْ يَزْدَادُ حُبَّا قُلْتُ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوجِزَ فَيَقُولُ لَكِنْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا مَنْ زَارَ غِبًّا زَادَ حُبَّا وَقَدْ أَنْشَدُونَا لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْقُرْطُبِيِّ رَاوِي الْمُوَطَّأِ أَقِلَّ زِيَارَةَ الإخوان تَزْدَدْ عِنْدهم قربا فَإِن الْمُصْطَفى قد قَالَ زُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبَّا قُلْتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّ عُمُومَهُ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُوصِيَّة ومودة ثَابِتَةٍ فَلَا يَنْقُصُ كَثْرَةُ زِيَارَتِهِ مِنْ مَنْزِلَتِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ الصِّدِّيقُ الْمُلَاطِفُ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ الزِّيَارَةِ إِلَّا محبَّة بِخِلَاف غَيره

(قَوْلُهُ بَابُ الزِّيَارَةِ)
أَيْ مَشْرُوعِيَّتُهَا وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ أَيْ مِنْ تَمَامِ الزِّيَارَةِ أَن يقدم للزائر مَا حضر قَالَه بن بَطَّالٍ وَهُوَ مِمَّا يُثَبِّتُ الْمَوَدَّةَ وَيَزِيدُ فِي الْمَحَبَّةِ قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ أخرجه الْحَاكِم

(10/499)


وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ دَخَلَ عَلَى جَابِرٍ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ خُبْزًا وَخَلًّا فَقَالَ كُلُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ إِنَّهُ هَلَاكٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ النَّفَرُ مِنْ إِخْوَانِهِ فَيَحْتَقِرُ مَا فِي بَيْتِهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَيْهِمْ وَهَلَاكٌ بِالْقَوْمِ أَنْ يَحْتَقِرُوا مَا قُدِّمَ إِلَيْهِمْ وَوَرَدَ فِي فَضْلِ الزِّيَارَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَفَعَهُ مَنْ زَارَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَرْجِعَ قَوْلُهُ وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ عِنْدَهُ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأَبِي جُحَيْفَةَ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الصّيام

[6080] قَوْله عبد الْوَهَّاب هُوَ بن عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ قَوْلُهُ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ هُمْ أَهْلُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ كَمَا مضى فِي الصَّلَاة مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَأَوَّلُهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ وَصَنَعَ طَعَامًا الْحَدِيثَ وَأَوْرَدَهُ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَقِصَّةُ عِتْبَانَ وَطَلَبُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا مُطَوَّلَةً وَفِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ تَأَخَّرَ حَتَّى أَكَلَ عِنْدَهُمْ وَفِيهِ قِصَّةُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ وَوَقَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ كُنْيَةِ الصَّبِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرُ الْبِسَاطِ وَنَضْحِهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّعَامِ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ وَفِيهِ ذِكْرُ نَضْحِ الْحَصِيرِ وَالصَّلَاةِ بِهِمْ لَكِنْ لَيْسَ فِي أَوَّلِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُخْتَصٌّ بِقِصَّةِ عِتْبَانَ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَوَهِمَ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ بَيْتُ أَبِي طَلْحَةَ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَارَةِ وَدُعَاءِ الزَّائِرِ لمن زَارَهُ وَطعم عِنْده

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ)
أَيْ حَسَّنَ هَيْئَتَهُ بِالْمَلْبُوسِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِ وَالْوُفُودُ جَمْعُ وَافِدٍ وَهُوَ مَنْ يَقْدُمُ عَلَى مَنْ لَهُ أَمْرٌ أَوْ سُلْطَانٌ زَائِرًا أَوْ مُسْتَرْفِدًا وَالْمرَاد هُنَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ لِلْوُفُودِ مَنْ كَانَ يَرِدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ يُرْسِلُهُمْ قَبَائِلُهُمْ يُبَايِعُونَ لَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَتَعَلَّمُونَ أُمُورَ الدِّينِ حَتَّى يُعَلِّمُوهُمْ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ بِصُورَة

(10/500)


الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْكَرَ لُبْسَ الْحَرِيرِ بِقَرِينَةِ

[6081] قَوْلِهِ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ التَّجَمُّلِ لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ مَعَ ذَلِك ذكر فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ حُلَّةِ عُطَارِدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَعَبْدُ الصَّمد فِي سَنَده هُوَ بن عَبْدِ الْوَارِثِ وَقَوْلُهُ وَخَشُنَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ تَجَمَّلَ بِهَا لِلْوُفُودِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدِ اعْتَرَضَهَا الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ التَّجَمُّلُ لِلْوُفُودِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فَعَلَ كَذَا إِلَّا لِمَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّرْجَمَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَمَسِّكًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُور وَقَوله فِي آخر الحَدِيث وَكَانَ بن عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْخطابِيّ مَذْهَب بن عمر فِي هَذَا مَذْهَب الْوَرع وَكَانَ بن عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي رِوَايَتِهِ إِلَّا عَلَمًا فِي ثَوْبٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْعَلَمِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ اللُّبْسِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ غَزْلَ فُلَانَةٍ فَأَخَذَ ثَوْبًا فَنَسَجَ فِيهِ مِنْ غَزْلِهَا وَمِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا وَكَانَ الَّذِي مِنْ غَزْلِهَا لَوِ انْفَرَدَ لَمْ يَبْلُغْ إِذَا نُسِجَ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَقَعُ عَلَى مِثْلِهِ اسْمُ اللُّبْسِ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِك مُسْتَوفى هُنَاكَ

(قَوْلُهُ بَابُ الْإِخَاءِ وَالْحِلْفِ)
بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ هُوَ الْمُعَاهَدَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ هُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ بن مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرِ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ وَذكر غير وَاحِد أَنه آخى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَطْ وَمَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَوْلُهُ وَقَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةُ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لم وَلَوْ بِشَاةٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ وَقَدَّمْتُ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ

[6083] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ قَوْلُهُ عَاصِمٌ هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلُ قَوْلُهُ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة

(10/501)


عَنْ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ حَالَفَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُهَاجِرِينَ بَدَلَ قُرَيْشٍ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَالَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ قَدْ حَالَفَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ مُخْتَصَرًا وَعُرِفَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ تَسْمِيَةُ السَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ مُخْتَصَرًا خَالِيًا عَنِ السُّؤَالِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَحَدِيثُ الْقُنُوتِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ مَضَى فِي الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَلَفظه وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى نَحْوَهُ بِاخْتِصَارٍ وَأَخْرَجَ أَيْضا أَحْمد وَأَبُو يعلى وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ وَحِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ كَانَ قبل المبعث بِمدَّة ذكره بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ جَمْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَنْصُرُوا الْمَظْلُومَ وَيُنْصِفُوا بَيْنَ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الْخَيْرِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَتَضَمَّنَ جَوَابُ أَنَسٍ إِنْكَارَ صَدْرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ الْحِلْفِ وَفِيمَا قَالَهُ هُوَ إِثْبَاتُهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ مَا كَانُوا يَعْتَبِرُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نَصْرِ الْحَلِيفِ وَلَوْ كَانَ ظَالِمًا وَمِنْ أَخْذِ الثَّأْرِ مِنَ الْقَبِيلَةِ بِسَبَبِ قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِنَ التَّوَارُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْمُثْبَتُ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْقِيَامِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْمُصَادَقَةِ وَالْمُوَادَدَةِ وَحفظ الْعَهْد وَقد تقدم حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي نَسْخِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْحَلِيفَ السُّدُسَ دَائِمًا فنسخ ذَلِك وَقَالَ بن عُيَيْنَةَ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَ أَنَسٍ حَالَفَ عَلَى الْمُؤَاخَاةِ قُلْتُ لَكِنْ سِيَاقُ عَاصِمٍ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنه أَرَادَ المحالفة حَقِيقَة إِلَّا لما كَانَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا وَتَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا وَتَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَابُ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا أَوَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الْحِلْفِ وَتَقَدَّمَ مَا يتَعَلَّق بالمؤاخاة الْمَذْكُورَة هُنَاكَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَنْفِيُّ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ وَأَمَّا التَّحَالُفُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْمُؤَاخَاةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَمر مرغب فِيهِ

(10/502)


(قَوْلُهُ بَابُ التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ)
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّبَسُّمُ مَبَادِئُ الضَّحِكِ وَالضَّحِكُ انْبِسَاطُ الْوَجْهِ حَتَّى تَظْهَرَ الْأَسْنَانُ مِنَ السُّرُورِ فَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ وَكَانَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْ بُعْدٍ فَهُوَ الْقَهْقَهَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الضَّحِكُ وَإِنْ كَانَ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ التَّبَسُّمُ وَتُسَمَّى الْأَسْنَانُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ الضَّوَاحِكَ وَهِيَ الثَّنَايَا وَالْأَنْيَابُ وَمَا يَلِيهَا وَتُسَمَّى النواجذ قَوْله

(10/504)


وَقَالَتْ فَاطِمَةُ أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحكت هُوَ طَرَفٍ مِنْ حَدِيثٍ لِعَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ مَرَّ بِتَمَامِهِ وَشَرْحِهِ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى أَيْ خَلَقَ فِي الْإِنْسَانِ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ وَأَشَارَ فِيهِ بن عَبَّاسٍ بِجَوَازِ الْبُكَاءِ بِغَيْرِ نِيَاحَةٍ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ تِسْعَةَ أَحَادِيثَ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا وَفِي جَمِيعِهَا ذِكْرُ التَّبَسُّمِ أَوِ الضَّحِكِ وَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ لَكِنَّ أَكْثَرَهَا لِلتَّعَجُّبِ وَبَعْضُهَا لِلْإِعْجَابِ وَبَعْضُهَا لِلْمُلَاطَفَةِ الْأَوَّلُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهَا فِيهِ وَمَا يَزِيدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّبَسُّمِ وَقَدْ مَرَّ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كتاب الصَّلَاة وَقَوله

[6084] فِيهِ وبن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَنِ الْجُرْجَانِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ خَالِدٌ وَقَدْ وَقَعَ مُسَمًّى فِيمَا مَضَى الثَّانِي حَدِيثُ سَعْدٍ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ فَقَالَ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَا يُقَالُ لِلْكَبِيرِ إِذَا ضَحِكَ وَإِسْمَاعِيلُ شَيْخُهُ فِيهِ هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني لَعَلَّه بن أَبَى أُوَيْسٍ قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ حَدِيثٌ قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ جَزْمًا وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَمْرٍو هُوَ بن دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَهُوَ الشَّاعِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ هُنَا عَمْرٌو بِفَتْحِهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا

[6086] قَوْلُهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ فِيهِ لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحُهَا قَالَ بن التِّينِ ضَبَطْنَاهُ بِالرَّفْعِ وَالصَّوَابُ النَّصْبُ لِأَنَّ أَوْ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إِلَى أَنْ نَصَبَتْ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ قَوْلُهُ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِالْخَبَرِ كُلِّهِ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ وَصَلَهُ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلُّهُ بِالْخَبَرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ذُكِرَ بِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ لَا بِالْعَنْعَنَةِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ

[6087] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيل وَإِبْرَاهِيم هُوَ بن سعد قَوْله حَدثنَا بن شِهَابٍ هَذَا إِنَّمَا سَمِعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ بَيْنَهُمَا وَقِصَّةُ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَوْلُهُ فِيهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ بن سَعْدٍ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فِيهِ بَيَانٌ لِمَا أَدْرَجَهُ غَيْرُهُ فَجَعَلَ تَفْسِيرَ الْعَرَقِ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَالنَّوَاجِذُ جَمْعُ نَاجِذَةٍ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ هِيَ الْأَضْرَاسُ وَلَا تَكَادُ تَظْهَرُ إِلَّا عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الضَّحِكِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثَامِنِ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي قَالَهُ بن بَطَّالٍ وَأَقْوَى مِنْهُ أَنَّ الَّذِي نَفَتْهُ غَيْرُ الَّذِي أَثْبَتَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّوَاجِذِ الْأَنْيَابَ مَجَازًا أَوْ تَسَامُحًا وَبِالْأَنْيَابِ مَرَّةً فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مُعْظَمِ أَحْوَالِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّبَسُّمِ وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَضَحِكَ وَالْمَكْرُوهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الْإِكْثَارُ مِنْهُ أَوِ الافراط فِيهِ لِأَنَّهُ يذهب الْوَقار قَالَ بن بَطَّالٍ وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ فِعْلِهِ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ

(10/505)


فقد روى البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وبن مَاجَهْ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَنَسٍ

[6088] قَوْلُهُ مَالِكٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا عِنْدَ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ لَكِنْ خَارِجَ الْمُوَطَّأ وَزَاد بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قُلْتُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بن عمار كُلُّهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ مَالِكٍ وَبَيَّنَ بَعْضَ لَفْظِ غَيْرِهِ قَوْلُهُ كُنْتُ أَمْشِي فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ رِدَاءٌ قَوْلُهُ نَجْرَانِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةٌ إِلَى نَجْرَانَ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي قَوْلُهُ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ الصَّنِفَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَهِيَ طَرَفُ الثَّوْبِ مِمَّا يَلِي طُرَّتَهُ قَوْلُهُ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ زَادَ هَمَّامٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ قَوْلُهُ فَجَبَذَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَجَذَبَ وَهِيَ بِمَعْنَى جَبَذَ قَوْلُهُ جَبْذَةٌ شَدِيدَةٌ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ حَتَّى رَجَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ الْأَعْرَابِيِّ قَوْلُهُ قَالَ أَنَسٌ فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عُنُقِ وَكَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ قَوْلُهُ أَثَّرَتْ فِيهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهَا وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ وَذَهَبَتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِهِ وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ لَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُجْرَتِهِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ لَقِيَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَأَدْرَكَهُ لَمَّا كَادَ يَدْخُلُ فَكَلَّمَهُ أَوْ مَسَكَ بِثَوْبِهِ لَمَّا دَخَلَ فَلَمَّا كَادَ يَدْخُلُ الْحُجْرَةَ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ فَجَبَذَهُ قَوْلُهُ مُرْ لِي فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ أَعْطِنَا قَوْلُهُ فَضَحِكَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ مُرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَأَمَرَ لَهُ بِشَيْءٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ حِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّجَاوُزِ عَلَى جَفَاءِ مَنْ يُرِيدُ تَأَلُّفَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلِيَتَأَسَّى بِهِ الْوُلَاةُ بَعْدَهُ فِي خُلُقِهِ الْجَمِيلِ مِنَ الصَّفْحِ وَالْإِغْضَاءِ وَالدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الحَدِيث السَّادِس حَدِيث جرير وَهُوَ بن عبد الله البَجلِيّ وبن نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير وبن إِدْرِيس هُوَ عبد الله وَإِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ وَالْجَمِيعُ كُوفِيُّونَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ بِلَفْظِ إِلَّا ضَحِكَ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَالتَّبَسُّمُ أَوَائِلُ الضَّحِكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَّةُ شَرْحِهِ هُنَاكَ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي سُؤَالِ أُمِّ سُلَيْمٍ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ

[6091] قَوْلُهُ فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِوُقُوعِ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا ضَحِكَهَا وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهَا إِنْكَارُهَا احْتِلَامَ الْمَرْأَةِ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ

[6092] قَوْلُهُ عَمْرٌو هُوَ بن الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ وَأَبُو النَّضْرِ هُوَ سَالِمٌ قَوْلُهُ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مُسْتَجْمِعًا ضَحِكًا أَيْ مُبَالِغًا فِي الضَّحِكِ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا يُقَالُ اسْتَجْمَعَ السَّيْلُ اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ وَاسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُمُورُهُ اجْتَمَعَ لَهُ مَا يُحِبُّهُ فَعَلَى هَذَا قَوْلِهِ ضَاحِكًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِثْلَ لِلَّهِ دَرُّهُ فَارِسًا أَيْ مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَجْمِعًا مِنْ جِهَةِ الضَّحِكِ بِحَيْثُ يَضْحَكُ ضَحِكًا تَامًّا مُقْبِلًا بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الضَّحِكِ وَاللَّهَوَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بِأَعْلَى الْحَنْجَرَةِ مِنْ أَقْصَى الْفَمِ وَهَذَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ وَشَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي طَلَبَ الِاسْتِقَاءَ ثُمَّ

(10/506)


الِاسْتِصْحَاءَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ ضَحِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عِنْد قَول الْقَائِل غَرِقْنَا أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ وَسَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَسَاقَهُ فِي الدَّعَوَاتِ عَلَى لَفْظِ أَبِي عَوَانَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ شَيْخُهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ الله الْبنانِيّ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الَّذِي لقِيه مَحْبُوب وَوهم من وَحدهمَا كشيخنا بن الْمُلَقِّنِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ هُنَا وَرَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا فِي عِدَادِ شُيُوخِ الْآخَرِ وَشَيْخُ الْبُخَارِيِّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ وَاسْمُ أَبِيهِ مَحْبُوبٌ وَالْآخَرُ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَاسْمُ أَبِيهِ الْحَسَنُ وَمَحْبُوبٌ لَقَبُ مُحَمَّدٍ لَا لَقَبُ الْحَسَنِ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ حَدِيثًا وَاحِدًا قَالَ فِيهِ حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ وَسَبَبُ الْوَهْمِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَسَانِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَحْبُوبٌ فظنوا أَنه لقب الْحسن وَلَيْسَ كَذَلِك

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ)
قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْقَوْلِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَعْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا يَكُونَانِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ إِلَّا فِي الْخَبَرِ وَقَدْ يَكُونَانِ فِي غَيْرِهِ كَالِاسْتِفْهَامِ وَالطَّلَبِ وَالصِّدْقُ مُطَابَقَةُ الْقَوْلِ الضَّمِيرَ وَالْمُخْبَرَ عَنْهُ فَإِنِ انْخَرَمَ شَرْطٌ لَمْ يَكُنْ صِدْقًا بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَوْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا عَلَى اعْتِبَارَيْنِ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ صَدَقَ لكَون الْمخبر عَنهُ كَذَلِك وَيصِح أَنْ يُقَالَ كَذَبَ لِمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لِضَمِيرِهِ وَالصِّدِّيقُ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الصِّدْقُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فِي كُلِّ مَا يَحِقُّ فِي الِاعْتِقَادِ وَيَحْصُلُ نَحْوَ صَدَقَ ظَنِّي وَفِي الْفِعْلِ نَحْوَ صَدَقَ فِي الْقِتَالِ وَمِنْهُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا اه مُلَخصا وَقَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ مَعَ الصَّادِقِينَ فَقِيلَ مَعْنَاهُ مثلهم

(10/507)


وَقِيلَ مِنْهُمْ قُلْتُ وَأَظُنُّ الْمُصَنِّفَ لَمَّحَ بِذِكْرِ الْآيَةِ إِلَى قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَمَا أَدَاء صِدْقُهُ فِي الْحَدِيثِ إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ لَهُ مَا وَقَعَ مِنْ تَرْكِ الْمُسْلِمِينَ كَلَامَهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَقَالَ فِي قِصَّتِهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمُ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُ فَأَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْكَذِبُ مِنْ قَبَائِحِ الذُّنُوبِ وَلَيْسَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ وَلِذَلِكَ يُؤْذَنُ فِيهِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ إِذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْهُ ضَرَرٌ مُبَاحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ فَلَا يُبَاحُ مِنْهُ إِلَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن أبي بكر الصّديق قَالَ الْكَذِب بِجَانِب الْإِيمَانَ وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَقَالَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ قَالَ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَشَاهِدُ الْمَرْفُوعِ مِنْ مُرْسَلِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ فِي الْمُوَطَّأ قَالَ بن التِّين ظَاهره يُعَارض حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَمْلُ حَدِيثِ صَفْوَانَ عَلَى الْمُؤمن الْكَامِل

[6094] قَوْله جرير هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَأَمَّا جَرِيرٌ الْمَذْكُورُ فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَاب فَهُوَ بن حَازِمٍ قَوْلُهُ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الْهِدَايَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ هَكَذَا وَقَعَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ وَفِيهِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ إِلَخْ قَوْلُهُ إِلَى الْبِرِّ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَصْلُهُ التَّوَسُّعُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرَاتِ كُلِّهَا وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ الْخَالِصِ الدَّائِمِ قَوْلُهُ وَإِنَّ الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة قَالَ بن بَطَّالٍ مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الْأَبْرَار لفي نعيم قَوْلُهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَكَذَا زَادَهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي قَوْلُهُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا قَالَ بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصِّدْقُ حَتَّى يسْتَحق اسْم الْمُبَالغَة فِي الصدْق قَوْله ان الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْفَجْرِ الشَّقُّ فَالْفُجُورُ شَقُّ سِتْرِ الدِّيَانَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى الْفَسَادِ وَعَلَى الِانْبِعَاثِ فِي الْمعاصِي وَهُوَ اسْم جَامع للشر قَوْله ان الرَّجُلَ لَيَكْذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَكُونُ وَهُوَ وَزْنُ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابَةِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِظْهَارُهُ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَإِلْقَاءُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ ذكره مَالك بلاغا عَن بن مَسْعُودٍ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً مُفِيدَةً وَلَفْظُهُ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَهُوَ قَصْدُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ فَيُعْرَفُ بِهِ قُلْتُ وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّحَرِّي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَكَذَا قَالَ فِي الْكَذِبِ وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ وَفِيهِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَقَالَ فِيهِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَذَكَرَهُ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَقَّى الْكَذِبَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ إِلَى الصِّدْقِ صَارَ لَهُ الصِّدْقُ سَجِيَّةً حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْوَصْفَ بِهِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَمْدَ وَالذَّمَّ فِيهِمَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يَقْصِدُ إِلَيْهِمَا

(10/508)


فَقَط وَإِن كَانَ الصَّادِقُ فِي الْأَصْلِ مَمْدُوحًا وَالْكَاذِبُ مَذْمُومًا ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَنَقَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بن مثنى وبن بَشَّارٍ زِيَادَةً وَهِيَ إِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ يُخْلِفُهُ فَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَيْسَتْ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَالرَّوَايَا جَمْعُ روية بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مَا يَتَرَوَّى فِيهِ الْإِنْسَانُ قَبْلَ قَوْله أَو فعله وَقيل هُوَ جمع راوية أَيْ لِلْكَذِبِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ قُلْتُ لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي الْأَطْرَافِ لِأَبِي مَسْعُودٍ وَلَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ فَلَعَلَّهُمَا ذكرَاهُ فِي غير هذَيْن الْكِتَابَيْنِ ثمَّ ذكر حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حدث كذب الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَطَرَفًا مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ فِي الْمَنَامِ الطَّوِيلِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَفِيهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَشُقُّ شدقه الْكذَّاب قَالَ بن بَطَّالٍ إِذَا كَرَّرَ الرَّجُلُ الْكَذِبَ حَتَّى اسْتَحَقَّ اسْمَ الْمُبَالَغَةِ بِالْوَصْفِ بِالْكَذِبِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صِفَاتِ كَمَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ يَعْنِي فَلهَذَا عقب البُخَارِيّ حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْتُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ يَشْمَلُ الْكَذِبَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ فِي حَدِيثِهِ وَالثَّانِي فِي أَمَارَتِهِ وَالثَّالِثُ فِي وَعْدِهِ قَالَ وَأَخْبَرَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بِعُقُوبَةِ الْكَاذِبِ بِأَنَّهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ فَمُهُ الَّذِي كَذَبَ بِهِ قُلْتُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ عُقُوبَةَ الْكَاذِبِ أُطْلِقَتْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِالنَّارِ فَكَانَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بَيَانُهَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ

[6096] قَالَا الَّذِي رَأَيْتُهُ يُشَقُّ شِدْقَهُ فَكَذَّابٌ هَكَذَا وَقَعَ بِالْفَاءِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْمَوْصُولَ الَّذِي يَدْخُلُ خَبَرَهُ الْفَاءُ يشْتَرط أَن يكون مُبْهما عَاما وَأجَاب بن مَالِكٍ بِأَنَّهُ نَزَّلَ الْمُعَيَّنَ الْمُبْهَمَ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ إِشَارَةً إِلَى اشْتَرَاكِ مَنْ يَتَّصِفُ بِذَلِكَ فِي الْعقَاب الْمَذْكُور وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ الْهَدْيِ الصَّالِحِ)
بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الصَّالِحَةُ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيه عَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ وَالِاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَفِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخر

(10/509)


عَن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي التَّعْبِيرِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الرُّؤْيَاتِ الصَّالِحَةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الِاقْتِصَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا كَانَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَهَذَا مَحْمُودٌ وَمَذْمُومٌ بِالنِّسْبَةِ وَالثَّانِي مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ كَالْجُودِ فَإِنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْبُخْلِ وَكَالشَّجَاعَةِ فَإِنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ التَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ

[6097] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ بن رَاهَوَيْهِ وَنَصَّ الْبُخَارِيُّ لَفْظَهُ وَلَكِنَّهُ حُذِفَ مِنْ آخِرِهِ قَوْلُ أَبِي أُسَامَةَ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ وَقَالَ نَعَمْ وَشَقِيقٌ هُوَ أَبُو وَائِلٍ قَوْلُهُ دَلًّا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُوَ حُسْنُ الْحَرَكَةِ فِي الْمَشْيِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمَا وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الطَّرِيقِ قَوْلُهُ وَسَمْتًا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ هُوَ حُسْنُ الْمَنْظَرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقَصْدِ فِي الْأَمْرِ وَعَلَى الطَّرِيقِ وَالْجِهَةِ قَوْلُهُ وَهَدْيًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَدْي وَالدَّلُّ مُتَقَارِبَانِ يُقَالُ فِي السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَفِي الْهَيْبَةِ وَالْمَنْظَرِ وَالشَّمَائِلِ قَالَ وَالسَّمْتُ يَكُونُ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْمَنْظَرِ مِنْ جِهَةِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ لَا مِنْ جِهَةِ الْجَمَالِ وَالزِّينَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّرِيقِ وَكِلَاهُمَا جَيِّدٌ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ هَيْئَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ لِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ تَأْكِيدٌ بَعْدَ التَّأْكِيدِ بِأَنَّ الْمَكْسُورَة الَّتِي فِي أول الحَدِيث وبن أُمِّ عَبْدٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ لِابْنِ مَسْعُودٍ جَلِيلَةٌ لِشَهَادَةِ حُذَيْفَةَ لَهُ بِأَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ شَبَهًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَفِيهِ تَوَقَّى حُذَيْفَةُ حَيْثُ قَالَ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ مُشَاهَدَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ لِأَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ إِذَا خَلَا يَكُونُ فِي انْبِسَاطِهِ لِأَهْلِهِ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ عَنْ هَيْئَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ نَقْصٍ فِي حَقِّ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى سَمْتِهِ وَهَدْيِهِ وَدَلِّهِ فَيَتَشَبَّهُونَ بِهِ فَكَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ بن مَسْعُودٍ قَالَ اعْلَمُوا أَنَّ حُسْنَ الْهَدْيِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ الْعَمَلِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَكَأَن بن مَسْعُودٍ لِأَجْلِ هَذَا كَانَ يَحْرِصُ عَلَى حُسْنِ الْهَدْيِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ بِقَوْلِ حُذَيْفَةَ فِي بن مَسْعُودٍ قَوْلُ مَالِكٍ كَانَ عُمَرُ أَشْبَهَ النَّاسِ بِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْبَهُ النَّاسِ بِعُمَرَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَبِعَبْدِ اللَّهِ ابْنُهُ سَالِمٌ قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقَوْلُ حُذَيْفَةَ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلق الشّبَه بِحمْل شبة بن مَسْعُودٍ بِالسَّمْتِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَقَوْلُ مَالِكٍ بِالْقُوَّةِ فِي الدِّينِ وَنَحْوِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مقَالَة حُذَيْفَة وَقعت بعد موت عمر وَيُؤَيّد قَوْلَ مَالِكٍ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَلْزَمَ لِطَرِيقِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ وَفِي السُّنَنِ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ قُلْتُ وَيُجْمَعُ بِالْحَمْلِ فِي هَذَا عَلَى النِّسَاءِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَدْيِ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ قُلْتُ وَيُجْمَعُ بِالْحَمْلِ عَلَى مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ حَجَّ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ فَرَآهُ بن عُمَرَ يُصَلِّي فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ صَلَاةً

(10/510)


وَلَا هَدْيًا وَلَا خُشُوعًا وَلَا لِبْسَةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الرجل انْتهى وَعَمْرو الْمَذْكُور

[6098] قَوْله عَن مُخَارق هُوَ بن عبد الله وَيُقَال بن خَليفَة الأحمسي وطارق هُوَ بن شِهَابٍ الْأَحْمَسِيُّ قَوْلُهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُود وَجزم بن بطال بَان عبد الله هَذَا هُوَ بن عُمَرَ فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ وَرُوِيَ بِضَمِّهَا ضِدُّ الضَّلَالِ زَادَ أَبُو خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فِي آخِرِهِ وَشر الْأُمُور محدثاتها وان مَا توعدون لآت وَمَا أَنْتُم بمعجزين أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَسَيَأْتِي فِي كتاب الِاعْتِصَام من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بِلَفْظِهَا وَسَأَذْكُرُ شَرْحَهَا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَكَذَا رَأَيْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ مَوْقُوفًا وَقَدْ وَرَدَ بَعْضُهُ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَجَاءَ أَكْثَرُهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا لِأَحْمَدَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ قَالَ يَحْيَى وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا الْحَدِيثَ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة الحَدِيث

(قَوْلُهُ بَابُ الصَّبْرِ فِي الْأَذَى)
أَيْ حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الْأَذَى قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحِلْمِ وَقَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى جِهَادُ النَّفْسِ وَقَدْ جَبَلَ اللَّهُ الْأَنْفُسَ عَلَى التَّأَلُّمِ بِمَا يُفْعَلُ بِهَا وَيُقَالُ فِيهَا وَلِهَذَا شَقَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسْبَتُهُمْ لَهُ إِلَى الْجَوْرِ فِي الْقِسْمَةِ

(10/511)


لَكِنَّهُ حَلُمَ عَنِ الْقَائِلِ فَصَبَرَ لِمَا عَلِمَ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِ الصَّابِرِينَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْجُرُهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَالصَّابِرُ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُنْفِقِ لِأَنَّ حَسَنَتَهُ مُضَاعَفَةٌ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ وَالْحَسَنَةُ فِي الْأَصْلِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَّا مَنْ شَاءَ الله أَنْ يَزِيدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْإِيمَانِ حَدِيث بن مَسْعُودٍ الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَقَدْ وَرَدَ فِي فضل الصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى حَدِيثٌ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيّ وَهُوَ مَا أخرجه بن ماجة بِسَنَد حسن عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَحَابِيٍّ لَمْ يُسَمَّ قَوْلُهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى لَيْسَ أَحَدٌ أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِيِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ فِيهِ أَحَدٌ بِغَيْرِ شَكٍّ قَوْلُهُ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى هُوَ بِمَعْنَى الْحِلْمِ أَوْ أَطْلَقَ الصَّبْرَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمُرَادُ بِهِ حَبْسُ الْعُقُوبَةِ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا عَاجِلًا وَهَذَا هُوَ الْحِلْمُ قَوْلُهُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ قَدْ بَيَّنَهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ بِهِ وَيَرْزُقُهُمْ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله قَالَ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ الْمَاضِيَةِ فِي بَابِ مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يعلم بِلَفْظ عَن بن مَسْعُودٍ

[6100] قَوْلُهُ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهَا قِسْمَةُ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَن أَبِي وَائِلٍ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ أَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَأَعْطَى نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ قَوْلُهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَقَدَّمَتْ تَسْمِيَتُهُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ قَوْلُهُ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ مَا أَرَادَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ مَا عُدِلَ فِيهَا وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَوْلُهُ قُلْتُ أَمَا لَأَقُولَنَّ قَالَ بن التِّينِ هِيَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أَمَّا بِتَشْدِيدِهَا وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ قُلْتُ وَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَمَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّخْفِيفَ وَيُوَجِّهُ التَّشْدِيدَ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَمَّا إِذْ قُلْتَ ذَلِكَ لَأَقُولَنَّ قَوْلُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ بِأَكْثَرِ مِنْ عَشْرَةِ أَبْوَابٍ بِلَفْظِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ بِالْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ فِي رِوَايَةٍ أَنْ بِفَتْحٍ وَتَخْفِيفٍ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى الْحَدِيثَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ إِخْبَارِ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ بِمَا يُقَالُ فِيهِمْ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِمْ لِيُحَذِّرُوا الْقَائِلَ وَفِيهِ بَيَانُ مَا يُبَاحُ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ لِأَن صورتهما مَوْجُودَة فِي صَنِيع بن مَسْعُودٍ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنَّ قصد بن مَسْعُودٍ كَانَ نُصْحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْلَامَهُ بِمَنْ يَطْعَنُ فِيهِ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ النِّفَاقَ لِيَحْذَرَ مِنْهُ وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ لِيُؤْمَنَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَقَدِ ارْتَكَبَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ بِمَا قَالَ إِثْمًا عَظِيمًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ قَدْ يُغْضِبُهُمْ مَا يُقَالُ فِيهِمْ مِمَّا لَيْسَ فِيهِمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَتَلَقَّوْنَ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتِدَاءً بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ قَدْ أُوذِيَ مُوسَى إِلَى قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى قد حكى فِي صفة إِذا هم لَهُ ثَلَاثُ قَصَصٍ إِحْدَاهَا قَوْلُهُمْ هُوَ آدَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ ذَلِكَ وَشَرْحُهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ ثَانِيهَا فِي قِصَّةِ مَوْتِ هَارُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ أَيْضًا فِي قِصَّةِ مُوسَى ثَالِثُهَا فِي قِصَّتِهِ مَعَ قَارُونَ حَيْثُ أَمَرَ الْبَغِيَّ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ مُوسَى

(10/512)


رَاوَدَهَا حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِ قَارُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ قَارُونَ فِي آخر أَخْبَار مُوسَى من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بِالْعِتَابِ)
أَي حَيَاء مِنْهُم

[6101] قَوْله مُسلم هُوَ بن صُبَيْحٍ أَبُو الضُّحَى وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بن عِمْرَانَ الْبَطِينُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي الضُّحَى وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ فَقَالَ نَحْوَ جَرِيرٍ وَمِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَمن طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ رَخَّصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ قَوْلُهُ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا قَوْلُهُ فَخَطَبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ قَوْلُهُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ فِي رِوَايَةِ جرير مَا بَال رجال قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا لَا يُنَافِي التَّرْجَمَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ مَعَ التَّعْيِينِ كَأَنْ يَقُولَ مَا بَالُكَ يَا فُلَانُ تَفْعَلُ كَذَا وَمَا بَالُ فُلَانٍ يَفْعَلُ كَذَا فَأَمَّا مَعَ الْإِبْهَامِ فَلَمْ تَحْصُلِ الْمُوَاجَهَةُ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهَا مَوْجُودَةً وَهِيَ مُخَاطَبَةٌ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ وَلَمْ يُمَيَّزْ عَنْهُمْ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ قَوْلُهُ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمْرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ قَوْلُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لِأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً جَمَعَ بَيْنَ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ أَيْ إِنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّ رَغْبَتَهُمْ عَمَّا أَفْعَلُ أَقْرَبُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ أَعْلَمَهُمْ بِالْقُرْبَةِ وَأَوْلَاهُمْ بِالْعَمَلِ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَيَغْضَبُ ثُمَّ يَقُولُ إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ شَرْحَهُ هُنَاكَ وَذَكَرْتُ فِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ أَفْرَادِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَطَرِيقُ مَسْرُوقٍ هَذِهِ مُتَابَعَةٌ جَيِّدَةٌ لِأَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا بِأُمَّتِهِ فَلِذَلِكَ خَفَّفَ عَنْهُمُ الْعِتَابَ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنَ الْأَخْذِ بِالشِّدَّةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا لَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى فِعْلِهِ قُلْتُ أَمَّا الْمُعَاتَبَةُ فَقَدْ حَصَلَتْ

(10/513)


مِنْهُ لَهُمْ بِلَا رَيْبٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُمَيِّزِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ سَتْرًا عَلَيْهِ فَحَصَلَ مِنْهُ الرِّفْقَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا بِتَرْكِ العتاب أصلا وَأما استدلاله بِكَوْن مَا فَعَلُوهُ غَيْرَ حَرَامٍ فَوَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُمْ بِفِعْلِ مَا فَعَلَهُ هُوَ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَمِّ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الْمُبَاحِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ وَالْإِنْكَارِ وَالتَّلَطُّفِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَعْرِفْ أَعْيَانَ الْقَوْمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا الشَّيْءَ الَّذِي تَرَخَّصَ فِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَجَدْتُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي وَنَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ سَأَلُوا عَنْ عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السِّرِّ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَوْلُهُمْ وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَفِيهِ قَوْله لَهُم وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصوم وَأفْطر وأصلي وأرقد وأتزوج النِّسَاء وثالث أَحَادِيث الْبَاب حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ يَأْتِي فِي بَابِ الْحَيَاءِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بن بَطَّالٍ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ مَا يَكْرَهُهُ بِتَغَيُّرِ وَجْهِهِ وَنَظِيرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ)
كَذَا قَيَّدَ مُطْلَقَ الْخَبَرِ بِمَا إِذَا صَدَرَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ مِنْ قَائِلِهِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ

[6103] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ بن يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ فَهُوَ بن سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ جَزَمَ بِذَلِكَ أَبُو نَصْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ كَذَا فِي رِوَايَةِ الْجَمِيعِ بِالْعَنْعَنَةِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي

(10/514)


رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْمُعَلَّقَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ قَوْلُهُ وَقَالَ عِكْرِمَة بن عمار عَن يحيى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ هُوَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ وَحَدِيثٍ آخَرَ مَوْصُولٍ مَضَى فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ بَيْنَ يَحْيَى وَأَبِي سَلَمَةَ وَاسِطَةٌ وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدِيثَ الْبَاب من رِوَايَة أبي حُذَيْفَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِهَذَا السَّنَدِ وَقَالَ إِنَّهُ مَوْقُوفٌ لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ انْتَهَى وَقَدْ رَفَعَهُ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ كَمَا تَرَى وَدَلَّ صَنِيعُ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بَيْنَ يَحْيَى وَأَبِي سَلَمَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ لَمْ تَقْدَحْ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بِدُونِ ذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَهُ إِمَّا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ يَحْيَى سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بِوَاسِطَةٍ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْتَدَّ بِزِيَادَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ لِضَعْفِ حِفْظِهِ عِنْدَهُ وَقَدِ اسْتَدْرَكَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَيْهِ إِخْرَاجَهُ لِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ مُدَلِّسٌ وَقَدْ زَادَ فِيهِ عِكْرِمَةُ رَجُلًا وَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُتَعَقَّبُ بِهِ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ بَلْ عَرَفَهَا وَأَبْرَزَهَا وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْدَحُ وَكَانَّ ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ وَمَتْنُهُ مَشْهُورٌ مَرْوِيٌّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْعِلَلِ مُتَفَاوِتَةٌ وَأَنَّ مَا ظَاهِرُهُ الْقَدْحُ مِنْهَا إِذَا انجبر زَالَ عَنهُ الْقدح وَالله أعلم ثمَّ ذكر المُصَنّف حَدِيث بن عمر فِي الْمَعْنى وَحَدِيث ثَابت بن الضَّحَّاك كَذَلِك وَتقدم شرحهما فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ قَالَ بن بَطَّالٍ كُنْتُ أَسْأَلُ الْمُهَلَّبَ كَثِيرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِصُعُوبَتِهِ فَيُجِيبُنِي بِأَجْوِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ قَالَ قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ يَعْنِي فَهُوَ كَاذِبٌ لَا كَافِرٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ الْمِلَّةَ الَّتِي حَلَفَ بِهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ كَمَا قَالَ مِنَ الْتِزَامِ تِلْكَ الْمِلَّةِ إِنْ صَحَّ قَصْدُهُ بِكَذِبِهِ إِلَى الْتِزَامِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا فِي وَقت ثَان إِذا كَانَ ذَلِك عَلَى سَبِيلِ الْخَدِيعَةِ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ قُلْتُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَإِنَّمَا يَكُونُ كَالْكَافِرِ فِي حَالِ حَلِفِهِ بِذَلِكَ خَاصَّةً وَسَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ وَأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ من التأويلات

(10/515)


(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا)
أَيْ بِالْحُكْمِ أَوْ بِحَالِ الْمَقُولِ فِيهِ قَوْلُهُ وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِنَّهُ نَافَقَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مُنَافِقٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثَ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا مَعَ شَرْحِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَة الممتحنة ثمَّ ذكر حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حَيْثُ طَوَّلَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَفَارَقَهُ الرَّجُلُ فصلى وَحده فَقَالَ معَاذ أَنه مُنَافِق وَقد تقدم شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَبُوهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَوْلُهُ

[6106] فَتَجَوَّزُ رَجُلٌ بِالْجِيمِ وَالزَّاي للْجَمِيع وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ انْحَازَ فصلى وَحده

[6107] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق هُوَ بن رَاهَوَيْهِ وَأَبُو الْمُغِيرَةِ هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْحِمْصِيُّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ كَثِيرًا بِلَا وَاسِطَةٍ وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْمِ مَعَ شَرْحِهِ وَوَجْهُ دُخُوله فِي هَذَا الْبَاب وَاضح قَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَالِفِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى بِقَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَدِيمَ حَالُهُ عَلَى مَا قَالَ فَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ حُبُوطِ عَمَلِهِ فِيمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ قَالَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَنَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ فِي حَالَةِ الزِّنَا خَاصَّةً انْتَهَى وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِطْلَاقٌ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيمُ مَنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ فَحَلَفَ بِذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى مَا يُكَفِّرُ عَنْهُ مَا وَقَعَ فِيهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَرْشَدَ مَنْ تَلَفَّظَ بِشَيْءٍ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لَهُ التَّلَفُّظُ بِهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى مَا يَرْفَعُ الْحَرَجَ عَنِ الْقَائِلِ أَنْ لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَاصِدًا إِلَى مَعْنَى مَا قَالَ وَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْجِيهَ هَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَمُنَاسَبَةِ الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ لِمَنْ قَالَ أُقَامِرُكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْمَالِ فِي الْبَاطِل فَأمر بأخراجه فِي الْحق ثمَّ ذكر المُصَنّف حَدِيث بن عُمَرَ فِي حَلِفِ عُمَرَ بِأَبِيهِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَقَصَدَ بِذِكْرِهِ هُنَا الْإِشَارَةَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حلف عمر بذلك قبل أَن يسمع النَّهْيُ كَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى نَهْيهِ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ حَقَّ أَبِيهِ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ لِعَبْدِهِ أَن يحلف بِغَيْرِهِ وَالله أعلم

(10/516)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ)
لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى جَاهِدِ الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ

(10/517)


عَلَيْهِم كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يتَمَثَّل فِيهِ أَمْرَ اللَّهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا ذَكَرَ غَضَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ مَرْجِعُهَا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَظْهَرَ الْغَضَبَ فِيهَا لِيَكُونَ أَوْكَدَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْقِرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي اللِّبَاسِ وَيَسَرَةُ شَيْخُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَالْمُهْمَلَةِ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الثَّالِثُ حَدِيث بن عُمَرَ فِي النُّخَامَةِ فِي الْقِبْلَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ

[6111] حِيَالَ وَجْهِهِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ أَيْ تلقاءه الرَّابِعُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي اللُّقَطَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ الْخَامِسُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَيْرَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ وَحُجَيْرَةٌ تَصْغِيرُ حُجْرَةٍ بِالرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ رِوَايَةٌ بِالزَّايِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَالْخَصَفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٌ مَا يُتَّخَذُ مِنْ خُوصِ الْمُقْلِ أَوِ النَّخْلِ وَقَوْلُهُ

[6113] فِيهِ وَقَالَ الْمَكِّيُّ هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِهِ وَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنِ الْمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِتَمَامِهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ شَيْخُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَة هُوَ الزيَادي مَاله فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْكَلَابَاذِيُّ أخرج لَهُ شبة المقرون وَكَذَا قَالَ بن عَدِيٍّ رَوَى لَهُ اسْتِشْهَادًا وَكَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ الْبُخَارِيِّ بِقَلِيلٍ مَاتَ فِي حُدُودِ الْخَمْسِينَ وَيُقَالُ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين ذكر ذَلِكَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ بن أَبِي هِنْدٍ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى لَفْظِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مُغْضَبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَضَبَهُ لِكَوْنِهِمُ اجْتَمَعُوا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمْ بَلْ بَالَغُوا فَحَصَبُوا بَابَهُ وَتَتَبَّعُوهُ أَوْ غَضِبَ لِكَوْنِهِ تَأَخَّرَ اشفاقا عَلَيْهِم لِئَلَّا تفرض عَلَيْهِم وَهُمْ يَظُنُّونَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا صَلَاةُ النَّافِلَة وَحكى بن التِّينِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فِي بَيْتِهِ مِنْ فَرِيضَةٍ وَزَيَّفَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَالله أعلم

(10/518)


(قَوْلُهُ بَابُ الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غضبوا هم يغفرون وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء والكاظمين الغيظ الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ الْمُحْسِنِينَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي الْبَابِ فَعِنْدَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يَصْطَرِعُونَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا فُلَانٌ مَا يُصَارِعُ أَحَدًا إِلَّا صَرَعَهُ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ رَجُلٌ كَلَّمَهُ رَجُلٌ فَكَظَمَ غَيْظَهُ فَغَلَبَهُ وَغَلَبَ شَيْطَانَهُ وَغَلَبَ شَيْطَانَ صَاحِبِهِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْغَضَبِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا ضَمَّ مَنْ يَكْظِمُ غَيْظَهُ إِلَى مَنْ يَجْتَنِبُ الْفَوَاحِشَ كَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ

[6114] قَوْلُهُ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ كَثِيرًا بِقُوَّتِهِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ وَالصُّرْعَةُ بِسُكُونِ الرَّاءِ بِالْعَكْسِ وَهُوَ مَنْ يَصْرَعُهُ غَيْرُهُ كَثِيرًا وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا الْوَزْنِ بِالضَّمِّ وَبِالسُّكُونِ فَهُوَ كَذَلِكَ كَهُمْزَةٍ وَلُمْزَةٍ وَحُفْظَةٍ وَخُدْعَةٍ وَضُحْكَةٍ وَوَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَوَّلُهُ مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالُوا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ بن التِّينِ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْمَطْلُوبِ قَالَ وَضُبِطَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا الَّذِي يَغْضَبُ فَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ فَيَصْرَعُ غَضَبَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

[6116] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ هُوَ الزِّمِّيُّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ رِوَايَةً إِلَّا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَأَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَالَفَهُ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا لَوْلَا عَنْعَنَةُ الْأَعْمَشِ قَوْلُهُ إِنَّ رَجُلًا هُوَ جَارِيَةُ بِالْجِيم بن قدامَة أخرجه أَحْمد وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ مُبْهَمًا وَمُفَسَّرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَسَّرَ بِغَيْرِهِ فَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلًا أَنْتَفِعُ بِهِ وَأَقْلِلْ قَالَ لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ وَفِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ لَا تغْضب وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلًا وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ قَوْلُهُ أَوْصِنِي فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ دُلَّنِي على عمل يدخلني الْجنَّة وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعِيهِ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ نَحْوُهُ قَوْلُهُ فَرَدَّدَ مِرَارًا أَيْ رَدَّدَ السُّؤَال يلْتَمس أَنْفَع من ذَلِك أَو أبلغ أَوْ أَعَمَّ فَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ قَالَ لَا تَغْضَبْ فِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ كل ذَلِك

(10/519)


يَقُولُ لَا تَغْضَبْ وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ لَا تَغْضَبْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِيهَا بَيَانُ عَدَدِ الْمِرَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يُرَاجع بعد ثَلَاث وَزَاد أَحْمد وبن حِبَّانَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ قَالَ تَفَكَّرْتُ فِيمَا قَالَ فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَغْضَبِ اجْتَنِبْ أَسْبَابَ الْغَضَبِ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِمَا يَجْلِبُهُ وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَتَأَتَّى النَّهْيُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لَا يَزُولُ مِنَ الْجِبِلَّةِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الطَّبْعِ الْحَيَوَانِيِّ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ لِأَنَّهُ مِنْ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ مَا يُكْتَسَبُ بِالرِّيَاضَةِ فَهُوَ الْمُرَادُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَغْضَبْ لِأَنَّ أَعْظَمَ مَا ينشأ عَنهُ الْغَضَبِ الْكِبْرُ لِكَوْنِهِ يَقَعُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ أَمْرٍ يُرِيدُهُ فَيَحْمِلُهُ الْكِبْرُ عَلَى الْغَضَبِ فَالَّذِي يَتَوَاضَعُ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ يَسْلَمُ مِنْ شَرِّ الْغَضَبِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلْ مَا يَأْمُرك بِهِ الْغَضَب وَقَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ أَعْظَمَ النَّاسِ قُوَّةً وَقَالَ غَيْرُهُ لَعَلَّ السَّائِلَ كَانَ غَضُوبًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ كُلَّ أَحَدٍ بِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ على ترك الْغَضَب وَقَالَ بن التِّينِ جَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا تَغْضَبْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّ الْغَضَب يؤول إِلَى التَّقَاطُعِ وَمَنْعِ الرِّفْقِ وَرُبَّمَا آلَ إِلَى أَنْ يُؤْذِيَ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِ فَيُنْتَقَصُ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَعَلَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ إِنَّمَا هِيَ مِنْ شَهْوَتِهِ وَمِنْ غَضَبِهِ وَكَانَتْ شَهْوَةُ السَّائِلِ مَكْسُورَةٌ فَلَمَّا سَأَلَ عَمَّا يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْقَبَائِحِ نَهَاهُ عَنِ الْغَضَبِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ حُصُولِهِ كَانَ قَدْ قَهَرَ أَقْوَى أَعْدَائِهِ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى لِأَنَّ أَعْدَى عَدُوٍّ لِلشَّخْصِ شَيْطَانُهُ وَنَفْسُهُ وَالْغَضَبُ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْهُمَا فَمَنْ جَاهَدَهُمَا حَتَّى يَغْلِبَهُمَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْمُعَالَجَةِ كَانَ لِقَهْرِ نَفْسِهِ عَنِ الشَّهْوَة أَيْضا أقوى وَقَالَ بن حِبَّانَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ أَرَادَ لَا تَعْمَلْ بَعْدَ الْغَضَبِ شَيْئًا مِمَّا نَهَيْتُ عَنْهُ لَا أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ جُبِلَ عَلَيْهِ وَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَلَقَ اللَّهُ الْغَضَبَ مِنَ النَّارِ وَجَعَلَهُ غَرِيزَةً فِي الْإِنْسَانِ فَمَهْمَا قَصَدَ أَوْ نُوزِعَ فِي غَرَضٍ مَا اشْتَعَلَتْ نَارُ الْغَضَبِ وَثَارَتْ حَتَّى يَحْمَرَّ الْوَجْهُ وَالْعَيْنَانِ مِنَ الدَّمِ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا وَهَذَا إِذَا غَضِبَ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَاسْتَشْعَرَ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ فَوْقَهُ تَوَلَّدَ مِنْهُ انْقِبَاضُ الدَّمِ مِنْ ظَاهِرِ الْجِلْدِ إِلَى جَوْفِ الْقَلْبِ فَيَصْفَرُّ اللَّوْنُ حُزْنًا وَإِنْ كَانَ عَلَى النَّظِيرِ تَرَدَّدَ الدَّمُ بَيْنَ انْقِبَاضٍ وَانْبِسَاطٍ فَيَحْمَرُّ وَيَصْفَرُّ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْغَضَبِ تَغَيُّرُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَتَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَالرِّعْدَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَخُرُوجِ الْأَفْعَالِ عَنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَاسْتِحَالَةِ الْخِلْقَةِ حَتَّى لَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ نَفْسَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ لَكَانَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ وَاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الظَّاهِرِ وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَقُبْحُهُ أَشَدُّ مِنَ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ الْحِقْدَ فِي الْقَلْبِ وَالْحَسَدَ وَإِضْمَارَ السُّوءِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ بَلْ أَوْلَى شَيْءٍ يَقْبُحُ مِنْهُ بَاطِنُهُ وَتَغَيُّرُ ظَاهِرِهِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ بَاطِنِهِ وَهَذَا كُلُّهُ أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ فَانْطِلَاقُهُ بِالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ الَّذِي يَسْتَحِي مِنْهُ الْعَاقِلُ وَيَنْدَمُ قَائِلُهُ عِنْدَ سُكُونِ الْغَضَبِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْغَضَبِ أَيْضًا فِي الْفِعْلِ بِالضَّرْبِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِهَرَبِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَيُمَزِّقُ ثوب نَفسه وَيَلْطِمُ خَدَّهُ وَرُبَّمَا سَقَطَ صَرِيعًا وَرُبَّمَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا كَسَرَ الْآنِيَةَ وَضَرَبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَرِيمَةٌ وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ عَرَفَ مِقْدَارَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ اللَّطِيفَةُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْضَبْ مِنَ الْحِكْمَةِ وَاسْتِجْلَابِ الْمَصْلَحَةِ فِي دَرْء

(10/520)


الْمَفْسَدَةِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إِحْصَاؤُهُ وَالْوُقُوفُ عَلَى نِهَايَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْغَضَبِ الدُّنْيَوِيِّ لَا الْغَضَبِ الدِّينِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيُعِينُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ اسْتِحْضَارُ مَا جَاءَ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ مِنَ الْفَضْلِ وَمَا جَاءَ فِي عَاقِبَةِ ثَمَرَةِ الْغَضَبِ مِنَ الْوَعِيدِ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَأَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الطُّوفِيُّ أَقْوَى الْأَشْيَاءِ فِي دَفْعِ الْغَضَبِ اسْتِحْضَارُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ وَكُلُّ فَاعِلٍ غَيْرُهُ فَهُوَ آلَةٌ لَهُ فَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِمَكْرُوهٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَاسْتَحْضَرَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ يُمَكِّنْ ذَلِكَ الْغَيْرَ مِنْهُ انْدَفَعَ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ غَضِبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ غَضَبُهُ عَلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا وَهُوَ خِلَافُ الْعُبُودِيَّةِ قُلْتُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ السِّرُّ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي غَضِبَ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ أَمْكَنَهُ اسْتِحْضَارُ مَا ذُكِرَ وَإِذَا اسْتَمَرَّ الشَّيْطَانُ مُتَلَبِّسًا مُتَمَكِّنًا مِنَ الْوَسْوَسَةِ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ استحضار شَيْء من ذَلِك وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ الْحَيَاءِ)
بِالْمَدِّ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَوَقَعَ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ أَصْلَ الْحَيَاءِ الِامْتِنَاعُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الِانْقِبَاضِ وَالْحَقُّ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاءِ وَلَازِمُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَصْلَهُ وَلَمَّا كَانَ الِامْتِنَاعُ لَازِمَ الْحَيَاءِ كَانَ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى مُلَازَمَةِ الْحَيَاءِ حَضٌّ عَلَى الِامْتِنَاع عَن فعل مَا يعاب وَالْحيَاء بِالْقصرِ الْمَطَر وَذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث الأول

[6117] قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ كَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ وَخَالَفَهُمْ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فَقَالَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ بَدَلَ قَتَادَةَ أخرجه بن مَنْدَهْ وَوَقَعَ نَظِيرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْن أَيْضا للعلاء بن زِيَاد أخرجه بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ رَاءٌ اسْمُهُ حُرَيْثٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ حُجَيْرُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْدَ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ قَوْلُهُ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ عَنْ عِمْرَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ

(10/521)


وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ فَقَالَ بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ قَوْلُهُ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُعْجَمَةُ مُصَغَّرٌ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الدَّعَوَاتِ قَوْلُهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ بِالشَّكِّ وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَصْلِ إِصَابَةُ الْحَقِّ بِالْعِلْمِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ السَّكِينَةُ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ إِنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُتَعَيِّنَةٌ وَمِنْ أَجْلِهَا غَضِبَ عِمْرَانُ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي ذِكْرِ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مَا يُنَافِي كَونه خيرا أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن بَطَّالٍ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْهُ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يُفْهِمُ أَنَّ مِنْهُ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ وَهُوَ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى كَلَامِ بُشَيْرٍ أَنَّ مِنَ الْحَيَاءِ مَا يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى الْوَقَارِ بِأَنْ يُوَقِّرَ غَيْرَهُ وَيَتَوَقَّرَ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَمِنْهُ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ عَن كثير مِمَّا يَتَحَرَّك النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِذِي الْمُرُوءَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عِمْرَانُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَاقَهُ فِي مَعْرِضِ مَنْ يُعَارِضُ كَلَامَ الرَّسُولِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ لكَونه خَافَ أَنْ يَخْلِطَ السُّنَّةَ بِغَيْرِهَا قُلْتُ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ التَّوْجِيهِ السَّابِقِ قَوْلُهُ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ لَا أُرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَتُعَرِّضُ فِيهِ بِحَدِيثِ الْكُتُبِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْمَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ لِبُشَيْرِ بْنِ كَعْب هَذَا قصَّة مَعَ بن عَبَّاسٍ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ يَتَسَاهَلُ فِي الْأَخْذِ عَن كل من لقِيه الحَدِيث الثَّانِي

[6118] قَوْلُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ الْمَاجِشُونُ قَوْلُهُ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مَعَ شَرْحِهِ وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الرَّجُلِ وَلَا اسْمَ أَخِيهِ إِلَى الْآنِ وَالْمُرَادُ بِوَعْظِهِ أَنَّهُ يَذْكُرُ لَهُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُلَازَمَتِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ قَوْلُهُ الْحيَاء من الْإِيمَان حكى بن التِّينِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَحِي يَنْقَطِعُ بِحَيَائِهِ عَنِ الْمَعَاصِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَقِيَّةٌ فَصَارَ كَالْإِيمَانِ الْقَاطِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى قَصْدٍ وَاكْتِسَابٍ وَعِلْمٍ وَأَمَّا كَوْنُهُ خَيْرًا كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَأَشْكَلَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّهُ قَدْ يَصُدُّ صَاحِبَهُ عَنْ مُوَاجَهَةِ مَنْ يَرْتَكِبُ الْمُنْكَرَاتِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا يَكُونُ شَرْعِيًّا وَالْحَيَاءُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْإِخْلَالُ بِالْحُقُوقِ لَيْسَ حَيَاءً شَرْعِيًّا بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَمَهَانَةٌ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَيَاءٌ لِمُشَابَهَتِهِ لِلْحَيَاءِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اشير إِلَى أَن مَنْ كَانَ الْحَيَاءُ مِنْ خُلُقَهُ أَنَّ الْخَيْرَ يَكُونُ فِيهِ أَغْلَبُ فَيَضْمَحِلُّ مَا لَعَلَّهُ يَقَعُ مِنْهُ مِمَّا ذكر فِي جَنْبِ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَيَاءِ مِنَ الْخَيْرِ أَوْ لِكَوْنِهِ إِذَا صَارَ عَادَةً وَتَخَلَّقَ بِهِ صَاحِبُهُ يَكُونُ سَبَبًا لِجَلْبِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْهُ الْخَيْرُ بِالذَّاتِ وَالسَّبَبِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْحَيَاءُ الْمُكْتَسَبُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ دُونَ الْغَرِيزِيِّ غَيْرَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِيهِ غَرِيزَةً مِنْهُ فَإِنَّهَا تُعِينُهُ عَلَى الْمُكْتَسَبِ وَقَدْ يَنْطَبِعُ بالمكتسب حَتَّى يصير غريزا قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جُمِعَ لَهُ النَّوْعَانِ فَكَانَ فِي الْغَرِيزِيِّ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا

(10/522)


وَكَانَ فِي الْحَيَاءِ الْمُكْتَسَبِ فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى وَبِهَذَا تعرف مُنَاسبَة ذكر الحَدِيث الثَّالِث هُنَا وَقد تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ

[6119] عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْفَرَبْرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بَدَلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ هُوَ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا جَزَمَ بِتَسْمِيَتِهِ هُنَا وَتَقَدَّمَ كَذَلِكَ مُسَمًّى هُنَاكَ وَفِي اسْمِهِ خِلَافٌ فَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَقَوْلُهُ الْعَذْرَاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ رَاءٌ وَمَدٌّ هِيَ الْبِكْرُ وَالْخِدْرُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ وَتَسْتَتِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ