فتح الباري لابن
حجر قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
(كِتَابُ الدِّيَاتِ)
بِتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ دِيَةٍ مِثْلُ
عِدَاتٍ وَعِدَةٍ وَأَصْلُهَا وَدْيَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ
وَسُكُونِ الدَّالِ تَقُولُ وَدَى الْقَتِيلَ يَدِيهِ
إِذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ دِيَتَهُ وَهِيَ مَا جُعِلَ فِي
مُقَابَلَةِ النَّفْسِ وَسُمِّيَ دِيَةً تَسْمِيَةً
بِالْمَصْدَرِ وَفَاؤُهَا مَحْذُوفَةٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ
وَفِي الْأَمْرِ دِ الْقَتِيلَ بِدَالٍ مَكْسُورَةٍ حَسْبُ
فَإِنْ وَقَفْتَ قُلْتَ دِهْ وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ
تَحْتَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِصَاصِ
لِأَنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ يَجُوزُ
الْعَفْوُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَتَكُونُ الدِّيَةُ
أَشْمَلَ وَتَرْجَمَ غَيْرُهُ كِتَابَ الْقِصَاصِ
وَأَدْخَلَ تَحْتَهُ الدِّيَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْقِصَاصَ هُوَ الْأَصْلُ فِي
(12/187)
الْعَمْدِ قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ كَذَا لِلْجَمِيعِ لَكِنْ سَقَطَتِ
الْوَاوُ الْأُولَى لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَفِي
هَذِهِ الْآيَةِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ
فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ عَنِ بن عَبَّاسٍ
وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ هَلْ
لِلْقَاتِلِ تَوْبَةٌ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ
وَأَخْرَجَ اسْما عيل الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ
قَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَجَبَتْ حَتَّى
نَزَلَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء قُلْتُ وَعَلَى
ذَلِكَ عَوَّلَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ
فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ
الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَتْلَ
وَالزِّنَا وَغَيْرَهُمَا وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ
وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ الَّذِي
قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ثُمَّ قَتَلَ
الْمُكَمِّلَ مِائَةً وَقَدْ مَضَى فِي ذِكْرِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ
فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَة الحَدِيث الأول
حَدِيث بن مَسْعُودٍ
[6861] أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ إِثْمِ الزُّنَاةِ
وَقَوْلُهُ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ
لَا مَفْهُومَ لَهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ مُطْلَقًا أَعْظَمُ
قُلْتُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الذَّنْبُ أَعْظَمَ
مِنْ غَيْرِهِ وَبَعْضُ أَفْرَادِهِ أَعْظَمَ مِنْ بَعْضٍ
ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَجْهُ كَوْنِهِ أَعْظَمَ
أَنَّهُ جَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ ضَعْفَ الِاعْتِقَادِ فِي
أَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ الحَدِيث الثَّانِي حَدِيث
بن عُمَرَ
[6862] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ كَذَا لِلْجَمِيعِ
غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو عَلِيٍّ
الْجَيَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِهِ وَلَا نَبَّهَ عَلَيْهِ
الْكَلَابَاذِيُّ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْمُقَدِّمَةِ
أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ
الْمَدِينِيِّ لَمْ يُدْرِكْ إِسْحَاقَ بْنَ سَعِيدٍ
قَوْلُهُ لَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَنْ
قَوْلُهُ فِي فُسْحَةٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ
الْمُهْمَلَةِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ سَعَةٍ قَوْلُهُ
مِنْ دِينِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ
مِنَ الدِّينِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ
ذَنْبِهِ فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ أَنْ يَضِيقَ عَلَيْهِ
دِينُهُ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْوَعِيدِ عَلَى قَتْلِ
الْمُؤْمِنِ مُتَعَمِّدًا بِمَا يُتَوَعَّدُ بِهِ
الْكَافِرُ وَمَفْهُومُ الثَّانِي أَنَّهُ يَصِيرُ فِي
ضِيقٍ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
اسْتِبْعَادِ الْعَفْوِ عَنْهُ لاستمراره فِي الضّيق
الْمَذْكُور وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ الْفُسْحَةُ فِي
الدِّينِ سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى إِذَا
جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ لِأَنَّهَا لَا تَفِي بِوِزْرِهِ
وَالْفُسْحَةُ فِي الذَّنْبِ قَبُولُهُ الْغُفْرَانَ
بِالتَّوْبَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ارْتَفَعَ
الْقَبُولُ وَحَاصِله أَنه فسره على رَأْي بن عُمَرَ فِي
عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ قَوْلُهُ مَا لَمْ
يُصِبْ دَمًا حَرَامًا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ
الْقَاضِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ
حَرَامٍ وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ دَالٍ
ثَقِيلَةٍ وَمَعْنَاهُ الْإِصَابَةُ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ
شِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ وَلَوْ قَلَّتْ وَقَدْ أَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير عَن بن مَسْعُودٍ
بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ
انْقِطَاعًا مثل حَدِيث بن عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا
وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا
نُزِعَ مِنْهُ الْحَيَاءُ ثُمَّ أورد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
يَعْقُوبَ وَهُوَ الْمَسْعُودِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَد
الَّذِي قبله بالسند الْمَذْكُور إِلَى بن عُمَرَ
[6863] قَوْلُهُ إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ بِفَتْحِ الْوَاوِ
وَالرَّاء وَحكى بن مَالِكٍ أَنَّهُ قُيِّدَ فِي
الرِّوَايَةِ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالصَّوَابُ
التَّحْرِيكُ وَهِيَ جَمْعُ وَرْطَةٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ
وَهِيَ الْهَلَاكُ يُقَالُ وَقَعَ فُلَانٌ فِي وَرْطَةٍ
أَيْ فِي شَيْءٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي
الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ
أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا قَوْلُهُ سَفْكُ الدَّمِ أَيْ
إِرَاقَتُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ صِفَةٍ
كَانَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ إِرَاقَةَ الدَّمِ
عَبَّرَ بِهِ قَوْلُهُ بِغَيْرِ حِلِّهِ فِي رِوَايَةِ
أَبِي نُعَيْمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ
لِلَفْظِ الْآيَة وَهل الْمَوْقُوف على بن عمر منتزع من
الْمَرْفُوع فَكَأَن بن عُمَرَ فَهِمَ مِنْ كَوْنِ
الْقَاتِلِ لَا يَكُونُ فِي فُسْحَةٍ أَنَّهُ وَرَّطَ
نَفْسَهُ فَأَهْلَكَهَا لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ
مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ
بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَشَدُّ فِي
الْوَعِيدِ وَزَعَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ هَذِهِ
الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ غَلَطٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ
الْغَلَطِ
(12/188)
وَأَظُنُّهُ مِنْ جِهَةِ انْفِرَادِ
أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بِهَا فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ وَغَيْرُهُمَا
بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ بن عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ عَامِدًا بِغَيْرِ حَقٍّ
تَزَوَّدْ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ فَإِنَّكَ لَا
تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوَالُ الدُّنْيَا
كُلِّهَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ
مُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْتُ
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ لَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ
أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا قَالَ بن
الْعَرَبِيِّ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْوَعِيدُ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ بِقَتْلِ
الْآدَمِيِّ فَكيف بِالْمُسلمِ فَكَيْفَ بِالتَّقِيِّ
الصَّالِحِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ
[6864] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى
عَنْ الْأَعْمَشِ هَذَا السَّنَدُ يَلْتَحِقُ
بِالثُّلَاثِيَّاتِ وَهِيَ أَعْلَى مَا عِنْدَ
الْبُخَارِيِّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَهَذَا فِي حُكْمِهِ
مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَعْمَشَ تَابِعِيٌّ وَإِنْ كَانَ
رَوَى هَذَا عَنْ تَابِعِيٍّ آخَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ
التَّابِعِيَّ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ صُحْبَةٌ
قَوْلُهُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي
أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
عَنِ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ
الْمَذْكُورُ قَالَ سَمِعت عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ
قَوْلُهُ أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي
الدِّمَاءِ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنِ
الْأَعْمَشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ شَرْحَهُ
فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَطَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ
بِهِ الْمَرْءُ صَلَاتُهُ وَنُنَبِّهُ هُنَا عَلَى أَنَّ
النَّسَائِيَّ أخرجهُمَا فِي حَدِيث وَاحِد أوردهُ من
طَرِيق أبي وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا
يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ وَأَوَّلُ مَا
يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَمَا فِي هَذَا
الْحَدِيثِ مَوْصُولَةٌ وَهُوَ مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ
وَيَتَعَلَّقُ الْجَارُّ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَوَّلُ
الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْقَضَاءُ فِي الدِّمَاءِ
أَيْ فِي الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّمَاءِ وَفِيهِ
عِظَمُ أَمْرِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ إِنَّمَا
يَقَعُ بِالْأَهَمِّ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
الْقَضَاءَ يَخْتَصُّ بِالنَّاسِ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ
لِلْبَهَائِمِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ مَفَادَهُ حَصْرُ
الْأَوَّلِيَّةِ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ وَلَيْسَ
فِيهِ نفي الْقَضَاء بَين الْبَهَائِم مثلا بَعْدَ
الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ
[6865] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارك
وَيُونُس هُوَ بن يَزِيدَ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ
اللَّيْثِيُّ وَعُبَيْدُ الله بالصغير هُوَ بن عدي أَي بن
الْخِيَارِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ
التَّحْتَانِيَّةِ النَّوْفَلِيُّ لَهُ إِدْرَاكٌ وَقَدْ
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ والمقداد بن
عَمْرو هُوَ الْمَعْرُوف بن الْأَسْوَدِ قَوْلُهُ إِنْ
لَقِيتُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِنِّي لَقِيتُ كَافِرًا
فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِي فَقَطَعَهَا وَظَاهِرُ
سِيَاقِهِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ وَالَّذِي فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمِقْدَادَ
عَنِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بِلَفْظِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ
رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ الْحَدِيثَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ
رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ قَوْلُهُ ثُمَّ لَاذَ بِشَجَرَةٍ
أَيِ الْتَجَأَ إِلَيْهَا وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ
وَالشَّجَرَةُ مِثَالٌ قَوْلُهُ وَقَالَ أَسْلَمْتُ
لِلَّهِ أَيْ دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ فَإِنْ
قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ
تَقْتُلَهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْقَتْلُ لَيْسَ
سَبَبًا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ
لَكِنْ عِنْدَ النُّحَاةِ مُؤَوَّلٌ بِالْإِخْبَارِ أَيْ
هُوَ سَبَبٌ لِإِخْبَارِي لَكَ بِذَلِكَ وَعِنْدَ
الْبَيَانِيِّينَ الْمُرَادُ لَازِمُهُ كَقَوْلِهِ يُبَاحُ
دَمُكَ إِنْ عَصَيْتَ قَوْلُهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ
قَبْلَ أَنْ يَقُولَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ
الْكَافِرَ مُبَاحُ الدَّمِ بِحُكْمِ الدِّينِ قَبْلَ أَنْ
يُسْلِمَ فَإِذَا أَسْلَمَ صَارَ مُصَانَ الدَّمِ
كَالْمُسْلِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ ذَلِكَ
صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِحَقِّ الْقِصَاصِ كَالْكَافِرِ
بِحَقِّ الدِّينِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِلْحَاقَهُ فِي
الْكُفْرِ كَمَا تَقَوَّلَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ تَكْفِيرِ
الْمُسْلِمِ بِالْكَبِيرَةِ وَحَاصِلُهُ اتِّحَادُ
الْمَنْزِلَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ
فَالْأَوَّلُ أَنَّهُ مِثْلُكَ فِي صَوْنِ الدَّمِ
وَالثَّانِي أَنَّكَ مِثْلُهُ فِي الهدر وَنقل بن التِّينِ
عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ مَعْنَاهُ إِنَّكَ صِرْتَ
قَاتِلًا كَمَا كَانَ هُوَ قَاتِلًا قَالَ وَهَذَا مِنَ
الْمَعَارِيضِ لِأَنَّهُ
(12/189)
أَرَادَ الْإِغْلَاظَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ
دُونَ بَاطِنِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا قَاتِلٌ وَلَمْ يُرِدْ أَنه صَار كَافِرًا
بقتْله إِيَّاه وَنقل بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ
مَعْنَاهُ فَقَالَ أَيْ أَنَّكَ بِقَصْدِكَ لِقَتْلِهِ
عَمْدًا آثِمٌ كَمَا كَانَ هُوَ بِقَصْدِهِ لِقَتْلِكَ
آثِمًا فَأَنْتُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ
الْعِصْيَانِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنْتَ عِنْدَهُ حَلَالُ
الدَّمِ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ وَكُنْتَ مِثْلَهُ فِي
الْكُفْرِ كَمَا كَانَ عِنْدَكَ حَلَالَ الدَّمِ قَبْلَ
ذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ
بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ كَمَا أَنَّكَ مَغْفُورٌ لَكَ
بِشُهُودِ بَدْرٍ وَنقل بن بطال عَن بن الْقَصَّارِ أَنَّ
مَعْنَى قَوْلِهِ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْ فِي
إِبَاحَةِ الدَّمِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ رَدْعَهُ
وَزَجْرَهُ عَنْ قَتْلِهِ لَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا
قَالَ أَسْلَمْتُ حَرُمَ قَتْلُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ
الْكَافِرَ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمُسْلِمَ الَّذِي
قَتَلَهُ إِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ
عَرَفَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ مُتَأَوِّلًا
فَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي إِبَاحَتِهِ وَقَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي
مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَارْتِكَابِ الْإِثْمِ وَإِنِ
اخْتَلَفَ النَّوْعُ فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا كُفْرًا
وَالْآخَرِ مَعْصِيَةً وَقِيلَ الْمُرَادُ إِنْ قَتَلْتَهُ
مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ فَأَنْتَ مِثْلُهُ فِي الْكُفْرِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ أَنَّهُ مَغْفُورٌ
لَهُ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ وَأَنْتَ مَغْفُورٌ لَكَ
بِشُهُود بدر وَنقل بن التِّينِ أَيْضًا عَنِ
الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ أَوَّلَهُ عَلَى وَجه آخر فَقَالَ
يفسره حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي فِي آخِرِ الْبَابِ
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّائِذُ
بِالشَّجَرَةِ الْقَاطِعُ لِلْيَدِ مُؤْمِنًا يَكْتُمُ
إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ غَلَبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ
فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَأَنْتَ شَاكٌّ فِي قَتْلِكَ إِيَّاهُ
أَنَّى يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ
كَمَا كَانَ هُوَ مَشْكُوكًا فِي إِيمَانِهِ لِجَوَازِ
أَنْ يَكُونَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ
قِيلَ كَيْفَ قَطَعَ يَدَ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ مِمَّنْ
يَكْتُمُ إِيمَانَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَفَعَ عَنْ
نَفْسِهِ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا
جَازَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ
يُرِيدُ قَتْلَهُ وَلَوْ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ مَنْ
يُرِيدُ قَتْلَهُ فَإِنَّ دَمَهُ يَكُونُ هَدَرًا
فَلِذَلِكَ لَمْ يُقِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَدِ الْمِقْدَادِ لِأَنَّهُ
قَطَعَهَا مُتَأَوِّلًا قُلْتُ وَعَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٌ
مِنْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِهَذَا
التَّكَلُّفِ مَعَ ظُهُورِ اخْتِلَافِهِمَا وَإِنَّمَا
الَّذِي ينطبق على حَدِيث بن عَبَّاسٍ قِصَّةُ أُسَامَةَ
الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ حَيْثُ حَمَلَ
عَلَى رَجُلٍ أَرَادَ قَتْلَهُ فَقَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ
فَقَتَلَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مُتَعَوِّذًا مِنَ
الْقَتْلِ وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْأَصْلِ مُسْلِمًا
فَالَّذِي وَقَعَ لِلْمِقْدَادِ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَا
سَأُبَيِّنُهُ وَأَمَّا قِصَّةُ قَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّمَا
قَالَهَا مُسْتَفْتِيًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ
وَقَعَتْ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَإِنَّمَا
تَضَمَّنَ الْجَوَابُ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ
أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَحُقِنَ دَمُهُ وَصَارَ مَا وَقَعَ
مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَفْوًا وَمِنْهَا أَنَّ فِي
جَوَابِهِ عَنْ الِاسْتِشْكَالِ نَظَرًا لِأَنَّهُ كَانَ
يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفَعَ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ
عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُسْلِمِ قَتْلَهُ إِنِّي مُسْلِمٌ
فَيَكُفُّ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَادِرَ لِقَطْعِ
يَدِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ
وَنَحْوِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ
مَنْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْكَفِّ عَلَى
أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ السُّؤَالِ عَنِ
النَّوَازِلِ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِنَاءً عَلَى مَا
تَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ
السَّلَفِ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
مَا يَنْدُرُ وُقُوعُهُ وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ
عَادَةً فيشرع السُّؤَال عَنهُ ليعلم الحَدِيث الْخَامِس
قَوْلُهُ وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ هُوَ
الْقَصَّابُ الْكُوفِيُّ لَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ
وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْبَزَّارُ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ وَالِدِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ حَبِيبٍ وَفِي أَوَّلِهِ
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَرِيَّةً فِيهَا الْمِقْدَادُ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ
وَجَدُوهُمْ تَفَرَّقُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ
كَثِيرٌ لَمْ يَبْرَحْ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ فَأَهْوَى إِلَيْهِ الْمِقْدَادُ
فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَذَكَرُوا ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا مِقْدَادُ قَتَلْتَ رَجُلًا قَالَ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ فَكَيْفَ لَكَ بِلَا اله إِلَّا الله
فَأنْزل الله يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا الْآيَةَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْمِقْدَادِ كَانَ رَجُلًا مُؤْمِنًا يُخْفِي إِيمَانَهُ
إِلَخْ قَالَ
(12/190)
الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ حَبِيبٌ
وَتَفَرَّدَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ قُلْتُ قَدْ تَابَعَ
أَبَا بَكْرٍ سُفْيَان الثَّوْريّ لكنه أرْسلهُ أخرجه بن
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ
الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ
عَنِ الثَّوْرِيِّ كَذَلِكَ وَلَفْظُ وَكِيعٍ بِسَنَدِهِ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ خَرَجَ الْمِقْدَادُ بْنُ
الْأَسْوَدِ فِي سَرِيَّةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
مُخْتَصَرًا إِلَى قَوْلِهِ فَنَزَلَتْ وَلَمْ يَذْكُرِ
الْخَبَرَ الْمُعَلَّقَ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ
إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ
وَبَيَّنْتُ الِاخْتِلَافَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ
الْمَذْكُورَةِ وَطَرِيقَ الْجمع وَللَّه الْحَمد
(12/191)
(
قَوْله بَاب وَمن أَحْيَاهَا ف)
ي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى
وَمَنْ أَحْيَاهَا وَزَادَ الْمُسْتَمْلِي وَالْأَصِيلِيُّ
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا قَوْله قَالَ بن
عَبَّاسٍ مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا وَصله بن أَبِي
حَاتِمٍ وَمَضَى بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
الْمَائِدَةِ وَذَكَرَهُ مُغَلْطَايْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ
عَنْ سُفْيَان عَن خصيف عَن مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ خُصَيْفًا ضَعِيفٌ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ
سَاقِطٌ لِوُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ خُصَيْفٍ
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ صَدْرُهَا وَهُوَ
قَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ
أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس
جَمِيعًا وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ أَوَّلُ أَحَادِيثِ
الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ الا كَانَ على بن آدَمَ
الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا وَسَائِرُهَا فِي تَعْظِيمِ
أَمْرِ الْقَتْلِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ حَدِيثًا قَالَ بن
بَطَّالٍ فِيهَا تَغْلِيظُ أَمْرِ الْقَتْلِ
وَالْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ قَالَ وَاخْتَلَفَ
السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا وَأَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ
مَعْنَاهُ تَغْلِيظُ الْوِزْرِ وَالتَّعْظِيمُ فِي قَتْلِ
الْمُؤْمِنِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ
وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَلَفْظُ الْحَسَنِ أَنَّ قَاتِلَ
النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ يَصِيرُ إِلَى النَّارِ كَمَا لَوْ
قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَقيل مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ
خُصَمَاؤُهُ جَمِيعًا وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ
الْقَوَدِ بِقَتْلِهِ الْمُؤْمِنَ مِثْلُ مَا يَجِبُ
عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا
يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُ قَتْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِجَمِيعِهِمْ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ
تَعْظِيمُ الْعُقُوبَةِ وَشِدَّةُ الْوَعِيدِ مِنْ حَيْثُ
إِنَّ قَتْلَ الْوَاحِدِ وَقَتْلَ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ فِي
اسْتِيجَابِ غَضَبِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ وَفِي مُقَابِلِهِ
أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا فَقَدْ حَيِيَ النَّاسُ
مِنْهُ جَمِيعًا لِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ وَحكى بن التِّينِ
أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ فَعَفَا
عَنْهُ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا لَوْ أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعًا وَقِيلَ وَجَبَ شُكْرُهُ عَلَى النَّاسِ
جَمِيعًا وَكَأَنَّمَا مَنَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا قَالَ بن
بَطَّالٍ وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذَا لِأَنَّهُ لَا تُوجَدُ
نَفْسٌ يَقُومُ قَتْلُهَا فِي عَاجِلِ الضُّرِّ مَقَامَ
قَتْلِ جَمِيعِ النُّفُوسِ وَلَا
(12/192)
إِحْيَاؤُهَا فِي عَاجِلِ النَّفْعِ
مَقَامَ إِحْيَاءِ جَمِيعِ النُّفُوسِ قُلْتُ وَاخْتَارَ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَخْصِيصَ الشِّقِّ الْأَوَّلِ
بِابْنِ آدَمِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ سَنَّ الْقَتْلَ
وَهَتَكَ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَجَرَّأَ النَّاسَ عَلَى
ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ
فِي أَوَّلِ الْآيَة من أجل ذَلِك لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ ذَلِكَ
مُتَعَلِّقٌ بِغَيْرِهِمَا فَالْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ
الْعُمُوم أولى وَالله أعلم الحَدِيث الأول
[6867] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون بن عُيَيْنَةَ فَسَيَأْتِي فِي
الِاعْتِصَامِ مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْهُ
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَوْلُهُ الْأَعْمَشُ هُوَ
سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُرَّةَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ
الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ
وَهُوَ الْخَارِفِيُّ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مَكْسُورَةٍ
وَفَاءٍ كُوفِيٌّ وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ
التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ لَا
تُقْتَلُ نَفْسٌ زَادَ حَفْصٌ فِي رِوَايَتِهِ ظُلْمًا
وَفِي الِاعْتِصَامِ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تقتل ظلما قَوْله
على بن آدَمَ الْأَوَّلِ هُوَ قَابِيلُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ
وَعَكَسَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ وَاصِلٍ فِي
تَارِيخِهِ فَقَالَ اسْمُ الْمَقْتُولِ قَابِيلُ اشْتُقَّ
مِنْ قَبُولِ قُرْبَانِهِ وَقِيلَ اسْمُهُ قَابِنُ بِنُونٍ
بَدَلَ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ وَقِيلَ قَبِنُ مِثْلُهُ
بِغَيْرِ أَلِفٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى
ذَلِكَ فِي بَابِ خَلْقِ آدَمَ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ مِنْ
شَأْنِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ يَتَصَدَّقُ
عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرجل
فمهما قُبِلَ تَنْزِلُ النَّارُ فَتَأْكُلُهُ وَإِلَّا
فَلَا وَعَنِ الْحَسَنِ لَمْ يَكُونَا وَلَدَيْ آدَمَ
لِصُلْبِهِ وَإِنَّمَا كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَمِنْ طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَا وَلَدَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبَاب
لوصفه بن بِأَنَّهُ الْأَوَّلُ أَيْ أَوَّلُ مَا وُلِدَ
لِآدَمَ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ فِي الْجَنَّةِ
لِآدَمَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ تَوْأَمَتِهِ وَمِنْ ثَمَّ
فَخَرَ عَلَى أَخِيهِ هَابِيلَ فَقَالَ نَحْنُ مِنْ
أَوْلَادِ الْجَنَّةِ وأنتما من أَوْلَاد الأَرْض ذكر
ذَلِك بن إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَإِ وَعَنِ الْحَسَنِ
ذَكَرَ لِي أَنَّ هَابِيلَ قُتِلَ وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً
وَلِأَخِيهِ الْقَاتِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً
وَتَفْسِيرُ هَابِيلَ هِبَةُ اللَّهِ وَلَمَّا قُتِلَ
هَابِيلُ وَحَزِنَ عَلَيْهِ آدَمُ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ
ذَلِكَ شِيثُ وَمَعْنَاهُ عَطِيَّةُ اللَّهِ وَمِنْهُ
انْتَشَرَتْ ذُرِّيَّةُ آدَمَ وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ
ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ حَوَّاءَ
وَلَدَتْ لِآدَمَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا فِي عِشْرِينَ
بَطْنًا أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ إِقْلِيمَا
وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ وَأَمَةُ الْمُغِيثِ ثُمَّ
لَمْ يَمُتْ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ
أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَهَلَكُوا كُلُّهُمْ فَلَمْ يَبْقَ
بَعْدَ الطُّوفَانِ إِلَّا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ وَهُوَ مِنْ
نَسْلِ شِيثَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلْنَا ذُريَّته
هم البَاقِينَ وَكَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة ثَمَانُون
نفسا وهم الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا
آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ
إِلَّا نَسْلُ نُوحٍ فتوالدوا حَتَّى ملؤا الْأَرْضَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ نُوحٍ
مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَوْلُهُ كِفْلٌ مِنْهَا
زَادَ فِي الِاعْتِصَامِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ من
دَمهَا وَزَاد فِي آخِره لِأَنَّهُ أول مَنْ سَنَّ
الْقَتْلَ وَهَذَا مِثْلُ لَفْظِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
الْمَاضِي فِي خَلْقِ آدَمَ وَالْكِفْلُ بِكَسْرِ
أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ النَّصِيبُ وَأَكْثَرُ مَا
يُطْلَقُ عَلَى الْأَجْرِ وَالضِّعْفِ عَلَى الْإِثْمِ
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى كِفْلَيْنِ من رَحمته وَوَقَعَ
عَلَى الْإِثْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَشْفَعْ
شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا
وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ فِيهِ
أَنَّ مَنْ سَنَّ شَيْئًا كُتِبَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ
وَهُوَ أَصْلٌ فِي أَنَّ الْمَعُونَةَ عَلَى مَا لَا
يَحِلُّ حَرَامٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
جَرِيرٍ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً
كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ
سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ
عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ وَعَنِ
السُّدِّيِّ شَدَخَ قَابِيلُ رَأْسَ أَخِيه بِحجر فَمَاتَ
وَعَن بن جُرَيْجٍ تَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيسُ فَأَخَذَ
بِحَجَرٍ فَشَدَخَ بِهِ رَأْسَ طَيْرٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ
قَابِيلُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى جَبَلِ ثَوْرٍ وَقِيلَ
عَلَى عَقَبَةِ حِرَاءٍ وَقِيلَ بِالْهِنْدِ وَقِيلَ
بِمَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ
(12/193)
بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ فِي
دَفْنِهِ مَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْحَدِيثُ
الثَّانِي
[6868] قَوْلُهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي
هُوَ مِنْ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى الصِّيغَةِ وَوَاقِدٌ
هَذَا قَالَ أَبُو ذَرٍّ فِي رِوَايَتِهِ كَذَا وَقَعَ
هُنَا وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالصَّوَابُ وَاقِدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ قُلْتُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لِقَوْلِهِ
وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ تَوْجِيهٌ وَهُوَ أَنْ
يَكُونَ الرَّاوِي نَسَبَهُ لِجَدِّهِ الْأَعْلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ وَاقِدُ بْنِ مُحَمَّدَ
بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالَّذِي
نَسَبَهُ كَذَلِكَ أَبُو الْوَلِيدِ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ
فِيهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ
أَبِي الْوَلِيدِ كَذَلِكَ وَتَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي
الْأَدَبِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ
شُعْبَةَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَالَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ
مُحَمَّدٍ وَيَأْتِي فِي الْفِتَنِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ
مِنْهَالٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ
وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ
ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي الْأَوَّلِ من فَوَائِدِ أَبِي
عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ
شُعْبَةَ كَمَا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ فَلَعَلَّ
نِسْبَتَهُ كَذَلِكَ مِنْ شُعْبَةَ لَكِن أخرجه أَحْمد
عَنْ عَفَّانَ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ كَالْجَادَّةِ
وَفِي الْجُمْلَةِ فَقَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ لَا يَنْصَرِفُ
لِعَبْدِ اللَّهِ بَلْ لِمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ جَزْمًا
فَمَنْ تَرْجَمَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ وَاقِدٍ فِي
رِجَالِ الْبُخَارِيِّ أَخْطَأَ نَعَمْ فِي هَذَا
النَّسَبِ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ هَذَا
فَإِنَّهُ عَمُّ وَالِدِ وَاقد الْمَذْكُور هُنَا وَله ولد
اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ
مُسْلِمٌ قَوْلُهُ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا
جُمْلَةُ مَا فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ ثَمَانِيَةٌ
أَحَدُهَا قَوْلُ الْخَوَارِجِ إِنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ
ثَانِيهَا هُوَ فِي الْمُسْتَحِلِّينَ ثَالِثُهَا
الْمَعْنَى كُفَّارًا بِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَحُرْمَةِ
الْمُسْلِمِينَ وَحُقُوقِ الدِّينِ رَابِعُهَا تَفْعَلُونَ
فِعْلَ الْكُفَّارِ فِي قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا
خَامِسُهَا لَابِسِينَ السِّلَاحَ يُقَالُ كَفَرَ دِرْعَهُ
إِذَا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا سَادِسُهَا كُفَّارًا
بِنِعْمَةِ اللَّهِ سَابِعُهَا الْمُرَادُ الزَّجْرُ عَنِ
الْفِعْلِ وَلَيْسَ ظَاهِرُهُ مُرَادًا ثَامِنُهَا لَا
يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَأَنْ يَقُولَ أَحَدُ
الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ يَا كَافِرُ فَيَكْفُرَ
أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدْتُ تَاسِعًا وَعَاشِرًا
ذَكَرْتُهُمَا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ
الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى الحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ جرير
وَهُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ
[6869] قَوْلُهُ اسْتَنْصِتِ النَّاسَ أَيِ اطْلُبْ
مِنْهُمُ الْإِنْصَاتَ لِيَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ
الْحَجِّ وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْفِتَنِ أَيْضًا
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَامِس قَوْله رَوَاهُ أَبُو
بكرَة وبن عَبَّاسٍ يُرِيدُ قَوْلَهُ لَا تَرْجِعُوا
بَعْدِي كُفَّارًا وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ وَصَلَهُ
الْمُؤَلِّفُ مُطَوَّلًا فِي الْحَجِّ وَشُرِحَ هُنَاكَ
وَيَأْتِي فِي الْفِتَنِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ حَدِيث بن
عَبَّاسٍ الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو فِي الْكَبَائِرِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي
كِتَابِ الْأَدَبِ
[6870] قَوْلُهُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَالَ
الْيَمِينُ الْغَمُوسُ شَكَّ شُعْبَةُ قُلْتُ تَقَدَّمَ
فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ
بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ بِالْوَاوِ بِغَيْرِ شَكٍّ
وَزَادَ مَعَ الثَّلَاثَةِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَهُوَ
الْمُرَادُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله معَاذ هُوَ بن
مَعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ مِنْ تَعَالِيقِ
الْبُخَارِيِّ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ
مَقُولَ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ فَيَكُونُ مَوْصُولًا
وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُهُ
الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَالَ قَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ
الْغَمُوسُ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِتَعْلِيقِ الْبُخَارِيِّ
إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ
وَالْغَرَضُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ قَتْلِ
النَّفْسِ وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ عَلَى شُعْبَةَ أَنَّهُ
تَارَةً ذَكَرَهَا وَتَارَةً لَمْ يَذْكُرْهَا وَأُخْرَى
ذَكَرَهَا مَعَ الشَّكِّ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ
أَنَسٍ فِي الْكَبَائِرِ أَيْضًا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي
كِتَابِ الْأَدَبِ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ
أُسَامَةَ
[6872] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ هُشَيْمٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ
شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْبَأَنَا قَوْلُهُ
حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَر والأصيلي
أَنبأَنَا حُصَيْن وَهُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْوَاسِطِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُو
(12/194)
ظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ
ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ
وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ بن جُنْدَبٍ مِنْ
كِبَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ
بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ وَهُمْ
بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ
فِي غَزْوَةِ الْفَتْح قَالَ بن الْكَلْبِيِّ سُمُّوا
بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي
مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ
فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا
مِنْهُمْ وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ
غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي
رَمَضَانَ سَنَةَ سبع فِيمَا ذكره بن سعد عَن شَيْخه
وَكَذَا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي
شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ
اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا
مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي
الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ
السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ بَعَثْنَا إِلَى
الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ
قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ
الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لِأَنَّ أُسَامَةَ
عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَتَرْجَمَ
الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى
الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي
شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ تَأْمِيرُ مَنْ
لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا
أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ
الْأَمِيرَ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ
التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ
الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ وَالثَّانِي
أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا
كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ
ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
عَامًا قَوْلُهُ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ أَيْ هَجَمُوا
عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ
يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً
وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ
مُسْتَقِرٌّ قَوْلُهُ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ
الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَوْله رجلا مِنْهُم
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو
الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ
الْفَزَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بن الْكَلْبِيّ قَتله
أُسَامَة وسَاق الْقِصَّة وَذكر بن مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ
إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَة الرجل
وَقَالَ بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ
عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا
إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَكَانَ مِرْدَاسٌ
الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ وَقَالَ
لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ
فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي
مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ قَالَ
فَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ
فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ
فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ
فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ
لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ
وَعَظَكُمْ قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ
آخَرُ وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا وَقَدْ
وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ
مِحْلَمِ بن جثامة عَامر بن الأضبط وَأَن محلما لَمَّا
مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
قَوْلُهُ غَشِينَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ
مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا
وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي
حَتَّى قَتَلْتُهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ
رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ
يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ
بِالرُّمْحِ قَوْلُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَيِ
الْمَدِينَةَ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَوَقَعَ
فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ
بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ
بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنِّي قَوْلُهُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ
فِي رِوَايَة الْكشميهني بعد أَن قَالَ قَالَ بن التِّينِ
فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي
الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ
مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي
(12/195)
تَكْرِيرِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ
قَبُولِ الْعُذْرِ زَجْرٌ شَدِيدٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى
مِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فِي
رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي
رِوَايَة بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
أُسَامَةَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْرِزَ دَمَهُ
قَوْلُهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ
إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا كَذَا أَعَادَ الِاعْتِذَارَ
وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَفِي رِوَايَةِ
الْأَعْمَشِ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى
تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ
الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ
وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ
بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ وَأَمَّا
الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ
فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ
اللِّسَانِ فَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ
لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا
وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا
كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ
بِاللِّسَانِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ
أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ
دُونَ الْبَاطِنَةِ قَوْلُهُ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي
لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْ
أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ
الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَتَمَنَّى أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي
الْإِسْلَامُ لِيَأْمَنَ مِنْ جَرِيرَةِ تِلْكَ
الْفَعْلَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لَا
يَكُونَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ
وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ اسْتَصْغَرَ مَا سَبَقَ
لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي مُقَابَلَةِ
هَذِهِ الْفَعْلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِنْكَارِ
الشَّدِيدِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ
الْمُبَالَغَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ
طُرُقِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى تَمَنَّيْتُ
أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ وَلَفْظُهُ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فَالْتَقَوْا فَأَوْجَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فِيهِمْ فَأَبْلَغَ فَقَصَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
غِيلَتَهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا
أَتَتْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ أُسَامَةَ تَأَوَّلَ
قَوْلَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ
لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ
دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا قُلْتُ كَأَنَّهُ حَمَلَ نَفْيَ
النَّفْعِ عَلَى عُمُومِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَلَيْسَ
ذَلِكَ الْمُرَادَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ
أَنَّهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْفَعُهُ نَفْعًا
مُقَيَّدًا بِأَنْ يَجِبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَّى
يُخْتَبَرَ أَمْرُهُ هَلْ قَالَ ذَلِكَ خَالِصًا مِنْ
قَلْبِهِ أَوْ خَشْيَةً مِنَ الْقَتْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ
مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَوَصَلَ خُرُوجُ
الرُّوحِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا لَمْ تَنْفَعْهُ بِالنِّسْبَةِ
لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا
كَفَّارَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ الدَّاوُدِيُّ وَقَالَ
لَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَوْ كَانَ
ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ
عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ
الْعَادَةَ جَرَتْ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ
إِنْ وَقَعَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ
عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي
أَصْلِ الْقَتْلِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ
وَلَا مَالٍ كَالْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ أَوْ لِأَنَّ
الْمَقْتُولَ كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
وَلِيٌّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ قَالَ
وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ أَوْ لِأَنَّ
أُسَامَةَ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ
بَيِّنَةٌ فَلَمْ تَلْزَمِ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ وَفِيهِ
نظر قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ سَبَبَ
حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ
ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجَمَلِ
وَصِفِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ
الْفِتَنِ قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي
وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى
يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ
عَلَى رَدِّ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ
فِيمَنْ رَأَى كَافِرًا أَسْلَمَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا
كَثِيرًا فَقَالَ لَيْتَني كنت كَافِرًا فَأسْلمت لأكرم
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَرَدَّهُ
النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ جَازِمُ
الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ
(12/196)
وَالِاسْتِقْبَالِ وَإِنَّمَا تَمَنَّى
ذَلِكَ فِي الْحَالِ الْمَاضِي مُقَيَّدًا لَهُ
بِالْإِيمَانِ لِيَتِمَّ لَهُ الْإِكْرَامُ وَاسْتَدَلَّ
بِقِصَّةِ أُسَامَةَ ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ عُبَادَةَ
[6873] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ هُوَ بن أَبِي حَبِيبٍ
الْمِصْرِيُّ وَأَبُو الْخَيْرِ هُوَ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَالصَّنَابِحِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عُسَيْلَةَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ قَوْلُهُ إِنِّي
مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لَيْلَةَ
الْعَقَبَةِ قَوْلُهُ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا
نُشْرِكَ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَةَ عَلَى هَذِهِ
الْكَيْفِيَّةِ كَانَتْ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي
أَوَائِلِ الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْبَيْعَةُ
لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ فِي
الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ إِلَى آخِرِهِ وَأَمَّا الْبَيْعَةُ
الْمَذْكُورَةُ هُنَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى بَيْعَةَ
النِّسَاءِ فَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ فَإِنَّ
آيَةَ النِّسَاءِ الَّتِي فِيهَا الْبَيْعَةُ
الْمَذْكُورَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَّةِ
فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَتِ
الْبَيْعَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِلرِّجَالِ عَلَى وَفْقِهَا
كَانَتْ عَامَ الْفَتْحِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ
وَالسَّبَبَ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ فِي كتاب الْإِيمَان
وَمضى شرح هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ الحَدِيث الْعَاشِر
حَدِيث بن عُمَرَ
[6874] قَوْلُهُ جُوَيْرِيَةُ بِالْجِيمِ تَصْغِيرُ
جَارِيَةٍ وَهُوَ بن أَسمَاء سمع من نَافِع مولى بن عُمَرَ
وَحَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ مَالِكٍ أَيْضًا قَوْلُهُ
مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا
الْمُرَادُ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِمُ السِّلَاحَ
لِقِتَالِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ إِدْخَالِ الرُّعْبِ
عَلَيْهِمْ لَا مَنْ حَمَلَهُ لِحِرَاسَتِهِمْ مَثَلًا
فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ
فَلَيْسَ مِنَّا أَيْ عَلَى طَرِيقَتِنَا وَأُطْلِقَ
اللَّفْظُ مَعَ احْتِمَالِ إِرَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى
الْمِلَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّخْوِيفِ
وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ
قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ سَيَأْتِي مَوْصُولًا
مَعَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَمَعَهُ حَدِيثُ
أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ سَلَمَةَ بِلَفْظِ مَنْ حمل علينا السَّيْف
الحَدِيث الثَّانِي عشر
[6875] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ
السَّخْتِيَانِيُّ وَيُونُسُ هُوَ بن عُبَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ عَنِ
الْأَحْنَفِ هُوَ بن قَيْسٍ قَوْلُهُ لِأَنْصُرَ هَذَا
الرَّجُلَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ
الْأَحْنَفُ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ
قَوْلُهُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا
بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
بِالْإِفْرَادِ قَوْلُهُ فِي النَّارِ أَيْ إِنْ أَنْفَذَ
اللَّهُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا فِعْلًا
يَسْتَحِقَّانِ أَنْ يُعَذَّبَا مِنْ أَجْلِهِ وَقَوْلُهُ
إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ احْتَجَّ
بِهِ الْبَاقِلَّانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ
عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يَأْثَمُ وَلَوْ لَمْ
يَفْعَلْهَا وَأَجَابَ مَنْ خَالَفَهُ بِأَنَّ هَذَا
شُرِعَ فِي الْفِعْلِ وَالِاخْتِلَافِ فِيمَنْ هَمَّ
مُجَرَّدًا ثُمَّ صَمَّمَ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا هَلْ
يَأْثَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي
شَرْحِ حَدِيثِ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَمَنْ هَمَّ
بِسَيِّئَةٍ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْوَعِيدُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَى
عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ طَلَبِ مُلْكٍ مَثَلًا
فَأَمَّا مَنْ قَاتَلَ أَهْلَ الْبَغْيِ أَوْ دَفَعَ
الصَّائِلَ فَقُتِلَ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ
لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْقِتَالِ شَرْعًا
وَسَيَأْتِي شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْفِتَن
أَيْضا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم الْقصاص فِي
الْقَتْلَى الْآيَةَ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي
(12/197)
رِوَايَة الْأصيلِيّ والنسفي وبن عَسَاكِر
الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ إِلَى قَوْله عَذَاب أَلِيم
وللإسماعيلي الْقَتْلَى إِلَى قَوْله أَلِيم وَسَاقَ فِي
رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا
(قَوْلُهُ بَاب سُؤال الْقَاتِل حَتَّى يقر)
وَالْإِقْرَار فِي الْحُدُودِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ
وَبَعْدَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيِّ
وَالْجَارِيَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَكَرِيمَةَ
وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِحَذْفِ بَابٍ
وَقَالُوا بَعْدَ قَوْلِهِ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَإِذًا لَمْ
يَزَلْ يَسْأَلُ الْقَاتِلَ حَتَّى أَقَرَّ وَالْإِقْرَارُ
فِي الْحُدُودِ وَصَنِيعُ الْأَكْثَرِ أَشْبَهُ وَقَدْ
صَرَّحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ
الْأُولَى بِلَا حَدِيثٍ قُلْت وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ
أَصْلٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ وَهُوَ
قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمُ الْكُوفِيُّونَ
فَقَالُوا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ
بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ
تَعَالَى وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ
قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَوْلَى فَتُحْمَلُ
النَّفْسُ عَلَى الْمُكَافِئَةِ وَيُؤَيِّدُهُ
اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَوْ قَذَفَ عَبْدًا
لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ وَيُؤْخَذُ
الْحُكْمُ مِنَ الْآيَةِ نَفْسِهَا فَإِنَّ فِي آخِرِهَا
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ
وَالْكَافِرُ لَا يُسَمَّى مُتَصَدِّقًا وَلَا مُكَفَّرًا
عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَتَصَدَّقُ بِجُرْحِهِ
لِأَنَّ الْحَقَّ لِسَيِّدِهِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَمَّا
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ
وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَتِ النَّفْسُ
أَوْلَى بِذَلِكَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ وَأَنَّ
الْأُنْثَى تُقْتَلُ بِالذَّكَرِ وَيُقْتَلُ بِهَا إِلَّا
أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ
وَالتَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الذَّكَرَ
إِذَا قَتَلَ الْأُنْثَى فَشَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا قَتْلَهُ
وَجَبَ عَلَيْهِمْ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِلَّا فَلَهُمُ
الدِّيَةُ كَامِلَةً قَالَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ
لَكِنْ هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَحَدِ
فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ وَيَدُلُّ عَلَى التَّكَافُؤِ
بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى
أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالْأَعْوَرَ لَوْ قَتَلَهُ
الصَّحِيحُ عَمْدًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَمْ
يَجِبْ لَهُ بِسَبَبِ عَيْنِهِ أَوْ يَدِهِ دِيَةٌ
قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ سُؤَالُ الْقَاتِلِ حَتَّى
يُقِرَّ أَيْ مَنِ اتُّهِمَ بِالْقَتْلِ وَلَمْ تَقُمْ
عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ
[6876] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا همام هُوَ بن يَحْيَى قَوْلُهُ
عَنْ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ حِبَّانَ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ هَمَّامٍ
الْآتِيَةِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ حَدَّثَنَا أَنَسٌ
قَوْلُهُ أَنَّ يَهُودِيًّا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ
قَوْلُهُ رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ الرَّضُّ بِالضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ وَالرَّضْخُ بِمَعْنًى وَالْجَارِيَةُ
يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَمَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ
حُرَّةً لَكِنْ دُونَ الْبُلُوغِ وَقَدْ وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فِي الْبَابِ
الَّذِي يَلِيهِ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ
بِالْمَدِينَةِ فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ
وَتَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ
عَدَا يَهُودِيٌّ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا
كَانَتْ عَلَيْهَا وَرَضَخَ رَأْسَهَا وَفِيهِ فَأَتَى
أَهْلُهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهِيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَهَذَا لَا يُعَيِّنُ
كَوْنَهَا حُرَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِأَهْلِهَا
مَوَالِيهَا رَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ عَتِيقَةً وَلَمْ
أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا لَكِنْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ
أَنَّهَا مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ
قَوْلِهِ رَضَّ رَأْسَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَبَيْنَ
قَوْلِهِ رَمَاهَا بِحَجَرٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ رَضَخَ
رَأْسَهَا لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهَا بِأَنَّهُ
رَمَاهَا
(12/198)
بِحَجَرٍ فَأَصَابَ رَأْسَهَا فَسَقَطَتْ
عَلَى حَجَرٍ آخَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَوْضَاحٍ
فَمَعْنَاهُ بِسَبَبِ أَوْضَاحٍ وَهِيَ بِالضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ وَضَحٍ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ حُلِيُّ الْفِضَّةِ وَنَقَلَ
عِيَاضٌ أَنَّهَا حُلِيٌّ مِنْ حِجَارَةٍ وَلَعَلَّهُ
أَرَادَ حِجَارَةَ الْفِضَّةِ احْتِرَازًا مِنَ الْفِضَّةِ
الْمَضْرُوبَةِ أَوِ الْمَنْقُوشَةِ قَوْلُهُ فَقِيلَ
لَهَا مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ
بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَشْخَاصِ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ أَفُلَانٌ أَفُلَانٌ
بِالتَّكْرَارِ بِغَيْرِ وَاوِ عَطْفٍ وَجَاءَ بَيَانُ
الَّذِي خَاطَبَهَا بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي
تَلِي هَذِهِ بِلَفْظِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانٌ قَتَلَكِ
وَبَيْنَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ لَهَا مَنْ قَتَلَكِ قَوْلُهُ حَتَّى سَمَّى
الْيَهُودِيَّ زَادَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي
الْأَشْخَاصِ وَالْوَصَايَا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ فِي
الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذَا بَيَانُ الْإِيمَاءِ
الْمَذْكُورِ وَأَنَّهُ كَانَ تَارَةً دَالًّا عَلَى
النَّفْيِ وَتَارَةً دَالًّا عَلَى الْإِثْبَاتِ بِلَفْظِ
فُلَانٌ قَتَلَكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَأَعَادَ فَقَالَ
فُلَانٌ قَتَلَكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَقَالَ لَهَا فِي
الثَّالِثَةِ فُلَانٌ قَتَلَكِ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا
وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ فُلَانًا الثَّانِيَ غَيْرُ
الْأَوَّلِ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي
الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الطَّلَاقِ وَكَذَا الْآتِيَةُ
بَعْدَ بَابَيْنِ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا قَالَ
فَفُلَانٌ لِرَجُلٍ آخَرَ يَعْنِي عَنْ رَجُلٍ آخَرَ
فَأَشَارَتْ أَنْ لَا قَالَ فَفُلَانٌ قَاتِلُهَا
فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ قَوْلُهُ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ
حَتَّى أَقَرَّ فِي الْوَصَايَا فَجِيءَ بِهِ يَعْتَرِفُ
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى اعْتَرَفَ قَالَ أَبُو
مَسْعُودٍ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ فَاعْتَرَفَ وَلَا فَأَقَرَّ إِلَّا هَمَّامَ
بْنَ يَحْيَى قَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي
لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَاتِ
ثُمَّ يَتَلَطَّفَ بِهِمْ حَتَّى يُقِرُّوا لِيُؤْخَذُوا
بإقرارهم وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا جاؤوا تَائِبِينَ
فَإِنَّهُ يُعْرِضُ عَمَّنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْجِنَايَةِ
فَإِنَّهُ يَجِبُ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ إِذَا
أَقَرَّ وَسِيَاقُ الْقِصَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ
الْيَهُودِيَّ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِنَّمَا
أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ تَجِبُ
الْمُطَالَبَةُ بِالدَّمِ بِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى
وَبِالْإِشَارَةِ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
وَصِيَّةِ غَيْرِ الْبَالِغِ وَدَعْوَاهُ بِالدَّيْنِ
وَالدَّمِ قُلْتُ فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ
يَتَعَيَّنْ كَوْنُ الْجَارِيَةِ دُونَ الْبُلُوغِ وَقَالَ
الْمَازِرِيُّ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ
الْقِصَاصَ بِغَيْرِ السَّيْفِ وَقَتْلَ الرَّجُلِ
بِالْمَرْأَةِ قُلْتُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِمَا فِي
بَابَيْنِ مُفْرَدَيْنِ قَالَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ
بَعْضُهُمْ عَلَى التَّدْمِيَةِ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ
تُعْتَبَرْ لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِ الْجَارِيَةِ فَائِدَةٌ
قَالَ وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ مُجَرَّدًا لِأَنَّهُ
خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ
يُفِيدُ الْقَسَامَةَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ مَالِكٌ
إِلَى ثُبُوتِ قَتْلِ الْمُتَّهَمِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ
الْمَجْرُوحِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا
دَلَالَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ
الْيَهُودِيَّ اعْتَرَفَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ
فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَنَازَعَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ
فَقَالَ لَمْ يَقُلْ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
مَذْهَبِهِ بِثُبُوتِ الْقَتْلِ عَلَى الْمُتَّهَمِ
بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا قَالُوا إِنَّ
قَوْلَ الْمُحْتَضَرِ عِنْدَ مَوْتِهِ فُلَانٌ قَتَلَنِي
لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فَيُقْسِمُ اثْنَانِ
فَصَاعِدًا مِنْ عَصَبَتِهِ بِشَرْطِ الذُّكُورِيَّةِ
وَقَدْ وَافَقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْجُمْهُورَ
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالتَّدْمِيَةِ أَنَّ دَعْوَى مَنْ
وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَهِيَ وَقْتُ إِخْلَاصِهِ
وَتَوْبَتِهِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ مُفَارَقَةِ الدُّنْيَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا قَالُوا
وَهِيَ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ
الْوَلِيَّ يُقْسِمُ إِذَا وَجَدَ قُرْبَ وَلِيِّهِ
الْمَقْتُولِ رَجُلًا مَعَهُ سِكِّينٌ لِجَوَازِ أَنْ
يَكُونَ الْقَاتِلُ غَيْرَ مَنْ مَعَهُ السِّكِّينُ
قَوْلُهُ فَرَضَّ رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ أَيْ دَقَّ
وَفِي رِوَايَةِ الْأَشْخَاصِ فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ
حَجَرَيْنِ وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ حِبَّانَ أَنَّ
هَمَّامًا قَالَ كُلًّا مِنَ اللَّفْظَيْنِ وَفِي
رِوَايَةِ هِشَامٍ الَّتِي تَلِيهَا فَقَتَلَهُ بَيْنَ
حَجَرَيْنِ وَمَضَى فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الرِّوَايَةِ
الَّتِي فِي الْأَشْخَاصِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ
عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ
لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
فَقُتِلَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ قَالَ عِيَاضٌ رَضْخُهُ بَيْنَ
حَجَرَيْنِ وَرَمْيُهُ بِالْحِجَارَةِ وَرَجْمُهُ بِهَا
بِمَعْنًى وَالْجَامِع أَنه
(12/199)
رُمِيَ بِحَجَرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَرَأْسُهُ
عَلَى آخَرَ وَقَالَ بن التِّينِ أَجَابَ بَعْضُ
الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ
فِيهِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ
الْمَرْأَةَ كَانَتْ حَيَّةً وَالْقَوَدُ لَا يَكُونُ فِي
حَيٍّ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ
بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَفُلَانٌ
قَتَلَكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ حِينَئِذٍ
لِأَنَّهَا كَانَتْ تَجُودُ بِنَفْسِهَا فَلَمَّا مَاتَتِ
اقْتَصَّ مِنْهُ وَادَّعَى بن الْمُرَابِطِ مِنَ
الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي أَوَّلِ
الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْقَتِيلِ وَأَمَّا
مَا جَاءَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ فَهُوَ فِي رِوَايَةِ
قَتَادَةَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مِمَّا عُدَّ
عَلَيْهِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذِهِ
الدَّعْوَى فَقَتَادَةُ حَافِظٌ زِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ
لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهَا فَلَمْ
يَتَعَارَضَا وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى
الذِّمِّيِّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ
بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
مُعَاهَدًا أَوْ مستأمنا وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا)
كَذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَبُتَّ الْحُكْمُ إِشَارَةً إِلَى
الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ إِيرَادَهُ الْحَدِيثَ
يُشِيرُ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَذَكَرَ
فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْيَهُودِيِّ وَالْجَارِيَةِ
وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ
بِمَا قَتَلَ بِهِ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ
بِهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ
مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم وَخَالَفَ الْكُوفِيُّونَ
فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ
وَهُوَ ضَعِيف أخرجه الْبَزَّار وبن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي بَكْرَةَ وَذَكَرَ الْبَزَّارُ الِاخْتِلَاف فِيهِ
مَعَ ضعف إِسْنَاده وَقَالَ بن عدي طرقه كلهَا ضَعِيفَة
وعلىتقدير ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ
قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ
الْكِتَابَ وَلَا تُخَصِّصُهُ وَبِالنَّهْيِ عَنِ
الْمُثْلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ عَلَى غَيْرِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ
جَمْعًا بَين الدَّلِيلَيْنِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ قَالَ
الْأَكْثَرُ إِذَا قَتَلَهُ بِشَيْءٍ يَقْتُلُ مثله
غَالِبا فَهُوَ عمد وَقَالَ بن أَبِي لَيْلَى إِنْ قَتَلَ
بِالْحَجَرِ أَوِ الْعَصَا نُظِرَ إِنْ كَرَّرَ ذَلِكَ
فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ
شَرْطُ الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ بِسِلَاحٍ وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ
وَالْحَكَمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ شَرْطُهُ
أَنْ يَكُونَ بِحَدِيدَةٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ قَتَلَ
بِعَصًا فَأُقِيدَ بِالضَّرْبِ بِالْعَصَا فَلَمْ يَمُتْ
هَلْ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَمْ يُكَرَّرْ وَقِيلَ
إِنْ لَمْ يَمُتْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَكَذَا فِيمَنْ
قَتَلَ بِالتَّجْوِيعِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ
يُسْتَثْنَى مِنَ الْمُمَاثَلَةِ مَا كَانَ فِيهِ
مَعْصِيَةٌ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ وَالتَّحْرِيقِ وَفِي
الثَّالِثَةِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْأَوَّلَانِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ
يُقْتَلُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ انْتَهَى وَمِنْ
أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي
رَمَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا
فَإِنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جُعِلَ فِيهَا الدِّيَةَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي
بَابِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ بَعْدَ بَابِ
الْقَسَامَةِ وَمُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ السَّنَدِ جَزَمَ
الكلاباذي بِأَنَّهُ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بن السكن هُوَ بن سَلام
(12/200)
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ وَعِنْدَ
النَّسَفِيِّ بَعْدَهُ الْآيَة إِلَى قَوْله فَأُولَئِك هم
الظَّالِمُونَ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى
قَوْلِهِ الظَّالِمُونَ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ
الْآيَةِ مُطَابَقَتُهَا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَلَعَلَّهُ
أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهَا وَإِنْ وَرَدَتْ فِي
أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي دَلَّتْ
عَلَيْهِ مُسْتَمِرٌّ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ
أَصْلٌ فِي الْقِصَاصِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ
[6878] قَوْلُهُ عَن عبد الله هُوَ بْنِ مَسْعُودٍ
قَوْلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ
وَالنَّسَائِيِّ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِهِ وَهِيَ قَامَ
فِينَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يَحِلُّ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ إِثْبَاتُ إِبَاحَةِ
قَتْلِ مَنِ اسْتُثْنِيَ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ
لِتَحْرِيمِ قَتْلِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَتْلُ مَنْ
أُبِيحَ قَتْلُهُ مِنْهُمْ وَاجِبًا فِي الْحُكْمِ
قَوْلُهُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ
الثَّوْرِيِّ دَمُ رَجُلٍ وَالْمُرَادُ لَا يَحِلُّ
إِرَاقَةُ دَمِهِ أَيْ كُلُّهُ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ
قَتْلِهِ وَلَوْ لَمْ يُرِقْ دَمَهُ قَوْلُهُ يَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ
ذُكِرَتْ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمِ هُوَ
الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ هِيَ حَالٌ مُقَيِّدَةٌ
لِلْمَوْصُوفِ إِشْعَارًا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ
الْعُمْدَةِ فِي حَقْنِ الدَّمِ وَهَذَا رَجَّحَهُ
الطِّيبِيُّ وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ كَيْفَ
تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَوْلُهُ إِلَّا
بِإِحْدَى ثَلَاثٍ أَيْ خِصَالٍ ثَلَاثٍ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ قَوْلُهُ
النَّفْسُ بِالنَّفْسِ أَيْ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا بِغَيْرِ
حَقٍّ قُتِلَ بِشَرْطِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ
الْمَذْكُورِ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَفِي
حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا
ظُلْمًا قَوْلُهُ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي أَيْ فَيَحِلُّ
قَتْلُهُ بِالرَّجْمِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ
عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ رَجُلٍ زَنَى بَعْدَ
إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ قَالَ النَّوَوِيُّ
الزَّانِي يَجُوزُ فِيهِ إِثْبَاتُ الْيَاءِ وَحَذْفُهَا
وَإِثْبَاتُهَا أَشْهَرُ قَوْلُهُ وَالْمُفَارِقُ
لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ كَذَا فِي رِوَايَةِ
أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِلْبَاقِينَ
وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ لَكِنْ عِنْدَ النَّسَفِيِّ
وَالسَّرَخْسِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي وَالْمَارِقُ لِدِينِهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَارِقُ لِدِينِهِ هُوَ التَّارِكُ
لَهُ مِنَ الْمُرُوقِ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَفِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ
لِلْجَمَاعَةِ وَلَهُ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ
الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ وَزَادَ قَالَ الْأَعْمَشُ
فَحَدَّثْتُ بِهِمَا إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيَّ
فَحَدَّثَنِي عَنِ الْأَسْوَدِ يَعْنِي بن يَزِيدَ عَنْ
عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ قُلْتُ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَغْفَلَ
الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ ذِكْرَهَا فِي مُسْنَدِ
عَائِشَةَ وَأَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا فِي
تَرْجَمَةِ عَبْدِ الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن بن
مَسْعُودٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بَعْدَهُ
مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ
الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ لَكِنْ قَالَ
بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا وَلَمْ يَقُلْ وَالَّذِي لَا
إِلَهَ غَيْرُهُ وَأَفْرَدَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي
صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ بِاللَّفْظِ
الْمَذْكُورِ سَوَاءً وَالْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ
جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ أَيْ فَارَقَهُمْ أَوْ
تَرَكَهُمْ بِالِارْتِدَادِ فَهِيَ صِفَةٌ لِلتَّارِكِ
أَوِ الْمُفَارِقِ لَا صِفَةٌ
(12/201)
مُسْتَقِلَّةٌ وَإِلَّا لَكَانَتِ
الْخِصَالُ أَرْبَعًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ
مُسْلِمٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
فَإِنَّهَا صِفَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ مُسْلِمٌ
وَلَيْسَتْ قَيْدًا فِيهِ إِذْ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا
إِلَّا بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ أَنَّهُ وَقَعَ
فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَوْ يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَفِي لَفْظٍ
لَهُ صَحِيحٍ أَيْضًا ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَلَهُ
مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ غَالِبٍ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ
كفر بعد مَا أسلم وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد
النَّسَائِيّ مُرْتَد بعد إِيمَان قَالَ بن دَقِيقِ
الْعِيدِ الرِّدَّةُ سَبَبٌ لِإِبَاحَةِ دَمِ الْمُسْلِمِ
بِالْإِجْمَاعِ فِي الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ
فَفِيهَا خِلَافٌ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ
لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الرَّجُلِ
لِاسْتِوَاءِ حُكْمِهِمَا فِي الزِّنَا وَتُعُقِّبَ
بِأَنَّهَا دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَقَالَ
الْبَيْضَاوِيُّ التَّارِكُ لِدِينِهِ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ
لِلْمَارِقِ أَيِ الَّذِي تَرَكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ
وَخَرَجَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ
دَلِيلٌ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ دَخَلَ
فِي الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الَّذِي عُدِّدَ
كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَن ذَلِك وَتَبعهُ
الطَّيِّبِيّ وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَدْ يُؤْخَذُ
مِنْ قَوْلِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ
الْمُرَادَ الْمُخَالِفُ لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ
مُتَمَسَّكًا لِمَنْ يَقُولُ مُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ
كَافِرٌ وَقَدْ نُسِبَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْهَيِّنِ فَإِنَّ الْمَسَائِلَ
الْإِجْمَاعِيَّةَ تَارَةً يَصْحَبُهَا التَّوَاتُرُ
بِالنَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ
مَثَلًا وَتَارَةً لَا يَصْحَبُهَا التَّوَاتُرُ
فَالْأَوَّلُ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ لِمُخَالَفَةِ
التَّوَاتُرِ لَا لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَالثَّانِي
لَا يُكَفَّرُ بِهِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ الصَّحِيحُ فِي تَكْفِيرِ مُنْكِرِ
الْإِجْمَاعِ تَقْيِيدُهُ بِإِنْكَارِ مَا يُعْلَمُ
وُجُوبُهُ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَالصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ بِإِنْكَارِ مَا عُلِمَ
وُجُوبُهُ بِالتَّوَاتُرِ وَمِنْهُ الْقَوْلُ بِحُدُوثِ
الْعَالَمِ وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ
عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يَقُول بقدم الْعَالم وَقَالَ بن
دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَعَ هُنَا مَنْ يَدَّعِي الْحِذْقَ
فِي الْمَعْقُولَاتِ وَيَمِيلُ إِلَى الْفَلْسَفَةِ
فَظَنَّ أَنَّ الْمُخَالِفَ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ لَا
يُكَفَّرُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مُخَالَفَةِ
الْإِجْمَاعِ وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِنَا إِنَّ مُنْكِرَ
الْإِجْمَاعِ لَا يُكَفَّرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى
يَثْبُتَ النَّقْلُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرًا عَنْ صَاحِبِ
الشَّرْعِ قَالَ وَهُوَ تَمَسُّكٌ سَاقِطٌ إِمَّا عَنْ
عَمًى فِي الْبَصِيرَةِ أَوْ تَعَامٍ لِأَنَّ حُدُوثَ
الْعَالَمِ مِنْ قَبِيلِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ
وَالتَّوَاتُرُ بِالنَّقْلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ
التَّارِكُ لِدِينِهِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنِ ارْتَدَّ
بِأَيِّ رِدَّةٍ كَانَتْ فَيَجِبُ قَتْلُهُ إِنْ لَمْ
يَرْجِعْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ الْمُفَارِقُ
لِلْجَمَاعَةِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خَارِجٍ عَنِ
الْجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ أَوْ نَفْيِ إِجْمَاعٍ
كَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ كَذَا قَالَ
وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي
الْمُفْهِمِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ
أَنَّهُ نَعْتٌ لِلتَّارِكِ لِدِينِهِ لِأَنَّهُ إِذَا
ارْتَدَّ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ أَنَّهُ
يَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ جَمَاعَةِ
الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَرْتَدَّ كَمَنْ يَمْتَنِعُ
مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إِذَا وَجَبَ
وَيُقَاتِلُ عَلَى ذَلِكَ كَأَهْلِ الْبَغْيِ وَقُطَّاعِ
الطَّرِيقِ وَالْمُحَارِبِينَ مِنَ الْخَوَارِجِ
وَغَيْرِهِمْ قَالَ فَيَتَنَاوَلُهُمْ لَفْظُ الْمُفَارِقِ
لِلْجَمَاعَةِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ
كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْحَصْرُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ
يَنْفِيَ مَنْ ذُكِرَ وَدَمُهُ حَلَالٌ فَلَا يَصِحُّ
الْحَصْرُ وَكَلَامُ الشَّارِعِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الْمُفَارَقَةِ لِلْجَمَاعَةِ
يَعُمُّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ قَالَ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ
كُلَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ تَرَكَ دِينَهُ غَيْرَ
أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَرَكَ كُلَّهُ وَالْمُفَارِقَ
بِغَيْرِ رِدَّةٍ تَرَكَ بَعْضَهُ انْتَهَى وَفِيهِ
مُنَاقَشَةٌ لِأَنَّ أَصْلَ الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ
الِارْتِدَادُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ وَالْمُفَارِقُ
بِغَيْرِ رِدَّةٍ لَا يُسَمَّى مُرْتَدًّا فَيَلْزَمُ
الْخُلْفُ فِي الْحَصْرِ وَالتَّحْقِيقُ فِي جَوَابِ
ذَلِكَ أَنَّ الْحَصْرَ فِيمَنْ يَجِبُ قَتْلُهُ عَيْنًا
وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَهُمْ فَإِنَّ قَتْلَ الْوَاحِدِ
مِنْهُمْ إِنَّمَا يُبَاحُ إِذَا وَقَعَ حَالَ
الْمُحَارَبَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ
أُسِرَ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ صَبْرًا اتِّفَاقًا فِي
غَيْرِ الْمُحَارِبِينَ وَعَلَى الرَّاجِحِ فِي
الْمُحَارِبِينَ أَيْضًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ
قَتْلُ تَارِك الصَّلَاة وَقد تعرض لَهُ بن دَقِيقِ
الْعِيدِ فَقَالَ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ
تَارِك
(12/202)
الصَّلَاةِ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا
لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ
وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ شَيْخُ وَالِدِي الْحَافِظُ أَبُو
الْحَسَنِ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ فِي
أَبْيَاتِهِ الْمَشْهُورَةِ ثُمَّ سَاقَهَا وَمِنْهَا
وَهُوَ كَافٍ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ هُنَا
وَالرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ يُعَزِّرَهُ الامام بِكُلِّ
تَعْزِيرٍ يَرَاهُ صَوَابَا فَالْأَصْلُ عِصْمَتُهُ إِلَى
أَنْ يَمْتَطِيَ إِحْدَى الثَّلَاثِ إِلَى الْهَلَاكِ
رِكَابَا قَالَ فَهَذَا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اخْتَارَ
خِلَافَ مَذْهَبِهِ وَكَذَا اسْتَشْكَلَهُ إِمَامُ
الْحَرَمَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قُلْتُ تَارِكُ
الصَّلَاةِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَبَعض الْمَالِكِيَّة وَمن الشَّافِعِيَّة بن خُزَيْمَةَ
وَأَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو عُبَيْدِ بن
جوَيْرِية وَمَنْصُورٌ الْفَقِيهُ وَأَبُو جَعْفَرٍ
التِّرْمِذِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَلَوْ
لَمْ يَجْحَدْ وُجُوبَهَا وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى
أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ
وَوَافَقَهُمْ الْمُزَنِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ
وَلَا يُقْتَلُ وَمِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى
عَدَمِ كُفْرِهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ رَفَعَهُ خَمْسُ
صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ
الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ
لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ
شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجنَّة أخرجه مَالك وَأَصْحَاب السّنَن
وَصَححهُ بن حبَان وبن السَّكَنِ وَغَيْرُهُمَا
وَتَمَسَّكَ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ بِظَوَاهِرِ
أَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِتَكْفِيرِهِ وَحَمَلَهَا مَنْ
خَالَفَهُمْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ جَمْعًا بَيْنَ
الْأَخْبَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ بن دَقِيقِ
الْعِيدِ وَأَرَادَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا زَمَانَهُ
أَنْ يُزِيلَ الْإِشْكَالَ فَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ
أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ
وَقَفَ الْعِصْمَةَ عَلَى الْمَجْمُوعِ والمرتب على
أَشْيَاء لَا تحصل إِلَّا بِحُصُولِ مَجْمُوعِهَا
وَيَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا قَالَ وَهَذَا إِنْ
قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِمَنْطُوقِهِ وَهُوَ أُقَاتِلُ
النَّاسَ إِلَخْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْأَمْرَ
بِالْقِتَالِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَقَدْ ذَهِلَ
لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى الشَّيْءِ
وَالْقَتْلِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ مُفَاعَلَةٌ
تَقْتَضِي الْحُصُولَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ
مِنْ إِبَاحَةِ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى الصَّلَاةِ إِبَاحَةُ
قَتْلِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ فِعْلِهَا إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ
وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ قَوْمًا لَوْ تَرَكُوا
الصَّلَاةَ وَنَصَبُوا الْقِتَالَ أَنَّهُ يَجِبُ
قِتَالُهُمْ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَا إِذَا تَرَكَهَا
إِنْسَانٌ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ قِتَالٍ هَل يقتل أَولا
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى الشَّيْءِ
وَالْقَتْلِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ
آخِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ تَرَتُّبُ الْعِصْمَةِ عَلَى
فِعْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا
لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ بَعْضِهِ هَانَ الْأَمْرُ
لِأَنَّهَا دَلَالَةُ مَفْهُومٍ وَمُخَالِفُهُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَأَمَّا مَنْ
يَقُولُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ حُجَّتَهُ بِأَنَّهُ
عَارَضَتْهُ دَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ
وَهِيَ أَرْجَحُ مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَيُقَدَّمُ
عَلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
لِقَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلدِّينِ
الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا
بِقَتْلِ تَارِكِ الزَّكَاةِ لِإِمْكَانِ انْتِزَاعِهَا
مِنْهُ قَهْرًا وَلَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصِّيَامِ
لِإِمْكَانِ مَنْعِهِ الْمُفْطِرَاتِ فَيَحْتَاجُ هُوَ
أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ
بِالْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُرْجَمُ إِذَا زَنَى
وَلَوْ كَانَ ثَيِّبًا حَكَاهُ بن التِّينِ قَالَ وَلَيْسَ
لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ مَا جَمَعَهُ اللَّهُ إِلَّا
بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ قَالَ وَهَذَا
بِخِلَافِ الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعُ
انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْحُرَّ فِي
الرِّدَّةِ سَوَاءٌ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ أَنَّ الْأَصْلَ
الْعَمَلُ بِدَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ مَا لَمْ يَأْتِ
دَلِيلٌ يُخَالِفُهُ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنَ الثَّلَاثَةِ
قَتْلَ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِلدَّفْعِ
وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ يُخَصُّ
مِنْ عُمُومِ الثَّلَاثَةِ الصَّائِلُ وَنَحْوُهُ
فَيُبَاحُ قَتْلُهُ فِي الدَّفْعِ وَقَدْ يُجَابُ
بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ أَوْ
يَكُونُ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ تَعَمُّدُ قَتْلِهِ
بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إِلَّا
مُدَافَعَةً بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ
الطِّيبِيُّ وَقَالَ هُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْرِيرِ
الْبَيْضَاوِيِّ لِأَنَّهُ فَسَّرَ قَوْله
(12/203)
النَّفس بِالنَّفسِ يَحِلُّ قَتْلُ
النَّفْسِ قِصَاصًا لِلنَّفْسِ الَّتِي قَتَلَهَا
عُدْوَانًا فَاقْتَضَى خُرُوجَ الصَّائِلِ وَلَوْ لَمْ
يَقْصِدِ الدَّافِعُ قَتْلَهُ قُلْتُ وَالْجَوَابُ
الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأما الأول فَتقدم الْجَواب
عَنهُ وَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ مَنْ قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَاد فِي الأَرْض قَالَ
فَأَبَاحَ الْقَتْلَ بِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
قَالَ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ
أَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فَقَاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي وَحَدِيثُ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ
قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ وَحَدِيثُ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً
فَاقْتُلُوهُ وَحَدِيثُ مَنْ خَرَجَ وَأَمْرُ النَّاسِ
جَمْعٌ يُرِيدُ تَفَرُّقَهُمْ فَاقْتُلُوهُ وَقَوْلُ
عُمَرَ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ
الْأَئِمَّةِ إِنْ تَابَ أَهْلُ الْقَدَرِ وَإِلَّا قتلوا
وَقَول جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُضْرَبُ
الْمُبْتَدِعُ حَتَّى يَرْجِعَ أَوْ يَمُوتَ وَقَوْلُ
جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ
قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثِ قُلْتُ
وَزَادَ غَيْرُهُ قَتْلَ مَنْ طَلَبَ أَخْذَ مَالِ
إِنْسَانٍ أَوْ حَرِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمَانِعَ
الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَمَنِ ارْتَدَّ وَلَمْ
يُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ وَمَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ
وَأَظْهَرَ الشِّقَاقَ وَالْخِلَافَ وَالزِّنْدِيقَ إِذَا
تَابَ عَلَى رَأْيٍ وَالسَّاحِرَ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ
كُلِّهِ أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْمُحَارِبَةِ أَنَّهُ
إِنْ قَتَلَ قُتِلَ وَبِأَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ فِي
الْبَاغِي أَنْ يُقَاتَلَ لَا أَنْ يُقْصَدَ إِلَى
قَتْلِهِ وَبِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ فِي اللِّوَاطِ
وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لَمْ يَصِحَّا وَعَلَى تَقْدِيرِ
الصِّحَّةِ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الزِّنَا وَحَدِيثُ
الْخَارِجِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ
بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَتْلِهِ حَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنَ
الْخُرُوجِ وَأَثَرُ عُمَرَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ
وَالْقَوْلُ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ الْمُبْتَدِعَةِ
مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ وَبِأَنَّ
قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ وَأَمَّا
مَنْ طَلَبَ الْمَالَ أَوِ الْحَرِيمَ فَمِنْ حُكْمِ
دَفْعِ الصَّائِلِ وَمَانِعُ الزَّكَاةِ تَقَدَّمَ
جَوَابُهُ وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ دَاخِلٌ فِي مُفَارِقِ
الْجَمَاعَةِ وَقَتْلُ الزِّنْدِيقِ لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ
كُفْرِهِ وَكَذَا السَّاحِرُ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
وَقد حكى بن الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ
أَسْبَابَ الْقَتْلِ عشرَة قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَلَا
تَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِحَالٍ فَإِنَّ مَنْ
سَحَرَ أَوْ سَبَّ نَبِيَّ اللَّهِ كُفِّرَ فَهُوَ دَاخِلٌ
فِي التَّارِكِ لِدِينِهِ وَاللَّهُ أعلم وَاسْتدلَّ بقوله
النَّفس بِالنَّفسِ عَلَى تَسَاوِي النُّفُوسِ فِي
الْقَتْلِ الْعَمْدِ فَيُقَادُ لِكُلِّ مَقْتُولٍ مِنْ
قَاتِلِهِ سَوَاءً كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَتَمَسَّكَ
بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَادَّعَوْا أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ
الْمَذْكُورَةَ فِي التَّرْجَمَةِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ
الْبَقَرَةِ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ وَمِنْهُمْ
مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ عَبْدِ الْجَانِي وَعَبْدِ غَيْرِهِ
فَأَقَادَ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ دُونَ عَبْدِ نَفْسِهِ
وَقَالَ الْجُمْهُورُ آيَةُ الْبَقَرَةِ مُفَسِّرَةٌ
لِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ
وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِنَقْصِهِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قِصَاصٌ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْحُرُّ وَاحْتَجَّ لِلْجُمْهُورِ
بِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ فَلَا يَجِبُ فِيهِ إِلَّا
الْقِيمَةُ لَوْ قُتِلَ خَطَأً وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ
لِذَلِكَ بَعْدَ بَابٍ وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِهِ عَلَى
جَوَازِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الْمُسْتَأْمَنِ
وَالْمُعَاهَدِ وَقَدْ مَضَى فِي الْبَابِ قَبْلَهُ شَرْحُ
حَدِيثِ عَلِيٍّ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَفِي
الْحَدِيثِ جَوَازُ وَصْفِ الشَّخْصِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ
وَلَوِ انْتَقَلَ عَنْهُ لِاسْتِثْنَائِهِ الْمُرْتَدَّ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ
(12/204)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَقَادَ بِالْحَجَرِ)
أَيْ حَكَمَ بِالْقَوَدِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ
الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ
أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيِّ وَالْجَارِيَةِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قَرِيبًا وَقَوْلُهُ
[6879] فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ نَعَمْ بِالنُّونِ بَدَلَ
التَّحْتَانِيَّةِ وَكِلَاهُمَا يَجِيءُ لِتَفْسِيرِ مَا
يَتَقَدَّمُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا أَشَارَتْ إِشَارَةً
مُفْهِمَةً يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا
لَوْ نَطَقَتْ فَقَالَت نعم
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ
النَّظَرَيْنِ)
تَرْجَمَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَظَاهِرُهُ حُجَّةٌ لِمَنْ
قَالَ إِنَّ الِاخْتِيَارَ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ أَوِ
الِاقْتِصَاصِ رَاجِعٌ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ رِضَا الْقَاتِلِ وَهَذَا
الْقَدْرُ مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَ
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَة بِحَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي
فِيهِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ عُفيَ لَهُ من
أَخِيه شَيْء أَيْ تَرَكَ لَهُ دَمَهُ وَرَضِيَ مِنْهُ
بِالدِّيَةِ فاتباع بِالْمَعْرُوفِ أَي فِي الْمُطَالبَة
بِالدِّيَةِ وَقد فسر بن عَبَّاسٍ الْعَفْوَ بِقَبُولِ
الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ وَقَبُولُ الدِّيَةِ رَاجِعٌ
إِلَى الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ طَلَبُ الْقِصَاصِ
وَأَيْضًا فَإِنَّمَا لَزِمَتِ الْقَاتِلَ الدِّيَةُ
بِغَيْرِ
(12/205)
رِضَاهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْيَاءِ
نَفْسِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تقتلُوا
أَنفسكُم فَإِذَا رَضِيَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ
بِأَخْذِ الدِّيَةِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ أَنْ
يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَى
قَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ ربكُم إِشَارَةٌ
إِلَى أَنَّ أَخْذَ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ بَلْ كَانَ الْقِصَاصُ مُتَحَتِّمًا
فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
بِمَشْرُوعِيَّةِ أَخْذِ الدِّيَةِ إِذَا رَضِيَ
أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ
حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ
[6880] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ
مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيِّ مُرْسَلًا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى
بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَهِيَ شَاذَّةٌ
قَوْلُهُ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ كَذَا تَحَوَّلَ إِلَى طَرِيقِ حَرْب
بن شَدَّاد عَن يحيى وَهُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ فِي
الطَّرِيقَيْنِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ هُنَا عَلَى لَفْظِ
حَرْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ شَيْبَانَ وَهُوَ بن
عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَطَرِيقُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ هَذِهِ وَصَلَهَا
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَلِيٍّ
السِّيرَافِيِّ عَنْهُ وَتَقَدَّمَ فِي اللُّقَطَةِ مِنْ
طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُصَرِّحًا
بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ قَوْلُهُ أَنَّهُ
عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ الْهَاءُ فِي أَنَّهُ ضَمِيرُ
الشَّأْنِ قَوْلُهُ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي
لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَعَ فِي
رِوَايَة بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ
خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ
وَإِنِّي عَاقِلُهُ وَقَعَ نَحْوُ ذَلِك فِي رِوَايَة بن
إِسْحَاقَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ كَمَا أَوْرَدْتُهُ فِي
بَابِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ مِنْ أَبْوَابِ
جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فَأَمَّا
خُزَاعَةُ فَتَقَدَّمَ نَسَبُهُمْ فِي أَوَّلِ مَنَاقِبِ
قُرَيْشٍ وَأَمَّا بَنُو لَيْثٍ فَقَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ
يُنْسَبُونَ إِلَى لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ
خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ
وَأَمَّا هُذَيْلٌ فَقَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ يُنْسَبُونَ
إِلَى هُذَيْلٍ وَهُمْ بَنُو مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ
بْنِ مُضَرَ وَكَانَتْ هُذَيْلٌ وَبَكْرٌ مِنْ سُكَّانِ
مَكَّةَ وَكَانُوا فِي ظَوَاهِرِهَا خَارِجِينَ مِنَ
الْحَرَمِ وَأَمَّا خُزَاعَةُ فَكَانُوا غَلَبُوا عَلَى
مَكَّةَ وَحَكَمُوا فِيهَا ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنْهَا
فَصَارُوا فِي ظَاهِرِهَا وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
بَنِي بَكْرٍ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ إِلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَانَ بَنُو بَكْرٍ حُلَفَاءَ قُرَيْشٍ كَمَا
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ
كِتَابِ الْمَغَازِي وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ
الْعِلْمِ أَنَّ اسْمَ الْقَاتِلِ من خُزَاعَة خرَاش
بمعجمتين بن أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيُّ وَأَنَّ الْمَقْتُولَ
مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ اسْمُهُ أَحْمَرَ
وَأَنَّ الْمَقْتُولَ مِنْ بَنِي لَيْثٍ لَمْ يُسَمَّ
وَكَذَا الْقَاتِلُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي السِّيرَةِ
النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْخُزَاعِيَّ
الْمَقْتُول اسْمه مُنَبّه قَالَ بن إِسْحَاقَ فِي
الْمَغَازِي حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَنْدَرٍ
الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ كَانَ
مَعَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ كَانَ شُجَاعًا
وَكَانَ إِذَا نَامَ غَطَّ فَإِذَا طَرَقَهُمْ شَيْءٌ
صَاحُوا بِهِ فَيَثُورُ مِثْلَ الْأَسَدِ فَغَزَاهُمْ
قَوْمٌ مِنْ هُذَيْلٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُمُ
بن الْأَثْوَعِ وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ
وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ لَا تَعْجَلُوا حَتَّى أَنْظُرَ
فَإِنْ كَانَ أَحْمَرُ فِيهِمْ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِمْ
فَاسْتَمَعَ فَإِذَا غَطِيطُ أَحْمَرَ فَمَشَى إِلَيْهِ
حَتَّى وَضَعَ السَّيْفَ فِي صَدْرِهِ فَقَتَلَهُ
وَأَغَارُوا عَلَى الْحَيِّ فَلَمَّا كَانَ عَامُ
الْفَتْحِ وَكَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ أَتَى بن
الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيُّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَهُوَ
عَلَى شِرْكِهِ فَرَأَتْهُ خُزَاعَةُ فَعَرَفُوهُ
فَأَقْبَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَالَ أَفْرِجُوا
عَنِ الرَّجُلِ فَطَعَنَهُ بِالسَّيْفِ فِي بَطْنِهِ
فَوَقَعَ قَتِيلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ ارْفَعُوا
أَيْدِيَكُمْ عَنِ الْقَتْلِ وَلَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا
لأدينه قَالَ بن إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ خِرَاشُ بْنُ
أُمَيَّةَ قَالَ إِنَّ خِرَاشًا لَقَتَّالٌ يَعِيبُهُ
بِذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ
الْخُزَاعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا قِصَّةُ
الْهُذَلِيِّ وَأَمَّا قِصَّةُ الْمَقْتُولِ مِنْ بَنِي
لَيْثٍ فَكَأَنَّهَا أُخْرَى وَقد ذكر بن هِشَامٍ أَنَّ
الْمَقْتُولَ مِنْ بَنِي لَيْثٍ اسْمُهُ جُنْدَبُ بْنُ
الْأَدْلَعِ وَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ قَتِيل وداه
(12/206)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ جُنْدَبُ بْنُ الْأَدْلَعِ
قَتَلَهُ بَنُو كَعْبٍ فَوَدَاهُ بِمِائَةِ نَاقَةٍ لَكِنْ
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهُ جُنْدَبُ بْنُ
الْأَدْلَعِ فَرَآهُ جُنْدَبُ بْنُ الْأَعْجَبِ
الْأَسْلَمِيُّ فَخَرَجَ يَسْتَجِيشُ عَلَيْهِ فَجَاءَ
خِرَاشٌ فَقَتَلَهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ
فَلَعَلَّهُ كَانَ هُذَلِيًّا حَالَفَ بَنِي لَيْثٍ أَوْ
بِالْعَكْسِ وَرَأَيْتُ فِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ
مِنْ فَوَائِدِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ اسْمَ
الْخُزَاعِيِّ الْقَاتِلِ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَإِنْ
ثَبَتَ فَلَعَلَّ هِلَالًا لَقَبُ خِرَاشٍ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمُشَارِ
إِلَيْهَا فِي الْعِلْمِ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ
فَخَطَبَ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ
الْفِيلَ بِالْفَاءِ اسْمُ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُورِ
وَأَشَارَ بِحَبْسِهِ عَنْ مَكَّةَ إِلَى قِصَّةِ
الْحَبَشَةِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ سَاقهَا بن إِسْحَاقَ
مَبْسُوطَةً وَحَاصِلُ مَا سَاقَهُ أَنَّ أَبْرَهَةَ
الْحَبَشِيَّ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَكَانَ
نَصْرَانِيًّا بَنَى كَنِيسَةً وَأَلْزَمَ النَّاسَ
بِالْحَجِّ إِلَيْهَا فَعَمَدَ بَعْضُ الْعَرَبِ
فَاسْتَغْفَلَ الْحَجَبَةَ وَتَغَوَّطَ فَهَرَبَ فَغَضِبَ
أَبْرَهَةُ وَعَزَمَ عَلَى تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ
فَتَجَهَّزَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ
فِيلًا عَظِيمًا فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ خَرَجَ
إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَعْظَمَهُ وَكَانَ
جَمِيلَ الْهَيْئَةِ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ
عَلَيْهِ إِبِلًا لَهُ نُهِبَتْ فَاسْتَقْصَرَ هِمَّتَهُ
وَقَالَ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تَسْأَلُنِي إِلَّا
فِي الْأَمْرِ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ فَقَالَ إِنَّ لِهَذَا
الْبَيْتِ رَبًّا سَيَحْمِيهِ فَأَعَادَ إِلَيْهِ إِبِلَهُ
وَتَقَدَّمَ أَبْرَهَةُ بِجُيُوشِهِ فَقَدَّمُوا الْفِيلَ
فَبَرَكَ وَعَجَزُوا فِيهِ وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
طَيْرًا مَعَ كُلِّ وَاحِد ثَلَاثَة أَحْجَار حجرين فِي
رجلَيْهِ وَحجر فِي مِنْقَارِهِ فَأَلْقَوْهَا عَلَيْهِمْ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أحد إِلَّا اصيب وَأخرج بن
مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن عِكْرِمَة عَن بن عياس قَالَ
جَاءَ أَصْحَابُ الْفِيلِ حَتَّى نَزَلُوا الصِّفَاحَ
وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ
مُهْمَلَةٍ مَوْضِعٌ خَارِجَ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ طَرِيقِ
الْيَمَنِ فَأَتَاهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ إِنَّ
هَذَا بَيْتُ اللَّهِ لَمْ يُسَلِّطْ عَلَيْهِ أَحَدًا
قَالُوا لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَهْدِمَهُ فَكَانُوا لَا
يُقَدِّمُونَ فِيلَهُمْ إِلَّا تَأَخَّرَ فَدَعَا اللَّهُ
الطَّيْرَ الْأَبَابِيلَ فَأَعْطَاهَا حِجَارَةً سَوْدَاءَ
فَلَمَّا حَاذَتْهُمْ رَمَتْهُمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ
أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْهُ الْحَكَّةُ فَكَانَ لَا يَحُكُّ
أَحَدٌ مِنْهُمْ جِلْدَهُ إِلَّا تَسَاقَطَ لَحْمُهُ قَالَ
بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ قَالَ
حُدِّثْتُ أَنَّ أَوَّلَ مَا وَقَعَتِ الْحَصْبَاءُ
وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مِنْ يَوْمئِذٍ
وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
أَنَّهَا كَانَتْ طَيْرًا خُضْرًا خَرَجَتْ من الْبَحْر
لَهَا رُؤُوس كَرُءُوسِ السِّبَاعِ وَلِابْنِ أَبِي
حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدٍ
قَوِيٍّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَنْشَأَهَا
مِنَ الْبَحْرِ كَأَمْثَالِ الْخَطَاطِيفِ فَذَكَرَ نَحْوَ
مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ
قَبْلِي إِلَخْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي بَابِ
تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ مِنْ أَبْوَابِ جَزَاءِ
الصَّيْدِ وَفِيمَا قَبْلَهُ فِي بَابِ لَا يُعْضَدُ
شَجَرُ الْحَرَمِ قَوْلُهُ وَلَا يُلْتَقَطُ بِضَمِّ
أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي آخِرِهِ
إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ إِلَّا مُنْشِدٌ وَهُوَ
وَاضِحٌ قَوْلُهُ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ أَيْ مَنْ
قُتِلَ لَهُ قَرِيبٌ كَانَ حَيًّا فَصَارَ قَتِيلًا
بِذَلِكَ الْقَتْلِ قَوْلُهُ فَهُوَ بِخَيْرِ
النَّظَرَيْنِ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ وَمَنْ
قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ
وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ
الْمَقْتُولَ لَا اخْتِيَارَ لَهُ وَإِنَّمَا
الِاخْتِيَارُ لِوَلِيِّهِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَحْوِ
ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ فَإِمَّا
أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَالْمُرَادُ
الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ جَمْعًا بَيْنَ
الرِّوَايَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي
حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ
الْيَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِمَّا أَنْ
يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَلِأَبِي دَاوُد
وبن مَاجَهْ وَعَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ بِلَفْظِ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَى
ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ
وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَإِنْ أَرَادَ
الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَيْ إِنْ أَرَادَ
زِيَادَةً عَلَى الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ وَسَأَذْكُرُ
الِاخْتِلَافَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِيَارَ هَلْ هُوَ
الْقَاتِلُ أَوْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فِي شَرْحِ
الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ
وَلِيَّ الدَّمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ
(12/207)
وَاخْتُلِفَ إِذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ هَلْ
يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ إِجَابَتُهُ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ
إِلَى ذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَجِبُ إِلَّا بِرِضَا
الْقَاتِلِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ
بِأَنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ
فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا أَوْ طِفْلًا لَمْ
يَكُنْ لِلْبَاقِينَ الْقِصَاصُ حَتَّى يَبْلُغَ الطِّفْل
وَيقدم الْغَائِب قَوْله إِمَّا أَن يُؤَدِّي بِسُكُونِ
الْوَاوِ أَيْ يُعْطِيَ الْقَاتِلُ أَوْ أَوْلِيَاؤُهُ
لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الدِّيَةَ وَإِمَّا أَنْ
يُقَادَ أَيْ يُقْتَلُ بِهِ وَوَقَعَ فِي الْعِلْمِ
بِلَفْظِ إِمَّا أَنْ يَعْقِلَ بَدَلَ إِمَّا أَنْ يُودِيَ
وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَالْعَقْلُ الدِّيَةُ وَفِي رِوَايَةِ
الْأَوْزَاعِيِّ فِي اللُّقَطَةِ إِمَّا أَنْ يُفْدِيَ
بِالْفَاءِ بَدَلَ الْوَاوِ وَفِي نُسْخَةٍ وَإِمَّا أَنْ
يُعْطِيَ أَيِ الدِّيَةَ وَنقل بن التِّينِ عَنِ
الدَّاوُدِيِّ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِمَّا أَنْ
يُودِيَ أَوْ يُفَادِي وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ
صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْفَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ
فَائِدَةٌ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الدِّيَةِ وَلَوْ كَانَ
بِالْقَافِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَقْتُولِ
وَلِيَّانِ لَذُكِرَا بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ يُقَادَا
بِقَتِيلِهِمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ قَالَ
وَصَحِيحُ الرِّوَايَةِ إِمَّا أَنْ يُودِيَ أَو يُقَاد
وانما يَصح يقادي إِنْ تَقَدَّمَهُ أَنْ يُقْتَصَّ وَفِي
الْحَدِيثِ جَوَازُ إِيقَاعِ الْقِصَاصِ بِالْحَرَمِ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ
بِذَلِكَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِغَيْرِ الْحَرَمِ
وَتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ مَنْ قَالَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ
بِالذِّمِّيِّ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ قَوْلُهُ فَقَامَ
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهْ
تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ مَعَ شَرْحِهِ فِي الْعِلْمِ وَحَكَى
السَّلَفِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَطَقَ بِهَا بِتَاءٍ فِي
آخِرِهِ وَغَلَّطَهُ وَقَالَ هُوَ فَارِسِيٌّ مِنْ
فُرْسَانِ الْفُرْسِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ كِسْرَى إِلَى
الْيَمَنِ قَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ تَقَدَّمَ
بَيَانُ اسْمِهِ وَأَنَّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَشُرِحَ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ
الْمُتَعَلِّقِ بِتَحْرِيمِ مَكَّةَ وَبِالْإِذْخِرِ فِي
الْأَبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ وَتَابَعَهُ عبيد الله يَعْنِي بن مُوسَى
قَوْلُهُ عَنْ شَيْبَانَ فِي الْفِيلِ أَيْ تَابِعُ حَرْبِ
بْنِ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى فِي الْفِيلِ بِالْفَاءِ
وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورَةُ مَوْصُولَةٌ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَتْلَ هُوَ مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ جَزَمَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي
رِوَايَتِهِ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ الْقَتْلُ
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالشَّكِّ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ وَقَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ
أَيْ يُؤْخَذُ لَهُم بثأرهم وَعبيد الله هُوَ بن مُوسَى
الْمَذْكُورُ وَرِوَايَتُهُ إِيَّاهُ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ
وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ مَوْصُولَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
كَمَا بَيَّنْتُهُ وَلَفْظُهُ إِمَّا أَنْ يُعْطِيَ
الدِّيَةَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ وَهُوَ
بَيَانٌ لِقَوْلِهِ إِمَّا أَنْ يُقَادَ الحَدِيث
الثَّانِي
[6881] قَوْله عَن عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ قَوْلُهُ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ
عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرو
سَمِعت مُجَاهدًا قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ سَمِعت بن عَبَّاس
هَكَذَا وَصله بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
وَهُوَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي عَمْرٍو وَرَوَاهُ
وَرْقَاءُ بْنُ عمر عَن عَمْرو فَلم يذكر فِيهِ بن
عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ كَانَتْ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ كَذَا هُنَا مِنْ رِوَايَةِ
قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَفِي
رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ كَانَ فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ
وَهُوَ أَوْجَهُ وَكَأَنَّهُ أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى
الْقِصَاصِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ
قَوْلُهُ فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقصاص فِي الْقَتْلَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيه شَيْء قُلْتُ كَذَا وَقَعَ
فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ وَوَقَعَ هُنَا عِنْدَ أَبِي
ذَرٍّ وَالْأَكْثَرُ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ
النَّسَفِيِّ وَالْقَابِسِيِّ إِلَى قَوْلِهِ فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ وَوَقع فِي رِوَايَة بن
أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ إِلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ
الْآيَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْمُرَادُ وَإِلَّا
فَالْأَوَّلُ يُوهِمُ أَن قَوْله فَمن عُفيَ فِي آيَةٍ
تَلِي الْآيَةَ الْمُبْدَأَ بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
أَبِي كُرَيْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ بَعْدَ
قَوْلِهِ فِي الْقَتْلَى فَقَرَأَ إِلَى وَالْأُنْثَى
بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفيَ لَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
(12/208)
الْحُمَيْدِيِّ الْمَذْكُورَةِ مَا حُذِفَ
هُنَا مِنَ الْآيَةِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ تَفْسِيرَ
قَوْلِهِ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ من ربكُم وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا
تَفْسِيرَ قَوْلِهِ فَمَنِ اعْتَدَى أَيْ قَتَلَ بَعْدَ
قَبُولِ الدِّيَةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ
الْعَذَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ يَتَعَلَّقُ
بِالْآخِرَةِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لِمَنْ
قَتَلَ ابْتِدَاءً وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ
عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ يَتَحَتَّمُ
الْقَتْلُ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ أَخْذِ
الدِّيَةِ وَفِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ رَفَعَهُ لَا أَعْفُو
عَمَّنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ وَفِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ قَالَ أَبُو عبيد ذهب
بن عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ
مَنْسُوخَةً بِآيَة الْمَائِدَة إِن النَّفس بِالنَّفسِ
بَلْ هُمَا مُحَكَّمَتَانِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ آيَةَ
الْمَائِدَةِ مُفَسِّرَةٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ وَأَنَّ
الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ نَفْسُ الْأَحْرَارِ ذُكُورِهِمْ
وَإِنَاثِهِمْ دُونَ الْأَرِقَّاءِ فَإِنَّ أَنْفُسَهُمْ
مُتَسَاوِيَةٌ دُونَ الْأَحْرَارِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ
الْمُرَادُ فِي النَّفْسِ بِالنَّفْسِ الْمُكَافِئَةُ
لِلْأُخْرَى فِي الْحُدُودِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَوْ قَذَفَ
عَبْدًا لَمْ يُجْلَدِ اتِّفَاقًا وَالْقَتْلُ قِصَاصًا
مِنْ جُمْلَةِ الْحُدُودِ قَالَ وَبَيَّنَهُ قَوْلُهُ فِي
الْآيَةِ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تصدق بِهِ فَهُوَ
كَفَّارَة لَهُ فَمِنْ هُنَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ
وَالْكَافِرُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَتَصَدَّقَ بِدَمِهِ وَلَا بِجُرْحِهِ وَلِأَنَّ
الْكَافِرَ لَا يُسَمَّى مُتَصَدِّقًا وَلَا مُكَفَّرًا
عَنهُ قلت مُحَصل كَلَام بن عَبَّاسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
قَوْلَهُ تَعَالَى وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَيْ
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ النَّفس
بِالنَّفسِ مُطْلَقًا فَخَفَّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
بِمَشْرُوعِيَّةِ الدِّيَةِ بَدَلًا عَنِ الْقَتْلِ لِمَنْ
عَفَا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَنِ الْقِصَاصِ
وَبِتَخْصِيصِهِ بِالْحُرِّ فِي الْحُرِّ فَحِينَئِذٍ لَا
حُجَّةَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا
فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ
بِالْكَافِرِ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا إِنَّمَا
يُتَمَسَّكُ مِنْهُ بِمَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا
يُخَالِفُهُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ شَرِيعَةَ عِيسَى لَمْ
يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ وَإِنَّهُ كَانَ فِيهَا الدِّيَةُ
فَقَطْ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَازَتْ شَرِيعَةُ
الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا جَمَعَتِ الْأَمْرَيْنِ فَكَانَتْ
وُسْطَى لَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ
عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَ فِي الْقَوَدِ أَوْ أَخْذِ
الدِّيَةِ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَقَرَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ الْعَفْوَ فِي
الْآيَةِ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ
الْقِصَاصِ أَنْ لَا تَبِعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى
الْآخَرِ لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ عُفِيَ عَنْهُ
مِنَ الْقِصَاصِ إِلَى الدِّيَةِ فَعَلَى مُسْتَحِقِّ
الدِّيَةِ الِاتِّبَاعُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ
الْمُطَالَبَةُ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَدَاءُ وَهُوَ
دَفْعُ الدِّيَةِ بِإِحْسَانٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ
وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْخِيَارَ
فِي الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ لِلْقَاتِلِ قَالَ
الطَّحَاوِيُّ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي
قِصَّةِ الرُّبَيِّعِ عَمَّتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ
فَإِنَّهُ حَكَمَ بِالْقِصَاصِ وَلَمْ يُخَيِّرْ وَلَوْ
كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ لَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَا يَجُوزُ
لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَحَكَّمَ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ أَحَدُ
شَيْئَيْنِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعْلِمَهُ
بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا فَلَمَّا حَكَمَ
بِالْقِصَاصِ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
مُخَيَّرٌ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى الْجَانِي أَنْ يَغْرَمَ
الدِّيَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ إِنَّمَا
وَقَعَ عِنْدَ طَلَبِ أَوْلِيَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ
فِي الْعَمْدِ الْقَوَدَ فَأَعْلَمَ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ
نَزَلَ عَلَى أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ
الْقَوَدَ أُجِيبَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا ادَّعَاهُ
مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ
أَيْضًا بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ
لَوْ قَالَ لِلْقَاتِلِ رَضِيتُ أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا
عَلَى أَنْ لَا أَقْتُلَكَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يُجْبَرُ
عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كُرْهًا وَإِنْ كَانَ
يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْقِنَ دَمَ نَفْسِهِ وَقَالَ
الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ
بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ أَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا سُئِلَ فِي
الْعَفْوِ عَلَى مَالٍ إِنْ شَاءَ قَبِلَ ذَلِكَ وَإِنْ
شَاءَ اقْتَصَّ وَعَلَى الْوَلِيِّ اتِّبَاعُ الْأَوْلَى
فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِكْرَاهِ
الْقَاتِلِ عَلَى بَذْلِ الدِّيَةِ وَاسْتُدِلَّ
بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ
الْقَوَدُ وَالدِّيَةُ بَدَلٌ مِنْهُ وَقِيلَ الْوَاجِبُ
الْخِيَارُ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَكَذَا فِي
مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ فَقِيلَ نَزَلَتْ
فِي حَيَّيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَانَ لِأَحَدِهِمَا طَوْلٌ
عَلَى الْآخَرِ فِي الشَّرَفِ فَكَانُوا يَتَزَوَّجُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَإِذَا قتل مِنْهُم
(12/209)
عَبْدٌ قَتَلُوا بِهِ حُرًّا أَوِ
امْرَأَةٌ قَتَلُوا بِهَا رَجُلًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ
عَنِ الشَّعْبِيِّ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ قُرَيْظَةُ
وَالنَّضِيرُ وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ
فَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ
النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ
النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ يُودَى بِمِائَةِ
وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ
رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فَقَالُوا ادْفَعُوهُ لَنَا
نَقْتُلْهُ فَقَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْهُ فَنَزَلَتْ
وَإِنْ حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ
النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ثُمَّ نَزَلَتْ أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ
عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ
وَلَوْ كَانَ غِيلَةً وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَ شَخْصًا حَتَّى
يَصِيرَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ خَفِيٍّ فَيَقْتُلُهُ
خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَأَلْحَقَهُ مَالِكٌ
بِالْمُحَارِبِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى
السُّلْطَانِ وَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَفْوُ عَنْهُ
وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ حَدَّ الْمُحَارِبِ
الْقَتْلُ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّ أَوْ فِي
الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ لَا لِلتَّنْوِيعِ وَفِيهِ أَنَّ
مَنْ قَتَلَ مُتَأَوِّلًا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ
قَتَلَ خَطَأً فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي عَاقِلَهُ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَتْلِ
مَنِ الْتَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلَ
عَمْدًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ
بَلْ يُلْجَأُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَوَجْهُ
الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَهُ فِي قِصَّةِ قَتِيلِ خُزَاعَةَ الْمَقْتُولِ فِي
الْحَرَمِ وَأَنَّ الْقَوَدَ مَشْرُوعٌ فِيمَنْ قَتَلَ
عَمْدًا وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذُكِرَ مِنْ حُرْمَةِ
الْحَرَمِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَعْظِيمُهُ
بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ
عَلَى الْجَانِي بِهِ مِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ
اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي
الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ آنِفًا مِنْ كتاب
الْحَج
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ)
أَيْ بَيَانِ حُكْمِهِ
[6882] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ
هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُسِبَ إِلَى
جَدِّهِ وَثَبَتَ ذِكْرُ أَبِيهِ فِي هَذَا السَّنَدِ
عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي
حَمْزَةَ وَكَذَا فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ
وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ أَي بن مُطْعِمٍ قَوْلُهُ
أَبْغَضُ هُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْبُغْضِ قَالَ وَهُوَ
شَاذٌّ وَمِثْلُهُ أَعْدَمُ مِنَ الْعَدَمِ إِذَا
افْتَقَرَ قَالَ وَإِنَّمَا يُقَالُ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا
لِلْمُفَاضَلَةِ فِي الْفِعْلِ الثُّلَاثِيِّ قَالَ
الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ أَبْغَضُ أَهْلِ الْمَعَاصِي إِلَى
اللَّهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَإِلَّا
فَالشِّرْكُ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ
الْمَعَاصِي قَوْلُهُ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ أَصْلُ
الْمُلْحِدِ هُوَ الْمَائِلُ عَنِ الْحَقِّ وَالْإِلْحَادُ
الْعُدُولُ عَنِ الْقَصْدِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ
مُرْتَكِبَ الصَّغِيرَةِ مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي الْعُرْفِ
مُسْتَعْمَلَةٌ لِلْخَارِجِ عَنِ الدِّينِ فَإِذَا وُصِفَ
بِهِ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَانَ فِي ذَلِكَ
إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِهَا وَقِيلَ إِيرَادُهُ
بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مُشْعِرٌ بِثُبُوتِ الصِّفَةِ
ثُمَّ التَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ
إِشَارَةً إِلَى عِظَمِ الذَّنْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَرِيبًا فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ مُسْتَحِلَّ الْبَيْتِ
الْحَرَامِ وَأَخْرَجَ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ
السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ مَا مِنْ
رَجُلٍ يَهُمُّ بِسَيِّئَةٍ فَتُكْتَبُ عَلَيْهِ إِلَّا
أَنَّ رَجُلًا لَوْ هَمَّ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَنْ يَقْتُلَ
رَجُلًا بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ إِلَّا أَذَاقَهُ اللَّهُ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ وَقَدْ
ذَكَرَ شُعْبَةُ أَنَّ السُّدِّيَّ رَفَعَهُ لَهُمْ
وَكَانَ شُعْبَةُ يَرْوِيهِ عَنْهُ مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شُعْبَةَ
(12/210)
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ
أَسْبَاطَ بْنِ نَصْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ مَوْقُوفًا
وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ فِعْلَ الصَّغِيرَةِ
فِي الْحَرَمِ أَشَدُّ مِنْ فِعْلِ الْكَبِيرَةِ فِي
غَيْرِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْإِلْحَادِ فِعْلُ الْكَبِيرَةِ وَقَدْ يُؤْخَذُ
ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْإِتْيَانَ
بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يُرِدْ
فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ الْآيَةَ يُفِيدُ ثُبُوتَ
الْإِلْحَادِ وَدَوَامَهُ وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ
أَيْ مَنْ يَكُونُ إِلْحَادُهُ عَظِيمًا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ
الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عِنْدَ شَخْصٍ
فَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَكُونُ لَهُ
فِيهِ مُشَارَكَةٌ كَوَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ
قَرِيبِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ يُرِيدُ بَقَاءَ
سِيرَةِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ إِشَاعَتَهَا أَوْ
تَنْفِيذَهَا وَسُنَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ اسْمُ جِنْسٍ
يَعُمُّ جَمِيعَ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
يَعْتَمِدُونَهُ مِنْ أَخْذِ الْجَارِ بِجَارِهِ
وَالْحَلِيفِ بِحَلِيفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَلْتَحِقُ
بِذَلِكَ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ
مَا جَاءَ الْإِسْلَامُ بِتَرْكِهِ كَالطِّيَرَةِ
وَالْكَهَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
شُرَيْحٍ رَفَعَهُ إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ
مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ أَوْ طَلَبَ بِدَمِ
الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ فَيُمْكِنُ أَنْ
يُفَسَّرَ بِهِ سُنَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَمُطَّلِبٌ بِالتَّشْدِيدِ
مُفْتَعِلٌ مِنَ الطَّلَبِ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً
وَأُدْغِمَتْ وَالْمُرَادُ مَنْ يُبَالِغُ فِي الطَّلَبِ
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمَعْنَى الْمُتَكَلِّفُ
لِلطَّلَبِ وَالْمُرَادُ الطَّلَبُ الْمُتَرَتِّبُ
عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ لَا مُجَرَّدُ الطَّلَبِ أَوْ
ذَكَرَ الطَّلَبَ لِيَلْزَمَ الزَّجْرُ فِي الْفِعْلِ
بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ
احْتِرَازٌ عَمَّنْ يَقَعُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ لَكِنْ
بِحَقٍّ كَطَلَبِ الْقِصَاصِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ
لِيُهَرِيقَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْعَزْمَ
الْمُصَمَّمَ يُؤَاخَذُ بِهِ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي
ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ مَنْ هَمَّ
بِحَسَنَةٍ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ تَنْبِيهٌ وَقَفْتُ
لِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى سَبَبٍ فَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ
مَكَّةَ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ قُتِلَ رَجُلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَعْنِي فِي
غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمَا
أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْتَى عَلَى اللَّهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ
رَجُلٍ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ
أَوْ قَتَلَ بِذَحْلٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمِنْ طَرِيقِ
مِسْعَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَلَفْظُهُ إِنَّ أَجْرَأَ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ
فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ فِيهِ وَطلب بذحول
الْجَاهِلِيَّة
(قَوْلُهُ بَابُ الْعَفْوِ فِي الْخَطَإِ بَعْدَ
الْمَوْتِ)
أَيْ عَفْوِ الْوَلِيِّ لَا عَفْوِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ
مُحَالٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ
بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ
إِلَّا فِيهِ إِذْ لَوْ عَفَا الْمَقْتُولُ ثُمَّ مَاتَ
لَمْ يَظْهَرْ لِعَفْوِهِ أَثَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ
تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ يَعْفُو عَنْهُ وَقَالَ بن
بَطَّالٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ
إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ وَأَمَّا
قَبْلَ ذَلِكَ فَالْعَفْوُ لِلْقَتِيلِ خِلَافًا لِأَهْلِ
الظَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ أَبْطَلُوا عَفْوَ الْقَتِيلِ
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا قَامَ
مَقَامَ الْمَقْتُولِ فِي طَلَبِ
(12/211)
مَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِذَا جُعِلَ لَهُ
الْعَفْوُ كَانَ ذَلِكَ لِلْأَصِيلِ أَوْلَى وَقَدْ
أَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ
قَتَادَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا دَعَا
قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ
عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَأَجَازَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفْوَهُ
[6883] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بِفَاءٍ هُوَ بن
أَبِي الْمَغْرَاءَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ سَقَطَ هَذَا
الْقَدْرُ لِأَبِي ذَرٍّ وَتَحَوَّلَ إِلَى السَّنَدِ
الْآخَرِ فَصَارَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ
سَوَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي
زَكَرِيَّا فِي السَّنَدِ الثَّانِي هُوَ يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ وَسَاقَ الْمَتْنَ هُنَا عَلَى
لَفْظِهِ وَأَمَّا لَفْظُ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ
فَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا مِنْ كِتَابِ
الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي
الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ قَوْلُهُ فَقَالَ
حُذَيْفَةُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ
قَالَ إِنَّ دِيَتَهُ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ حَضَرَ لِأَنَّ
مَعْنَى قَوْلِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ
وَهُوَ لَا يَعْفُو إِلَّا عَنْ شَيْءٍ اسْتُحِقَّ لَهُ
أَنْ يُطَالِبَ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ
الْفَزَارِيُّ فِي السُّنَنِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْطَأَ الْمُسْلِمُونَ بِأَبِي
حُذَيْفَةَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ
حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ فَبَلَغَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَهُ عِنْدَهُ خَيْرًا وَوَدَاهُ
مِنْ عِنْدِهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ
حَمَلَ قَوْلَهُ فَلَمْ يَزَلْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا
بَقِيَّةُ خَيْرٍ عَلَى الْحُزْنِ عَلَى أَبِيهِ وَقَدْ
أَوْضَحْتُ الرَّدَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَنْ حَنِثَ
نَاسِيًا وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْضًا التَّعَقُّبُ عَلَى
الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ حَيْثُ قَالَ حَمَلَ
الْبُخَارِيُّ قَوْلَ حُذَيْفَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ
عَلَى الْعَفْوِ عَنِ الضَّمَانِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ
فَيُجَابُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذَا الَّذِي
هُوَ غَيْرُ صَرِيحٍ إِلَى مَا وَرَدَ صَرِيحًا وَإِنْ
كَانَ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ فَإِنَّهُ يُؤَيّد مَا ذهب
إِلَيْهِ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ
لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ)
كَذَا لأبي ذَر وبن عَسَاكِرَ وَسَاقَ الْبَاقُونَ
الْآيَةَ إِلَى عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَمْ يَذْكُرْ
مُعْظَمُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا قَوْلُهُ وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خطأ ذكر
بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ سَبَبَ نُزُولِهَا عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَيَّاش بتحتانية وشين مُعْجمَة أَي بن رَبِيعَةَ
الْمَخْزُومِيِّ قَالَ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
فِي جَدِّكَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ
بْنِ يَزِيدَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ
يُؤْذِيهِمْ بِمَكَّةَ وَهُوَ كَافِرٌ فَلَمَّا هَاجَرَ
الْمُسْلِمُونَ أَسْلَمَ الْحَارِثُ وَأَقْبَلَ مُهَاجِرًا
حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ لَقِيَهُ
عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَظَنَّهُ عَلَى شِرْكِهِ
فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ فَنَزَلَتْ رَوَى
هَذِهِ الْقِصَّةَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ بن إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ
عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهَا مُرْسَلَةً أَيْضًا وَزَادَ فِي
السَّنَدِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِم وَأخرج بن
أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ أَنَّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ حَلَفَ
لَيَقْتُلَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ إِنْ ظَفِرَ بِهِ
فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوُهُ
لَكِنْ لَمْ يُسَمِّ الْحَارِثَ وَفِي سِيَاقِهِ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ خَرَجَ
فَقَتَلَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَقِيلَ فِي
سَبَبِ نُزُولِهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ
قَوْلُهُ إِلَّا خَطَأً هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ
عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْيِ مَعْنَاهُ
فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُتَّصِلًا لَكَانَ مَفْهُومُهُ
فَلَهُ قَتْلُهُ وَانْفَصَلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُتَّصِلٌ
بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ
(12/212)
التَّحْرِيمُ وَمَعْنَى إِلَّا خَطَأً
بِأَنْ عَرَفَهُ بِالْكُفْرِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ ظَهَرَ
أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا وَقِيلَ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ
مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ لَا يَقْتُلُهُ لِشَيْءٍ أَصْلًا
إِلَّا لِلْخَطَإِ أَوْ حَالٌ أَيْ إِلَّا فِي حَالِ
الْخَطَإِ أَوْ هُوَ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ
إِلَّا قَتْلًا خَطَأً وَقِيلَ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى
الْوَاوِ وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ وَقَيَّدَهُ الْفَرَّاءُ
بِشَرْطٍ مَفْقُودٍ هُنَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُ هُنَا
وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ
مِنَ الْمُسْلِمِ مُخْتَصٌّ بِقَتْلِهِ الْمُسْلِمَ فَلَوْ
قَتَلَ كَافِرًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٍ سَوَاءً
كَانَ حَرْبِيًّا أَمْ غَيْرَ حَرْبِيٍّ لِأَنَّ الْآيَاتِ
بَيَّنَتْ أَحْكَامَ الْمَقْتُولِينَ عَمْدًا ثُمَّ خَطَأً
فَقَالَ فِي الْحَرْبِيِّ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ثُمَّ قَالَ
فِيمَنْ لَهُمْ مِيثَاقٌ فَمَا جَعَلَ الله لكم عَلَيْهِم
سَبِيلا وَقَالَ فِيمَنْ عَاوَدَ الْمُحَارَبَةَ
فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثقفتموهم وَقَالَ فِي
الْخَطَإِ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يقتل مُؤمنا إِلَّا
خطأ فَكَانَ مَفْهُومُهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ
الْكَافِرَ عَمْدًا فَخَرَجَ الذِّمِّيُّ بِمَا ذُكِرَ
قَبْلَهَا وَجَعَلَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً
الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي
قَتْلِ الْكَافِرِ فَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ
فِي قَتْلِ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا شَيْءٌ
وَأَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَلَنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ
على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا وَإِسْحَاقُ فِي أَوَّلِ
السَّنَدِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ لَمْ
أَجِدْهُ مَنْسُوبًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بن مَنْصُور
قلت وَلَا يبعد أَن يكون بن رَاهْوَيْهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ
الرِّوَايَةِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ هِلَالٍ شَيْخِ إِسْحَاقَ
هُنَا
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً قُتِلَ
بِهِ)
كَذَا لَهُمْ وَأَمَّا النَّسَفِيُّ فَعَطَفَ بِدُونِ
بَابٍ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ خَطَأً الْآيَةَ وَإِذَا
أَقَرَّ إِلَخْ وَذَكَرُوا كُلُّهُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي
قِصَّةِ الْيَهُودِيِّ وَالْجَارِيَةِ وَيَحْتَاجُ إِلَى
مُنَاسَبَتِهِ لِلْآيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ أصلا
فَالصَّوَاب صَنِيع الْجَمَاعَة قَالَ بن الْمُنْذِرِ
حَكَمَ اللَّهُ فِي الْمُؤْمِنِ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ
خَطَأً بِالدِّيَةِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى
ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ
قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فَقِيلَ الْمُرَادُ كَافِرٌ
وَلِعَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ مِنْ أَجْلِ الْعَهْد وَهَذَا
قَول بن عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ
وَالزَّهْرِيِّ وَقِيلَ مُؤْمِنٌ جَاءَ ذَلِك عَن
النَّخعِيّ وَأبي الشعْثَاء قَالَ قَالَ الطَّبَرِيُّ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ
الْمِيثَاقَ وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ كَمَا قَالَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَيَتَرَجَّحُ
أَيْضًا حَيْثُ ذَكَرَ الْمُؤْمِنَ ذَكَرَ الدِّيَةَ
وَالْكَفَّارَةَ مَعًا وَحَيْثُ ذَكَرَ الْكَافِرَ ذَكَرَ
الْكَفَّارَةَ فَقَطْ وَهُنَا ذكر الدِّيَة وَالْكَفَّارَة
مَعًا قَوْله فِيهِ فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ فَاعْتَرَفَ
فِي رِوَايَةِ هُدْبَةَ عَنْ هَمَّامٍ فَأُتِيَ بِهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ
يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيِّ حُجَّةٌ
لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي
الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ أَنْ يَتَكَرَّرَ وَهُوَ
مَأْخُوذٌ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ
فَاعْتَرَفَ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَدَدًا
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى
اشْتِرَاطِ تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ
مَرَّتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِ تَكْرَارِ
الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا أَرْبَعًا تَبَعًا لعدد الشُّهُود
فِي الْمَوْضِعَيْنِ
(12/213)
(قَوْلُهُ بَابُ قَتْلِ الرَّجُلِ
بِالْمَرْأَةِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيِّ
وَالْجَارِيَةِ بِاخْتِصَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ
مُسْتَوْفًى قَرِيبًا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ
وَاضِحٌ وَلَمَّحَ بِهِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ
كَمَا سَأُبَيِّنُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ
قَوْلُهُ بَابُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
فِي الْجِرَاحَات قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ
بِالرَّجُلِ إِلَّا رِوَايَةً عَنْ عَلِيٍّ وَعَنِ
الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا
دُونَ النَّفْسِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْيَدَ
الصَّحِيحَةَ لَا تُقْطَعُ بِالْيَدِ الشَّلَّاءِ
بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ النَّفْسَ الصَّحِيحَةَ تقاد
بالمريضة اتِّفَاقًا وَأجَاب بن الْقَصَّارِ بِأَنَّ
الْيَدَ الشَّلَّاءَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتَةِ والحي لَا
يُقَاد بِالْمَيتِ وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ لَمَّا
أَجْمَعُوا عَلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَاخْتَلَفُوا
فِيمَا دُونَهَا وَجَبَ رَدُّ الْمُخْتَلَفِ إِلَى
الْمُتَّفَقِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يُقْتَلُ
الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ الْمُرَادُ الْجُمْهُورُ أَوْ
أَطْلَقَ إِشَارَةً إِلَى وَهْيِ الطَّرِيقِ إِلَى عَلِيٍّ
أَوْ إِلَى أَنَّهُ مِنْ نُدْرَةِ الْمُخَالِفِ قَوْلُهُ
وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنَ
الرَّجُلِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا
دُونَهَا مِنَ الْجِرَاحِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
مِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ
عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إِلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ
قَالَ جُرْحُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ وَسَنَدُهُ
صَحِيحٌ إِنْ كَانَ النَّخَعِيُّ سَمعه من شُرَيْح وَقد
أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ أَتَانِي عُرْوَةُ
فَذَكَرَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تُقَادُ يُقْتَصُّ مِنْهَا
إِذَا قَتَلَتِ الرَّجُلَ وَيُقْطَعُ عُضْوُهَا الَّذِي
تَقْطَعُهُ مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِبْرَاهِيم وَأَبُو
الزِّنَاد عَن أَصْحَابه أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنْ مُغِيرَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالُوا الْقِصَاصُ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْعَمْدِ سَوَاءٌ وَأَخْرَجَ
الْأَثْرَمُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ قَالَ الْقِصَاصُ فِيمَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ
وَالرَّجُلِ حَتَّى فِي النَّفْسِ وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُلُّ مَنْ
أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا وَذَكَرَ السَّبْعَةَ فِي
مَشْيَخَةٍ سَوَّاهُمْ أَهْلَ فِقْهٍ وَفضل وَدين قَالَ
وَرُبَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ فَأَخَذْنَا
بِقَوْلِ أَكْثَرِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ رَأْيًا أَنَّهُمْ
كَانُوا يَقُولُونَ الْمَرْأَةُ تُقَادُ مِنَ الرَّجُلِ
عَيْنًا بِعَيْنٍ وَأُذُنًا بِأُذُنٍ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ
الْجِرَاحِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّ مَنْ قَتَلَهَا قُتِلَ
بِهَا قَوْلُهُ وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقِصَاصَ كَذَا لَهُمْ وَوَقَعَ لِلنَّسَفِيِّ كِتَابُ
اللَّهِ الْقِصَاصُ وَالْمُعْتَمَدُ مَا عِنْدَ
الْجَمَاعَةِ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ قَالَ
أَبُو ذَرٍّ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَالصَّوَابُ الرُّبَيِّعُ
بِنْتُ النَّضْرِ عَمَّةُ أَنَسٍ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ
قِيلَ إِنَّ
(12/214)
الصَّوَابَ وَجَرَحَتِ الرُّبَيِّعُ
بِحَذْفِ لَفْظَةِ أُخْتٍ فَإِنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا
تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ عمته كسرت ثنية
جَارِيَة فَقَالَ رَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ قَالَ إِلَّا أَنْ
يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَكِنَّهُ لَمْ
يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ كَذَا قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ
أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا طَرَفٌ مِنْ
حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُخْتَ
الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إِنْسَانًا
فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ فَقَالَتْ أُمُّ
الرَّبِيعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْتَصُّ مِنْ
فُلَانَةٍ وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فَقَالَ
سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرُّبَيِّعِ الْقِصَاصُ
كِتَابُ اللَّهِ فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ
فَقَالَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ
عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ والْحَدِيث الْمُشَارُ إِلَيْهِ
فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ
سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصُّلْحِ بِتَمَامِهِ مِنْ
طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ
النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ
ثَنِيَّتُهَا قَالَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ
فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ إِنَّ مِنْ عباد
الله لَو من أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ
وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ أَيْضًا
بِاخْتِصَارٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ
الْمَعْرُوفُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَا قِصَّتَيْنِ قلت وَجزم بن حَزْمٍ بِأَنَّهُمَا
قِصَّتَانِ صَحِيحَتَانِ وَقَعَتَا لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ
إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا جَرَحَتْ إِنْسَانًا فَقُضِيَ
عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا كَسَرَتْ
ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَقُضِيَ عَلَيْهَا بِالْقِصَاصِ
وَحَلَفَتْ أُمُّهَا فِي الْأُولَى وَأَخُوهَا فِي
الثَّانِيَةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ
الرِّوَايَتَيْنِ ظَاهِرُ الْخَبَرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ فَإِنْ قُبِلَ هَذَا الْجَمْعُ
وَإِلَّا فَثَابِتٌ أَحْفَظُ مِنْ حُمَيْدٍ قُلْتُ فِي
الْقِصَّتَيْنِ مُغَايَرَاتٌ مِنْهَا هَلِ الْجَانِيَةُ
الرُّبَيِّعُ أَوْ أُخْتُهَا وَهَلِ الْجِنَايَةُ كَسْرُ
الثَّنِيَّةِ أَوِ الْجِرَاحَةُ وَهَلِ الْحَالِفُ أُمُّ
الرُّبَيِّعِ أَوْ أَخُوهَا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ
الْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ لَطَمَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ
جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَهُوَ غَلَطٌ فِي
ذِكْرِ أَبِيهَا وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهَا بِنْتُ النَّضْرِ
عَمَّةُ أَنَسٍ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَنْ
وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ دُونِهَا
فَعَفَا عَلَى مَالٍ فَرَضُوا بِهِ جَازَ
[6886] قَوْلُهُ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ
هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ لَدَدْنَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ لَا
تَلُدُّونِي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْوَفَاةِ
النَّبَوِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا لَا يَبْقَى
أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا لُدَّ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً
إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاقْتِصَاصِ مِنَ الْمَرْأَةِ
بِمَا جَنَتْهُ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ الَّذِينَ
لَدُّوهُ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَقَدْ وَرَدَ
التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِأَنَّهُمْ لَدُّوا
مَيْمُونَةَ وَهِيَ صَائِمَةٌ مِنْ أَجْلِ عُمُومِ
الْأَمْرِ كَمَا مَضَى فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ
وَجْهَيْنِ قَوْلُهُ غَيْرَ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ
يَشْهَدْكُمْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَيْضًا فِي الْوَفَاةِ
النَّبَوِيَّةِ قَبْلُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَاحِبَ
الْحَقِّ يَسْتَثْنِي مِنْ غُرَمَائِهِ مَنْ شَاءَ
فَيَعْفُو عَنْهُ وَيَقْتَصُّ مِنَ الْبَاقِينَ وَفِيهِ
نَظَرٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَشْهَدْكُمْ وَفِيهِ أَخْذُ
الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ
حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى الْقِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ
وَنَحْوِهَا وَاعْتَلَّ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّطْمَ يُتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ وَتَقْدِيرُهُ بِحَيْثُ
لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَأَمَّا اللُّدُودُ
فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا وَاحْتَمَلَ أَنْ
يَكُونَ مُعَاقَبَةً عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ
فَعُوقِبُوا مِنْ جِنْسِ جِنَايَتِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ
الشُّرَكَاءَ فِي الْجِنَايَةِ يُقْتَصُّ مِنْ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذَا كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ لَا
تَتَمَيَّزُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فِي الْمَالِ
لِأَنَّهَا تَتَبَعَّضُ إِذْ لَوِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي
سَرِقَةِ رُبْعِ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعُوا اتِّفَاقًا
وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بَعْدَ سِتَّة أَبْوَاب
(12/215)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ)
أَيْ مِنْ جِهَةِ غَرِيمِهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ أَوِ
اقْتَصَّ أَيْ إِذَا وَجَبَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ قِصَاصٌ فِي
نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْفَعَ
أَمْرَهُ إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ
يَسْتَوْفِيَهُ دُونَ الْحَاكِمِ وَهُوَ الْمُرَادُ
بِالسُّلْطَانِ فِي التَّرْجَمَة قَالَ بن بَطَّالٍ
اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ حَقِّهِ دُونَ السُّلْطَانِ
قَالَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَقَامَ الْحَدَّ
عَلَى عَبْدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ قَالَ
وَأَمَّا أَخْذُ الْحَقِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ
أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنَ الْمَالِ خَاصَّةً إِذَا
جَحَدَهُ إِيَّاهُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ كَمَا
سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَرِيبًا ثُمَّ أَجَابَ عَنْ
حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظِ
وَالزَّجْرِ عَنِ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ
انْتَهَى قُلْتُ فَأَمَّا مَنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ
فَكَأَنَّهُ اسْتَنَدَ فِيهِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ
إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي نُسْخَةِ أَبِي الزِّنَادِ
عَنِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَنْتَهِي إِلَى قَوْلِهِمْ
وَمِنْهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ شَيْئًا
مِنَ الْحُدُودِ دُونَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّ
لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى عَبْدِهِ
وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي
زَمَنِ أَبِي الزِّنَادِ وَأَمَّا الْجَوَابُ فَإِنْ
أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَهُوَ
مَحَلُّ النِّزَاعِ
[6888] قَوْلُهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لِلْبَاقِينَ قَوْلُهُ وَبِإِسْنَادِهِ لَوِ
اطَّلَعَ إِلَخْ هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَّةِ
التَّرْجَمَةِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ
حَدِيثٍ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَسُقِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ هُنَا
بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى أَوَّلِهِ إِشَارَةً إِلَى ذَلِكَ
وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ
يَطَّرِدْ لِلْبُخَارِيِّ صَنِيعٌ فِي ذَلِكَ وَاطَّرَدَ
صَنِيعُ مُسْلِمٍ فِي نُسْخَةِ هَمَّامٍ بِأَنْ يَسُوق
السَّنَد ثمَّ يَقُول فَذكر أحاديثا مِنْهَا ثُمَّ
يَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي يُرِيدُهُ وَقَدْ أَشرت
الىذلك فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ
أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَ الْحَدِيثَيْنِ فِي نَسَقٍ
وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا فَاسْتَمَرَّ مَنْ بَعْدِهِ عَلَى
ذَلِكَ قُلْتُ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْمِلَةٍ وَهُوَ
أَنَّ الْبُخَارِيَّ اخْتَصَرَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَا
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ هُنَا قَوْلُهُ لَوِ اطَّلَعَ
الْفَاعِلُ مُؤَخَّرٌ وَهُوَ أَحَدٌ قَوْلُهُ وَلَمْ
تَأْذَنْ لَهُ احْتِرَازٌ مِمَّنِ اطَّلَعَ بِإِذْنٍ
قَوْلُهُ حَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ كَذَا هُنَا بِغَيْرِ فَاءٍ
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ
الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ فَحَذَفْتَهُ وَهُوَ
الْأَوْلَى وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ وَسَيَأْتِي بَعْدَ
سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ
امْرَءًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتَهُ
وَقَوْلُهُ حَذَفْتَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عِنْدَ
أَبِي ذَرٍّ وَالْقَابِسِيِّ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ
الرَّمْيَ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ وَنَحْوِهِمَا إِمَّا
بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَإِمَّا بَيْنَ
السَّبَّابَتَيْنِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ فِي
مُسْلِمٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ
سُفْيَانَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ الرِّوَايَةُ بِالْمُهْمَلَةِ خَطَأٌ
لِأَنَّ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ أَنَّهُ الرَّمْيُ
بِالْحَصَى وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ جَزْمًا قُلْتُ وَلَا
مَانِعَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُهْمَلَةِ فِي ذَلِكَ
مَجَازًا قَوْلُهُ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ بِقَافٍ ثُمَّ
هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ شققت عينه قَالَ بن الْقَطَّاعِ
فَقَأَ عَيْنَهُ أَطْفَأَ ضَوْءَهَا
(12/216)
قَوْلُهُ جُنَاحٌ أَيْ إِثْمٌ أَوْ
مُؤَاخَذَةٌ
[6889] قَوْلُهُ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَحُمَيْدٌ هُوَ
الطَّوِيلُ قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا هَذَا ظَاهِرُهُ
الْإِرْسَالُ لِأَنَّ حُمَيْدًا لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ
لَكِنْ بَيَّنَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْصُولٌ
وَسَيَأْتِي بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ أَنَسٍ وَيَذْكُرُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي تَسْمِيَةِ
الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ فَسَدَّدَ إِلَيْهِ
بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى ثَقِيلَةٌ قَبْلَهَا
سِينٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ صَوَّبَ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ
وَالتَّصْوِيبُ تَوْجِيهُ السَّهْمِ إِلَى مَرْمَاهُ
وَكَذَلِكَ التَّسْدِيدُ وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْمَشْهُورُ
أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ فَلَمَّا اشْتَدَّ
سَاعِدُهُ رَمَانِي وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الْإِعْجَامُ
وَيَتَرَجَّحُ كَوْنُهُ بِالْمُهْمَلَةِ بِإِسْنَادِهِ
إِلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي قُدْرَةِ
الْمُعَلِّمِ بِخِلَافِ الشِّدَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ
فَإِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلْمُعَلِّمِ عَلَى اجْتِلَابِهَا
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ
وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَقَدْ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ
عَنْ حُمَيْدٍ بِلَفْظِ فَأَهْوَى إِلَيْهِ أَيْ أَمَالَ
إِلَيْهِ قَوْلُهُ مِشْقَصًا تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ
وَتَفْسِيرُهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ فِي الْكَلَامِ
عَلَى رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ وَوَقَعَ هُنَا
فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ مُخْتَصَرًا أَيْضًا وَقَدْ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ شَيْخِ
شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِي آخِرِهِ حَتَّى
أَخَّرَ رَأْسَهُ بِتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ
أَخْرَجَهَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي اطَّلَعَ فِيهِ
وَفَاعِلُ أَخَّرَ هُوَ الرَّجُلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ الْمِشْقَصَ وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ
مَجَازًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِي
ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ بِلَفْظِ
فَأَخْرَجَ الرجل رَأسه وَعِنْده فِي رِوَايَة بن أَبِي
عَدِيٍّ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا فَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ
قَوْلُهُ فَقُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ الْقَائِلُ هُوَ يَحْيَى
الْقَطَّانُ وَالْمَقُولُ لَهُ هُوَ حُمَيْدٌ وَجَوَابُهُ
بِقَوْلِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ
سَمِعَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهَذَا مِنَ
الْمُتُونِ الَّتِي سَمِعَهَا حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ وَقَدْ
قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ سِوَى خَمْسَةِ
أَحَادِيثَ وَالْبَقِيَّةُ سَمِعَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ
عَنْهُ كَثَابِتٍ وَقَتَادَةَ فَكَانَ يُدَلِّسُهَا
فَيَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالْحَقُّ
أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ أَضْعَافَ ذَلِكَ وَقَدْ أَكْثَرَ
الْبُخَارِيُّ مِنْ تَخْرِيجِ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ
أَنَسٍ بِخِلَافِ مُسْلِمٍ فَلَمْ يُخَرِّجْ مِنْهَا
إِلَّا الْقَلِيلَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَكِنَّ
الْبُخَارِيَّ لَا يُخَرِّجُ مِنْ حَدِيثِهِ إِلَّا مَا
صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَ
التَّصْرِيحِ وَلَوْ بِاللُّزُومِ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ
رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْهُ فَإِنَّ شُعْبَةَ لَا يَحْمِلُ
عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا مَا عَرَفَ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ
مِنْ شُيُوخِهِمْ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ
حُمَيْدٍ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَللَّه الْحَمد
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا مَاتَ فِي الزِّحَامِ أَوْ قُتِلَ
بِهِ)
كَذَا لِابْنِ بَطَّالٍ وَسَقَطَ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ
الْأَكْثَرِ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ التَّرْجَمَةَ
مَوْرِدَ الِاسْتِفْهَامِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ
كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الَّذِي بَعْدَهُ لِوُجُودِ
الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَذَكَرَ فِيهِ
(12/217)
حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ قَتْلِ
الْيَمَانِ وَالِدِ حُذَيْفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا قَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفَ
عَلِيٌّ وَعُمَرُ هَلْ تَجِبُ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ
الْمَالِ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ أَيْ
بِالْوُجُوبِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مَاتَ
بِفِعْلِ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ
فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ وَلَعَلَّ
حُجَّتَهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ قِصَّةِ
حُذَيْفَةَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ
السَّرَّاجُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّ
وَالِدَ حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْم أحد بَعْضُ
الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ أَيْضًا فِي بَابِ
الْعَفْوِ عَنِ الْخَطَإِ وَرَوَى مُسَدَّدٌ فِي
مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ أَنَّ
رَجُلًا زُحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَاتَ فَوَدَاهُ
عَلِيٌّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ
مَذَاهِبُ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
إِنَّ دِيَتَهُ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ حَضَرَ وَهُوَ
أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ
مَاتَ بِفِعْلِهِمْ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ
وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ إِنَّهُ
يُقَالُ لِوَلِيِّهِ ادَّعِ عَلَى مَنْ شِئْتَ وَاحْلِفْ
فَإِنْ حَلَفت استحقيت الدِّيَةَ وَإِنْ نَكَلْتَ حَلَفَ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النَّفْيِ وَسَقَطَتِ
الْمُطَالَبَةُ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ
إِلَّا بِالطَّلَبِ وَمِنْهَا قَوْلُ مَالِكٍ دَمُهُ
هَدَرٌ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ
قَاتِلُهُ بِعَيْنِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ
أَحَدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الرَّاجِحِ
مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنِ
الْخَطَإِ قَوْلُهُ قَالَ هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مِنْ
تَقْدِيمُ اسْمِ الرَّاوِي عَلَى الصِّيغَةِ وَهُوَ
جَائِزٌ وَهِشَام الْمَذْكُور هُوَ بن عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ
بِأَبِيهِ الْيَمَانِ تَقَدَّمَ شَرْحُ قِصَّتِهِ فِي
غَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَوْلُهُ قَالَ عُرْوَةُ هُوَ مَوْصُولٌ
بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ فَمَا زَالَتْ فِي
حُذَيْفَةَ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَهُوَ
الْعَفْوُ وَمن سَبَبِيَّة وَتقدم القَوْل فِيهِ أَيْضا
(قَوْله بَاب إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً)
فَلَا دِيَةَ لَهُ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قُلْتُ وَلَا
إِذَا قَتَلَهَا عَمْدًا يَعْنِي أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ
لِقَوْلِهِ خَطَأً وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبَخُارِيَّ
إِنَّمَا قَيَّدَ بِالْخَطَإِ لِأَنَّهُ مَحل الْخلاف
قَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ تَجِبُ دَيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ
عَاشَ فَهِيَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ مَاتَ فَهِيَ
لِوَرَثَتِهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ
شَيْءٌ وَقِصَّةُ عَامِرٍ هَذِهِ حُجَّةٌ لَهُمْ إِذْ لَمْ
يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ لَهُ شَيْئًا
وَلَوْ وَجَبَ لَبَيَّنَهَا إِذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ
الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِهِ
عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْئا
[6891] قَوْله عَن سَلمَة هُوَ بن الْأَكْوَعِ قَوْلُهُ
مِنْ هُنَيَّاتِكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ
التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَ النُّونِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْمُسْتَمْلِي بِحَذْفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وعامر هُوَ بن
الْأَكْوَعِ فَهُوَ أَخُو سَلَمَةَ وَقِيلَ عَمُّهُ قَالَ
بن بطال
(12/218)
لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ صِفَةُ قَتْلِ
عَامِرٍ نَفْسَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ
الْأَدَبِ فَفِيهِ وَكَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا
فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ فَرَجَعَ
ذُبَابُهُ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ قُلْتُ وَنَقَلَ بَعْضُ
الشُّرَّاحِ عَنِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ
فِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ
ارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ وَالْبَابُ
مُتَرْجَمٌ بِمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَظَنَّ أَنَّ
الْإِسْمَاعِيلِيَّ تَعَقَّبَ ذَلِكَ عَلَى الْبُخَارِيِّ
وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَإِنَّمَا سَاقَ الْحَدِيثَ
بِلَفْظِ فَارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ ثُمَّ نَبَّهَ
عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ
الْبُخَارِيِّ هُنَا فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ عَدَلَ هُنَا
عَنْ رِوَايَةِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِهَذِهِ
النُّكْتَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى لِوُضُوحِهِ وَيُجَابُ
بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ يَعْتَمِدُ هَذِهِ الطَّرِيقَ
كَثِيرًا فَيُتَرْجِمُ بِالْحُكْمِ وَيَكُونُ قَدْ
أَوْرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي مَكَان آخر
فَلَا يحب أَنْ يُعِيدَهُ فَيُورِدَهُ مِنْ طَرِيقٍ
أُخْرَى لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ أَصْلًا أَوْ فِيهَا
دَلَالَةٌ خَفِيَّةٌ كُلُّ ذَلِكَ لِلْفِرَارِ مِنَ
التَّكْرَارِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَلِيَبْعَثَ النَّاظِرَ
فِيهِ عَلَى تَتَبُّعِ الطُّرُقِ وَالِاسْتِكْثَارِ
مِنْهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ وَمِنَ
الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ مَثَلًا وَقَدْ
عُرِفَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعِ
الْبُخَارِيِّ فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِرَاضِ بِهِ عَلَيْهِ
وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ مِرَارًا وَإِنَّمَا أُنَبِّهُ
عَلَى ذَلِكَ إِذَا بَعُدَ الْعَهْدُ بِهِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ شَيْخٍ مَكِّيٍّ بِلَفْظٍ
فِيهِ فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ أُصِيبَ عَامِرٌ
بِقَائِمَةِ سَيْفِهِ فَمَاتَ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ
الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَلَا
دِيَةَ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ
اللَّائِقُ بِهِ التَّرْجَمَةُ السَّابِقَةُ إِذَا مَاتَ
فِي الزِّحَامِ فَلَا دِيَةَ لَهُ عَلَى الْمُزَاحِمِينَ
لِظُهُورِ أَنَّ قَاتِلَ نَفْسَهُ لَا دِيَةَ لَهُ قَالَ
وَلَعَلَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ النَّقَلَةِ بِالتَّقْدِيمِ
وَالتَّأْخِيرِ عَنْ نُسْخَةِ الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ
وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ دِيَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ رَدَّ
هَذَا الْقَوْلِ قُلْتُ نَعَمْ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ
رَدَّ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ عَلَى قَائِلِهِ قَبْلَ
الظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ الْأَوْزَاعِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ
وَمَا أَظُنُّ مَذْهَبَ الظَّاهِرِيَّةِ اشْتَهَرَ عِنْدَ
تَصْنِيفِ الْبُخَارِيِّ كِتَابَهُ فَإِنَّهُ صَنَّفَ
كِتَابَهُ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ
دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ رَأْسَهُمْ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ طَالِبًا وَكَانَ سِنُّهُ يَوْمئِذٍ
دُونَ الْعِشْرِينَ وَأَمَّا قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ
بِأَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فَلَا دِيَةَ لَهُ يَلِيقُ
بِتَرْجَمَةِ مَنْ مَاتَ فِي الزِّحَامِ فَهُوَ صَحِيحٌ
لَكِنَّهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَلْيَقُ
لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ مَاتَ فِي الزِّحَامِ قَوِيٌّ
فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجْزِمْ فِي التَّرْجَمَةِ بِنَفْيِ
الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَإِنَّ
الْخِلَافَ فِيهِ ضَعِيفٌ فَجَزَمَ فِيهِ بِالنَّفْيِ
وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ فَظَهَرَ
أَنَّ النَّقَلَةَ لَمْ يُخَالِفُوا تَصَرُّفَهُ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ وَأَيُّ قَتْلٍ
يَزِيدُهُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَكَذَا
فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَأَيُّ قَتِيلٍ وَصَوَّبَهَا
بن بَطَّالٍ وَكَذَا عِيَاضٌ وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ
الْأُخْرَى خَطَأً مَحْضًا بَلْ يُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى
مَعْنَى الْأُخْرَى وَالله أعلم |