[7546] قَوْلُهُ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ
وَالتِّينِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
بِالتِّينِ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا
أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي
كِتَابِ الصَّلَاةِ وَمُرَادُهُ مِنْهُ هُنَا بَيَانُ
اخْتِلَافِ الْأَصْوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ جِهَةِ
النَّغَمِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ
فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى
[7547] وَلَا تَجْهَرْ بصلاتك وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
تَفْسِيرِ سُبْحَانَ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ
قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا
بِهِ وَمُرَادُهُ مِنْهُ هُنَا بَيَانُ اخْتِلَافِ
الْأَصْوَاتِ بِالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ الْحَدِيثُ
الْخَامِسُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ مَدَى
صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ
إِلَّا شَهِدَ لَهُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَمُرَادُهُ مِنْهُ
هُنَا بَيَانُ اخْتِلَافِ الْأَصْوَاتِ بِالرَّفْعِ
وَالْخَفْضِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَجْهُ
مُنَاسَبَتِهِ أَنَّ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ بِالْقُرْآنِ
أَحَقُّ بِالشَّهَادَةِ لَهُ وَأَوْلَى الْحَدِيثُ
السَّادِسُ حَدِيثُ عَائِشَة
[7549] قَوْله سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَمَنْصُور
هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبِيُّ وَأُمُّهُ
هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ مِنْ صِغَارِ
الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ
فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي
كِتَابِ الْحَيْضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ
بِهِ من كَلَام بن الْمُنِيرِ وَمِنْهُ يَظْهَرُ
وَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابَ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فاقرؤوا مَا
تيَسّر مِنْهُ)
كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِلْبَاقِينَ مِنَ
الْقُرْآنِ وَكُلٌّ مِنَ اللَّفْظَيْنِ فِي السُّورَةِ
وَالْمُرَادُ بِالْقِرَاءَةِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ بَعْضُ أَرْكَانِهَا ذَكَرَ فِيهِ
حَدِيثُ عُمَرَ فِي قِصَّتِهِ مَعَ هِشَامِ بْنِ
حَكِيمٍ فِي قِرَاءَةِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي فَضَائِلِ
الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ
[7550] فِي آخِرِهِ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ
عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَيَسِّرِ
مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِهِ فِي
الْآيَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَيَسِّرِ فِي
الْآيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ
وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
مَا يَسْتَحْضِرُهُ الْقَارِئُ مِنَ الْقُرْآنِ
فَالْأَوَّلُ مِنَ الْكَمِّيَّةِ وَالثَّانِي مِنَ
الْكَيْفِيَّةِ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ
وَحَدِيثِهَا لِلْأَبْوَابِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ
جِهَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْكَيْفِيَّةِ وَمِنْ جِهَةِ
جَوَازِ نِسْبَةِ الْقِرَاءَة للقارئ
(13/520)
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ
مِنْ مُدَّكِرٍ)
قيل المُرَاد بِالذكر الْأَذْكَارُ وَالِاتِّعَاظُ
وَقِيلَ الْحِفْظُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ
قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ
فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا فِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ
عَلِيٍّ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَسَّرْنَا
الْقُرْآنَ بِلِسَانِكَ هَوَّنَّاهُ عَلَيْكَ فِي
رِوَايَةٍ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ
عَلَيْكَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْوَاوِ
وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنَ التَّهْوِينِ وَقَدْ
وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ وَرْقَاءَ عَن بن أَبِي
نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَد
يسرنَا الْقُرْآن للذّكر قَالَ هوناه قَالَ بن
بَطَّالٍ تَيْسِيرُ الْقُرْآنِ تَسْهِيلُهُ عَلَى
لِسَانِ الْقَارِئِ حَتَّى يُسَارِعَ إِلَى
قِرَاءَتِهِ فَرُبَّمَا سَبَقَ لِسَانَهُ فِي
الْقِرَاءَةِ فَيُجَاوِزُ الْحَرْفَ إِلَى مَا
بَعْدَهُ وَيَحْذِفُ الْكَلِمَةَ حِرْصًا عَلَى مَا
بَعْدَهَا انْتَهَى وَفِي دُخُولِ هَذَا فِي
الْمُرَادِ نَظَرٌ كَبِيرٌ قَوْله وَقَالَ مطر الْوَرق
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ
مِنْ مُدَّكِرٍ قَالَ هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ
فَيُعَانُ عَلَيْهِ وَقَعَ هَذَا التَّعْلِيقُ عِنْدَ
أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَثَبَتَ
أَيْضًا لِلْجُرْجَانِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ
وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ
زَمْعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ عَنْ
مَطَرٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ
فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ ثُمَّ
ذَكَرَ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ
كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ
مِنْ حَدِيثٍ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ فِيهِ عَنْ
عِمْرَانَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَيُعْرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلِمَ يَعْمَلِ الْعَامِلُونَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ وَيزِيد شَيْخُ
عَبْدِ الْوَارِثِ فِيهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ
بِالرِّشْكِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ
شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرِّشْكُ
فَذَكَرَهُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَفِيهِ وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا كتب
مَقْعَده من النَّار أومن الْجَنَّةِ وَتَقَدَّمَ
شَرْحُهُ هُنَاكَ أَيْضًا وَفِيهِ وَفِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ الَّذِي قَبْلَهُ كُلٌّ مُيَسَّرٌ قَالَ
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي
شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ
كَلَامِ اللَّهِ مَعَ أَهْلِ
(13/521)
الْجَنَّةِ فِيهِ نِدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى
لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِقَرِينَةِ جَوَابِهِمْ
بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْمُرَاجَعَةُ بِقَوْلِهِ
هَلْ رَضِيتُمْ وَقَوْلُهُمْ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى
وَقَوْلُهُ أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ وَقَوْلُهُمْ
يَا رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ وَقَوْلُهُ
أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ
الَّذِي كَلَّمَهُمْ وَكَلَامُهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ
مُيَسَّرٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَالنَّظَرُ فِي
كَيْفِيَّتِهِ مَمْنُوعٌ وَلَا نَقُولُ بِالْحُلُولِ
فِي الْمُحْدَثِ وَهِيَ الْحُرُوفُ وَلَا أَنَّهُ
دَلَّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ بَلِ الْإِيمَانُ
بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ حَقٌّ مُيَسَّرٌ بِاللُّغَةِ
الْعَرَبِيَّةِ صِدْقٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُمْ قَالُوا
إِذَا كَانَ الْأَمْرُ مُقَدَّرًا فَلْنَتْرُكِ
الْمَشَقَّةَ فِي الْعَمَلِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهَا
سُمِّيَ بِالتَّكْلِيفِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ
كُلَّ مَنْ خُلِقَ لِشَيْءٍ يُسِّرَ لِعَمَلِهِ فَلَا
مَشَقَّةَ مَعَ التَّيْسِيرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ
أَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا مَا سَبَقَ حُجَّةً فِي
تَرْكِ الْعَمَلِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ هُنَا
أَمْرَيْنِ لَا يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَاطِنٌ
وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ حُكْمُ الرُّبُوبِيَّةِ
وَظَاهِرٌ وَهُوَ السِّمَةُ اللَّازِمَةُ بِحَقِّ
الْعُبُودِيَّةِ وَهُوَ أَمَارَةٌ لِلْعَاقِبَةِ
فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْعَاجِلِ
يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْآجِلِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ
لَا يُتْرَكُ لِلْبَاطِنِ قُلْتُ وَكَأَنَّ
مُنَاسَبَةُ هَذَا الْبَابِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ
جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ التَّيْسِيرِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ
قُرْآنٌ مَجِيد فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّذِي
بَعْدَهَا قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ الْقُرْآنَ
يُحْفَظُ وَيُسْطَرُ وَالْقُرْآنُ الْمُوعَى فِي
الْقُلُوبِ الْمَسْطُورُ فِي الْمَصَاحِفِ
الْمَتْلُوُّ بِالْأَلْسِنَةِ كَلَامِ اللَّهِ لَيْسَ
بِمَخْلُوقٍ وَأَمَّا الْمِدَادُ وَالْوَرَقُ
وَالْجِلْدُ فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ قَوْلُهُ وَالطُّورِ
وَكِتَابٍ مسطور قَالَ قَتَادَةُ مَكْتُوبٌ وَصَلَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ
طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله وَالطور
وَكتاب مسطور قَالَ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ فِي
رَقٍّ مَنْشُورٍ هُوَ الْكتاب وَصله عبيد بْنُ
حُمَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ
بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ بن أبي
(13/522)
نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ قَالَ صحف مَكْتُوبَة فِي رق
منشور قَالَ فِي صُحُفٍ قَوْلُهُ يَسْطُرُونَ
يَخُطُّونَ أَيْ يَكْتُبُونَ أَوْرَدَهُ عَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْله والقلم وَمَا
يسطرون قَالَ وَمَا يَكْتُبُونَ قَوْلُهُ فِي أُمِّ
الْكِتَابِ جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ وَصَلَهُ
أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ
مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ
يمحوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ
أُمُّ الْكِتَابِ قَالَ جُمْلَةُ الْكِتَابِ
وَأَصْلُهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ قَتَادَةَ وَعند بن
أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ يَقُولُ جُمْلَةُ ذَلِكَ
عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ النَّاسِخُ
وَالْمَنْسُوخُ وَمَا يُكْتَبُ وَمَا يُبَدَّلُ
قَوْلُهُ مَا بِلَفْظ من قَول مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ
شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ
مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ فِي
قَوْلِهِ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ قَالَ مَا
يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ
وَمِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ مَجْمَعٍ قَالَ الْمَلَكُ مِدَادُهُ
رِيقه وقلمه لِسَانه قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاس يكْتب
الْخَيْر وَالشَّر وَصله الطَّبَرِيّ وبن أَبِي
حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَن
عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَول قَالَ إِنَّمَا يَكْتُبُ الْخَيْرَ
وَالشَّرَّ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ
رَقِيب عتيد قَالَ يَكْتُبُ كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ
مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ حَتَّى أَنَّهُ لَيُكْتَبُ
قَوْلَهُ أَكَلْتُ شَرِبْتُ ذَهَبْتُ جِئْتُ رَأَيْتُ
حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عُرِضَ قَوْلُهُ
وَعَمَلُهُ فَأُقِرَّ مَا كَانَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ
شَرٍّ وَأُلْقِيَ سائره فَذَلِك قَوْله يمحوا اللَّهُ
مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ هَذَا مِنْ طَرِيقِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ
يَاءٍ مَهْمُوزَةٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ
وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ وَأَبُو صَالِحٍ لَمْ
يُدْرِكْ جَابِرًا هَذَا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ
طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
وَالْحَسَنِ مَا يلفظ من قَول مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ
مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ وَكَانَ
عِكْرِمَةُ يَقُولُ إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ
وَالشَّرِّ قُلْتُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِرِوَايَةِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ
يُحَرِّفُونَ يُزِيلُونَ لم أر هَذَا مَوْصُولا من
كَلَام بن عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ مَعَ أَنَّ
الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَذَا الَّذِي
بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ دِرَاسَتُهُمْ تِلَاوَتُهُمْ
وَمَا بَعْدَهُ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِك بن أَبِي
حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
عَنِ بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِهِ
كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن عَن بن عَبَّاسٍ مَا
يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ تَفْسِير يحرفُونَ
بقوله يزيلون نعم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي
كِتَابِ الْمَجَازِ فِي قَوْلِهِ يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ قَالَ يُقَلِّبُونَ
وَيُغَيِّرُونَ وَقَالَ الرَّاغِبُ التَّحْرِيفُ
الْإِمَالَةُ وَتَحْرِيفُ الْكَلَامِ أَنْ يَجْعَلَهُ
عَلَى حَرْفٍ مِنَ الِاحْتِمَالِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ
حَمْلُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ قَوْلُهُ
وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ
كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُمْ
يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَنْ غَيْرِ
تَأْوِيلِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غير تَأْوِيله قَالَ شَيخنَا
بن الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحُهُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ
أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ
وَهُوَ مُخْتَارُهُ أَيِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ
كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ جَوَازَ امْتِهَانِ
أَوْرَاقِهِمَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ
الْبُخَارِيُّ هُنَا انْتَهَى وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي
أَنَّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ إِلَى آخِرِهِ من
كَلَام البُخَارِيّ ذيل بِهِ تَفْسِير بن عَبَّاسٍ
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةَ كَلَامِ بن
عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَقَالَ بَعْضُ
الشُّرَّاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا
بُدِّلَتْ كُلُّهَا وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوْلِ
الْمَحْكِيِّ بِجَوَازِ الِامْتِهَانِ وَهُوَ
إِفْرَاطٌ وَيَنْبَغِي حَمْلُ إِطْلَاقِ مَنْ
أَطْلَقَهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَهِيَ
مُكَابَرَةٌ وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ فِي
أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ
تُبَدَّلْ مِنْ ذَلِكَ قَوْله
(13/523)
تَعَالَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يجدونه
مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
الْآيَةَ وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ رَجْمِ
الْيَهُودِيَّيْنِ وَفِيهِ وُجُودُ آيَةِ الرَّجْمِ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ فَأْتُوا
بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ثَانِيهَا أَنَّ التَّبْدِيلَ وَقَعَ وَلَكِنْ فِي
مُعْظَمِهَا وَأَدِلَّتُهُ كَثِيرَةٌ وَيَنْبَغِي
حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ثَالِثُهَا وَقَعَ فِي
الْيَسِيرِ مِنْهَا وَمُعْظَمُهَا بَاقٍ عَلَى حَالِهِ
وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ
تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ الرَّدُّ الصَّحِيحُ عَلَى
مَنْ بَدَّلَ دِينَ الْمَسِيحِ رَابِعُهَا إِنَّمَا
وَقَعَ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ فِي الْمَعَانِي
لَا فِي الْأَلْفَاظِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا وَقد
سُئِلَ بن تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
مُجَرَّدًا فَأَجَابَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ
لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَاحْتَجَّ
لِلثَّانِي مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ
تَعَالَى لَا مبدل لكلماته وَهُوَ معَارض بقوله
تَعَالَى فَمن بدله بعد مَا سَمعه فانما اثمه على
الَّذين يبدلونه وَلَا يَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بِمَا
ذُكِرَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ فِي النَّفْيِ
وَعَلَى الْمَعْنَى فِي الْإِثْبَاتِ لِجَوَازِ
الْحَمْلِ فِي النَّفْيِ عَلَى الْحُكْمِ وَفِي
الْإِثْبَاتِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ اللَّفْظِ
وَالْمَعْنَى وَمِنْهَا أَنَّ نَسْخَ التَّوْرَاةِ فِي
الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَالْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ لَا
يَخْتَلِفُ وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ
التَّبْدِيلُ فَيَتَوَارَدُ النَّسْخُ بِذَلِكَ عَلَى
مِنْهَاجِ وَاحِدٍ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ
لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ وُقُوعُ التَّبْدِيلِ جَازَ
إِعْدَامُ الْمُبْدَلِ وَالنُّسَخُ الْمَوْجُودَةُ
الْآنَ هِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الْأَمْرُ
عِنْدَهُمْ عِنْدَ التَّبْدِيلِ وَالْأَخْبَارُ
بِذَلِكَ طَافِحَةٌ أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِالتَّوْرَاةِ فَلِأَنَّ بُخْتَنَصَّرَ لَمَّا غَزَا
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَهْلَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَمَزَّقَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَأَعْدَمَ
كُتُبَهُمْ حَتَّى جَاءَ عُزَيْرًا فَأَمْلَاهَا
عَلَيْهِمْ وَأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِالْإِنْجِيلِ فَإِنَّ الرُّومَ لَمَّا دَخَلُوا فِي
النَّصْرَانِيَّةِ جَمَعَ مَلِكُهُمْ أَكَابِرَهُمْ
عَلَى مَا فِي الْإِنْجِيلِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ
وَتَحْرِيفُهُمُ الْمَعَانِي لَا يُنْكَرُ بَلْ هُوَ
مَوْجُودٌ عِنْدَهُمْ بِكَثْرَةٍ وَإِنَّمَا
النِّزَاعُ هَلْ حُرِّفَتِ الْأَلْفَاظُ أَوْ لَا
وَقَدْ وُجِدَ فِي الْكِتَابَيْنِ مَا لَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ عِنْدَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلًا وَقَدْ سَرَدَ أَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْفَصْلِ فِي
الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا
الْجِنْسِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي
أَوَّلِ فَصْلٍ فِي أَوَّلِ وَرَقَةٍ مِنْ تَوْرَاةِ
الْيَهُودِ الَّتِي عِنْدَ رُهْبَانِهِمْ
وَقُرَّائِهِمْ وَعَانَاتِهِمْ وَعِيسَوِيِّهِمْ
حَيْثُ كَانُوا فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ لَا
يَخْتَلِفُونَ فِيهَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ
رَامَ أَحَدٌ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا لَفْظَةً أَوْ
يُنْقِصَ مِنْهَا لَفْظَةً لَافْتَضَحَ عِنْدَهُمْ
مُتَّفَقًا عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ إِلَى الْأَحْبَارِ
الْهَارُونِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْخَرَابِ
الثَّانِي يَذْكُرُونَ أَنَّهَا مُبَلَّغَةٌ مِنْ
أُولَئِكَ إِلَى عِزْرَا الْهَارُونِيِّ وَأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ
الشَّجَرَةِ هَذَا آدَمُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا
فِي مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَأَنَّ
السَّحَرَةَ عَمِلُوا لِفِرْعَوْنَ نَظِيرَ مَا
أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّمِ وَالضَّفَادِعِ
وَأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنِ الْبَعُوضِ وَأَنَّ
ابْنَتَيْ لُوطٍ بَعْدَ هَلَاكِ قَوْمِهِ ضَاجَعَتْ
كُلٌّ مِنْهُمَا أَبَاهَا بَعْدَ أَنْ سَقَتْهُ
الْخَمْرَ فَوَطِئَ كُلًّا مِنْهُمَا فَحَمَلَتَا
مِنْهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ
الْمُنْكَرَةِ الْمُسْتَبْشَعَةِ وَذَكَرَ فِي
مَوَاضِعَ أُخْرَى أَنَّ التَّبْدِيلَ وَقَعَ فِيهَا
إِلَى أَنْ أُعْدِمَتْ فَأَمْلَاهَا عِزْرَا
الْمَذْكُورُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ ثُمَّ
سَاقَ أَشْيَاءَ مِنْ نَصِّ التَّوْرَاةِ الَّتِي
بِأَيْدِيهِمُ الْآنَ الْكَذِبُ فِيهَا ظَاهِرٌ جِدًّا
ثُمَّ قَالَ وَبَلَغَنَا عَنْ قَوْمٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ يُنْكِرُونَ أَنَّ التَّوْرَاةَ
وَالْإِنْجِيلَ اللَّتَيْنِ بِأَيْدِي الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى مُحَرَّفَانِ وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى
ذَلِكَ قِلَّةُ مُبَالَاتِهِمْ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ
وَالسُّنَّةِ وَقَدِ اشْتَمَلَا عَلَى أَنَّهُمْ
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ
على الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ وَيَقُولُونَ هُوَ
مِنْ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا هُوَ من عِنْد الله
وَيلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ ويكتمون الْحق وهم
يعلمُونَ وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ قَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الصَّحَابَةِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمثلهمْ فِي
الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه إِلَى آخِرِ السُّورَةِ
وَلَيْسَ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى شَيْءٌ
مِنْ هَذَا وَيُقَالُ لِمَنِ ادَّعَى أَنَّ نَقْلَهُمْ
نَقْلٌ مُتَوَاتِرٌ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا
ذِكْرَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْكِتَابَيْنِ فَإِنْ صَدَّقْتُمُوهُمْ فِيمَا
بِأَيْدِيهِمْ لِكَوْنِهِ نُقِلَ نَقْلَ
الْمُتَوَاتِرِ فَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا زَعَمُوهُ أَنْ
لَا ذِكْرَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا لأَصْحَابه وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ
تَصْدِيقُ
(13/524)
بَعْضٍ وَتَكْذِيبُ بَعْضٍ مَعَ
مَجِيئِهِمَا مَجِيئًا وَاحِدًا انْتَهَى كَلَامُهُ
وَفِيهِ فَوَائِدُ وَقَالَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ
الزَّرْكَشِيُّ اغْتَرَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ
بِهَذَا يَعْنِي بِمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ
إِنَّ فِي تَحْرِيفِ التَّوْرَاةِ خِلَافًا هَلْ هُوَ
فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَوْ فِي الْمَعْنَى
فَقَطْ وَمَالَ إِلَى الثَّانِي وَرَأَى جَوَازَ
مُطَالَعَتِهَا وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَلَا خِلَافَ
أَنَّهُمْ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَالِاشْتِغَالُ
بِنَظَرِهَا وَكِتَابَتِهَا لَا يَجُوزُ
بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ غَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا
شَيْءٌ مِنَ التَّوْرَاةِ وَقَالَ لَوْ كَانَ مُوسَى
حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي وَلَوْلَا
أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مَا غَضِبَ فِيهِ قُلْتُ إِنْ
ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَقَدْ
قَيَّدَهُ بِالِاشْتِغَالِ بِكِتَابَتِهَا وَنَظَرِهَا
فَإِنْ أَرَادَ مَنْ يَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ دُونَ
غَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ
يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ تَشَاغَلَ بِذَلِكَ مَعَ
تَشَاغُلِهِ بِغَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ
التَّشَاغُلِ فَهُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ وَفِي وَصْفِهِ
الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ بِالْبُطْلَانِ مَعَ مَا
تَقَدَّمَ نَظَرٌ أَيْضًا فَقَدْ نُسِبَ لِوَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ
بِالتَّوْرَاةِ وَنُسِبَ أَيْضًا لِابْنِ عَبَّاسٍ
تَرْجُمَانِ الْقُرْآنِ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكَ
الدَّفْعِ بِالصَّدْرِ وَالتَّشَاغُلِ بِرَدِّ
أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِ الَّتِي حَكَيْتُهَا وَفِي
اسْتِدْلَالِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ الَّذِي
ادَّعَى الْإِجْمَاعُ فِيهِ بِقِصَّةِ عُمَرَ نَظَرٌ
أَيْضًا سَأَذْكُرُهُ بَعْدَ تَخْرِيجِ الْحَدِيثِ
الْمَذْكُورِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
قَالَ نَسَخَ عُمَرُ كِتَابًا مِنَ التَّوْرَاةِ
بِالْعَرَبِيَّةِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ
وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ وَيْحَكَ يَا بن الْخَطَّابِ أَلَا تَرَى
وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ
ضَلُّوا وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ
أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ
مُوسَى بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا
أَنْ يَتَّبِعَنِي وَفِي سَنَدِهِ جَابِرٌ
الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِأَحْمَدُ أَيْضًا
وَأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ
عُمَرَ أَتَى بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ
أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَذَكَرَ
نَحْوَهُ دُونَ قَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ وَفِيهِ
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى حَيًّا
مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي وَفِي سَنَدِهِ
مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ لَيِّنٌ وَأَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ
وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ جَاءَ
عُمَرُ بِجَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ فَذَكَرَ
بِنَحْوِهِ وَسَمَّى الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي خَاطَبَ
عُمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الَّذِي رَأَى
الْأَذَانَ وَفِيهِ لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْنَ أظْهركُم
ثمَّ اتبعتموه وتركتموني لَضَلَلْتُمْ ضَلَالًا
بَعِيدًا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ جَاءَ
عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ
بِأَخٍ لِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَتَبَ لِي
جَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ أَلَا أَعْرِضُهَا
عَلَيْكَ قَالَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ
مُوسَى فِيكُمْ ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ
وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ وَأَخْرَجَ أَبُو
يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ
كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ فَضَرَبَهُ بِعَصًا مَعَهُ فَقَالَ مَا لِي
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَنْتَ الَّذِي
نَسَخْتَ كِتَابَ دَانْيَالَ قَالَ مُرْنِي بِأَمْرِكَ
قَالَ انْطَلِقْ فَامْحُهُ فَلَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ
قَرَأْتَهُ أَوْ أَقْرَأْتَهُ لَأُنْهِكَنَّكَ
عُقُوبَةً ثُمَّ قَالَ انْطَلَقْتُ فَانْتَسَخْتُ
كِتَابًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ جِئْتُ فَقَالَ
لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا هَذَا قُلْتُ كِتَابٌ انْتَسَخْتُهُ
لِنَزْدَادَ بِهِ عِلْمًا إِلَى عِلْمِنَا فَغَضِبَ
حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ فَذَكَرَ قِصَّةً
فِيهَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ
جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَاخْتُصِرَ لِيَ
الْكَلَامُ اخْتِصَارًا وَلَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِهَا
بَيْضَاءَ نَقِيَّةً فَلَا تَتَهَوَّكُوا وَفِي
سَنَدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ
الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَهَذِهِ جَمِيعُ طُرُقِ
هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا
مَا يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يَقْتَضِي
أَنَّ لَهَا أَصْلًا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ
كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ
وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّفْرِقَةُ
بَيْنَ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَيَصِرْ مِنَ
الرَّاسِخِينَ فِي الْإِيمَانِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ
النَّظَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ
الرَّاسِخِ فَيَجُوزُ لَهُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ
الِاحْتِيَاجِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَقْلُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا
وَحَدِيثًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَإِلْزَامُهُمُ
الْيَهُود
(13/525)
بِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ
كِتَابِهِمْ وَلَوْلَا اعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ
النَّظَرِ فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا
عَلَيْهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ لِلتَّحْرِيمِ بِمَا
وَرَدَ مِنَ الْغَضَبِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ
يَكُنْ مَعْصِيَةً مَا غَضِبَ مِنْهُ فَهُوَ
مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ قَدْ يَغْضَبُ مِنْ فِعْلِ
الْمَكْرُوهِ وَمِنْ فِعْلِ مَا هُوَ خِلَافُ
الْأَوْلَى إِذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ مِنْهُ
ذَلِكَ كَغَضَبِهِ مِنْ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ صَلَاةَ
الصُّبْحِ بِالْقِرَاءَةِ وَقَدْ يَغْضَبُ مِمَّنْ
يَقَعُ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي فَهْمِ الْأَمْرِ
الْوَاضِحِ مِثْلَ الَّذِي سَأَلَ عَنْ لُقَطَةِ
الْإِبِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ
الْغَضَبُ فِيُ الْمَوْعِظَةِ وَمَضَى فِي كِتَابِ
الْأَدَبِ مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ قَوْلُهُ
يَتَأَوَّلُونَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يعلم تَأْوِيله الا الله
تَعَالَى التَّأْوِيلُ التَّفْسِيرُ وَفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا آخَرُونَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ
الْهَرَوِيُّ التَّأْوِيلُ رَدُّ أَحَدِ
الْمُحْتَمَلَيْنِ إِلَى مَا يُطَابِقُ الظَّاهِرَ
وَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُرَادِ عَنِ اللَّفْظِ
الْمُشْكِلِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ
التَّأْوِيلَ نَقْلُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَنْ وَضْعِهِ
الْأَصْلِيِّ إِلَى مَالا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ
لَوْلَاهُ مَا تُرِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَقِيلَ
التَّأْوِيلُ إِبْدَاءُ احْتِمَالِ لَفْظٍ مُعْتَضِدٍ
بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَمَثَّلَ بَعْضُهُمْ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا ريب فِيهِ قَالَ مَنْ قَالَ
لَا شَكَّ فِيهِ فَهُوَ التَّفْسِيرُ وَمَنْ قَالَ
لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ
فَهُوَ التَّأْوِيلُ وَمُرَادُ الْبُخَارِيِّ
بِقَوْلِهِ يَتَأَوَّلُونَهُ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ
الْمُرَادَ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ كَمَا لَوْ
كَانَتِ الْكَلِمَةُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ تَحْتَمِلُ
مَعْنَيَيْنِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَكَانَ الْمُرَادُ
الْقَرِيبُ فَإِنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى
الْبَعِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُهُ دِرَاسَتُهُمْ
تلاوتهم وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَذَا
قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قَالَ
حَافِظَةٌ قِيلَ النُّكْتَةُ فِي إِفْرَادِ الْأُذُنِ
الْإِشَارَةُ بِقِلَّةِ مَنْ يَعِي مِنَ النَّاسِ
وَوَرَدَ فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْأُذُنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَاصٌّ وَهِيَ أُذُنُ
عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ مُرْسَلِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ
عَلِيٍّ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ
بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالطَّبَرِيُّ
مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ قَوْلُهُ وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يَعْنِي
أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ بَلَغَ هَذَا الْقُرْآنُ فَهُوَ
لَهُ نَذِير وَصله بن أبي حَاتِم بالسند الْمَذْكُور
إِلَى بن عَبَّاس وَقَالَ بن التِّينِ قَوْلُهُ وَمَنْ
بَلَغَ أَيْ بَلَغَهُ فَحَذَفَ الْهَاءَ وَقِيلَ
الْمَعْنَى وَمَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ
الْمَشْهُور وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ
الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيِّ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ
رَاءٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرٌ قَالَ مَا فِي
الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَى أَصْحَابِ جَهْمٍ مِنْ
هَذِهِ الْآيَةِ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بلغ
فَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكَأَنَّمَا سَمِعَهُ
مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
[7553] قَوْلُهُ سَمِعْتُ أَبِي هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ
طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
أَبِي رَافِعٍ كَذَا وَقَعَ بِالْعَنْعَنَةِ وَفِي
السَّنَدِ الَّذِي بَعْدَهُ التَّصْرِيحُ
بِالتَّحْدِيثِ مِنْ قَتَادَةَ وَأَبِي رَافِعٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَكَذَا بِالسَّمَاعِ لِأَبِي رَافِعٍ
وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ لَمَّا قَضَى اللَّهُ
الْخَلْقَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَمَّا
خَلَقَ قَوْلُهُ غَلَبَتْ أَوْ قَالَ سَبَقَتْ كَذَا
بِالشَّكِّ وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا بِالْجَزْمِ
سَبَقَتْ قَوْلُهُ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَهُ فِي
بَابِ ويحذركم الله نَفسه وَعَلَى قَوْلِهِ فَوْقَ
الْعَرْشِ فِي بَابِ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ أَيْضًا وَالْغَرَضُ
مِنْهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ اللَّوْحَ
الْمَحْفُوظَ فَوْقَ الْعَرْشِ
[7554] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
غَالِبٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا وَهُوَ
قُومَسِيٌّ نَزَلَ بَغْدَادَ وَيُقَالُ لَهُ
الطَّيَالِسِيُّ وَكَانَ حَافِظًا مِنْ أَقْرَانِ
الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ
الْأَخْذِ بِالْيَدِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ
وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ
دَرَجَةً بِالنِّسْبَةِ لِحَدِيثِ مُعْتَمِرٍ
فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ الْكَثِيرَ بِوَاسِطَةِ
وَاحِدٍ فَعِنْدَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ
وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالصُّلْحِ
وَاللِّبَاسِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ أَخْرَجَهَا
مُسَدَّدٌ عَن متعمر وَدَرَجَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ
لِحَدِيثِ قَتَادَةَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ الْكَثِيرُ
مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ وَاحِدٍ
عَنْ شُعْبَةَ وَقَدْ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَالْأَنْصَارِيُّ
سَمِعَ مِنْ
(13/526)
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَلَكِنْ لَمْ
يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي
الْجَامِع وَمُحَمّد بْنُ إِسْمَاعِيلَ شَيْخُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي غَالِبٍ بَصرِي يُقَال لَهُ بن
أَبِي سَمِينَةَ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَزْنُ
عَظِيمَةَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ شُيُوخِ
الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ فِي التَّارِيخِ
بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ
شَيْئًا إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ وَقَدْ سَمِعَ
مِنْهُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلُ
صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظِ الْمُلَقَّبِ
جَزَرَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالزَّايِ وَمُوسَى بْنِ
هَارُونَ وَغَيْرِهِمَا
(13/527)
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)
ذكر بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ غَرَضَ
الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ أَنَّ
أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَقْوَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ
لِلَّهِ تَعَالَى وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ
بِقَوْلِهِ كُنْ وَبَيْنَ الْخَلْقِ بِقَوْلِهِ
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ
بأَمْره فَجَعَلَ الْأَمْرَ غَيْرَ الْخَلْقِ
وَتَسْخِيرُهَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى خَلْقِهَا
إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَمْرِهِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ
نُطْقَ الْإِنْسَانِ بِالْإِيمَانِ عَمَلٌ مِنْ
أَعماله كَمَا ذكر فِي قصَّة عَبْدِ الْقَيْسِ حَيْثُ
سَأَلُوا عَنْ عَمَلٍ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ
فَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَفَسَّرَهُ
بِالشَّهَادَةِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا وَفِي حَدِيثِ
أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا اللَّهُ الَّذِي
حَمَلَكُمْ الرَّدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ أَعْمَالَهُمْ
قَوْلُهُ إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقدر كَذَا
لَهُمْ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ
فِي بَابِ قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ
الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ التَّقْدِيرُ خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ
بِقَدَرٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ
خَالِقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ
الْأُخْرَى وَأما قَوْله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ
فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إِثْبَاتِ نِسْبَةِ الْعَمَلِ
إِلَى الْعِبَادِ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ هُنَا غَيْرُ الْخَلْقِ
وَهُوَ الْكَسْبُ الَّذِي يَكُونُ مُسْنَدًا إِلَى
الْعَبْدِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُ فِيهِ صُنْعًا
وَيُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّ
وُجُودَهُ إِنَّمَا هُوَ بِتَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ
وَلَهُ جِهَتَانِ جِهَةٌ تَنْفِي الْقَدَرَ وَجِهَةٌ
تَنْفِي الْجَبْرَ فَهُوَ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ
حَقِيقَةً وَإِلَى الْعَبْدِ عَادَةً وَهِيَ صِفَةٌ
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ
وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فَكُلُّ مَا أُسْنِدَ مِنْ
أَفْعَالِ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ
بِالنَّظَرِ إِلَى تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ وَيُقَالُ
لَهُ الْخَلْقُ وَمَا أُسْنِدَ إِلَى الْعَبْدِ
إِنَّمَا يَحْصُلُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى
وَيُقَالُ لَهُ الْكَسْبُ وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْمَدْحُ
وَالذَّمُّ كَمَا يُذَمُّ الْمُشَوَّهُ الْوَجْهِ
وَيُمْدَحُ الْجَمِيلُ الصُّورَةِ وَأَمَّا الثَّوَابُ
وَالْعِقَابُ فَهُوَ عَلَامَةٌ وَالْعَبْدُ إِنَّمَا
هُوَ مِلْكُ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِ مَا
يَشَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا بِأَتَمَّ
مِنْهُ فِي بَاب قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَنْدَادًا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ سَلَكَهَا فِي
تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِعْرَابِ
مَا هَلْ هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَقَدْ
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِيهَا وَجْهَانِ فَمَنْ قَالَ
مَصْدَرِيَّةٌ قَالَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ وَمَنْ قَالَ مَوْصُولَةٌ قَالَ
خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَ أَيْ
تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ وَهُوَ الْخَشَبُ
وَالنُّحَاسُ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ
قَتَادَةَ مَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الثَّانِي وَهُوَ
قَوْلُهُ تَعَالَى
(13/528)
وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ أَي
بِأَيْدِيكُمْ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
قَتَادَةَ أَيْضًا قَالَ تَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا
تَعْمَلُونَ أَيْ بِأَيْدِيكُمْ وَتَمَسَّكَ
الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ
السُّهَيْلِيُّ فِي نَتَائِجِ الْفِكْرِ لَهُ اتَّفَقَ
الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا
تَتَعَلَّقُ بِالْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ فَلَا
تَقُولُ عَمِلْتُ حَبْلًا وَلَا صَنَعْتُ جَمَلًا
وَلَا شَجَرًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ قَالَ
أَعْجَبَنِي مَا عَمِلْتَ فَمَعْنَاهُ الْحَدَثُ
فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي تَأْوِيل وَالله
خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ إِلَّا أَنَّهَا
مَصْدَرِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا
يَصِحُّ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّهَا مَوْصُولَةٌ
فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى
الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَنْحِتُونَهَا
فَقَالُوا التَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ
الْأَصْنَامَ وَزَعَمُوا أَنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ
يَقْتَضِي مَا قَالُوهُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ مَا
تَنْحِتُونَ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْحِجَارَةِ
الْمَنْحُوتَةِ فَكَذَلِكَ مَا الثَّانِيَةُ
وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ أَتَعْبُدُونَ حِجَارَةً
تَنْحِتُونَهَا وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ تِلْكَ
الْحِجَارَةَ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا هَذِهِ
شُبْهَتُهُمْ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ
النَّحْوِ إِذْ مَا لَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ
الْخَاصِّ إِلَّا مَصْدَرِيَّةً فَعَلَى هَذَا
فَالْآيَةُ تَرُدُّ مَذْهَبَهُمْ وَتُفْسِدُ
قَوْلَهُمْ وَالنَّظْمُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ
السُّنَّةِ أَبْدَعُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقُولُ
عَمِلْتُ الصَّحْفَةَ وَصَنَعْتُ الْجَفْنَةَ وَكَذَا
يَصِحُّ عَمِلْتُ الصَّنَمَ قُلْنَا لَا يَتَعَلَّقُ
ذَلِكَ إِلَّا بِالصُّورَةِ الَّتِي هِيَ التَّأْلِيفُ
وَالتَّرْكِيبُ وَهِيَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ
الْإِحْدَاثُ دُونَ الْجَوَاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ
وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي بَيَانِ اسْتِحْقَاقِ
الْخَالِقِ الْعِبَادَةَ لِانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ
وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يَعْبُدُ مَا لَا
يَخْلُقُ وَهُمْ يُخْلَقُونَ فَقَالَ أَتَعْبُدُونَ
مَنْ لَا يَخْلُقُ وَتَدَعُونَ عِبَادَةَ مَنْ
خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمُ الَّتِي
تَعْمَلُونَ وَلَوْ كَانُوا كَمَا زَعَمُوا لَمَا
قَامَتِ الْحُجَّةُ مِنْ نَفْسِ هَذَا الْكَلَامِ
لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُمْ خَالِقِينَ لِأَعْمَالِهِمْ
وَهُوَ خَالِقٌ لِلْأَجْنَاسِ لَشَرَكَهُمْ مَعَهُمْ
فِي الْخَلْقِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ إِفْكِهِمْ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالق كل
شَيْء فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ وَالْأَفْعَالُ
مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَقَالَ تَعَالَى أَمْ
جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ
فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ
خَالِقُ كل شَيْء فَنَفَى أَنْ يَكُونَ خَالِقُ
غَيْرَهُ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ سِوَاهُ غَيْرُ
مَخْلُوقٍ فَلَوْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ غَيْرَ
مَخْلُوقَةٍ لَهُ لَكَانَ خَالِقَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ
لَا خَالِقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِخِلَافِ الْآيَةِ
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَكْثَرُ مِنَ
الْأَعْيَانِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ
الْأَعْيَانَ وَالنَّاسُ خَالِقَ الْأَفْعَالَ لَكَانَ
مَخْلُوقَاتُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ
اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الله
تَعَالَى وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ وَقَالَ
مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي إِعْرَابِ الْقُرْآنِ
لَهُ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ مَا فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى وَمَا تَعْمَلُونَ مَوْصُولَةٌ فِرَارًا مِنْ
أَنْ يُقِرُّوا بِعُمُومِ الْخَلْقِ لِلَّهِ تَعَالَى
يُرِيدُونَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي
تُنْحَتُ مِنْهَا الْأَصْنَامُ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ
وَالْحَرَكَاتُ فَإِنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي
خَلْقِ اللَّهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا
بِذَلِكَ تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ خَلْقِ
الشَّرِّ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ
بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ إِبْلِيسَ وَهُوَ
الشَّرُّ كُلُّهُ وَقَالَ تَعَالَى قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خلق فَأَثْبَتَ
أَنَّهُ خَلَقَ الشَّرَّ وَأَطْبَقَ الْقُرَّاءُ
حَتَّى أَهْلُ الشُّذُوذِ عَلَى إِضَافَةِ شَرِّ إِلَى
مَا إِلَّا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَأْسَ
الِاعْتِزَالِ فَقَرَأَهَا بِتَنْوِينِ شَرٍّ
لِيُصَحِّحَ مَذْهَبَهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ
مَنْ قَبْلِهِ عَلَى قِرَاءَتِهَا بِالْإِضَافَةِ
قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلَّ
شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَا
مَصْدَرِيَّةً وَالْمَعْنَى خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ
(13/529)
عَمَلَكُمْ انْتَهَى وَقَوَّى صَاحِبُ
الْكَشَّافِ مَذْهَبَهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا
تَعْمَلُونَ تَرْجَمَةٌ عَنْ قَوْلِهِ قَبْلَهَا مَا
تنحتون وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا تَنْحِتُونَ
مَوْصُولَةٌ اتِّفَاقًا فَلَا يعدل مَا الَّتِي
بَعْدَهَا عَنْ أُخْتِهَا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ
ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ فَإِنْ قُلْتُ مَا
أَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً
وَالْمَعْنَى خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ كَمَا
تَقُولُ الْمُجْبِرَةُ يَعْنِي أَهْلَ السُّنَّةِ
قُلْتُ أَقْرَبُ مَا يَبْطُلُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى
الْآيَةِ يَأْبَاهُ إِبَاءً جَلِيًّا لِأَنَّ اللَّهَ
احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْعَابِدَ
وَالْمَعْبُودَ جَمِيعًا خَلْقُ اللَّهِ فَكَيْفَ
يُعْبَدُ الْمَخْلُوقُ مَعَ أَنَّ الْعَابِدَ هُوَ
الَّذِي عَمِلَ صُورَةَ الْمَعْبُودِ وَلَوْلَاهُ
لَمَا قَدَرَ أَنْ يُشَكِّلَ نَفْسَهُ فَلَوْ كَانَ
التَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ
قُلْتُ هِيَ مَوْصُولَةٌ لَكِنَّ التَّقْدِيرَ
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَهُ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ قُلْتُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ
يَكُنْ فِيهَا حجَّة على الْمُشْركين وَتعقبه بن
خَلِيلٍ السَّكُونِيُّ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ صَرْفٌ
لِلْآيَةِ عَن دلالتها الْحَقِيقَة إِلَى ضَرْبٍ مِنَ
التَّأْوِيلِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَلْ لِنُصْرَةِ
مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعِبَادَ يَخْلُقُونَ
أَكْسَابَهُمْ فَإِذَا حَمَلَهَا عَلَى الْأَصْنَامِ
لَمْ تَتَنَاوَلِ الْحَرَكَاتِ وَأَمَّا أَهْلُ
السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ
الْعَرَبِ وَأَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ
الْفِعْلَ الْوَارِدَ بَعْدَ مَا يُتَأَوَّلُ
بِالْمَصْدَرِ نَحْوَ أَعْجَبَنِي مَا صَنَعْتَ أَيْ
صُنْعُكَ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْآيَةِ خَلَقَكُمْ
وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ هِيَ
جَوَاهِرُ الْأَصْنَامِ اتِّفَاقًا فَمَعْنَى الْآيَةِ
عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ اللَّهُ خَالِقَ أَعْمَالَكُمُ
الَّتِي تَتَوَهَّمُ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّهُمْ
خَالِقُونَ لَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَالِقًا
لِمَا لَمْ يَدَّعِ فِيهِ أَحَدٌ الْخَلْقِيَّةَ
وَهِيَ الْأَصْنَامُ قَالَ وَمَدَارُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُقَدَّمَةٌ
عَلَى الْمَجَازِ وَلَا أَثَرَ لِلْمَرْجُوحِ مَعَ
الرَّاجِحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَشَبَ الَّتِي مِنْهَا
الْأَصْنَامُ وَالصُّوَرَ الَّتِي لِلْأَصْنَامِ
لَيْسَتْ بِعَمَلٍ لَنَا وَإِنَّمَا عَمَلُنَا مَا
أَقْدَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي
الْمَكْسُوبَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْعِبَادِ
وَعِقَابُهُمْ فَإِذَا قُلْتُ عَمِلَ النَّجَّارُ
السَّرِيرَ فَالْمَعْنَى عَمِلَ حَرَكَاتٍ فِي مَحَلٍّ
أَظْهَرَ اللَّهُ لَنَا عِنْدَهَا التَّشَكُّلَ فِي
السَّرِيرِ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى
الْحَقِيقَةِ وَهِيَ مَعْمُولُكُمْ وَأَمَّا مَا
يُطَالِبُ بِهِ الْمُعْتَزِلِيُّ مِنَ الرَّدِّ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْآيَةِ فَهُوَ مِنْ أَبْيَنِ
شَيْءٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ
خَلَقَنَا وَخَلَقَ أَعْمَالَنَا الَّتِي يَظْهَرُ
بِهَا التَّأْثِيرُ بَيْنَ أَشْكَالِ الْأَصْنَامِ
وَغَيْرِهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَالِقًا
لِلْمُتَأَثِّرِ الَّذِي لَمْ يَدَّعِ فِيهِ أَحَدٌ
لَا سُنِّيٌّ وَلَا مُعْتَزِلِيٌّ وَدَلَالَةُ
الْمُوَافَقَةِ أَقْوَى فِي لِسَانِ الْعَرَبِ
وَأَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ وَافَقَ
الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
فَلَا تَقُلْ لَهما أُفٍّ فَإِنَّهُ أَدَلُّ عَلَى
نَفْيِ الضَّرْبِ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ وَلَا
تَضْرِبْهُمَا وَقَالَ إِنَّهَا مِنْ نُكَتِ عِلْمِ
الْبَيَانِ ثُمَّ غَفَلَ عَنْهَا اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ
وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُ فَكَّ النَّظْمِ فَلَا يَلْزَمُ
مِنْهُ بُطْلَانُ الْحُجَّةِ لِأَنَّ فَكَّهُ لِمَا
هُوَ أَبْلَغُ سَائِغٌ بَلْ أَكْمَلُ لِمُرَاعَاةِ
الْبَلَاغَةِ ثُمَّ قَالَ وَلِمَ لَا تَكُونُ الْآيَةُ
مُخْبِرَةً عَنْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لِلْعَبْدِ فَهُوَ
خَلْقٌ لِلرَّبِّ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ مَعَ مُرَاعَاةِ النَّظْمِ وَمَنْ
قَيَّدَ الْآيَةَ بِعَمَلِ الْعَبْدِ دُونَ عَمَلٍ
فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَجَابَ الْبَيْضَاوِيُّ
بِأَنَّ دَعْوَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَبْلَغُ
لِأَنَّ فِعْلَهُمْ إِذَا كَانَ بِخَلْقِ اللَّهِ
تَعَالَى فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى فِعْلِهِمْ أَوْلَى
بِذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا
يَخْلُو مِنْ حَذْفٍ أَوْ مَجَازٍ وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ
ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ
وَتَكْمِلَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ تَقَرَّرَ عِنْدَ
عُلَمَاءِ الْبَيَانِ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَوْلَى مِنَ
التَّصْرِيحِ فَإِذَا نَفَى الْحُكْمَ الْعَامَّ
لِيَنْتَفِيَ الْخَاصُّ كَانَ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ
وَقَدْ سَلَكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ هَذَا بِعَيْنِهِ
فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَيفَ تكفرون
بِاللَّه الْآيَة وَقَالَ بن الْمُنِيرِ يَتَعَيَّنُ
حَمْلُ مَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ
يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ مِنْ حَيْثُ هِيَ حِجَارَةٌ
أَوْ خَشَبٌ عَارِيَةٌ عَنِ الصُّورَةِ بَلْ
عَبَدُوهَا لِأَشْكَالِهَا وَهِيَ أَثَرُ عَمَلِهِمْ
وَلَوْ عَمِلُوا نَفْسَ الْجَوَاهِرِ لَمَا طَابَقَ
تَوْبِيخَهُمْ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مِنْ صَنْعَةِ
الْعَابِدِ قَالَ وَالْمُخَالِفُونَ مُوَافِقُونَ
أَنَّ جَوَاهِرَ الْأَصْنَامِ لَيْسَتْ عَمَلًا لَهُمْ
فَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَوْهُ لَاحْتَاجَ إِلَى
حَذْفٍ أَيْ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
شَكْلَهُ وَصُورَتَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ
وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
بِمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ
فِي بَابِ قَوْلِهِ كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن عَنْ
حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ
صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُ مَنِ
ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا
تَعْمَلُونَ نَفْسُ الْعِيدَانِ وَالْمَعَادِنِ
الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْأَوْثَانُ بَاطِلٌ
لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَقُولُونَ إِنَّ
الْإِنْسَانَ يَعْمَلُ الْعُودَ أَوِ الْحَجَرَ بَلْ
يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِالصَّنْعَةِ فَيَقُولُونَ
عَمِلَ الْعُودُ صَنَمًا وَالْحَجَرُ وَثَنًا
فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ
وَخَلَقَ شَكْلَ الصَّنَمِ وَأَمَّا الَّذِي نَحَتَ
أَوْ صَاغَ فَإِنَّمَا هُوَ عَمَلُ النَّحْتِ
وَالصِّيَاغَةِ وَقَدْ صَرَّحَتِ الْآيَةُ بِذَلِكَ
وَالَّذِي عَمِلَهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّصْرِيحُ
بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ
وَقَالَ التُّونِسِيُّ فِي مُخْتَصَرِ تَفْسِيرِ
الْفَخْرِ الرَّازِيِّ احْتَجَّ
(13/530)
الْأَصْحَاب بِهَذِهِ الْآيَة على ان عمل
العَبْد مَخْلُوقٌ لِلَّهِ عَلَى إِعْرَابِ مَا
مَصْدَرِيَّةً وَأَجَابَ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّ
إِضَافَةَ الْعِبَادَةِ وَالنَّحْتِ لَهُمْ إِضَافَةُ
الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ وَلِأَنَّهُ وَبَّخَهُمْ وَلَوْ
لَمْ تَكُنِ الْأَفْعَالُ لِخَلْقِهِمْ لَمَا
وَبَّخَهُمْ قَالُوا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا
مَصْدَرِيَّةٌ لِأَنَّ الْأَخْفَشَ يَمْنَعُ
أَعْجَبَنِي مَا قُمْتَ أَيْ قِيَامَكَ وَقَالَ
إِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُتَعَدِّي سَلَّمْنَا جَوَازَهُ
لَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ مَا
مَفْعُولًا لِلنَّحَّاتِينَ وَلِمُوَافَقَةِ مَا
يَنْحِتُونَ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي مَحَلَّ
الْعَمَلِ عَمَلًا فَتَقُولُ فِي الْبَابِ هُوَ عَمَلُ
فُلَانٍ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ هُوَ تَزْيِيفُ
عِبَادَتِهِمْ لَا بَيَانَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِدُونَ
أَعْمَالَ أَنْفُسِهِمْ قَالَ وَهَذِهِ شُبْهَةٌ
قَوِيَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَدَلَّ بِهَذِهِ
الْآيَةِ لِهَذَا الْمُرَادِ كَذَا قَالَ وَجَرَى
عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيرَادِ شُبَهِ الْمُخَالِفِينَ
وَتَرْكِ بَذْلِ الْوُسْعِ فِي أَجْوِبَتِهَا وَقَدْ
أَجَابَ الشَّمْسُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ
وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ فَقَالَ
وَمَا تَعْمَلُونَ أَيْ عَمَلَكُمْ وَفِيهَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ
وَعَلَى أَنَّهَا مُكْتَسَبَةٌ لِلْعِبَادِ حَيْثُ
أَثْبَتَ لَهُمْ عَمَلًا فَأَبْطَلَتْ مَذْهَبَ
الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ مَعًا وَقَدْ رَجَّحَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَهَا مَصْدَرِيَّةً
لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ إِلَّا
لِعَمَلِهِمْ لَا لِجُرْمِ الصَّنَمِ وَإِلَّا
لَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا قَبْلَ الْعَمَلِ
فَكَأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعَمَلَ فَأَنْكَرَ
عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ الَّذِي لَمْ
يَنْفَكَّ عَنِ الْعَمَلِ الْمَخْلُوقِ وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي
الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا
مَوْصُولَةٌ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهَا
لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَالله
خَلقكُم يَدْخُلُ فِيهِ ذَاتُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ
وَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ إِنْ كَانَ
الْمُرَادُ خَلْقَهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ لَزِمَ
أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَهُوَ
بَاطِلٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ خَلْقُهُ لَهَا
قَبْلَ النَّحْتِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّ اللَّهَ
خَلَقَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ
فَثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ
فِعْلِهِمْ فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ
تَعَالَى خَلَقَ أَفْعَالَهُمُ الْقَائِمَةَ بِهِمْ
وَخَلَقَ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا وَوَافَقَ عَلَى
تَرْجِيحِ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ
عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ فَنَاسَبَ أَنْ يُنْكِرَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْحُوتِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ
فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ خَالِقُ الْعَابِدَ
وَالْمَعْبُودَ وَتَقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ
أَعْمَالَكُمْ يَعْنِي إِذَا أُعْرِبَتْ مَصْدَرِيَّةً
لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ
عِبَادَتِهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وَقَدِ ارْتَضَى الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ
التَّفْتَازَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ وَأَوْضَحَهَا
وَنَقَّحَهَا فَقَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لَهُ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّةَ
الْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهَا اسْتِدْلَالُ أَهْلِ
السُّنَّةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا مَعْنَاهُ
وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ عَلَى إِعْرَابِ مَا
مَصْدَرِيَّةً وَرَجَّحُوا ذَلِكَ لِعَدَمِ
احْتِيَاجِهِ إِلَى حَذْفِ الضَّمِيرِ قَالَ فَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَخَلَقَ مَعْمُولَكُمْ عَلَى
إِعْرَابِهَا مَوْصُولَةً وَيَشْمَلُ أَعْمَالَ
الْعِبَادِ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا
مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ لَمْ يُرِدْ
بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي هُوَ
الْإِيجَادُ بَلِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي
هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَادِ وَهُوَ مَا يُشَاهِدُهُ
مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَلِلذُّهُولِ
عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ
أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى
كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
تَكْمِلَةٌ جَوَّزَ مَنْ صَنَّفَ فِي إِعْرَابِ
الْقُرْآنِ فِي إِعْرَابِ مَا تَعْمَلُونَ زِيَادَةً
عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالُوا وَاللَّفْظُ
لِلْمُنْتَخَبِ فِي مَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا ان تكون
مَصْدَرِيَّة مَنْصُوبَة الْمحل عطف عَلَى الْكَافِ
وَالْمِيمِ فِي خَلَقَكُمْ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ
مَوْصُولَةً فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْضًا عَطْفًا
عَلَى الْمَذْكُورِ آنِفًا وَالتَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ
وَالَّذِي تَعْمَلُونَ أَيْ تَعْمَلُونَ مِنْهُ
الْأَصْنَامَ يَعْنِي الْخَشَبَ وَالْحِجَارَةَ
وَغَيْرَهَا الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ
اسْتِفْهَامِيَّةً مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ
تَعْمَلُونَ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَحْقِيرًا
لِعَمَلِهِمْ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً
مَوْصُوفَةً وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَوْصُولَةِ
الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً عَلَى مَعْنَى
وَمَا تَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ
خَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ فَامْتَدَحَ بِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ وَبِأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فَكَمَا لَا
يَخْرُجُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ وَكَذَا لَا يَخْرُجُ
عَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ وَقَالَ تَعَالَى وأسروا
قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ فَأَخْبَرَ
أَنَّ قَوْلَهُمْ سِرًّا وَجَهْرًا خَلْقُهُ
(13/531)
لِأَنَّهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ
وَقَالَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْت والحياة وَقَالَ
وانه هُوَ أمات وَأَحْيَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ
الْمُحْيِي الْمُمِيتُ وَأَنَّهُ خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا
خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ
وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا وَقَالَ تَعَالَى وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
وَقَالَ تَعَالَى أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ
نَحْنُ الزَّارِعُونَ فَسَلَبَ عَنْهُمْ هَذِهِ
الْأَفْعَالَ وَأَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ
بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهَا حَتَّى
صَارَتْ مَوْجُودَةً بَعْدَ الْعَدَمِ هُوَ خَلْقُهُ
وَأَنَّ الَّذِي يَقَعُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ
مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ
أَحْدَثَهَا عَلَى مَا أَرَادَ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى خَلْقٌ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ بِقُدْرَتِهِ
الْقَدِيمَةِ وَمِنَ الْعِبَادِ كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى
تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ
الَّتِي هِيَ كَسْبُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ
الْأَفْعَالِ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ
مُكْتَسِبِهَا أَحْيَانًا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ
عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ ثُمَّ
سَاقَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ ثُمَّ
قَالَ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ
الِافْتِتَاحِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالشَّرُّ
لَيْسَ إِلَيْكَ فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّضْرُ
بْنُ شُمَيْلٍ وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ
إِلَيْكَ وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْشَدُ إِلَى
اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ
الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي
نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُهْدَى مَنْ هَدَيْتَ
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَهْدِي مَنْ شَاءَ كَمَا وَقَعَ
التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِي فِي الْأَحْكَامِ الَّذِي فِي
أَوَّلِهِ أَنَّ كُلَّ وَالٍ لَهُ بِطَانَتَانِ
وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ يَعْصِمُ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَقَالَ
غَيْرُهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَصْلُحَ قُدْرَةَ
الْعِبَادِ لِلْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى
الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ
بِالِاخْتِرَاعِ وَثُبُوتُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى قَطْعِيٌّ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْإِبْرَازِ
مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ تَتَوَجَّهُ إِلَى
تَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَحَالَ تَوْجِيهِهَا
لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ
يَحْصُلَ الْعَدَمُ شَيْئًا فَقُدْرَتُهُ ثَابِتَةٌ
وَقُدْرَةُ الْمَخْلُوقِينَ عَرَضٌ لَا بَقَاءَ لَهُ
فَيَسْتَحِيلُ تَقَدُّمُهَا وَقَدْ تَوَارَدَتِ
النُّقُولُ السَّمْعِيَّةُ وَالْقُرْآنُ
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِانْفِرَادِ الرَّبِّ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاخْتِرَاعِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ فأروني
مَاذَا خلق الَّذين من دونه وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْكُمُ فِي خَلْقِهِ بِمَا
يَشَاءُ وَلَا تَتَوَقَّفُ أَحْكَامُهُ فِي
ثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا
خَالِقِينَ لِأَفْعَالِهِمْ أَنَّهُ نَصَبَ الثَّوَابَ
وَالْعِقَابَ عَلَى مَا يَقَعُ مُبَايِنًا لِمَحَالِّ
قُدْرَتِهِمْ وَأَمَّا اكْتِسَابُ الْعِبَادِ فَلَا
يَقَعُ إِلَّا فِي مَحَلِّ الْكَسْبِ وَمِثَالُ ذَلِكَ
السَّهْمُ الَّذِي يَرْمِيهِ الْعَبْدُ لَا تَصَرُّفُ
لَهُ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ لَا تَصَرُّفُ لَهُ
فِيهِ بِالْوَضْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّ إِرَادَةَ
اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَتَعَلَّقُ بِمَا لَا
نِهَايَةَ لَهُ عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ وَعَدَمِ
التَّعَذُّرِ وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ
بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهَا إِرَادَةً وَكَذَلِكَ
عِلْمُهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ
التَّفْصِيلِ وَعِلْمُ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّقُ
بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهِ عِلْمًا فَصْلٌ احْتَجَّ
بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الله
خَالق كل شَيْء عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ
لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ
حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ
الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ صِفَتُهُ فَكَمَا
أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ
كُلِّ شَيْءٍ اتِّفَاقًا فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ
وَنَظِيرُ ذَلِك قَوْله تَعَالَى ويحذركم الله نَفسه
مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ نَفْسُ اللَّهِ فِي
هَذَا الْعُمُومِ اتِّفَاقًا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ
الْقُرْآنُ قَوْلُهُ وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ
أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ
الْمَحْفُوظُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَقُولُ أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَوِ الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ
لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ فِي الْبَابِ
وَيُقَالُ لَهُمْ فَأَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ مَرْجِعَ
الضَّمِيرِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى
نِسْبَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ فِي آخِرِ الْبَابِ
قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض إِلَى تبَارك الله رب
الْعَالمين سَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ
كُلَّهَا وَالْمُنَاسِبُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر
فَيَصِحُّ بِهِ قَوْلُ اللَّهِ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
وَلذَلِك عقبه بقوله قَالَ بن عُيَيْنَةَ بَيَّنَ
اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَهَذَا الْأَثر وَصله بن
أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى
الْجَهْمِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ بَشَّارِ بْنِ مُوسَى
قَالَ كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
(13/532)
فَقَالَ الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر
فَالْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقَاتُ وَالْأَمْرُ هُوَ
الْكَلَامُ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ نُعَيْمٍ
سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَسُئِلَ عَنِ
الْقُرْآنِ أَمَخْلُوقٌ هُوَ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أَلَا
تَرَى كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ
فَالْأَمْرُ كَلَامُهُ فَلَوْ كَانَ كَلَامُهُ
مَخْلُوقًا لَمْ يفرق قلت وَسبق بن عُيَيْنَةَ إِلَى
ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَتَبِعَهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ
السَّلَامِ بن عَاصِم وَطَائِفَة أخرج كل ذَلِك بن
أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمْ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي
كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَلَقَ اللَّهُ
الْخَلْقَ بِأَمْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّهِ
الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعد وَلِقَوْلِهِ
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ
نَقُولَ لَهُ كن فَيكون وَلِقَوْلِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ تَقُومَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بأَمْره قَالَ
وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ
كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ
مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ
لَهُمْ بِإِحْسَانٍ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُمُ الَّذِينَ
أَدَّوْا إِلَيْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَرْنًا
بَعْدَ قَرْنٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلَى زَمَانِ
مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَحَمَّادٍ وَفُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَدْرَكْنَا
مِنْ عُلَمَاءِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ
وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ وَقَالَ عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي
مُنَاظَرَتِهِ لِبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ بَعْدَ أَنْ
تَلَا الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ أَخْبَرَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنِ الْخَلْقِ أَنَّهُ مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ
فَالْأَمْرُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْخَلْقُ مُسَخَّرًا
بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا وَقَالَ
تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا
أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَأَخْبَرَ
أَنَّ الْأَمْرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الشَّيْءِ
الْمُكَوَّنِ وَقَالَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ
وَمِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْخَلْقِ
وَمِنْ بَعْدِ خَلْقِهِمْ وَمَوْتِهِمْ بَدَأَهُمْ
بِأَمْرِهِ وَيُعِيدُهُمْ بِأَمْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ
لَفْظُ الْأَمْرِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ
وَمِنْهَا الْحُكْمُ وَمِنْهَا الْحَالُ وَالشَّأْنُ
وَمِنْهَا الْمَأْمُورُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمر رَبك
أَيْ مَأْمُورُهُ وَهُوَ إِهْلَاكُهُمْ وَاسْتِعْمَالُ
الْمَأْمُورِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاسْتِعْمَالِ
الْمَخْلُوقِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ وَقَالَ الرَّاغِبُ
الْأَمْرُ لَفْظٌ عَامٌّ لِلْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ
كُلِّهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى واليه يرجع الْأَمر
كُله وَيُقَالُ لِلْإِبْدَاعِ أَمْرٌ نَحْوَ قَوْلِهِ
تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَعَلَى ذَلِكَ
حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي أَيْ هُوَ مِنْ إِبْدَاعِهِ
وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّهِ تَعَالَى دون الْخَلَائق
وَقَوله انما أمرنَا لشَيْء إِذا أردناه إِشَارَةٌ
إِلَى إِبْدَاعِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَقْصَرِ لَفْظٍ
وَأَبْلَغُ مَا نَتَقَدَّمَ بِهِ فِيمَا بَيْنَنَا
بِفِعْلِ الشَّيْء وَمِنْه وَمَا أمرنَا الا وَاحِدَة
فَعَبَّرَ عَنْ سُرْعَةِ إِيجَادِهِ بِأَسْرَعِ مَا
يُدْرِكُهُ وَهْمُنَا وَالْأَمْرُ التَّقَدُّمُ
بِالشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِقَوْلِ افْعَلْ
أَوْ لِتَفْعَلْ أَوْ بِلَفْظِ خَبَرٍ نَحْو والمطلقات
يَتَرَبَّصْنَ أَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
كَتَسْمِيَتِهِ مَا رأى إِبْرَاهِيم أمرا حَيْثُ قَالَ
ابْنه يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر واما قَوْله وَمَا
أَمر فِرْعَوْن برشيد فَعَامٌّ فِي أَقْوَالِهِ
وَأَفْعَالِهِ وَقَوْلُهُ أَتَى أَمْرُ الله إِشَارَةٌ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَهُ بِأَعَمِّ
الْأَلْفَاظِ وَقَوله بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا
أَيْ مَا تَأْمُرُ بِهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ
انْتَهَى وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لَا
سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرِ فِي آيَةِ الْبَابِ
بِالْإِبْدَاعِ وَالْمَعْرُوف فِيهِ مَا نقل عَن بن
عُيَيْنَةَ وَعَلَى مَا قَالَ الرَّاغِبُ يَكُونُ
الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى
الْعَامِّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ
الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ بَعْدَ الْخَلْقِ تَصْرِيفُ
الْأُمُورِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ
فِي الْآيَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَبِالْأَمْرِ
الْآخِرَةُ وَمَا فِيهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَتَى
أَمْرُ اللَّهِ قَوْلُهُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَلًا
تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَنْ قَالَ
الْإِيمَانُ هُوَ الْعَمَلُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ
أَوَّلَ الْجَامِعِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ
إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُ مَنْ وَصَلَهُمَا
وَشَوَاهِدُهُمَا فِي بَابِ قُلْ فَأْتُوا
بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا قَبْلَ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ
وَقَالَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ أَيْ مِنَ
الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ
(13/533)
فَسَمَّى الْإِيمَانَ عَمَلًا حَيْثُ
أَدْخَلَهُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ قَوْلُهُ
وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَى أَنْ قَالَ
فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلًا سَيَأْتِي ذَلِكَ
مَوْصُولًا بَعْدَ حَدِيثٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ
خَمْسَةَ أَحَادِيثَ مُسْنَدَةً الْأَوَّلُ حَدِيثُ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي قِصَّةِ الَّذِينَ
طَلَبُوا الْحُمْلَانَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُهُ فِي كتاب الْإِيمَان وَعبد الْوَهَّاب فِي
السَّنَد هُوَ بن عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ
وَلَيْسَ هُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْوَهَّابِ الْعَبْدَرِيِّ الْحَجَبِيِّ الرَّاوِي
عَنهُ هُنَا وَالقَاسِم التَّمِيمِي هُوَ بن عَاصِم
وزهدم هُوَ بن مُضَرَّبٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ
وَقَوْلُهُ
[7555] يَأْكُلُ فَقَذِرْتُهُ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ
يَأْكُلُ شَيْئًا وَقَوْلُهُ فَحَلَفْتُ لَا آكُلُهُ
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ لَا آكُلَهُ
وَقَوْلُهُ فَلَأُحَدِّثُكَ وَقَعَ لِغَيْرِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ فَلَأُحَدِّثَنَّكَ بِالنُّونِ
الْمُؤَكَّدَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ نِسْبَةُ
الْحَمْلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ
الَّذِي بَاشَرَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ قَرِيبًا الْحَدِيثُ
الثَّانِي حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ
[7556] قَوْلُهُ أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ
مَخْلَدٍ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالنَّبِيلِ
بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَزْنُ عَظِيمِ وَهُوَ مِنْ
شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَ عَنْهُ بِغَيْرِ
وَاسِطَةٍ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ وَهُنَا
بِوَاسِطَةٍ وَكَذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ
عِيَاضٌ سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ
الْمَرْوَزِيِّ وَثَبَتَ لِغَيْرِهِ وَأَلْحَقَهُ
عَبْدُوسٌ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي عَنِ
الْمَرْوَزِيِّ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ
أَنَّ أَبَا زَيْدٍ قَالَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ أَظُنُّ
بَيْنَهُمَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ
وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ وَلَكِنَّهُ يَقِينٌ وَبِهِ
يَتَّصِلُ الْإِسْنَادُ قَوْلُهُ قُلْتُ لِابْنِ
عَبَّاسٍ فَقَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ
كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ مَقُولَ
قُلْتُ وَبَيَّنَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو
الْعَقَدِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ عَنْ
قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ
حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ
عَبَّاسٍ إِنَّ لِي جَرَّةً أَنْتَبِذُ فِيهَا
فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا لَوْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ
فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ لَخَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ
فَقَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَدْ
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرِيقَ أَبِي عَامِرٍ لَكِنْ لَمْ
يَسُقْ لَفْظَهُ وَلَمْ يَقِفِ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى
هَذَا فَقَالَ التَّقْدِيرُ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ
حَدِّثْنَا إِمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا عَنْ قِصَّةِ
وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ فَجَعَلَ مَقُولَ قُلْتُ
طَلَبَ التَّحْدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا
الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمَا
يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْأَشْرِبَةِ فِي كِتَابِ
الْأَشْرِبَةِ وَتَقَدَّمَ جَوَابُ الْإِشْكَالِ عَنْ
تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ
مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ وَعَنِ الْحِكْمَةِ فِي
قَوْلِهِ وَأَنْ تَعْطُوا الْخُمُسَ وَلَمْ يَقُلْ
وَإِعْطَاءُ الْخُمُسِ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ
وَعَنْ سُقُوطِ ذِكْرِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ مَعَ كَوْنِهِ ثَابِتًا فِي غَيْرِهَا
وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ ذِكْرُ الْحَجِّ
فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالرَّابِع وَالْخَامِس عَن
عَائِشَة وبن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذِكْرِ
الْمُصَوِّرِينَ وَالْأَوَّلُ من رِوَايَة اللَّيْث
عَن نَافِع عَنْ عَائِشَةَ وَالثَّانِي مِنْ رِوَايَةِ
أَيُّوبَ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ وَلَفْظُهُمَا
وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيث عَائِشَة
وَيُقَال لَهُم وَفِي حَدِيث بن عمر يُقَال لَهُم
بِدُونِ وَاو وَمُحَمّد بْنُ الْعَلَاءِ فِي أَوَّلِ
سَنَدِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ
وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ وبن فُضَيْل هُوَ
مُحَمَّد وَعمارَة هُوَ بن الْقَعْقَاعِ بْنِ
شُبْرُمَةَ وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَارَةَ وَفِيهِ قِصَّةٌ لِأَبِي
هُرَيْرَةَ وَمَضَى شَرْحُهُ هُنَاكَ وَقَوْلُهُ
[7559] وَمَنْ ذَهَبَ أَيْ قَصَدَ وَقَوْلُهُ يَخْلُقُ
كَخَلْقِي نَسَبَ الْخَلْقَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ
الِاسْتِهْزَاءِ أَوِ التَّشْبِيهِ فِي الصُّورَةِ
فَقَطْ وَقَوْلُهُ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ
شَعِيرَةً أَمْرٌ بِمَعْنَى التَّعْجِيزِ وَهُوَ عَلَى
سَبِيلِ التَّرَقِّي فِي الْحَقَارَةِ أَوِ
التَّنَزُّلِ فِي الْإِلْزَامِ وَالْمُرَادُ
بِالذَّرَّةِ إِنْ كَانَ النَّمْلَةُ فَهُوَ مِنْ
تَعْذِيبِهِمْ وَتَعْجِيزِهِمْ بِخَلْقِ الْحَيَوَانِ
تَارَةً وَبِخَلْقِ الْجَمَادِ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ
بِمَعْنَى الْهَبَاءِ فَهُوَ بِخَلْقِ مَا لَيْسَ لَهُ
جِرْمٌ مَحْسُوسٌ تَارَةً وبماله جِرْمٌ أُخْرَى
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوْ شَكًّا من الرَّاوِي
(13/534)
قَالَ بن بَطَّالٍ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ وَغَيْرِهِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا
خَلَقْتُمْ إِنَّمَا نَسَبَ خَلْقَهَا إِلَيْهِمْ
تَقْرِيعًا لَهُمْ بِمُضَاهَاتِهِمُ اللَّهَ تَعَالَى
فِي خَلْقِهِ فَبَكَّتَهُمْ بِأَنْ قَالَ إِذَا
شَابَهْتُمْ بِمَا صَوَّرْتُمْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى فَأَحْيُوهَا كَمَا أَحْيَا هُوَ من خَلَقَ
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ أَسْنَدَ الْخَلْقَ
إِلَيْهِمْ صَرِيحًا وَهُوَ خِلَافُ التَّرْجَمَةِ
لَكِنَّ الْمُرَادَ كَسْبُهُمْ فَأَطْلَقَ لَفْظَ
الْخَلْقِ عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاءً أَوْ ضَمَّنَ
خَلَقْتُمْ مَعْنَى صَوَّرْتُمْ تَشْبِيهًا
بِالْخَلْقِ أَوْ أَطْلَقَ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمْ
فِيهِ قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُنَاسَبَةَ
ذِكْرِ حَدِيثِ الْمُصَوِّرِينَ لِتَرْجَمَةِ هَذَا
الْبَابِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ
يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ لَوْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ
لَمَا وَقَعَ الْإِنْكَارُ عَلَى هَؤُلَاءِ
الْمُصَوِّرِينَ فَلَمَّا كَانَ أَمْرُهُمْ بِنَفْخِ
الرُّوحِ فِيمَا صَوَّرُوهُ أَمْرَ تَعْجِيزٍ
وَنِسْبَةُ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ إِنَّمَا هِيَ عَلَى
سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ دَلَّ عَلَى
فَسَادِ قَوْلِ مَنْ نَسَبَ خَلْقَ فِعْلِهِ إِلَيْهِ
اسْتِقْلَالًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَنْسُوبٌ إِلَى
الْعَبْدِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَسْبِ اعْتِبَارُ
الْجِهَتَيْنِ فَيُسْتَفَادُ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا
وَلَعَلَّ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي تَكْثِيرِ هَذَا
النَّوْعِ فِي الْبَابِ وَغَيْرِهِ بَيَانُ جَوَازِ
مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ
مَخْلُوقٌ إِنْ صَحَّ عَنْهُ قُلْتُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ
أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ فَقَالَ
كُلُّ مَنْ نَقَلَ عَنِّي أَنِّي قُلْتُ لَفْظِي
بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ
وَإِنَّمَا قُلْتُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ
أَخْرَجَ ذَلِكَ غُنْجَارٌ فِي تَرْجَمَةِ
الْبُخَارِيِّ من تَارِيخ بخارا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ
الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ سَمِعَ الْبُخَارِيَّ
يَقُولُ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَرَ
وَأَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ
الْخَفَّافِ أَنَّهُ سَمِعَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ
ذَلِكَ
(13/535)
(قَوْلُهُ بَابُ قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ
وَالْمُنَافِقِ وَتِلَاوَتُهُمْ لَا تُجَاوِزُ
حَنَاجِرَهُمْ)
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ بِالْفَاجِرِ
الْمُنَافِقُ بِقَرِينَةٍ جَعَلَهُ قَسِيمًا
لِلْمُؤْمِنِ فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي الْأَوَّلَ
وَمُقَابِلًا لَهُ فَعَطْفُ الْمُنَافِقِ عَلَيْهِ فِي
التَّرْجَمَةِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ
قَالَ وَقَوْلُهُ وَتِلَاوَتُهُمْ مُبْتَدَأٌ
وَخَبَرُهُ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَإِنَّمَا
جَمَعَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ لَفْظِ
الْحَدِيثِ قَالَ وَزِيدَ فِي بَعْضِهَا
وَأَصْوَاتُهُمْ قُلْتُ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ
مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قِرَاءَةُ
الْفَاجِرِ أَوِ الْمُنَافِقِ بِالشَّكِّ وَهُوَ
يُؤَيِّدُ تَأْوِيلَ الْكِرْمَانِيِّ وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ لِلتَّنْوِيعِ وَالْفَاجِرُ أَعَمُّ مِنَ
الْمُنَافِقِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى
الْعَامِّ وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَهُوَ
الْأَشْعَرِيُّ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالسَّنَدُ
كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ
ظَاهِرَةٌ وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا مِنَ
الْأَبْوَابِ أَنَّ التِّلَاوَةَ مُتَفَاوِتَةٌ
بِتَفَاوُتِ التَّالِي فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ
عَمَلِهِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَى هَذَا الْبَابِ
أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ لَا
تَرْتَفِعُ إِلَى اللَّهِ وَلَا تَزْكُو عِنْدَهُ
وَإِنَّمَا يَزْكُو عِنْدَهُ مَا أُرِيدَ بِهِ
وَجْهُهُ وَكَانَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ
وَشَبَّهَهُ بِالرَّيْحَانَةِ حِينَ لَمْ يَنْتَفِعْ
بِبَرَكَةِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَفُزْ بِحَلَاوَةِ
أَجْرِهِ فَلَمْ يُجَاوِزِ الطِّيبُ مَوْضِعَ
الصَّوْتِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَلَا اتَّصَلَ
بِالْقَلْبِ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَمْرُقُونَ
مِنَ الدِّينِ الْحَدِيثُ الثَّانِي
[7561] قَوْله عَليّ هُوَ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ
وَهِشَام هُوَ بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ وَيُونُس فِي
السَّنَد الثَّانِي هُوَ بن يزِيد وبن شِهَابٍ فِيهِ
هُوَ الزُّهْرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ طَرِيقُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمَدِينِيِّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ فِي
بَابِ الْكِهَانَةِ وَنَسَبَهُ فِيهَا وَنَسَبَ
شَيْخَهُ كَمَا ذَكَرْتُ وَسَاقَ الْمَتْنَ عَلَى
لَفْظِهِ هُنَاكَ وَوَقَعَ عِنْدَهُ أَخْبَرَنِي
يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ
سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ سَأَلَ
أُنَاسٌ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ نَاسٌ وَهُمَا
بِمَعْنًى وَقَوْلُهُ هُنَا يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ
يَكُونُ حَقًّا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ إِنَّهُمْ
يُحَدِّثُونَنَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا
قَوْلُهُ يَخْطَفُهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
يَحْفَظُهَا بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَظَاءٍ مُشَالَةٍ
وَالْفَاءُ قَبْلَهَا مِنَ الْحِفْظِ قَوْلُهُ
فَيُقَرْقِرُهَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَيُقِرُّهَا
بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَوْلُهُ كَقَرْقَرَةِ
الدَّجَاجَةِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي
الزُّجَاجَةِ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ
مُسْتَوْفًى فِي الْبَاب الْمَذْكُور ومناسبته
للتَّرْجَمَة تعرض لَهُ بن بَطَّالٍ وَلَخَصَّهُ
الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ لِمُشَابَهَةِ الْكَاهِنِ
بِالْمُنَافِقِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ
بِالْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ لِغَلَبَةِ الْكَذِبِ
عَلَيْهِ وَلِفَسَادِ حَالِهِ كَمَا أَنَّ
الْمُنَافِقَ لَا يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَتِهِ لِفَسَادِ
عَقِيدَتِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ مُرَادِ
الْبُخَارِيِّ أَنَّ تَلَفُّظَ الْمُنَافِقِ
بِالْقُرْآنِ كَمَا يَتَلَفَّظُ بِهِ الْمُؤْمِنُ
فَتَخْتَلِفُ تِلَاوَتُهُمَا وَالْمَتْلُوُّ وَاحِدٌ
فَلَوْ كَانَ الْمَتْلُوُّ عَيْنَ التِّلَاوَةِ لَمْ
يَقَعْ فِيهِ تَخَالُفٌ وَكَذَلِكَ الْكَاهِنُ فِي
تَلَفُّظِهِ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الْوَحْيِ الَّتِي
يُخْبِرُهُ بِهَا الْجِنِّيُّ مِمَّا يَخْتَطِفُهُ
مِنَ الْمَلَكِ تَلَفُّظُهُ بِهَا وَتَلَفُّظُ
الْجِنِّيِّ مُغَايِرٌ لِتَلَفُّظِ الْمَلَكِ
فَتَفَاوَتَا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ
[7562] قَوْلُهُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ هُوَ
أَخُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالسَّنَدُ
كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا الصَّحَابِيَّ وَقَدْ
دَخَلَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ
قِبَلِ الْمَشْرِقِ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ
أَنَّهُمْ الْخَوَارِجُ وَبَيَانُ مَبْدَأِ أَمْرِهِمْ
وَمَا وَرَدَ فِيهِمْ وَكَانَ ابْتِدَاءُ خُرُوجِهِمْ
فِي الْعِرَاقِ وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قَوْلُهُ
لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ
الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي
بَيْنَ نَقْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ وَذَكَرَهُ
فِي التَّرْجَمَةِ بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ جَمْعُ
حَنْجَرَةٍ وَهِيَ الْحُلْقُومُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ
الْحُلْقُومِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَدْ
رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن
(13/536)
بْنُ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ
قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ قِيلَ
مَا سِيمَاهُمْ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ
التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ عَلَامَتُهُمْ وَالسَّائِلُ
عَنْ ذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ قَوْلُهُ
التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ التَّسْبِيدُ شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ
بِمَعْنَى التَّحْلِيقِ وَقِيلَ أَبْلَغُ مِنْهُ
وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِئْصَالِ وَقِيلَ إِنْ نَبَتَ
بَعْدَ أَيَّامٍ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ دَهْنِ الشَّعْرِ
وَغَسْلُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِيهِ إِشْكَالٌ
وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعَلَامَةِ
وُجُودُ ذِي الْعَلَامَةِ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ
مَنْ كَانَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَهُوَ مِنَ
الْخَوَارِجِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا
ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا لَا
يَحْلِقُونَ رؤوسهم إِلَّا لِلنُّسُكِ أَوْ فِي
الْحَاجَةِ وَالْخَوَارِجُ اتَّخَذُوهُ دَيْدَنًا
فَصَارَ شِعَارًا لَهُمْ وَعُرِفُوا بِهِ قَالَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَلْقُ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ وَجَمِيعُ شُعُورِهِمْ وَأَنْ يُرَادَ
بِهِ الْإِفْرَاطُ فِي الْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي
الْمُخَالَفَةِ فِي أَمْرِ الدِّيَانَةِ قُلْتُ
الْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنَ
الْخَوَارِجِ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ طُرُقَ
الْحَدِيثِ الْمُتَكَاثِرَةِ كَالصَّرِيحَةِ فِي
إِرَادَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي
وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِابْنِ بَطَّالٍ
فِي وَصْفِ الْخَوَارِجِ خَبْطٌ أَرَدْتُ التَّنْبِيهَ
عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ
قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي
قَوْمٍ عَرَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا
بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ
وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ
حِينَ قَالُوا إِنَّكَ رَبُّنَا فَاغْتَاظَ عَلَيْهِمْ
وَأَمَرَ بِهِمْ فَحُرِّقُوا بِالنَّارِ فَزَادَهُمْ
ذَلِكَ فِتْنَةً وَقَالُوا الْآنَ تَيَقَّنَّا أَنَّكَ
رَبُّنَا إِذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا
اللَّهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ
الْقِصَّةُ لِعَلِيٍّ فِي الْفِتَنِ وَلَيْسَتْ
لِلْخَوَارِجِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلزَّنَادِقَةِ كَمَا
وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَوَقَعَ
فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلرَّافِعِيِّ عِنْدَ ذِكْرِ
الْخَوَارِجِ قَالَ هُمْ فِرْقَةٌ مِنَ
الْمُبْتَدِعَةِ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ حَيْثُ
اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ
وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ
لِرِضَاهُ بِقَتْلِهِ وَمُوَاطَأَتِهِ إِيَّاهُمْ
وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ
كَفَرَ وَاسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ
وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ انْتَهَى
وَلَيْسَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ وَصْفَ
الْخَوَارِجِ الْمُبْتَدِعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفُ
النَّوَاصِبِ أَتْبَاعِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمِنْ مُعْتَقَدِهِمْ
تَكْفِيرُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ وَلَمْ
يَزَالُوا مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيمُ
بِصِفِّينَ فَأَنْكَرُوا التَّحْكِيمَ وَخَرَجُوا
عَلَى عَلِيٍّ وَكَفَّرُوهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْقَوْلُ فِيهِمْ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ لِأَكْثَرِهِمْ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَالْمَوَازِينُ جَمْعُ مِيزَانٍ
وَأَصْلُهُ مِوْزَانٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً
لِكِسْرَةِ مَا قَبْلَهَا وَاخْتُلِفَ فِي ذِكْرِهِ
هُنَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ هَلِ الْمُرَادُ أَنَّ
لِكُلِّ شَخْصٍ مِيزَانًا أَوْ لِكُلِّ عَمَلٍ
مِيزَانٌ فَيَكُونُ الْجَمْعُ حَقِيقَةً أَوْ لَيْسَ
هُنَاكَ إِلَّا مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَالْجَمْعُ
بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ أَوِ
الْأَشْخَاصِ وَيَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ
قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ خفت مَوَازِينه وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ
(13/537)
لِلتَّفْخِيمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
كَذَّبَتْ قَوْمُ نوح الْمُرْسلين مَعَ أَنَّهُ لَمْ
يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا وَاحِدٌ وَالَّذِي
يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَلَا يُشْكِلُ
بِكَثْرَةِ مَنْ يُوزَنُ عَمَلُهُ لِأَنَّ أَحْوَالَ
الْقِيَامَةِ لَا تُكَيَّفُ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا
وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ وَهُوَ نَعْتُ الْمَوَازِينِ
وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا وَهِيَ جَمْعٌ لِأَنَّهُ
مَصْدَرٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْقِسْطُ الْعَدْلُ
وَجُعِلَ وَهُوَ مُفْرَدٌ مِنْ نَعْتِ الْمَوَازِينِ
وَهِيَ جَمْعٌ لِأَنَّهُ كَقَوْلِكَ عَدْلٌ وَرِضًا
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْمَعْنَى
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ذَوَاتَ الْقِسْطِ وَالْقِسْطُ
الْعَدْلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ يُقَالُ
مِيزَانُ قِسْطٍ وَمِيزَانَانِ قِسْطٍ وَمَوَازِينُ
قِسْطٍ وَقِيلَ هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ
لِأَجْلِ الْقِسْطِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ لِلتَّعْلِيلِ مَعَ حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ
لِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنى
فِي كَذَا جزم بِهِ بن قُتَيْبَة وَاخْتَارَهُ بن
مَالِكٍ وَقِيلَ لِلتَّوْقِيتِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ
تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ
أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامِ سَابِعٌ وَحَكَى حَنْبَلُ
بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ رَدًّا عَلَى مَنْ
أَنْكَرَ الْمِيزَانَ مَا مَعْنَاهُ قَالَ الله
تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة
وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ
رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَوْلُهُ وَإِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ
يُوزَنُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْقَابِسِيِّ
وَطَائِفَةٍ وَأَقْوَالَهُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ
وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَعْمَالِ وَظَاهِرُهُ
التَّعْمِيمُ لَكِنْ خَصَّ مِنْهُ طَائِفَتَانِ فَمِنَ
الْكُفَّارِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ إِلَّا الْكُفْرَ
وَلَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي
النَّارِ مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَلَا مِيزَانٍ وَمِنَ
الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا سَيِّئَةَ لَهُ وَلَهُ
حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَحْضِ
الْإِيمَانِ فَهَذَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ
حِسَابٍ كَمَا فِي قِصَّةِ السَّبْعِينَ أَلْفًا
وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِمْ وَهُمُ
الَّذِينَ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ
الْخَاطِفِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ
وَمَنْ عَدَا هَذَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ
وَالْمُؤْمِنِينَ يُحَاسَبُونَ وَتُعْرَضُ
أَعْمَالُهُمْ عَلَى الْمَوَازِينِ وَيَدُلُّ عَلَى
مُحَاسَبَةِ الْكُفَّارِ وَوَزْنِ أَعْمَالِهِمْ
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى
قَوْلِهِ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ
فكنتم بهَا تكذبون وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ
بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ الْكَافِرُ لَا
ثَوَابَ لَهُ وَعَمَلُهُ مُقَابَلٌ بِالْعَذَابِ فَلَا
حَسَنَةَ لَهُ تُوزَنُ فِي مَوَازِينِ الْقِيَامَةِ
وَمَنْ لَا حَسَنَةَ لَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا نُقِيمُ
لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة وزنا وَبِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ فِي الْكَافِرِ لَا
يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَتُعُقِّبَ
أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ حَقَارَةِ قَدْرِهِ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوَزْنِ وَحَكَى
الْقُرْطُبِيُّ فِي صِفَةِ وَزْنِ عَمَلِ الْكَافِرِ
وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُفْرَهُ يُوضَعُ فِي
الْكِفَّةِ وَلَا يَجِدُ لَهُ حَسَنَةً يَضَعُهَا فِي
الْأُخْرَى فَتَطِيشُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا قَالَ
وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ لِأَنَّهُ وَصَفَ
الْمِيزَانَ بِالْخِفَّةِ لَا الْمَوْزُونَ
ثَانِيهُمَا قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالْبِرُّ
وَالصِّلَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ
الْمَالِيَّةِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ
لَكَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ
حَسَنَاتٌ جُمِعَتْ وَوُضِعَتْ غَيْرَ أَنَّ الْكُفْرَ
إِذَا قَابَلَهَا رَجَحَ بِهَا قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يُجَازَى بِهَا عَمَّا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ ظُلْمِ
الْعِبَادِ مَثَلًا فَإِنِ اسْتَوَتْ عُذِّبَ
بِكُفْرِهِ مَثَلًا فَقَطْ وَإِلَّا زِيدَ عَذَابُهُ
بِكُفْرِهِ أَوْ خُفِّفَ عَنْهُ كَمَا فِي قِصَّةِ
أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ
أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ
بِالْمِيزَانِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ
وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ وَأَنْكَرَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ وَقَالُوا هُوَ عِبَارَةٌ
عَنِ الْعَدْلِ فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ
لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ
الْمَوَازِينَ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ لِيَرَى
الْعِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً لِيَكُونُوا على
أنفسهم شَاهِدين وَقَالَ بن فَوْرَكٍ أَنْكَرَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى
أَنَّ الْأَعْرَاضَ يَسْتَحِيلُ وَزْنُهَا إِذْ لَا
تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ
الْمُتَكَلِّمِينَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقْلِبُ الْأَعْرَاضَ أَجْسَامًا
فَيَزِنُهَا انْتَهَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ
إِلَى أَنَّ الْمِيزَانَ بِمَعْنَى الْعَدْلِ
(13/538)
وَالْقَضَاء فأسند الطَّبَرِيّ من طَرِيق
بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة
قَالَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ كَمَا يَجُوزُ وَزْنُ
الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَطُّ وَمِنْ
طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ
قَالَ الْمَوَازِينُ الْعَدْلُ وَالرَّاجِحُ مَا
ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَخْرَجَ أَبُو
الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنْ
سَلْمَانَ قَالَ يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ
كِفَتَّانِ لَوْ وُضِعَ فِي إِحْدَاهُمَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
لَوَسِعَتْهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ ذُكِرَ الْمِيزَانُ عِنْدَ
الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَقَالَ
الطِّيبِيُّ قِيلَ إِنَّمَا تُوزَنُ الصُّحُفُ
وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا
تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلَا خِفَّةٍ وَالْحَقُّ عِنْدَ
أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حِينَئِذٍ
تُجَسَّدُ أَوْ تُجْعَلُ فِي أَجْسَامٍ فَتَصِيرُ
أَعْمَالُ الطَّائِعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ
وَأَعْمَالُ الْمُسِيئِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ
ثُمَّ تُوزَنُ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الَّذِي
يُوزَنُ الصَّحَائِفُ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا
الْأَعْمَال وَنقل عَن بن عُمَرَ قَالَ تُوزَنُ
صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ قَالَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا
فَالصُّحُفُ أَجْسَامٌ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ
وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ الْبِطَاقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
وَفِيهِ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ
وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ انْتَهَى وَالصَّحِيحُ
أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ وَقَدْ
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَححهُ بن
حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يُوضَعُ
فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ
خُلُقٍ حَسَنٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ تُوضَعُ
الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ
الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ
حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ
دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى
حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ قِيلَ
فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قَالَ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَخْرَجَهُ
خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ وَعند بن الْمُبَارك فِي
الزّهْد عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَوْقُوفًا
وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي
كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا أَنَّ
صَاحِبَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ
الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَصَلَهُ
الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ رجل عَن مُجَاهِد وَعَن وَرْقَاء
عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم قَالَ هُوَ
الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ
مَعْنَى قَوْله وزنوا بالقسطاس بالميزان وَقَالَ بن
دُرَيْدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ وَهُوَ رُومِيٌّ عُرِّبَ
وَيُقَالُ قِسْطَارٌ بِالرَّاءِ آخِرَهُ بَدَلَ
السِّينِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْقِسْطَاسُ
أَعْدَلُ الْمَوَازِينِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ
وَبِضَمِّهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ
قَوْلُهُ وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ
وَهُوَ الْعَادِلُ وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ
الْجَائِرُ قَالَ الْفَرَّاءُ الْقَاسِطُونَ
الْجَائِرُونَ وَالْمُقْسِطُونَ الْعَادِلُونَ وَقَالَ
الرَّاغِبُ الْقِسْطُ النَّصِيبُ بِالْعَدْلِ
كَالنِّصْفِ وَالنَّصَفَةِ وَالْقَسْطُ بِفَتْحِ
الْقَافِ أَنْ يَأْخُذَ قِسْطَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ
جَوْرٌ وَالْإِقْسَاطُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ
قِسْطَهُ وَذَلِكَ إِنْصَافٌ وَلِذَلِكَ قِيلَ قَسَطَ
إِذَا جَارَ وَأَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ وَقَالَ صَاحِبُ
الْمُحْكَمِ الْقِسْطُ النَّصِيبُ إِذَا تَقَاسَمُوهُ
بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
مُتَعَقِّبًا عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ الْقِسْطُ
مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ مَا نَصُّهُ الْقِسْطُ الْعَدْلُ
وَمَصْدَرُ الْمُقْسِطِ الْإِقْسَاطُ يُقَالُ أَقْسَطَ
إِذَا عَدَلَ وَقَسَطَ إِذَا جَارَ وَيَرْجِعَانِ
إِلَى مَعْنًى مُتَقَارِبٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَدَلَ
عَنْ كَذَا إِذَا مَالَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَسَطَ إِذْ
عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ وَأَقْسَطَ كَأَنَّهُ لَزِمَ
الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ انْتَهَى
وَكَانَ مِنْ حَقه ان يستشهد للمعنى الثَّانِي
بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ
اللَّهَ يحب المقسطين وَهِيَ فِي الْمَائِدَةِ وَفِي
الْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أبي
هُرَيْرَة رَفعه فِي ذكر عِيسَى بن مَرْيَمَ يَنْزِلُ
حَكَمًا مُقْسِطًا وَفِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى
الْمُقْسِطُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ هُوَ الْمُعْطِي
عِبَادَهُ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ مِنْ نَفْسِهِ
وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْمُعْطِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ
قِسْطًا مِنْ خَيْرِهِ وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ لَزِمَ
الْقِسْطَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ
لِلسَّلْبِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ
وَذَكَرَ بن الْقَطَّاعِ أَنَّ قَسَطَ مِنَ
الْأَضْدَادِ وَقَدْ أَجَابَ بن بطال
(13/539)
عَنِ اعْتِرَاضِ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَى
قَوْلِ الْبُخَارِيِّ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ فَقَالَ
أَرَادَ بِالْمَصْدَرِ مَا حُذِفَتْ زَوَائِدُهُ
كَقَوْلِ الشَّاعِرِ وَإِنْ أَهْلِكْ فَذَلِكَ حِينَ
قَدْرِي أَيْ تَقْدِيرِي فَرَدَّهُ إِلَى أَصْلِهِ
وَإِنَّمَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ الزَّوَائِدَ لِتَرُدَّ
الْكَلِمَةَ إِلَى أَصْلِهَا وَأَمَّا الْمَصْدَرُ
الْمُقْسِطُ الْجَارِي عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ
الْإِقْسَاطُ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ
بِالْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفُ الزَّوَائِدِ نَظَرًا
إِلَى أَصْلِهِ فَهُوَ مَصْدَرُ مَصْدَرِهِ إِذْ لَا
خَفَاءَ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْجَارِيَ عَلَى فِعْلِهِ
هُوَ الْإِقْسَاطُ فَإِنْ قِيلَ الْمَزِيدُ لَا بُدَّ
أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ قُلْتُ
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِسْطِ بِالْكَسْرِ
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَسْطِ بِالْفَتْحِ
الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْجَوْرِ وَالْهَمْزَةُ
لِلسَّلْبِ وَالْإِزَالَةِ
[7563] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ
وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ
أَعْجَمِيٌّ وَقِيلَ بَلْ عَرَبِيٌّ فَيَنْصَرِفُ
وَهُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ مَجْمَعٌ وَقِيلَ مَعْمَرٌ
وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَكُنْيَةُ أَحْمَدَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الصَّفَّارُ الْحَضْرَمِيُّ
نَزِيلُ مِصْرَ قَالَ الْبُخَارِيُّ آخِرُ مَا
لَقِيتُهُ بِمِصْرَ سنة سبع عشرَة وأرخ بن حبَان
وَفَاته فِيهَا وَقَالَ بن يُونُسَ مَاتَ سَنَةَ
سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانَ عَشْرَةَ قُلْتُ
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابٍ
وَلَا مُحَمَّدِ بْنِ إِشْكَابٍ قَرَابَةٌ قَوْلُهُ
حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل أَي بن غَزْوَانَ
بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَلَمْ
أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ وَفِي
الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَأخرجه احْمَد وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وبن حِبَّانَ
كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ قُلْتُ وَجْهُ الْغَرَابَةِ فِيهِ مَا
ذَكَرْتُهُ مِنْ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ
وَشَيْخِهِ وَشَيخ شَيْخه وصحابيه قَوْلُهُ عَنْ
عُمَارَةَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ بن فُضَيْلٍ
حَدَّثَنَا عُمَارَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي
الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ قَوْلُهُ كَلِمَتَانِ
حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ كَذَا فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ بِتَقْدِيمِ حَبِيبَتَانِ وَتَأْخِيرِ
ثَقِيلَتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ وَفِي
الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِتَقْدِيمِ خَفِيفَتَانِ
وَتَأْخِيرِ حَبِيبَتَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ
عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدِ
بْنِ طَرِيفٍ وَكَذَا عِنْدَ الْبَاقِينَ مِمَّنْ
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمَنْ سَيَأْتِي عَنْ شُيُوخِهِمْ
وَفِي قَوْلِهِ كَلِمَتَانِ إِطْلَاقُ كَلِمَةٍ عَلَى
الْكَلَامِ وَهُوَ مِثْلُ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ
وَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ كَلِمَتَانِ هُوَ
الْخَبَرُ وحبيبتان وَمَا بَعْدَهَا صِفَةٌ
وَالْمُبْتَدَأُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ
وَالنُّكْتَةُ فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ تَشْوِيقُ
السَّامِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَكُلَّمَا طَالَ
الْكَلَامُ فِي وَصْفِ الْخَبَرِ حَسُنَ تَقْدِيمُهُ
لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ تَزِيدُ
السَّامِعَ شَوْقًا وَقَوْلُهُ حَبِيبَتَانِ أَيْ
مَحْبُوبَتَانِ وَالْمَعْنَى مَحْبُوبٌ قَائِلُهُمَا
وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا
فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَوْلُهُ ثَقِيلَتَانِ فِي
الْمِيزَانِ هُوَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّهُ
مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ
تُوزَنُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ فَعِيلٌ
بِمَعْنَى مَفْعُولٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ
وَالْمُؤَنَّثُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ
مَوْصُوفُهُ مَعَهُ فَلِمَ عَدَلَ عَنِ التَّذْكِيرِ
إِلَى التَّأْنِيثِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ
لَا وَاجِبٌ وَأَيْضًا فَهُوَ فِي الْمُفْرَدِ لَا
الْمُثَنَّى سَلَّمْنَا لَكِنْ أَنَّثَ لِمُنَاسَبَةِ
الثَّقِيلَتَيْنِ وَالْخَفِيفَتَيْنِ أَوْ لِأَنَّهَا
بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لَا الْمَفْعُولِ وَالتَّاءُ
لِنَقْلِ اللَّفْظَةِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى
الِاسْمِيَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ
لَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ كَمَنْ يَقُولُ خُذْ
ذَبِيحَتَكَ لِلشَّاةِ الَّتِي لَمْ تُذْبَحْ فَإِذَا
وَقَعَ عَلَيْهَا الْفِعْلُ فَهِيَ ذَبِيحٌ حَقِيقَةً
وَخَصَّ لَفْظَ الرَّحْمَنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ بَيَانُ سَعَةِ رَحْمَةِ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ حَيْثُ يُجَازِي
عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ بِالثَّوَابِ الْكَثِيرِ
قَوْلُهُ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ
فِي الْمِيزَانِ وَصَفَهُمَا بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ
لِبَيَانِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ
وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ سَجْعٌ
مُسْتَعْذَبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ
بَيَانُ الْجَائِزِ مِنْهُ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ
وَكَذَا فِي الْحُدُودِ فِي حَدِيثِ سَجْعٌ كَسَجْعِ
الْكُهَّانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ
مَا كَانَ مُتَكَلَّفًا أَوْ مُتَضَمِّنًا لِبَاطِلٍ
لَا مَا جَاءَ عَفْوًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ
وَقَوْلُهُ خَفِيفَتَانِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
قِلَّةِ كَلَامِهِمَا وَأَحْرُفِهِمَا
وَرَشَاقَتِهِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْخِفَّةُ
مُسْتَعَارَةٌ لِلسُّهُولَةِ وَشَبَّهَ سُهُولَةَ
جَرَيَانِهَا عَلَى اللِّسَانِ بِمَا خَفَّ عَلَى
الْحَامِل من
(13/540)
بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ فَلَا تُتْعِبُهُ
كَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ
سَائِرَ التَّكَالِيفِ صَعْبَةٌ شَاقَّةٌ عَلَى
النَّفْسِ ثَقِيلَةٌ وَهَذِهِ سَهْلَةٌ عَلَيْهَا مَعَ
أَنَّهَا تُثْقِلُ الْمِيزَانَ كَثِقَلِ الشَّاقِّ
مِنَ التَّكَالِيفِ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ
عَنْ سَبَبِ ثِقَلِ الْحَسَنَةِ وَخِفَّةِ
السَّيِّئَةِ فَقَالَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ حَضَرَتْ
مَرَارَتُهَا وَغَابَتْ حَلَاوَتُهَا فَثَقُلَتْ فَلَا
يَحْمِلَنَّكَ ثِقَلُهَا عَلَى تَرْكِهَا
وَالسَّيِّئَةُ حَضَرَتْ حَلَاوَتُهَا وَغَابَتْ
مَرَارَتُهَا فَلِذَلِكَ خَفَّتْ فَلَا يَحْمِلَنَّكَ
خِفَّتُهَا عَلَى ارْتِكَابِهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَ
اللَّهِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي بَابُ فَضْلِ
التَّسْبِيحِ مِنْ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ قَوْلُهُ
وَبِحَمْدِهِ قِيلَ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ
أُسَبِّحُ اللَّهَ مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِي لَهُ مِنْ
أَجْلِ تَوْفِيقِهِ وَقِيلَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ
أُسَبِّحُ اللَّهَ وَأَتَلَبَّسُ بِحَمْدِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ مُضَافًا
لِلْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَمْدِ لَازِمُهُ
أَوْ مَا يُوجِبُ الْحَمْدَ مِنَ التَّوْفِيقِ
وَنَحْوِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ
مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ مُتَقَدِّمٍ وَالتَّقْدِيرُ
وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِحَمْدِهِ فَيَكُونُ سُبْحَانَ
الله جملَة مُسْتَقلَّة وَبِحَمْدِهِ جُمْلَةً أُخْرَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ أَيْ بِقُوَّتِكَ
الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ تُوجِبُ عَلَيَّ حَمْدَكَ
سَبَّحْتُكَ لَا بِحَوْلِي وَبِقُوَّتِي كَأَنَّهُ
يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أُقِيمَ فِيهِ السَّبَبُ
مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَلَى ثُبُوتِ وَبِحَمْدِهِ
إِلَّا أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ
أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ
وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ
عَنْهُ لَمْ يَقُلْ أَكْثَرُهُمْ وَبِحَمْدِهِ قُلْتُ
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ
عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ
بَقِيَّةِ مَنْ سَمَّيْتُ مِنْ شُيُوخِهِ
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ آدم وَأحمد بن
حَرْب وبن مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ
وَعَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بن سَمُرَة الأحمسي وبن
حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ كَأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ
رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ
وَالْحُسَيْنِ قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ
هَكَذَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِتَقْدِيمِ سُبْحَانَ
اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ
الْعَظِيمِ وَتَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ بِتَقْدِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ
الْعَظِيمِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ
وَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَكَذَا عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ
سَمَّيْتُهُ قَبْلُ وَقَدْ وَقَعَ لِي بِعُلُوٍّ فِي
كِتَابِ الدُّعَاءِ لِمُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ مِنْ
رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْهُ بِثُبُوتِ
وَبِحَمْدِهِ وَتَقْدِيمِ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ
قَالَ بن بَطَّالٍ هَذِهِ الْفَضَائِلُ الْوَارِدَةُ
فِي فَضْلِ الذِّكْرِ إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ
الشَّرَفِ فِي الدِّينِ وَالْكَمَالِ كَالطَّهَارَةِ
مِنَ الْحَرَامِ وَالْمَعَاصِي الْعِظَامِ فَلَا
تَظُنَّ أَنَّ مَنْ أَدْمَنَ الذِّكْرَ وَأَصَرَّ
عَلَى مَا شَاءَهُ مِنْ شَهَوَاتِهِ وَانْتَهَكَ دِينَ
اللَّهِ وَحُرُمَاتِهِ أَنَّهُ يَلْتَحِقُ
بِالْمُطَهَّرِينَ الْمُقَدَّسِينَ وَيَبْلُغُ
مَنَازِلَهُمْ بِكَلَامٍ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ
لَيْسَ مَعَهُ تَقْوَى وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ صِفَاتُ اللَّهِ وُجُودِيَّةٌ
كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَهِيَ صِفَاتُ
الْإِكْرَامِ وَعَدَمِيَّةٌ كَلَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا
مِثْلَ لَهُ وَهِيَ صِفَاتُ الْجَلَالِ فَالتَّسْبِيحُ
إِشَارَةٌ إِلَى صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالتَّحْمِيدُ
إِشَارَةٌ إِلَى صِفَاتِ الْإِكْرَامِ وَتَرْكُ
التَّقْيِيدِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ وَالْمَعْنَى
أُنَزِّهُهُ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَأَحْمَدُهُ
بِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ قَالَ وَالنَّظْمُ
الطَّبِيعِيُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ التَّحْلِيَةِ
عَلَى التَّخْلِيَةِ فَقَدَّمَ التَّسْبِيحَ الدَّالَّ
عَلَى التَّخَلِّي عَلَى التَّحْمِيدِ الدَّالِّ عَلَى
التَّحَلِّي وَقَدَّمَ لَفْظَ اللَّهِ لِأَنَّهُ اسْمُ
الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ
الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَوَصَفَهُ
بِالْعَظِيمِ لِأَنَّهُ الشَّامِلُ لِسَلْبِ مَا لَا
يَلِيقُ بِهِ وَإِثْبَاتِ مَا يَلِيقُ بِهِ إِذِ
الْعَظَمَةُ الْكَامِلَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِعَدَمِ
النَّظِيرِ وَالْمَثِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَا
الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْقُدْرَةُ
عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ
وَذَكَرَ التَّسْبِيحَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَمْدِ
لِيُعْلَمَ ثُبُوتُ الْكَمَالِ لَهُ نَفْيًا
وَإِثْبَاتًا وَكَرَّرَهُ تَأْكِيدًا وَلِأَنَّ
الِاعْتِنَاءَ بِشَأْنِ التَّنْزِيهِ أَكْثَرُ مِنْ
جِهَةِ كَثْرَةِ الْمُخَالِفِينَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي
الْقُرْآنِ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوِ
سُبْحَانَ وَسَبِّحْ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَسَبَّحَ
بِلَفْظِ الْمَاضِي وَيُسَبِّحُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ
وَلِأَنَّ التَّنْزِيهَاتِ تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ
بِخِلَافِ الْكَمَالَاتِ فَإِنَّهَا تَقْصُرُ عَنْ
إِدْرَاكِ حَقَائِقِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ
الْمُحَقِّقِينَ الْحَقَائِقُ الْإِلَهِيَّةُ لَا
تُعْرَفُ إِلَّا بِطَرِيقِ
(13/541)
السَّلْبِ كَمَا فِي الْعِلْمِ لَا
يُدْرَكُ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَاهِلٍ
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ عِلْمِهِ فَلَا سَبِيلَ
إِلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ
سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى
مُنَاسَبَةِ أَبْوَابِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي
نَقَلْتُهُ عَنْهُ فِي أَوَاخِرِ الْمُقَدَّمَةِ
لَمَّا كَانَ أَصْلُ الْعِصْمَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا
هُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ فَخَتَمَ بِكِتَابِ
التَّوْحِيدِ وَكَانَ آخِرُ الْأُمُورِ الَّتِي
يَظْهَرُ بِهَا الْمُفْلِحُ مِنَ الْخَاسِرِ ثِقَلَ
الْمَوَازِينِ وَخِفَّتَهَا فَجَعَلَهُ آخِرَ
تَرَاجِمِ الْكِتَابِ فَبَدَأَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَخَتَمَ
بِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَثْقُلُ مِنْهَا
مَا كَانَ بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ تَرْغِيبٌ
وَتَخْفِيفٌ وَحَثٌّ عَلَى الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ
لِمَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ لَهُ وَالْخِفَّةِ
بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ
وَالثِّقَلِ بِالنِّسْبَةِ لِإِظْهَارِ الثَّوَابِ
وَجَاءَ تَرْتِيبُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أُسْلُوبٍ
عَظِيمٍ وَهُوَ أَنَّ حُبَّ الرَّبِّ سَابِقٌ وَذِكْرَ
الْعَبْدِ وَخِفَّةَ الذِّكْرِ عَلَى لِسَانِهِ تَالٍ
ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِيهِمَا مِنَ الثَّوَابِ
الْعَظِيمِ النَّافِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى
مُلَخَّصًا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ تَقَدَّمَ فِي
أَوَّلِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ بَيَانُ تَرْتِيبِ
أَبْوَابِ الْكِتَابِ وَأَنَّ الْخَتْمَ بِمَبَاحِثِ
كَلَامِ اللَّهِ لِأَنَّهُ مَدَارُ الْوَحْيِ وَبِهِ
تَثْبُتُ الشَّرَائِعُ وَلِهَذَا افْتَتَحَ بِبَدْءِ
الْوَحْيِ وَالِانْتِهَاءُ إِلَى مَا مِنْهُ
الِابْتِدَاءُ وَنِعْمَ الْخَتْمُ بِهَا وَلَكِنَّ
ذِكْرَ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ
بَلْ هُوَ لِإِرَادَةِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْكَلَامِ
التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا أَنَّهُ ذَكَرَ
حَدِيثَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فِي أَوَّلِ
الْكِتَابِ لِإِرَادَةِ بَيَانِ إِخْلَاصِهِ فِيهِ
كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ قَصَدَ خَتْمَ
كِتَابِهِ بِمَا دَلَّ عَلَى وَزْنِ الْأَعْمَالِ
لِأَنَّهُ آخِرُ آثَارِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ
بَعْدَ الْوَزْنِ إِلَّا الِاسْتِقْرَارُ فِي أَحَدِ
الدَّارَيْنِ إِلَى أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ إِخْرَاجَ
مَنْ قَضَى بِتَعْذِيبِهِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ
فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَأَشَارَ
أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ وَضَعَ كِتَابَهُ قِسْطَاسًا
وَمِيزَانًا يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ سَهْلٌ عَلَى
مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَفِيهِ
إِشْعَارٌ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي
حَالَتَيْهِ أَوَّلًا وَآخِرًا تَقَبَّلَ اللَّهُ
تَعَالَى مِنْهُ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ قُلْتُ
وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا
تَقَدَّمَ الْحَثُّ عَلَى إِدَامَةِ هَذَا الذِّكْرِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ التَّسْبِيحِ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ آخَرُ
لَفْظُهُ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ
فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ
وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِذَا
ثَبَتَ هَذَا فِي قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ
وَبِحَمْدِهِ وَحْدَهَا فَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهَا
الْكَلِمَةُ الْأُخْرَى فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا
تُفِيدُ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ الْمُنَاسِبِ
لَهَا كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ الْكَلِمَةَ الْأُولَى
وَلَيْسَتْ لَهُ خَطَايَا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ
لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يُوَازِنُ ذَلِكَ وَفِيهِ
إِيرَادُ الْحُكْمِ الْمُرَغَّبِ فِي فِعْلِهِ
بِلَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِ
هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ الذِّكْرِ
الْمَذْكُورِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْمُبْتَدَأِ عَلَى
الْخَبَرِ كَمَا مَضَى فِي قَوْلِهِ كَلِمَتَانِ
وَفِيهِ مِنَ الْبَدِيعِ الْمُقَابَلَةُ
وَالْمُنَاسَبَةُ وَالْمُوَازَنَةُ فِي السَّجْعِ
لِأَنَّهُ قَالَ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ
وَلَمْ يَقُلْ لِلرَّحْمَنِ لِمُوَازَنَةِ قَوْلِهِ
عَلَى اللِّسَانِ وَعَدَّى كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ
بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةُ امْتِثَالِ
قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبك وَقَدْ
أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ فِي
عِدَّةِ آيَاتٍ أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
أَيُّ الْكَلَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ مَا
اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ سُبْحَانَ رَبِّي
وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَفِي
لَفْظٍ لَهُ أَنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى الله
سُبْحَانَهُ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ خَاتِمَة
اشْتَمَل كتاب التَّوْحِيد من الْأَحَادِيث المرفوعة
على مِائَتي حَدِيث وَخَمْسَة وَأَرْبَعين حَدِيثًا
الْمُعَلَّقُ مِنْهَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ
الْمُتَابَعَة خَمْسَة وَخَمْسُونَ طَرِيقًا
وَالْبَاقِي مَوْصُولٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ
وَفِيمَا مَضَى معظمها والخالص مِنْهَا أحد عشر
حَدِيثا انْفَرد عَن مُسلم بأكثرها وَأخرج مُسلم
مِنْهَا حَدِيث عَائِشَة فِي أَمر السّريَّة فِي ذكر
قل هُوَ الله أحد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة اذنب عبد من
عبَادي ذَنبا وَحَدِيثه إِذا تقرب العَبْد مني شبْرًا
وَحَدِيثه يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ
ظَنِّ عَبدِي بِي وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ
الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سِتَّة وَثَلَاثُونَ
أثرا فَجَمِيع
(13/542)
مَا فِي الْجَامِع من الْأَحَادِيث بالمكرر
مَوْصُولا ومعلقا وَمَا فِي مَعْنَاهُ من
الْمُتَابَعَة تِسْعَة آلَاف وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ
حَدِيثا وَجَمِيع مَا فِيهِ مَوْصُولا ومعلقا بِغَيْر
تكْرَار أَلْفَا حَدِيثٍ وَخَمْسُمِائَةِ حَدِيثٍ
وَثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا فَمن ذَلِك الْمُعَلق
وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الْمُتَابَعَة مائَة
وَسِتُّونَ حَدِيثا وَالْبَاقِي مَوْصُول وَافقه مُسلم
على تخريجها سوى ثمانمئة وَعشْرين حَدِيثا وَقد بيّنت
ذَلِك مفصلا فِي آخر كل كتاب من كتب هَذَا الْجَامِع
وجمعت ذَلِك هُنَا تَنْبِيها على وهم من زعم ان عدده
بالمكرر سَبْعَة آلَاف ومائتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ
حَدِيثا وان عدده بِغَيْر المكرر أَرْبَعَة آلَاف أَو
نَحْو أَرْبَعَة آلَاف وَقد أوضحت ذَلِك مفصلا فِي
أَوَاخِر الْمُقدمَة وَذَلِكَ كُله خَارج عَمَّا
أودعهُ فِي تراجم الْأَبْوَاب من أَلْفَاظ الحَدِيث من
غير تَصْرِيح بِمَا يدل على انه حَدِيث مَرْفُوع كَمَا
نبهت على كل مَوضِع من ذَلِك فِي بَابه كَقَوْلِه بَاب
اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة فَإِنَّهُ لفظ حَدِيث
أخرجه بن ماجة وَفِيه من الْآثَار الْمَوْقُوفَة على
أَصْحَابه فَمن بعدهمْ ألف وسِتمِائَة وَثَمَانِية
آثَار وَقد ذكرت تفاصيلها أَيْضا عقب كل كتاب وَللَّه
الْحَمد فِي الْكتاب آثَار كَثِيرَة لم يُصَرح بنسبتها
لقَائِل مُسَمّى وَلَا مُبْهَم خُصُوصا فِي
التَّفْسِير وَفِي التراجم فَلم يدْخل فِي هَذِه
الْعدة وَقد نبهت عَلَيْهَا أَيْضا فِي اماكنها
وَمِمَّا اتّفق لَهُ من المناسبات الَّتِي لم أر من
نبه عَلَيْهَا انه يعتني غَالِبا بِأَن يكون فِي
الحَدِيث الْأَخير من كل كتاب من كتب هَذَا الْجَامِع
مُنَاسبَة لختمه وَلَو كَانَت الْكَلِمَة فِي أثْنَاء
الحَدِيث الْأَخير أَو من الْكَلَام عَلَيْهِ
كَقَوْلِه فِي آخر حَدِيث بَدْء الْوَحْي فَكَانَ
ذَلِك آخر شَأْن هِرقل وَقَوله فِي آخر كتاب
الْإِيمَان ثمَّ اسْتغْفر وَنزل وَفِي آخر كتاب الْعلم
وليقطعهما حَتَّى يكون تَحت الْكَعْبَيْنِ وَفِي آخر
كتاب الْوضُوء واجعلهن آخر مَا تكلم بِهِ وَفِي آخر
كتاب الْغسْل وَذَلِكَ الْأَخير انما بَيناهُ
لاختلافهم وَفِي آخر كتاب التَّيَمُّم عَلَيْك بالصعيد
فَإِنَّهُ يَكْفِيك وَفِي آخر كتاب الصَّلَاة
اسْتِئْذَان الْمَرْأَة زَوجهَا فِي الْخُرُوج وَفِي
آخر كتاب الْجُمُعَة ثمَّ تكون القائلة وَفِي آخر كتاب
الْعِيدَيْنِ لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا وَفِي آخر
الاسْتِسْقَاء بِأَيّ أَرض تَمُوت وَفِي آخر تَقْصِير
الصَّلَاة وان كنت نَائِمَة اضطجعي وَفِي آخر
التَّهَجُّد والتطوع وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب وَفِي
آخر الْعَمَل فِي الصَّلَاة فَأَشَارَ إِلَيْهِم ان
اجلسوا فَلَمَّا انْصَرف وَفِي آخر كتاب الْجَنَائِز
فَنزلت تبت يدا أبي لَهب وَتب وَهُوَ من التباب
وَمَعْنَاهُ الْهَلَاك وَفِي آخر الزَّكَاة صَدَقَة
الْفطر وَلها دُخُول فِي الآخرية من جِهَة كَونهَا تقع
فِي آخر رَمَضَان مكفرة لما مضى وَفِي آخر الْحَج
وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك وَفِي آخر الصّيام وَمن
لم يكن أكل فليصم وَفِي آخر الِاعْتِكَاف مَا انا
بمعتكف فَرجع وَفِي آخر البيع والاجارة حَتَّى أجلاهم
عمر وَفِي آخر الْحِوَالَة فصلى عَلَيْهِ وَفِي آخر
الْكفَالَة من ترك مَالا فلورثته وَفِي آخر
الْمُزَارعَة مَا نسيت من مَقَالَتي تِلْكَ إِلَى يومي
هَذَا شَيْئا وَفِي آخر الْمُلَازمَة حَتَّى أَمُوت
ثمَّ ابْعَثْ وَفِي آخر الشّرْب فَشرب حَتَّى رضيت
وَفِي آخر الْمَظَالِم فكسروا صومعته وأنزلوه وَفِي
آخر الشّركَة أفنذبح بالقصب وَفِي آخر الرَّهْن
أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة وَفِي آخر
الْعتْق الْوَلَاء لمن اعْتِقْ وَفِي آخر الْهِبَة
وَلَا تعد فِي صدقتك وَفِي آخر الشَّهَادَات لأتوهما
وَلَو حبوا وَفِي آخر الصُّلْح قُم فاقضه وَفِي آخر
الشُّرُوط لَا تبَاع وَلَا توهب وَلَا تورث وَفِي آخر
الْجِهَاد قدمت فَقَالَ صل رَكْعَتَيْنِ وَفِي آخر فرض
الْخمس حرمهَا الْبَتَّةَ وَفِي آخر الْجِزْيَة
وَالْمُوَادَعَة فَهُوَ حرَام بِحرْمَة الله إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة وَفِي آخر بَدْء الْخلق وَأَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة آخر قدمة
قدمهَا وَفِي آخر المناقب توفيت خَدِيجَة رَضِي الله
عَنْهَا قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي آخر الْهِجْرَة فَتْرَةً
بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ
(13/543)
الْمَغَازِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة وَمَا
يتَعَلَّق بهَا وَفِي آخر التَّفْسِير تَفْسِير
المعوذتين وَفِي آخر فَضَائِل الْقُرْآن اخْتلفُوا
فأهلكوا وَفِي آخر النِّكَاح فَلَا يَمْنعنِي من
التحرك وَفِي آخر الطَّلَاق وَتَعْفُو أَثَرَة وَفِي
آخر اللّعان أبعد لَك مِنْهَا وَفِي آخر النَّفَقَات
أعْتقهَا أَبُو لَهب وَفِي آخر الْأَطْعِمَة وَانْزِلْ
الْحجاب وَفِي آخر الذَّبَائِح وَالْأَضَاحِي حَتَّى
تنفر من منى وَفِي آخر الْأَشْرِبَة وَتَابعه سعيد بن
الْمسيب عَن جَابر وَفِي آخر المرضى وانقل حماها وَفِي
آخر الطِّبّ ثمَّ ليطرحه وَفِي آخر اللبَاس إِحْدَى
رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وَفِي آخر الْأَدَب فليرده
مَا اسْتَطَاعَ وَفِي آخر الاسْتِئْذَان مُنْذُ قبض
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي آخر
الدَّعْوَات كَرَاهِيَة السَّآمَة علينا وَفِي آخر
الرقَاق أَن نرْجِع على أعقابنا وَفِي آخر الْقدر إِذا
أَرَادوا فتْنَة أَبينَا وَفِي آخر الْإِيمَان
وَالنُّذُور إِذا سهم غابر فَقتله وَفِي آخر
الْكَفَّارَة وَكفر عَن يَمِينك وَفِي آخر الْحُدُود
إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَفِي
آخر الْمُحَاربين اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد وَجَبت
لكم الْجنَّة وَفِي آخر الْإِكْرَاه يحجزه عَن الظُّلم
وَفِي آخر تَعْبِير الرُّؤْيَا تجَاوز الله عَنْهُم
وَفِي آخر الْفِتَن أنهلك وَفينَا الصالحون وَفِي آخر
الاحكام فاعتمرت بعد أَيَّام الْحَج وَفِي آخر
الِاعْتِصَام سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم
وَالتَّسْبِيح مَشْرُوع فِي الختام فَلذَلِك ختم بِهِ
كتاب التَّوْحِيد وَالْحَمْد لله بعد التَّسْبِيح آخر
دَعْوَى أهل الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى دَعوَاهُم
فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتحيتهم فِيهَا سَلام
وَآخر دَعوَاهُم ان الْحَمد لله رب الْعَالمين وَقد
ورد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي ختم الْمجْلس مَا
أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع وَالنَّسَائِيّ فِي
الْيَوْم وَاللَّيْلَة وبن حبَان فِي صَحِيحه
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء وَالْحَاكِم فِي
الْمُسْتَدْرك كلهم من رِوَايَة حجاج بن مُحَمَّد عَن
بن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَة قَالَ أقل
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ جلس فِي مجْلِس وَكثر فِيهِ لغطه فَقَالَ قبل ان
يقوم من مَجْلِسه ذَلِك سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك اشْهَدْ ان لَا اله الا أَنْت أستغفرك
وَأَتُوب إِلَيْك الا غفر لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسه
ذَلِك هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح
غَرِيب لَا نعرفه من حَدِيث سُهَيْل الا مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرزَة
وَعَائِشَة وَقَالَ الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح على
شَرط مُسلم الا ان البُخَارِيّ أعله بِرِوَايَة وهيب
عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن كَعْب
الْأَحْبَار كَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَدْرك وَوهم فِي
ذَلِك فَلَيْسَ فِي هَذَا السَّنَد ذكر لوالد سُهَيْل
وَلَا كَعْب وَالصَّوَاب عَن سُهَيْل عَن عون وَكَذَا
ذكره على الصَّوَاب فِي عُلُوم الحَدِيث فَإِنَّهُ
سَاقه فِيهِ من طَرِيق البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن
سَلام عَن مخلد بن يزِيد عَن بن جريج بِسَنَدِهِ ثمَّ
قَالَ قَالَ البُخَارِيّ هَذَا حَدِيث مليح وَلَا أعلم
فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث
الا انه مَعْلُول حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بن عقبَة عَن
عون بن عبد الله قَوْله قَالَ البُخَارِيّ هَذَا أولى
فانا لَا نذْكر لمُوسَى بن عقبَة سَمَاعا من سُهَيْل
انْتهى وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن
الْحَاكِم بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور فِي عُلُوم الحَدِيث
عَن البُخَارِيّ فَقَالَ عَن احْمَد بن حَنْبَل وَيحيى
بن معِين كِلَاهُمَا عَن حجاج بن مُحَمَّد وسَاق
كَلَام البُخَارِيّ لَكِن قَالَ لَا أعلم بِهَذَا
الْإِسْنَاد فِي الدُّنْيَا غير هَذَا الحَدِيث الا
انه مَعْلُول وَقَوله لَا أعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد
فِي الدُّنْيَا هُوَ الْمَنْقُول عَن البُخَارِيّ لَا
قَوْله لَا أعلم فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب فان
فِي الْبَاب عدَّة أَحَادِيث لَا تخفى على البُخَارِيّ
وَقد سَاق الْخَلِيل فِي الْإِرْشَاد هَذِه الْقِصَّة
عَن غير الْحَاكِم وَذكر فِيهَا ان مُسلما قَالَ
للْبُخَارِيّ أتعرف بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي
الدُّنْيَا حَدِيثا غير هَذَا فَقَالَ لَا الا انه
مَعْلُول ثمَّ ذكره عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن
وهيب عَن مُوسَى بن عقبَة عَن عون بن عبد الله قَوْله
وَهُوَ مُوَافق لما فِي عُلُوم الحَدِيث فِي سَنَد
التَّعْلِيل لَا فِي قَوْله فِي هَذَا الْبَاب فَهُوَ
مُوَافق لرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي قَوْله بِهَذَا
الْإِسْنَاد وَكَأن الْحَاكِم وهم فِي هَذِه
اللَّفْظَة وَهِي قَوْله فِي هَذَا الْبَاب وانما هِيَ
بِهَذَا الْإِسْنَاد
(13/544)
وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَن هَذَا
الْإِسْنَاد وَهُوَ بن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن
سُهَيْل لَا يُوجد الا فِي هَذَا الْمَتْن وَلِهَذَا
قَالَ البُخَارِيّ لَا أعلم لمُوسَى سَمَاعا من
سُهَيْل يَعْنِي انه إِذا لم يكن مَعْرُوفا
بِالْأَخْذِ عَنهُ وَجَاءَت عَنهُ رِوَايَة خَالف
راويها وَهُوَ بن جريج من هُوَ أَكثر مُلَازمَة
لمُوسَى بن عقبَة مِنْهُ رجحت رِوَايَة الملازم
فَهَذَا يُوجِبهُ تَعْلِيل البُخَارِيّ واما من صَححهُ
فَإِنَّهُ لَا يرى هَذَا الِاخْتِلَاف عِلّة قادحه بل
يجوز انه عِنْد مُوسَى بن عقبَة على الْوَجْهَيْنِ
وَقد سبق البُخَارِيّ إِلَى تَعْلِيل هَذِه
الرِّوَايَة احْمَد بن حَنْبَل فَذكر الدَّارَقُطْنِيّ
فِي الْعِلَل عَنهُ انه قَالَ حَدِيث بن جريج وهم
وَالصَّحِيح قَول وهيب عَن سُهَيْل عَن عون بن عبد
الله قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْقَوْل قَول احْمَد
وعَلى ذَلِك جرى أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان
قَالَ بن أبي حَاتِم فِي الْعِلَل سَأَلت أبي وَأَبا
زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَا هَذَا خطأ رَوَاهُ
وهيب عَن سُهَيْل عَن عون بن عبد الله مَوْقُوفا
وَهَذَا أصح قَالَ أَبُو حَاتِم يحْتَمل ان يكون
الْوَهم من بن جريج وَيحْتَمل ان يكون من سُهَيْل
انْتهى وَقد وَجَدْنَاهُ من رِوَايَة أَرْبَعَة عَن
سُهَيْل غير مُوسَى بن عقبَة فَفِي الافراد للدارقطني
من طَرِيق عَاصِم بن عَمْرو وَسليمَان بن بِلَال وَفِي
الذّكر لجَعْفَر الْفرْيَابِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل
بن عَيَّاش وَفِي الدُّعَاء للطبراني من طَرِيق
مُحَمَّد بن أبي حميد أربعتهم عَن سُهَيْل والراوي عَن
عَاصِم وَسليمَان هُوَ الْوَاقِدِيّ وَهُوَ ضَعِيف
وَكَذَا مُحَمَّد بن أبي حميد واما إِسْمَاعِيل فان
رِوَايَته عَن غير الشاميين ضَعِيفَة وَهَذَا مِنْهَا
وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم هَذِه الرِّوَايَة مَا
أَدْرِي مَا هِيَ وَلَا أعلم رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ من
طَرِيق أبي هُرَيْرَة الا من رِوَايَة مُوسَى عَن
سُهَيْل انْتهى وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنَن
وبن حبَان فِي صَحِيحه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء
من طَرِيق بن وهب عَن عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي عَمْرو عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
وَعَن عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ عَن سعيد المَقْبُري عَن عبد الله بن
عَمْرو مَوْقُوفا وَذكر شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام أَبُو
الْفضل عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ
الْحَافِظ فِي النكت الَّتِي جمعهَا على عُلُوم
الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح ان هَذَا الحَدِيث ورد من
رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة عدتهمْ سَبْعَة
زَائِدَة على من ذكر التِّرْمِذِيّ وأحال بِبَيَان
ذَلِك على تَخْرِيجه لأحاديث الاحياء وَقد تتبعت طرقه
فَوَجَدته من رِوَايَة خَمْسَة آخَرين فكملوا خَمْسَة
عشر نفسا وَمَعَهُمْ صَحَابِيّ لم يسم فَلم أضفه إِلَى
الْعدَد لاحْتِمَال ان يكون أحدهم وَقد خرجت طرقه
فِيمَا كتبته على عُلُوم الحَدِيث وأذكره هُنَا
مُلَخصا وهم عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَحَدِيثه
عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير أخرجه
مَوْقُوفا وَعند أبي دَاوُد أخرجه مَوْقُوفا كَمَا
تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَأَبُو بَرزَة
الْأَسْلَمِيّ وَحَدِيثه عِنْد أبي دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ والدارمي وَسَنَده قوي وَجبير بن مطعم
وَحَدِيثه عِنْد النَّسَائِيّ وبن أبي عَاصِم
وَرِجَاله ثِقَات وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَحَدِيثه
عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الصَّغِير وَسَنَده
ضَعِيف وَعبد الله بن مَسْعُود وَحَدِيثه عِنْد بن عدي
فِي الْكَامِل وَسَنَده ضَعِيف والسائب بن يزِيد
وَحَدِيثه عِنْد الطَّحَاوِيّ فِي مُشكل الْآثَار
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَسَنَده صَحِيح وَأنس
بن مَالك وَحَدِيثه عِنْد الطَّحَاوِيّ
وَالطَّبَرَانِيّ وَسَنَده ضَعِيف وَعَائِشَة وحديثها
عِنْد النَّسَائِيّ وَسَنَده قوي وَأَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ وَحَدِيثه فِي كتاب الذّكر لجَعْفَر
الْفرْيَابِيّ وَسَنَده صَحِيح الا انه لم يُصَرح
بِرَفْعِهِ وَأَبُو امامة وَحَدِيثه عِنْد أبي يعلى
وبن السّني وَسَنَده ضَعِيف وَرَافِع بن خديج
وَحَدِيثه عِنْد الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الصَّغِير وَرِجَاله موثوقون الا انه اخْتلف على راوية
فِي سَنَده وَأبي بن كَعْب ذكره أَبُو مُوسَى
الْمَدِينِيّ وَلم أَقف على سَنَده وَمُعَاوِيَة ذكره
أَبُو مُوسَى أَيْضا وَأَشَارَ إِلَى انه وَقع فِي بعض
رُوَاته تَصْحِيف وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
وَحَدِيثه فِي الذّكر للفريابي أَيْضا وَفِي سَنَده
ضعف يسير وَعلي بن أبي طَالب وَحَدِيثه عِنْد أبي
عَليّ بن الْأَشْعَث فِي السّنَن المروية عَن أهل
الْبَيْت وَسَنَده
(13/545)
واه وَعبد الله بن عمر وَحَدِيثه فِي
الدَّعْوَات من مُسْتَدْرك الْحَاكِم وَحَدِيث رجل من
الصَّحَابَة لم يسم أخرجه بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من
طَرِيق أبي معشر زِيَاد بن كُلَيْب قَالَ حَدثنَا
رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنهُ وَرِجَاله ثِقَات وَوَقع لي
مَعَ ذَلِك من مَرَاسِيل جمَاعَة من التَّابِعين
مِنْهُم الشّعبِيّ وَرِوَايَته عِنْد جَعْفَر
الْفرْيَابِيّ فِي الذّكر وَيزِيد الْفَقِير
وَرِوَايَته فِي الكنى لأبي بشر الدولابي وجعفر أَبُو
سَلمَة وَرِوَايَته فِي الكنى للنسائي وَمُجاهد
وَعَطَاء وَيحيى بن جعدة ورواياتهم فِي زيادات الْبر
والصلة للحسين بن الْحسن الْمروزِي وَحسان بن عَطِيَّة
وَحَدِيثه فِي تَرْجَمته فِي الْحِلْية لأبي نعيم
وأسانيد هَذِه الْمَرَاسِيل جِيَاد وَفِي بعض هَذَا
مَا يدل على ان للْحَدِيث أصلا وَقد استوعبت طرقها
وبينت اخْتِلَاف أسانيدها وألفاظ متونها فِيمَا علقته
على عُلُوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح فِي الْكَلَام
على الحَدِيث الْمَعْلُول وَرَأَيْت ختم هَذَا
الْفَتْح بطرِيق من طرق هَذَا الحَدِيث مُنَاسبَة
للختم أسوقها بالسند الْمُتَّصِل العالي بِالسَّمَاعِ
والاجازة إِلَى منتهاه قَرَأت على الشَّيْخ الامام
الْعدْل الْمسند المكثر الْفَقِيه شهَاب الدّين أبي
الْعَبَّاس احْمَد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد
بن زَكَرِيَّا الْقُدسِي الزَّيْنَبِي بمنزله ظَاهر
الْقَاهِرَة أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عبد
الْعَزِيز بن عِيسَى بن أبي بكر الأيوبي أَنبأَنَا
إِسْمَاعِيل بن عبد الْمُنعم بن الخيمي أَنبأَنَا
أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز بن احْمَد بن باقا
أَنبأَنَا أَبُو زرْعَة طَاهِر بن مُحَمَّد بن طَاهِر
أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن حمد ح وقرأته عَالِيا على
الشَّيْخ الامام الْمُقْرِئ الْمُفْتِي الْعَلامَة أبي
إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن احْمَد بن عبد الْوَاحِد بن
عبد الْمُؤمن بن كَامِل عَن أَيُّوب بن نعْمَة
النابلسي سَمَاعا عَلَيْهِ أَنبأَنَا إِسْمَاعِيل بن
احْمَد الْعِرَاقِيّ عَن عبد الرَّزَّاق بن
إِسْمَاعِيل القومسي أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن حمد
الدو أَنبأَنَا أَبُو نصر احْمَد بن الحيسن الكسار
أَنبأَنَا أَبُو بكر احْمَد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق
الْحَافِظ الْمَعْرُوف بِأَن السّني أَنبأَنَا أَبُو
عبد الرَّحْمَن احْمَد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ
أَنبأَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق هُوَ الصغاني حَدثنَا
أَبُو مُسلم مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ حَدثنَا
خَلاد بن سُلَيْمَان هُوَ الْحَضْرَمِيّ عَن خَالِد بن
أبي عمرَان عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذا جلس مَجْلِسا أَو صلى تكلم بِكَلِمَات
فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ ان تكلم بِكَلَام خير
كَانَ طابعا عَلَيْهِ يَعْنِي خَاتمًا عَلَيْهِ إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة وان تكلم بِغَيْر ذَلِك كَانَت
كَفَّارَة لَهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك
لَا اله الا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَالله
أعلم وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا
مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته
وَالتَّابِعِينَ لم بِإِحْسَان وَسلم تسلميا كثيرا
(13/546)