فيض القدير شرح
الجامع الصغير 435 - (إذا استيقظ) أي انتبه وفي رواية إذا
قام (أحدكم) خطاب في عمومه خلف والأصح عدمه لكن العموم هنا
بدليل آخر ذكره الطيبي وغيره (من نومه) فائدة ذكره من نومه
مع أن الاستيقاظ لا يكون إلا من نوم دفع توهم مشاركة الغشي
فيه وفائدة إضافة النوم إلى أحدنا مع أن أحدا لا يستيقظ من
نوم غيره الإيماء إلى أن نومه مغاير لنومنا إذ لا ينام
قلبه وفيه شمول لنوم النهار وقول ابني جرير وراهويه وداود
خاص بنوم الليل لقوله في رواية ابن ماجه إذا استيقظ أحدكم
من الليل رده ابن دقيق العيد بأن في ذكر السبب المترتب على
النوم ما يشعر بتعميم المعنى والحكم يعم بعموم علته فيكون
من مفهوم الموافقة أي الأولوية نعم قال الرافعي الكراهة في
نوم الليل أشد لأن احتمال الافضاء فيه أظهر (فلا يدخل) وفي
رواية فلا يضع أي ندبا فلو فعل لم يتنجس الماء خلافا لداود
والحسن البصري والطبري فعلم أن النهي للتنزيه وصرفه عن
التحريم التعليل بأمر يقتضي الشك إذ الشك لا يقتضي وجوبا
في هذا الحكم استصحابا للطهارة ولهذا قال بعضهم هذا يرده
القاعدة المتفق عليها أن التردد لا يوجب العمل بخلاف الأصل
وهو الطهارة (يده) مفرد مضاف فيعم كل يد ولو زائده (في
الإناء) الذي فيه ماء الوضوء أو الغسل وبين به أن النهي
مخصوص بالآنية المعدة للطهر وما فيها ماء قليل بخلاف نحو
بركة وحوض إذ لا يخاف فساد مائه بغمس اليد فيه بقرض
نجاستها لكثرته (حتى يغسلها ثلاثا) فيكره إدخالها قبل
استكمال الثلاث ولا تزول الكراهة بمرة مع تيقن الطهر لها
لأن الشارع إذا غيا حكما بغاية وعقبه وصفا مصدرا بالفاء
وأن أو بأحدهما كان إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله فلا يخرج
عن عهدته إلا باستيفائها فاندفع استشكاله بأنه لا كراهة
عند تيقن الطهر ابتداء (فإن) قال الكمال ابن أبي شريف:
الفاء فيه لبيان أن ما بعدها علة الحكم (أحدكم لا يدري أين
باتت يده) من جسده أي هل لاقت محلا طاهرا أم نجسا كبثرة أو
جرح أو محل نجو أو غيرها والتعليل به غالبي إذ لو نام
نهارا أو علم أن يده لم تلق نجسا كأن لفها في خرقة أو شك
في نجاستها بلا نوم ندب غسلها فقد صح أن المصطفى صلى الله
عليه وسلم غسل يديه قبل إدخالهما الإناء حال اليقظة مع
تيقن الطهر فمع الشك أولى لكن القائم من النوم يسن له
الفعل ويكره تركه والمستيقظ يسن له الفعل ولا يكره تركه
لعدم ورود النهي ذكره ابن حجر كغيره وهو غير معتبر لتصريح
أئمة مذهبه بالكراهة فيها وقال الولي العراقي قال الخليل
في المغني البيتوتة دخولك في الليل وكونك فيه بنوم وغيره
ومن قال بت بمعنى نمت وقصره عليه فقد أخطأ. واعلم أن بات
قد يكون بمعنى صار كما في {ظل وجهه مسودا}
وذكر غير واحد أن بات هنا بمعنى صار منهم الآمدي وابن
عصفور والزمخشري وابن الصائغ وابن برهان فلا يختص بوقت
وقال ابن الخباز توهم كثير دلالتها على النوم يبطله قوله
تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ويدري من أفعال
القلوب وهو معلق عن العمل فيما بعده باسم الاستفهام الذي
هو أين وقد أشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يمكن
تعلقه بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام
ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام فقالوا معناه لا يدري
تعيين الموضع الذي باتت فيه يده فيكون فيه مضاف محذوف وليس
استفهاما وإن كان صورته صورته والنهي للتنزيه لا للتحريم
عند الجمهور ومعقول لا تعبدي خلافا لبعض المالكية
والحنابلة وليست الرجل كاليد خلافا لابن حزم لأن اليد آلة
الاستعمال والرجل لا تشاركها في الجولان وبفرضه هي أقل
جولانا وليس الحكم خاصا بنوم الليل كما مر نعم فرق أحمد
بينهما بالنسبة للوجوب وللندب فجعله في نوم الليل واجبا
وفي النهار [ص:279] مندوبا وهو كما قال النووي مذهب ضعيف
إذ قوله من نومه اسم جنس فيعم كل نوم وقوله في رواية أخرى
من الليل من ذكر بعض أفراد العام ثم قال العراقي وإذا تقرر
أن العلة احتمال النجاسة فلا يختص الحكم بحال الانتباه من
النوم فمتى شك في طهر يده كره غمسها قبل غسلها ثلاثا وإن
لم يكن انتبه من نوم. هذا مذهبنا كالجمهور ومن يرى الحكم
تعبديا لا يلحق الشك بالنوم. قال ابن قدامة: ولا فرق بين
كون النائم متسرولا أو يده في جراب أو لا لأن الحكم إذا
علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة لبراءة الرحم
قال وغمس بعض اليد ولو بعض أصبع أو ظفر ككلها لوجود العلة
وقوله فلا يدخل يده يدل على أنه إذا غسل إحداهما أدخلها
وإن لم تغسل الآخرى خلافا لبعض المالكية ولا تجب نية عند
غسلهما إلا عند من أوجبه وزعم أنه تعبدي وقوله في الإناء
محمول على إناء دون قلتين كما في غالب الأواني وفيه أنه
يندب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة
فالمحققة أولى إذ المتوهمة لا يحصل الاحتياط فيها بالنضح
بل لا بد من الغسل وأن محل الاستنجاء بالحجر لا يطهر بل
يعفى عنه بالنسة للصلاة وأن الماء القليل ينجس بوصول نجس
إليه وإن قل ولم يغيره لأن الذي يعلق باليد ولا يرى في
غاية القلة وأن الغسل سبعا غير عام في جميع النجاسات وهو
قول الجمهور خلافا لأحمد والأخذ بالوثيقة العمل بالاحتياط
ما لم يخرج إلى الوسوسة واستعمال لفظ الكناية فيما يتحاشى
عن التصريح به وغير ذلك واستدل بهذا الحديث على التفريق
بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وهو جلي وعلى أن النجاسة
تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم
يتغير فيه ما فيه إذ مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير
بالتنجيس فيحتمل أن الكراهة بالمتيقن أشد منها بالمظنون
فلا دلالة فيه قطعية ذكره ابن دقيق العيد
(تتمة) قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في
شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال
متهكما به أنا أدري أين باتت يدي ياتت في الفراش فأصبح وقد
أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر فليتق امرؤ
استخفافا بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله
قال النووي: ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا وتواترت
الأخبار به وثبت عند الثقات أن رجلا بقرية بلاد بصرى في
سنة خمس وستين وست مئة كان سيء الاعتقاد في أهل الخير
وابنه يعتقدهم فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال
مستهزئا أعطاك شيخك هذا السواك فأخذه وأدخله في دبره
استحقارا له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك
جروا قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم مات الرجل حالا أو بعد
يومين
(مالك) في الموطأ (والشافعي) في مسنده (حم ق 4) كلهم في
الطهارة عن أبي هريرة واللفظ لمسلم قال المناوي وغيره ولم
يقل البخاري ثلاثا انتهى وبه يعرف أن ما أوهمه صنع المؤلف
من أن الكل رووا الكل غير صواب فكان عليه تحرير البيان كما
هو دأب أهل هذا الشأن
(1/278)
436 - (إذا استيقظ أحدكم من منامه) ليلا أو
نهارا (فتوضأ) أي أراد الوضوء. قال ابن أبي شريف: والفاء
عاطفة (فليستنثر) بأن يخرج ما على أنفه من أذى بنفسه بعد
الاستنشاق. قال القاضي: استنثر حرك النثرة وهي طرف الأنف
ويجوز كونها بمعنى نثرت الشيء إذا بذرته. والفاء للجواب
(ثلاث مرات) وتحصل سنة الاستنشاق بلا استنثار لكن الأكمل
إنما تحصل به (فإن) الفاء لبيان العلة (الشيطان) الظاهر أن
المراد الجنس (يبيت) حقيقة أو مجازا على ما سيأتي إن شاء
الله تعالى (على خياشيمه) بخاء وشين معجمة جمع خيشوم فيعول
وهو أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو
محل الحس المشترك ومستقر الحياة فإذا نام اجتمعت فيه
الأخلاط وانعقد المخاط وكل الحس وتشوش حتى ينسد مجاري
النفس فيتعرض له الشيطان حينئذ لمحبته محل الأقذار بأضغاث
أحلام فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل
والكلال واستعصى عليه النظر الصحيح وعسر عليه القيام على
حقوق الصلاة من نحو خضوع وخشوع هذا هو المراد بالبيتوتة أو
أن المراد أن الشيطان يترصد للإنسان في اليقظة ويوسوس له
في الأحوال مع سمع وبصر ونطق وغيرها فإذا نام [ص:280]
انسدت تلك المنافذ إلا منفذ النفس من الخيشوم وهو باب
مفتوح إلى قبة الدماغ فيبيت دون ذلك الباب وينفث بنفخه
ونفثه في عالم الخيال ليريه من الأضغاث ما يكرهه فأرشد
المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته أن تمحو باستعمال الطهور
على وجه التعبد آثار تلك النفحات والنفثات عن مجاري
الأنفاس. وقال في البحر: خص الخيشوم لأن العين باب النظر
إلى خلق السماوات والأرض فهو باب العبرة والفم باب الذكر
والأذن باب سماع العلم والذكر وليس في الخيشوم شيء من هذه
المعاني فكان محل مدخل الشيطان لبدن الإنسان للوسوسة
<تنبيه> قال القاضي: هذه الفاآت الثلاث الأولى للعطف
والثانية جواب الشرط دخل على الأمر والثالثة فاء السببية
دخلت الجملة لتدل على أن ما بعده علة للأمر بالاستنثار
(ق ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن خزيمة
(1/279)
437 - (إذا استيقظ أحدكم) أي رجعت روحه
لبدنه بعد نومه (فليقل ندبا الحمد لله) أي الثناء على الله
سبحانه وتعالى (الذي رد علي روحي) احساسي وشعوري والنوم
أخو الموت قال الله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها
والتي لم تمت في منامها} الآية ومن ثم قيل النوم موت خفيف
والموت نوم ثقيل (وعافاني) سلمني من الآفات والبلاء (في
جسدي) أي بدني وظاهره أنه يقوله وإن كان مريضا أو مبتلى
لأنه ما من بلاء إلا وفوقه أعظم منه (وأذن لي بذكره) أي
فيه بأن أيقظ قلبي وأجري لساني به وفيه ندب الذكر عند
الانتباه من النوم وأفضله المأثور وهو كثير ومنه هذا
المذكور
(ابن السني) في اليوم والليلة (عن أبي هريرة) قال النووي
سنده صحيح. وقال ابن حجر: حسن فقط لتفرد محمد بن عجلان به
وهو سيء الحفظ وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وظاهره اقتصاره على
ابن السني أنه لم يخرجه أحد من السنة ولا كذلك بل رواه
الترمذي والنسائي وقال مغلطاي ليس لحديثي عزو حديث في أحد
الستة لغيرها إلا لزيادة ليست فيها أو لبيان سنده ورجاله
(1/280)
438 - (إذا أسلم العبد) أي صار مسلما
بإتيانه بالشهادتين وانقياده للأحكام هذا ما في النسخ وفي
رواية إذا أسلم الكافر وهذا الحكم يشترك فيه الرجال
والنساء فذكره بلفظ المذكر تغليب (فحسن اسلامه) أي قرن
الإيمان بحسن العمل وقيل بأن أخلص فيه وصار باطنه كظاهره
واستحضر عند عمله قرب ربه منه واطلاعه عليه (يكفر الله
عنه) بالرفع لأن إذا وإن كانت أداة شرط لا تجزم إلا في
الضرورة واستعمل الجواب مضارعا لأن الشرط بمعنى الاستقبال
وإن كانت بلفظ الماضي ذكره ابن حجر وغيره وقال الكرماني:
الرواية إنما هي بالرفع وإن جاز الجزم. قال الزمخشري:
والتكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة وفي
رواية كفر الله فواخى بينهما (كل سيئة كان زلفها) قال
الخطابي بالتخفيف وقال النووي بالتشديد أي قدمها من الزلف
وهو التقديم وفي رواية النسائي أزلفها أي محى عنه كل خطيئة
قدمها على إسلامه بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه لأن الإسلام
يجب ما قبله لكن الكلام في خطيئة متعلقة بحق الله تعالى من
العقوبات بخلاف الحق المالي نحو كفارة ظهار ويمين وقتل
فإنه لا يسقط (وكان بعد ذلك) أي بعد ما علم من المجموع أو
بعد حسن الإسلام (القصاص) المقاصصة والمجازاة واتباع كل
عمل بمثله والقصاص مقابلة الشيء بالشيء أي كل شيء يعمل
يوضع في مقابلة شيء آخر إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهو
بالرفع اسم كان ويجوز جعلها تامة وعبر بالمعاصي لتحقق
الوقوع ثم فسر القصاص بقوله (الحسنة بعشر أمثالها) مبتدأ
وخبر والجملة استئنافية تقديره تكتب بعشر أمثالها كما يدل
له خبر: اكتبوها لعبدي عشرا (إلى سبع مئة ضعف) أي [ص:281]
منتهية إلى ذلك وأخذ الماوردي بظاهر الغاية فزعم أن نهاية
التضعيف سبع مئة ورد بعموم قوله تعالى {والله يضاعف لمن
يشاء} وبخبر البخاري كتب الله له عشر حسنات إلى سبع مئة
ضعف إلى أضعاف كثيرة (والسيئة بمثلها) أي فيؤاخذ بها
مؤاخذة مثلها فلا يزاد عليها فضلا منه تعالى حيث جعل
الحسنة بعشر والسيئة كما هي (إلا أن يتجاوز الله عنها)
بقبول التوبة أو بالعفو عن الجريمة قال الطيبي: فقوله
السيئة بمثلها هو المراد بالقصاص لأن المثلية معتبرة فيه
وأن السيئة هي التي تنقص في الشرع مجازاة بمثل ما فعله من
نحو جرح وقتل فيؤخذ الجاني بما جنى منه بغير زيادة انتهى
وفي أول الحديث رد على من ينكر زيادة الإيمان ونقصه لأن
الحسن تتفاوت درجاته وفي آخره رد على الخوارج المكفرين
بالذنوب والمعتزلة الموقنين بخلود المؤمن في النار. وقال
ابن حجر: ثبت في جميع الروايات ما سقط في رواية البخاري
وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام فقيل أسقطه
لاشكاله لأن الكافر لا تصح عبادته لفقد النية ورده النووي
بأن الذي عليه المحققون بل حكي عليه الإجماع أنه إذا فعل
قربة كصدقة وصلة ثم أسلم أثيب عليها. قال ابن حجر: ويحتمل
أن القبول يعلق على إسلامه فإن أسلم أثيب وإلا فلا وهذا
أقوى
(خ ن) وكذا الدارقطني في غرائب مالك والبزار وسمويه
والإسماعيلي والحسن بن أبي سفيان (عن أبي سعيد) الخدري
وقضية صنيع المؤلف أن البخاري خرجه مسندا وهو ذهول بل علقه
فقال: وقال مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد يرفعه
انتهى. قال ابن حجر: ولم يوصله في موضع آخر من الكتاب
ووصله أبو ذر ورواه سمويه عنه بلفظ إذا أسلم العبد كتب
الله له كل حسنة قدمها ومحا عنه كل سيئة أزلفها
(1/280)
439 - (إذا أشار الرجل) أي حمل كما بينته
رواية من حمل علينا السلاح (على أخيه) في الإسلام وإن كان
أجنبيا (بالسلاح) بالكسر آلة القتال والحرب كسيف وقوس
والمراد أنه حمل عليه السلاح ليقتله وكان قصد المحمول عليه
قتل الحامل أيضا (فهما على جرف) بالجيم وضم الراء وسكونها
وبحاء مهملة وسكون الراء جانب أو طرف (جهنم) أي هما قريب
من السقوط فيها (فإذا قتله وقعا فيها جميعا) أما القاتل
فظاهر وأما المقتول فلقصده قتل أخيه وفيه أن من نوى معصية
وأصر أثم وإن لم يفعلها
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي بكرة) الثقفي ورواه عنه
الطبراني وغيره ورمز المصنف لصحته
(1/281)
440 - (إذا اشتد) أي قوي (الحر فأبردوا) من
الإبراد أي الدخول في البرد فالباء في (بالصلاة) للتعدية
وقيل زائد أي أدخلوا الصلاة في البرد والمراد صلاة الظهر
كما بينته الرواية المارة أي أخروها إلى انحطاط قوة الوهج
من حر الظهيرة إلى أن يقع للحيطان ظل يمشي فيه قاصد
الجماعة بشروط مر التنبيه عليها وأشار إلى بعض منها بقوله
(فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي من سطوع حرها وثوران لهبها
وانتشاره سميت جهنم لبعد قعرها وهي عربية أو معربة فارسية
أو عبرانية واستشكل بأن فعل الصلاة مظنة وجود الرحمة
ففعلها مظنة طرد العذاب فكيف أمر بتركها؟ وأجيب بأن وقت
صهور الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه وفي
رواية البخاري بدل بالصلاة عن الصلاة. قال الكرماني:
والباء هي الأصل وأما عن ففيه تضمين معنى التأخير أي
تأخروا عنها مبردين وقيل هما بمعنى وعن تطلق بمعنى الباء
كرميت عن القوس أي بها وقال اليعمري والولي العراقي عن
بمعنى الباء أو زائدة أي أبردوا الصلاة
(حم ق 3 عن أبي هريرة حم ق د ت عن أبي ذر ق عن ابن عمر) بن
الخطاب قال المؤلف: والحديث متواتر
(1/281)
[ص:282] 441 - (إذا اشتد كلب) بالتحريك
(الجوع) في القاموس الأكل الكثير بلا شبع الظاهر أن لفظ
الكلب هنا مقحم للتأكيد (فعليك) يا أبا هريرة والحكم عام
(برغيف) فعيل بمعنى مفعول إذ الرغيف جمعك العجين تكتله
بيدك مستديرا ذكره الزمخشري قال: ومن المجاز وجه مرغف غليظ
(وجر) بفتح الجيم منونا جمع جرة إناء معروف (من ماء
القراح) كسحاب الخالص الذي لا يشوبه شيء (وقل) لنفسك مزهدا
لها بلسان القال أو الحال بأن تجرد منها نفسا تخاطبها
بقولك (على) متاع (الدنيا وأهلها الدمار) بفتح المهملة
وخفة الميم الهلاك يعني أنزلهم منزلة الهالكين فلا أنزل
بهم حاجاتي ولا أتواضع لهم لغناهم لأنهم في نفس الأمر لا
يقدرون على شيء فليس المراد الدعاء عليهم بالهلاك بل
أنزلهم منزلة الموتى الهلكى فإن من هلك لا يقدر على شيء
وكذا الدنيا وأهلها. والقصد الحث على التقنع باليسير
والزهد في الدنيا والإعراض عن شهواتها
(عد هب عن أبي هريرة) وفيه الحسين بن عبد الغفار قال
الدارقطني متروك والذهبي متهم وأبو يحيى الوقاد قال الذهبي
كذاب
(1/282)
442 - (إذا اشتد الحر فاستعينوا) على دفع
أذاه (بالحجامة) لغلبة الدم حينئذ (لا يتبيغ) أي لئلا يهيج
(الدم بأحدكم فيقتله) وفيه حث على التداوي فهو سنة ولو
بالحجامة وذلك لا ينافي التوكل كما مر ويأتي
(ك) في الطب (عن أنس) وقال صحيح وأقره الذهبي وهو مما بيض
له الديلمي
(1/282)
443 - (إذا اشترى أحدكم بعيرا) بفتح
الموحدة وقد تكسر وعبر به دون الجمل لأن البعير يشمل
الأنثى بخلافه وقصده التعميم (فليأخذ) ندبا عند تسلمه
(بذروة) بالضم والكسر (سنامه) أي بأعلى علوه وسنام كل شيء
أعلاه وقوله فليأخذ يحتمل أن المراد به فليقبض على سنامه
بيده والأولى كونها اليمنى ويحتمل أن المراد فليركبه
(وليتعوذ بالله من الشيطان) الرجيم لأن الإبل من مراكب
الشيطان فإذا سمع الاستعاذة فر. وظاهر الحديث أنه يقتصر
على الاستعاذة لكن في حديث آخر ما يفيد أنه يندب الإتيان
معها بالبسملة وفي آخر أنه يدعو بالبركة روى ابن ماجه عن
ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشترى أحدكم الجارية فليقل
اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من
شرها وشر ما جبلتها عليه وليدع بالبركة وإذا اشترى بعيرا
فليأخذ بذروة سنامه وليدع بالبركة وليقل مثل ذلك انتهى هذا
ويحتمل أن الأمر بالاستعاذة إنما هو لما في الإبل من العز
والفخر والخيلاء كما يأتي إن شاء الله تعالى فهو استعاذة
من شر ذلك الذي يحبه الشيطان ويأمر به ويحث عليه والاشتراء
بذل الثمن لتحصيل عين فإن كان أحد العوضين ناضا فهو الثمن
وإلا فبأي العوضين تصور بصورة الثمن فباذله مشتر وآخذه
بائع ولهذا عدت الكلمتان من الأضداد ويستعار للإعراض عما
بيده محصلا به غيره من المعاني أو الأعيان وقد يتسع فيه
فيستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره
(د) في النكاح (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المؤلف لحسنه
قال في الفردوس وفي الباب أبو هريرة رضي الله عنه
(1/282)
[ص:283] 445 - (إذا اشترى أحدكم لحما)
فطبخه (فليكثر مرقته) بفتح الراء وقد تسكن والأمر ندبي أو
إرشادي (فإن لم يصب أحدكم لحما) أي شيئا منه لكثرة الآكلين
(أصاب مرقا وهو أحد اللحمين) لأنه ينزل منه في المرق
بالغليان قوت يحصل به الغذاء قال الحافظ العراقي واشترى
خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له فالحكم كذلك إن اشترى له أو
أهدى له أو تصدق به عليه وغير ذلك ففي كل ذلك يستحب طبخه
لإكثار المرق وفيه أن اللحم المطبوخ أفضل من المشوي لعموم
نفعه بل قال بعضهم إن في أكل المشوي ضررا من جهة الطب وفيه
إيماء إلى الحث على مواساة العيال والإخوان والجيران ومنع
الاستبداد وفيه شجاعة للنفس عن تجنب البخل وأن لا يلتفت
إلى وعد الشيطان ذهاب الغنى وإتيان الفقر وحث على القناعة
والاكتفاء بما تيسر
(ت ك) في الأطعمة (هب) كلهم (عن عبد الله المزني) قال
الترمذي غريب وقال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد
بن فضالة الأزدي ضعفوه ورواه البيهقي وزاد وليغرف للجيران
(1/283)
446 - (إذا اشتريت نعلا) أي حذاء يقي قدمك
من الأرض قال في المصباح ويطلق على التاسومة ويظهر أن يلحق
به الخف (فاستجدها) بسكون الدال الخفيفة أي اتخذها جيدة
كما يدل له خبر إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا وأن تكون
نعله حسنة لا من الجديد المقابل للقديم وإلا لقال استجدها
بالتشديد والرواية بخلافه (وإذا اشتريت ثوبا) قميصا أو جبة
أو عمامة أو رداء (فاستجده) فيه العمل المقرر والأمر
إرشادي والظاهر أن المراد باستجادة النعل أو الثوب كونه
صفيقا محكم الصنعة يبقى مدة مديدة للانتفاع به عادة لا
كونه من نعال أو ثياب المترفين المتصلفين المبالغين في
التعمق في التزين
(طس عن أبي هريرة وعن ابن عمر بزيادة وإذا اشتريت دابة)
أي إذا أردت شراء دابة للركوب من فرس أو بعير أو بغل أو
حمار (فاستفرهها) بهمزة وصل أي اجتهد أن تكون ذات نشاط
وخفة وسرعة يقال حمار وبرذون فاره بين الفروهة والفراهة
والفره النشاط والخفة والأمر إرشادي (وإذا كانت عندك كريمة
قوم) أي زوجة أو سرية كريمة من قوم كرام (فأكرمها) بأن
تفعل بها ما يليق بمنصب آبائها وعصباتها وخص المذكورات لأن
عليها مدار نظام الأمور الدنيوية وألزم الأشياء للإنسان
قال الهيتمي فيه أبو أمية بن يعلى وهو متروك
(1/283)
447 - (إذا اشتكى المؤمن) أي أخبر عما
يقاسيه من ألم المرض هذا أصله والمراد هنا إذا مرض سمى
المرض شكوى لأنه يشكو منه غالبا إلى غيره وقوله المؤمن
إشارة إلى البالغ في الإيمان الذي كملت فيه أخلاقه لأنه
الذي يتلقاه بحسن صبر ورضا (أخلصه) ذلك (من الذنوب) أي
الصغائر قياسا على النظائر (كما تخلص الكير خبث الحديد) أي
صفاه تألمه بمرضه من ذنوبه كتصفية الكير للحديد من الخبث
فإسناد التصفية إلى المرض مجازية كأنبت الربيع البقل فإن
أسند الفعل إلى الله فهو على الحقيقة قال الحراني: وهذا
فيما إذا تلقى العبد المرض على أنه طهرة وكفارة فحينئذ
ينشيء الله له التصبر فيعاجله بفضل الله الشفاء ويبدل عوض
ما أخذه المرض الصحة المباركة والخلق الأطيب كما يحقق
بالتجربة لذوي البصائر وقال الحكيم الترمذي: المريض قد
توسخ وتدنس وتكدر طيبه فأبى الله أن يضيعه فسلط عليه السقم
حتى إذا تمت مدة التمحيص خرج منها كالبردة في الصفاء وفي
وجهه طلاوة وحلاوة وقد تقدم أمر الله إلى العباد أن يحفظوا
جوارحهم عن الدنس ليصلحوا لجوار القدس فتركوا الرعاية
وضيعوا الحفظ فدلهم على [ص:284] أن يتطهروا بالتوبة فلم
يفعلوا وأصروا على جهد من نفوسهم الشهوانية ثم دعاهم إلى
الفرائض ليتطهروا بها فخلطوها وغشوها وأدوها على النقصان
والوسوسة والمكاسب الرديئة فلم تكن مطهرة لهم إذ لا تطهر
النجاسة بالنجاسة ولا ينقى الدنس بالوسخ فلما رأى حالتهم
هذه رحمهم فداواهم بالأسقام ليطهرهم فإذا قابل المريض ذلك
بالصبر أخرجه صافيا طاهرا
(خد حب طس عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الهيتمي
رجاله ثقات إلا أني لم أعرف شيخ الطبراني
(1/283)
448 - (إذا اشتكيت) أي مرضت (فضع يدك حيث
تشتكي) على الموضع الذي يؤلمك ولعل حكمة الوضع أنه كبسط
اليد للسؤال (ثم قل) ندبا (بسم الله) ظاهره أنه لا يزيد
الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد البسملة بكمالها (أعوذ) أي
أعتصم بحضور قلب وجمع همة. قال الزمخشري: والعياذ واللياذ
من واد واحد (بعزة الله وقدرته من شر ما أجد) زاد في رواية
لابن ماجه وأحاذر (من وجعي هذا) أي مرضي وألمي هذا تأكيد
لطلب زوال الألم وأخر التعوذ لاقتضاء المقام ذلك (ثم ارفع
يدك ثم أعد ذلك) أي الوضع والتسمية والاستعاذة بهذه
الكلمات (وترا) أي ثلاثا كما بينه في رواية مسلم وفي حديث
آخر سبعا كما يأتي إن شاء الله تعالى وفي أخرى التسمية
ثلاثا والاستعاذة سبعا يعني فإن ذلك يزيل الألم أو يخففه
بشرط قوة اليقين وصدق النية ويظهر أنه إذا كان المريض نحو
طفل أن يأتي به من يعوذه ويقول من شر ما يجد هذا ويحاذر
وإطلاق اليد يتناول اليسرى فتحصل السنة بوضعها لكن الظاهر
من عدة أحاديث تعين اليمنى للتيمن أي إلا لعذر. فإن قلت لم
عبر بالوضع دون الألم؟ قلت: إشارة إلى ندب الذكر المذكور
وإن لم يكن المرض شديدا إذ الألم كما قال الراغب: الوجع
الشديد فلو عبر به اقتضى أن الندب مقيد بما إذا اشتد الوجع
وأنه بدون الشدة غير مشروع وهذا الحديث من الطب الروحاني
<تنبيه> قال بعض العارفين الحكمة في كون الرقي سبعا وأنواع
التعوذات سبعا ما اجتمع فيه من فردية الأزواج في وتر الباء
والسين والعين وزوجية الأفراد في شفع الواحد والثلاث
والخمس والسبع بحروفها وهو الألف والجيم والهاء والزاي
فتثلثت فيه الأزواج وتربعت فيه الأفراد فكمال السبع كمال
عالم الابتداع فكان مجموع السبع كمالا للحكمة وحجابا
للأحدية فوقع انحصار الأمر في عالم السبع ورد نحو هذا
الحديث
(ت ك) في الطب (عن أنس) رضي الله تعالى عنه قال الترمذي
حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وكما ورد ذلك من
قوله ورد من فعله ففي مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص كان
يضع يده على الذي يألم من جسده ويقول بسم الله ثلاثا ويقول
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر قال الطيبي:
يتعوذ من وجع ومكروه أو مما يتوقع حصوله في المستقبل من
حزن وخوف قال والحذر الاحتراز عن مخوف
(1/284)
449 - (إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا) يأكله
(فليطعمه) ما اشتهاه ندبا حيث لم يقطع بعظم ضرره له لأن
المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي وكان فيه
ضرر ما: كان أنفع مما لا يشتهيه وإن كلن نافعا في نفسه فإن
صدق شهوته ومحبته الطبيعية له يدفع ضرره وبغض الطبيعة
وكراهتها للنافع قد يجلب له منها ضررا وبهذا التوجيه
الوجيه يعرف أنه لا حاجة لقول الطيبي هذا إما بناء على
التوكل وأنه تعالى هو الشافي أو أن المريض قد شارف الموت
انتهى. ومن البين الذي لا يستراب فيه أن اللذيذ المشتهى
تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحد الوجوه لكن
الكلام في شيء قليل يكسر حدة الشهوة أما الاكثار فالحذر
الحذر
(هـ عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما قال: عاد المصطفى
صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: ما تشتهي قال: خبز بر فقال:
من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ثم ذكره وفيه صفوان
ابن هبيرة ضعفه الذهبي وقال شيخ بصري لا يعرف
(1/284)
[ص:285] 450 - (إذا أصاب أحدكم مصيبة) شدة
ونازلة وهي وقوع ما لا يوافق غرض النفس من المكروه فال أبو
البقاء: وياؤه منقلبة عن واو لأنها من صاب يصوب إذا نزل
وجمعها مصائب على غير قياس وقياسه مصاوب (فليقل) ندبا وعند
الصدمة الأولى آكد (إنا) معشر الخلائق (لله) الملك المحيط
الذي نحن وأهلونا وأموالنا عبيد له (وإنا إليه) يوم
انفراده بالحكم لا إلى غيره (راجعون) بالبعث والنشر
والمراد أن جميع أمورنا لا يكون شيء منها إلا به (اللهم
عندك) قدم للاختصاص أي لا عند غيرك فإنه لا يملك الضر
والنفع إلا أنت (أحتسب) أدخر ثواب (مصيبتي) في صحائف
حسناتي (فآجرني) بالمد والقصر يقال آجره يؤجره أثابه وكذا
أجره يأجره والأمر منهما آجرني بهمزة قطع ممدودة وكسر
الجيم كأكرمني وأجرني كأنصرني (فيها وأبدلني بها خيرا
منها) والباء داخلة على المتروك تشبيها للابدال بالتبدل
يعني أثبني بهذه المصيبة أي اجعل لي بدل ما فاتني شيئا آخر
أنفع منه. وقال ابن القيم: وذا من أبلغ علاج المصاب وأنفعه
في عاجلته وآجلته لتضمن ذلك لأصلين عظيمين إذا استحضرهما
المصاب سهلاها: هما أن العبد وملكه ملك الله حقيقة وهو عند
العبد عارية وأن مرجع العبد إلى مولاه الحق ولا بد أن يخلف
الدنيا وراءه ويأتيه فردا ومن هذا غايته كيف يفرح بموجود
أو يأسف على مفقود وقد عد بعضهم الاسترجاع من خصائص هذه
الأمة لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما أصابه ما أصابه
لم يسترجع بل قال {يا أسفا على يوسف} وأنت خبير بأنه لا
شاهد فيه لأنه بعد إرخاء العنان وفرض تسليم أنه لم يقله لا
يلزم أن غيره من الأنبياء وأممهم لم يشرع لهم فظاهر قوله
فليقل أن المراد به مرة واحدة فورا وذلك في الموت عند
الصدمة الأولى لكن يأتي في خبر أنه إذا تذكر المصيبة بعد
زمن طويل فاسترجع أجرى له أجرها فيحمل ما هنا على الآكد
(د) في الجنائز (ك عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها هي
بفتح المهملة واللام بنت أمية أم المؤمنين واسمها هند
المخزومية وكانت ذات جمال بارع قالت لما احتضر أبو سلمة
قال اللهم اخلفني في أهلي خيرا مني فلما قبض قلت إنا لله
إلى آخره قال الترمذي حسن غريب
(1/285)
451 - (إذا أصاب أحدكم هم) أطلق القاموس
إنه الحزن وقال التوربشتي أنه الحزن الذي يذيب الإنسان قال
والحزن خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم أخذا من
حزونة الأرض وعليه فالهم أخص وأبلغ من الحزن وقيل الهم
مختص بالآتي والحزن بالماضي وقال المظهر الغم الحزن الذي
يغم الرجل أي يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل
منه (أو لأواء) بفتح فسكون فمد: شدة وضيق معيشة (فليقل)
ندبا (الله الله) وكرره استلذذا بذكره واستحضارا لعظمته
وتأكيدا للتوحيد فإنه الاسم الجامع لجميع الصفات الجلالية
والجمالية والكمالية (ربي) أي المحسن إلي بإيجادي من العدم
وتوفيقي لتوحيده وذكره والمربي لي بجلائل نعمه والمالك
الحقيقي لشأني كله ثم أفصح بالتوحيد وصرح بذكره المجيد
فقال (لا أشرك به شيئا) وفي رواية لا شريك له أي في كماله
وجلاله وجماله وما يجب له وما يستحيل عليه والمراد أن ذلك
يفرج الهم والغم والضنك والضيق إن صدقت النية وخلصت الطوية
(تتمة) وقع أن عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم المحدث الراحلة
رضي الله تعالى عنه أسرته الروم في جماعة في البحر وساروا
به إلى قسطنطينية فرفعوه إلى الطاغية فبينما هم في حبسه إذ
غشيهم عيد فأقبل عليهم فيه من الحار والبارد ما يفوق
المقدار إذ دخلت امرأة نفيسة على الملك وأخبرت بحسن صنيعه
بالعرب فمزقت ثيابها ونثرت شعرها وسودت وجهها وأقبلت نحوه
فقال: مالك. قالت: إن العرب قتلوا ابني وأخي وزوجي وتفعل
بهم الذي رأيت فأغضبه فقال: علي بهم فصاروا بين يديه
مسمطين فضرب السياف عنق واحد واحد حتى قرب من عبد الرحمن
فحرك شفتيه فقال: الله الله ربي لا أشرك به شيئا فقال:
[ص:286] قدموا شماس العرب أي عالمهم فقال: ما قلت فأعلمه
فقال: من أين علمته فقال: نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا
به فقال: وعيسى عليه الصلاة والسلام أمرنا بهذا في الإنجيل
فأطلقه ومن تبعه
(طس عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لنفر من بني هاشم هل معكم أحد من
غيركم. قالوا: لا إلا ابن أختنا ومولانا فذكره رمز المؤلف
لحسنه مع أن فيه محمد بن موسى البربري قال في الميزان: عن
الدارقطني غير قوي وفي اللسان ما أحد جمع من العلم ما جمع
وكان لا يحفظ إلا حديثين انتهى لكن له شواهد
(1/285)
452 - (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر) أي
يتذكر (مصيبته بي) أي بفقدي من بين أظهر هذه الأمة وانقطاع
الوحي والإمداد السماوي (فإنها من أعظم) وفي رواية من أشد
(المصائب) بل هي أعظمها بدليل خبر ابن ماجه إن أحدا من
أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي وكونها من
أعظم لا ينافي كونها أعظم إذ بعض الأعظم قد يكون أعظم بقية
أفراده. ألا ترى إلى قول أنس رضي الله تعالى عنه كان النبي
صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم
خلقا إجماعا ولم ينتبه لهذا من تكلف وزعم زيادة من وإنما
كانت أعظم المصائب لانقطاع الوحي وظهور الشر بارتداد العرب
وتحزب المنافقين وكان موته أول نقصان الخير قال أنس رضي
الله تعالى عنه ما نفضنا أيدينا من التراب من دفنه حتى
أنكرنا قلوبنا ومن أحسن ما كتب بعضهم لأخيه يعزيه بابنه
ويسليه قوله:
اصبر لكل ملمة وتجلد. . . واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا ذكرت محمدا ومصابه. . . فاذكر مصابك بالنبي محمد
مقصود الحديث أن يذكر المصاب وقوع المصيبة العظمى العامة
بفقد المصطفى صلى الله عليه وسلم يهون عليه ويسليه فلا
ينافي ذلك الخبر الآتي إن الله إذا أراد رحمة أمة قبض
نبيها قبلها لاختلاف الاعتبار
(عد هب عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وفيه قطر بن
خليفة الذهبي عن السعدي زائغ وشرحبيل بن سعد متهم (طب عن
سابط) ابن أبي حميصة بن عمر القرشي (الجمحي) بضم الجيم
وفتح الميم وكسر المهملة نسبة إلى بني جمح بطن من قريش
وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد ضعيف ولذلك رمز المؤلف لضعفه
لكن له شواهد
(1/286)
453 - (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح قال
في الكشاف الإصباح بمعنى الصيرورة (آمنا) بالمد أي ذا أمن
(في سربك) بكسر أوله المهمل أي نفسك وبفتحات مسلكك وطريقك
(معافى في بدنك) من أنواع البلايا وصنوف الرزايا (عندك قوت
يومك) أي مؤنتك ومؤنة من تلزمك نفقته ذلك اليوم (فعلى
الدنيا العفاء) بالفتح والتخفيف الدروس وذهاب الأثر وفيه
تزهيد في الدنيا وترغيب في التقلل منها والاكتفاء بالكفاف
وهذا من أقوى أدلة من فضل الفقر على الغنى
(هب عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفيه سلام بن سليم
عن إسماعيل بن رافع قال العلائي: ضعيفان جدا وقال الذهبي
إسماعيل ضعيف متروك لكن له شواهد منها للبخاري في الأدب
المفرد
(1/286)
454 - (إذا أصبح ابن آدم) دخل في الصباح
(فإن الأعضاء) جمع عضو بضم العين وكسرها كل عظم وافر بلحمه
(كلها) تأكيد لدفع توهم عدم إرادة الشمول (تكفر اللسان)
تذل وتخضع له من قولهم كفر اليهودي إذا خضع وطأطأ رأسه
وانحنى لتعظيم صاحبه مأخوذ من الكافرة وهي الكاذبة التي هي
أصل الفخذ ذكره القاضي وأصله للزمخشري [ص:287] حيث قال وهو
من تكفير الذمي وهو أن يطأطئ رأسه ويحني ظهره كالراكع عند
تعظيم صاحبه قال:
تكفر باليدين إذا التقينا. . . وتلقى من مخافتنا عصاكا
كأنه من الكافرتين وهما الكاذبتان لأنه يضع يديه عليهما أو
ينثي عليهما أي يحكي في ذلك من يكفر شيئا أي يغطيه ويستره
انتهى (فتقول) أي بلسان الحال وزعم أن المراد لسان القال
جمود (اتق الله فينا) أي خفه في حفظ حقوقنا فلا تقتحم
منهيا فيهلك معك (فإنما نحن بك) أي نستقيم ونعوج تبعا لك
(فإن استقمت) أي اعتدلت على الصراط المستقيم (استقمنا)
اعتدلنا وفي التنزيل {وكان بين ذلك قواما} أي عدلا (وإن
اعوججت) ملت عن الاعتدال (اعوججنا) ملنا عنه قال الغزالي
رضي الله تعالى عنه: المعنى فيه أن نطق اللسان يؤثر في
أعضاء اإنسان بالتوفيق والخذلان فاللسان أشد الأعضاء جماحا
وطغيانا وأكثرها فسادا وعدوانا ويؤكد هذا المعنى قول مالك
بن دينار رضي الله تعالى عنه إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا
في بدنك وحرمانا في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك
قال الطيبي: وهذا لا تناقض بينه وبين خبر إن في الجسد
لمضغة إذا صلحت صلح الجسد إلى آخره لأن اللسان ترجمان
القلب وخليفته في ظاهر البدن فإذا أسند إليه الأمر فهو
مجاز في الحكم كقولك سقى الطبيب المريض الدواء قال
الميداني: المرء بأصغريه قلبه ولسانه أي تقوم معانيه بهما
قال الشاعر:
لسان الفتى نصف فؤاده. . . فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
(ت) في الزهد (وابن خزيمة) في صحيحه (هب عن أبي سعيد)
الخدري قال العراقي: ووقع في الإحياء عن سعيد بن جبير
مرفوعا وإنما هو عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد ورواه
الترمذي موقوفا على حماد وقال هذا أصح ومع ذلك إسناد الرفع
جيد لكن الموقوف أجود والله أعلم
(1/286)
455 - (إذا أصبحتم) أي قاربتم الدخول في
الصباح والصباح أول النهار وهو من طلوع الفجر وقبل الشمس
والمساء من الغروب وقبل الزوال لكن في ذيل فصيح ثعلب
للبغدادي الصباح من نصف الليل الأخير إلى الزوال والمساء
منه إلى آخر نصف الليل الأول (فقولوا) ندبا (اللهم بك)
قدمه للاختصاص والباء للاستعانة أو المصاحبة أو السببية أي
بسبب إنعامك علينا بالإيجاد والإمداد (أصبحنا وبك أمسينا)
دخلنا في المساء والباء تتعلق بمحذوف وهو خبر أصبح ولا بد
من تقدير مضاف أي أصبحنا وأمسينا متلبسين بنعمتك أو
بحياطتك وكلاءتك أو بذكرك واسمك (وبك نحيا وبك نموت) حكاية
عن الحال الآتية أي يستمر حالنا على هذا في جميع الأزمان
وسائر الأحيان إلى أن نلقاك (وإليك) لا إلى غيرك (المصير)
المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا
(هـ وابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أبي هريرة) رضي الله
عنه رمز المؤلف لحسنه تبعا للترمذي وله شواهد ترقيه إلى
الصحة فإنه كما ورد من قوله ورد من فعله روى أبو داود
والترمذي أنه كان يقول ذلك إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك
أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى قال
اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك
المصير انتهى وبه يعلم أن في الحديث المشروح اختصارا
(1/287)
456 - (إذا اصطحب) أي تلازم وكل شيء لازم
شيئا فقد اصطحب (رجلان مسلمان) ذكر الرجل غالبي فالانثيان
والرجل مع محرمه أو حليلته كذلك (فحال) أي حجز (بينهما
شجر) هو ما له ساق صلب يقوم به والمراد هنا ما يمنع الرؤية
(أو حجر) بالتحريك أي صخرة (أو مدر) جمع مدرة كقصبة تراب
ملبد أو قطع طين يابسة أو نحو ذلك (فليسلم [ص:288] أحدهما
على الآخر) لأنهما يعدان عرفا متفرقين (ويتباذلوا) بذال
معجمة من البذل أي والعطاء أي يعطي كل منهما لصاحبه
والقياس يتباذلا ولعله إشارة إلى أن الاثنين مثال وأن
الجماعة كذلك (السلام) ندبا للمبتدئ ووجوبا للراد ومثل
الاثنين فيما ذكر الجمع وفيه أن السلام يتكرر طلبه بتكرر
التلاقي ولو على قرب جدا ويندب إذا التقى اثنان أن يحرص كل
منهما على أن يكون البادئ بالسلام وأن يسلم الراكب على
الماشي والماشي على الواقف والصغير على الكبير والقليل على
الكثير وإن عكس فخلاف السنة لا مكروه
(هب عن أبي الدرداء) رضي الله عنه وفيه بقية رجاله مشهور
ولكن له شواهد وذكر بعضهم أن المؤلف رمز لحسنه ولم أره في
خطه
(1/287)
457 - (إذا اضطجعت) أي وضعت جنبك على الأرض
(فقل) ندبا (بسم الله) أي أضع جنبي والباء للمصاحبة أو
للملابسة ويظهر أن الأكمل كمال التسمية (أعوذ) أي أعتصم
(بكلمات الله) كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت
الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته والتأنيث
للتعظيم (التامة) الخالية عن التناقض والاختلاف (من غضبه)
سخطه على من عصاه وإعراضه عنه (وعقابه) عقوبته (ومن شر
عباده) من أهل الأرض وغيرهم (ومن همزات الشياطين) نزغاتهم
ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو
وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي
وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين
(وأن يحضرون) أي يحومون حولي في شيء من أموري لأنهم إنما
يحضرون بسوء وفي القاموس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم
فسر همزات الشياطين باللموم أي الجنون وفيه ندب التعوذ
والذكر عند النوم قال بعضهم: ومن فوائد هذه الاستعاذة أن
المحافظ عليها لا يلدغه عقرب كما في حديث يأتي وقد أشير
إلى بعضها في القرآن بقوله تعالى {وقل رب أعوذ بك من همزات
الشياطين} الآية
(أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر المهملة أوله (في)
كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عمرو) بن العاص
وهو كما في الأصل من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
(1/288)
458 - (إذا أطال أحدكم الغيبة) في سفر أو
غيره ومن قيد بالسفر فكأنه لم ينتبه لما نقله هو عن أهل
اللغة الآتي على الأثر ومرجع الطول العرف (فلا يطرق) بفتح
أوله وفي رواية للشيخين فلا يطرقن (أهله) أي لا يفجأ
حلائله بالقدوم عليهم بالليل لتفويت التأهب عليهم. والطروق
المجيء بالليل من سفر أو غيره من الطرق وهو الدق سمى الآتي
بالليل طارقا لحاجته إلى دق الباب قالوا: ولا يقال في
النهار إلا مجازا فقوله (ليلا) للتأكيد دفعا لمجاز استعمال
الطرق في النهار ولا ينافيه خبر البخاري عن جابر كنا في
غزوة فلما قفلنا ذهبنا لندخل فقال صلى الله عليه وسلم
أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد
المغيبة لأن الأمر بالدخول ليلا لمن علم أهله بقدومه
فاستعدوا والنهي لمن فاجأ قبل ذلك وأفهم تقييده بالطول أنه
لو قرب سفره بحيث تتوقع حليلته إتيانه فتتأهب أنه لا يكره.
وبه جزم جمع منهم الطيبي وجرى عليه ابن حجر حيث قال:
التقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد
حينئذ والحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج
لحاجة مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأدى به له ما يحذر من
الذي يطيل الغيبة لم يكن مثله أه. فقول الزين زكريا: الطول
ليس بقيد غير جيد كيف والحديث مصرح به والعلة تقتضيه. قال
الطيبي: وكذا لو كان في قفل أو عسكر عظيم واشتهر قدومهم
تلك الليلة لزوال العلة المقتضية للكراهة وهي عدم تأهب
حليلته [ص:289] فيعافها وقول ابن حجر: أو يجدها على حالة
غير مرضية والشرع أمرنا بالستر وعدم تطلب العثرات غير مرضي
إذ على الإنسان شرعا وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل
بيته فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها ولا يقول
عاقل فضلا عن عالم فاضل أن الإنسان ينبغي له التغافل عن
أهل بيته وإهمال النظر في دواخل أحوالهم ليتمكنوا من فعل
ماشاؤوا من ضروب الفساد ويستمر ذلك مستورا عليه واستكشافه
لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب فإنه إن رأى ريبة كتمها
وفارق أهله أو أدب سرا وحسم طريق الفساد
(حم ق عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو داود والنسائي وغيرهما
(1/288)
459 - (إذا اطمأن الرجل إلى الرجل) أي سكن
قلبه بتأمينه له وذكر الرجل غالبي فالمرأة كذلك (ثم قتله
بعد ما اطمأن إليه) بغير مقتض والمراد أنه أمنه ثم غدره
(نصب) أي رفع (له) بالبناء للمفعول لتذهب النفس كل مذهب
تهويلا للأمر وتفخيما للشأن (يوم القيامة) خصه وإن كان قد
يعاقب في الدنيا لأن ما يسوء إذا ظهر في جمع كان أوجع
للقلب وأعظم تنكيلا (لواء) بمد وكسر أي علم (غدر) يعرف به
في ذلك الموقف الأعظم تشهيرا له بالغدر على رؤوس الأشهاد
فلما كان إنما يقع مكتوما مستورا اشتهر صاحبه بكشف ستره
لتتم فضيحته وتشيع عقوبته وذكر في رواية أخرى أن ذلك
اللواء ينصب عند أسته مبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته
وعلى هذا فاللواء حقيقي وقيل هو استعارة قال بعضهم
والمشهور أن هذا الغدر والقتل والحروب من نقض عهد وأمان
(ك عن عمرو بن الحمق) بفتح المهملة وكسر الميم ثم قاف ابن
كاهل ويقال كاهن الخزاعي هاجر للنبي صلى الله عليه وسلم
بعد الحديبية ثم سكن مصر ثم الكوفة وهو ممن ثار على عثمان
وأحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار
(1/289)
460 - (إذا أعطى الله أحدكم خيرا) أي مالا
(فليبدأ) وجوبا (بنفسه) أي بالإنفاق منه على نفسه لأنه
المنعم عليه به (وأهل بيته) يعني من يلزمه مؤنتهم فإن ضاق
قدم نفسه كما مر والخير المال أو الكثير أو الطيب قال
الراغب: سمي خيرا إشارة إلى أن المال الذي يحسن الإنفاق
منه ما جمع من وجه محمود
(حم) مطولا (م) في المغازي من حديث طويل (عن جابر بن سمرة)
رضي الله عنه بفتح السين وضم الميم وقد تسكن له ولأبيه
صحبة ولم يذكر البخاري هذه القضية التي اقتصر عليها المؤلف
(1/289)
461 - (إذا أعطي أحدكم الريحان) هو كما في
المفردات ما له رائحة طيبة وفي المصباح كل نبت مشموم طيب
الريح لكنه إذا أطلق عند العامة يراد به نبات مخصوص
والمراد به هنا التعميم (فلا يرده) بضم الدال على الأفصح
الأبلغ لأن الخبر من الشارع آكد في النهي من النهي صريحا
ندبا فإن قبوله محبوب (فإنه خرج من الجنة) أي كأنه خرج
منها فهو على التشبيه فإن ريحان الجنة لا يتغير ولا ينقطع
ريحه ويمكن إجراؤه على ظاهره ويدعى سلب خاصيته ويجئ في خبر
أنه ليس في الدنيا شيء يشبه ما في الجنة إلا في الاسم
ويحتمل أن يراد بالجنة ما التف من الشجر أي أنه خارج من
الأشجار الملتفة فلا مؤنة في بذله ولا منة في قبوله
(د في مراسيله ت) في الاستئذان من حديث حنان بحاء مهملة
ونونين (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشد
اللام ابن عمرو بن عدي (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء
وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة مخضرم عابد من كبار التابعين
(مرسلا) وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف
حنان إلا في هذا الحديث وأبو عثمان أدرك زمن النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يسمع منه فمن ثم عد حديثه في المراسيل
(1/289)
[ص:290] 462 - (إذا أعطيت) بضم الهمزة بضبط
المؤلف (شيئا) من جنس المال (من غير أن تسأل) فيه (فكل)
منه أي اقبله وانتفع به في مؤنتك ومؤنة أهلك وغير ذلك وإن
كان من السلطان إن لم يغلب الحرام فيما في يده والحاصل أنه
إن علم حرمة المال حرم قبوله أو حله جاز وكذا إن شك لكن
الورع تركه وعبر بالأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع (وتصدق)
منه بين به أن شرط قبول المبذول كونه حلالا لأن الصدقة لا
تكون صدقة متقبلة إلا منه فشرط قبول المبذول علم حله كما
تقرر أي باعتبار الظاهر والحاصل أنه عند الجهل لا يلزم
البحث عن الأصول فقد وقع للشاذلي وهو إمام في الروع أنه
جاع وصحبه أياما فبعث لهم بعض عدول الاسكندرية بطعام فمنع
الشيخ جماعته منه فطووا فلما أصبح قال كلوه قيل لي الليلة
أحل الحلال ما لم يخطر لك ببال ولا سألت فيه أحدا من نساء
أو رجال وقال ياقوت عزم علي إنسان وقدم لي طعاما فرأيت
عليه ظلمة كالمكبة فقلت هذا حرام ولم آكل فدخلت على المرسي
فقال من جهلة المريدين من يقدم له طعام فيرى عليه ظلمة
فيقول هذا حرام يا مسكين ما يساوي ورعك بسوء ظنك بأخيك
المسلم هلا قلت هذا طعام لم يردني الله به
(م دن عن عمر) بن الخطاب قال استعملني رسول الله صلى الله
عليه وسلم على عمالة فأديتها فأمر لي بعمالتي فقلت إنما
عملت لله فذكره وفيه جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين
سواء كانت لدين أو دنيا كقضاء وحسبة لكن بشروط
(1/290)
463 - (إذا أعطيتم الزكاة) المالية أو
البدنية فلا (تنسوا ثوابها) أي لا تتركوا السبب في حصوله
وذلك (أن تقولوا) أي تدعوا بنحو (اللهم اجعلها مغنما) أي
قولكم ذلك من أسباب قبولها وحصول ثوابها فلا تتركوه
والمراد يسر لي الفوز بثوابها وأصل المغنم والغنائم ما
أصيب من مال الحرب والنسيان مشترك بين ترك الشيء على ذهول
وغفلة وتركه على تعمد وهو المراد هنا ومنه {ولا تنسوا
الفضل بينكم} أي تقصدوا الترك والإهمال (ولا تجعلها مغرما)
مصدر ميمي من الغرامة أي لا تجعلني أرى إخراجها غرامة
أغرمها ويسن أن يقول مع ذلك {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم} وهذا التقرير كله بناء على أن أعطيتم مبني للفاعل
كما جرى عليه بعضهم وزعم أنه الرواية ويجوز بناؤه للمفعول
أي إذا أعطيتم يعني أيها المستحقون الزكاة فلا تتركوا
مكافأة المزكي على إحسانه بأن تقولوا اللهم اجعلها له
مغنما ولا تجعلها عليه مغرما وفيه أنه يندب قول ذلك وإن لم
يذكروه لأنه من الفضائل وقد دخل تحت أصل كلي وهو طلب
الدعاء له والحديث ليس بشديد الضعف كما وهم
(هـ ع عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال في الأصل وضعف وذلك
لأن فيه سويد ين سعيد قال أحمد متروك
(1/290)
464 - (إذا أفطر أحدكم) أي دخل وقت فطره من
صومه (فليفطر) ندبا (على تمر) أي بتمر والأفضل سبع والأولى
من رطب فعجوة لخبر الترمذي كان يفطر على رطبات فإن لم يكن
فتمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء ولم ينص على الرطب هنا
لقصر زمنه (فإنه بركة) أي فإن الإفطار عليه ثوابا كثيرا
فالأمر به شرعي وفيه شوب إرشاد لأن الصوم ينقص البصر
ويفرقه والتمر يجمعه ويرد الذاهب لخاصية فيه ولأن التمر إن
وصل إلى المعدة وهي خالية أغذى وإلا أخرج بقايا الطعام
(فإن لم يجد تمرا) يعني لم يتيسر (فليفطر على الماء)
القراح (فإنه طهور) بالفتح مطهر محصل للمقصود مزيل للوصال
الممنوع ومن ثم من الله به على عباده بقوله تعالى {وأنزلنا
من السماء ماء [ص:291] طهورا} وبما تقرر علم وجه حكمة
تخصيص التمر دون غيره مما في معناه من نحو تين وزبيب وأنه
لا يقوم غيره مقامه عند تيسره فزعم أن القصد منه أن لا
يدخل جوفه إلا حلوا لم تمسه النار في حيز المنع وورد الفطر
على اللبن لكن سنده ساقط فيقدم الماء عليه لهذا الحديث
(حم 4 وابن خزيمة حب) كلهم في الصوم (عن سلمان) بفتح فسكون
(ابن عامر) بن أوس (الضبي) بفتح المعجمة وكسر الموحدة
صحابي سكن البصرة وبها مات. قال مسلم: ليس في الصحب ضبي
غيره واعترض قال الترمذي حسن صحيح
(1/290)
465 - (إذا أقبل الليل) يعني ظلمته (من
ههنا) أي من جهة المشرق إذ الظلمة تبدو منه (وأدبر النهار)
أي ضوؤه (من ههنا) من جهة المغرب وزاد (وغربت الشمس) مع أن
ما قبله كاف إيماء إلى اشتراط تحقق كمال الإقبال والإدبار
وأنهما بواسطة الغروب لا غيره فالأمور الثلاثة وإن كانت
متلازمة لكن قد يعرض لبعضها انفكاك فيظن إقبال الليل من
جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة كأن يكون بمحل لا يشهد
غروبها كواد فيعتمد إقبال الظلام أو إدبار الضياء فلذلك
جمع بينهما (فقد أفطر الصائم) أي انقضى صومه أو تم شرعا أو
أفطر حكما بدليل الاحتياج لنية الصوم للغد وإن واصل لأنه
صار مفطرا حقيقة كما قيل فمن حلف لا يفطر على حار ولا بارد
لا يفطر بدخول الليل على الأصح والحكم بفطره بدخوله لكونه
غير حار ولا بارد غير قويم إذ هو تعلق لفظي غير مقصود
للحالف ومبنى الأيمان على المقاصد العرفية وفيه رد على
المواصلين. قال الطيبي: ويمكن حمل الأخبار على الإنشاء
إظهارا للحرص على وقوع المأمور به أي إذا أقبل الليل
فليفطر الصائم ولأن الخبرية منوطة بتعجيل الإفطار فكأنه
حصل وهو مخبر عنه وأل في الصائم للجنس
(ق د ت عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وله سبب مشهور
وظاهر صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الأربعة إلا ذين ولا كذلك
بل رواه كما قال المناوي الكل إلا ابن ماجه
(1/291)
466 - (إذا اقترب) افتعل من القرب وروي
تقارب (الزمان) أي دنت الساعة وقبض أكثر أهل العلم ودرست
معالم الديانة بالهرج والفتن فكان الناس على مثل الفطرة
محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين قال القاضي
اقتراب الزمان دنو الساعة إذ الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت
أطرافه ومن ثم قيل للقصير متقارب ويقال تقاربت الإبل إذا
قلت أو أراد استواء الليل والنهار عند انطباق دائرة منطقة
البروج على دائرة معدل النهار وذلك وقت اعتدال الطبائع
الأربع فلا يكون في المنام أضغاث أحلام فإن من موجبات
التخليط فيها غلبة بعض الأخلاط على بعض ومن ثم قال
المعبرون أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار
وإدراك الثمار واستواء الليل والنهار وعند ذلك تصح الأمزجة
وتصح الحواس أو أراد بتقارب الزمان حين تكون السنة كشهر
للهنا وبلوغ المنى وبسط العدل زمن المهدي وذلك زمن يستقصر
لاستلذاذه فتتقارب أطرافه ذكره الزمخشري قال ويعضد الأول
قوله (لم تكد رؤيا الرجل المسلم) في منامه (تكذب) أي لا
تكون إلا صادقة لأن المغيبات تنكشف حينئذ والخوارق تظهر
ولأن أكثر العلم يقبض بقبض العلماء وتندرس معالم الدين
فيكون في الرؤيا الصادقة حينئذ بعض غنى ولو كان المراد
بالاقتراب الاعتدال لما قيده بالمسلم وقيل المراد إذا
اقترب أجل الإنسان بمشيبه فإن رؤياه قلما تكذب لصفاء باطنه
ونزوع الشهوات عنه فنفسه حينئذ لمشاهدة الغيب أميل وقوله
لم تكد رؤيا المسلم تكذب مبالغة في لم تكذب أي لم تقرب أن
تكذب [ص:292] فضلا عن أن تكذب ومنه قول ذي الرمة:
إذا غير الدهر المحبين لم يكد. . . رسيس الهوى من حب مية
يبرح
أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح ذكره الزمخشري اختلف
في خبر كاد المنفي والأظهر أنه يكون أيضا منفيا لأن حرف
النفي الداخل على كاد ينفي حصوله والنافي لقرب حصول الشيء
أدل على نفيه في نفسه ويدل عليه قوله تعالى {إذا أخرج يده
لم يكد يراها} قال القاضي: وأول الأقوال هو الأصح لأنه جاء
في رواية أخرى إذا كان آخر الزمان (وأصدقهم) أي المسلمون
المدلول عليهم بلفظ المسلم (رؤيا أصدقهم حديثا) أي قولا
ولفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه في نسخ صحيحة أصدقكم رؤيا
أصدقكم حديثا وذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه
فانشقت فيه المعاني على وجه الصحة والاستقامة وظاهره أنه
على إطلاقه وقيل يكون آخر الزمان عند ارتفاع العلم وموت
الصلحاء فجعل جبرا وعوضا والأول أظهر لأن غير الصادق في
حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها ذكره النووي
وقد قال بعض العارفين ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم
أصدق الناس كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح فكان لا
يحدث بحديث عن تزوير يزوره في نفسه بل يحدث بما يدركه
بإحدى قواه الحسية أو كلها ما كان يقول ما لم يكن ولا ينطق
في اليقظة عن شيء تصوره في الخيال ما لم ير لتلك الصورة
عين في الحس
(ق هـ) في الرؤيا (عن أبي هريرة)
(1/291)
467 - (إذا أقرض أحدكم أخاه) في الدين
(قرضا) قال الطيبي: اسم مصدر والمصدر حقيقة هو الإقراض قال
ويجوز كونه هنا بمعنى المقروض فيكون مفعولا ثانيا لا قرض
والأول مقدر (فأهدى) أي الأخ المقترض (إليه) أي إلى المقرض
(طبقا) محركا ما يؤكل عليه أو فيه ويحتمل الحقيقة ويحتمل
إرادة المظروف أي شيئا في طبق (فلا يقبله) قال الطيبي:
الضمير الفاعل في فأهدى عائد إلى المفعول المقدر والضمير
في لا يقبله راجع إلى مصدر أهدى وقوله فأهدى عطف على الشرط
(أو حمله) أي أراد حمله أو حمل متاعه (على دابته فلا
يركبها) يعني لا ينتفع بها بركوب أو إركاب أو تحميل عليها
(إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) أي القرض وهذا محمول
على الورع لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد
رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء فيجوز بل يندب رد الزائد
وللمقرض قبوله حيث لا شرط والورع تركه
(ص هـ هق عن أنس) بن مالك رمز لحسنه
(1/292)
468 - (إذا اقشعر) بهمزة وصل وتشديد الراء
(جلد العبد) أي أخذته قشعريرة أي رعدة (من خشية الله) أي
خوفه. قال في الكشاف: اقشعر الجلد إذا انقبض قبضا شديدا
وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس مضموما إليه حرف
رابع وهو الراء ليكون رباعيا دالا على معنى زائد يقال
اقشعر جلده من الخوف وقف شعره وهو مثل في شدة الخوف قال
الراغب: والجلد قشر البدن (تحاتت) تساقطت وزالت (عنه
خطاياه) أي ذنوبه (كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها)
تشبيه تمثيلي لانتزاع أمور متوهمة في المشبه من المشبه به
فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال
والنقصان لأن إزالة الذنوب على الإنسان سبب كماله وإزالة
الورق على الشجر سبب نقصانه قال الترمذي الحكيم والمراد
بالعبد هنا عبد ممنون عليه بالتوحيد ونفسه شرهة أشرة بطرة
شهوانية قاهرة له فأدركه اللطف فهاج منه خوف التوحيد فطلبت
نفسه الملجأ من الله إليه فأخذته الخشية فارتعد وصار لا
يعقل ما يقول من الرهب فانكشف له الغطاء فسترت تلك الخشية
مساويه كلها {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك
لهم الأمن} [ص:293] ولم يعبر بالخوف لأن الخشية أعلى فإن
الفرق إذا هجم على القلب نفر عن مستقره نفارا ربما قطع
أفلاذ الكبد من شدة نفاره وانزعاجه عن محله والخوف دون ذلك
وقال بعض العارفين هذا إشارة إلى أن الخشية والمرض ونحو
ذلك إنما يحط أولا صغائر الذنوب التي هي من شجرة المخالفة
بمنزلة الورق من شجر الدنيا وشجرة المخالفة شجرة خبيثة
أصلها الكفر وورقها صغائر الذنوب ونبتها من الأجساد
والفروع والأغصان منازل فقد يعظم الارتكاب حتى يأخذ من
الأغصان فيذهب بكثير منها وهكذا يترقى حتى قد يتحتت الأصل
(سمويه) في فوائده
(طب) وكذا البزار والبيهقي في الشعب (عن العباس) بن عبد
المطلب قال المنذري والعراقي سنده ضعيف وبينه الهيتمي فقال
فيه أم كلثوم بنت العباس رضي الله عنها لم أعرفها وبقية
رجاله ثقات
(1/292)
469 - (إذا أقل الرجل) ذكر الرجل غالبي
والمراد الإنسان (الطعم) بالضم أي جعل مأكله قليلا لصوم أو
غيره ومن زعم أنه أراد الصائم فحسب لم يصب (ملء) بالبناء
للمفعول والفاعل هو الله ويمكن بناؤه للفاعل أي ملأ الرجل
(جوفه نورا) أي تسبب في ملء باطنه بالنور أصل الجوف الخلاء
ثم استعمل فيما يقبل الشغل والفراغ فقيل جوف الدار لداخلها
وباطنها فقلة الأكل محمودة شرعا وطبا. ومن فوائد الكلام ما
دار على ألسنة الأنام: من غرس الطعام جنى ثمرة السقام ومن
الأمثال: كل قليلا تعش طويلا ومنها أقلل طعاما تحمد مناما
ومنها كل قصدا لا تبغي فصدا ومنها البطنة تذهب الفطنة وحث
الرجل آخر على الأكل من طعامه فقال عليكم تقريب الطعام
وعلينا تأديب الأجسام وفي إفهامه أن كثرة الأكل تملؤه ظلمة
فيكون فاعل ذلك حمالا للطعام مضيعا للأيام قال الغزالي
علمنا يقينا بل رأينا عيانا أن العبادة لا يجيء منها شيء
إذا امتلأ البطن وإن أكرهت النفس على ذلك وجاهدت بضروب
الحيل فلا يكون لتلك العبادة لذة ولا حلاوة ولذا قيل لا
تطمع بحلاوة العبادة مع كثرة الأكل
(فر عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفيه علان الكرخي قال
الذهبي لعله واضع حديث طلب الحق غربة عن إبراهيم بن مهدي
الأيلي قال الأزدي كان يضع على محمد بن إبراهيم بن العلاء
قال الدارقطني كذاب
(1/293)
470 - (إذا أقيمت الصلاة) أي شرع في
إقامتها بدليل رواية ابن حبان إذا أخذ المؤذن في الإقامة
(فلا صلاة) كاملة سالمة من الكراهة (إلا المكتوبة) فلا
ينبغي إنشاء صلاة حينئذ غيرها أي المفروضة الحاضرة التي
أقيم لها بدليل رواية أحمد إلا التي أقيمت وجعل بعضهم
النفي بمعنى النهي أي فلا تصلوا حينئذ واختاره المؤلف فإنه
سئل هل المراد هنا الكمال أو عدم الصحة فأجاب بأنه ليس
المراد هذا ولا هذا لأن ذلك إنما يكون في النهي المراد به
النفي على ظاهره والنفي هنا المراد به النهي أي لا تصلوا
إلا المكتوبة وذلك لئلا يفوته فضل تحرمه مع الإمام الذي هو
صفوة الصلاة وما يناله من أجر الفعل لا يفي بما يفوته من
صفوة فرضه ولأنه يشبه المخالفة للجماعة وأما زيادة إلا
ركعتي الفجر في خبر فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر
فلا أصل لها كما بينه البيهقي وبفرضه حمل على الجواز قال
في المطامح: وهذه المسألة وقعت لأبي يوسف حين دخل المسجد
النبوي والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع
الإمام في الصبح فقال رجل عامي يا جاهل الذي فاتك من أجر
فرضك أعظم مما أدركت من ثواب نفلك انتهى قال ابن الهمام:
وأشد ما يكون كراهة أن يصلي سنة أو غيرها عند إقامة
المكتوبة مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة
(م 4 عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن ابن عمر رضي
الله عنهما
(1/293)
[ص:294] 471 - (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا
نادى المؤذن بالإقامة فأقيم المسبب مقام السبب ذكره
الطيبي. ونبه بالإقامة على ما سواها لأنه إذا نهى عن
إتيانها سعيا حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فقبل الإقامة
أولى (فلا تأتوها وأنتم تسعون) تهرولون وإن خفتم فوت
التكبير أو التبكير فإنكم في حكم المصلين المخاطبين
بالخشوع والخضوع فالقصد من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا
منها شيئا والنهي للكراهة وأما قوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر
الله} فليس المراد به الاسراع بل الذهاب أو هو بمعنى العمل
والقصد كما تقول سعيت في أمري. قال الطيبي: وقوله وأنتم
تسعون حال من ضمير الفاعل وهو أبلغ في النهي من لا تسعوا
وذلك لأنه مناف لما هو أولى به من الوقار والأدب ثم عقبه
بما ينبه على حسن الأدب بقوله (وائتوها) في رواية ولكن
ائتوها (وأنتم تمشون) بهينة لقوله تعالى {وعباد الرحمن
الذين يمشون على الأرض هونا} ثم ذيل المفهومين بقوله
(وعليكم السكينة) أي الزموا السكينة في جميع أموركم سيما
في الوفود على رب العزة فالزموا الوقار في الهيئة بغض
البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات والعبث. والسكينة فعيلة من
السكون وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على
المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع
جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره وفي رواية بالنصب
إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي
هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد نعم فرق بعض
الأعاظم بينهما بأن السكينة التأني في الحركات والوقار
التأني في الهيئة وخفض الصوت وفي رواية للبخاري بالسكينة
واعترض بتعديه بنفسه في عليكم أنفسكم ومنعه الرضي بأن
أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم
الأفعال التي بمعناها لكن كثيرا ما تزاد الباء في مدخولها
نحو عليك به لضعفها عن العمل (فما) أي فإذا فعلتم ما أمرتم
به من السكينة فما (أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا)
معه (وما فاتكم) منها (فأتموا) وقد حصلت لكم فضيلة الجماعة
بالجزء المدرك وإن قل فقوله فأتموا أي فأكملوه وحدكم وفي
رواية بدل فأتموا فاقضوا واستدل به الحنفية على أن ما
أدركه المسبوق آخر صلاته فيجهر في الركعتين الأخيرتين
ويقرأ السورة مع الفاتحة وبالأول الشافعية على أنه أولها
فلا يجهر لكن يقضي السورة لأن الإتمام يستلزم سبق أول
وأجابوا بأن القضاء يرد بمعنى الأداء فيحمل عليه جمعا
بينهما ولهذا قال في تنقيح التحقيق: الصواب لا فرق بين
اللفظين لأن القضاء هو الإتمام في عرف الشرع {فإذا قضيتم
مناسككم} {فإذا قضيتم الصلاة} وفيه أنه يندب لقاصد الجماعة
المشي إليها بسكينة ووقار وإن خاف فوت التحريم وأن لا يعبث
في طريقه إليها ولا يتعاطى ما لا يليق بها لخبر مسلم: إن
أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة
(حم ق 4 عن أبي هريرة) وزاد مسلم فإن أحدكم إذا كان يعمد
إلى الصلاة فهو في صلاة قال ابن حجر له طرق كثيرة وألفاظ
متقاربة
(1/294)
472 - (إذا أقيمت الصلاة) أي شرع المؤذن في
الإقامة فأقام المسبب مقام السبب (فلا تقوموا) للصلاة ندبا
(حتى تروني) تبصروني فإذا رأيتموني فقوموا وذلك لئلا يطول
قيامكم وقد يعرض له ما يؤخره وأما خبر مسلم أقيمت الصلاة
فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا فبيان للجواز أو
لعذر أو كان قبل النهي ولا ينافي ما اقتضاه هذا من أن
الصلاة كانت تقام قبل خروجه ما في مسلم أن بلالا كان لا
يقيم حتى يخرج لأنه كان يراقب خروجه فأول ما يراه يشرع في
الإقامة قبل أن يراه الناس فإذا رأوه قاموا ووقت القيام
للصلاة عند الشافعي الفراغ من الإقامة ومالك أولها والحنفي
حي على الصلاة والحنبلي قد قامت الصلاة
(حم ق د ن عن أبي قتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي وقيل
النعمان (زاد 3 قد خرجت إليكم) وهي موضحة للرواية الأولى
مبينة للمراد بالرؤية وقال في رواية مسلم قد خرجت
(1/294)
[ص:295] 473 - (إذا أقيمت الصلاة وحضر
العشاء) كسماء ما يؤكل عند العشاء والمراد بحضوره وضعه بين
يدي الآكل أو قرب حضوره لديه وقد تاقت نفسه له (فابدؤوا)
ندبا (بالعشاء) إن إتسع الوقت فيأكل لقيمات يكسر بها حدة
الجوع على وجه لكن الأصح يأكل حاجته وذلك لما في تركه من
فوت الخشوع أو كماله وأراد يالصلاة هنا المغرب للصائم
بدليل رواية ابن حبان إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ
بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وفي رواية
للبخاري فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب لكنه يطرد في كل
صلاة نظرا للعلة وهو خوف فوت الخشوع وأما خبر أنه كان يحتز
من ذراع شاة بسكين ويأكل فأعلمه بلال بالصلاة فطرح السكين
فصلى فأجيب بأنه إنما قطع الأكل للصلاة مع كونه أمر غيره
بتقديم الأكل لأنه قضى حاجته منه أو لأنه أخذ في خاصة نفسه
بالعزيمة وأمر غيره بالرخصة لأن غيره لا يقوى على مداقعة
الشهوة قوته وفيه رد على الظاهرية الزاعمين أنه لا يجوز
صلاة من حضر الطعام بين يديه
(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ق هـ عن ابن
عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (خ هـ عن عائشة) أم
المؤمنين رضي الله عنها (حم طب عن سلمة) بفتحات (بن
الأكوع) وقيل عمرو بن الأكوع الأسلمي واسم الأكوع سنان كما
مر (طب عن ابن عباس)
رضي الله عنهما قال العراقي وما اشتهر من خبر إذا حضر
العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له بهذا اللفظ ووهم
من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة
(1/295)
474 - (إذا اكتحل) أي أراد (أحدكم) أي
يكتحل افتعل من كحل عينه كنصر جعل فيها الكحل (فليكتحل)
ندبا (وترا) أي اكتحالا وترا في كل عين وكونه ثلاثا وليلا
أولى ويحصل أصل السنة بثنتين في كل عين وواحدة بينهما
لوروده من فعله في حديث أنس (وإذا استجمر) أي تجمر بنحو
عود أو استنجى والأول أنسب بما قبله (فليستجمر وترا) قال
بعضهم فيه ندب الاكتحال وليس كما قال إذ ليس مفاده إلا أن
الاكتحال إن وقع فالمطلوب كونه وترا فالمستفاد منه ندب
الوترية لا أصل الاكتحال نعم ثبت ندب الاكتحال بالأثمد
بنصوص أخر قولا وفعلا قال بعض شراح أبي داود ولا فرق في
حصول السنة بين اكتحاله بنفسه أو بأمره قال وينشأ عنه جواز
التوكيل في العبادة وفيه إن قلنا أن المراد بالاستجمار
الاستنجاء بالأحجار وجوب الإيتار بثلاث والصارف للأول عن
الوجوب خبر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وجواز العمل
بالمفهوم حتى لا يجب الإيتار إذا استنجى بالماء ووجوب تعدد
المسحات لضرورة تصحيح الإيتار بما تقدمه من الشفع إذ لا
قائل بتعيين الإيتار بمسحة واحدة
(حم عن أبي هريرة) رمز لصحته
(1/295)
475 - (إذا كفر الرجل أخاه) أي نسبه إلى
الكفر بأن قال أنت كافر أو يا كافر أو قال عنه فلان كافر
وذكر الرجل وصف طردي (فقد باء) بالمد أي رجع (بها) أي
بالمعصية المذكورة حكما يعني رجع (أحدهما) بمعصية إكفاره
على حد {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} فالمراد
خصمه لكن تلطف في القول كذا قرره بعض الأعاظم ومنه أخذ جمع
قولهم الراجح التكفير لا الكفر وهو أوجه من تأويله
بالمستحيل أو بأنه يؤول إليه لكون المعاصي بريد الكفر قال
بعضهم والجزم في هذا الخبر بأنه لا بد أن يبوء بها أحدهما
بينه قوله في الحديث الآتي إن كان كما قال وإلا رجعت عليه
ومن ثم كانت هذه الرواية في قوة قضية منفصلة أقيم البرهان
على صدقها بخلاف تلك إذ معناه كل مكفر أخاه فدائما إما أن
يكفر القائل أو المقول له وبرهن على صدق ذلك بأنه إن كان
كما قال وإلا كفر القائل أي بالمعنى المقرر كما يأتي
(م عن ابن عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما
(1/295)
[ص:296] 476 - (إذا أكل أحدكم طعاما) أي
تناول شيئا لشبعه ومثل الأكل الشرب بدليل خبر الديلمي إذا
أكلت طعاما أو شربت فقل بسم الله وبالله الذي لا يضر مع
اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حي يا قيوم لم يصبك
منه داء ولو كان فيه سم (فليذكر) ندبا عند الشافعية ولو
حائضا أو جنبا (اسم الله) عليه بأن يقول بسم الله في
ابتداء الأكل والأفضل البسملة بكمالها فإن اقتصر على بسم
الله حصلت السنة ذكره في الأذكار قال ابن حجر: ولم أقف لما
ادعاه من الأفضلية على دليل انتهى لكن يدل له خبر كل أمر
ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم وقول الغزالي
يقول مع اللقمة الأولى بسم الله ويزيد في الثانية الرحمن
والثالثة الرحيم لم أر ما يدل له (فإن نسي) أو تعمد
بالأولى (أن يذكر اسم الله في أوله فليقل) ولو بعد الفراغ
من الأكل ليقيء الشيطان ما أكله على ما بحثه بعض مشايخنا
لكنه مضعف وأخذ بظاهره جمع حنابلة فأوجبوه قالوا لصحة
الخبر بلا معارض (بسم الله على) وفي رواية في (أوله وآخره)
أي آكل أوله وآخره بسم الله فالجار والمجرور حال من فاعل
الفعل المقدر ذكره الطيبي وفي رواية أوله وآخره بدون على
وعليه قال أبو البقاء الجيد النصب فيها والتقدير عند أوله
وعند آخره ويجوز جره بتقدير في أوله وآخره أي جميع أجزائه
كما يشهد له المعنى الذي شرعت التسمية له وبه سقط زعم أن
ذكرهما يخرج الوسط لا يقال كيف تصدق الاستعانة ببسم الله
في الأول وقد خلا الأول عنها لأنا نقول الشرع جعله إنشاء
استعانة في أوله وليس هذا إخبارا حتى يكذب وبه يصير
المتكلم مستعينا في أوله ويترتب عليه ما يترتب على
الاستعانة في أوله وألحق الشافعي بالناسي ما لو تعمد أو
جهل أو أكره وليس لقائل أن يقول الناسي معذور فمكن من
تدارك ما فاته بخلاف المتعمد لأن القصد إضرار الشيطان
بمنعه من طعامنا ولو نظر للعذر لمنع الشيطان من مؤاكلة
الناسي ولم يحتج إلى أن يجعل له طريقا فالملحظ ليس العذر
فقط
(د ت ك عن عائشة) رضي الله عنها قال الترمذي حسن صحيح وقال
الحاكم صحيح وأقره الذهبي
(1/296)
477 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل
ويحتمل جعله على ظاهره (طعاما) غير لبن (فليقل) ندبا
(اللهم بارك لنا فيه) من البركة وهي زيادة الخير ودوامه
(وأبدلنا) بفتح الهمزة (خيرا) اسم تفضيل وأصله أخير فلا
يراد أنها ليست على وزن أفعل (منه) من طعام الجنة أو أعم
فيشمل خير الدارين ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم
وإن كانت للإثبات (وإذا شرب) أي تناول (لبنا) ولو غير حليب
وعبر بالشرب لأنه الغالب (فليقل) ندبا (اللهم بارك لنا فيه
وزدنا منه) ولا يقل خيرا منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه
(فإنه ليس بشيء يجزئ) بضم أوله أي يكفي يقال جزأت الإبل
بالرطب عن الماء اكتفت (من الطعام والشراب إلا اللبن) يعني
لا يكفي في دفع العطش والجوع معا شيء واحد إلا هو لأنه وإن
كان بسيطا في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيبا طبيعيا
من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة
مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة
للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة
مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره
وهو أفضل من العسل على ما عليه السبكي وألف فيه لكن عكس
بعضهم وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري
اللبن والعسل أفضل من حيث جموم المنافع والحلاوة وقضية
الحديث أيضا أن اللبن أفضل من اللحم ويعارضه الخبر الآتي
أفضل طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم <تنبيه> سيأتي في خبر
اللبن فطرة قال القرطبي يعني بها فطرة [ص:297] دين الإسلام
كما قال تعالى {فطرة الله} الآية ثم قال {ذلك الدين القيم}
وقد جعل الله ذلك لجبريل علامة على هداية هذه الأمة لأن
اللبن أول ما يتغذى به الإنسان وهو قوت خلي عن المفاسد به
قوام الأجساد ولذلك آثره المصطفى صلى الله عليه وسلم على
الخمر ليلة الإسراء ودين الإسلام كذلك بل هو أول ما أخذ
على بني آدم وهو كالذر ثم هو قوت الأرواح به قوامها الأبدي
وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام من جميع جهاته
فكان العدول عنه إلى الخمر لو وقع علامة على الغواية وقد
أعاذ الله تعالى نبيه من ذلك طبعا وشرعا
(حم د ت) وقال حسن (هـ هب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال
كنت عند ميمونة فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ومعه خالد فجاؤوا بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فقال خالد: أخالك تقذره فقال: أجل ثم أتى
بلبن فذكره وظاهر صنيع المؤلف رحمه الله أن ما ذكر جميعه
هو لفظ الحديث والأمر بخلافه فقد ذكر الصدر المناوي عن
الخطابي أن قوله فإنه إلى آخره من قول مسدد لا من تتمة
الحديث
(1/296)
478 - (إذا أكل أحدكم طعاما) ملوثا وفرغ من
الأكل (فلا يمسح يده بالمنديل) بكسر الميم (حتى يلعقها)
بفتح أوله يلحسها بنفسه (أو يلعقها) غيره بضم أوله يلحسها
غيره ممن لا يتقذر ذلك كحليلته وخادمه وولده وتلميذه لأن
المسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة والمراد باليد
الأصابع بدليل خبر مسلم كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ
لعقها فأطلق اليد على الأصابع ويحتمل أن المراد الكف كلها
فيتناول من أكل بكل كفه أو بأصابعه أو ببعضها قال في محاسن
الشريعة وأراد بالمنديل هنا المعد لإزالة الزهومة لا للمسح
بعد الغسل وظاهر الخبر أنهم كان لهم مناديل معدة لمسح
الأيدي ولا ينافيه ما في خبر أنهم لم يكن لهم مناديل لأن
ذلك كان في أول الأمر قبل ظهور الإسلام وانتشاره فلما ظهر
وحث على النظافة اتخذوا لهم مناديل لما قبل الغسل ولما
بعده ففيه ندب اتخاذ ذلك ورد على من كره لعق الأصابع
استقذارا نعم لا يفعله أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في
الطعام وعليها أثر ريقه فيستقذر فإن احتاج لإزالة ما بيده
مسحها بالمنديل ومحل ندب مسح اليد بعد الطعام كما قال عياض
في ما لم يحتج فيه للغسل لغمر أو لزوجة وإلا غسلها أي بعد
اللعق لإزالة الريح. قال العراقي: والأمر بلعق الأصابع
حمله الجمهور على الندب والارشاد وحمله الظاهرية على
الوجوب وبالغ ابن حزم في المحلى فقال هو فرض قال العراقي
وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير إما لعقها أو
إلعاقها
(حم ق د هـ عن ابن عباس حم م ن هـ عن جابر) بن عبد الله
(بزيادة) تعليل وهو قوله (فإنه لا يدري في أي) جزء من
أجزاء (طعامه) تكون (البركة) أفيما أكل أو في الباقي
بأصابعه أو الباقي بأسفل القصعة؟ قال القرطبي: ومعناه أنه
تعالى قد يخلق الشبع عند لعقها فلا يترك شيئا احتقارا له
فيحفظ تلك البركة بلعقها قال النووي: والمراد بالبركة ما
تحصل به التغذية وتسلم عاقبته من نحو أذى وتقوى على الطاعة
انتهى ومما علل به ندب اللعق أيضا أن مسحها قبل ذلك فيه
زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق ومنه
يؤخذ أن تقييد المسح بالمنديل لا مفهوم له وأن المنهي عنه
المسح بأي شيء كان وذكر المنديل لبيان الواقع غالبا
(1/297)
479 - (إذا أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه)
قال العراقي: أطلق الأمر بلعق الأصابع والمراد بها الثلاث
التي أمر بالأكل بها في حديث مسلم وغيره وهو دال على أن
أكله عليه الصلاة والسلام كان بهذه الثلاث فقط وقول ابن
العربي: [ص:298] إن شاء أحد أن يأكل بخمس فليأكل فقد كان
المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعرق العظم وينهش اللحم ولا
يمكن ذلك عادة إلا بخمس غير قويم إذ لا يسلم أنه لا يمكن
تعرق العظم ونهش اللحم إلا بالكل بل يمكن بثلاث وبفرض عدم
إمكانه ليس هذا أكلا بكل الأصابع بل هو مسك بالأصابع فقط
لا أكل بها وتقدير كونه أكل بها فهل محل ضرورة كمن لا يمين
له فأكل بشماله انتهى وفي خبر الطبراني كان يأكل بأصابعه
الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق الثلاث
قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام. قال
المؤلف في شرح الترمذي: والوسطى تكون مثالا فيبقى فيها
الطعام أكثر ولأنها لطولها أول ما ينزل فيه ويحتمل أن الذي
يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل
إلى السبابة على جهة يمينه ثم الإبهام (فإنه لا يدري في أي
طعامه تكون البركة) أي ما يحصل به التغذي ويقوى به على
الطاعة كما تقرر ومنه أخذ أن الكلام فيما يحل تناوله وذكر
اسم الله عليه قيل وقد يراد بالبركة صلاحية كون الطعام
بصفة صالحة للإنسانية
(حم م ت عن أبي هريرة) الدوسي (طب عن زيد بن ثابت)
بمثلثة (طس عن أنس) بن مالك رضي الله عنه
(1/297)
480 - (إذا أكل أحدكم طعاما) ملوثا (فليغسل
يده) التي أكل بها (من وضر) بالتحريك (اللحم) أي دسمه
وريحه وزهومته فإن إهمال ذلك والمبيت به يورث اللمم والوضح
كما جاء في أخبار أخر وغسل اليد بعد الأكل مندوب مطلقا
وإنما أراد أنه من اللحم آكد
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب وإسناده ضعيف
(1/298)
481 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل
(فليأكل) قال الحراني: في تقديم الأكل على الشرب إجراء
الحكم على هذا الشرع على وفق الطباع ولأنه سبب العطش
(بيمينه) من اليمين وهو للبركة (وإذا شرب فليشرب بيمينه)
لأن من حق النعمة القيام بشكرها ومن حق الكرامة أن يتناول
باليمين ويمميز بها بين ما كان من النعمة وما كان من الأذى
فيكره تنزيها لا تحريما عند الجمهور فعلهما بالشمال إلا
لعذر كما أرشد إلى بيان وجه العلة بقوله (فإن الشيطان يأكل
بشماله ويشرب بشماله) حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لا
ينكره أو المراد يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليصاد به
الصلحاء وأخذ جمع حنابلة ومالكية منهم ابن العربي من
التعليل به حرمة أكله أو شربه بها لأن فاعله إما شيطان أو
يشبهه وأيدوه بما عند مسلم وغيره عن المصطفى صلى الله عليه
وسلم أنه قال لمن أكل عنده بشماله كل بيمينك فقال: لا
أستطيع فقال: لا استطعت فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو جاز
لما دعا عليه وجوابه أن مشابهته للشيطان لا تدل على الحرمة
بل للكراهة ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على
ترك الإمتثال كما هو بين
(حم م د عن ابن عمر) بن الخطاب (ن عن أبي هريرة) قال
الهيتمي ورجال أحمد ثقات
(1/298)
482 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل
(فليأكل بيمينه) أي بيده اليمنى (وإذا شرب) أحدكم (فليشرب
بيمينه) كذلك (وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه) قال العراقي:
هذا خرج مخرج الغالب في أكل كل أحد بيده فلو أطعمه غيره
بشماله كان داخلا في النهي بدليل خبر لا تأكلوا بالشمال
(فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله)
فخالفوه أنتم [ص:299] لما ذكر قال العراقي في شرح الترمذي:
حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب
وبه جزم الغزالي والنووي لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع
من الأم على الوجوب قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في
شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره أن الأكل رأس الثريد
والتعريس على الطريق والقران في التمر وغير ذلك مما ورد
الأمر بضده حرام وميل القاضي في منهاجه للندب لخبر كل مما
يليك وتعقبه التاج السبكي بأن الشافعي نص في موضع على أن
من أكل مما لا يليه عالما بالنهي عصى قال وقد جمع والدي
نظائر هذه المسألة في كتاب سماه كشف اللبس عن المسائل
الخمس ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب. قال ابن حجر:
ويدل لوجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال في
مسلم وغيره <تنبيه> قال ابن عربي: لما أنكر الجهلة أن يكون
للشيطان جسما أنكروا أن تكون له يدان وقد جاءت الأخبار
بإثبات اليد له والعقل لا يحيله واليمين والشمال هما حد
الجسم من جهة العرض والفوق والتحت حده من جهة الطول
(الحسن بن سفيان في مسنده) المشهور (عن أبي هريرة) رضي
الله عنه
(1/298)
483 - (إذا أكل أحدكم طعاما فسقطت لقمته)
أي الآكل أو من يطعمه (فليمط) أي فليأخذها وليزل ما بها
(ما رابه منها) أي ما حصل عنده من شك مما أصابه مما يعافه
وفي رواية فليمط عنها الأذى (ثم ليطعمها) بفتح التحتية
وسكون الطاء أي ليأكلها ندبا (ولا يدعها) أي لا يتركها
(للشيطان) جعل تركها إبقاءها للشيطان لأنه تضييع للنعمة
وازدراء بها وتخلق بأخلاق المترفين والمانع من تناول تلك
اللقمة غالبا إنما هو الكبر وذلك من عمل الشيطان كذا قرره
بعض الأعيان فرارا من نسبة حقيقة الأكل إلى الشيطان وحمله
بعضهم على الحقيقة وانتصر له ابن العربي فقال: من نفى عن
الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد بل
الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم
ويموتون وذلك جائز عقلا ورد به الشرع وتظاهرت به الأخبار
فلا يخرج عن المضمار إلا حمار. ومن رعم أن أكلهم شم فما شم
رائحة العلم. قال: وقوله ولا يدعها للشيطان دليل على أنه
لم يسم أولا ولذلك اختطفها منه. قال العراقي: وفيه نظر فإن
ظاهر الحديث أن ما سقط من الطعام على الأرض أو ترك في
الإناء يتناوله الشيطان سواء سمى على الطعام أم لا قال:
وقد حمل الجمهور الأمر بأكل اللقمة الساقطة بعد إماطة
الأذى عنها على الندب والإرشاد وذهب أهل الظاهر على وجوبه.
قال النووي: والمراد بالأذى المستقذر من نحو تراب وهذا إن
لم تقع بمحل نجس وإلا فإن أمكن تطهيرها فعل وإلا أطعمها
حيوانا ولا يدعها للشيطان
(ت عن جابر) قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث ثم ذكره قال الترمذي حسن صحيح
فاقتصار المؤلف رحمه الله على الرمز لحسنه تقصير
(1/299)
484 - (إذا أكلتم الطعام) أي أردتم أكله
(فاخلعوا نعالكم) انزعوها من أرجلكم مبتدئين باليسار ندبا
كما يأتي في خبر وعلله بقوله (فإنه) أي الخلع المفهوم من
فاخلعوا (أروح لأقدامكم) أي أكثر راحة لها وظاهره لا يطلب
خلعها للشرب ولفظ رواية الحاكم كما رأيته في نسخة بخط
الحافظ الذهبي أبدانكم بدل أقدامكم وتمام الحديث كما في
الفردوس وغيره وأنها سنة جميلة وفيه تنبيه على علة مخالفة
جفاة الأعراب وأهل البوادي وأفاد بقوله أروح أن ذلك مطلوب
وإن كانت القدم في راحة
(طس) وأبو يعلى (ك عن أنس) قال الحاكم صحيح فشنع عليه
الذهبي وقال أحسبه موضوعا وإسناده مظلم وموسى بن محمد أحد
رجاله تركه الدارقطني وقال الهيتمي عقب عزوه لأبي يعلى
والطبراني رجال الطبراني [ص:300] ثقات إلا أن عقبة بن خالد
السكوتي لم أجد له عن محمد بن الحارث سماعا انتهى وقال في
الكبير لأن تصحيحه متعقب
(1/299)
485 - (إذا التقى) من اللقاء قال الراغب:
وهو مقابلة الشيء ومصادفته معا وقد يعبر به عن كل منهما
قال الإمام: اللقاء أن يستقبل الشيء قريبا منه (المسلمان
بسيفيهما) فيضرب كل منهما الآخر قاصدا قتله عدوانا بغير
تأويل سائغ ولا شبهة فالمراد أنهما التقيا يتقاتلان بآلة
القتال سيفا أو غيره وإنما خص السيف لأنه أعظم آلاته
وأكثرها استعمالا (فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل) بالفاء جواب
إذا (والمقتول في النار) إذا كان قتالهما على عداوة دنيوية
أو طلب ملك ونحوه ومعنى في النار أن حقهما أن يكونا فيها
وقد يعفو الله (قيل) أي قال أبو بكرة رواية لما استغرب ذلك
من جهة عدم تعدي المقتول (يا رسول الله هذا القاتل) يستحق
النار (فما بال المقتول) أي فما ذنبه حتى يكون فيها (قال)
صلى الله عليه وسلم (إنه) أي المقتول (كان حريصا على قتل
صاحبه) أي جازما بذلك مصمما عليه حال المقاتلة فلم يقدر
على تنفيذه كما قدر صاحبه القاتل فكان كالقاتل لأنه في
الباطن قاتل فكل منهما ظالم متعد ولا يلزم من كونهما في
النار كونهما في رتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال
والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط وأفاد قوله حريصا أن
العازم على المعصية يأثم وأن كلا منهما كان قصده القتل كما
تقرر لا الدفع عن نفسه فلو قصد أحدهما الدفع فلم يندفع إلا
بقتله فقتل هدر المقتول لا القاتل وخرج بقولنا بلا تأويل
ما لو كان به كقتال علي وطلحة فإن كلا منهما لديانته وفرط
صيانته كأن يرى أن الإمامة متعينة عليه لا يسوغ له تركها
<تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة جواز دفع الصائل وكانت
بنو إسرائيل كتب عليهم أن الرجل إذا بسط يده إلى رجل لا
يمتنع منه حتى يقتله قاله مجاهد وغيره
(حم ق د ن عن أبي بكرة) الثقفي (هـ عن أبي موسى) الأشعري
(1/300)
486 - (إذا التقى المسلمان) الذكران أو
الأنثيان أو ذكر وأنثى هي حليلته أو محرمه (فتصافحا) وضع
كل منهما يده في يد الآخر عقب تلاقيهما بلا تراخ بعد
سلامهما زاد الطبراني وضحك أي تبسم كل منهما في وجه صاحبه
(وحمدا الله) بكسر الميم (واستغفرا) الله أي طلبا منه
المغفرة كل لنفسه ولأخيه (غفر) الله (لهما) زاد أبو داود
قبل أن يتفرقا المراد الصغائر قياسا على النظائر فيندب لكل
مسلم إذا لقي مسلما وإن لم يعرفه السلام عليه ومصافحته.
قال ابن رسلان: ولا تحصل السنة إلا بتلاقي بشرة الكفين بلا
حائل ككم انتهى وفيه وقفة والظاهر من آداب الشريعة تعيين
اليمنى من الجاني لحصول السنة فلا تحصل باليسرى في اليسرى
ولا في اليمنى واستثنى العبادي من ندب المصافحة نحو أمرد
جميل فتحرم مصافحته أي إن خاف فتنة ونحو مجذوم وأبرص فتكره
(د عن البراء) بن عازب رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه وليس
كما قال فقد قال المنذري إسناده مضطرب وفيه ضعف
(1/300)
487 - (إذا التقى المسلمان فسلم أحدهما على
صاحبه) أي مشاركة في الدين (كان أحبهما إلى الله) أي
أكثرهما ثوابا عنده وأحظاهما لديه (أحسنهما بشرا) بكسر
الموحدة طلاقة وجه وفرح وحسن إقبال (بصاحبه) لأن المؤمن
عليه سمة الإيمان ووقاره وبهاء الإسلام وجماله فأحسنهما
بشرا أفهمهما لذلك وأغفلهما عن الله أغفلهما عما من الله
به عليهما ولأن المؤمن ظمآن للقاء ربه شوقا إليه فإذا رأى
مؤمنا نشط لذلك روحه وتبسم قلبه بروح ما وجد من آثار مولاه
فيظهر [ص:301] بشره فصار أحب إلى الله بما له من الحظ منه
(فإذا تصافحا أنزل الله عليهما مئة رحمة للبادئ) بالسلام
والمصافحة (تسعون وللمصافح) بفتح الفاء (عشرة) وذلك لأن
المصافح كالبيعة لأن من شرط الإيمان الأخوة والولاية {إنما
المؤمنون إخوة} {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}
فإذا لقيه فصافحه فكأنه بايعه على هاتين الخصلتين ففي كل
مرة يلقاه يجدد بيعة فيجدد الله له ثوابها كما يجدد ثواب
المصيبة بالاسترجاع وكما يجدد للحامد على النعمة ثوابا على
شكرها فإذا فارقه بعد مصافحته لم يخل في أثناء ذلك من خلل
فيجدد عند لقائه فالسابق إلى التجديد له من المئة تسعون
لاهتمامه بشأن التمسك بالأخوة والولاية ومسارعته إلى تجديد
ما وهى وحثه على ذلك وحرصه عليه <تنبيه> قال السمهودي أخذا
من كلام الغزالي والحليمي أن معنى سلام عليكم أحييكم
بالسلامة الكاملة من جميع معاطب الدارين وآفاتهما مع الأمن
والمسالمة محيطة بكم من جميع جهاتكم إكراما لكم بحيث لا
يكون لشيء من ضد ذلك سبيل عليكم فإني مسالم لكم بكل حال
ظاهرا وباطنا فلا يصلكم مني أذى فقد طلبت لكم تلك السلامة
الموصوفة من السلام الذي هو المالك تسليم عباده والمسلم
لهم وصاحب السلامة لا معطي في الدارين غيره ولا مرجوا
فيهما إلا خيره
(الحكيم) في نوادره (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب
(عن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال المنذري: ضعيف
انتهى وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هذين
وهو عجيب فقد رواه البزار عن عمر بهذا اللفظ. قال الهيتمي:
وفيه من لم أعرفه انتهى فرمز المصنف لحسنه غير حسن إلا أن
يريد لاعتضاده فقد رواه الطبراني بسند أحسن من هذا بلفظ:
إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا إلى آخره
(1/300)
488 - (إذا التقى الختانان) أي تحاذيا لا
تماسا والمراد ختان الرجل وخفاض المرأة فجمعهما بلفظ واحد
تغليبا (فقد وجب الغسل) أي على الفاعل والمفعول وإن لم
يحصل إنزال كما صرح به في رواية فالموجب تغييب الحشفة
والحصر في خبر إنما الماء من الماء منسوخ كما صرح به خبر
أبي داود مثل به أصحابنا في الأصول لنسخ السنة بالسنة كما
يأتي وذكر الختان غالبي فيجب الغسل بدخول ذكر لا حشفة له
في دبر أو فرج بهيمة عند الشافعي لأنه في معنى المنصوص إذ
هو جماع في فرج قال جدي المناوي رحمه الله: وعبر المصطفى
صلى الله عليه وسلم بإذا دون غيرها إشارة إلى غلبة وقوع
شرطها وأن الالتقاء سبب وجوب الغسل وأن الوجوب يكون وقت
الالتقاء لدلالة إذا على الزمان ولأن الأصل أن لا يتأخر
المسبب عن السبب وأنه إذا لم يوجد الالتقاء ولا في معناه
بأن غيب بعض الحشفة لا يجب الغسل عملا بمفهوم الشرط وإذا
لم يجب الغسل مع كونه أخف ما يترتب على الإيلاج فلا يجب ما
هو أشد منه من الحد ووجوب المهر وغير ذلك من باب أولى
بدلالة فحوى الخطاب. وفي الحديث قصة وذلك أن رفاعة بن رافع
قال: كنت عند عمر فقيل له إن زيد بن ثابت يفتي الناس في
المسجد وفي رواية يفتي بأنه لا غسل على من يجامع ولا ينزل.
فقال عمر: علي به فأوتي به فقال عمر: يا عدو نفسه أو بلغ
من أمرك أن تفتي برأيك؟ فقال: ما فعلت يا أمير المؤمنين
وإنما حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أي عمومتك؟ قال: أبي بن كعب وأبو أيوب ورفاعة قال: فالتفت
عمر إلي وقال: ما تقول؟ قلت: كنا نفعله على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فاتفقوا على أن الماء لا
يكون إلا من الماء إلا علي ومعاذ فقالا إذا التقى الختانان
وجب الغسل فقال علي: يا أمير المؤمنين سل أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم فأرسل إلى حفصة فقالت: لا أعلم فأرسل إلى
عائشة فقالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل فتحطم عمر
- أي تغلظ - وقال: لا أوتى بأحد فعله ولم يغتسل إلا أهلكته
عقوبة. قال ابن حجر: حديث حسن أخرجه ابن أبي شيبة
والطبراني وسياقه أتم قال: كان زيد يفتي بالمسجد فقال: إذا
خالطها ولم يمن لا غسل فقام رجل إلى عمر فقال فيه فالتفت
عمر إلى رفاعة [ص:302] وقال فيه بعد قول علي ومعاذ قد
اختلفتم وأنتم أهل بدر إلى آخره
(هـ) في الطهارة (عن عائشة وعن ابن عمرو) ابن العاص قال
ابن حجر: ورجال حديث عائشة ثقات ورواه الشافعي رضي الله
عنه في الأم والمختصر وأحمد والنسائي والترمذي وقال حسن
صحيح وابن حبان وصححه وإعلال البخاري له بأن الأوزاعي أخطأ
فيه أجيب عنه وقال النووي في التنقيح: أصله صحيح إلا أن
فيه تغييرا انتهى ومن ثم رمز المؤلف لصحته لكنه قصر حيث
اقتصر على عزوه لابن ماجه وحده مع وجوده لهؤلاء جميعا
ورواه مسلم بلفظ إذا جلس بين شعبيها الأربع ومس الختان
الختان فقد وجب الغسل
(1/301)
489 - (إذا القى الله في قلب امرئ) زاد في
رواية منكم (خطبة امرأة) بكسر الخاء أي التماس نكاحها (فلا
بأس أن ينظر إليها) أي لا حرج عليه في ذلك بل يسن وإن لم
تأذن هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع وإن خاف الفتنة
بالنظر إليها على الأصح عند الشافعية وظاهر الخبر أنه يكرر
النظر بقدر الحاجة فلا يتقيد بثلاث خلافا لبعضهم وإضافة
الإلقاء إلى الله تعالى تفيد أن الندب بل الجواز مقصور على
راجي الإجابة عادة بأن مثله ينكح مثلها وبه صرح ابن عبد
السلام بخلاف نحو كناس وحجام خطب بنت أمير أو شيخ إسلام
لأن هذا الإلقاء من وسوسة الشيطان لا من إلقاء الرحمن بل
تردد ابن عبد السلام فيما لو احتمل ومال إلى المنع لفقد
السبب المجوز وهو غلبة الظن وليس المنظور على إطلاقه بل
مقيدا بما عدا عورة الصلاة كما يفيده خبر آخر وأما خبر أبي
داود فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فمبهم مطلق يرد إلى
هذا المقيد واقتصاره على الإذن يفيد حرمة المس
(حم هـ ك) في المناقب (هق) من حديث إبراهيم بن صدقة (عن
محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام الخزرجي البدري كان كبير
المقدار أسود ضخما اعتزل الفتنة بأمر نبوي ثم قال الحاكم
غريب وإبراهيم ليس من شرط الكتاب قال الذهبي ضعفه
الدارقطني
(1/302)
490 - (إذا أم أحدكم الناس) بأن كان منصوبا
للإمامة بنصب الإمام أو الناس أو أهل المحلة أو تقدم
للإمامة بنفسه أو صار إماما ولو بغير قصد منه سمي إماما
لأن الناس يأتمون بأفعاله أي يقصدونها (فليخفف) صلاته ندبا
وقيل وجوبا بأن لا يخل بأصل سننها ولا يستوعب الأكمل كما
في المجموع وقيل بأن ينظر ما يحتمله أضعف القوم فيصلي
مراعيا له وأيده ابن دقيق العيد بأن التطويل والتخفيف من
الأمور الاعتبارية فرب تطويل لقوم تخفيف لآخرين وعلم من
ذلك أنه ليس المراد بالتخفيف الاختصار والنقصان بدليل أنه
نهى عن نقرة الغراب ورأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال
ارجع فصل فإنك لم تصل وقال لا ينظر الله إلى من لا يقيم
صلبه في ركوعه وسجوده (فإن فيهم) وفي رواية منهم (الصغير)
الطفل (والكبير) سنا (والضعيف) خلقة بدليل تعقيبه بقوله
(والمريض) مرضا يشق معه احتمال التطويل (وذا الحاجة) عطف
عام على خاص قال ابن حجر وهذه أشمل الأوصاف وزاد الطبراني
والحامل والمرضع والعابر السبيل وحذف المعمول ليفيد العموم
فيتناول الأوصاف وزاد الطبراني فيتناول أية صلاة كانت ولو
نفلا جماعة وليس لك أن تقول مفهوم الخبر أه إذا لم يكن ثم
من هو متصف بما ذكر لا يخفف لأن الأحكام إنما تناط بالغالب
لا النادر فليس التخفيف وإن علم عدم طرو من هذه صفته نعم
له التطويل إذا أم محصورين راضين لم يتعلق بعينهم حق كما
بين في الفروع (وإذا صلى لنفسه) أي منفردا (فليطول ما شاء)
فلا حرج عليه في ذلك وإن خرج الوقت على الأصح عند الشافعية
بشرط أن يوقع بركعة منها في الوقت كما رجحه الاسنوي وخبر
النهي عن إخراجها عن وقتها محله إذا أخر الشروع إلى خروجه
أو ضيقه ويكره للمنفرد إفراط التطويل المؤدي إلى نحو سهو
أو فوت خشوع أو مصلحة وفيه الاهتمام [ص:303] بتعليم
الأحكام والرفق بالخاص والعام واستدل بعمومه على جواز
تطويل الاعتدال والقعود بين السجدتين لكن الأصح عند
الشافعية أن تطويلهما مبطل ونزلوا الخبر على الأركان
الطويلة جمعا بين الأدلة
(حم ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله عنه بألفاظ مختلفة لكن
متقاربة
(1/302)
491 - (إذا أمن) بالتشديد (الإمام) أي أراد
التأمين أي أن يقول آمين عقب الفاتحة في جهرية (فأمنوا) أي
قولوا آمين مقارنين له لأن التأمين لقراءة الإمام لا
لتأمينه فلا يتأخر عنه وفيه ندب التأمين للإمام خلافا
لمالك ورفع صوته به إذ لو لم يجهر به لما علم تأمينه
المأموم وظاهر الحديث أنه إذا لم يؤمن لا يؤمن المقتدي وهو
غير مراد ووقع لبعض أعاظم الشافعية من سوء التعبير ما لا
يليق بمقامه وهو أنه قال قضية الخبر أن الإمام إذا لم يؤمن
لا يؤمن وهو وجه والأصح خلافه هذه عبارته ولعله سرى لذهنه
أنه تقرر في الفقه وحاشاه أن يقصد أن الأصح خلاف قضية كلام
المصطفى صلى الله عليه وسلم (فإنه) أي الشأن وهذا كالتعليل
لما قبله (من وافق تأمينه تأمين الملائكة) قولا وزمنا وقيل
إخلاصا وخشوعا واعترض والمراد جميعهم لأن أل الداخلة على
الجمع تفيد الاستغراق أو الحفظة أو الذين يتعاقبون أو من
يشهد تلك الصلاة ممن في الأرض أو في السماء ورجحه ابن حجر
ولا يعد في سماع تأمين من في الأرض لقوة الإدراك المودعة
فيهم والمراد بتأمينهم قولهم عقب القراءة آمين ومعناه
استجب للمصلين ما سألوه من نحو طلب الهداية والاستعانة وقد
خفي هذا مع ظهوره على من أول التأمين بالاستغفار (غفر له
ما تقدم) زاد في رواية للجرجاني في أماليه وما تأخر قال
ابن حجر وهي شاذة (من ذنبه) أي من الصغائر لا الكبائر لأنه
صح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت
الكبائر فإذا لم تكفر الفروض الكبائر فكيف يكفرها سنة
التأمين لكن نازع فيه التاج السبكي بأن المكفر ليس التأمين
الذي هو صنع المؤمن بل وفاق الملائكة وليس صنعه بل فضل
الله وعلامة على سعادة الموافق قال فالحق أنه علم خص منه
تبعات الناس وجرى عليه الكرماني فقال عموم اللفظ يقتضي
المغفرة فيستدل بالعام ما لم يظهر المخصص ومن للبيان لا
للتبعيض وفيه ندب التأمين مطلقا ورد على الإمامية الزاعمين
أن يبطل الصلاة لكونه ليس قرآنا ولا ذكرا وأن الملائكة
يدعون للبشر ووجوب الفاتحة لأن التأمين لا يكون إلا عقبها
(مالك) في الموطأ
(حم ق) في الصلاة (4) كلهم (عن أبي هريرة) وغيره
(1/303)
492 - (إذا أنا) زاد أنا لمزيد التقوية
والتحقيق (مت و) مات (أبو بكر) الصديق (وعمر) الفاروق
(وعثمان) ذو النورين (فإن استطعت أن تموت فمت) أي إن أمكنك
الموت فرضا فافعل فإنه خير لك من الحياة حالتئذ لما يقع من
الفتن وسفك الدماء قاله لمن قال له: يا رسول الله إن جئت
فلم أجدك فإلى من آتي قال: أبا بكر قال: فإن لم أجده قال:
عمر قال: فإن لم أجده قال: عثمان قال: فإن لم أجده فذكره
وذلك إشارة إلى أن عمر قفل الفتنة كما ورد مصرحا به وأن
بقتل عثمان تقع الفتن ويعظم الهرج حتى يصير الموت خيرا من
الحياة وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع
(حل) وكذا الطبراني في الأوسط وابن عدي وابن عساكر (عن سهل
بن أبي حيثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة وعبد الله
الأنصاري وفيه مسلم بن ميمون الخواص ضعيف لغفلته
(1/303)
493 - (إذا انتاط) بنون فمثناة فوقية قال
الزمخشري افتعل من نياط المفازة وهو بعدها كأنها نيطت
بأخرى (غزوكم) أي [ص:304] مواضع الغزو ومتوجهات الغزاة
(وكثرت العزائم) بعين مهملة وزاي أي عزمات الأمراء على
الناس في الغزو إلى الأقطار النائية (واستحلت الغنائم) أي
استحل الأئمة ونوابهم الاستئثار بها ولم يقسموها على
الغانمين كما أمروا (فخير جهادكم) حينئذ (الرباط) أي
المرابطة وهي الإقامة في الثغور ولا حرج عليكم في ترك
الغزو وقرره كله الزمخشري
(طب وابن منده) في الصحابة (خط) في ترجمة العباس بن حماد
كلهم (عن عتيبة) بضم المهملة وفتح المثناة فوق (ابن الندر)
بضم النون ودال مهملة مشددة كما في التقريب كأصله وذكره
الذهبي شامي حضر فتح مصر وفيه سويد ابن عبد العزيز قال
أحمد متروك
(1/303)
494 - (إذا انتصف شعبان) أي مضى نصفه الأول
ولفظ رواية الترمذي والنسائي إذا بقي النصف من شعبان (فلا
تصوموا) أي يحرم عليكم ابتداء الصوم بلا سبب (حتى يكون
رمضان) أي حتى يجيء على حد قوله. . . إذا كان الشتاء
فأدفؤني. . . ذكره العكبري وحكمة النهي التقوي على صوم
رمضان واستقباله بنشأة وعزم وقد اختلف في التطوع بالصوم في
النصف الثاني من شعبان على أربعة أقوال أحدها الجواز مطلقا
يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر
يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف.
الثاني قال ابن عبد البر وهو الذي عليه أئمة الفتوى لا بأس
بصيام الشك تطوعا كما قاله مالك الثالث عدم الجواز سواء
يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض
النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية
الرابع يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف
الثاني وعليه كثير من العلماء
(حم 4) في الصوم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي
حسن صحيح وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وتعقبه مغلطاي لقول أحمد
هو غير محفوظ وفي سنن البيهقي عن أبي داود عن أحمد منكر
وقال ابن حجر: وكان ابن مهدي يتوقاه وظاهر صنيع المؤلف أن
كلا من الكل روى الكل بهذا اللفظ ولا كذلك فعند أبي داود
إذا انتصف شعبان فلا تصوموا وعند النسائي فكفوا عن الصيام
وعند ابن ماجه إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء
رمضان وعند ابن حبان فأفطروا حتى يجيء رمضان وفي رواية له
لا صوم بعد نصف شعبان حتى يجيء رمضان ولابن عدي إذا انتصف
شعبان فأفطروا وللبيهقي إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا
حتى يدخل رمضان
(1/304)
495 - (إذا انتعل أحدكم) أي لبس نعله
(فليبدأ) ندبا (باليمنى) أي بإنعال رجله اليمنى وفي رواية
باليمين (وإذا خلع) نعله أي نزعه وبه جاءت رواية (فليبدأ)
ندبا (باليسرى) أي يخلعها لأن اللبس كرامة للبدن إذ هو
وقاية من الآفات واليمين أحق بالإكرام فبدئ بها في اللبس
وأخرت في النزع ليكون الإكرام بها أدوم وصيانتها وحفظها
أكثر كما أشار إليه بقوله (لتكن) الرجل (اليمنى أولهما)
قال الطيبي متعلق بقوله (تنعل) وهو خبر كان وذكره بتأويل
العضو أو هو مبتدأ وتنعل خبر والجملة خبر كان (وآخرهما
تنزع) ونقل ابن التين عن ابن وضاح أن قوله لتكن إلى آخره
مدرج وأن المرفوع إلى باليسرى وضبط قوله أولهما وآخرها
بالنصب خبر كان أو حال قال وتنعل وتنزع بمثناتين فوقيتين
وبتحتيتين مذكرين باعتبار الفعل والخلع. قال النووي: يندب
البداءة باليمين في كل ما فيه تكريم وزينة كوضوء وغسل
وتيمم ولبس ثوب ونعل وخف وسراويل ودخول مسجد وسواك واكتحال
وقلم ظفر وقص شارب ونتف إبط [ص:305] وحلق رأس وسلام من
صلاة وأكل وشرب ومصافحة واستلام الحجر الأسود والركن
اليماني وخروج من خلاء وأخذ وإعطاء ونحو ذلك مما هو في
معناه وباليسار في ضده كخلع نعل وخف وسراويل وثوب ودخول
خلاء وخروج من مسجد واستنجاء وفعل كل مستقذر. وقال الترمذي
الحكيم: اليمين محبوب الله ومختاره من الأشياء فأهل الجنة
عن يمين العرش يوم القيامة وأهل السعادة يعطون كتبهم
بأيمانهم وكاتب الحسنات وكفة الحسنات عن اليمين إلى غير
ذلك فابتدئ باليمين في اللبس ونحوه وفاء بحقه بأن الله
اختاره وفضله ثم يستصحب ذلك الحق فلا ينزع اليمين إلا آخرا
ليبقى ذلك الفضل أكثر
(حم م د ت هـ) في اللباس (عن أبي هريرة) وزاد في الكبير
عزوه للبخاري ولا أدري لم تركه هنا وظاهر صنيعه أن الكل
روى الكل وهو وهم فلم يقل مسلم ولا ابن ماجه لتكن إلى آخره
(1/304)
496 - (إذا انتهى أحدكم) أي انتهى به السير
حتى وصل (إلى المجلس) أي مجلس التخاطب والمسامرة بين القوم
المجتمعين للتحدث فيه وهو النادي (فإن وسع له) ببنائه
للمفعول أي فسح وفي رواية للفاعل أي فسح له أخوه المسلم
كما في رواية (فليجلس) فيه ولا يأبى الكرامة (وإلا) أي وإن
لم يوسع له (فلينظر إلى أوسع مكان) يعني مكان واسع (يراه)
في المجلس (فليجلس فيه) إن شاء وإلا انصرف ولا يزاحم غيره
فيؤذيه ولا يجلس وسط الحلقة للتوعد عليه باللعن في الخبر
الآتي ولا أمام غيره لأنه إضرار له وإن أذن حياء كما يقع
كثيرا ولا يقيم أحدا ليجلس مكانه منهي عنه كما يأتي في
أخبار ولا يستنكف أن يجلس في أخريات الناس بل يقصد كسر
النفس ومخالفة الشيطان ويسلك سبيل أولياء الرحمن فإن الرضا
بالدون من شرف المجالس كما في خبر يأتي وقد كان المصطفى
صلى الله عليه وسلم يجلس حيث ينتهي به المجلس كما يأتي وقد
عم الابتلاء بالتنافس في ذلك وطم في هذا الزمان وقبله
بأزمان سيما العلماء ولو علموا أن الصدر صدر أينما حل لما
كان ما كان ويندب القيام لمن دخل عليه ذو فضل ظاهر كعلم
وصلاح بقصد البركة والإكرام لا الرياء والاعظام ويحرم على
الداخل محبة القيام له
(البغوي) أبو القاسم في المعجم (طب هب عن شيبة) ضد الشباب
(وابن عثمان) المكي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم
صاحب مفتاح الكعبة قال الهيتمي إسناده حسن
(1/305)
497 - (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس) بحيث
يرى الجالسين ويرونه ويسمع كلامهم ويسمعون كلامه (فليسلم)
عليهم ندبا مؤكدا نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء
السلام سنة ورده فرض (فإن بدأ) أي عن (له أن يجلس) معهم
(فليجلس) معهم إن شاء (ثم إذا قام) لينصرف (فليسلم) عليهم
أيضا ندبا مؤكدا وإن قصر الفصل بين سلامه وقيامه وإن قام
فورا وعلله بقوله (فليست) التسليمة (الأولى بأحق) أي بأولى
(من) التسليمة (الآخرة) وفي نسخة الأخرى أي كلا التسليمتين
حق وسنة وكما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره
عند الحضور فكذا الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند
الغيبة وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند
الغيبة. قال النووي: ظاهر الحديث أنه يجب على الجماعة رد
السلام على من سلم عليهم وفارقهم وقول القاضي والمتولي
السلام عند المفارقة دعاء يندب رده ولا يجب لأن التحتية
إنما تكون عند اللقاء رده الشاشي بأن السلام سنة عند
الانصراف كما هو سنة عند الجلوس قال أعني النووي وهذا هو
الصواب
(حم د ت حب ك) وكذا النسائي في اليوم والليلة (عن أبي
هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن صحيح قال في الأذكار
وأسانيده جيدة قال المنذري زاد فيه رزين ومن سلم على قوم
حين يقوم عنهم كان شريكهم فيما خاضوا فيه من خير بعده
(1/305)
[ص:306] 498 - (إذا أنفق الرجل) وفي رواية
بدله المسلم (على أهله) أي زوجته وأقاربه أو زوجته وهم
ملحقون بها بالأولى لأنه إذا ثبت في الواجب ففي غيره أولى
(نفقة) حذف المقدر لإرادة العموم فشمل الكثير والقليل (وهو
يحتسبها) أي والحال أنه يقصد بها الاحتساب وهو طلب الثواب
من الوهاب (كانت) وفي رواية للبخاري فهي (له صدقة) أي يثاب
عليها كالصدقة وإطلاق الصدقة على الثواب مجاز والصارف عن
الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي
حرمت الصدقة عليها أي الفرض والعلاقة بين المعنى الموضوع
له وبين المعنى المجازي ترتب الثواب عليهما وتشابههما فيه
والتشبيه في أصل الثواب لا في كميته وكيفيته فسقط ما قيل
الإنفاق واجب والصدقة لا تطلق إلا على غيره فكيف يتشابهان
وافهم قوله يحتسبها أن الغافل عن نية التقرب لا تكون له
صدقة كتسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة للرجل
كاحتياجه إليها في اللذة والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن
لا يلزمه لها شيء لكنه تعالى خصه بالفضل والقيام عليها فمن
ثم أطلق على الصداق والنفقة صدقة وفيه حث على الإخلاص
وإحضار النية في كل عمل ظاهر أو خفي
(حم ق ن أبي مسعود) واسمه عقبة بالقاف
(1/306)
499 - (إذا أنفقت المرأة) على عيال زوجها
أو ضيف أو نحو ذلك (من) الطعام الذي في (بيت زوجها) أي مما
فيه من نحو طعام وقد أذن لها بالتصرف فيه بصريح أو ما ينزل
منزلته كاطراد عرف وعلم رضا حال كونها (غير مفسدة) له بأن
لم تجاوز العادة ولم تقصر ولم تبذر وقيد الطعام لأن الزوج
سمح به عادة بخلاف النقد ونحوه فإن اضطرب العرف أو شكت في
رضاه حرم وليس في الخبر تصريح بجواز التصدق بغير إذنه بل
ولا في خبر مسلم المصرح فيه بأنه بغير أمره لأن المراد
أمره الصريح في ذلك القدر المعين أو يكون معها إذن سابق
متناول لهذا القدر ولغيره بصريح أو مفهوم قوي (كان لها) أي
المرأة (أجرها بما) أي بسبب الذي (أنفقت) غير مفسدة والباء
للسببية (ولزوجها) عبر به لكونه الغالب والمراد الحليل
ونحوه (أجره بما كسب) أي بسبب كسبه (وللخارن) الذي النفقة
بيده أو الحافظ للطعام أي المسلم إذ الكافر لا ثواب له
وكذا يقال في الزوجة (مثل ذلك) الأجر بالشرط المذكور (لا
ينقص) بفتح أوله وضم ثالثه (بعضهم من أجر) وفي رواية أجر
بدون من (بعض) فهم في أصل الأجر سواء وإن اختلف مقداره فلو
أعطى المتصدق خادمه مئة ليدفعها لفقير على باب داره فأجر
المتصدق أكثر ولو أعطاه رغيفا ليدفعه له بمحل بعيد فأجر
مشي الخادم فوق قيمة الرغيف فأجر الخادم أوفر وإن تساويا
تساويا وقوله (شيئا) بالنصب مفعول ينقص إذ ينقص يتعدى إلى
مفعولين الأول أجر والثاني شيئا ك {زادهم الله مرضا}
(ق 4 عن عائشة) رضي الله عنها
(1/306)
500 - (إذا أنفقت المرأة من بيت) في رواية
من كسب وفي أخرى من طعام (زوجها عن) وفي رواية من (غير
أمره) أي في ذلك القدر المعين بعد وجود إذن سابق عام صريح
أو عرف (فلها) أي المرأة وفي رواية للبخاري فله أي الزوج
(نصف أجره) يعني قسم مثل أجره وإن كان أحدهما أكثر على حد.
. . إذا مت كان الناس نصفان. . . والمراد عدم المساهمة
والمزاحمة في الأجر وتنزيل الحافظ ابن حجر ذلك على ما
تعطاه المرأة نفقة لها فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر
بينهما لكونه يؤجر على ما ينفقه عليها: ليس في محله
لاقتضائه أنه إذا لم يحتسبها لا يكون بينهما لأن الاحتساب
شرط حصول [ص:307] الثواب له كما نص عليه في الحديث المار
وهو قد صور ذلك بغير علمه على أن الأجر له إنما هو في دفع
النفقة لها وأما إذا قبضتها واستقر ملكها عليها ثم أنفقت
منها فلا أحسب أحدا يقول إنه يكون له أجر فيما تنفقه هي من
مال نفسها خالصا وفيه فضل الإنفاق وسخاوة النفس والحث على
فعل الخير
(ق د عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(1/306)
501 - (إذا انفلتت دابة أحدكم) كفرسه أو
بعيره أي فرت وخرجت مسرعة يقال انفلت الطائر وغيره تخلص
وانطلق (بأرض) بالتنوين (فلاة) أي صحراء واسعة ليس فيها
أحد. ففي القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو
الصحراء الواسعة انتهى والمراد هنا الأخير (فليناد) أي
بأعلى صوته (يا عباد الله احبسوا علي دابتي) أي امنعوها من
الهرب وعلله بقوله (فإن لله في الأرض حاضرا) أي خلقا من
خلقه إنسيا أو جنيا أو ملكا لا يغيب (سيحبسه عليكم) يعني
الحيوان المنفلت فإذا قال ذلك بنية صادقة وتوجه تام حصل
المراد بعون الجواد ويظهر أن المراد بالدابة ما يشمل كل
حيوان كثور أو ظبي بل يحتمل شموله للعبد ونحوه قال النووي
عقب إيراده هذا الحديث: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم
أنه انفلتت له دابة أظنها بغلة فقال هذا الحديث فحبسها
الله عليه حالا قال: وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت بهيمة
وعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا. وأخرج
ابن السني عن السيد الجليل المجمع على زهده وورعه يونس بن
عبيد التابعي المشهور قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة
فيقول في أذنها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في
السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} إلا وقفت بإذن
الله. وقال اقشيري وقع لجعفر الخلدي فص في دجلة وعنده دعاء
مجرب للضالة ترد فدعا به فوجده في أوراق يتصفحها وهو: يا
جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي وقال النووي في
بستانه جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب وقد علمنيه
شيخنا أبو البقاء انتهى. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة
يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة
أو احتياج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل أعينوا عباد الله
رحمكم الله فإنه إن شاء الله يعان
(ع وابن السني طب) من حديث الحسن بن عمر عن معروف بن حسان
عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي بريدة (عن ابن مسعود) رضي
الله عنه قال ابن حجر حديث غريب ومعروف قالوا منكر الحديث
وقد تفرد به وفيه انقطاع أيضا بين أبي بريدة وابن مسعود
انتهى وقال الهيتمي فيه معروف بن حسان ضعيف قال وجاء في
معناه خبر آخر أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان
مرفوعا إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها
أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ثلاثا فإن لله عبادا لا
يراهم. وقد جرب ذلك كذا في الأصل ولم أعرف تعيين قائله
ولعله مضنف المعجم
(1/307)
502 - (إذا انقطع شسع نعل أحدكم) بكسر
الشين المعجمة سيرها الذي بين الأصابع (فلا يمش) ندبا (في)
النعل (الأخرى) التي لم تنقطع (حتى يصلحها) أي النعل التي
انقطع شسعها قال ابن حجر وهذا لا مفهوم له حتى يدل على
الأذن في غير هذه الصورة بل هو تصوير خرج مخرج الغالب
ويمكن كونه من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على
الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتياج فمع عدمه أولى فيكره
تنزيها المشي في نعل واحدة أو خف أو مداس بلا عذر ولا يحرم
إجماعا على ما حكاه النووي لكن نوزع بقول ابن حزم لا يحل
وقد يجاب بأن مراده الحل المستوي الطرفين ومثل [ص:308]
النعل إخراج إحدى اليدين من إحدى الكمين وترك الأخرى داخلة
وإرسال الرداء من إحدى الكتفين وإعراء الأخرى منه ذكره
النووي وإنما كره ذلك في النعل ونحوه لأنه يؤدي إلى العثار
ومخالفة الوقار ويفوت العدل بين الجوارح ويصير فاعله ضحكة
لمن يراه وهذه من المسائل التي كانت عائشة تنكرها ويرجح
الناس خلاف قولها. فإن قلت: ينافي القول بالكراهة ما ورد
أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار
فقال: يا خير من يمشي بنعل فرد. قلت: ليس المراد أنه كان
يمشي بنعل واحدة بل المراد بالفرد كما قاله ابن الأثير هي
التي لم تخصف ولم تطارق وإنما هي طاق واحدة والعرب تتمدح
برقة النعال وجعلها كذلك وأما ما خرجه الترمذي عن عائشة
قالت: ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمشى في النعل الواحدة حتى يصلحها فمع كونه ضعيفا لا يقاوم
ما في الصحيح فقد رجح البخاري وغيره كما في الفتح وقفه على
عائشة رضي الله عنها قال الحافظ العراقي: وبفرض ثبوته
ورفعه وقع منه نادرا لبيان الجواز كما يشير إليه التعبير
بربما المفيدة للتقليل أو هو لعذر بل جاء في بعض الروايات
الإفصاح به وأخذ بعض السلف من قوله فلا يمشي أن له الوقوف
بنعل واحدة حتى يصلح الأخرى وقال مالك: بل يخلعها ويقف إذا
كان في أرض حارة أو نحوها مما يضر بالمشي وأن له القعود
وخالف فيه بعضهم نظرا إلى التعليل بطلب العدل بين الجوارح
(خد م ن) من حديث أبي رزين (عن أبي هريرة) قال: خرج علينا
أبو هريرة وضرب بيده على جبهته فقال: ألا إنكم تحدثون أني
أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا وأضل؟ ألا
وإني أشهد لسمعته يقول - فذكره (طب عن شداد بن أوس) بفتح
الهمزة وسكون الواو بمهملة أو بيعلى الأنصاري المدني
الشاعر قال الذهبي غلط من عده بدريا
(1/307)
503 - (إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع) أي
ليقل ندبا: {إنا لله وإنا إليه راجعون} (فإنها) يعني هذه
الحادثة التي هي انقطاع النعل (من المصائب) فإنها تؤذي
الإنسان وكل ما أذاه فهو مصيبة والمصائب درجات (البزار عد
عن أبي هريرة) قال الهيتمي وفيه بكر بن خنيس ضعيف وقال
شيخه العراقي فيه أيضا يحيى بن عبيد الله التميمي ضعفوه
ورواه البزار أيضا عن شداد بن أوس وفيه خارجة بن مصعب
متروك وهو من طريقته معلول
(1/308)
504 - (إذا أوى) بقصر الهمزة على الأفصح
قال الزين زكريا كغيره إن كان أوى لازما كما هنا فالقصر
أفصح وإن كان متعديا كما في الحمد لله الذي آوانا فالمد
أفصح عكس ما وقع لبعضهم انتهى. (أحدكم إلى فراشه) أي انضم
إليه ودخل فيه لينام كما تفسره الرواية الأخرى الواردة
بهذا اللفظ وقال القاضي: أوى إلى فراشه انقلب إليه ليستريح
(فلينفضه) بضم الفاء قبل أن يدخل فيه ندبا وإرشادا
(بداخلة) بتاء التأنيث على ما في نسخ هذا الكتاب كأصله لكن
في كثير من الأصول بدونها (إزاره) أي أحد جانبيه الذي يلي
البدن خص النفض بالإزار لا لأنه لا يكون إلا به لأن العرب
لا تترك الائتزار فهو به أولى لملازمته للرجل فمن لا إزار
له ينفض بما حضر وأمره بداخلة الإزار دون خارجته لا لأنه
أبلغ وأجدى وإنما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل لأن
المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه على ما يلي
جسده والآخر بشماله فيرد ما أمسكه بشماله على بدنه وذلك
داخلة الإزار ويرد ما أمسك بيمينه على ما يلي جسده من
الإزار فإذا صار إلى فراشه فحل ببمينه خارجة الإزار وتبقى
الداخلة معلقة وبها يقع النفض. فإن قيل: فلم لا يقدر الأمر
فيه بالعكس؟ قلنا: لأن تلك الهيئة صنع ذوي الآداب في عقد
الإزار. ذكره الزمخشري واختصره القاضي [ص:309] فقال: داخلة
الإزار هي الحاشية التي تلي الجسد وتماسه وإنما أمرنا
بالنفض بها لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة إزاره
وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها وروى بصنفة إزاره بكسر
النون وهو جانبه الذي لا هدب له وهو موافق لما ذكر (فإنه
لا) وفي رواية ما (يدري ما خلفه) بالتشديد وبالتخفيف. قال
الزمخشري: ما مبتدأ ويدري معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام
(عليه) أي على الفراش يعني لا يدري ما حصل في فراشه بعد
خروجه منه إلى عوده من قذر وهوام مؤذية (ثم ليضطجع) ندبا و
(على شقه الأيمن) أولى (ثم ليقل) ندبا (باسمك ربي وضعت
جنبي وبك أرفعه) أي بك أستعين على وضع جنبي ورفعه فالباء
للاستعانة وقد استدل جمع متأخرون به على أن متعلق البسملة
يقدر فعلا مؤخرا مناسبا لما جعلت التسمية مبدأ كما جنح
إليه الكشاف وفيه إشعار بأنه لا يقول إن شاء الله إذ لو
شرعت المشيئة هنا لذكرها فالاقتصار على الوارد أولى ذكره
السبكي (إن أمسكت نفسي) أي قبضت روحي في نومي (فارحمها)
وفي رواية البخاري فاغفر لها (وإن أرسلتها) أي رددت الحياة
لي وأيقظتني من النوم (فاحفظها) إشارة إلى آية {الله يتوفى
الأنفس حين موتها} (بما) أي بالذي (تحفظ به عبادك
الصالحين) أي القائمين بحقوقك. وذكر المغفرة للميت والحفظ
عند الإرسال لمناسبته له والتاء في بما تحفظ مثلها في كتبت
بالقلم وما موصولة مبهة وبيانها ما دل عليه صلتها لأنه
تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي وأن لا يهنوا
في طاعته بتوفيقه وفيه ندب هذه الأذكار عند الأوي إلى
الفراش ليكون نومه على ذكر وتختم يقظته بعبادة
(ق د) في الأدب (عن أبي هريرة) ولفظ رواية مسلم عنه: إذا
أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه
وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه فإذا أراد
أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك اللهم ربي
وبحمدك إلى آخره
(1/308)
505 - (إذا باتت المرأة) أي دخلت في المبيت
يعني أوت إلى فراشها ليلا للنوم حال كونها (هاجرة) بلفظ
اسم الفاعل وهو ظاهر وفي رواية مهاجرة وليس لفظ المفاعلة
على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد يأتي لفظها
ويراد به نفس الفعل وإنما يتجه عليها اللوم إذا بدأت
بالهجر فغضب (فراش زوجها) بلا سبب بخلاف ما لو بدأ بهجرها
ظالما لها فهجرته كذلك (لعنتها الملائكة) الحفظة أو من وكل
منهم بذلك أو أعم ويرشد إلى التعميم قوله في رواية مسلم
الذي في السماء إن كان المراد به سكانها ثم هذا مقيد بما
إذا غضب الزوج عليها كما تقرر بخلاف ما لو ترك حقه ثم لا
تزال تلعنها في تلك الليلة (حتى تصبح) أي تدخل الصباح
لمخالفتها أمر ربها بمشاقة زوجها وخص الليل لأنه المظنة
لوقوع الاستمتاع فيه فإن وقع نهارا لعنتها حتى تمسي بدليل
قوله في رواية حتى ترجع. قال في الكشاف: البيتوتة خلاف
الظلول وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم وليس الحيض عذرا
إذ له حق التمتع بما فوق الإزار ذكره النووي وبه علم أن
قول ابن أبي جمرة: الفراش كناية عن الجماع ليس في محله
وليس المراد باللعن اللغوي الذي هو الطرد والبعد عن رحمة
الله لأنه لا يجوز على مسلم بل العرفي وهو مطلق السب والذم
والحرمان من الدعاء لها والاستغفار إذ الملائكة تستغفر لمن
في الأرض كما جاء به القرآن فتبيت محرومة من ذلك وفيه أن
سخط الزوج يوجب سخط الرب وإذا كان هذا في قضاء الشهوة فكيف
به في أمر دينها وأن الملائكة تدعوا على العصاة وأن دعاءهم
من خير أو شر مقبول لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوف
بذلك وأن السنة أن يبيت الرجل مع أهله في فراش واحد ولا
يجري على سنن الأعاجم من كونهم لا يضاجعون نساءهم بل لكل
من الزوجين فراش فإذا احتاجها يأتيها أو تأتيه
(حم ق) في النكاح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(1/309)
506 - (إذا بال أحدكم) أي شرع في البول
والمراد به مس الذكر عند الاستبراء منه ولا يصح كون بال
بمعنى فرغ إذ [ص:310] يكون معناه النهي عن مس الذكر
باليمين في الاستنجاء ولا يصح إذ يصير حينئذ قوله بعده
وإذا دخل الخلاء فلا يتمسح تكرارا ذكره العراقي (فلا يمس
ذكره بيمينه) تكريما لليمين فيكره مسه بها بلا حاجة تنزيها
عند الشافعية وتحريما عند الحنابلة والظاهرية تمسكا بظاهر
النهي وافهم تقييده المس بحالة البول عدم كراهته في غير
تلك الحالة وبه أخذ بعضهم فقال: ووجه التخصيص أن مجاور
الشيء حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته في تلك
الحالة ولا ينافيه ما في مسلم والترمذي والنسائي من إطلاق
النهي لوجوب حمل المطلق على المقيد فإن الحديث واحد
والمخرج واحد لا خلاف في حمل المطلق على المقيد عند اتحاد
الواقعة انتهى لكن الأصح كما قال النووي لا فرق بين حالة
الاستنجاء وغيرها ولا يلزم منه ترك حمل العام على الخاص إذ
لا محذور فيه هنا لأن ذلك محله إذا لم يخرج القيد مخرج
الغالب ولم يكن العام أولى بالحكم وإنما ذكر حالة
الاستنجاء في الحديث تنبيها على ما سواها لأنه إذا كره
المس باليمين حالة الاستنجاء مع مظنة الحاجة فغيره أولى
ولأن الغالب أنه لا يحصل مس الذكر إلا في تلك الحالة فخصت
بالذكر لغلبة حضورها في الذهن وما خرج مخرج الغالب لا
مفهوم له والحق أن هذا من ذكر بعض أفراد العموم لا من
المطلق والمقيد لأن الأفعال في حكم النكرات والنكرة في
سياق النفي نعم والحديث لا يشمل النساء لأن لفظ أحد هنا
بمعنى واحد فلو أريد المؤنث لقيل إحدى لكنهن ملحقات بهم
قياسا لأن علة النهي إكرام اليمين وصونها عن النجس والقذر
ومحله وهو موجود في الأنثى والمنهي عنه المس بغير حائل فلو
مس ذكره به لم يكره لأن لم يسمه حقيقة بل الثوب والدبر
كالذكر بل أولى فإن الذكر يحتاج لمسه في نحو الاستبراء
بخلاف الدبر ووهم الطيبي وخرج بإضافة الذكر إلى البائل ذكر
غيره فيحرم مسه مطلقا إلا في الضرورة <تنبيه> استشكل النهي
عن مس الذكر بيمينه وعن الاستنجاء بها بأنه متعذر لأنه إن
أمسك ذكره بيساره استنجى بيمينه وإن استنجى بيساره أمسك
ذكره بيمينه فوقع في منهي بكل حال وأجيب بأنه يمسك الحجر
بيمينه والذكر بيساره ويمسحه عليه ولا يحرك اليمين (وإذا
دخل الخلاء) أي فبال أو تغوط (فلا يتمسح) أي يستنجي
(بيمينه) بل يفعل ذلك بيساره لأن اليمين لما شرف وعلا
واليسار لما خس ودنا ولأنه إذا باشر النجاسة بها فقد يذكر
عند تناول الطعام ما باشر بيمينه فينفر طبعه. وعلم بما
تقرر أن معنى لا يتمسح بيمينه لا يجعلها آلة لاستعمال
الماء والحجر الذي يستنجى به فإنه مكروه تنزيها أو تحريما
على ما تقرر أما الاستنجاء بها بمعنى جعلها بمنزلة الجامد
فحرام غير مجزئ بها وباليسار بل وسائر أجزائه كما هو بين
والنهي عن التمسح بها يشمل الفرجين (وإذا شرب فلا يتنفس)
جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية ومعطوفة إن كانت ناهية
لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد كون المعطوف
مقيدا به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول بل حكم مستقل.
وحكمة ذكره هنا أن غالب أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال
المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه
شرب فضل وضوئه والتنفس في الإناء خاص بحالة الشرب (في)
داخل (الإناء) أي لا يخرج نفسه فيه بل يفصل القدح عن فيه
ثم يتنفس لئلا يتقذر الماء أو نحوه به وليأمن خروج شيء
تعافه النفس من الفم وكل ذي رئة يتنفس بالمعنى المذكور.
واعلم أن هذا لفظ الجماعة ولفظ أبي داود وحده وإذا شرب فلا
يشرب نفسا واحدا فيكره الشرب بنفس واحد تنزيها لأنه إذا
استوفى شربه نفسا واحدا تكابس الماء في موارد حلقه وأثقل
معدته فلهذا جاء في حديث يأتي الكباد من العب فإذا قطع
شربه في أنفاس ثلاثة كان أنفع وأخف ولا منافاة بين هذا
وحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء
ثلاثا لأن المنهي التنفس في نفس الإناء وأما خارجه فلا
نزاع في ندبه نقله الولي العراقي عن ابن المنذر
(حم ق 4 عن أبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو النعمان
أو عمرو بن ربعي
(1/309)
507 - (إذا بال أحدكم) أي أراد أن يبول
(فليرتد) أي فليطلب (لبوله مكانا لينا) لئلا يعود عليه
رشاشه فينجسه كما مر (د) وكذا الطبراني (عن أبي موسى)
الأشعري رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد قال شارح أبي
داود ابن محمود [ص:311] حديث ضعيف لجهل الراوي وقال في
المجموع حديث أبي موسى هذا ضعيف
(1/310)
508 - (إذا بال أحدكم) أي فرغ من بوله
(فلينتر) بمثناة فوقية لا مثلثة (ذكره ثلاث نترات) أي
يجذبه بقوة فالاستبراء بذلك ونحوه مندوب فلو تركه واستنجى
عقب الانقطاع ثم توضأ صح وضوءه وقيل واجب وأطيل في
الانتصار له وحمل على ما لو غلب على ظنه حصول شيء لولا
الاستبراء. قال الومخشري: والنتر جذب فيه جفوة ومنه نترني
فلان بكلامه إذا شدد ذلك وغلظ واستنتر طلب النتر وحرص عليه
واهتم به
(حم د في مراسيله هـ) في الطهارة (عن عيسى بن يزداد)
الفارسي عن أبيه قال ابن عساكر ويقال ابن ازداد وهو ابن
فساءة بفتح الفاء وسين مهملة مخففة أو مشددة وهمزة الفارسي
قال أبو داود كالبخاري لا صحبة ليزداد فالحديث مرسل وفيه
علة أخرى غير الإرسال أشار إليها عبد الحق وبينها ابن
القطان فقال عيسى وأبوه لا يعرفان وقال ابن معين وابن أبي
حاتم مجهولان وقال ابن الأثير مدار حديثه على زمعة بن صالح
وقد قال البخاري ليس حديثه بالقائم وقال ابن حجر عيسى
مجهول وأبوه مختلف في صحبته
(1/311)
509 - (إذا بال أحدكم) أي أراد البول (فلا
يستقبل الريح) حال بوله ندبا وفي رواية لا يستقبل الريح
ببوله (فيرده عليه) أي لئلا يرده عليه فينجسه ويؤخذ منه أن
الغائط المائع كالبول (ولا يستنجي بيمينه) لأنها أشرف
العضوين فتنزه عن ذلك وتفضيل الناقص وإهانة الفاضل عدول عن
العدل والله لا يأمر إلا بالعدل
(ع و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجمه (عن حضرمي) بمهملة
مفتوحة فمعجمة ساكنة وراء مفتوحة بلفظ النسبة (ابن عامر)
الأسدي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا من
الأشراف (وهو) أي هذا الحديث (مما بيض له) أي لسنده
(الديلمي) في مسند الفردوس لعدم وقوفه له على مخرج قال ابن
حجر وإسناده ضعيف جدا
(1/311)
510 - (إذا بعثت) أي أرسلت إلى عدو والخطاب
لمن يصير إماما أو نائبه ممن له ولاية بعث ذلك (سرية) هي
طائفة من الجيش أقصاها أربع مئة تبعث للعدو وسميت به لأنهم
يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس أو
لأنهم ينفذون سرا أي خفية كذا قبل ورد بأن لام السر واو
وهذه ياء فالأصح الأول (فلا تنتقهم) أي لا تنتقي الجلد
القوي (واقتطعهم) أي ولكن خذ قطعة أي طائفة اقتطعها من
الجند فيهم القوي والضعيف وابعثهم (فإن الله ينصر القوم
بأضعفهم) كما فعل في قصة طالوت {وما النصر إلا من عند
الله} لا بالقوة والشجاعة {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
بإذن الله} وأما الأبطال والشجعان فيغلب عليهم الزهو
والاعجاب وقصر النظر على الأسباب فإن تمحض الجيش من هؤلاء
خيف عليهم عدم الظفر لعدم اعتمادهم على الله سبحانه وتعالى
وملاك النصر والورع في التناول باليد وذلك في صعاليك
المؤمنين أغلب وكل سرية غلب عليها الورع والزهد فإلى النصر
أقرب ولهذا قيل لعلي كرم الله وجهه ما بال فرسك لم يكب بك
قط قال ما وطئت به زرع مسلم قط قالوا وأعظم السرايا سرية
فيها من أهل الورع بعدد التائبين من أصحاب طالوت الذين كان
بعددهم أهل بدر وهذا من الآداب الحربية والأحكام السلطانية
(الحارث) ابن محمد الشهير بابن أبي أسامة التميمي (في
مسنده عن ابن عباس) رضي الله عنهما بإسناد ضعيف لكن له
شواهد
(1/311)
511 - (إذا بعثتم إلي رجلا) وفي رواية بدله
بريدا وفي أخرى رسولا (فابعثوه حسن الوجه) لأن الوجه
القبيح مذموم [ص:312] والطباع عنه نافرة وحاجات الجميل إلى
الإجابة أقرب وجاهة في الصدور أوسع وجميل الوجه يقدر على
تنجز الحاجة ما لا يمكن القبيح وكل معين على قضاء الحوائج
في الدنيا معين على الآخرة بواسطتها ولأن الجمال أيضا يدل
غالبا على فضيلة النفس إذ نور النفس إذا تم إشراقه تأدى
إلى البدن فالمنظر والمخبر كثيرا ما يتلازمان ولذلك عول
أهل الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيآت البدن وقالوا
الوجه والعين مرآة الباطن ولذلك يظهر فيه أثر الغضب
والسرور والغم. ومن ثم قيل طلاقة الوجه عنوان ما في النفس.
واستعرض المأمون جيشا فعرض عليه رجل قبيح فاستنطقه فوجده
ألكن فأسقط اسمه من الديوان وقال الروح إن أشرق على الظاهر
فصباحة أو على الباطن ففصاحة وذا ليس له ظاهر ولا باطن
ولهذا قال تعالى مثنيا {وزاده بسطة في العلم والجسم} قال
الغزالي: وليس يعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإنه أنوثة
وإنما عني ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في
اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو
الطباع عن النظر إليه (حسن الاسم) لأجل التفاؤل فإن الفأل
الحسن حسن وبين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما
تخلف ذلك فإن الألفاظ قوالب المعاني والأسماء قوالب
المسميات فقبيح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه
عنوان قبح الباطن وبه يعرف أن ذا ليس من الطيرة في شيء
وأهل اليقظة والانتباه يرون أن الأشياء كلها من الله فإذا
ورد على أحدهم حسن الوجه والاسم تتفاءلوا به <تنبيه> من
كلامهم البليغ: إذا قلت الأنصار كلت الأبصار وما وراء
الخلق الدميم إلا الخلق اللئيم
(البزار) في مسنده (طس) وكذا العقيلي (عن أبي هريرة) رضي
الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوعات ولم يصب كما أن
الهيثمي لم يصب في تصحيحه بل هو حسن كما رمز له المؤلف
(1/311)
512 - (إذا بلغ الماء قلتين) بقلال هجر كما
في رواية أخرى ضعيفة وفي رواية: إذا كان الماء قلتين. وفيه
مضاف محذوف أي ملأ قلتين أو قدر قلتين وهما خمس قرب
وقدرهما بالوزن خمس مئة رطل بغدادي تقريبا وبالحلبي تسع
وثمانون رطلا وثلاث أواق وخمسة وعشرون درهما وخمسة أسباع
درهم. قال الولي العراقي عن شيخه البلقيني: الأصح أنها
تقريب أرطالا تحديد قربا (لم يحمل الخبث) أي النجس يعني
يدفعه ولا يقبله. يقال: فلان لا يحمل الضيم أي يدفعه عن
نفسه وزعم أن المراد أنه يضعف عن حمله فينجس بوقوعه فيه
يرده رواية أي داود: فإنه لا ينجس. ورواية غيره لم ينجسه
شيء. على أن الضعف إنما يكون في الأجسام لا المعاني. وفي
الخبر من البلاغة والفخامة ما لا يخفى. فإنه سئل عن الماء
وما ينوبه من الدواب والسباع فأورد الجواب معللا بذكر
السبب المانع من نجاسته وهو بلوغه قلتين ولو أجابه بأنه
طاهر أو نجس حصل الغرض لكنه عدل إلى الجواب المعلل المحدد
لها فيه من زيادة البيان وتقرير البرهان وأنه لو لم يحده
بذلك استوى القليل والكثير في الحكم وذلك في محل الابهام.
ذكره ابن الأثير وغيره قال القاضي: والحديث بمنطوقه يدل
على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجس وذلك
إذا لم يتغير وإلا كان نجسا لخبر " خلق الله الماء لا
ينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه " وبمفهومه
على أن ما دونه ينجس بالملاقاة وإن لم يتغير لأنه علق عدم
التنجيس ببلوغه قلتين والمعلق بشرط يعدم عند عدمه ويلزم
تغير الحالين في المتنجس وعدمه والمفارقة بين الصورتين حال
التغير منتفية إجماعا فتعين أن يكون حين ما لم يتغير وذلك
ينافي عموم الحديث المذكور فمن قال بالمفهوم وجوز تخصيص
المنطوق به كالشافعي خصص عمومه به فيكون كل واحد من
الحديثين مخصصا للآخر ومن لم يجوز ذلك لم يلتفت إليه وأجرى
الحديث الثاني على عمومه كمالك فإنه لا ينجس الماء إلا
بالتغير قل أو كثر وهو مذهب ابن عباس وابن المسيب والحسن
البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي
ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن
مهدي والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقل عن أبي هريرة
والنخعي قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول واختاره
الغزالي في الإحياء والروياني في كتابيه البحر والحلية.
وطعنوا في حديث القلتين بأنه مشترك بين قلة الجبل وقامة
الرجل وشموله نحو كوز وجرة والمشترك [ص:313] لا يصح حدا
ولأنه روي قلتان وثلاث وأربع فالأخذ بالقلتين ترجيح بلا
مرجح رد الأول بأنه للآنية لأنه أشهر في الخطاب وأكثر عرفا
والثاني بأنه لما قدر بعدد دل على أنه أكثرها. والثالث
بأنه ورد من قلال هجر وهي تسع قربتين وشيئا فحمل الشيء على
النصف احتياطا وخبر الثلاث والأربع على ما يقل باليد شك
فيه الراوي ومعنى لم يحمل خبثا لم يقبله لقوله تعالى
{حملوا التوراة ثم لم يحملوها} أي لم يقبلوها للعمل بها
ولأنه روى " لا ينجس " فحمل " لم يحمل خبثا " على عدم قبول
النجاسة جمعا ولأنه لولاه لم يكن لذكر القلتين وجه
(حم 3 حب قط ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب
قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض
فلاة وما ينوبه وفي رواية ينتابه من السباع والدواب فذكره
وفي غالب الطرق لم يذكر أرض القلاة. قال جدي في أماليه:
حديث حسن صحيح. وقال شيخه العراقي: سكت عليه أبو داود فهو
صالح للاحتجاج وقول صاحب هداية الحنفية ضعفه أبو داود وهو
وكفى شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ابن خزيمة
وابن حبان واعترف الطحاوي بصحته وقال المنذري: إسناده جيد
لا غبار عليه والحاكم على شرطهما وابن معين جيد والنووي في
الخلاصة صحيح والبيهقي موصول صحيح ولم ير الاضطراب فيه
قادحا قال ابن حجر: أطنب الدارقطني في استيعاب طرقه وجود
ابن دقيق العيد في الإمام الكلام عليه ووافق الشافعي على
العمل به أحمد دون الإمامين
(1/312)
513 - (إذا تاب العبد) أي الإنسان المكلف
توبة صحيحة بأن ندم وأقلع وعزم أن لا يعود ورد المظالم
(أنسى الله الحفظة) وهم المعقبات (ذنوبه) بأن يمحوها من
أفكارهم وصحفهم. وفي رواية: بدله ما كان يعمل (وأنسى ذلك
جوارحه) جمع جارحة. قال الزمخشري: جوارح الإنسان عوامله من
يديه ورجليه والمراد هنا أعضاؤه وأجزاؤه المعينة بآية {يوم
تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم} وبآية {وقالوا
لجلودهم لم شهدتم علينا} (ومعالمه) جمع معلم وهو الأثر من
الأرض: أي آثاره منها يعني المواضع التي اقترف السيئات
فيها. قال الومخشري: تقول هو من أعلام العلم الخافقة ومن
أعلام الدين الشاهقة وهو معلم الخير ومن معالمه أي مظانه
وخفيت معالم الطريق أي آثارها المستدل بها عليها: يعني
أنساها ذنوبه أيضا فلا تشهد عليه يوم القيامة (حتى) هي وإن
كانت غائبة فيها معنى التعليل أي لأجل أن (يلقى الله)
والحال أنه (ليس عليه شاهد من الله) من قبل الله ممن جعل
لهم الشهادة عليه من الحفظة والجوارح والبقاع (بذنب) وذلك
لأنه تعالى هو الآمر بالتوبة وهو يحب التوابين ويحب
المتطهرين وهو الذين رجعوا إليه وطهروا بقربه من أرجاسهم
فإذا تقربوا إليه بما يحبه أحبهم وإذا أحبهم غار عليهم أن
يظهر أحد على نقص أو على خلل فيهم ويسبل عليهم ستره الأعظم
ومن شأن الآدمي إذا أحب إنسانا ثم استقبله في طريق وهو ثمل
التفت هكذا وهكذا هل يراه أحد ثم ستره وأدخله منزله فأنامه
إشفاقا عليه وإكراما أن يراه أحد على تلك الحالة فما ظنك
بالغفار الستار؟ فإذا قبل توبة عبده أنسى الخلق ذنوبه وسبل
عليه ستر الوقار لينظر إليه بعين الإجلال لا الاحتقار وذلك
لأن المؤمن عليه لباس التقوى وهو وقايته وهو بين الخلق في
ذلك اللباس موقر ومهاب وتقواه لا ترى وإنما يرى طلاوة ذلك
اللباس وزهوته فإذا أذنب فقد تدنس اللباس وذهب ذلك الوقار
فإذا تاب أنسى الله الحفظة وجوارحه ذلك لتعود له المهابة
والإجلال
(ابن عساكر) في تاريخه والحكيم في نوادره (عن أنس) ورواه
عنه أيضا الأصبهاني في ترغيبه وضعفه المنذري
(1/313)
514 - (إذا تبايعتم بالعينة) بكسر العين
المهملة وسكون المثناة تحت ونون: وهو أن يبيع سلعة بثمن
معلوم لأجل ثم [ص:314] يشتريها منه بأقل ليبقى الكثير في
ذمته وهي مكروهة عند الشافعية والبيع صحيح وحرمها غيرهم
تمسكا بظاهر الخبر سميت عينة لحصول العين أي النقد فيها
(وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث
(ورضيتم بالزرع) أي بكونه همتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد)
أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان (سلط الله) أي
أرسل بقهره وقوته (عليكم ذلا) بضم الذال المعمجة وكسرها
ضعفا واستهانة (لا ينزعه) لا يزيله ويكشفه عنكم (حتى
ترجعوا إلى دينكم) أي الاشتغال بأمور دينكم وأظهر ذلك في
هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع حيث جعل ذلك
بمنزلة الردة والخروج عن الدين وهذا دليل قوي لمن حرم
العينة ولذلك اختاره بعض الشافعية وقال أوصانا الشافعي
باتباع الحديث إذا صح بخلاف مذهبه
(د هـ) في البيوع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال أتى علينا
زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه
المسلم ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز المؤلف
لحسنه وفيه أبو عبد الرحمن الخراساني واسمه إسحاق عد في
الميزان من مناكيره خبر أبو داود هذا ورواه عن ابن عمر
باللفظ المزبور أحمد والبزار وأبو يعلى. قال ابن حجر:
وسنده ضعيف وله عنه أحمد إسناد آخر أمثل من هذا اه. وبه
يعرف أن اقتصار المصنف على عزوه لأبي داود من سوء التصرف
فإنه من طريق أحمد أمثل كما تقرر عن خاتمة الحفاظ وكان
الصواب جمع طرقه فإنها كثيرة عقد لها البيهقي بابا وبين
عللها
(1/313)
515 - (إذا تبعتم الجنازة) أي مشيتم معها
مشيعين لها والجنازة اسم للميت في النعش (فلا تجلسوا) ندبا
(حتى توضع) بالأرض كما في أبي داود عن أبي هريرة وتبعه
النووي ورجحه البخاري بفعل الراوي أو باللحد كما رواه أبو
معاوية عن سهل وذلك لأن الميت كالمتبوع فلا يجلس التابع
قبله ولأن المعقول من ندب الشرع لحضور دفنه إكرامه وفي
قعودهم قبل دفنه إزراء به. هذا في حق الماشي معها أما
القاعد بالطريق إذا مرت به أو على القبر إذا أتي بها فقيل
يقوم وقيل لا وقد صح عن المصطفى أنه قام وأمر بالقيام وصح
أنه قعد فقيل القيام منسوخ والقعود آخر الأمرين وقيل هما
جائزان وفعله بيان للندب وتركه للجواز قال ابن القيم وهو
أولى من دعوى النسخ ولهذا اختار في المجموع القيام من حيث
الدليل لكن جرى في الروضة على الكراهة من حيث المذهب
(م) (عن أبي سعيد) الخدري
(1/314)
516 - (إذا تثاءب) بهمزة بعد الألف قال
القاضي: وبالواو غلط. أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار
المختنق في عضلات الفك الناشئ عن نحو امتلاء (أحدكم فليضع)
ندبا حال التثاؤب (يده) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع
ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين. قيل
لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى (على فيه) سترا على
فعله المذموم الجالب للكسل والنوم الذي هو من حبائل
الشيطان. وفي معنى وضع اليد وضع نحو ثوب مما يرد التئاؤب
فإن لم يندفع إلا باليد تعينت والأمر عام لكنه للمصلي آكد
فالتقييد به في بعض روايات الصحيحين لذلك لا لإخراج غيره
ولذاكره للمصلي وضع يده على فيه إذا لم تكن حاجة كالتئاؤب
ونحوه ثم علل النهي بقوله (فإن الشيطان يدخل) جوفه إذا فتح
فاه والمراد بالشيطان إبليس أو واحد يسمى خترب كمنبر موكل
بذلك أو الجنس (مع التئاؤب) يعني يتمكن منه في تلك الحالة
ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليثقل عليه صلاته ليخرج منها أو
يترك الشروع في غيرها بعدها وخص هذه الحالة لأن الفم إذا
انفتح لشيء مكروه شرعا صار طريقا للشيطان والأول أقرب فإن
الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم وورد أنه
واضع خطمه على قلبه فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقمه
[ص:315] وذلك الوسواس الخناس فالتارك لما أمر به من رد
التئاؤب والإمساك بيده على فمه في حكم الغافل الناسي
فيتمكن منه في هذه الحالة. وفي حديث الطبراني من أطاع الله
فقد ذكره والممتثل للأمر ذاكر لله. فهو ممنوع من الشيطان
(حم ق د) (عن أبي سعيد) الخدري
(1/314)
517 - (إذا تثاءب أحدكم) أي عن له التثاؤب
(فليرده) أي ليأخذ ندبا في أسباب رده لأن المراد أنه يملك
دفعه (ما استطاع) رده (فإن أحدكم إذا قال ها) أي بالغ في
التثاؤب فظهر منه هذا الحرف (ضحك منه الشيطان) أي حقيقة
فرحا بنفوذ تصرفه فيه أو هو كناية عن سروره وفرحه به وكلام
النووي يميل للحقيقة وفيه ندب ترك كثرة الأكل التي هي سبب
التثاؤب. قال القاضي: والتثاؤب تفاعل من الثوباء بالمد وهو
فتح الحيوان فمه لما عراه من تمط وتمدد للكسل وامتلاء
ولهذا السبب قيل ما تثاءب نبي قط
(خ عن أبي هريرة) وكذا رواه أبو داود عنه
(1/315)
518 - (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده) ندبا
(على فيه ولا يعوي) بمثناة تحتية مفتوحة وعين مهملة وواو
مكسورة أي لا يصوت ويصيح يقال عوى الكلب نبح والذئب يعوي
بالكسر عواء بالمد والضم صاح قال الزمخشري: فلان لا يعوي
لا ينبح. ومن المستعار عويت عن الرجل إذا اغتيب فرددت عنه
عواء المغتاب انتهى (فإن الشيطان يضحك منه) شبه المسترسل
في التثاؤب بعواء الكلب تنفيرا منه واستقباحا له فإن الكلب
يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي والمتثاءب إذا أفرط في التثاؤب
أشبهه ومنه تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه يصيره ملعبة
له بتشويه خلقه في تلك الحالة <تنبيه> قال الحافظ العراقي
رحمه الله تعالى الأمر بوضع اليد على فمه هل المراد به
وضعها عليه إذا انفتح بالتثاؤب أو وضعها على الفم المنطبق
حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك؟ كل محتمل أما لو رده فارتد
فلا حاجة للاستعانة بيده مع انتفائه بدون ذلك
(هـ) في الصلاة (عن أبي هريرة) رمز المؤلف لضعفه وهو كذلك.
وممن جزم بضعفه مغلطاي فقال ضعيف لضعف رواية عبد الله بن
سعيد المقبري ونكارة حديثه انتهى. والحديث له أصل عند مسلم
وغيره بتغيير قليل في اللفظ
(1/315)
519 - (إذا تجشأ أحدكم) من الجشإ بالضم وهو
صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع (أو عطس) بفتح الطاء
ومضارعه بكسرها وضمها (فلا يرفع) ندبا (بهما الصوت) أي
صوته (فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت) فيضحك منه
ويهزأ به فيندب خفض صوته لهما قدر الإمكان ويكره الرفع
عمدا فإن تأذى بهما أحد اشتدت الكراهة بل قد تحرم ومدح
العطاس في الخبر الآتي لكونه من الله لا يستلزم مدح رفع
الصوت به والصوت هواء منضغط بين قارع ومقروع
(هب عن عبادة بن الصامت) الأنصاري (وعن شداد بن أوس) عن
(واثلة) بكسر المثلثة ابن الأسقع بفتح الهمزة والقاف من
أهل الصفة وفيه أحمد بن الفرج وبقية والوضين وفيهم مقال
معروف (د في مراسيله عن يزيد) من الزيادة ابن مرثد بسكون
الراء بعدها مثلثة
(1/315)
520 - (إذا تخففت أمتي بالخفاف ذات
المناقب) أي لبست الخفاف الملونة أو البيض المزينة أو
الجعول عليها أرقاع زينة [ص:316] ففي القاموس نقب الخف
رقعه (الرجال والنساء) مشتركون فيها بقصد الزينة وهذا بدل
من الأمة لفائدة النص على البدع (وخصفوا) وكان القياس خصفت
أي الأمة لكن غلب المذكر لأن الأصل نعالهم (تخلى الله
عنهم) أي ترك حفظهم وأعرض عنهم ومن تخلى عنه فهو من
الهالكين وأصل الخصف ترقيع النعل أو خرزها أو نسجها ويظهر
أن المراد هنا جعلوها براقة لامعة متلونة لقصد الزينة
والمباهاة. قال الراغب: الأخصف والخصيف الأبرق من الطعام
وحقيقة ما جعل من اللين ونحوه في خصفة فيتلون بلونها وفي
الميزان من حديث أبي هريرة أربع خصال من خصال آل قارون
لباس الخفاف المتلونة ولباس الأرجوان وجر لقال السيوف وكان
أحدهم لا ينظر إلى وجه خادمه تكبرا انتهى. فلعل الإشارة
بالخفاف في الحديث المشروح إلى ذلك وقضيته أن المراد
بالنعال هنا نعال السيوف وفيه النهي عن لبس الخفاف المزينة
الملونة والنعال المذكورة ونحوها مما ظهر بعده من البدع
والتحذير منه وأنه علامة على حصول الوبال والنكال أما لبس
الخفاف الخالية عن ذلك فمباح بل مندوب فقد كان المصطفى صلى
الله عليه وسلم عدة خفاف وكان الصحب يلبسونها حضرا وسفرا
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه عثمان بن عبد الله
الشامي ضعيف وقال الذهبي قال ابن عدي له موضوعات
(1/315)
521 - (إذا تزوج أحدكم فليقل له) بالبناء
للمفعول أي فليقل له ندبا عند العقد أو الدخول أو عندهما
أهله وجيرانه وصحبه ومعارفه (بارك الله لك) في زوجك (وبارك
عليك) أي أدخل عليك البركة في مؤنتها ويسرها لك وأعاد
العامل لزيادة الابتهال وكانت عادة العرب إذا تزوج أحدهم
قالوا له بالرفاء والبنين فنهى عن ذلك وأبدله بالدعاء
المذكور. قال النووي: ويكره أن يقال بالرفاء والبنين لهذا
الحديث ويظهر أن التسري كالتزوج وأن المرأة كالرجل لكنه
آكد لما لزمه من المؤنة فتخصيص التزوج والرجل غالبي وزاد
في رواية وجمع بينكما في خير
(الحارث) ابن أبي أسامة (طب عن عقيل) بفتح المهملة وكسر
القاف (ابن أبي طالب) أخو علي وجعفر ورواه عنه أيضا
النسائي وابن ماجه بمعناه وسياقه عن عقيل أنه تزوج بامرأة
من بني جشم وقالوا بالرفاء والبنين فقال: لا تقولوا هكذا
ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك
الله لهم وبارك عليهم وعقيل هذا كان أسن من علي بعشرين سنة
وكان نسابة أخباريا مات زمن معاوية وقد عمي وهو الذي قال
له معاوية إنكم يا بني هشام تصابون في أبصاركم فقال فورا
وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم رمز لحسنه ولم يصححه
لأن فيه أبا هلال قال في اللسان لا يعرف وذكره البخاري في
الضعفاء وسماه عميرا وقال لا يتابع على حديثه
(1/316)
522 - (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها) أي
لأجل أنها دينة أي متصفة بصفة العدالة وليس المراد العفة
عن خصوص الزنا (وجمالها) أي حسنها وبراعة صورتها (كان فيها
سدادا) بالرفع على أن كان تامة وبالنصب على أنها ناقصة (من
عوز) بالتحريك أي كان فيها ما يدفع الحاجة ويسد الخلة
ويقوم ببعض الأمر والسداد بالكسر ما يسد به الفقر وتدفع به
فاقة الحاجة قيل والفتح هنا خطأ واعترض وعوز الشيء عوزا من
باب تعب عن فلم يوجد وأعوزه الشيء احتاج إليه. وقال
الزمخشري وغيره: أصابه عوز وهو الحاجة والفقر وشيء معوز
عزيز لم يوجد انتهى. وفي تعبير المصطفى صلى الله عليه وسلم
بهذه العبارات إيماء إلى أن ذلك غير مبالغ في حمده لأنه في
تزوج الجميلة حظا شهوانيا وميلا نفسانيا وأن اللائق
بالكمال تمحض القصد للدين وعدم الالتفات إلى جهة الجمال
وإن كان حاصلا وقيل أراد أنه إذا تزوجها لدينه ليستعف بها
ويصون نفسه [ص:317] لا لرغبته في مالها وجمالها أعين عليها
وكان فيها سدادا من عوز المال والنكاح
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى وكذا العسكري (عن ابن
عباس وعن علي) أمير المؤمنين وفيه هيثم بن بشير أورده
الذهبي في الضعفاء وقال حجة حافظ يدلس وهو في الزهري لين
وحكم ابن الجوزي بوضعه
(1/316)
523 - (إذا تزين القوم بالآخرة) أي تزينوا
بزي أهل الآخرة في الهيئة أو الملبس والتصرف مع كونهم
ليسوا على مناهجهم (وتجملوا للدنيا) أي طلبوا حصولها
بإظهار عمل الدين أو بإظهار النسك ونحوه من الأعمال
الأخروية لأجل تحصيل الدنيا (فالنار مأواهم) محل سكناهم
يعني يستحقون المكث في نار الآخرة لاشتغالهم بما لا ينجيهم
منها وعدم نظرهم في أدبار الأمور وعواقبها المردية
وتلبيسهم وتدليسهم وجعلهم الآخرة مصيدة للحطام الفاني كما
هو دأب كثير ممن يدعي العلم أو التصرف في هذا الزمان
{أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة}
(عد عن أبي هريرة وهو مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه على
مخرجه
(1/317)
524 - (إذا تسارعتم) أي تبادرتم (إلى
الخير) أي إلى فعل قربة (فامشوا حفاة) ندبا أي بلا نعل ولا
خف (فإن الله يضاعف) من المضاعفة يعني الزيادة (أجره) أي
أجر الماشي حافيا أو الحفا المفهوم من حفاة ويصح عود
الضمير على الله (على) أجر (المنتعل) أي لابس النعل إن قصد
به التواضع والمسكنة وكسر النفس الأمارة فإن الأجر على قدر
النصب وما يقاسيه الحافي من تألم رجليه بنحو شوك وأذى
وحرارة الأرض أو بردها فوق ما يحصل للمنتعل بأضعاف مضاعفة
قال ابن الجوزي: من أهل العلم من يمشي حافيا عملا بهذا
الحديث الموضوع وشبهه وذلك مما تنزه الشريعة عنه والمشي
حافيا يؤذي العين والقدم وينجسها انتهى. والأوجه أنه إن
أمن تنجس قدميه ككونه في أرض رملية مثلا ولم يؤذه فهو
محبوب أحيانا بقصد هضم النفس وتأديبها ولهذا ورد أن
المصطفى كان يمشي حافيا ومنتعلا وكان الصحب يمشون حفاة
ومنتعلين وعلى خلاف ذلك يحمل الأمر بالانتعال وإكثار
النعال
(طس خط عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم في تاريخه
والديلمي وفيه سليمان عن عيسى بن نجيح. قال الذهبي: كان
يضع وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في
مختصر الموضوعات لكن يقويه بعض قوة خبر الطبراني من مشى
حافيا في طاعة لم يسأله الله يوم القيامة عما افترض عليه
لكن قيل بوضعه أيضا
(1/317)
525 - (إذا تسميتم بي) أي باسمي وهو محمد
وليس مثله أحمد خلافا لمن وهم (فلا تكنوا) بحذف إحدى
التاءين تخفيفا (بي) أي بتكذيبي يعني لا تجمعوا بين اسمي
وكنيتي لواحد قال جمع وهذا في عصره لئلا يشتبه فيقال يا
أبا القاسم فيظن أنه المدعو فيلتفت فيتأذى {وما كان لكم أن
تؤذوا رسول الله} واسمه قد سمي به قبل مولده نحو خمسة عشر
وسمى به في حياته محمد بن أبي بكر وابن أبي سلمة وغيرهما
فإذا سمعه لم يلتفت إليه حتى بتحقق أنه المدعو وأما كنيته
فلم يتكن بها أحد غيره والأصح عند الشافعية حرمة التكني به
مطلقا في زمنه وبعده لمن اسمه محمد وغيره وإنما خص بهذه
الكنية إيذانا بأنه الخليفة الأعظم الممد لكل موجود من
حضرة المعبود سيما في قسمة الأرزاق والعلوم والمعارف
(ت عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه
(1/317)
[ص:318] 526 - (إذا تصافح المسلمان)
الرجلان أو المرأتان أو رجل ومحرمه أو حليلته يعني جعل كل
منهما بطن يده على بطن يد الآخر إذ المصافحة كما في
النهاية إلصاق صفح الكف بالكف. وقال التلمساني: وضع باطن
الكف على باطن الأخرى مع ملازمة بقدر ما يقع من سلام أو
كلام (لم تفرق) بحذف إحدى التاءين (أكفهما) يعني كفاهما
كقوله تعالى {فقد صغت قلوبكما} (حتى يغفر لهما) أي الصغائر
لا الكبائر لما مر فيتأكذ المصافحة كذلك وهي كما في
الأذكار سنة مجمع عليها انتهى ولا تحصل السنة إلا بوضع
اليمين في اليمين حيث لا عذر كما مر وظاهر الحديث لا فرق
بين كون الوضع بحائل ككم قميص ودونه وهو عن بعضهم خلافه
ويكره اختطاف اليد ومصافحته الأمرد ومعانقته كنظره فإن كان
بشهوة حرم اتفاقا أو بدونها جاز عند الرافعي وحرم عند
النووي وخرج بالمسلم الكافر فتكره مصافحته لندب الوضوء من
مسه
(طب عن أبي أمامة) قال الهيتمي فيه مهلب بن العلاء لا
أعرفه وبقية رجاله ثقات
(1/318)
527 - (إذا تصدقت) أي أردت التصدق (بصدقة
فأمضها) أي فورا ندبا لئلا يحول بينك وبينها الشيطان فإنها
لا تخرج حتى تفك لحى سبعين شيطانا كما يأتي في خبر بل ربما
حال بينك وبينها بعض شياطين الإنس أيضا وعلى كل خير مانع
وقد تأتي المنية قبل إنجازها ويحتمل أن المراد بقوله
فأمضها لا تعد فيها بنحو شر كما يدل عليه السبب الآتي
(حم تخ عن ابن عمرو) بن العاص قال حمل عمر بن الخطاب رجلا
على فرس في سبيل الله ثم وجد صاحبه أوقفه يبيعه فأراد أن
يشتريه فنهاه المصطفى ثم ذكره رمز المؤلف لصحته
(1/318)
528 - (إذا تطيبت المرأة لغير زوجها) أي
استعملت الطيب في شيء من بدنها أو ملبوسها لاستمتاع غير
حليل كزان أو مساحقة أو ليجد الأجانب ريحها وإن خلى عن
الزنا والسحاق (فإنما هو) أي تطيبها لذلك (نار) أي يجر
إليها ويؤدي إلى استحقاقها فهو من مجاز التشبيه (وشنار)
بشين معجمة ونون مفتوحتين مخفف عيب وعار. قال الزمخشري:
رجل شنير كثير الشنار قال بعضهم:
ونحن رعية وهم رعاة. . . ولولا رعيهم شنع الشنار
يريد أن الناس يقولون النار ولا العار وفعل هذه العاهرة قد
بلغ من الشناعة ما اجتمع لها فيه النار والعار معا وقد جمع
لهاتين العقوبتين الدنيوية والأخروية عار بعده نار
(طس عن أنس) قال الهيتمي فيه امرأتان لم أعرفهما وبقية
رجاله ثقات
(1/318)
529 - (إذا تغولت لكم الغيلان) أي ظهرت
وتلونت بصور مختلفة قال في الأذكار الغيلان جنس من الجن
والشياطين وهو سحرتهم ومعنى تغولت تلونت وتراءت في صور
وقال بعضهم غيره كانت العرب تزعم أنها تتراءى في الفلوات
فتتلون في صور شتى فتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم وقد
نفى ذلك الشارع بقوله " لا غول " لكن ليس المراد به نفي
وجوده بل إبطال زمن إضلاله فمعنى لا غول أي لا تستطيع أن
تضل أحدا قال القزويني: وقد رأى الغول جمع من الصحابة منهم
عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سافر إلى الشام قبل
الإسلام فضربه بالسيف ويقال إنه كخلقة الإنسان لكن رجلاه
رجلا حمار (فنادوا بالأذان) أي ادفعوا شرها برفع الصوت
بذكر الله كذا عند ابن حجر وظاهره أنه ليس المراد بالأذان
هنا حقيقته الشرعية بالإتيان بأي ذكر كان وهو غير قويم فقد
عدوا من المواطن التي يندب فيها الأذان الشرعي تغول
الغيلان وقال في الأذكار المراد بقوله فنادوا بالأذان
ادفعوا شرها بالأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر كما
قال (فإن الشيطان) إبليس على ما درج عليه جمع أو جنس
الشيطان وهو كل متمرد من الجن [ص:319] والإنس لكن المراد
هنا شيطان الجن (إذا سمع النداء) بالأذان (أدبر) ولى هاربا
(وله حصاص) بمهملات كغراب أي ولى وله شدة عدو وضراط لثقل
الأذان عليه كما يضرط الحمار لثقل الحمل واستخفافا بالذكر.
قال عياض: ويمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج
الريح ويحتمل كونه عبارة عن شدة نفاره. قال الطيبي: شبه
شغل الشيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي غلب على
السمع ومنعه من سماع غيره ثم سماه حصاصا أو ضراطا تقبيحا
له وزاد في رواية البخاري حتى لا يسمع التأذين وظاهره أنه
يتعمد ذلك لئلا يسمع وفيه ندب رفع الصوت بالأذان تنفيرا
للشياطين وإنما كان الشيطان ينفر منه لأنه جامع لعقيدة
الإيمان مشتمل على نوعية العقليات والسمعيات لأنه ابتدأ
أولا بالذات وما يستحقه من الكمال بقوله الله أكبر ثم أثبت
الوحدانية ونفى ضدها من الشرك ثم أثبت الرسالة ثم دعا إلى
الصلاة وجعلها عقب إثبات الرسالة إذ معرفة وجوبها من جهته
لا من جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في
النعيم الدائم وفيه إشعار بأمور الآخرة من بعث وجزاء وذلك
كله متضمن لتأكيد الإيمان ومزيد الإيقان فلذلك نفر منه
الشيطان
(طس) من حديث عدي بن الفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه
(عن أبي هريرة) قال أعني الطبراني لم يروه عن سهيل إلا عدي
قال ابن حجر لعله أراد أول الحديث وإلا فباقيه خرجه مسلم
وغيره من غير وجه عن سهيل انتهى وقال الهيتمي فيه الفضل
وهو متروك وذكر الدميري في الحيوان أن النووي ذكر الخبر في
الأذكار وصححه قال ابن حجر ولم أره فيها لا تخريجا ولا
تصحيحا وأنى له بالصحة وعدي الذي تفرد به متفق على ضعفه؟
(1/318)
530 - (إذا تم) أي كمل (فجور العبد) أي
استحكم فسق الإنسان وانهمك في العصيان والطغيان قال
الزمخشري: ومن المجاز انفجر عليهم العدو وجاءهم بغتة بكثرة
وانفجرت عليهم الدواهي وفجر الراكب على السرج مال (ملك
عينيه) أي إرسال دمع عينيه فصار دمعها كأنه في يده (فبكى
بهما متى شاء) أي أي وقت أراد إظهارا للخشوع والانقياد
ليرتب عليه ما هو دأبه من السعي بين الناس بالفساد وهذا من
معجزاته وآيات نبوته الظاهرة الباهرة فقد عم وطم في هذا
الزمان وتوصل به أشقياء هذا الأوان لمن يدعي العلم إلى جر
الحطام والقرب من الحكام إيذاءا للأنام ومحاربة للملك
العلام
(عد عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) الجهني قال ابن الجوزي
حديث لا يصح
(1/319)
531 - (إذا تمنى أحدكم) أي اشتهى حصول أمر
مرغوب فيه تفعل من الأمنية والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل
فإن كان في خير فمحبوب وإلا فمذموم وقيل حديث النفس بما
يكون وما لا يكون وهو أعم من الترجي لاختصاصه بالممكن
(فلينظر) أي يتأمل ويتدبر في (ما يتمنى) أي فيما يريد أن
يتمناه فإن كان خيرا تمناه وإلا كف عنه (فإنه لا يدري ما
يكتب له من أمنيته) أي ما يقدر له منها وتكون أمنيته لسبب
حصول ما تمناه وله ساعات لا يوافقها سؤال سائل إلا وقع
المطلوب على الأثر فالحذر من تمني المذموم الحذر وفيه أمر
المتمني أن يحسن أمنيته وكان الصديق كثيرا ما يتمثل بقوله:
احذر لسانك أن تقول فتبتلى. . . إن البلاء موكل بالمنطق
ولما نزل الحسين بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال
كرب وبلاء فجرى ما جرى
(حم خد هب عن أبي هريرة) رمز لحسنه وهو أعلا فقد قال
الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وأقول في مسند البيهقي
ضعفاء
(1/319)
[ص:320] 532 - (إذا تمنى أحدكم) على ربه من
خير الدارين (فليكثر) الأماني (فإنما يسأل ربه) الذي رباه
وأنعم عليه وأحسن إليه (عز وجل) فيعظم الرغبة ويوسع
المسألة ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل فإنه إن لم
ييسره لا يتيسر كما في الحديث الآتي: فينبغي للسائل إكثار
المسألة ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحاء الليل
والنهار أي دائمة لا ينقصها شيء ولا يفنيها عطاء وإن جل
وعظم لأن عطاءه بين الكاف والنون {إنما أمرنا لشيء إذا
أردناه أن نقول له كن فيكون} قال الزمخشري: وليس ذا بمناقض
لقوله سبحانه وتعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على
بعض} فإن ذلك نهي عن تمني ما لأخيه بغيا وحسدا وهذا تمني
على الله عز اسمه خيرا في دينه ودنياه وطلب من خزائنه فهو
نظير {واسألوا الله من فضله}
(طس عن عائشة) رمز لحسنه وهو تقصر أو قصور وحقه الرمز
لصحته فقد قال الحافظ الهيتمي وغيره رجاله رجال الصحيح
(1/320)
533 - (إذا تناول أحدكم) أي أخذ (عن أخيه)
في الدين (شيئا) أي أماط عن نحو ثوبه أو بدنه نحو قذاة مما
أصابه ولم يشعر به (فليره) بضم التحتية وسكون اللام وكسر
الراء وسكون الهاء من أراه يريه (إياه) ندبا تطييبا لخاطره
وإشعارا بأنه بصدد إزالة ما يشينه ويعيبه وذلك باعث على
مزيد الود وتضاعف الحب وخرج بالأخ في الدين الكافر فلا
ينبغي فعل شيء من وجوه الإكرام والاحترام معه إلا لضرورة
(د في مراسيله عن ابن شهاب) الزهري (قط في) كتاب (الأفراد)
بفتح الهمزة (عنه) أي الزهري (عن أنس) ابن مالك لكن (بلفظ:
إذا نزع) بدل تناول وإسناده ضعيف لكن انجبر المرسل بالمسند
فصار متماسكا
(1/320)
534 - (إذا تنخم) بالتشديد (أحدكم) أي دفع
النخامة من صدره أو رأسه والنخامة البصاق الغليظ (وهو في
المسجد فليغيب نخامته) بتثليث أوله وهو النون ومن اقتصر
على الضم فإنما هو لكونه الأشهر بأن يواريها (في التراب)
أي غير تراب المسجد أو يبصق في طرف ثوبه أو ردائه ثم يحك
بعضه ببعض ليضمحل ومثل النخامة البصاق وكل ما نزل من الرأس
أو صعد من الصدر قال يغيب دون يغطي إشارة إلى عدم حصول
المقصود بالتغطية إذ قد يزلق بها أحدا أو يقعد عليها وذلك
مطلوب في غير المسجد أيضا وإنما خصه لأن البصاق في أرضه أو
جزء من أجزائه حرام ومواراته في غير ترابه أو إخراجه واجب
وتركه حرام وأما مواراته في غير المسجد فمندوحة لما بينه
بقوله (لا يصيب) بالدفع أي لئلا يصيب (جلد مؤمن) أي شيئا
من بدنه (أو ثوبه) يعني ملبوسه ثوبا أو رداءا أو عمامة أو
غيرها (فيؤذيه) أي فيتأذى به بإصابتها له ونحن مأمورون بكف
الأذى عن خلق الله فإن تحقق الأذى حرم وخص المؤمن لأهميته
كف الأذى عنه وإلا فكف الأذى عن الذمي واجب
(حم ع وابن خزيمة) في صحيحه (هب والضياء) المقدسي والديلمي
(عن سعد) ابن أبي وقاص. قال الهيتمي رجاله موثقون وعزاه في
محل آخر للبزار ثم قال رجاله ثقات
(1/320)
535 - (إذا توضأ أحدكم) في نحو بيته (فأحسن
الوضوء) بأن راعى فروضه وسننه وآدابه وتجنب منهياته (ثم
خرج) زاد في رواية عامدا (إلى المسجد) يعني محل الجماعة
(لا ينزعه) بفتح أوله وكسر الزاي (إلا الصلاة) أي لا يخرجه
ويذهبه من محله إلا قصد فعلها فيه يقال نزع إلى الشيء
نزاعا ذهب إليه والمراد أن يكون باعث خروجه قصد إقامتها
وإن عرض له في خروجه أمر دنيوي فقضاه والمدار على الإخلاص
فحسب (لم تزل رجله اليسرى تمحو) [ص:321] وفي رواية تحط
(عنه سيئة وتكتب له اليمنى حسنة) يعني يكتب له بإحدى
خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة لكن لما كان مشيه
برجليه سببا لذلك صارت كأنها فاعلة وهذا أبلغ في الترغيب
وأشوق إلى الأعمال الصالحة. قال العراقي: وخص تحصيل الحسنة
باليمنى لشرف جهة اليمين وحكمة ترتب الحسنة على رفعها حصول
رفع الدرجة بها وحكمة ترتب حط السيئة على وضع اليسرى
مناسبة الحط للوضع فلم يترتب حط السيئة على رفع اليسرى كما
فعل باليمنى بل على وضعها أو يقال إن قاصد المشي للعبادة
أول ما يبدأ برفع اليمنى للمشي فترتب الأجر على ابتداء
العمل انتهى وفيه إشعار بأن هذا الجزاء للماشي لا للراكب
أي بلا عذر وذكر الرجل غالبي فبدلها في حق فاقدها مثلها
ويستمر المحو والكتب (حتى) ينتهي مشيه إليه بأن (يدخل
المسجد) أي محل الجماعة وفيه تكفير للسيئات مع رفع الدرجات
وسببه أنه قد يجتمع في العمل شيئان أحدهما رافع والآخر
مكفر كل منهما باعتبار فلا إشكال فيه ولا حاجة لتأويل كما
ظن. ولما حث على لزوم الجماعة نبه على أن آكد الجماعة
جماعة الصبح والعشاء لعظم المشقة فيهما كما مر بقوله (ولو
يعلم الناس ما في) صلاة (العتمة) العشاء وسميت باسم وقتها
لأنهم يعتمون فيها بحلاب الإبل ولعل هذا قبل نهيه عن
تسميتها به (و) صلاة (الصبح) أي ما فيها من جزيل الثواب
(لأتوهما) أي سعوا إلى فعلهما (ولو حبوا) أي زاحفين على
الركب وفيه أن المساجد بنيت للصلاة أي الأصل ذلك وأن
المعنى المترتب عليه الجزاء هو المشي وهو أمر زائد على
إدراك فضل الجماعة فلو كان المصلي معتكفا حصل له ثواب
الجماعة دون ذلك
(طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني موثقون
(1/320)
536 - (إذا توضأ أحدكم في بيته) يعني في
محل إقامته (ثم أتى المسجد) يعني محل الجماعة (كان في
صلاة) أي حكمه حكم من هو في صلاة من جهة كونه مأمورا بترك
العبث واستعمال الخشوع وللوسائل حكم المقاصد ويستمر هذا
الحكم (حتى يرجع) أي إلى أن يعود إلى محله. قال الراغب:
والرجوع العود إلى ما كان البدء منه مكانا أو فعلا أو قولا
بذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله (فلا
يقل هكذا) أي لا يشبك بين أصابعه فالمشار إليه قول الراوي
(وشبك) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بين أصابعه) أي
أدخل أصابع يديه في بعض من اشتباك النجوم وهو كثرتها
وانضمامها وكل متداخلين متشابكان ومنه شباك الحديد وإطلاق
القول على الفعل جائز شائع ذائع في استعمال أهل اللسان
ومطارح البلغاء قال الطيبي: لعل النهي عن إدخال الأصابع
بعضها في بعض لما فيه من الإيماء إلى ملابسة الخصومات
والخوض فيها بدليل أنه حين ذكر الفتن شبك بين أصابعه وقال
اختلفوا فكانوا هكذا: ثم إن هذا الخبر لا يعارضه ما ورد من
أن المصطفى شبك بين أصابعه لأن النهي لمن كان في صلاة أو
قاصدها أو منتظرها لأنه في حكم المصلي وقال ابن المنير:
التحقيق أنه لا تعارض إذ المنهي فعله عبثا وما في الحديث
قصد به التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ بصورة الحس وفيه
كراهة تشبيك من خرج إلى المسجد للصلاة. في الطريق والمسجد
في الصلاة وغيرها كما في التحقيق وأنه يكتب لقاصد المسجد
لصلاة أجر المصلي من حين يخرج حتى يعود
(ك) في الصلاة (عن أبي هريرة) وقال على شرطهما وأقره
الذهبي
(1/321)
537 - (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه) أي أتى
به تاما كاملا غير طويل ولا قصير بل متوسط بينهما ذكره
القاضي [ص:322] (ثم خرج) من محله (عامدا إلى المسجد) أي
قاصدا لمحل الجماعة يقال عمد للشيء قصد له (فلا يشبكن بين
أصابع يديه) ندبا أي لا يدخل أصابع إحداهما في أصابع
الأخرى لما فيه من التشبيه بالشيطان أو لدلالته على ذلك أو
لكونه دالا على تشبيك الأحوال قال ابن العربي: وقد شاهدت
ممن يكره رؤيته ويقول فيه نظير في تشبيك الأحوال والأمور
ومثل تشبيكها تفقيعها كما في حديث آخر (فإنه في صلاة) أي
في حكم من فيها والتشبيك من هيآت التصرفات الاختيارية
والصلاة تصان عن ذلك مع أن التشبيك جالب للنوم وهو مظنة
للحديث فلذلك كره تنزيها. قال العراقي: وهل يتعدى النهي عن
التشبيك إلى تشبيكه بيد غيره أو يختص بيد نفسه لأنه عبث؟
كل محتمل ويظهر أن تشبيكه بيد غيره إذا كان لنحو مودة أو
ألفة لا يكره وقد رفع حديث التشبيك مسلسلا بجمع من الحفاظ
ثم إن مفهوم الشرط ليس قيدا معتبرا حتى إنه إنما ينهى عن
التشبيك من توضأ فأحسن وضوءه بل من توضأ فأسبغ الواجب وترك
المندوب فهو مأمور بذلك وكذا من خرج من بيته غير متوضئ
ليتوضأ في طريقه أو عند المسجد لأنه قاصد للصلاة في المسجد
وفائدة ذكره الشرط أن الآتي بصفات الكمال من توضئه قبل
خروجه من بيته وإحسانه للوضوء وذهابه للمسجد أنه لا يأتي
بما يخالف ما ابتدأ به عبادته من العبث في طريقه إلى
المسجد بتشبيك اليدين بغير ضرورة بل ينبغي أن يواظب على
صفات الكمال في خروجه ودخوله المسجد وصلاته وخروجه منه حتى
يرجع إلى بيته ليكون آخر عبادته مناسبا لأولها والنهي عن
التشبيك في الصلاة لا يتقيد بكونه في المسجد بل لو صلى في
بيته أو سوقه فكذلك لتعليله النهي عن التشبيك في الصلاة
إذا خرج من بيته بأنه في صلاة فإذا نهى من يكتب له أجر
المصلي لكونه قاصدها فحالة الصلاة الحقيقية أولى بترك
العبث سواء كانت الصلاة بالمسجد وغيره
(حم د ت) في الصلاة من حديث أبي ثمامة الخياط (عن كعب بن
عجرة) بفتح العين (الذي في القاموس بضم العين) المهملة
وسكون الجيم البلوى حليف الأنصار أو منهم تأخر إسلامه قال
أبو ثمامة أدركني كعب متوجها إلى المسجد مشبكا بين أصابعي
فقال إن رسول الله قال فذكره وصححه ابن خزيمة وابن حبان
قال ابن حجر في إسناده اختلاف ضعفه بعضهم لأجله وقال
الذهبي في التنقيح رواه جماعة عن المعتز عن أبي ثمامة وهو
لا يعرف إلا بهذا الحديث وفيه نكارة وفي الميزان خبره عن
كعب ولذلك رمز المؤلف لضعفه
(1/321)
538 - (إذا توضأ أحدكم) أي أراد الوضوء
(فلا يغسل) ندبا (أسفل رجليه بيده اليمنى) بل باليسرى
تكريما لليمين لأنهم كانوا يمشون حفاة فقد يعلق نحو أذى أو
زبل بأسفلهما فلا يباشر ذلك بيمناه تكرمة لها ذكره عبد
الحق ويؤخذ منه أن الغسل كالوضوء فيندب فيهما دلك رجليه
بيساره ويبالغ في العقب سيما في الشتاء ومثل غسل رجليه غسل
رجلي غيره بالأولى
(عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (وهو) أي الحديث (مما بيض
له الديلمي) لعدم وقوفه عليه رمز لضعفه وذلك لأن فيه
سليمان بن أرقم متروك والحسن عن أبي هريرة وهو لم يصح
سماعه منه وأبو إبراهيم محمد بن القاسم الكوفي كذبه أحمد
(1/322)
539 - (إذا توضأتم) أي أردتم الوضوء
(فابدأوا) ندبا (بميامنكم) وفي رواية بأيامنكم فأيامن جمع
أيمن وميامن جمع ميمنة أي بغسل يمين اليدين والرجلين لأن
اليمنى أشرف وتقديم الفاضل عن المفضول مما تطابق عليه
المعقول والمنقول فإن عكس بلا عذر كره وصح وضوءه وصرف
الأمر عن الوجوب. نقل ابن المنذر الإجماع على عدمه ولأنه
لا يعقل [ص:323] في ذلك إلا تشريف اليمين ولا يقتضي عدمه
العقاب وما نقل عن الشافعي في القديم من الوجوب لم يثبت
وبفرض ثبوته فمراده تأكد الندب من قبيل غسل الجمعة واجب
قال الراغب: والبدء والابتداء تقديم الشيء على غيره ضربا
من التقديم
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد وأبو داود وابن خزيمة
وابن حبان والطبراني والبيهقي وغيرهم قال ابن دقيق العيد:
وهو خليق بأن يصحح وصححه ابن خزيمة وارتضاه ابن حجر وقال
ابن القطان: صحيح وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه صحيح فرمز
المؤلف لضعفه لا معول عليه
(1/322)
540 - (إذا توضأت) بتاء الخطاب أي فرغت من
وضوئك (فانتضح) أي رش الماء ندبا على فرجك وما يليه من
الإزار حتى إذا أحسست ببلل فقدر أنه بقية الماء لئلا يشوش
الشيطان فكرك ويتسلط عليك بالوسواس قال الغزالي: وبه يعرف
أن الوسوسة تدل على قلة الفقه وقيل أراد بالنضح صب الماء
على العضو ولا يقتصر على مسحه حكاه المنذر وفيه ما فيه
(هـ عن أبي هريرة) قال مغلطاي في شرح ابن ماجه سأل الترمذي
عنه البخاري فقال الحسن بن علي الهاشمي أي أحد رجاله منكر
الحديث وقال ابن حبان هذا حديث باطل وقال العقيلي لا يتابع
عليه الهاشمي وقال الدارقطني له مناكير وعبد الحق سنده
ضعيف فرمز المؤلف لحسنه غير صواب نعم قال مغلطاي له إسناد
عند غير ابن ماجه صالح فلعل المؤلف أراد أنه حسن لشواهده
(1/323)
541 - (إذا توفي أحدكم) أي قبضت روحه قال
في الكشاف: التوفي استيفاء النفس وهي الروح وهو أن يقبض
كله لا يترك منه شيء من توفيت حقي من فلان واستوفيته أخذته
وافيا كاملا والتفعل من الاستفعال يلتقيان في مواضع (فوجد
شيئا) أي خلف تركة لم يتعلق بعينها حق لازم وإسناد الوجدان
إلى الميت مجاز والمراد وليه أو من يقوم مقامه في تجهيزه
(فليكفن) جوازا (في ثوب حبرة) بالإضافة وعدمها كعنبة ثوب
يماني من قطن أو كتان مخطط وهذا قد يعارضه الأمر بالتكفين
في البياض وقد يقال مراده هنا لبيان جنس ما يكفن فيه من
كونه من نحو قطن لا مع رعاية الحبرة بسائر صفاتها التي
منها التخطيط بدليل تعلقه على الوجدان وكأنه قال إن وجد في
مخلف الميت ما يفي بثوب من نحو قطن فليكفن فيه ولا يعدل
لتكفينه في نحو حصير أو جلد أو حشيش أو كرباس فإنه إزراء
به أو أن الحبرة من التحبير وهو التحسين على أنه إنما
يحتاج إلى الجمع بين حديثين إذا استويا صحة أو حسنا أو
ضعفا وأحاديث البياض صحيحة وهذا الحديث ضعيف أو حسن ودعوى
النسخ يحتاج إلى ثبوت تأخر الناسخ
(د) في الجنائز (والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله
قال ابن القطان فيه إسماعيل بن عبد الكريم والحديث لا يصح
من أجله
(1/323)
542 - (إذا جاء أحدكم الجمعة) أي أراد
المجيء إلى صلاتها وهو بضم الميم اتباعا لضم الجيم اسم من
الاجتماع أضيف إليه اليوم أو الصلاة وجواز إسكانها على
الأصل على المفعول وهي لغة تميم وبها قرئ وفتحها بمعنى
فاعل أي اليوم الجامع وهو كهمزة ولم يقرأ بها واستشكاله
بأنه أنث مع أنه صفة لليوم دفع بأن التاء ليست للتأنيث بل
للمبالغة كهي في علامة أو هي صفة للساعة وحكى الكسر أيضا
وسواء كان الجائي رجلا أو صبيا أو أنثى كما أفاده بإضافة
أحد إلى ضمير الجمع ليعم وذكر المجيء غالبي فالحكم يعم
المقيم بمحلها. قال الطيبي: والظاهر أن الجمعة فاعل كقوله
{إذا جاءتهم الحسنة} وقوله {أن يأتي أحدكم الموت}
(فليغتسل) ندبا عند الجمهور وقيل وجوبا وعليه الظاهرية
وعزى لمالك ونص عليه الشافعي في القديم واختاره السبكي
ويأتي فيه مزيد وخرج به من لم يحضرها فلا يطلب منه الغسل
بناء على الأصح عند الشافعية والحنفية والمالكية أن الغسل
للصلاة لا لليوم فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة وظاهر
قوله فليغتسل أن الغسل يتصل بالمجيء فيقربه من ذهابه
ويوصله به وبه قال مالك لكن أخذ الشافعية والحنفية بما
اقتضاه حديث أبي هريرة من اغتسل [ص:324] يوم الجمعة ثم راح
أن الرواح متأخر عن الغسل فلو اغتسل بعد الفجر أجزأ عند
الشافعية والحنفية لا المالكية لكن تقريبه من ذهابه أفضل
عند الشافعي
(مالك) في الموطأ (ق ت عن ابن عمر) ابن الخطاب قال كان
الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم
ثياب مغبرة فشكوا ذلك للنبي فذكره وفي رواية لمسلم من حديث
أبي هريرة بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان فعرض به
فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير
المؤمنين مازدت حين سمعت الأذان أن توضأت ثم أقبلت فقال
عمر والوضوء أيضا؟ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول فذكره كذا في مسلم وظاهر صنيع المصنف أنه لم
يروه من الستة إلا ثلاثة ولا كذلك بل رواه الجماعة إلا أبا
داود ومن عزاه للكل كصاحب المنتقي فقد وهم وقد اعتنى
بتخريج هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين
راويا رووه عن نافع ثم جمع ابن حجر طرقه فبلغ أسماء من
رووه عن نافع مئة وعشرين
(1/323)
543 - (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة) يعني دخل
المحل الذي تقام فيه الجمعة وهو بضم الميم وفتحها وسكونها
فالأولان لكونها جامعة والثالثة لجمعهم فيها فإن فعله
بالتحريك للفاعل كهمزة وفعله للمفعول ذكره الزركشي
(والإمام يخطب) خطبتها جملة حالية (فليصل) ندبا قبل أن
يقعد (ركعتين) فقط تحية المسجد فيكره الجلوس قبلها عند
الشافعي ويحتاج من ذهب إلى كراهة التحية لداخله كأبي حنيفة
ومالك إلى جواب شاف عن هذا الحديث وأجاب بعض الحنفية
بأجوبة سبعة أطيل في ردها بما يشفي الغليل ويوضح السبيل
(وليتجوز) أي يخفف فيهما بأن يقتصر على الواجب وجوبا فإن
زاد على أقل مجزئ بطلت عند جمع شافعية
(حم ق د ن هـ عن جابر) ظاهره أن الكل أخرجوا الكل والأمر
بخلافه بل اللفظ لمسلم والبخاري روى معناه وليس في حديثه
وليتجوز فيهما فإطلاق العزو غير صواب
(1/324)
544 - (إذا جاء أحدكم) زاد في رواية أبي
أسامة إلى القوم إلى محل به جماعة يريد الجلوس معهم (فأوسع
له أخوه) أي تفسح له أخوه في الدين محلا يجلس فيه فإنما هي
أي الوسعة أو التوسعة أو الفعلة أو الخصلة (كرامة أكرمه
الله بها) بواسطة أخيه حيث ألهمه ذلك ولو شاء لألهمه ضد
ذلك إذ الفاعل حقيقة إنما هو الله تعالى والخلق ستائر على
العقول فينبغي قبول تلك الكرامات مع شهود أنها من فضله
تعالى ولا يأبى الكرامة إلا لئيم وبما تقرر علم أنه لا
تعارض بين قوله هنا أكرمه الله بها وقوله في حديث الحجرات
وإكرام القادم المسلم والاهتمام بشأنه وعدم التغافل عنه
لأن التهاون به يفضي إلى الحقد والضغائن وكسر الخواطر
وتغير البواطن والظواهر. وخرج بما إذا أوسع له ما لو لم
يوسع له فينظر إلى موضع أوسع فيجلس فيه كما أفصح به في
الحديث الآخر. ومن آداب الشريعة إيثار الجلوس في طرف
المحافل دون صدورها سلوكا لطريق التواضع لكن لا يقصد أن
يقال متواضعا بل لشهوده حقارة نفسه حقيقة وليحذر من الكذب
في قوله صدر الحلقة وطرفها عندي سواء
(تخ هب عن مصعب) بضم الميم وسكون المهملة الثانية
وبالموحدة (ابن شيبة) العبدي الحجبي خازن البيت قال الذهبي
كابن الأثير مختلف في صحبته رمز لحسنه وفيه عبد الملك بن
عمر أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أحمد مضطرب الحديث
وابن معين مختلط لكنه اعتضد فمراده أنه حسن لغيره
(1/324)
545 - (إذا جاء الموت لطالب العلم) الشرعي
العامل به وقال الغزالي: المراد به في هذا ونحوه علم طريق
الآخرة والمراد بطالبه هنا ما يشمل من يطلب نشره ونفع عباد
الله فيدخل فيه المعلم والمدرس والمفتي [ص:325] والمؤلف
فليس المراد المتعلم فقط (وهو على هذه الحالة) أي حالة
طلبه له لله خالصا (مات وهو شهيد) شهادة أخروية أي في حكم
شهيد الآخرة فينال درجة شهيد الآخرة فذلك دليل حسن الخاتمة
وفيه ترغيب عظيم في طلب العلم والدوام عليه وإن طعن في
السن وأشرف على الهرم ليأتيه الموت على تلك الحالة فيكون
من الشهداء
(البزار) في مسنده (عن أبي ذر) الغفاري (و) عن (أبي هريرة)
معا وضعفه المنذري وقال الهيتمي وغيره فيه هلال بن عبد
الرحمن الحنفي متروك وهذا من الأباطيل التي زعم حاتم
المغافري أن مالكا حدثه بها عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن
أبي هريرة انتهى ولذلك قال المصنف في الأصل وضعفه
(1/324)
546 - (إذا جاءكم الزائر) أي المسلم الذي
قصد زيارتكم (فأكرموه) ندبا مؤكدا ببشر وطلاقة وجه ولين
جانب وقضاء حاجة وضيافة بما يليق بحال الزائر والمزور
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق فر) وكذا ابن لال وعنه
أورده الديلمي فعزوه إليه أولى (عن أنس) وفيه بقية ويحيى
بن مسلم ضعيفان
(1/325)
547 - (إذا جاءكم) أيها الأولياء (الأكفاء)
طالبين نكاح من لكم عليه ولاية من النساء (فأنكحوهن) بهمزة
قطع أي زوجوهن (ولا تربصوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا
تنتظروا (بهن) يعني بتزويجهن (الحدثان) بالتحريك أو بكسر
فسكون الليل والنهار أي نوائب الدهر وعوائقه وحوادثه
والمراد أنه إذا خطب موليتكم كفؤ فأجيبوه ندبا ولا تمنعوه
وتنتظروا بهن نوائب الدهر وعوائقه وحوادثه من موت الولي
والمولية أو غيرهما من أقاربهما وربما أدى ذلك لطول
التعزيب واختلال الحال فإذا دعت المرأة وليها إلى نكاحها
من كفؤ لزمه إجابتها إعفافا لها فإن امتنع فهو عاضل
فيزوجها الحاكم والكفؤ كقفل لغة المماثل وعرفا التساوي في
السلامة من العيوب المثبتة للخيار وفي الحرية والنسب
والدين والصلاح والحرفة
(فر عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه الحاكم ومن طريقه
عنه أخرجه الديلمي فعزوه إليه كان أولى وفيه يعلى بن هلال
قال الذهبي في الضعفاء يضع الحديث
(1/325)
548 - (إذا جامع أحدكم أهله) أي حليلته قال
الراغب: وأهل الرجل في الأصل يجمعه وإياهم سكن ثم عبر به
عن امرأته (فليصدقها) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم
الدال من الصدق في الود والنصح أي فليجامعها بشدة وقوة
وحسن فعل جماع ووداد ونصح ندبا (فإن سبقها) في الإنزال وهي
ذات شهوة (فلا يعجلها) أي فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي
شهوتها بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره فلا يتنحى
عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها فإن ذلك من حسن
المباشرة والإعفاف والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف زاد
في رواية كما في الوشاح مع الستر ومص الشفة وتحريك الثديين
ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده أن الرجل إذا كان سريع
الانزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل أنه
يندب له التداوي بما يبطئ الانزال فإنه وسيلة إلى مندوب
وللوسائل حكم المقاصد
(ع عن أنس) وإسناده حسن
(1/325)
549 - (إذا جامع أحدكم أهله) حليلته
(فليصدقها ثم إذا قضى حاجته) منها بأن أنزل (قبل أن تقضي)
هي (حاجتها) منه (فلا يعجلها) ندبا أي لا يحثها على
مفارقته بل يستمر معها (حتى) أي إلى أن (تقضي حاجتها) بأن
يتم إنزالها وتسكن غلمتها. قال الأزهري: القضاء لغة على
وجوه مرجعها إلى إنقضاء الشيء وتمامه وكلما أحكم عمله أو
أتم أو ختم أو أدى [ص:326] أو أوجب أو أعلم أو أنفذ فقد
قضى
(عب) في الجامع (ع عن أنس) قال الهيتمي فيه راو لم يسم
وبقية رجاله ثقات
(1/325)
550 - (إذا جامع أحدكم امرأته) يعني حليلته
زوجة كانت أو أمة (فلا يتنحى) عنها حتى تقضي (حاجتها) منه
(كما يحب أن يقضي) هو (حاجته) منها لأنه من العدل
والمعاشرة بالمعروف كما تقرر وهذا بمعنى خبر أبي يعلى إذا
خالط الرجل أهله فلا ينزو نزو الديك وليثبت على بطنها حتى
تصيب منه مثل ما أصاب منها انتهى. وفي هذه الأحاديث ونحوها
أخذ أنه ينبغي للرجل تعهد حلائله بالجماع ولا يعطلهن
واختلف فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك إن كان لغير ضرورة
ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور عند
الشافعية عدم وجوبه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف في كل أربع
ليلة وعن بعضهم في كل طهر مرة
(عد عن طلق) بفتح فسكون ابن علي وفيه عباد بن كثير وهو
الرملي ضعيف أو متروك
(1/326)
551 - (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا
ينظر) بالجزم حال الجماع (إلى فرجها) ندبا وقيل وجوبا (فإن
ذلك) أي النظر إليه حالتئذ يعني إدامته فيما يظهر (يورث
العمى) للبصيرة أو للبصر للناظر أو الولد ومن ثم لم ينظر
إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قط ولا رآه منه أحد من
نسائه وخص حالة الجماع لأنه مظنة النظر وإذا نهى عنه في
تلك الحالة ففي غيرها أولى فيكره النظر إلى الفرج وباطنه
أشد كراهة ومحله إذا لم يمنع من التمتع بها وإلا كمعتدة عن
شبهة أو أمة مرتدة أو مجوسية ووثنية ومزوجة ومكاتبة
ومشتركة فيحرم نظره منهن لما بين السرة والركبة ومثل نظر
الرجل إلى فرجها نظرها إلى فرجه بل أولى ويظهر أن الدبر
كالقبل (بقي) بفتح الموحدة والقاف (ابن مخلد) عن هشام بن
خالد عن عقبة بن الوليد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
قال المؤلف قال ابن حجر ذكر ابن القطان في كتاب أحكام
النظر أن بقي بن مخلد رواه هكذا
(عد) عن ابن قتيبة عن هشام بن خالد عن عقبة بن الوليد عن
ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال ابن حبان بقية يروي عن
الكذابين ويدلسهم وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه
ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج
ثم دلس عنه فهذا موضوع ولهذا حكم ابن الجوزي بوضعه قال
المؤلف في مختصر الموضوعات وكذا نقل ابن أبي حاتم في العلل
عن أبيه قال وقد قال الحافظ ابن حجر خالف ابن الجوزي ابن
الصلاح فقال جيد الإسناد انتهى. وإليه أشار بقوله (قال)
مفتي الأقطار الشامية شيخ الإسلام تقي الدين (ابن الصلاح)
الشافعي العلم الفرد أنه (جيد الإسناد) مخالفا لابن الجوزي
في زعمه وضعه انتهى وفي الميزان عن أبي حاتم أنه موضوع لا
أصل له قال وقال ابن حبان هذا موضوع فكأن بقية سمعه من
كذاب فأسقطه انتهى. ونقل ابن حجر عن أبي حاتم عن أبيه أنه
موضوع وأقره عليه
(1/326)
552 - (إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج
فإنه يورث العمى ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس) في
المتكلم والولد على ما تقرر فيما قبله وتخصيصه في هذا
الحديث وما قبله النهي بالنظر يشير إلى أن مسه غير منهي
عنه ومن ثم قال بعضهم لا خلاف في حله وعدم كراهته مطلقا
(الأزدي) في كتاب الضعفاء في ترجمة إبراهيم الفرياني عن
زكريا بن يحيى المقدسي عن إبراهيم بن محمد بن يوسف
الفرياتي عن محمد التستري عن مسعر بن كدام عن سعيد المقبري
(عن أبي هريرة) [ص:327] قال مخرجه الأزدي إبراهيم ساقط
ونوزع (والخليلي في مشيخته) من هذا الوجه عن أبي هريرة ثم
قال تفرد به محمد ابن عبد الرحمن التستري وهو شامي يأتي
بمناكير (فر عن أبي هريرة) قال ابن حجر وفي مسنده من لا
يقبل قوله لكن له شاهد عند ابن عساكر عن ابن أبي ذؤيب لا
تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإنه يكون منه الخرس
انتهى
(1/326)
553 - (إذا جعلت) بكسر التاء خطابا لعائشة
(إصبعيك (1) في أذنيك) يعني أنملة أصبعيك فوضع الأنملة في
محل الأصبع للمبالغة وإنما أطلق الأصبع مع أن التي يسد بها
الأذن أصبع خاصة لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتناب
ذكرها أولى بآداب الشريعة. ألا ترى أنهم قد استقبحوها
فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاءة ولم يذكر
بعض هذه الكنايات لأنها ألفاظ محدثة لم تتعارف في ذلك
العهد ذكره الزمخشري (سمعت خرير الكوثر) أي خرير نهر
الكوثر أو تصويته في جريه قال ابن الأثير معناه من أحب أن
يسمع خرير الكوثر أي نظيره أو ما يشبهه لا أنه يسمعه بعينه
بل شبيه دويه بدوي ما يسمع إذا وضع أصبعيه في أذنيه.
والكوثر نهر خاص بالمصطفى تتشعب منه جميع أنهار الجنة
(قط عن عائشة) رمز لضعفه ومن حكى أنه رمز لصحته أو حسنه
فقد وهم وبين السخاوي وغيره أن فيه وقفا وانقطاعا لكن
يعضده ما رواه الدارقطني أيضا عن عائشة إن الله اعطاني
نهرا في الجنة لا يدخل أحد أصبعيه في أذنيه إلا سمع خريره
قالت: قلت فكيف؟ قال: أدخلي أصبعيك وسدي أذنيك تسمعي منهما
خريره
_________
(1) [يصح الفتح والكسر والضم في همزة " أصبع " ومع كل حركة
تثلث الباء (أي يصح فيها كذلك الفتح والكسر والضم)
فالمجموع تسع صور (أو " لغات ") والعاشرة " أصبوع " بالضم
كما في " القاموس المحيط ". دار الحديث]
(1/327)
554 - (إذا جلستم) أي أردتم الجلوس لأكل أو
غيره والتقييد بالأكل في رواية للغالب (فاخلعوا نعالكم) أي
انزعوها من أرجلكم (تسترح) أي تستريح وإن فعلتم ذلك تستريح
(أقدامكم) فالأمر إرشادي ومحله الندب حيث لا عذر وخرج
بالنعل الخف فلا يطلب نزعه نعم مثله قبقاب وتاموسة ومداس
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي فيه موسى بن محمد
بن إبراهيم التيمي وهو ضعيف
(1/327)
555 - (إذا جلست في صلاتك) أي في آخرها
للتشهد الأخير (فلا تتركن الصلاة علي) بل أئت بها وجوبا
وأقلها اللهم صل على محمد أو على رسوله أو النبي (فإنها)
أي الصلاة عليه (زكاة الصلاة) أي صلاحها من زكى الرجل صلح
فتفسد الصلاة بتركها إذ الصلاح ضد الفساد وفيه أنه تجب
الصلاة عليه بعد التشهد الأخير وإن لم يكن للصلاة تشهد أول
كما في صلاة الصبح والجمعة وبه قال عمر وابنه وابن مسعود
وأبو مسعود والشعبي وهو مذهب الشافعي أما التشهد الأول فهي
فيه سنة لا واجبة
(قط عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء تصغير بردة ابن
الخصيب بضم المهملة وفتح الثانية ابن عبد الله بن الحارث
الأسلمي صحابي أسلم قبل بدر
(1/327)
556 - (إذا جمرتم الميت) المسلم أي بخرتموه
يقال جمر ثوبه تجميرا أبخر والمجمرة بكسر الميم وفي
المصباح عن بعضهم أن المجمر بحذف الهاء ما يتبخر به من نحو
عود وهي لغة في المجمرة وقال الكمال ابن الهمام وكيفية
تجميره أن يدور من بيده المجمرة حول سريره وترا كما قال
(فأوتروا) أي بخروه وترا ثلاثا فإن الله وتر يحب الوتر
قال: وجميع ما يتبخر به الميت ثلاثا عند خروج روحه لإزالة
الريح الكربه وعند غسله وعند تكفينه ولا يبخر خلفه ولا في
القبر لخبر لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار انتهى
(حم ك عن جابر) ورواه عنه أحمد أيضا والبزار بلفظ إذا
أجمرتم الميت فاجمروه ثلاثا قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح
(1/327)
[ص:328] 557 - (إذا جهل) بالبناء للمفعول
أي إذا جهل أحدكم (على أحدكم) أي فعل به فعل الجاهلين من
نحو سب وشتم قال في الكشاف: المراد بالجهل السفه وقلة
الأدب وسوء الدعة من قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلينا
(وهو) أي والحال أنه (صائم) ولو نفلا (فليقل) ندبا باللسان
والجنان (أعوذ بالله منك) أي أعتصم به من شرك أيها الشاتم
(إني صائم) تذكيرا له بهذه الحالة ليكف عن جهله ولا يرد
عليه بمثل قوله ولا يلزم منه الرياء وجاء في رواية تكريره
ثلاثا قال الراغب: والجهل خلو النفس من العلم واعتقاد
الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل
هبه اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أم باطلا كترك الصلاة عمدا
(ابن السني) في عمل يوم وليلة وكذا الطيالسي والديلمي (عن
أبي هريرة) رمز لصحته وأصله في الصحيح
(1/328)
558 - (إذا حاك) بحاء مهملة وكاف مخففة
اختلج والحيك أخذ بقول في القلب (في نفسك) وفي رواية في
صدرك أي في قلبك (شيء) ولم يمازج نوره بل حصل عندك اضطراب
وقلق ونفور منه وكراهة (فدعه) أي اتركه لأن الله فطر عباده
على معرفة الحق والسكون إليه وركز في الطباع محبته وخلافه
يؤثر في القلب حزازة واضطرابا ويكون خطوره للبال على وجه
شاذ وتأويل محتمل ومن ذلك قال زهير الستر دون الفاحشات لا
يلقاك دون الخبر من ستر والكلام فيمن شرح الله بنور اليقين
صدره وأعلى في المعارف قدره بحيث جعل له ملكه للإدراك
القلبي وقوي على التفرقة بين الوارد الرحمني والوسواس
الشيطاني {وقليل ما هم} أما غيره من كل متلطخ بأدناس
الذنوب مدنس بأصناف العيوب بحيث غلظ طبعه وضعف إدراكه فلا
عبرة بصدره ولا بما يخطر فيه بل هو أجنبي من هذا المقام
وإنما يخاطب بذلك من وثق بنور قلبه وصفاء لبه وذلك من جميل
عوائد المصطفى صلى الله عليه وسلم مع صحبه فإنه كان يخاطب
كلا منهم على حسب حاله ثم إن قيل: يناقضه الخبر الآتي
الحلال بين إلخ لاقتضاء المقام أن الشبهة إثم لأنه يتردد
في النفس وذلك يقتضي أنه غير آثم قلنا: يحمل هذا على ما
تردد في الصدر لقوة الشبهة ويكون من باب ترك أصل الحل
الظاهر قوي وذلك على ما ضعفت فيه الشبهة فبقي على أصل الحل
ووراء ذلك أجوبة لا تكاد تصح فاحذرها
(حم حب ك) وكذا الضياء (عن أبي أمامة) قال الحاكم صحيح
وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وزعم ابن
معين بأن فيه انقطاعا عورض بأن ذلك في فرد من أفراد طرقه
(1/328)
559 - (إذا حج الرجل) أو اعتمر وذكر الرجل
غالبي فالأنثى والخنثى كذلك (بمال) اكتسبه (من غير حل) أي
من وجه حرام نحو غصب وربا (فقال) أي فأحرم به قال (لبيك
اللهم لبيك) أي دواما على طاعتك وإقامة عليها مرة بعد أخرى
من ألب بالمكان أقام وسعديك ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة
ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير ولا يكون
عامله إلا مضمرا والتلبية من لبيك بمنزلة التهليل من لا
إله إلا الله ذكره الزمخشري (قال الله) رادا عليه مقاله
ليسمع ذلك من أسمعه الله وأطلعه على أسرار غيبه في الملأ
الأعلى (لا لبيك) أي لا إجابة لك (ولا سعديك هذا) أي نسكك
الذي أنت فاعله (مردود عليك) أي غير مقبول منك فلا ثواب لك
وإن حكم فيه بالصحة ظاهرا بل أنت مستحق للعذاب عليه لما
اجترحت من إنفاق الحرام والطيب لا يقبل إلا الطيب وقابل
القول بالقول إشارة إلى أن المعصية تكون سرية وجهرية
والتوبة منها تكون كذلك كما في خبر يأتي فالسرية فعل القلب
والجهرية فعل الجوارح ويظهر أنه لو حج عن غيره بمال حرام
يقال للأصل حج أجيرك عنك مردود عليك
(عد فر عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح وفيه
وجيز بن ثابت قال ابن مهدي لا يعتد به وقال يحيى ليس بشيء
والنسائي غير ثقة
(1/328)
[ص:329] 560 - (إذا حج الرجل عن والديه) أي
أصليه المسلمين وان عليا (تقبل) الله (منه ومنهما) أي
أثابه وأثابهما عليه فيكتب له ثواب حجته مستقلة ويكتب لهما
مثله (وابتشر) بسكون الموحدة فمثناة فوق مفتوحة (به) أي
فرح به (أرواحهما) الكائنة (في السماء) فإن أرواح المؤمنين
أي كثير منهم فيها يقال بشرت به وسررت به وبشر ويبشر بشرا
وابتشارا فرح والكلام في الميتين بدليل ذكر الرواح فإن
كانا حيين معضوبين جاز له أيضا كما هو مقرر في الفروع وفيه
جواز الحج عن الأبوين. قال المحب الطبري لكن لا أعلم من
قال بظاهره من إجزاء الحج عنهما بحج واحد فيحمل على من حج
عن أبويه حجتين عن كل واحد حجة فيجزئ عنهما فرضا وعنه
ثوابا وعليه يحمل القبول أي لم يسقط ثوابه بل يكتب له أجر
حجة وسقط عنهما فرضهما ونظيره خبر إذا أطعمت المرأة من بيت
زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما كسب
وقال ابن العربي: هذا الحديث ونحوه مما فيه حج الولد عن
أبيه أصل متفق عليه خارج عن القاعدة الممهدة في الشريعة
أنه ليس للإنسان إلا ما سعى رفقا من الله تعالى في استدراك
ما فرط للمرء بولده ونقل جمع أنه واجب للآباء على الأبناء
وجملة الأمر وتفصيله أن الشافعي يقول إن المعضوب الموسر
يلزمه أن يحج عنه وليس في هذا الحديث دليل عليه وإنما فيه
الحث على بر الوالدين وصلة القرابة بإهداء الحسنات أما
توجه الفرض على ذمته أو ماله فلا انتهى
(قط) من حديث عطاء بن أبي رباح (عن زيد) بن أرقم الأنصاري
وفيه خالد الأحمر قال مخرجه الدارقطني ثقة وقال ابن معين
ليس بشيء وأبو سعيد البقال قال النسائي إنه غير ثقة
والفلاس متروك وأبو زرعة صدوق مدلس
(1/329)
561 - (إذا حدث الرجل) أي الإنسان فذكر
الرجل غالبي (الحديث) وفي رواية أخا له بحديث وفي أخرى إذا
حدث رجل رجلا بحديث (ثم التفت) أي غاب عن المجلس أو التفت
يمينا وشمالا فظهر من حاله بالقرائن أن قصده أن لا يطلع
على حديثه غير الذي حدثه به (فهي) أي الكلمة التي حدثه بها
(أمانة) عند المحدث أودعه إياها فإن حدث بها غيره فقد خالف
أمر الله حيث أدى الأمانة إلى غير أهلها فيكون من الظالمين
فيجب عليه كتمها إذ إلتفاته بمنزلة استكتامه بالنطق قالوا
وهذا من جوامع الكلم لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على
آداب العشرة وحسن الصحبة وكتم السر وحفظ الود والتحذير من
النميمة بين الإخوان المؤدية للشنآن ما لا يخفى قال في
الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار
وقال الماوردي: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه
لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا والنميمة إن
كان مستخبرا فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما
مذموم وهو فيهما ملوم وقال الراغب: السر ضربان أحدهما ما
يلقى الإنسان من حديث يستكتم وذلك إما لفظا كقولك لغيرك
اكتم ما أقول لك وإما حالا وهو أن يتحرى القائل حال
انفراده فيما يورده أو خفض صوته أو يخفيه عن مجالسه وهو
المراد في هذا الحديث
(حم د) في الأدب (ت) في البر وحسنه (والضياء) وصححه (عن
جابر) بن عبد الله قال المنذري عقب عزوه وفيه عبد الرحمن
بن عطاء المدني ولا يمنع تحسين الإسناد (ع) عن أنس قال
الهيتمي وفيه جبارة ابن المفلس ضعيف وبقية رجاله ثقات
(1/329)
562 - (إذا حرم) بالبناء للمفعول (أحدكم)
أي منع الزوجة والولد فلم يرزقهما (فعليه بالجهاد) أي
فيلزمه الجهاد [ص:330] في سبيل الله لانقطاع عذره بخفة
ظهره فإن ذا الولد يخشى أن ييتم ولده وذا الزوجة أن يرمل
زوجته فالقصد أن الفرض يكون في حقه لانقطاع عذره بالكلية
(طب عن محمد بن حاطب) ابن الحارث القرشي الجمحي ولد بأرض
الحبشة وهو أول من سمى في الإسلام محمدا وشهد المشاهد كلها
ومات بمكة أو الكوفة. قال الهيتمي: فيه موسى بن محمد بن
حاطب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات
(1/329)
563 - (إذا حسدتم) أي تمنيتم زوال نعمة
الله على من أنعم عليه (فلا تبغوا) أي لا تعتدوا وتفعلوا
بمقتضى التمني فمن خطر له ذلك فليبادر إلى استكراهه كما
يكره ما طبع عليه من حب المنهيات نعم إن كانت النعمة لكافر
أو فاسق يستعين بها على المحرمات فلا (وإذا ظننتم) سوءا
بمن ليس محلا لسوء الظن به (فلا تحققوا) ذلك باتباع موارده
وتعملوا بمقتضاه {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من
الظن إن بعض الظن إثم} ومن أساء الظن بمن ليس محلا لسوء
الظن به دل على عدم استقامته في نفسه كما قيل:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. . . وصدق ما يعتاده من توهم
والظن أكذب الحديث أما من هو محل لسوء الظن به فيعامل
بمقتضى حاله كما يدل له الخبر الآتي: " الحزم سوء الظن "
وخبر " من حسن ظنه بالناس طالت ندامته " (وإذا تطيرتم)
تشاءمتم بشيء (فامضوا) لقصدكم ولا يلتفت خاطركم لذلك
تتشاءموا بما هنالك (وعلى الله) لا على غيره (فتوكلوا)
فوضوا إليه الأمر وسلموا له إنه يحب المتوكلين وقدم
الإعلام بدواء الحسد على ما بعده اهتماما لشدة البلاء به
لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله
به على غيره حملته الغيرة والحسد على الكفران والعدوان
<تنبيه> قد تضمن الحديث أن الخصال الرذائل مركوزة في جبلة
الإنسان إما بالعقل أو بالشرع قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد. . . ذا عفة فلعلة لا يظلم
(عد عن أبي هريرة) قال عبد الحق إسناده غير قوي وقال ابن
القطان فيه عبد الرحمن بن سعيد مدني ضعفه ابن معين وعبد
الله المقبري متروك
(1/330)
564 - (إذا حضرتم موتاكم) عند خروج أرواحهم
(فأغمضوا البصر) أي أطبقوا الجفن الأعلى على الأسفل بعد
تيقن خروج روحه كما قال القرطبي عن الداودي قال محمد بن
المقري سمعت أبا ميسرة وكان رجلا عابدا يقول غمضت جعفرا
المعلم وكان رجلا عابدا حال الموت فرأيته في النوم فقال
أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل أن أموت (فإن البصر يتبع
الروح) هذا علة الأمر بالإغماض يعني أن ذهاب الباصرة في
ذهاب الروح فهي تابعة لها فإذا ذهبت الروح ذهبت الباصرة
فلم يبق لانفتاح البصر فائدة فلهذا ينبغي تغميضه كذا قرره
الهروي تبعا للبيضاوي وجرى على نحوه في المطامح حيث قال:
المراد بذلك أن الإدراك البصري المودع في جوهر العين يفارق
البدن بفراق الروح فهو تابع لها بقاءا وذهابا فإن بقيت بقي
وإن ذهبت ذهب انتهى ومشى على نحوه الأكمل وبه يعرف أن
المؤلف من الغافلين حيث ذكر أنه أقام ثلاثين سنة يستشكل
ذلك بأن البصر إنما يبصر ما دام الروح بالبدن فإن فارقه
تعطل الإبصار ثم أجاب بأن المراد شرع في قبضه ولم ينته
انتهى وما ذلك إلا لأنه ظن أن المراد أن البصر يتبع الروح
حسا وما درى أنه تابع له في الحكم بقاءا وذهابا كما تقرر
(وقولوا) حال التغميض وبعده (خيرا) أي قولوا خيرا: من
الدعاء للميت بنحو مغفرة وللمصاب بجبر المصيبة ولا يحملكم
الجزع على الدعاء على أنفسكم وهذا كما قال القرطبي أمر
[ص:331] ندب أو إرشاد وتعليم لما ينبغي أن يقال عند
المصيبة (فإن الملائكة) الموكلين بقبض روحه أو من حضر منهم
أو أعم (تؤمن على ما يقول أهل البيت) أي بيت الميت وفي نسخ
أهل الميت أي تقول آمين يعني استجب يا ربنا فلا تقولوا شرا
فتؤمن الملائكة فيستجاب ففيه إشارة إلى النهي عن نحو:
واكهفاه واجسراه لا عشت بعده ونحو ذلك. والروح عند أكثر
أهل السنة جسم لطيف مغاير للأجسام ماهية وصفة متصرف في
البدن حال فيه حلول الدهن في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت
وإذا فارق البدن مات وذهب جمع منهم الغزالي والإمام الرازي
وفاقا للحكماء والصوفية إلى أنه مجرد غير حال بالبدن يتعلق
به تعلق العاشق بالمعشوق يدبر أمره على وجه لا يعلم تفصيله
إلا الله
(حم هـ ك عن شداد ابن أوس) قال ابن حجر فيه فرعة ابن سويد
وروى الشطر الثاني من الجماعة جميعا إلا البخاري عن أم
سليم بلفظ إذا حضرتم المريض والميت فقولوا خيرا فإن
الملائكة يؤمنون على ما تقولون
(1/330)
565 - (إذا حكم الحاكم فاجتهد) يعني إذا
أراد الحكم فاجتهد فحكم فهو من باب القلب على حد {وكم من
قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} قال عياض: والاجتهاد بذل
الوسع في طلب الحق والصواب في النازلة وابن الحاجب:
استفراغ الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي (فأصاب) أي طابق ما عند
الله (فله أجران) أجر لاجتهاده وأجر لإصابته. فإن قيل:
الإصابة مقارنة للحكم فما معنى الفاء المفيدة للترتيب
والتعقيب؟ فالجواب أن فيه إشارة إلى علو رتبة الإصابة
والتعجب من حصولها بالاجتهاد (وإذا حكم فاجتهد) فيه
التأويل المار (فأخطأ) أي ظن أن الحق في نفس الأمر في جهة
فكان خلافه (فله أجر واحد) (1) على اجتهاده لأن اجتهاده في
طلب الحق عبادة وفيه أن المجتهد يلزمه تحديد الاجتهاد
لوقوع الحادثة ولا يعتمد على المتقدم فقد يظهر له خلاف ما
لم يكن ذاكرا للدليل الأول وأن الحق عند الله واحد لكن وسع
الله للأمة وجعل اختلاف المجتهدين رحمة وأن المجتهد يخطئ
ويصيب وإلا لما كان لقوله فأخطأ معنى هذا ما عليه الشافعية
وتأوله الحنفية فأبعدوا. قال الحراني: والحكم قصر المتصرف
على بعض ما يتصرف فيه وعن بعض ما يتشوف إليه والإصابة وقوع
المسدد على حد ما سدد له من موافق لفرض النفس أو مخالف
(حم ق د ن هـ عن عمرو بن العاص السهمي حم ق 4 عن أبي
هريرة) وفي الباب عندهما
_________
(1) [وينطبق هذا القول على من له أهلية الاجتهاد من
العلماء كما هو واضح في شرح المناوي لهذا الحديث ولا يعلم
له مخالف. دار الحديث]
(1/331)
566 - (إذا حكمتم فاعدلوا) إن الله يأمر
بالعدل والإحسان (وإذا قتلتم) قودا أو حدا أو ما يحل قتله
(فأحسنوا القتلة) بالكسر هيئة القتل بأن تختاروا أسهل
الطرق وأسرعها إزهاقا كأن تراعى المثلية في القاتل في
الهيئة والآلة إن أمكن ويجب في القتل بنحو سيف كونه حادا
(فإن الله محسن يحب المحسنين) أي يرضى عنهم ويجزل مثوبتهم
ويرفع درجتهم ويبغض المسيئين ومن ثم قال علي لما طعنه ابن
ملجم أطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره فإن عشت فأنا ولي دمي
فأعفوا إن شئت وإن شئت استقدت وإن قتلتموه فلا تمثلوا به
رواه البيهقي
(طس عن أنس) قال الهيتمي رجاله ثقات
(1/331)
567 - (إذا حلم أحدكم) بفتح اللام رأى في
منامه رؤيا يقال حلم يحلم من باب قتل (حلما) بضمتين ويسكن
الثاني تخفيفا واحتلم رأى في منامه رؤيا وأما حلم بضم
اللام فمعناه صفح وعفا فالحلم والرؤيا مترادفان لكن غلبت
في الخير وغلب الحلم في الشر [ص:332] ومنه {أضغاث أحلام}
وهي الرؤيا التي لا يصح تأويلها لاختلاطها وهي المرادة هنا
(فلا يحدث الناس بتلعب) كذا بخط المؤلف في هذا الكتاب لكنه
قال في الكبير بتقلب وهي ملحقة بخطه فيه (الشيطان) به كذا
هي في رواية ابن ماجه وألحقها المؤلف بخطه بالهامش (في
المنام) كان الظاهر أن يقول فلا يخبر به أحدا لكن وضع ذلك
موضعه إشارة إلى أنها رؤيا من الشيطان يريه إياها ليحزنه
فيسيء ظنه بربه تعالى ويقل ذكره فينبغي أن لا يخبر ولا
يلتفت إليه وقيل إنما نهى عنه لأنه لو أخبره ربما فسره غير
عارف على ظاهر صورته فوقع ما فسر بتقدير الله وقد أرشد
الشارع في خبر آخر إلى أن دواء ذلك أن يتفل ويتعوذ ويكتم
فلا تضره
(م هـ عن جابر) ابن عبد الله
(1/331)
568 - (إذا حم أحدكم) بالضم والتشديد أصابه
الحمى وهي كما قال ابن القيم حرارة تشتعل بالقلب وتنتشر
منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى كل البدن وهي أنواع
كثيرة (فليسن) بسين مهملة مضمومة في خط المؤلف ونقطها من
تحت بثلاث نقط لئلا تشتبه بمعجمة أو بشين معجمة وعليه
اقتصر في النهاية وادعى الضياء أنه تحريف (عليه من الماء
البارد) أي فليرش عليه منه رشا متفرقا قال في النهاية:
والشن بالمعجمة الصب المنقطع والسن بالمهملة الصب المتصل
وهو يؤيد رواية المعجمة وبما أيد به أيضا أن أسماء بنت
الصديق رضي الله عنها كانت ترش على المحموم قليلا من الماء
بين ثدييه وثوبه وهي لملازمتها للمصطفى صلى الله عليه وسلم
داخل بيته أعلم بمراده وقال العسكري بمهملة وقال بمعجمة
(ثلاث ليال من) أي في (السحر) بفتحتين أي قبيل الصبح فإنه
ينفع في فصل الصيف في القطر الحار في الحمى العرضية أو
الغب الخالصة الخالية عن الورم والفتق والأعراض الرديئة
والمواد الفاسدة فتطفئها بإذن الله تعالى إذا كان الفاعل
لذلك من أهل الصدق واليقين فالخبر ورد على سؤال سائل حالة
ذلك ولا يطرد في غيره
(ن) في الطب (ع ك والضياء) المقدسي وطب والطحاوي وأبو نعيم
(عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وسكت عليه
عبد الحق فاقتضى تصحيحه وقال ابن القطان إسناده لا بأس به
وقال في الفتح: سنده قوي وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني
رجاله ثقات فما نسب للمؤلف من أنه رمز لضعفه لا يعول عليه
(1/332)
569 - (إذا خاف الله العبد) قدم المفعول
اهتماما بالخوف وحثا عليه (أخاف الله منه كل شيء) من
المخلوقات (وإذا لم يخف العبد الله أخافه الله من كل شيء)
لأن الجزاء من جنس العمل كما تدين تدان فكما شهد الحق
بالتعظيم ولم يتعد حدود الحكيم ألبسه الهيبة فهابه الخلق
بأسرهم وحكم عكسه عكس حكمه وقال بعض مشايخنا: وقد عملت على
ذلك فلا أهاب سبعا ولا سفرا في ليل مظلم وإن وقع مني خوف
من جهة الجزء البشري فلا يكاد يظهر وبت مرة في ضريح مهجور
في ليلة مظلمة فصار كبار الثعابين تدور حولي إلى الصباح
ولم يتغير مني شعرة لغلبة عسكر اليقين والتوكل. قال
الطيبي: والمراد بالخوف كف جوارحه عن المعصية وتقييدها
بالطاعة وإلا فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى
خوفا وذلك عند مشاهدة سبب هائل فإذا غاب ذلك السبب عن الحس
عاد القلب إلى غفلته ولهذا قال الفضيل: إذا قيل لك هل تخاف
الله فاسكت فإنك إذا قلت لا كفرت وإن قلت نعم كذبت وقال
الحكيم: المراد بخوف الله خوف عظمته لا عقابه فإذا حل
الخوف القلب غشاه بالمحبة فيكون بالخوف معتصما مما كره دق
أو جل وبالمحبة منبسطا في كل أموره ولو ترك مع الخوف وحده
لانقبض وعجز عن معاشه ولو ترك مع المحبة لاشتد وتعدى
لاستيلاء الفرح على قلبه فلطف الحق به فجعل الخوف بطانته
والمحبة ظهارته ليستقيم حاله ويرقى إلى مقام الهيبة والأنس
فالهيبة من جلاله والأنس من جماله (تتمة) قال بعض
العارفين: من أحب غير الله عذب به ومن خاف غير الله سلط
عليه ومن آخى غير الله خذل منه
(عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال أبو زرعة
عمرو بن زياد [ص:333] أي أحد رجاله كذاب وأحاديثه موضوعة
وقال ابن عدي يسرق الحديث ويحدث بالبواطيل قال الدارقطني
يضع
(1/332)
570 - (إذا ختم العبد القرآن) أي انتهى من
قراءته في أي وقت كان من ليل أو نهار. قال الزمخشري: من
المجاز ختم القرآن وكل عمل إذا أتمه وفرغ منه (صلى عليه)
أي استغفر له (عند) بتثليث العين (ختمه) قراءته (ستون) كذا
بخط المصنف فما في بعض النسخ من أنه سبعون تحريف (ألف ملك)
يحتمل أن هذا العدد يحضرون عند ختمه ويحتمل أن الذين
يحضرون لا يصلون والمصلي منهم ذلك القدر والظاهر أن المراد
بالعدد المذكور التكثير لا التحديد على قياس نظائره في
السبعين ونحوها وفي إفهامه حث على الإكثار من القراءة
ويندب ختمه أول النهار وآخره وهو في الصلاة لمنفرد أفضل
وأن يختم ليلة الجمعة أو يومها ويندب حضور الختم والدعاء
عقبه والشروع في أخرى ويتأكد صوم يوم ختمه. قال الراغب:
والختم الأثر الحاصل من شيء ويتجوز به تارة في الاستيثاق
من الشيء والمنع اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على
الكتب والأبواب وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش
الحاصل وتارة يعتبر من بلوغ الآخر ومنه ختمت القرآن أي
انتهيت إلى آخره
(فر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) من طريق عبد الله بن
سمعان وفيه شيبان بن فروخ قال الذهبي في ذيل الضعفاء ثقة
يرى القدر اضطر إليه الناس آخرا عن يزيد ابن زياد اورده
الذهبي في الضعفاء
(1/333)
571 - (إذا ختم أحدكم) القرآن (فليقل) ندبا
عند ختمه (اللهم آنس) بالمد وكسر النون مخففة بالقصر وشد
النون (وحشتي) خوفي وغربتي (في قبري) إذا أنا مت وقبرت فإن
القرآن يكون مؤنسا له فيه منورا له ظلمته وخص القبر لأنه
أول منزل من منازل الآخرة
(فر عن أبي أمامة) ورواه عنه الحاكم في تاريخه ومن طريقه
أورده الديلمي فكان ينبغي للمصنف عزوه له لكونه الأصل ثم
إن فيه ليث بن محمد قال الذهبي في الضعفاء قال بن أبي شيبة
متروك وسالم الخياط قال يحيى ليس بشيء
(1/333)
572 - (إذا خرج أحدكم إلى سفر) طويل أو
قصير يطيل به الغيبة والخروج في الأصل الانفصال من المحيط
إلى الخارج ويلزمه البروز (فليودع) ندبا مؤكدا (إخوانه) في
الدين ويبدأ بأقاربه وذوي الصلاح ويسألهم الدعاء له (فإن
الله جاعل له في دعائهم) له بالسلامة والظفر بالمراد
(البركة) ويسن لهم الدعاء له بحضرته وفي غيبته بالمأثور
وبغيره والمأثور أفضل
(ابن عساكر) في تاريخه (فر عن زيد بن أرقم) وفيه نافع بن
الحارث قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري لا يصح حديثه
(1/333)
573 - (إذا خرج ثلاثة) فأكثر (في سفر)
يحتمل تقييده بغير القصر لعدم الاحتياج فيه لما يجيء
(فليؤمروا) ندبا وقيل وجوبا وفي حاوي الشافعية ما يقتضيه
(أحدهم) أي فليتخذوه أميرا عليم يسمعون له ويطيعونه وعن
رأيه يصدرون لأن ذلك أجمع لرأيهم وأدعى لاتفاقهم وأجمع
لشملهم فالتأمير سنة مؤكدة لما تقرر من حصول الانتظام به
لكن ليس للأمير إقامة حدود ولا تعزير وألحق بعضهم الاثنين
بالثلاثة
(د) في الجهاد (والضياء) المقدسي (عن أبي هريرة وعن أبي
سعيد) الخدري معا قال النووي في رياضه بعد عزوه لأبي داود
حديث حسن ورواه عنه أيضا أبو يعلى والبيهقي
(1/333)
[ص:334] 574 - (إذا خرج أحدكم من الخلاء)
بالمد أي قضاء الحاجة والخلاء كل محل تقضي فيه الحاجة سمى
به لأن المرء يخلو فيه بنفسه (فليقل) ندبا (الحمد لله) وفي
رواية غفرانك الحمد لله (الذي أذهب عني ما يؤذيني) وفي
رواية أخرج عني ما يؤذيني لو بقى ولما حمد على دفع الضر
ناسب أن يحمد على جلب النفع فقال (وأمسك علي) وفي رواية
أبقي في (ما ينفعني) مما جذبه الكبد وطبخه ثم دفعه إلى
الأعضاء وهذا من أجل النعم وأعظمها ولهذا كان علي كرم الله
وجهه إذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال يا لها من نعمة
لو يعلم العباد نفعها شكروها وقد ورد أشياء أخر يأتي بعضها
فقال عند الخروج من الخلاء والسنة تحصل بكل منها لكن
الأكمل الجمع
(ش قط) عن وكيع بن زمعة عن سلمة بن وهرام (عن طاوس مرسلا)
هو ابن كيسان من أبناء فارس قيل اسمه ذكوان فلقب به قال
ابن معين لأنه كان طاوس القراء وكان رأسا في العلم والعمل
قال الولي العراقي: وهذا الحديث وغيره من أحاديث الذكر
المقول عند الخروج من الخلاء لا يخلو عن ضعف ولا يعرف في
الباب إلا حديث عائشة الآتي في حرف الكاف
(1/334)
575 - (إذا خرجت المرأة) أي أرادت الخروج
(إلى المسجد) أو غيره بالأولى (فلتغتسل) ندبا (من الطيب)
إن كانت متطيبة (كما تغتسل من لجنابة) إن عم الطيب بدنها
وإلا فمحله فقط لحصول المقصود وزوال المحذور بالاقتصار
عليه ذكره المظهر وهذا بحسب الجليل من النظر وأدق منه قول
الطيبي شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوة الرجال
وفتح باب عيونهم التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا وحكم
عليها بما يحكم على الزاني من الاغتسال من الجنابة مبالغة
وتشديدا عليها ويعضد هذا التأويل خبر يأتي وإذا كان هذا
حكم تطيبها للذهاب إلى المسجد فما بالك بتطيبها لغيره؟
وفيه جواز خروج المرأة إلى المسجد لكن بشروط مرت
(ن عن أبي هريرة) رمز لصحته
(1/334)
576 - (إذا خرجت من منزلك) أي أردت الخروج
وفي رواية من بيتك (فصل) ندبا (ركعتين) خفيفتين وتحصل بفرض
أو نفل ثم ذكر حكمة ذلك وأظهرها في قالب العلة فقال
(تمنعانك مخرج) بفتح الميم والراء (السوء) بالضم أي ما
عساه خارج البيت من السوء (وإذا دخلت) إلى (منزلك فصل
ركعتين تمنعانك مدخل السوء) وعبر بالفاء في الموضعين ليفيد
أن السنة الفورية بذلك أي بحيث ينسب الصلاة إلى الدخول
عرفا فتفوت بطول الفصل بلا عذر واستدل به الغزالي على ندب
ركعتين عند الخروج من المنزل وركعتين عند دخوله قال وفي
معنى هذا كل أمر يبتدئ به مما له وقع ويحصل فضلهما بصلاة
فرض أو نفل نويا أو لا كالتحية
(البزار) في مسنده (هب) من رواية بكر بن عمرو عن صفوان بن
سليم قال بكر أحسبه عن أم سلمة (عن أبي هريرة) قال البزار
لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قال ابن حجر
حديث حسن ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح وقال الهيتمي
رجاله موثقون انتهى وبه يعرف استرواح ابن الجوزي في حكمه
بوضعه
(1/334)
577 - (إذا خرجتم من بيوتكم) أي مساكنكم
بيوتا أو غيرها (بالليل) خصه لأنه زمن انتشار الشياطين
وأهل الفساد [ص:335] (فأغلقوا) ندبا (أبوابها) أي مع
التسمية لأن الشياطين لم يؤذن لهم أن يفتحوا بابا مغلقا
كما في خبر آخر فيسن غلق الباب عند الخروج كالدخول ويطلب
في النهار أيضا لكنه في الليل آكد لما ذكر
(طب عن وحشي) ابن حرب قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم
لحاجته من الليل فترك باب البيت مفتوحا ثم رجع فوجد إبليس
قائما في وسط البيت فقال: اخسأ يا خبيث من بيتي ثم قال إذا
خرجتم إلخ قال الهيتمي رجاله ثقات فاقتصار المؤلف على
الرمز لحسنه تقصير. ووحشي هو العبد الحبشي مولى جبير بن
مطعم أو غيره قاتل حمزة ومسيلمة الكذاب
(1/334)
578 - (إذا خطب أحدكم) أي أراد أن يخطب
بدليل قوله في الخبر المار إذا ألقى الله في قلب امرئ
(المرأة) حرة أو أمة (فلا جناح) أي لا إثم ولا حرج (عليه)
في (أن ينظر إليها) أي إلى وجهها وكفيها لا إلى غير ذلك
لأن ذلك يدل على ما يريده منها فلا حاجة لما عداه وإنما
يكون الجناح عنه مرفوعا (إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته)
أي إذا كان محض قصده لذلك بخلاف ما إذا كان قصده برؤيتها
لا يتزوجها بل ليعلم هل هي جميلة أم لا مثلا وجعل الخطبة
وسيلة إلى ذلك فعليه الإثم فالمأذون فيه النظر بشرط قصد
النكاح إن أعجبته وحينئذ ينظر إليها (وإن كانت لا تعلم) أي
وإن كانت غير عالمة بأنه ينظر إليها كأن يطلع عليها من كوة
وهي غافلة أو المراد لا تعلم أنه يريد خطبتها وفيه رد على
من كره استغفالها كمالك وإبطال لمن اشترط إذنها وعلم مما
تقرر من أن معنى خطب أراد أنه لا يندب النظر بعد الخطبة
لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها لكنه مع ذلك سائغ لأن فيه
مصلحة أيضا فما زعمه بعضهم من حرمته تمسكا بأن إذن الشرع
لم يقع إلا فيما قبل الخطبة ممنوع <تنبيه> الخطبة بكسر
الخاء ما يفعله الخاطب من الطلب والاستلطاف والاستعطاف
قولا وفعلا فقيل هي من الخطب أي الشأن الذي له خطر لأنها
شأن من الشؤون ونوع من الخطوب وقيل هو من الخطاب لأنها نوع
مخاطبة تجري بين جانب الرجل والمرأة
(حم طب) من حديث زهير (عن أبي حميد) بالتصغير (الساعدي)
بكسر العين المهملة عبد الرحمن وقيل المنذري رمز المؤلف
لحسنه وقال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني شك زهير فقال
عن أبي حميد أو أبي حميدة ورواه البزار بغير شك قال ابن
حجر وله شاهد عند أبي داود والحاكم عن جابر رفعه وشاهد من
حديث محمد بن سلمة عن ابن حبان وغيره انتهى وقضيته إقامة
الشواهد عليه أنه لا يخلو عن ضعف ولا كذلك فقد قال الهيتمي
رجال أحمد رجال الصحيح
(1/335)
579 - (إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل)
إرشادا (عن شعرها) أي جعودته أو سوطته أو لونه أو حسنه أو
ضده وقيل إنما أراد شعر الرأس (كما يسأل عن جمالها) فإن
الشعر أحد الجمالين فيتعين السؤال عنه كما يتعين السؤال عن
الجمال وإنما قال يسأل دون ينظر لأنه إنما يجوز له نظر شعر
الحاجبين دون شعر الرأس (في) عن محمد بن الحسين عن أبيه عن
محمد بن علي الصوفي عن أبي بكر الراعي عن محمد الدينوري عن
إسحاق بن بشر الكاهلي عن عبد الله بن إدريس المزني عن جعفر
بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أمير المؤمنين أورده المؤلف
في مختصر الموضوعات ثم قال إسحاق ابن بشر الكاهلي كذاب
انتهى
(1/335)
580 - (إذا خطب أحدكم المرأة) أي والحال
أنه (يخضب شعره) الأبيض (بالسواد) أي يغير لونه به وذلك
جائز [ص:336] للجهاد ممنوع لغيره (فليعلمها) وجوبا (أنه)
أي بأنه (يخضب) لأن النساء يكرهن الشعر الأبيض غالبا
لدلالته على الشيخوخة الدالة على ضعف القوى فكتمه تدليس إذ
لو علمت أنه غير شاب أولا ربما لم تدخل عليه وظاهر النهي
أنه لا فرق بين أن يقصد إيهامها أنه شاب أو لا ويؤخذ من
العلة أنه لو كان شعره أحمر فخضب بسواد أو أسود فخضب بغير
سواد كصفرة لم يلزمه إعلامها لفقد المحذور وأنه لو كان
شابا وشاب في غير أوانه مع توفر القوى لا يلزمه إعلامها
لفقد المحذور لكن قد يقال رؤية الشيب منفرة في الجملة
(فر عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي وزاد بعد قوله
فليعلمها لا يغرنها وفيه عيسى بن ميمون قال البيهقي ضعيف
والذهبي تركوه
(1/335)
581 - (إذا خفيت الخطيئة) أي استترت قال
الزمخشري: خفي الشيء واختفى استتر وبرح الخفاء وزالت
الخفية فظهر الأمر وفعل ذلك في خفية وهو أخفى من الخافية
وإذا حسن من المرأة خفياها حسن الباقي وهما صوتها وأثر
وطئها لأن رخامة صوتها تدل على خفرها وتمكن وطئها يدل على
ثقل أردافها والخطيئة اسم للخطاه على الفعلة بالكسر وهي
الذنب (لا تضر إلا صاحبها) أي فاعلها لأن غيره لا يتصور أن
يغير ما لم يطلع عليه فلا تقصير منه فهو معذور وأما الآية
{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وخبر أنهلك
وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث فهو فيمن لم يظلم
ولم يشارك في فعل الخبائث لكنه اطلع ولم ينكر مع القدرة
(وإذا ظهرت) أي برزت بعد الخفاء (فلم تغير) بالبناء
للمجهول أي لم يغيرها الناس مع القدرة وسلامة العاقبة (ضرت
العامة) أي عموم الناس فاستحقوا بذلك العقاب في هذه الدار
ويوم المآب لأن إظهار المعاصي والسكوت عليها استهانة
بالدين من جميع المسلمين فيستحقون العذاب لتركهم ما توجه
عليهم من القيام بفرض الكفاية. قال الغزالي: فحق على من
يسيء صلاته في الجامع أن ينكر عليه وأن يمنع المنفرد من
الوقوف خارج الصف وينكر على من رفع رأسه قبل الإمام ويأمر
بتسوية الصفوف وفيه حث عظيم على الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وأنه من أهم الأمور وقد ذم الله تعالى قوما تركوا
ذلك فقال {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الآية. يعني لا
ينهى بعضهم بعضا
(طس عن أبي هريرة) رمز لحسنه وهو غير صواب فقد أعله
الهيتمي وغيره بأن فيه مروان بن سالم الغفاري متروك
(1/336)
582 - (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم) ندبا
مؤكدا أو وجوبا (على النبي) صلى الله عليه وسلم لأن
المساجد محل الذكر والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
منه (وليقل اللهم) أي يا الله (افتح لي أبواب رحمتك) زاد
في رواية الديلمي وأغلق عني أبواب سخطك وغضبك واصرف عني
الشيطان ووسوسته وابن السني بعد رحمتك وأدخلني فيها (وإذا
خرج) منه (فليسلم) بعد التعوذ كما في رواية أبي داود (على
النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم أني أسألك من فضلك)
أي من إحسانك مزيد إنعامك وسر تخصيص ذكر الرحمة بالدخول
والفضل بالخروج أن الداخل اشتغل بما يزلفه إلى الله وإلى
ثوابه وجنته من العبادة فناسب أن يذكر الرحمة فإذا خرج
انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق فناسب ذكر الفضل
كما قال {فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} واعلم أن
النووي نقل عن العلماء أن الصلاة والسلام يكره إفراد
أحدهما عن الآخر وقد وقع إفراد السلام في هذا الحديث وورد
إفراد الصلاة في حديث ابن السني عن أنس ولفظه كان إذا دخل
المسجد قال بسم الله اللهم صل على محمد وإذا خرج قال مثل
ذلك [ص:337] فإفراد كل منهما في هذين الحديثين يعكر على
القول بالكراهة والظاهر أن مرادهم أن محل كراهة الإفراد
فيما لم يرد الإفراد فيه وأن أصل السنة تحصل بالإتيان
بأحدهما وكمالها إنما يحصل بجمعهما كما ورد في حديث يأتي
(د) وكذا النسائي (عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد
الساعدي وابن ماجه عن أبي حميد أو عن أبي أسيد بن ثابت
الأنصاري المدني قيل اسمه عبد الله وهو بضم الهمزة وفتح
المهملة كما ضبطه المؤلف بخطه لكن في التقريب عن الدارقطني
أن الصحيح فيه فتح الهمزة رمز لحسنه وعزوه لابن ماجه لا
يخلو عن شوب شبهة لأن فيه حديثين لفظ أحدهما عن أبي حميد
إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب
رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك انتهى. قال
مغلطاي: حديث ضعيف لضعف إسماعيل بن عياش روايه الثاني عن
أبي هريرة إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله
عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج
فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني
من الشيطان انتهى فإن كان اللفظ الذي عزاه له المؤلف في
بعض النسخ وإلا فهو وهم
(1/336)
583 - (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس)
ندبا مؤكدا إذا كان متطهرا أو تطهر عن قرب (حتى يصلي) فيه
(ركعتين) تحية المسجد والصارف عن الوجوب خبر هل علي غيرها
قال لا إلا أن تطوع وأخذ بظاهره الظاهرية ثم هذا العدد لا
مفهوم لأكثره اتفاقا وفي أفله خلف الصحيح اعتباره فلو قعد
شرع تداركهما إن سها وقصر الزمن وكذا لو دخل زحفا أو حبوا
فقوله فلا يجلس غالبي إذ القصد تعظيم المسجد ولذلك كره
تركها بلا عذر ثم هذا عام خص منه داخل المسجد الحرام ومن
اشتغل إمامه بفرض ومن دخل حال الإقامة وغير ذلك من الصور
التي لا تشرع فيها التحية وظاهر الحديث تقديم نحية المسجد
على تحية أهله وقد جاء صريحا من قوله وفعله فكان يصليها ثم
يسلم على القوم. قال ابن القيم: وإنما قدم حق الحق على حق
الخلق هنا عكس حقهم المالي لعدم اتساع الحق المالي لأداء
الحقين فنظر لحاجة الآدمي وضعفه بخلاف السلام فعلى داخل
المسجد ثلاث تحيات مرتبة الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم فالتحية فالسلام على من فيه <تنبيه> قال في الفتح:
قولهم تحية البيت الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكون
المصطفى لما دخل المسجد يوم الفتح جاء فأناخ عند البيت
فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت صلاته إما لكون الكعبة
كالمسجد المستقل أو هي تحية المسجد العام
(حم ق 54 عن قتادة عن أبي هريرة)
وحديث أبي قتادة ورد على سبب هو أنه دخل المسجد فوجد
المصطفى صلى الله عليه وسلم جالسا بين صحبه فجلس معهم
فقال: ما منعك أن تركع قال: رأيتك جالسا والناس جلوس فذكره
(1/337)
584 - (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم)
لزيارة أو غيرها (فأطعمه) من (طعامه فليأكل) منه ندبا هكذا
هو ثابت في الحديث وإن كان صائما نفلا جبرا لخاطره (ولا
يسأل عنه) أي عن الطعام من أي وجه اكتسبه ليقف على حقيقة
حله فإن ذلك غير مكلف به ما لم تقو الشبهة في طعامه
والمراد لا يسأل منه ولا من غيره (وإن سقاه من شرابه
فليشرب) منه أيضا (ولا يسأل عنه) كذلك لأن السؤال عن ذلك
يورث الضغائن ويوجب التباغض والظاهر أن المسلم لا يطعمه
ولا يسقيه إلا حلالا فينبغي إحسان الظن وسلوك طريق النوادر
فيتجنب عن إيذائه بسؤاله وإنما نهى عن أكل طعام الفاسق
زجرا له عن ارتكاب الفسق لطفا به في الحقيقة كما ورد "
انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ومن ثم قيد جمع ما ذكر هنا من
النهي عن السؤال بما إذا غلب على ظنه توقيه للمحرمات وفيما
إذا كان أكثر ماله حراما تقرير بديع وتفصيل حسن للغزالي. س
(طس ك هب عن أبي هريرة) قال عبد الحق أسنده جمع وأوقفه
آخرون والوقف أصح وقال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني
فيه مسلم بن خالد الزنجي تفرد به والجمهور ضعفوه وقد وثق
وبقية [ص:338] رجال أحمد رجال الصحيح
(1/337)
585 - (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم) وهو
صائم (فأراد) أخوه أي التمس منه (أن يفطر) أي يقطع صومه
ويتغدى (فليفطر) ندبا جبرا لخاطره (إلا أن يكون صومه ذلك
رمضان أو قضاء رمضان أو نذرا) أو كفارة أو نحو ذلك من كل
صوم واجب فلا يحل له قطعه ولو موسعا لأن الواجب لا يجوز
تركه لسنة وفيه جواز قطع النفل بل ندبه لنحو ذلك وأنه لا
يلزم بالشروع
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيتمي فيه بقية بن
الوليد وهو مدلس انتهى والمؤلف رمز لحسنه لاعتضاده
(1/338)
586 - (إذا دخل أحدكم إلى القوم) جماعة
الرجال ليس فيهم امرأة والواحد رجل أو امرؤ من غير لفظه
سموا به لقيامهم بالعظائم والمهمات. قال الصغاني: وربما
دخل النساء تبعا (فأوسع له) بالبناء للمجهول أي أوسع له
بعض القوم مكانا يجلس فيه (فليجلس) فيه ندبا (فإنما هي) أي
الفعلة أو الخصلة التي هي التفسح له (كرامة من الله تعالى
أكرمه بها أخوه المسلم) يعني إكرام من الله أجراه على يد
ذلك الأخ المسلم والتوسعة للقادم أمر محبوب مندوب وكان
الأحنف إذا أتاه رجل أوسع له سعة وأراه أنه يوسع له (فإن
لم يوسع له فلينظر أوسعها مكانا) أي مكانا هو أوسع أمكنة
تلك البقعة (فليجلس فيه) وإن كان نازلا بالنسبة لغيره ولا
يزاحم أحدا ولا يحرص على التصدر ويتهافت على تعظيم نفسه
ويتهالك على الشموخ والترفع كما هو ديدن فقهاء الدنيا
وعلماء السوء
(الحارث) ابن أبي أسامة ثم الديلمي (عن أبي شيبة الخدري)
ويقال الحصري لأنه كان يبيع الحصر صحابي حجازي قيل هو أخو
أبي سعيد قال الذهبي حديث جيد ورمز المؤلف لحسنه
(1/338)
587 - (إذا دخل أحدكم المسجد) هو مفعول به
لدخل لتعديه بنفسه إلى كل مكان مختص لا ظرف أي إذا دخل
وأراد أن يجلس (فلا يجلس) ندبا (حتى يصلي ركعتين) بأن يحرم
بهما قائما قيل أو مقارنا لأول جلوسه لأن النهي عن جلوس
بغير صلاة وفيه كراهة ترك ركعتين لمن دخل المسجد وهي كراهة
تنزيه عند الجمهور وصرفها عن الوجوب خبر هل علي غيرها قال
لا والركعتان أقلها فلو صلاها أربعا بتسليمة كانت كذلك ولا
يشترط أن ينوي بها التحية بل تحصل بفرض أو نفل آخر راتب أو
مطلق ويستثنى من ذلك الخطيب وداخل المسجد الحرام ومن دخل
والإمام في مكتوبة أو الصلاة تقام أو قربت إقامتها فتكره
له التحية (وإذا دخل أحدكم بيته) يعني محل إقامته من نحو
منزل أو خلوة أو مدرسة أو خيمة أو غار في جبل (فلا يجلس
حتى يركع) أي يصلي من إطلاق الجزء على الكل (ركعتين) ندبا
(فإن الله جاعل له من ركعتيه) اللتين يركعهما (في بيته
خيرا) أخذ منه الغزالي كجمع شافعية ندب ركعتين لدخول
المنزل كالخروج منه وقد مر <تنبيه> قال الطحاوي: الأوقات
المنهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها. قال ابن
حجر: هما عمومان تعارضا الأمر بالصلاة لكل داخل بغير تفصيل
والنهي عن الصلاة في أوقات [ص:339] مخصوصة فلا بد من تخصيص
أحد العمومين فذهب الشافعية إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر
وعكسه الحنفية والمالكية
(عق عد هب عن أبي هريرة) ثم قال مخرجه البيهقي أنكره
البخاري بهذا الإسناد لكن له شواهد انتهى وقال العراقي قال
البخاري لا أصل له
(1/338)
588 - (إذا دخل أحدكم على أخيه) في الدين
بإذنه لنحو زيارة أو ضيافة وهو في نحو بيته ولم يذكر قصدا
للتعميم (فهو) أي صاحب المكان يعني المالك لمنفعته ولو
مستأجرا ومستعيرا (أمير عليه) أي الداخل (حتى) أي إلى أن
(يخرج من عنده) لأنه أمير بيته فلا يتقدم الداخل على
الساكن بحق أو ولاية في صلاة ولا مشورة ولا غيرهما إلا
بإذنه أو علم رضاه وفي حديث مسلم لا يؤم الرجل الرجل في
سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته أي وهو ما يختص
بالإنسان من فرش أو وسادة وقيل المائدة وفيه أن الضيف لا
ينصرف حتى يأذن له رب الدار
(عد عن أبي أمامة) بإسناد ضعيف لكن يقويه ما رواه الديلمي
عن أبي هريرة مرفوعا إذا دخل قوم منزل رجل كان رب المنزل
أميرهم حتى يخرجوا من منزله وطاعته عليهم واجبة انتهى أي
متأكدة بحيث تقرب من الوجوب على حد قوله: غسل الجمعة واجب
(1/339)
589 - (إذا دخل الضيف على القوم دخل برزقه)
عليهم والباء للمصاحبة (وإذا) أضافوه وقاموا بحقه ثم (خرج)
من عندهم (خرج بمغفرة ذنوبهم) أي قارن خروجه حصول المغفرة
لهم إكراما منه تعالى وفضلا. وفيه من فخامة الضيافة وجزالة
القرى ما يحمل من له أدنى عقل على المحافظة عليها
والاهتمام بشأنها وناهيك بخصلة توسع الرزق وتنشر الغفران
وتبعد عن النيران وقد مر غير مرة ما يعلم منه أن المراد
غفران الصغائر وأن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة
(فر عن أنس) قال السخاوي: سنده ضعيف وله شاهد عند أبي
الشيخ عن أبي قرصافة مرفوعا
(1/339)
590 - (إذا دخل عليكم السائل) أي المستطعم
(بغير إذن) منكم له في الدخول (فلا تطعموه) أي الأولى أن
لا تطعموه شيئا من أكل أو غيره تأديبا له على جرأته وزجرا
له عن تعدي المراسم الشرعية حيث خالف الشارع واقتحم ما حده
له من تكرار الاستئذان. نعم ينبغي التلطف بالجاهل وتعليمه
آداب الشريعة
(ابن النجار) في تاريخه (عن عائشة) وفي الأصل بدلها أنس
(وهو مما بيض له) أبو منصور (- الديلمي) لعدم وقوفه على
سنده وقد رمز المؤلف لضعفه
(1/339)
591 - (إذا دخل العشر) عشر ذي الحجة فاللام
للعهد كأنه لا عشر إلا هو (فأراد أحدكم) وهو غير محرم (أن
يضحي) قال في المنضد الفاء للتعقيب كأن الإرادة كانت عقب
دخول العشر مقارنة لأول جزء منه وكذا قوله (فلا يمس) لأن
المنع من المس معقب للإرادة فإنه مع اتصاف كونه مريدا
للتضحية ينبغي أن لا يمس (من شعره) أي شعر بدنه رأسا أو
لحية أو شاربا أو إبطا أو عانة أو غيرها (ولا) من (بشره)
كظفر وجلد بل قال الإسنوي أو دم لكن اعترض بأنه لا يصلح
لعده من الأجزاء هنا وإنما المراد الأجزاء الظاهرة نحو
جلدة لا يضر قطعها شيئا بل يبقيه ليشمل المغفرة والعتق من
النار جميع أجزائه فإنه يغفر له بأول قطرة من دمها كما في
أخبار تأتي وأما توجيه بعضهم بأنه يفعل ذلك تشبها
بالمحرمين فلا يخفى فساده إذ لو كان كذلك كره نحو الطيب
والمخيط ولا قائل به. ثم إن خالف وأزال شيئا من ذلك كره
عند الشافعية وحرم عند أحمد وغيره ما لم يحتج بل قد يجب
كقطع يد سارق وختان بالغ وقد يندب كتنظيف شعث لمريد إحرام
أو حضور جمعة وقد يباح كقلع سن وجعة ولو تعددت أضحيته
انتفت الكراهة بالأولى بناء على الأصح أن الحكم المعلق على
معنى يكفي فيه أدنى المراتب لتحقق المسمى فيه والبشرة ظاهر
[ص:340] الجلد والمس واللمس ههنا سواء وهو كناية عن حلق
الشعر أو قصه أو نتفه وإزالة الظفر بقص أو غيره وهو المراد
بالبشرة فكنى عنه بالمس لأنه مس مخصوص بزيادة فعل ثم إنه
في هذا الخبر لم يتعرض لانقضاء مدة المنع وقد بينه في خبر
آخر بقوله عقب ما ذكر حتى يضحي والأول اكتفى بدلالة اللفظ
عليه لأن تقديم ذكر العشر والتضحية يدل على أن الأمد
انقضاء العشر ووقوع التضحية ولأنه حكم قارنه ذكر العشر
وإذا تعلق حكم الشيء بأمد له نهاية علم أن منتهاه منتهى
ذلك الأمد ولهذا لما علق الحكم في خبر بهلال ذي الحجة
احتاج أن يوضحه بقوله حتى يضحي ذكره في المنضد لكن بحث
بعضهم أنه يضم لعشر ذي الحجة ما بعده من أيام التشريق وفيه
عدم وجوب الأضحية لتعلقها بالإرادة فهي سنة للموسر لا يأثم
بتركها عند الشافعي ومالك وأحمد وأوجبها أبو حنيفة على
مقيم ملك نصابا
(م ن هـ) في الأضاحي (عن أم سلمة) ولم يخرجه البخاري
(1/339)
592 - (إذا دخل شهر) سمي به لاشتهاره
(رمضان) من الرمض لأنه ترمض فيه الذنوب أي تحرق أو لموافقة
ابتداء الصوم فيه وقتا حارا أو لغير ذلك وذكر الطلقاني في
حظيرة القدس له ستين اسما (فتحت) بالتشديد والتخفيف أي
تفتح (أبواب الجنة) وفي رواية أبواب السماء وهي كناية عن
تواتر هبوط غيث الرحمة وتوالي صعود الطاعة بلا مانع ومعاوق
ويشهد له قوله (وغلقت أبواب جهنم) كناية عن تنزه أنفس
الصوام عن رجس الآثام وكبائر الذنوب العظام وتكون صغائره
مكفرة ببركة الصيام والحمل على الحقيقة يبعده ذكره في معرض
الامتنان على الصوام بما أمروا به وبالحمل على الحقيقة لم
تقع المنة موضعها بل تخلو عن الفائدة إذ المرء ما دام في
هذه الدار لا يمكنه دخول إحدى الدارين فأي فائدة له في فتح
أبوابها؟ ذكره القاضي أخذا من قول التوربشتي هذا كناية عن
تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد الأعمال تارة ببذل
التوفيق وأخرى بحسن القبول وغلق أبواب جهنم هنا كناية عن
تنزه الصوام عن رجس الآثام بقمع الشهوات إلى آخر ما تقرر
لكن نازعه الطيبي بأنه يمكنه أن يكون <فائدة> الفتح توقيف
الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأن ذلك منه تعالى
بمنزلة عظيمة وأيضا إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار
الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحية ويشهد له حديث عمر "
إن الجنة تزخرف لرمضان " (وسلسلت) لفظ رواية مسلم صفدت
(الشياطين) شدت بالأغلال لئلا يوسوسوا للصائم وآية ذلك
تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وإنابتهم
إليه تعالى وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد
فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عمق تلك النفوس
الشريرة وباضت في رؤوسها وقيل خص من عموم قوله سلسلت زعيم
زمرتهم وصاحب دعوتهم لمكان الأنظار الذي أجيب فيه حين سأله
فيقع ما يقع من المعاصي بإغوائه <تنبيه> علم مما تقرر أن
تصفيد الشياطين مجاز عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء
النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء وذلك لأنه
إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة
الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيين إلى أنواع
الفسوق وفنون المعاصي وصفت أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت
نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قواهم
العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم
مجمعين على وظائف العبادات عاكفين عليها معرضين عن صنوف
المعاصي عائقين عنها فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم
أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا
منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان
(حم ق) في الصوم (عن أبي هريرة) قضية صنيع المؤلف أن كلا
من الكل روى الكل والأمر بخلافه فالبخاري لم يذكر الشهر
ولا مسلم هنا لكنها وردت عند غيرهما
(1/340)
593 - (إذا دخلتم على المريض) تعودونه
(فنفسوا له في الأجل) بالتحريك أي وسعوا له وأطمعوه في طول
الحياة [ص:341] وأذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا
لا بأس طهور أو نحو ذلك فإن ذلك تنفيسا لما هو فيه من
الكرب وطمأنينة لقلبه. قال الطيبي: وقوله في أجله متعلق
بنفسوا معنى التطميع أي طمعوه في طول أجله واللام للتأكيد
والتنفيس التفريج قال الراغب: والأجل المدة المضروبة للشيء
ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان وأصله استيفاء الأجل
إلى مدة الحياة (فإن ذلك) أي التنفيس (لا يرد شيئا) من
المقدور (وهو يطيب بنفس) الباء زائدة أو للتعدية وفاعله
ضمير عائد إلى اسم إن وفي رواية بإسقاط الباء (المريض)
يعني لا بأس بتنفيسك له فإن ذلك التنفيس لا أثر له إلا في
تطييب نفسه. قيل للرشيد وهو عليل هون عليك وطيب نفسك فإن
الصحة لا تمنع الفناء والعلة لا تمنع من البقاء فارتاح
لذلك. قال ابن القيم: وهذا نوع شريف من أنواع العلاج فإن
تطييب نفس العليل يقوي الطبيعة وينعش القوى ويبعث الحار
الغريزي فيساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية
تأثير الطبيب ولمسرة المريض تأثير مخصوص في تخفيف علته
انتهى ولا يعارض ذلك ندب التنبيه على الوصية لأنه يقول مع
ذلك الوصية لا تنقص الأجل بل العامل بالسنة يرجى له البركة
في عمره وربما تكون الوصية بقصد امتثال أمر الشرع سببا
لزيادة العمر ونحو ذلك
(ت) في الطب (هـ) في الجنائز من حديث موسى بن محمد التيمي
عن أبيه عن (أبي سعيد) الخدري قال الترمذي في العلل سألت
محمدا يعني البخاري عنه فقال موسى منكر الحديث انتهى وقال
في الأذكار بعد عزوه لابن ماجه والترمذي إسناده ضعيف وقال
ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الفتح في سنده لين وفي
الميزان حديث منكر
(1/340)
594 - (إذا دخلتم بيتا) أي مكانا يعني إذا
وصلتم إلى محل فيه مسلمون فالتعبير بالدخول وبالبيت غالبي
وكذلك لفظ الجمع (فسلموا على أهله) أي سكانه بدلا للأمان
وإقامة لشعار أهل الإيمان وقد كان المصطفى صلى الله عليه
وسلم يواظب على ذلك (فإذا خرجتم منه) أي أردتم الخروج
(فأودعوا أهله) أي فارقوهم واتركوهم (بسلام) أي سلموا
عليهم عند مفارقتكم إياهم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال
الطيبي: قوله أودعوا من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة
عندهم كي ترجعوا إليهم وتستردوا وديعتكم فإن الودائع
تستعاد وتفاؤلا للسلامة والمعاودة مدة بعد أخرى وأنشد:
ولا بد لي من جهلة في وصاله. . . فمن لي بخل أودع الحلم
عنده
اللطف فيه أنه لم يفارق على مفارقة الحلم لأن الودائع
تستعاد وتسمى الثانية سلام توديع ومتاركة يقال ودعته أودعه
ودعا تركته وابتداء السلام على من لقيه أو فارقه من
المسلمين ولو صبيا سنة ومن الجماعة سنة كفاية ولا يترك
خوفا من عدم الرد كما اقتضاه إطلاق الحديث وأفضل صيغه
السلام عليكم أو سلام عليكم بالتنوين ولو على واحد
(هب عن قتادة) ابن دعامة السدوسي أي الخطاب البصري (مرسلا)
ثم قال مخرجه البيهقي هكذا جاء مرسلا انتهى والبيهقي رواه
عن أبي الحسين بن بشران عن إسماعيل الصفار عن أحمد بن
منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن بشران وثق
والصفار قال في اللسان ثقة مشهور وأخطأ ابن حزم حيث جهله
وابن منصور ثبت وعبد الرزاق من الأعلام فهو مرسل جيد
الإسناد
(1/341)
595 - (إذا دخلت) بفتح التاء (على مريض)
مسلم معصوم لنحو عيادة (فمره) أي اسأله (يدعو لك) قال
الطيبي: مرة يدعو مفعول بإضمار أن أي مره بأن يدعو لك
ويجوز جزمه جوابا للأمر على تأويل أن هذا الأمر من رسول
الله صلى الله عليه وسلم والصحابي يبلغه إلى المريض فهو
كقوله {قل للذين آمنوا يقيموا الصلاة} ثم علل طلب الدعاء
منه بقوله (فإن دعاءه كدعاء الملائكة) في كونه مفضلا
مسموعا وكونه دعاء من لا ذنب عليه لأن المرض يمحص الذنوب
[ص:342] والملائكة لا ذنوب لهم لعصمتهم ومنه يؤخذ أن
الكلام في مريض مسلم أما لو عاد نحو قريبه أو جاره الذمي
فلا ينبغي طلب الدعاء منه فإن المرض لا يمحص ذنوب الكافر
لفقد شرط ذلك وهو الإسلام <تنبيه> قال بعض العارفين: الله
تعالى عند عبده إذا مرض ألا تراه ماله استغاثة إلا به ولا
ذكر إلا له فلا يزال الحق في لسانه منطوقا به وفي قلبه
إلتجأ إليه فالمريض لا يزال مع الله ولو تطيب وتناول
الأسباب المعتادة لوجوده الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن
الله ويأتي في حديث إن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما لو
عدته لوجدتني عنده فوجوده عنده هو ذكر المريض ربه في علته
بحال انكسار واضطرار فلذلك كان دعاءه كدعاء الملائكة
(هـ) من حديث جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران (عن عمر) بن
الخطاب وجعفر بن برقان أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال
ابن خزيمة لا يحتج به انتهى وميمون لم يدرك عمر فهو منقطع
أيضا وقال ابن حجر في الفتح عنده حسن لكن فيه انقطاع
وتقدمه لذلك النووي في الأذكار فقال صحيح أو حسن لكن ميمون
لم يدرك عمر وقال المنذري رواته ثقات لكن ميمون لم يسمع من
عمر فزعم الدميري صحته وهم
(1/341)
596 - (إذا دخلت) بفتح التاء خطابا لمحجن
الذي أقيمت الصلاة فصلى الناس ولم يصل معهم وقال صليت مع
أهلي (مسجدا) يعني محل جماعة (فصل مع الناس) أي مع الجماعة
(وإن كنت قد صليت) قبل ذلك تقرير لقوله كنت صليت أو تحسين
للكلام كما في قوله {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة
ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}
فإن قوله لغفور رحيم خبر قوله {إن ربك للذين عملوا السوء}
وقوله {إن ربك من بعدها} تكرير وزعم بعضهم أن فيه صحة
الصلاة بدون جماعة لأنه لم يأمره بالإعادة ممنوع لاحتمال
قوله وإن كنت صليت أي في جماعة ويدل له صليت مع أهلي
والاحتمال يسقط الاستدلال وفيه الأمر بالمعروف ولو في غير
واجب والسؤال عن العذر قبل الإنكار وتعليم الجاهل وذكر
العذر (والأمر) بالإعادة في جماعة حكمته الائتلاف وعدم
المخالفة الموجبة لنفرة القلوب وندب إعادة الصلاة لمن صلى
جماعة أو فرادى
(ص عن محجن) ابن أبي محجن (الديلمي) بكسر أوله وسكون
المهملة وفتح الجيم المدني صحابي قليل الحديث قال الذهبي
فيه بشر بن محجن ولا يكاد يعرف انتهى وبه يعرف ما في رمز
المؤلف لحسنه إلا أن يكون اعتضد
(1/342)
597 - (إذا دعا أحدكم) ربه (فليعزم) بلام
الأمر (المسألة) لفظ رواية مسلم وليعزم في الدعاء أي
فليطلب طلبا جازما من غير شك ويجتهد في عقد قلبه على الجزم
بوقوع مطلوبه إحسانا للظن بكرم ربه تعالى ثم بين العزم
بقوله (ولا) يعلق ذلك بنحو مشيئته (فلا يقل اللهم إن شئت
فأعطني) بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة بعطائه لأن من
اليقينيات أنه لا يعطي إلا إن شاء فلا معنى لذكر المشيئة
بل فيه صورة استغناء عن المطلوب والإخلاص في العبودية
يقتضي الجزم بالطلب فيطلب طلب مفتقر مضطر من قادر مختار
وفي رواية بدل فأعطني اغفر لي وفي أخرى ارحمني وفي أخرى
ارزقني وفي رواية تقديم المشيئة كما هنا وفي رواية تأخيرها
قال ابن حجر: وهذه كلها أمثلة تتناول جميع ما يدعى به قال
الزمخشري: والعزم التصميم والمضي على فعل شيء أو تركه بعقد
القلب عليه وأن يتصلب فيه (فإن الله) يعطي ما يشاء لمن
يشاء ومن هو كذلك (لا مستكره) بكسر الراء وفي رواية لا
مكره (له) أي يستحيل أن يكرهه أحد على شيء لأن الأسباب
إنما تكون بمشيئته فما شاء كان ما لم يشأ لم يكن وهو إذا
أراد إسعاد عبد من عبيده ألهمه الدعاء وليس في الوجود من
يكرهه على خلاف مراده فالتعليق بالمشيئة وغيرها من قبيل
العبث الذي ينزه جناب المدعو المقدس عنه فيكره ذلك تنزيها
ومن قال لا يجوز كابن عبد البر أراد نفي الحمل المستوي
الطرفين كما أشار إليه النووي [ص:343] فإطلاق التحريم بدون
هذه الإرادة سقيم وفيه ندب إلى رجاء الإجابة. قال ابن
عيينة: لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يجد في نفسه من التقصير
فإنه تعالى أجاب دعاء شر خلقه إبليس حين قال {أنظرني. .
إلخ} وفيه أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء لا يكرهه أحد على
ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده وكما يكره
السائل المسؤول إذا ألح عليه فالرغبة يجب أن تكون إليه كما
قال {وإلى ربك فارغب} والرهبة تكون منه كما قال {وإياي
فارهبون}
(حم ق) في الدعوات (عن أنس) قال المناوي رواه الجماعة كلهم
إلا النسائي
(1/342)
598 - (إذا دعا أحدكم) لنفسه أو لغيره
فليؤمن ندبا على دعاء نفسه فإنه إذا أمن أمنت الملائكة معه
فاستجيب الدعاء وفيه خبر أنه سمع رجلا يدعو فقال أوجب إن
ختم بآمين فختم الدعاء به يمنعه من الرد والخيبة كما مر
وكما يندب أن يؤمن عقب دعائه يندب أن يؤمن على دعاء غيره
إن كان الداعي مسلما لحديث الحاكم " لا يجتمع ملأ فيدعو
بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله " أما الكافر فلا يجوز
التأمين على دعائه على ما جرى عليه فخر الإسلام الروياني
لكن الأرجح عند الشافعية جوازه إن دعا بجائز شرعا
(عد عن أبي هريرة) وهو مما بيض له الديلمي بإسناد ضعيف لكن
يقويه رواية الديلمي له بلفظ: إذا أحرم أحدكم فليؤمن على
دعائه إذا قال اللهم اغفر لنا فليقل آمين ولا يلعن بهيمة
ولا إنسانا فإن دعاءه مستجاب وبيض لسنده
(1/343)
599 - (إذا دعا الغائب لغائب) ظاهره يشمل
الغائب عن البلد وهو المسافر وعن المجلس فمن قصره على
الأول فقد قصر وفي رواية: إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب
(قال له الملك) الموكل بنحو ذلك كما يرشد إليه تعريفه وبه
جاء التصريح في أخبار وفي رواية: قالت الملائكة (ولك مثل
ذلك) وفي رواية: ولك بمثل: بالتنوين بدون ذلك: أي أدعو
الله أن يجعل لك بمثل ما دعوت به لأخيك وذلك يكاد يكون
فيما بين أهل الكشف متعارفا بل محسوسا ولهذا كان بعضهم إذا
أراد الدعاء لنفسه بشيء دعا به أولا لبعض إخوانه ثم يعقبه
بالدعاء لنفسه وشمل الغائب ما إذا كان كافرا ودعا له
بالهداية ونحوها
(عد عن أبي هريرة) ورواه مسلم وأبو داود عن أم الدرداء
الصغرى وهي تابعية فهو عندها مرسل
(1/343)
600 - (إذا دعا الرجل زوجته) أو أمته
(لحاجته) كناية عن الجماع (فلتأته) أي فلتمكنه من نفسها
وجوبا فورا حيث لا عذر (وإن كانت على) إيقاد (التنور) الذي
يخبز فيه لتعجيل قضاء ما عرض له فيرتفع شغل باله ويتمخض
تعلق قلبه فالمراد بذكر التنور حثها على تمكينه وإن كانت
مشغولة بما لا بد منه كيف كان وهذا حيث لم يترتب على تقديم
حظه منها إضاعة مال أو اختلاف حال كما مر. قال الراغب:
والدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قال يا أو أيا
ونحوه من غير أن ينضم له الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا
إذا كان معه الاسم كيا فلان وقد يستعمل كل محل الآخر: قيل
فيه إن الأحب أن يبيت الرجل مع زوجته في فراش واحد وفي
أخذه من ذلك بعد لا يكاد يصح
(ت) في النكاح (ن) في حسن عشرة النساء (عن مطلق) بفتح
فسكون (ابن علي) بن مدرك الحنفي السحيمي بمهملتين مصغر
اليماني صحابي له وفادة قال الترمذي حسن غريب ولم يبين لم
لا يصح؟ والمؤلف رمز لصحته فليحرر
(1/343)
601 - (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه)
ليجامعها فهو كناية عنه بذلك (فليجب) وجوبا فورا أي حيث لا
عذر (وإن [ص:344] كانت على ظهر قتب) قال أبو عبيدة: كنا
نرى أن معناه وهي تسير على ظهر بعير فجاء التفسير في حديث:
إن المرأة كانت إذا حضر نفاسها أقعدت على قتب فيكون أسهل
لولادتها نقله الزمخشري وأقره والقصد الحث على طاعة الزوج
حتى في هذه الحالة فكيف غيرها؟ والفراش بالكسر فعال بمعنى
مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش وهو فراش أيضا تسمية
بالمصدر
(البزار) في مسنده (عن زيد بن أرقم) وصححه بعضهم فتبعه
المؤلف ورمز لصحته
(1/343)
602 - (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه)
ليطأها (فأبت) امتنعت بلا عذر وليس حقيقة الإباء هنا
بمرادة إذ هو أشد الامتناع والشدة غير شرط كما تفيده أخبار
أخر (فبات) أي فبسبب ذلك بات وهو (غضبان عليها) فقد ارتكبت
جرما فظيعا ومن ثم (لعنتها الملائكة حتى تصبح) يعني ترجع
كما في رواية أخرى قال ابن أبي حمزة: وظاهره اختصاص اللعن
بما إذا وقع ذلك ليلا وسره تأكيد ذلك الشأن ليلا وقوة
الباعث إليه فيه ولا يلزم منه حل امتناعها نهارا وإنما خص
الليل لكونه المظنة وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه
وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة وأن
أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حث المرأة على
مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة أه. قال
العراقي: وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطا
عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق
(حم ق د عن أبي هريرة) وروى عنه النسائي وفي رواية لمسلم
إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها
(1/344)
603 - (إذا دعا العبد) أي المسلم إذ هو
الذي يكتب له حسنة (بدعوة) الباء للتأكيد (فلم يستجب له)
أي لم يعط عين مطلوبه وإلا فالإجابة واقعة بوعده تعالى
بقوله {ادعوني أستجب لكم} لكنها تارة تكون في الدنيا وتارة
في الآخرة وتارة يحصل التعويض بأنفع كما يأتي في حديث فإذا
اقتضت مصلحة عدم إجابته في عين المسؤول (كتبت له حسنة) أي
أمر الله كاتب اليمين أن يكتب له بها بحسنة عظيمة مضاعفة
كما يفيده التنكير فالمكتوب عشر حسنات لقوله في الحديث
الآتي: إذا هم العبد بحسنة كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له
عشرا وذلك لرضاه بمراده تعالى فيه وذلك لأن الدعاء عبادة
بل هو مخها كما يأتي في خبر وقد قال تعالى {إنا لا نضيع
أجر من أحسن عملا} <تنبيه> قال في الحكم: لا يكن تأخر أمد
العطاء مع الالحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك
الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك وفي الوقت الذي
يريد لا في الوقت الذي تريد ولا يشكك في الوعد عدم وقوع
الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك
وإخماد لنور سريرتك أه. ويكفي العبد عوضا من إجابته ما
أقيم فيه من المناجاة وإظهار الافتقار والانكسار وقد يمنع
العبد الإجابة لرفعة مقامه عند الله وقد يجاب كراهة لسماع
صوته كما جاء في الحديث. فليحذر الداعي أن يكون حال دعائه
ممن قضيت حاجته لكراهة الله له لا لمحبته
(خط) في ترجمة عمرو بن أيوب العابد (عن هلال بن يساف) بفتح
التحتية وبمهملة خفيفة الأشجعي مولاهم الكوفي (مرسلا) أرسل
عن عائشة وغيرها قال في الكشاف ثقة
(1/344)
604 - (إذا دعوت الله) أي سألته في جلب نفع
(فادع الله ببطن كفيك) الباء للآلة أو للمصاحبة: أي اجعل
بطنهما إلى وجهك وظهرهما إلى الأرض حال الدعاء لأن عادة من
طلب من غيره شيئا أن يمد كفيه إليه متواضعا متذللا ليضع
المسؤول فيها (ولا تدع) نهي تنزيه (بظهورهما) لأنه إشارة
إلى الدفع فإن دعا بدفع بلاء أو قحط أو غلاء جعل ظهرهما
[ص:345] إلى السماء كما في أخبار آخر إشارة إلى طلب دفعه
وهو أحد ما فسر به قوله تعالى {يدعوننا رغبا ورهبا} (فإذا
فرغت) من دعائك (فامسح بهما) ندبا وجهك لتعود البركة عليه
ويسري إلى الباطن وحكمته كما ورد في حديث: الإفاضة عليه
مما أعطاه الله تعالى تفاؤلا بتحقق الإجابة وأن كفيه قد
ملئتا خيرا فأفاض منه عليه ففعل ذلك سنة كما جرى عليه في
التحقيق وغيره تمسكا بعدة أخبار هذا منها وهي وإن ضعفت
أسانيدها تقوت بالإجماع فقوله في المجموع لا يندب وسبقه
إليه ابن عبد السلام وقال لا يفعله إلا جاهل: في حيز المنع
(هـ عن ابن عباس) رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال ابن
الجوزي لا يصح فيه صالح بن حسان متروك وقال ابن حبان يروي
الموضوعات لكن له شاهد
(1/344)
605 - (إذا دعوتم لأحد من اليهود) علم على
قوم موسى سموا به من هادوا أي مالوا إما من عبادة العجل أو
من دين إبراهيم أو موسى أو من هاد أي رجع من خير إلى شر أو
عكسه أو لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة
(والنصارى) جمع علم على قوم عيسى سموا به لأنهم نصروه أو
كانوا معه في قرية تسمى نصران أو ناصرة: أي إذا أردتم
الدعاء لأحد من أهل الذمة منهم (فقولوا) أي ادعوا بما نصه
(أكثر الله مالك) لأن المال قد ينفع لجزيته أو موته بلا
وارث أو بنقضه العهد ولحوقه بدار الحرب أو بغير ذلك
(وولدك) بضم فسكون أو بالتحريك فإنهم ربما أسلموا أو نأخذ
جزيتهم وإن ماتوا قبل البلوغ فهم خدمنا في الجنة أو بعده
كفارا فهم فداؤنا من النار فاستشكال الدعاء به لهم بأن فيه
الدعاء بدوام الكفر وهو لا يجوز: جمود. ويجوز الدعاء
للكافر أيضا بنحو هداية وصحة وعافية لا بالمغفرة {إن الله
لا يغفر أن يشرك به} وقوله: مالك وولدك جرى على الغالب من
حصول الخطاب به فلو دعا لغائب قال ماله وولده وخرج باليهود
والنصارى الذميين أهل الحرب فلا يجوز الدعاء لهم بتكثير
المال والولد والصحة والعافية لأنهم يستعينون بذلك على
قتالنا (فإن قلت) مالهم وأولادهم قد ينتفع بها بأن نغنمهم
ونسترق أطفالهم (قلت) هذا مظنون وكثرة مالهم وعددهم مفسدة
محققة ودرء المفسدة المحققة أولى من جلب المصلحة المتوهمة
نعم يجوز بالهداية
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه
عبد الله بن جعفر بن نجيح متفق على ضعفه كما في الميزان
وغيره وعد من مناكيره هذا الخبر
(1/345)
606 - (إذا دعي) بالبناء للمجهول (أحدكم
إلى وليمة العرس فليجب) وجوبا إن توفرت الشروط وهي عند
الشافعة نحو عشرين فإن فقد بعضها سقط الوجوب ثم قد يخلفه
الندب وقد لا بل يحرم كما لو كان ثم منكر وعجز عن إزالته
[فإن قيل] الوليمة حيث أطلقت اختصت بوليمة العرس فإن أريد
غيرها قيدت فما فائدة تقييدها بكونها للعرس [قلنا] هذا هو
الأشهر لغة لكن منهم من جعلها شاملة للكل فلم يكتف في
الحديث بإطلاقها دفعا لتوهم إرادته وأطلقت في خبر آخر جريا
على الأكثر الأشهر (م هـ عن ابن عمر)
(1/345)
607 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام) كثر أو قل
كما يفيده التنكير وصرح به في الخبر الآتي بقوله: إذا
دعيتم إلى كراع فأجيبوا (فليجب) أي إلى الإتيان إليه وجوبا
إن كان طعام عرس وندبا إن كان غيره وهذا في غير القاضي أما
هو فلا يجب عليه في محل ولايته بل إن كان للداعي خصومة أو
غلب على ظنه أن سيخاصم حرمت قال في الإحياء: وينبغي أن
[ص:346] يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة حتى يثاب وزيارة
أخيه وإكرامه حتى يكونا من المتحابين والمتزاورين في الله
تعالى (فإن كان مفطرا فليأكل) ندبا وتحصل السنة بلقمة (وإن
كان صائما) فرضا (فليصل) أي فليدع لأهل الطعام بالبركة كذا
فسره بعض رواته وجاء هكذا مبينا في رواية تأتي ونقله في
الرياض عن العلماء فقال: قال العلماء ولم يذكر غيره لكن
قال جمع الأولى إبقاؤه على ظاهره الشرعي تشريفا للمكان
وأهله وأيده آخرون بأن في حديث أنس ما يصرح بأن المراد
الصلاة الشرعية وغالب مخاطبات الشريعة إنما تحمل على عرفه
الخاص لا المقاصد اللغوية والأولى ما ذهب إليه في المطامح
من ندب الجمع بينهما عملا بمقتضى الروايات كلها ونقل عن
جمع من السلف
(حم م د ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه
(1/345)
608 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو) أي
والحال أنه (صائم فليقل إني صائم) اعتذارا للداعي فإن سمح
ولم يطالبه بالحضور فله التخلف وإلا حضر وليس الصوم عذرا
في التخلف. وإنما أمر المدعو حيث لا يجيب الداعي أن يعتذر
له بقوله إني صائم وإن ندب إخفاء النفل لئلا يجر إلى عداوة
أو تباغض بينه وبين الداعي
(م د ت هـ عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن صحيح
(1/346)
609 - (إذا دعي أحدكم) إلى وليمة عرس
(فليجب) إلى حضورها إن توفرت شروط الإجابة (وإن كان صائما)
فإن الصوم غير عذر ولو فرضا فإن كان نفلا سن للمدعو الفطر
إن شق على الداعي صومه عند أكثر الشافعية وبعض الحنابلة
بناء على حل الخروج منه وينبغي أن لا يقصد بالإجابة قضاء
شهوة فتكون من عمل الدنيا بل يحسن القصد ليثاب كما مر
فينوي الإقتداء وإكرام الداعي وإدخال السرور عليه وزيادة
التحابب وصون نفسه عن ظن امتناعه تكبرا أو سوء ظن أو
احتقار للداعي ونحو ذلك
(ابن منيع) في معجمه (عن أبي أيوب الأنصاري) رمز لصحته
(1/346)
610 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام) أي مباح
(فليجب) وجوبا إن كان وليمة عرس وإلا فندبا (فإن كان مفطرا
فليأكل) ندبا كما في الروضة لا وجوبا خلافا لما وقع في شرح
مسلم (وإن كان صائما فليدع بالبركة) لأهل الطعام ومن حضر
قال في المطامح: وفيه دليل على أن الإجابة تجب بكل حال
وأنه لا بأس بإظهار العبادة عند دعاء الحاجة وإرشاد إلى
تألف القلوب بالأعذار الصادقة وندب الدعاء للمسلم سيما إذا
فعل معروفا
(طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي رجاله ثقات ومن ثم رمز
لصحته
(1/346)
611 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب) أي
إلى الإتيان إلى ذلك المكان عند الإمكان (فإن شاء طعم)
كتعب: أي أكل وشرب (وإن شاء لم يطعم) لفظ رواية مسلم: وإن
شاء ترك وفيه جواز الأكل وتركه ورد لما وقع للنووي في شرح
مسلم من اختياره وجوبه الذي عليه أهل الظاهر والطعم بالفتح
يقع على كل ما يساغ حتى الماء وذوق الشيء والطعم بالضم
الطعام
(م د عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن ماجه وابن حبان
(1/346)
[ص:347] 612 - (إذا دعي أحدكم) زاد في
رواية أبي داود (إلى الطعام فجاء مع الرسول) أي رسول
الداعي يعني نائبه ولو صبيا (فإن ذلك له إذن) أي قائم مقام
إذنه اكتفاء بقرينة الطلب فلا يحتاج لتجديد إذن أي إن لم
يطل عهد بين المجيء والطلب أو كان المستدعي بمحل لا يحتاج
فيه إلى الإذن عادة وإلا وجب استئناف الاستئذان وعليه
نزلوا الأخبار التي ظاهرها التعارض وتختلف بإختلاف الأحوال
والأشخاص. ولهذا قال البيهقي: هذا إذا لم يكن في الدار
حرمة ولا امرأة وإلا وجب الاستئذان مطلقا والدعاء النداء
ودعاه سأله ويستعمل استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيدا أي
سميته والمراد هنا الأول
(خد د هب) وكذا البخاري في الصحيح لكن معلقا (عن أبي
هريرة) رمز لحسنه وبالغ بعضهم فقال صحيح ولعله لم ير قول
ابن القيم فيه مقال ولا قول اللؤلؤي عن أبي داود فيه
انقطاع
(1/347)
613 - (إذا دعيتم إلى كراع) بالضم والتخفيف
أي كراع شاة وهو يدها على ما قاله الجمهور أو كراع الغميم
بمعجمة محل بين الحرمين أو جانب مستطيل من الحرم على ما
قاله شرذمة وغلطهم الأولون (فأجيبوا) ندبا فالمعنى على
الأول إذا دعيتم إلى طعام ولو قليلا كيد شاة فأجيبوا وعلى
الثاني إذا دعيتم إلى محل ولو بعيدا كالموضع المذكور
فأجيبوا وليست القلة أو البعد عذرا فأطلق ذلك على طريق
المبالغة في الإجابة وإن بعد لكن المبالغة في الإجابة مع
حقارة الشيء أوضح في المراد ولهذا ذهب الجمهور إلى الأول
وفيه الحث على الإجابة ولو قل المدعو إليه أو بعد والحض
على المواصلة والتحابب لكن إذا دعي إلى وليمة في مكان بعيد
يشق عليه الذهاب مشقة تسقط الجمعة والجماعة لم يجب
(م عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا ابن حبان
(1/347)
614 - (إذا ذبح أحدكم) حيوانا (فليجهز) أي
يسرع بقطع جميع الحلقوم والمريء بسرعة ليكون أوجى وأسهل
فنبه على أنه يندب للذابح إسراع القطع بقوة وتحلل ذهابا
وإيابا وأن يتحرى أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها إزهاقا
ويرفق بالبهيمة ما أمكنه فلا يصرعها ولا يجرها للمذبح بعنف
ويحد السكين ويحرم الذبح بكالة لا تقطع إلا بشدة تحامل
الذابح واعلم أن الحديث وإن ورد على سبب خاص في البهائم
لكن العبرة بعموم اللفظ فإذا ذبح إنسان إنسانا كالبهيمة
روعيت المماثلة فيذبح مثله ويؤمر الذابح بإجهاز ذبحه وعلى
الإمام أن لا يقتص من إنسان إلا بسيف حاد ويحرم بكال. نعم
إن قتل رجل رجلا بسيف كال قتل بمثله
(هـ عد هب عن ابن عمر) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بحد الشفار وإن توارى عن البهائم ثم قال إذا ذبح إلخ
وفيه ابن لهيعة وقرة المغافري قال أحمد منكر الحديث جدا
وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه
(1/347)
615 - (إذا ذكر أصحابي) بما شجر بينهم من
الحروب والمنازعات (فأمسكوا) وجوبا عن الطعن فيهم والخوض
في ذكرهم بما لا يليق فإنهم خير الأمة والقرون لما جرى
بينهم محامل (وإذا ذكرت النجوم) أي أحكامها ودلالتها
وتأثيراتها (فأمسكوا) عن الخوض فيها لما مر (وإذا ذكر
القدر) بالفتح وبالسكون ما يقدره الله تعالى من القضاء
وبالفتح اسم لما صدر مقدورا عن فعل القادر كالهدم لما صدر
من فعل الهادم ذكره الطيبي. قال القاضي: بالتحريك تعلق
الأشياء بالادارة في أوقاتها الخاصة (فأمسكوا) عن محاورة
أهله ومقاولتهم لما في الخوض في الثلاثة من المفاسد التي
لا تحصى كما مر قال البغوي: القدر سر الله لم يطلع عليه
ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لا يجوز الخوض فيه والبحث عنه
من طريق [ص:348] العقل بل يعتقد أنه تعالى خلق الخلق
فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلا وأهل شمال
خلقهم للجحيم عدلا. قال تعالى {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من
الجن والإنس} وسأل عليا كرم الله وجهه رجل فقال: يا أمير
المؤمنين أخبرني عن القدر. قال: طريق مظلم لا تسلكه فأعاد
السؤال فقال: بحر عميق لا تلجه فأعاد فقال: سر الله قد خفي
عليك فلا تفشه. فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإمساك
عن الخوض فيه لأن من يبحث فيه لا يأمن أن يصير قدريا أو
جبريا ولذلك شدد فيه غاية التشديد فقال في حديث الترمذي:
عزمت - أي أقسمت - عليكم أن لا تتنازعوا فيه إنما هلك من
كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر. فأشار إلى أن من تكلم
من الأمم الماضية فيه عجل الله إهلاكهم <تنبيه> قال بعض
العارفين: دخل ابن قانع على بلال بن أبي بردة في يوم حار
وهو في روضة وعنده الثلج فقال بلال: كيف ترى بيتنا هذا؟
قال: إنه لطيب والجنة أطيب منه وذكر النار يلهي عنه قال:
ما تقول في القدر؟ قال: جيرانك أهل القبور تفكر فيهم فإن
فيهم شغلا عنه قال: ادع لي قال: ما تصنع بدعائي وببابك جمع
كل منهم يقول إنك ظلمته يرتفع دعاؤهم قبل دعائي؟ لا تظلم
فلا تحتاج لدعائي
(طب عن ابن مسعود وعن ثوبان) الهاشمي مولى المصطفى صلى
الله عليه وسلم (عد عن عمر) قال الحافظ العراقي في سنده
ضعيف وقال الهيتمي فيه يزيد بن ربيعة ضعيف وقال ابن رجب:
روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال وبه يعرف ما في رمز
المؤلف لحسنه تبعا لابن صصرى ولعله اعتضد
(1/347)
616 - (إذا ذكرتم بالله) بالبناء للمفعول
مشددا أي إذا ذكركم أحد بوعيد الله وأليم عقابه وقد عزمتم
على فعل شيء (فانتهوا) أي كفوا عنه إجلالا لذكره تعالى
وإعظاما له وهذا كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أقبل
على أبي مسعود وهو يضرب غلاما له: اعلم أبا مسعود أن الله
أقدر منك عليك على هذا الغلام
(البزار عن أبي سعيد) واسمه كيسان بفتح وسكون (المقبري)
بتثليث الموحدة مولى أم شريك العنبسية قيل له المقبري لأنه
كان ينزل عند المقابر أو لأن عمر جعله على حفرها فالمقبري
صفة لأبي سعيد وظاهر صنيع المؤلف أن البزار لم يخرجه إلا
مرسلا ولا كذلك بل خرجه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن
أبي هريرة قال أحسبه يرفعه. أه. فالتردد إنما هو في وقفه
ورفعه لا في إرساله وعدمه. وقال الهيتمي فيه عبد الله بن
سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف
(1/348)
617 - (إذا ذلت) بالتشديد بضبط المؤلف
(العرب) المؤمنون المستعربة بنو إسماعيل: أي ضعف أمرها
وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غيرهم (ذل
الإسلام) أي أهله أو نفسه لأن شؤم ذلك يعود على الدين
بالوهن والضعف وذلك لأن أصل الإسلام نشأ منهم وبهم ظهر
وانتشر فإذا ذلوا ذل أي نقص لأن الإسلام لا يصلح وينتظم
حاله إلا بالجود والسماحة واللين والمودة والرفق وتجنب
البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص والعرب سهلة نفوسها
كريمة طباعها زكية أخلاقها لا ينكر ذلك إلا معاند ولا
يجحده إلا مارد. فإذا كانوا في عز فالإسلام في عز وإذا
ذلوا ذل. فبتلك الخلال فضلوا لا باللسان العربي فحسب
(ع عن جابر) قال العراقي في الغريب صحيح وقال الهيتمي فيه
محمد بن خطاب البصري ضعفه الأزدي وغيره ووثقه ابن حبان
وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح ورمز المصنف لضعفه باطل
(1/348)
618 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا) هي بمعنى
الرؤية لكنها خصت بما يرى في النوم دون اليقظة وفرق بينهما
بحرفي التأنيث كقربة وقربى كذا في الكشاف (الحسنة) وهي ما
فيه بشارة أو نذارة أو تنبيه على تقصير أو غفول أو نحو ذلك
[ص:349] (فليفسرها) أي فليقصها ندبا (وليخبر بها) وادا أو
عارفا كما يأتي في خبر ولا يستلزم أحد المعطوفين الآخر فقد
يراد بالثاني الإخبار على وجه الحكاية عما يسر لا لطلب
التفسير (وإذا رأى) أحدكم (الرؤيا القبيحة) ضد الحسنة (فلا
يفسرها) أي لا يقصها على أحد ليفسرها له (ولا يخبر بها)
أحدا فيكره ذلك بل يستعيذ بالله من شرها وشر الشيطان ويتفل
عن يساره ثلاثا ويتحول لجنبه الآخر قيل ويقرأ آية الكرسي.
قال الغزالي: الرؤيا من عجائب صنعه تعالى وبدائع فطرة
الآدمي وهي من أوضح الأدلة على عالم الملكوت والخلق غافلون
عنها لغفلتهم عن سائر عجائب القلب وعجائب العالم والقول في
حقيقتها من دقائق علوم المكاشفة ولا يمكن ذكره علاوة بل
على عالم المعاملة لكن القدر الذي يمكن التعبير عنه وذكره
في مثال يفهمك المقصود وهو أن القلب كالمرآة تتجلى فيها
الحقائق وكل ما قدر من ابتداء خلق العالم إلى آخره منقوش
في اللوح نقشا لا يشاهد لهذه العين وهو لوح لا يشبه لوح
الخلق وكتابته واللوح كالمرآة ظهرت فيها الصور فلو وضع في
مقابل المرآة مرآة وتراءت كل منهما في الأخرى حيث لا حجاب
فالقلب مرآة تمثيل رسوم العلوم واللوح مرآة رسوم جميع
العلوم واشتغال القلب بشهواته ومقتضى حواسه حجاب بينه وبين
مطالعة اللوح فإن هبت ريح حولت الحجاب ورفعته تلألأ في
مرآة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت
ويدوم وما دام متيقظا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من
عالم الشهادة وهي حجاب عن عالم الملكوت فإذا ركدت الحواس
بالنوم تخلص منه ومن الخيال فكان صافيا في جوهره فارتفع
الحجاب بينه وبين اللوح فيقع في قلبه شيء مما فيه كما تقع
صورة من مرآة إذا ارتفع الحجاب بينهما غير أن النوم يمنع
الحواس عن العمل ولا يمنع الخيال عن تحركه فيما يقع في
القلب فيحاكيه بمثال يقاربه ويبقى الخيال في الحفظ فيحتاج
المعبر أن ينظر هذا الخيال حكى أي معنى من المعاني فيرجع
إلى المعاني المناسبة أه. وقد أكثر الناس من الكلام في
حقيقة الرؤيا من الإسلاميين وغيرهم مما ينبو عن نطاق الحصر
(ت عن أبي هريرة) رمز لحسنه تبعا للترمذي وحقه الرمز لصحته
وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه عن الستة ولا
كذلك فقد رواه ابن ماجه عن أبي هريرة باللفظ المزبور
(1/348)
619 - (إذا رأى أحدكم) في منامه (الرؤيا
يكرهها) الجملة صفة للرؤيا أو حال منها قال القاضي:
والرؤيا انطباع الصورة المنحدرة عن أفق المتخيلة إلى الحس
المشترك الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما
بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أو في فراغ
فيتصور ما فيها مما يليق من المعاني الحاصلة هناك. ثم إن
المتخيلة تحاكيه بصورة متناسبة فيرسلها إلى الحس المشتري
فتصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة بذلك المعنى بحيث
لا يكون التفاوت إلا بأدنى شيء استغنت عن التعبير وإلا
احتاجت (فليبصق) بالصاد ويقال بسين وبزاي (عن يساره) أي عن
جانبه الأيسر (ثلاثا) كراهة لما رأى وتحقيرا للشيطان الذي
حضرها واستقذارا له وخص اليسار لأنه محل الأقذار
والمكروهات والتثليث للتأكيد (وليستعذ بالله) بجمع همة
وحضور قلب وصفاء باطن وصحة توجه فلا يكفي إمرار الاستعاذة
باللسان كما أشار إليه بعض الأعيان (من الشيطان) الرجيم
(ثلاثا) بأن يقول أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم ومن
شرها لأنها بواسطته (وليتحول) أي ينتقل (عن جنبه الذي كان)
مضطجعا (عليه) حين رأى ذلك تفاؤلا بتحول تلك الحالة
ومجانبة لمكانه ولهذا أمر الناعس يوم الجمعة بالتحول
والتحول التنقل من شيء إلى غيره والجنب ما تحت الإبط إلى
الكشح. قال الراغب: وأصله الجارحة ثم يستعار في الناحية
التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو
اليمين والشمال <تنبيه> قال ابن حجر: ورد في صفة التعوذ من
شر الرؤيا أثر صحيح [ص:350] أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي
شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن النخعي: إذا رأى أحدكم
في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به
ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره
في ديني ودنياي
(م د هـ عن جابر) ورواه عنه أيضا النسائي
(1/349)
620 - (إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول
وليتفل عن يساره ثلاثا) أي وليبصق بصقا خفيفا بلا ريق من
جهته اليسرى ثلاث مرات. قال في الصحاح: التفل شبيه بالبصق
وهو أقل منه أوله البزاق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ قال
الزركشي: جاء في رواية فليتفل وفي أخرى ينفث وفي أخرى:
يبصق وبينهما تفاوت فينبغي فعل الكل لأنه زجر للشيطان فهو
من باب رمي الجمار (وليسأل الله من خيرها) أي الرؤيا
(وليتعوذ بالله من شرها) أمره في هذا الخبر وما قبله
بأربعة أشياء: التحول والاستعاذة والتفل والكتم متى فعل
ذلك لم تضره: بل ذلك دافع لشرها (فإن قلت) قدم في الخبر
قبله البصق فالاستعاذة فالتحول وهنا قدم التحول وأخر
التعوذ فهل من حكمة؟ (قلت) أجل وهي الإشارة إلى أنه كيف
فعل كفى فإن عدم اقتضاء الواو للترتيب غير متفق عليه فدفع
ما عساه يتوهم لتخالف النظم. وفي رواية لمسلم: إذا رأى
أحدكم ما يكره فليصل: أي لتكمل الرغبة ويصح الطلب فإن أقرب
ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال القرطبي: وليس هذا
مخالفا لقوله هنا: فليتحول وليتفل إلخ وإنما الأمر بالصلاة
زيادة ينبغي إضافتها إلى ما في هذا الحديث فليفعل الكل وقد
يقال اقتصر على الصلاة لتضمنها جميع تلك الأمور لأنه إذا
قام للصلاة تحول عن جنبه وإذا توضأ تمضمض فنفث وبصق وإذا
أحرم تعوذ ودعا وتضرع لله في حال هي أقرب إجابة أه ومتى
فعل ما أمر به مما تقرر لم يضره ببركة الصدق والتصديق
والامتثال: وفائدة ذلك أن لا يشغل الرائي نفسه برؤية ما
يكره وأن يعرض عنه ولا يلتفت إليه <تنبيه> قال الحكيم
الترمذي: التفل الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم
واصل إلى وجه الشيطان واقع عليه فالتفل مع تعوذ الرائي
بالله يرد الذي جاء به من النزعة والوسوسة كالنار إلى وجهه
فيحترق فيصير قروحا ورد عن الربيع بن خيثم أنه قص عليه
رؤيا منكرة فأتاه رجل وقال رأيت في النوم رجلا يقول أخبر
الربيع بأنه من أهل النار فتفل عن يساره وتعوذ فرأى ذلك
الرجل في الليلة الثانية أن رجلا جاء بكلب فأقامه بين يديه
وفي عنقه حبل وبجبهته قروح فقال هذا ذلك الشيطان وهذه
القروح تلك النفثات التي نفثتها في وجهه الربيع
(هـ عن أبي هريرة) وهذا الحديث في نسخ لا تحصى ولم أره في
نسخة المؤلف التي بخطه
(1/350)
621 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما
هي من الله فليحمد الله عليها) بأن يقول الحمد لله الذي
بنعمته تتم الصالحات لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان
إذا رأى ما يحبه قال ذلك (وليحدث بها) غيره (وإذا رأى غير
ذلك مما يكره فإنما هي) أي الرؤيا (من الشيطان) ليحزنه
ويشوش عليه فكره ليشغله عن العبادة فلا يخبر بها ولا يشتغل
بها. قال النووي: جعل ما هو علامة عل ما يضر منتسبا
للشيطان مع أن الله هو خالق للرؤيا مجازا لحضوره عندها لا
على أن الشيطان يفعل ما يشاء. وقيل: إضافة الرؤيا المحبوبة
إلى الله إضافة تشريف وإضافة المكروهة إلى الشيطان لأنه
يرضاها (فليستعذ بالله) من شرها وشر الشيطان (ولا يذكرها
لأحد) فإنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهر [ص:351]
صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإنها لا
تضره) فإنه تعالى جعل فعله من النعوذ والتفل وغيره سببا
لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال
وسببا لدفع البلاء. قال ابن عربي: من حافظ على ما ذكره في
هذا الحديث من الاستعاذة والكتم يرى برهانه فإن كثيرا من
الناس وإن استعاذ يتحدث بما رآه فأوصيك أن لا تفعل. وقال
بعضهم: محصل الحديث أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة: حمد
الله وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها لمن يحب لا لغيره وآداب
الحلم الرديء أربعة: التعوذ من شره وشر الشيطان. ويتفل حين
ينتبه ولا يذكرها لأحد. واستثنى الداودي من نوم ما يكره ما
يكون في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع
تبشيرا وفي الإنذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع التعوذ
إذا عرف أنها صادقة بدليل ما رآه المصطفى صلى الله عليه
وسلم من البقر التي تنحر وثلم ذباب سيفه لكن لا يلزم من
ترك التعوذ ترك التحول والصلاة فقد يكون سببا لدفع مكروه
الإنذار مع حصول مقصوده على أن المنذرة قد ترجع لمعنى
المبشرة <تنبيه> قال بعضهم: يسن لمن رأى رؤيا من المبشرات
أن يقول ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لما رأى في
المنام أن جبريل لما أتاه بعائشة في سرقة حرير بيضاء وقال
له هذه زوجتك فلما قصها على أصحابه قال إن يكن من الله
يمضه فأتى بالشرط لسلطان الاحتمال الذي يعطيه مقام النوم
وحضرة الخيال فكان كما رأى. قال بعض العارفين: الأدب يعطي
أن يقول ذلك وما قلته قط إلا وخرجت كفلق الصبح
(حم خ ت عن أبي سعيد) وهذا الحديث في نسخ كثيرة وليس في خط
المؤلف
(1/350)
622 - (إذا رأى) أي علم (أحدكم من نفسه أو
ماله أو من أخيه) من النسب أو الإسلام (ما يعجبه) أي ما
يستحسنه ويرضاه من أعجبه الشيء رضيه (فليدع له بالبركة)
ندبا بأن يقول اللهم بارك فيه ولا تضره ويندب أن يقول ما
شاء الله لا قوة إلا بالله لخبر رواه أبو داود (فإن العين)
أي الإصابة بالعين (حق) أي كائن يقضي به في الوضع الإلهي
لا شبهة في تأثيرها في النفوس فضلا عن الأموال وذلك لأن
بعض النفوس الإنسانية يثبت لها قوة هي مبدأ الأفعال
الغريبة ويكون ذلك إما حاصلا بالكسب كالرياضة وتجريد
الباطن عن العلائق وتذكيته فإنه إذا اشتد الصفاء والذكاء
حصلت القوة المذكورة كما يحصل للأولياء أو بالمزاج
والإصابة بالعين يكون من الأول والثاني فالمبدأ فيها حالة
نفسانية معجبة تهتك المتعجب منه بخاصية خلق الله في ذلك
المزاج على ذلك الوجه ابتلاء من الله تعالى للعباد ليتميز
المحق من غيره. <تنبيه> في تعليق القاضي حسين أن بعض
الأنبياء نظر إلى قومه فأعجبوه فمات منهم في يوم سبعون
ألفا فأوحي إليه إنك عنتهم وليتك إذ عنتهم حصنتهم يقول:
حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء
بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(ع طب ك) في الطب (عن عامر بن ربيعة) حليف آل الخطاب أسلم
قديما وهاجر إلى الحبشة قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه فما أوهمه صنيع المصنف
من أنه لم يخرجه أحد من الستة غير جيد
(1/351)
623 - (إذا رأى أحدكم مبتلى فقال الحمد لله
الذي عافاني) أي نجاني وسلمني قال في الصحاح: العافية دفاع
الله عن العبد (مما ابتلاك به) قال الطيبي: فيه إشعار بأن
الكلام ليس في مبتلى بنحو مرض أو نقص خلقة بل لكونه عاصيا
متخلفا خلع العذار ولذلك خاطبه بقوله مما ابتلاك به ولو
كان المراد المريض لم يحسن الخطاب بقوله (وفضلني عليك) أي
صيرني أفضل منك أي أكثر خيرا أو أحسن حالا وفي الصحاح فضله
على غيره: حكم له بذلك أو صيره كذلك (وعلى كثير من عباده)
مصدر مؤكد لما قبله (كان شكر تلك النعمة) أي كان قوله ما
ذكر قياما بشكر [ص:352] تلك النعمة المنعم بها عليه وهي
معافاته من ذلك البلاء والخطاب في قوله: ابتلاك وعليك:
يؤذن بأن يظهر له ذلك ويسمعه إياه وموضعه ما إذا لم يخف
فتنته <تنبيه> قال بعض العارفين: الحديث وارد في حق العامة
أما الكامل فينظر فيما انطوى عليه ذلك الابتلاء فإن كان
كفارة أو رفع درجات لم يسأل العافية منه والعارف يحمل كل
حديث على حاله
(هب عن أبي هريرة) وفيه سهل بن صالح قال ابن معين غير قوي
(1/351)
624 - (إذا رأى أحدكم امرأة حسناء) بالمد
ذات حسن قيد به لأن الإعجاب إنما يكون بها فلو رأى قبيحة
(فأعجبته) لخبث طباعه كما يقع لكثير أنهم يميلون إلى
العجوز أكثر من الشابة كان حكمه ما ذكر وقوله فأعجبته: أي
استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه قال الراغب:
والحسن عبارة عن كل منهج مرغوب فيه (فليأت) ندبا فإن تعين
طريقا لدفع المفسدة وجب (أهله) أي فليجامع حليلته ليسكن ما
به من حر الشهوة خوفا من استحكام داعي فتنة النظر (فإن
البضع) بالضم الفرج أو الجماع (واحد) يعني الفروج متحدة
المذاق غير مختلفة عند الحذاق والبضع كما في المصباح وغيره
يطلق على الفرج والجماع كلاهما سائغ هنا. قال الزمخشري:
ومن الكناية بضع المرأة جامعها وباضعها بضاعا وملك بضعها
إذا عقد عليها (ومعها مثل الذي معها) أي معها فرج مثل فرج
الأجنبية ولا مزية لفرج الأجنبية والتمييز بينهما من فخوخ
الشيطان وتزيينه. أرشد من ابتلى بذلك إلى أن يداويه بجماع
حليلته فإن فيه تسلية عن المطلوب بجنسه ولأن النظر يثير
قوة الشهوة فأمر بتنقيصها وذلك أن أول النظر الموافقة ثم
الميل ثم المحبة ثم الود ثم الهوى ثم الوله فالموافقة
للطبع والميل للنفس والود للقلب والمحبة للفؤاد والهوى
غلبة الحب والوله زيادة الهوى. فمن مال قلبه إلى امرأة ولم
يقدر على دفع ميله خيف عليه أن يزيد فيصير حبا ثم هوى
موقعا في الفاحشة فأمر الشارع بإتيان حليلته ليتخلص عما في
نفسه من الميل باندفاع الشهوة الداعية إليه. ويؤخذ منه ندب
تكرير إتيانها إذا لم يندفع بأول مرة لاستيلاء الميل على
قلبه وأنه يعجل ذلك ولا يمهل خوف المحذور. نقل ابن الحاج
عن بعضهم أن هذا مستحب استحبابا مؤكدا فإنه يصون به دينه.
لكن ينبغي أن يعلم أن المأمور به هنا الوطء بلا تفكر في
محاسن تلك الأجنبية أما لو وطئ حليلته متفكرا في تلك حتى
خيل لنفسه أنه يطؤها فهذا غير مراد بالحديث وفيه اختلاف
ذهب بعض المالكية إلى حرمته فقال يحرم أن يجعل تلك الصورة
بين عينيه فإنه نوع من الزنا كما قالوا فيما لو أخذ كوز
ماء فصور في نفسه أنه خمر فشربه فإن الماء يصير حراما.
وذهب جمع شافعية إلى حله لأنه لم يخطر بباله عند ذلك
التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدماته فهو متناس للوصف
الذاتي متذكر للوصف العرضي باعتبار تخيله ولا محذور فيه.
فإن فرض أنه ضم له قصد الزنا بتلك الحسناء لو ظفر بها وصمم
عليه حرم عليه <تنبيه> يؤخذ من التعليل أنه لو رأى امرأة
فمالت نفسه للفعل بها ندب له إتيان حليلته وتكراره لتنقص
شهوته وتنكسر حدته
(خط عن ابن عمر) قضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من
الستة وهو عجيب فقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي في
النكاح بمعناه من حديث جابر بألفاظ متقاربة ولفظ أكثرهم:
إذا رأى أحدكم امرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته
فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه
(1/352)
625 - (إذا رأى أحدكم بأخيه) في الدين
(بلاء) أي محنة أو مصيبة في نحو دينه أو بدنه سمي بلاء
لأنه يبلي الجسم ويخلقه [ص:353] وربما اشتد فأهلكه (فليحمد
الله) على سلامته من مثله ويعتبر ويكف عن المناهي فإنها
سببه ويدأب في العمل الصالح فإنه سبب كل خير (ولا يسمعه
ذلك) أي حيث لم ينشأ ذلك البلاء عن محرم كمقطوع في سرقة لم
يتسبب. ثم إن تقييد الرؤية بكونها في أخيه ليس لإخراج ندب
الحمد لو رأى البلاء بنحو كافر وعدو ومجاهر بل إنما قيد به
لأجل قوله ولا يسمعه فلو رأى البلاء بغيره حمد وأسمعه
(ابن النجار) الحافظ محب الدين محمد بن محمود البغدادي
صاحب كتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين وذيل تاريخ
بغداد والمعجم أو غير ذلك (عن جابر) بن عبد الله
(1/352)
626 - (إذا رأيت الناس) أي وجدتهم (قد
مرجت) بميم وجيم مفتوحتين بينهما راء مكسورة (عهودهم) جملة
حالية أي اختلفت وفسدت وقلت فيهم أسباب الديانات
والأمانات. قال الزمخشري: مرج وخرج إخوان في معنى القلق
والاضطراب يقال مرج الخاتم في يدي ومرجت العهود والأمانات:
اضطربت وفسدت ومنه المرجان لأنه أخف الحب والخفة والقلق من
واد واحد أه: والعهود جمع عهد وهو اليمين والأمان والذمة
والحفاظ ورعاية الحرمة والوصية. قال ابن الأثير: ولا تخرج
الأخبار الواردة فيه عن أحدهما (وخفت) بالتشديد قلت من
قولهم خفت القوم قلوا (أماناتهم) جمع أمانة ضد الخيانة
(وكانوا هكذا) وبين الراوي ما وقعت عليه الإشارة بقوله
(وشبك) أي خلط (بين أنامله) أي أنامل أصابع يديه إشارة إلى
تموج بعضهم في بعض وتلبيس أمر دينهم فلا يعرف الأمين من
الخائن ولا البر من الفاجر (فالزم بيتك) يعني اعتزل الناس
وانحجب عنهم في مكانك إلا لما لا بد فيه (وأملك) بقطع
الهمزة وكسر اللام (عليك لسانك) أي احفظه وصنه ولا تجره
إلا فيما لك لا عليك أو امسكه عما لا يعنيك. قال الزمخشري:
من المجاز اخزن لسانك وسرك. وخصه لأن الأعضاء تبع له فإن
استقام استقامت وإن اعوج اعوجت كما مر (وخذ ما تعرف) من
أمر الدين: أي الزم فعل ما تعرف كونه حقا من أحوالك التي
تنتفع بها دنيا وأخرى (ودع ما تنكر) من أمر الناس المخالف
للشرع وانظر إلى تدبير الله فيهم بقلبك فإنه قسم بينهم
أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم ولو شاء لجمعهم على خلق
واحد فلا تغفل عن النظر إلى تدبيره تعالى فيهم فإذا رأيت
معصية فاحمد الله إذ صرفها عنك في وقتك وتلطف في الأمر
والنهي في رفق وصبر وسكينة فإن قبل منك فاحمد الله وإلا
فاستغفره لتفريطك {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم
الأمور} (وعليك بخاصة نفسك) وفي رواية بخويصة مصغرا
واستعملها في المشروع وكفها عن المنهي والزم أمر نفسك
والزم دينك واترك الناس ولا تتبعهم. قال الزمخشري: الخويصة
تصغير الخاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا
ساكنة وجوز إلتقاء الساكنين فيها أن الأول حرف لين والثاني
مدغم والمراد حادثة الوقت التي تخص المرء وصغرت لاستصغارها
في جنب جميع الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك ثم
زاد الأمر بالانجماع تأكيدا دفعا لاحتمال التجوز بقوله
(ودع عنك أمر العامة) أي كافة الناس فليس المراد العوام
فقط فإذا غلب على ظنك أن المنكر لا يزول بإنكارك لغلبة
الابتلاء لعمومه أو تسلط فاعله وتحيره أو خفت على نفسك أو
محترم غيرك محذورا بسبب الإنكار فأنت في سعة من تركه
والإنكار بالقلب مع الانجماع وهذا رخصة في ترك الأمر
بالمعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار <فائدة> أخرج في
الحلية عن أنس مرفوعا " يأتي على الناس زمان يدعو فيه
المؤمن للعامة فيقول الله ادع لخاصة نفسك أستجب لك وأما
العامة فإني عليهم ساخط "
(ك عن ابن عمرو) بن العاص قال كنا جلوسا حول رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي وقال المنذري والعراقي سنده حسن
(1/353)
[ص:354] 627 - (إذا رأيت) لفظ رواية
البزار: رأيتم (أمتي) يعني صارت أمتي إلى حالة (تهاب) أي
تخاف (الظالم) الجائر المتعدي لحدوده تعالى (أن تقول له
إنك ظالم) أي تكفه عن الظلم وتشهد عليه به أو لا تنكر عليه
مع القدرة (فقد تودع منهم) بضم أوله بضبط المؤلف والتشديد
أي استوى وجودهم وعدمهم. أو تركوا وأسلموا (قوله وأسلموا:
بضم الهمزة وكسر اللام بينهما سين ساكنة مبني لما لم يسم
فاعله: أي خذلهم الله أه) ما استحقوه من النكير عليهم
واستريح منهم وخذلوا وخلى بينهم وبين ما يرتكبون من
المعاصي ليعاقبوا عليها وهو من المجاز لأن المعتني بإصلاح
شخص إذا أيس من صلاحه تركه ونفض يده منه واستراح من معاناة
النصب في إصلاحه. ويجوز كونه من قولهم تودعت الشيء أي صنته
في ميدع أي ثوب لف فيه ليكون كالغلاف له: أي فقد صاروا
بحيث يتصون منهم ويتحفظ كما يتوقى شرار الناس. ذكره كله
الزمخشري وقال القاضي: أصله من التوديع وهو الترك وحاصله
أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان
وغضب الرحمن. قال في الإحياء: لكن الأمر بالمعروف مع
الولاة هو التعريف والوعظ. أما المنع بالقهر فليس للآحاد
لأنه يحرك فتنة ويهيج شرا. وأما الفحش في القول: كيا ظالم
يا من لا يخاف الله فإن تعدى شره للغير امتنع وإن لم يخف
إلا على نفسه جاز بل ندب فقد كانت عادة السلف التصريح
بالإنكار والتعرض للأخطار
(حم طب ك هب) من حديث محمد بن مسلم (عن ابن عمرو) بن العاص
وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن تعقبه
البيهقي نفسه بأنه منقطع حيث قال محمد بن مسلم هو أبو
الزبير المكي ولم يسمع من ابن عمرو (طس عن جابر) وفيه سيف
بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني وقال الهيتمي رجال أحد
إسنادي أحمد رجال الصحيح وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه
أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه الترمذي
(1/354)
628 - (إذا رأيت العالم) يعني وجدته
(يخالط) أي يداخل (السلطان) الإمام الأعظم أو أحد نوابه
(مخالطة كثيرة) أي مداخلة كثيرة عادة. قال المرزوقي: وأصل
الخلطة تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض وقد توسع فيه حتى
قيل رجل خليط إذا اختلط بالناس كثيرا (فاعلم أنه لص)
بتثليث اللام: أي سارق: أي محتال على اقتناص الدنيا وجذبها
إليه من حرام وغيره كما يحاول السارق إخراج المتاع من
الحرز فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الدنيئة
الفانية وإيثارها على الآخرة السنية الباقية وعماه عن وبال
ذلك في العقبى كما حكى أن القائم بعد عمر بن عبد العزيز
أراد الجري على منواله حتى شهد له أربعون شيخا أن الخليفة
لا حساب عليه فترك. ورفع بعض العلماء حوائجه إلى المنصور
فقضاها فقال: يا أمير المؤمنين بقيت الحاجة العظمى قال:
وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة فقال له بعض من حضر: إياك
وهؤلاء فإنهم قطاع الطريق في المآمن وأصل ذلك كله الطمع
والملة الحنيفية مبناها على الاكتفاء بالقليل من الدنيا
والمبالغة في الحمية عن عموم ما لا يتناهى من المنهيات
الكثيرة مداخل الآفات منها على المخلوقات والحمية عنها أصل
الدواء فمن لم يحتم من المنهيات لم ينفعه التداوي
بالمأمورات فهؤلاء خدموا العلم دهرهم وصاموا نهارهم وقاموا
ليلهم وأتوا بالحسنات كالجبال لكنهم تلطخوا بالأقذار لما
لم يتجمعوا عن التردد على أبواب الظلمة لينالوا من دنياهم
التي نهوا عن زهرتها فلم ينفعهم الدواء:. واحترز بقوله
كثيرة عما لو خالطه أحيانا بأقل ممكن لنحو شفاعة أو نظر
مظلوم أو وعظ
(فر عن أبي هريرة) إسناده جيد
(1/354)
629 - (إذا رأيت الله تعالى) أي علمت أنه
(يعطي العبد) عبر بالمضارع إشارة إلى تجدد الإعطاء وتكرره
(من الدنيا) [ص:355] أي من زهرتها وزينتها (ما يحبه) أي
العبد من نحو مال وولد وجاه (وهو مقيم) أي والحال أنه مقيم
(على معاصيه) أي عاكف عليها ملازم لها (فإنما ذلك) أي
فاعلموا أنما إعطاؤه ما يحب من الدنيا (منه) أي من الله
(استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى فكلما
فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب
قليلا قليلا ثم يصبه عليه صبا. قال إمام الحرمين: إذا سمعت
بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر
على خطر فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب ولا تغتر
بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله
وجهه: كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه.
وكم من مغرور بالستر عليه وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع
به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات {سنستدرجهم من حيث لا
يعلمون} وفي الحكم: خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك
معه أن يكون ذلك استدراجا. والاستدراج الأخذ بالتدريج لا
مباغتة. والمراد هنا تقريب الله العبد إلى العقوبة شيئا
فشيئا واستدراجه تعالى للعبد أنه كلما جدد ذنبا جدد له
نعمة وأنساه الاستغفار فيزداد أشرا وبطرا فيندرج في
المعاصي بسبب تواتر النعم عليه ظانا أن تواترها تقريب من
الله وإنما هو خذلان وتبعيد
(حم طب حب عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) قال: ثم تلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا
عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
فإذا هم مبلسون} زاد الطبراني: {فقطع دابر القوم الذين
ظلموا والحمد لله رب العالمين} قال الهيتمي: رواه الطبراني
عن شيخه الوليد ابن العباس المصري وهو ضعيف. وقال العراقي
إسناده حسن وتبعه المؤلف فرمز لحسنه
(1/354)
630 - (إذا رأيت من) أي في (أخيك) في الدين
(ثلاث خصال) أي فعل ثلاث خصال (فارجه) أي فأمل أن ينتفع
برأيه ومشورته أو فارج له الفلاح والفوز بالنجاح لما لاح
فيه من مخايل الخير وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه
الخصال وهي: (الحياء والأمانة والصدق) فإنها أمهات مكارم
الأخلاق فإذا وجدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له
الفلاح. وقدم الحياء في الذكر لأنه أصل ما بعده وأسه وعنه
يتفرع ومنه ينشأ (وإذا لم ترها) مجتمعة فيه (فلا ترجه)
لشيء مما ذكر ولا يؤمل فلاحه لأنها إذا لم تجتمع في إنسان
دل على قلة مبالاته بالعاقبة وجرأته على الله وعلى عباده.
والغرض: الإيذان بأنه من أهل الخذلان فإنه يخلى وشأنه. فإن
وجد فيه بعضها وفقد بعضها فهو من الذين خلطوا عملا صالحا
وآخر سيئا. فالمراد أن من اجتمعت فيه يرجى فلاحه رجاء يقرب
من القطع ومن فقدت منه كلها يرجى عدمه كذلك
(عد فر عن ابن عباس) قال العلائي: فيه عبد الرحمن بن معين
وثقه أبو زرعة وطعن فيه غيره وشيخه رشد بن كريب ضعيف
(1/355)
631 - (إذا رأيت كلما) بالنصب على الظرفية
(طلبت شيئا من أمر الآخرة) أي من الأمور المتعلقة بها
(وابتغيته يسر) بضم المثناة تحت وكسر السين مشددة بضبط
المؤلف (لك) أي تهيأ وحصل بسهولة (وإذا أردت شيئا من أمور
الدنيا) أي من الأمور المتعلقة بها من نيل اللذات والتوسع
في الشهوات ولا يدخل فيه طلب الكسب الحلال وتيسر حصوله
(وابتغيته عسر عليك) أي صعب فلم يحصل إلا بتعب وكلفة
(فاعلم [ص:356] أنك على حالة حسنة) أي دالة على كونك من
السعداء لأنه تعالى إنما زوى عنك الدنيا وعرضك للبلاء
لينقيك من دنسك ويريحك في الآخرة ويرفع درجتك. ألا ترى أن
الدواء الكريه نعمة في حق المريض؟ وقد يكون المال والأهل
سببا للهلاك وهو أعلم بما يصلح فيه عباده. وهذا كالذي بعده
غالبي وقد يكون على حالة حسنة مع تيسير الدنيا وهذا يكون
على حالة قبيحة مع عدمه. ثم إن قلت الابتغاء الطلب - كما
في الصحاح - فكيف عطف عليه؟ (قلت) الطلب أعم والابتغاء أخص
كما قال الراغب: الابتغاء بالاجتهاد في الطلب فمتى كان
الطلب بشيء محمود فالابتغاء فيه محمود وكذا عكسه والعسر:
الصعوبة الشديدة واليسر - بالضم - ضده والحال - كما قال
الراغب - ما يخص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في
نفسه وجسمه وصفاته والحال صفة شيء يذكر ويؤنث فيقال حال
حسن وحسنة (وإذا رأيت كلما طلبت شيئا من أمر الآخرة
وابتغيته عسر عليك وإذا طلبت شيئا من أمر الدنيا وابتغيته
يسر لك فأنت على حال قبيحة) فإن النعم محن والله يبلو
بالنعمة كما يبلو بالنقمة {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ومن
ثم قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية ومن
وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع. وفي
تاريخ الخطيب عن الحصرمي: لا يغرنكم صفاء الأوقات فإن
تحتها آفات ولا يغرنكم العطاء فإنه عند أهل الصفاء مقت.
وفي تاريخ ابن عساكر: كان عيسى عليه السلام إذا أصابته شدة
فرح واستبشر وإذا أصابه رخاء خاف وحزن. وفي الإحياء عن
وهب: التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر:
إلى أين؟ قال: أمرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودي
لعنه الله وقال الآخر: أمرت بإهراق زيت اشتهاه فلان
العابد. قال الغزالي: فهذا تنبيه على أن تيسير أسباب
الشهوة ليس من علامات الخير - (واعلم) أن القسمة رباعية:
القسم الأول: إذا طلب شيئا من الآخرة تيسر له وإذا طلب
شيئا من الدنيا تعسر عليه. الثاني عكسه والثالث إذا طلبهما
تيسرا. والرابع إذا طلبهما تعسرا فذكر في الحديث الأولين
وترك الآخرين لوضوحهما فالثالث من علامة السعادة والرابع
من علامة الشقاوة وأشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا
وعذاب الآخرة وعلم مما تقرر: إذا أراد الله هلاك عبد ضاعف
عقابه من حيث لا يعلم ما يراد به وذلك بأن يرادف عليه
النعم فيزداد أشرا وبطرا وانهماكا في الدنيا وحرصا عليهما
فيظن أنه لطف من الله به وتقريب وإكرام وهو قهر وتبعيد
وإذلال نعوذ بالله من ذلك الحال. قال في الحكم: من جهل
المريد أن يسيء الأدب فيؤخر العقوبة عنه فيقول لو كان هذا
سوء أدب لقطع الإمداد وأوجب البعاد وقد يقطع المدد عنه من
حيث لا يشعر ولو لم يكن إلا منع المزيد وقد يقوم مقام
البعد من حيث لا يدري ولو لم يكن إلا أن يخليه وما يريد
(ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان
المقبري (مرسلا) أرسله عن أبي هريرة وغيره. قال أحمد: لا
بأس بك (هب عن عمر) ابن الخطاب ظاهر صنيع المؤلف أن
البيهقي خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بما نصه: هكذا جاء
منقطعا. أه. فحذف ذلك من كلامه غير صواب ورمز لحسنه غير
حسن إلا أن يريد أنه لغيره
(1/355)
632 - (إذا رأيتم من) أي مكلفا (يبيع أو
يبتاع) أي يشتري (في المسجد فقولوا) أي ادعوا عليه ندبا
وقيل وجوبا بنحو (لا أربح الله تجارتك) فإن المسجد سوق
الآخرة فمن عكس وجعله سوقا للدنيا فحري بأنه يدعى عليه
بالخسران والحرمان وليس الوقف على قوله: لا كما يتوهمه بعض
الجاهلين - بل المراد الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان كما
صرح به مع وضوحه بعض الأعيان منهم النووي في الأذكار حيث
قال: باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالته [ص:357] في
المسجد أو يبيع فيه: ثم أورد فيه أحاديث هذا منها قال جمع
من أئمتنا: يندب لمن راى من يبيع أو يشتري أو ينشد ضالته
في المسجد أن يقول: لا أربح الله تجارتك ولا وجدت: ثم إن
هذا وما بعده من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويشترط له شروطه وإذا دعا عليه بذلك فإن انزجر وكف فذاك
وإلا كرره وعليه حمل ما وقع في حديث ثوبان من أنه يكرره
ثلاثا (وإذا رأيتم من ينشد) بفتح أوله يتطلب (فيه ضالة)
بالتاء يقع على الذكر والأنثى يقال ضللت الشيء إذا أخطأته
فلم تهتد له ويختص أصالة بالحيوان والمراد هنا شيء ضاع
(فقولوا) له (لا ردها) الله (عليك) أو لا وجدت كما في
رواية - زجرا له عن ترك تعظيم المسجد زاد مسلم: فإن
المساجد لم تبن لهذا: أي وإنما بنيت لذكر الله تعالى
والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحو ذلك ولما وضع
الشيء في غير محله ناسب الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان
معاقبة له بنقيض قصده وترهيبا وتنفيرا من مثل فعله فيكره
ذلك بالمسجد تنزيها عند الشافعي إلا لضرورة وقيده الحنفية
بما إذا أكثر ذلك فيه ونبه بذكر البيع والشراء على كل
معاملة واقتضاء حق ورام زيادة التنبيه على ذلك بذكر النشد
فإن صاحب الضالة معلق القلب بها وغيره مأمور بمعاونته فإذا
منع فغيرة من كل أمر دنيوي أولى للكلام فيمن بلغه النهي
فخالف إذا أمكنه التعلم ففرط أما غيره فمعذور فلا يدعى
عليه بل يعلم وألحق جمع - منهم الحافظ العراقي بإنشاد
الضالة تعريفها. ولذلك قال الشافعية: يعرفها على باب
المسجد قال النووي: وفيه كراهة نشد الضالة ورفع الصوت فيه.
قال القاضي: قال مالك وجمع من العلماء: يكره رفع الصوت فيه
بالعلم والخصومة وغيرهما
(ت ك) والنسائي والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن
غريب وقال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي
(1/356)
633 - (إذا رأيتم الرج ليتعزى) أي ينتسب
(بعزاء الجاهلية) أي بنسبها والانتماء إليها يقال: اعتزى
إليه أي انتسب وانتمى وتعزى كذلك (فأعضوه) أي اشتموه (بهن
أبيه) أي قولوا له: اعضض بهن أبيك أو بذكره وصرحوا بلفظ
الذكر (1) (ولا تكنوا) عنه بالهن تنكيرا وزجرا وقيل معناه
من انتسب وانتمى إلى الجاهلية بإحياء سنة أهلها واتباع
سبيلهم في الشتم واللعن والتعبير ومواجهتكم بالمنكر
فاذكروا له قبائح آبائه من عبادة الأصنام وشرب الخمر
وغيرهما صريحا لا كناية ليرتدع به عن التعرض للأعراض. وقال
ابن جرير: معنى الاعتراض هنا إنما هو دعوى القائل يا آل
فلان: أي تعريضا بنجدتهم وتذكيرا بشجاعتهم. قال: وهذا
مخصوص بغير الحرب فلا بأس بذكر القبائل فيه لأن المصطفى
صلى الله عليه وسلم أمر في وقعة هوازن العباس أن ينادي
بأعلى صوته: أين أصحاب الشجرة يا بني الحارث؟ أين الخزرج
يا كذا يا كذا؟ فهو منهي عنه إلا في هذا الموضع. وخص الأب
لأن هتك عورته أقبح
(حم ت عن أبي) بن كعب ورواه عنه أيضا الطبراني: قال
الهيتمي رجاله ثقات
_________
(1) [وليتنبه هنا أنه في حالات خاصة جدا فقط يسمح باستعمال
الألفاظ الشديدة للزجر تناسبا مع فحش خطأ المزجور مع
مراعاة صيانة اللسان قدر الإمكان عن مثل تلك الألفاظ حيث
أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى في هذا الحديث لعدم ضرورة
تصريحه بالكلام القاسي ولو في هذا الموضع بالذات. دار
الحديث]
(1/357)
634 - (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد) أي
الجلوس في المساجد التي هي جنات الدنيا لكونها أسبابا
موصلة إلى الجنان التي هي مقر أهل الإيمان أو معناه وجدتم
قلبه معلقا بها منذ يخرج منها إلى عوده إليها أو شديد الحب
لها والملازمة لجماعتها وتعهدها بالصلاة فيها كلما حضرت أو
يعمرها ويجدد ما درس منها ويسعى في مصالحها والأوجه حمله
على الكل فمن لزمها لنحو اعتكاف أو اجتهاد أو تعلق قلبه
بها أو عمرها بنحو ذكر وصلاة أو عمر ما تهدم منها وسعى في
إقامة شعارها (فاشهدوا له بالإيمان) أي اقطعوا له بأنه
مؤمن حقا في ظاهر الحال فإن الشهادة قول صدر عن مواطأة
القلب اللسان على سبيل القطع ذكره الطيبي قال ابن أبي
جمرة: وفيه أن التزكية بالقطع [ص:358] ممنوعة إلا بنص لأنه
حكم على الغيب وهو على البشر مستحيل قال: ولا ينافيه النهي
عن مدح الرجل في وجهه لأن هذه شهادة وقعت على شيء وجد حسا
والفعل الحسي يظهر دليل على الإيمان وعلة النهي عن المدح
في الوجه ممنوعة خوف الاغترار والإعجاب في هذا معدومة
لأنها شهادة بالأصل وهو الإيمان انتهى ولا يخفى تكلفه قال
ابن المسيب: ومن جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن
يقول إلا خيرا
(حم ت هـ وابن خزيمة) في صحيحه (حب ك هق عن أبي سعيد)
الخدري قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم ترجمة صحيحة
مصرية وتعقبه الذهبي بأن فيه دراج وهو كثير المناكير وقال
مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف وقضية صنيع المؤلف أن
هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الترمذي
والحاكم وغيره فإن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من
آمن بالله واليوم الآخر}
(1/357)
635 - (إذا رأيتم الرجل) في رواية أبي نعيم
بدله العبد (قد أعطي) بالبناء للمفعول أي أعطاه الله وفي
رواية أبي نعيم بدله يعطى (زهدا في الدنيا) أي استصغارا
لها واحتقارا لشأنها وأهلها (وقلة منطق) كمحمل أي عدم كلام
في غير طاعة إلا بقدر الحاجة. قال في الكشاف: والمنطق كلما
يصوت به من مفرد ومؤلف مفيد أو غيره (فاقتربوا منه فإنه
يلقى) بقاف مشددة مفتوحة (الحكمة) أي يعلم دقائق الإشارات
الشافية لأمراض القلوب المانعة من اتباع الهوى والحكمة
مثال الأمر الذي عسر بسبب فيه يسر فينال الحكيم بحكمته
لاطلاعه على أقصى مجعول الأسباب بعضها لبعض مما بين أسباب
عاجل الدنيا ومسببات أجل الآخرة ما لا يصل إليه جهد العاقل
الكادح وللناس في تعريف الحكمة أقوال كثيرة منها الإصابة
في القول وإتقان العمل وأصلها الإحكام وهو وضع الشيء في
محله بحيث يمتنع فساده ومن اتصف بذلك فأعماله منقحة
وأفعاله محكمة فإنه يرى الأشياء كما هي فإنه ينظر بنور
الله ومن كان هذا وصفه أصاب في منطقه
(هـ حل هب عن أبي خلاد) الرعيني وله صحبة وفيه هشام بن
عمار قال الذهبي عن أبي حاتم ثقة تغير فلقن كما تلقن عن
الحكم بن هشام لا يحتج به (حل) من حديث حرملة بن يحيى عن
وهب عن ابن عيينة عن عمرو بن الحارث عن ابن هبيرة عن ابن
حجيرة عن أبي هريرة ثم قال غريب بهذا الإسناد (هب عن أبي
هريرة) وفيه عنده عثمان بن صالح وفيه كلام معروف عن دراج
منكر الحديث ومن ثم قال العراقي في الحديث ضعيف
(1/358)
636 - (إذا رأيتم الرجل) ذكر الرجل غالبي
والمراد الإنسان المعصوم (يقتل صبرا) أي يمسك فيقتل في غير
معركة قال في الكشاف: وقتل الصبر أن يأخذ بيده فيضرب عنقه
(فلا تحضروا مكانه) أي لا تقصدوا حضور المحل الذي يقتل فيه
حال القتل ويحتمل النهي عن الحضور في محل قتله وقته وبعده
لالتحاق المحل بالأماكن المغضوب عليها كديار ثمود (فإنه
لعله يقتل ظلما فتنزل السخطة) أي الغضب من الله (فتصيبكم)
والمراد ما يترتب على الغضب من نزول العذاب ويؤخذ منه أنه
لو علم أنه يقتل بحق لم يكن الحضور منهيا عنه نعم إن وقع
التعدي في كيفية القتل نهى عن حضوره فيما يظهر والسخط
بالضم الغضب وفي رواية للبيهقي بدل فتنزل إلى آخره فإن
اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا ولا تقفن عند رجل
يضرب مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره انتهى
(ابن سعد) في الطبقات (طب) كلاهما (عن خرشه) بخاء معجمة
وراء وشين معجمة مقتوحات ابن الحارث المرادي من بني زبيد
وفد على [ص:359] المصطفى صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر
وحديثه حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه
(1/358)
637 - (إذا رأيتم) أي وجدتم (الذين يسبون)
أي يشتمون (أصحابي) كلهم أو بعضهم (فقولوا) لهم (لعنة الله
على شركم) قال الزمخشري: هذا من كلام المنصف الذي كل من
يسمعه من موال أو منافر قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك
فهو على وزان {وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} وقول
حسان: وشركما لخيركما الفداء والتعريض والتورية أوصل
بالمجادل إلى الغرض وأهجم على القلب وأدعى إلى القبول
وأبعث على الاستماع والامتثال ولو قال فالعنوهم لم يكن
بتلك المثابة وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه
التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمل إلى التقبل ومنه
حكي عن الشافعي أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت
لاحتجت إلى أدب. وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال ما
هو بيتي ولا بيتكم إلى هنا كلامه ولم يطلع عليه من عزاه
للطيبي كالمؤلف
(ت عن ابن عمر) ظاهر صنيع المؤلف أن الترمذي خرجه وأقره
ولا كذلك بل عقبه بأنه منكر وعزو الحديث لمخرجه مع حذف ما
أعقبه به من بيان القادح من سوء التصرف ورواه الطبراني
أيضا عن ابن عمر باللفظ المذكور قال الهيتمي وفيه سيف بن
عمر متروك
(1/359)
638 - (إذا رأيتم الجنازة) بفتح الجيم
وكسرها أي الميت في النعش (فقوموا لها) هبها مسلمة أم ذمية
ففي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة
فقام فقيل له إنه يهودي فقال أليست نفسا؟ وذلك إكراما
لقابض روحها أو لأجل ما معها من الملائكة والمراد في
الكافر ملائكة العذاب أو لصعوبة الموت وتذكره لا لذات
الميت فالقيام لتعظيم أمر الموت وإجلال حكم الله. وقال
القاضي: الباعث على القيام إما تعظيم الميت أي المسلم وإما
تهويل الموت والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يفر من رأى
ميتا رعبا منه (حتى تخلفكم) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر
اللام مشددة أي تترككم خلفها وفي نسبة ذلك إليها تجوز لأن
المخلف حاملها لا هي (أو توضع) عن الأعناق على الأرض أو في
اللحد وأو للتنويع والأمر بالقيام إنما هو للقاعد أما
الراكب فيقف وفيه أن القيام للجنازة مشروع لما ذكر وبه أخذ
جمع من السلف والخلف وتبعهم النووي في المجموع فاختار ندبه
من حيث الدليل مخالفا لما جرى عليه في روضته من الكراهة.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه أن الأمر بالقيام منسوخ
لخبر مسلم عن علي رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قام
فقمنا وقعد فقعدنا وخبر أبي داود قام في الجنازة ثم قعد.
قال القاضي: والحديث محتمل لمعنيين أحدهما أنه كان يقوم
للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا نجاوزت وبعدت عنه والثاني
أنه كان يقوم أياما ثم لم يكن يقوم بعد ذلك وعليه يكون
فعله الأخير قرينة وإمارة على أن الأمر الوارد في الخبر
للندب ويحتمل أن يكون ناسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر
وإن كان مخصوصا بنا دونه لأن الآمر لا يكون مأمورا بأمره
والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث
أنه يجب علينا الأخذ به عارضه فنسخه والأول أرحج لأن
احتمال المجاز أقرب من النسخ انتهى. ثم هذا كله في القاعد
إذا مرت به أما مشيعها فيندب أن لا يقعد حتى توضع كما جزم
به بعضهم لكن يرده ما في أبي داود والترمذي وابن ماجه عن
عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا شيع جنازة لم
يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له إنا
هكذا نصنع يا محمد فجلس وقال خالفوهم
(حم ق 4 عن عامر بن ربيعة) ورواه عنه أيضا ابن حبان
والشافعي
(1/359)
639 - (إذا رأيتم آية) علامة تبدو بنزول
بلاء ومحنة وانقشاع سحب الرحمة ومنه انقراض الأنبياء
وأزواجهم الآخذات عنهم إذ هن ذوات البركة الناقلات لنا
عنهم بواطن الشريعة ما لا يظهر عليه الرجال فبحياتهم يندفع
العذاب عن الناس [ص:360] (فاسجدوا) لله التجاءا إليه
ولياذا به في دفع ما عساه يحصل من العذاب عند انقطاع
بركتهن فالسجود لدفع الخلل الحاصل وفي خبر: أنا أمنة
لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأهل
الأرض: وأزواجه ضممن شرف الزوجية إلى شرف الصحبة فهن أحق
بهذا المعنى من غيرهن وزوال الأمنة توجب الخوف ذكره القاضي
ومنه أخذ السجود للآيات قال الطيبي: وقوله إذا رأيتم آية
فاسجدوا مطلق فإن أريد بالآية كسوف الشمس والقمر فالمراد
بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها كمجيء نحو ريح شديد وزلزلة
فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضا لما ورد
كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. إلى هنا كلامه. وما جرى
عليه من مشروعية السجود وقد يقال إن هذا الحكم في اندفاع
النقمة للذي يسن السجود له فإن موت من يدفع الله عنا
بوجوده النقمة نقمة
(د ت) كلاهما من حديث إبراهيم بن الحكم ومسلم بن جعفر عن
أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) قال عكرمة: قيل له ماتت فلانة
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي وهي صفية كما
أفصح به المظهر فخر ساجدا فقيل له تسجد هذه الساعة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره ثم قال: وأي آية
أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال الترمذي
حسن غريب واغتر به المؤلف فرمز لحسنه غفولا عن تعقب الذهبي
له في المهذب فإن إبراهيم واه وعن قول جمع: مسلم بن جعفر
لا يحتج به
(1/359)
640 - (إذا رأيتم) أي علمتم (الأمر) أي
المنكر والحال أنكم (لا تستطيعون تغييره) بيد ولا لسان
لعجزكم عن ذلك خوف فتنة أو وقوع محذور بمحترم (فاصبروا)
كارهين له بقلوبكم طالبين من الله تعالى زواله (حتى) أي
إلى أن (يكون الله هو) لا غيره (الذي يغيره) أي يزيله فلا
إثم عليكم حالتئذ إذ {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقيد
بقوله لا تستطيعون إيذانا بأن تغييره عند الاستطاعة واجب
لكن لا يصلح لذلك كما في الكشاف إلا من علم المعروف
والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر فإن
الجاهل ربما رأى معروفا فظنه منكرا وربما عرف الحكم في
مذهبه وجهله في غيره وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع
الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا
(عد هب عن أبي أمامة) وفيه كما قال الهيتمي عفير ين معدان
ضعيف وفي الميزان حديث منكر
(1/360)
641 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) أي قولوا
الله أكبر الله أكبر وكرروا كثيرا وينبغي الجهر به مخلصا
لله ممتثلا للأمر مستحضرا ما لله من عظيم القدرة (فإن
التكبير يطفئه) حيث صدر عن كمال إخلاص وقوة إيقان وتخصيص
التكبير للإيذان بأن من هو أكبر من كل شيء حري بأن يقهر
النار ويطفئها. قال النووي: ويسن أن يدعو معه بدعاء الكرب
وفي تفسير الطبري إذا كتبت أسماء أصحاب الكهف في شيء وألقى
في النار طفئت وينبغي أن يقول بسم الله الرحمن الرحمن ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه يصرف عنه البلاء
وأن يقول ما قال إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله
ونعم الوكيل
(ابن السني عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) ابن
العاص وهو من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده وحال ابن لهيعة معروف والكلام فيه مشهور ورواه عنه
أيضا الطبراني في الدعاء باللفظ المذكور وإسناده ضعيف لكن
له شواهد منها ما ذكره بقوله
(1/360)
642 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) الله
(فإنه) أي التكبير (يطفئ النار) سره أنه لما كان الحريق
بالنار وهي مادة [ص:361] الشيطان التي خلق منها وكأن فيه
من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله كان
للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها
العلو والفساد والعلو في الأرض والفساد هما هدى الشيطان
وإليهما يدعو وبهما يملك ابن آدم فالنار والشيطان كل منهما
يريد العلو والفساد وكبرياء الرب يقمع الشيطان وفعله فمن
ثم كان التكبير له التأثير في إطفاء الحريق فإنه كبرياء
الله لا يقوم له شيء فإذا كبر أثر تكبيره في خمودها قال
بعض القدماء وقد جربناه فصح
(عد عن ابن عباس) وقد رمز لحسنه وذلك لاعتضاده بما قبله
ولخبر الطبراني أطفئوا الحريق بالتكبير وخبر ابن السني إذا
وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فإنه يطفئ
العجاج الأسود. وهذا الحديث في نسخ لا تكاد تحصى ولم أره
في خط المؤلف
(1/360)
643 - (إذا رأيتم العبد) المؤمن قد (ألم)
بالتشديد أي أنزل (الله به الفقر والمرض) ظاهره أن
المصافاة الآتية إنما تترتب على هذين معا فإن ألم به
أحدهما لم يكن دليلا على المصافاة ولعل المراد خلافه وأن
الواو بمعنى أو (فإن الله) أي فاعلموا أو فالشأن أن الله
(يريد) أي أراد (أن يصافيه) أي يستخلصه لوداده ويجعله من
جملة أحبابه لأن الفقر أشد البلاء فيفعله بعبده ليدعوه
ويجأر إليه فيراه مفتقرا إليه فيجيبه إذا دعاه ويصبره إذا
ابتلاه فيصير عنده من المقربين والأمراض والآلام تطهير من
الآثام ويستوجب إفاضة صنوف الإنعام والإكرام
(فر عن علي) أمير المؤمنين
(1/361)
644 - (إذا رأيتم) النسوة (اللاتي ألقين)
بالقاف أي جعلن (على رؤوسهن مثل أسنمة البعير) بعين مهملة
جمع بعير وفي رواية كأسنمة البخت أي اللائي يجعلن على
رؤوسهن ما يكبرها وبعظمها من الخرق والعصائب والخمر حتى
تصير تشبه العمائم وأسنمة الإبل وهي جمع سنام. قال ابن
العربي: وهذا كناية عن تكبير رأسها بالخرق حتى يظن الرائي
أنه كله شعر وهو حرام ولذلك قال (فأعلموهن) أي أخبروهن
(أنه لا تقبل لهن) ما دام ذلك (صلاة) وإن حكم لها بالصحة
كمن صلى في ثوب مغصوب بل أولى لأن فاعل ذلك ارتكب حراما
واحدا وهو الغصب وهن ارتكبن عدة محرمات: التشبه بالرجال
والاسراف والاعجاب وغيرها وهذا من علامات نبوته إذ هو
إخبار عن غيب وقع ودام وفي رواية لا يدخلن الجنة قال
القاضي: ومعناه أنهن لا يدخلنها ولا يجدن ريحها حتى يدخلها
ويجد ريحها العفائف المتورعات لا أنهن لا يدخلن الجنة أبدا
لقوله في الخبر المار وإن زنى وإن سرق قال ابن العربي:
فعلى النساء أن يصغرن رؤوسهن سيما عند الخروج فإن كان
شعرها كثيرا أرسلته ولا تعظمه فإن كان بها ألم في رأسها
فأكثرت لأجله من الخمر لم تدخل في الوعيد ولم يكن عليها
حرج وإنما الحرج على من نظر إليها وظن ذلك
(طب) وكذا البزار (عن أبي شقيرة) بفتح الشين المعجمة
التميمي قال الهيتمي: فيه حماد بن يزيد عن مخلد بن عقبة
ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات وقال ابن عبد البر في إسناده
نظر
(1/361)
645 - (إذا رأيتم) في نواحي السماء (عمودا
أحمر) أي خطا يشبه العمود الأحمر يظهر (من قبل) بكسر ففتح
أي من جهة (المشرق في شهر رمضان) فإن ذلك علامة الجدب
والقحط (فادخروا) أمر إرشاد (طعام سنتكم) أي قوت عيالكم
تلك السنة التي مبدؤها ظهور ذلك لتطمئن قلوبكم وذلك لا
ينافي التوكل بدليل ادخار سيد المتوكلين المصطفى صلى الله
عليه وآله وسلم قوت عياله سنة (فإنها سنة جوع) يجوز أن
يكون ظهور ذلك علامة للقحط في تلك السنة [ص:362] ولا أثر
لظهوره فيما بعدها وهو ما عليه ابن جرير ويحتمل أنه كلما
ظهر في سنة كانت كذلك ثم هذا خطاب مشافهة فيحتمل أن يكون
خاصا بأهل الحجاز وأن الجوع يكون في إقليمهم فقط ويحتمل
العموم وحكمة التخصيص أنه لما كان نسخة لتقدير الأرزاق
وتقديرها وإقرارها على ما اقتضاه القضاء الإلهي فيستنسخ من
اللوح المحفوظ في ليلة القدر التي هي في رمضان وتسلم إلى
ميكائيل الذي هو الملك الموكل بذلك كما أخرجه محيي السنة
وغيره ناسب أن يكون ظهور العلامة في الشهر الواقع فيه
الاستنساخ وتسليم الصحف وحكمة كون ذلك على الصورة العمودية
التي هيئتها الاستطالة دون التربيع والاستدارة وغيرها من
الأشكال الإشارة إلى أنه عام يكون شره مستطيرا ويكون جدبه
مستمدا عسيرا وحكمة كونه أحمر أن الحمرة لون مذموم فقد نهى
عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان وذلك أن
الشيطان يتزين به ويؤثره على غيره من الألوان كما ورد في
عدة أخبار حسان فجعل اللون المكروه المذموم علامة على حصول
المكروه وموقع الهموم والغموم والعرب تسمي عام المحل السنة
الحمراء وتصف سنة الجدب بالطول وعليه جرى العرف العام بين
الأنام فيقال لليلة الشديدة كانت ليلة طويلة وتسمى نزع
الروح من الجسد الذي هو أعظم العذاب بالحمرة فيقال هذا هو
الموت الأحمر فلذلك جعل علامة سنة الجوع حمراء وفيه أنه لا
بأس بادخار القوت خوف الغلاء وأنه لا ينافي التوكل لكن
الكلام في ادخار غلة أرضه أو ما يشتريه لمؤنة عياله كما
يأتي والإذخار بذال معجمة إعداد الطعام لوقت الحاجة
والخطاب لأهل تلك الديار: أعني الأقطار الحجازية كما مر
ويحتمل العموم
(طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيتمي: فيه أم عبد الله بن
خالد بن معدان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات انتهى وله
شواهد منها ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث
خالد بن معدان إذا رأيتم عمودا من نار من قبل المشرق في
شهر رمضان في السماء فاتخذوا من الطعام ما استطعتم فإنها
سنة جوع وعن كثير بن مرة إني لأنتظر ليلة الحدثان في رمضان
منذ سبعين سنة قال عبد الرحمن بن جرير هي علامة تكون في
السماء يكون اختلاف بين الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام
ما استطعت وعن عبد الوهاب بن نحت بلغني أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال في رمضان آية في السماء كعمود ساطع وفي
شوال البلاء وفي القعدة الفناء وعن أبي هريرة مرفوعا تكون
آية في شهر رمضان ومن حديث خالد بن معدان أنه سيبدو عمود
من نار يطلع من قبل المشرق في شهر رمضان يراه أهل الأرض
كلهم فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة وعن كثير بن مرة
آية الحدثان في رمضان علامة في السماء بعدها اختلاف الناس
فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت قال أبو جعفر ولا
يكون ذلك إلا بعد انكساف الشمس والقمر وفي ذلك العام يغار
على الحاج
(1/361)
646 - (إذا رأيتم المداحين) أي الذين
صناعتهم الثناء على الناس والمدح كما في الصحاح الثناء
الحسن قال التبريزي من قولهم تمدحت الأرض إذا اتسعت فكان
معنى مدحته وسعته شكرا (فاحثوا في وجوههم التراب) الحثو في
التراب بمنزلة الصب في الماء والمراد زجر المادح والحث على
منعه من المدح لإيرائه الغرور والتكبر أو أنه يخيب ولا
يعطي أو معناه أعطوهم قليلا يشبه التراب لقلته وخسته أو
اقطعوا ألسنتهم بالمال فإنه شيء حقير كالتراب وهذا يؤذن
بذم الاحتراف بالشعر وقيل لا تؤاخ شاعرا فإنه يمدحك بثمن
ويهجوك مجانا قال بعضهم:
الكلب والشاعر في منزل. . . فليت أني لم أكن شاعرا
هل هو إلا باسط كفه. . . يستطعم الوارد والصادرا؟ [ص:363]
(حم خد م ت عن المقداد) بكسر الميم (ابن الأسود طب هب عن
ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عمرو) ابن العاص (الحاكم في
الكنى) والألقاب (عن أنس) قال الهيتمي رجال أحمد والطبراني
رجال الصحيح
(1/362)
647 - (إذا رأيتم هلال ذي الحجة) بكسر
الحاء أفصح من فتحها أي علمتم بدخوله (وأراد أحدكم أن يضحي
فليمسك عن شعره وأظفاره) أي فليجتنب المضحي إزالة شعر نفسه
ليبقى كامل الجزاء فيعتق كله من النار. قال التوربيشي: كأن
سر ذلك أن المضحي يجعل أضحيته فدية لنفسه من العذاب حيث
رأى نفسه مستوجبة العقاب وهو القتل ولم يؤذن فيه ففداها
وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه فلذلك نهى عن إزالة
الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة
وفيضان النور الإلهي لتتم له الفضائل وينزه عن النقائص
والرذائل. وأخذ بظاهره أحمد فحرم إزالة ذلك حتى يضحي
وخالفه الأئمة الثلاثة لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجتنب ذلك وهو متواتر وأما
خبر أم سلمة هذا فقيل بوقفه وفيه حجة للشافعي أن الأضحية
لا تجب إذ التعليق بالإرادة ينافي الوجوب وأوجبها الحنفية
على من ملك نصابا كما مر
(م عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها
(1/363)
648 - (إذا رأيتم) خطاب مشافهة وقع للصحابة
والمراد به غيرهم من أمته ممن سيكون في آخر الزمان بدليل
جعله في خبر آخر من أشراط الساعة (الرايات السود) جمع راية
وهي علم الجيش (قد جاءت من قبل خراسان) أي من جهتها. قال
ابن كثير: ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم
الخراساني فأسلب بها دولة بني أمية بل رايات تأتي صحبة
المهدي (فأتوها) للقتال معها والنصرة لأهلها وزاد في رواية
ولو حبوا على الثلج (فإن فيها خليفة الله) محمد بن عبد
الله (المهدي) الجائي قبل عيسى عليه الصلاة والسلام أو معه
وقد ملئت الأرض ظلما وجورا فيملؤها قسطا وعدلا ويمكث في
الخلافة خمسا أو سبعا أو تسعا ولا أصل كما قال المؤلف لقول
القرطبي إن ظهوره يكون بالمغرب ولا حاجة للأصالة بإيراد
ترجمته وأخباره لأن أعلام الأمة وحملة السنة المتقدمين
اعتنوا بجمعها بما يتحصل منه في جملة مجلدات سيما ابن أبي
شيبة وابن خزيمة وأبو داود وابن حبيب وابن دريد وجمع لا
يحصون من علماء الرواية والدراسة وأفردت أخباره يتآليف
عشرة أو تزيد وجاء ابن بريدة فجمع زبدها في مجلد حافل سماه
العواصم عن الفتن القواصم فمن أكثر من أخباره في شرح هذا
الحديث فما أراد إلا تكثير السواد لقلة الأمداد قال
الحراني: والخليفة ذات قائم بما يقوم به المستخلف على حسب
مرتبة ذلك الخليفة منه انتهى وكل من استخلفه الله في عمارة
الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم فهو
خليفة لكن لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه بل لقصور
المستخلف عليه عن قبول فيضه وتنفيذ أمره (فإن قلت) ما حكمة
إضافته إلى الله وهلا قال الخليفة؟ قلت هو إشارة إلى أنه
إنسان كامل قد تجلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل ومحل
الاجتهاد والفتوة بحيث لم يفته إلا مقام النبوة وفيه رد
على الطيبي كمتبوعه في ذهابهم إلى امتناع أن يقال خليفة
الله لغير آدم وداود عليهما السلام
(حم ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم من حمير
أو مذبح أو السراة اشتراه المصطفى صلى الله عليه وسلم
وأعتقه ولم يزل يخدمه سفرا وحضرا وفيه علي بن زيد بن جذعان
نقل في الميزان عن أحمد وغيره تضعيفه ثم قال الذهبي أراه
حديثا منكرا وأورده ابن الجوزي في الموضوعات قال ابن حجر
ولم يصب إذ ليس فيه متهم بالكذب انتهى وأما خبر ولا مهدي
إلا عيسى بن مريم قال الذهبي واه والحاكم ورده متعجبا لا
محتجا والنسائي منكر وبفرض صحته يحتمل أنه سقط منه لفظ زمن
بعد إلا وهو مضمر [ص:364] فيه أو معناه لا مهدي كاملا
معصوما
(1/363)
649 - (إذا رأيتم الرجل) يعني الإنسان
(أصفر الوجه من غير مرض ولا علة) أو مرض لازم أو حدث شاغل
لصاحبه عن وجهه كأن تلك العلة صارت شغلا له منعه عن شغله
الأول كما في الصحاح وغيره فبين المرض والعلة عموم وخصوص
وليس هو من العطف التفسيري كما وهم (فذلك) أي الاصفرار
المفهوم من أصفر (من غش) بالكسر عدم نصح (للإسلام في قلبه)
أي من إضماره عدم النصح والغل والحقد والحسد للمسلمين يعني
أن ذلك الاصفرار علامة تدل على ذلك الإضمار وقد مر أن ذلك
يحتمل كونه في جماعة من أهل زمانه من المنافقين أو من
اليهود. نعم يظهر أن المخاطب بقوله إذا رأيتم أرباب القلوب
ذوو الإيمان الكامل فيهم الذين يدركون ذلك فقد قال
الغزالي: حقيقة الكفر والإيمان وحدهما والحق والضلال
وسرهما لا ينجلي للقلوب الدنسة بطلب المال والجاه وحبهما
فكيف بقلوب امتلأت من سحت الدنيا أولا ثم صدئت بالخلاعة من
أبنائها ثانيا ثم شحت بالغناء المكدر للأوقات ثالثا ثم
زوجت بالسهو واللهو رابعا ثم شغلت بالانخلاع من حدود الشرع
وملازمة خطوات الشيطان خامسا ففاضت منها حرارات الأدناس
وعمارات الأوصال وصارت كأنها سراب الحمام في بواليع الحجام
انتهى
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن
أنس) بن مالك (وهو مما بيض له) أبو المنصور (الديلمي) في
مسند الفردوس لعدم وقوفه على سنده وراويه عن أنس مجهول كما
قاله بعض الفحول وقال ابن حجر لا أصل له إن أراد لا أصل له
في صحة ولا حسن وإلا فمسلم وإلا فممنوع
(1/364)
650 - (إذا رجف) تحرك واضطرب (قلب المؤمن
في سبيل الله) أي عند قتال الكفار (تحاتت) تساقطت (خطاياه)
أي ذنوبه (كما يتحات عذق النخلة) بمهملة فمعجمتين كغلس
النخلة بحملها وبكسر فسكون العرجون بما فيه من الشماريخ
وهو المراد هنا وفي القاموس القنو وفي إفهامه ترغيب عظيم
في الجهاد وإبانة لفضله على كثير من العبادات
(طب) وكذا في الأوسط (حل) كلاهما (عن) أبي عبد الله
(سلمان) الفارسي رمز لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ
الهيتمي بأن فيه عمرو بن الحصين وهو ضعيف انتهى وقال
الذهبي عمرو متروك وقد تفرد به عن عبد العزيز بن مسلم وفيه
جهالة
(1/364)
651 - (إذا رددت على السائل) أي الطالب منك
عطاءا (ثلاثا) من المرات معتذرا عن عدم إعطائه (فلم يذهب)
لجاجا وعنادا (فلا بأس) أي لا كراهة وفي رواية فلا عليك
(أن تزبره) أي تزجره وتنهره بنحو لا بارك الله فيك لتعديه
بما لا يحل له وتخطيه ما هو واجب عليه من عدم الإلحاح في
المسألة وظاهره أنه لا ينهر قبل ثلاث فعلى السائل أن يحمد
الله ويجمل في الطلب ولا يلح في المسألة فإن خالف استحق
النهر وقيل ليس المراد بالسائل هنا المستجدي بل طالب العلم
إذا جاء لفقهه فلا تنهره فإن كرر السؤال أولا وثانيا فإن
أجبته وعاد السؤال ثالثا دل على تعنته فازجره لتعديه الأدب
واقتحامه النهي الوارد في الخبر الآتي: إذا قعد أحدكم إلي
أخيه فليسأله تفقها ولا يسأله تعنتا
<تنبيه> أشعر قوله لا بأس أي لا كراهة أن الأولى عدم زبره
لعموم قوله تعالى {وأما السائل فلا تنهر} ولهذا قال
الحريري:
ولا تزجر ذوي سؤال. . . لبني أم في السؤال حتف [ص:365]
(قط في الأفراد) عن إسماعيل الوراق عن الوليد بن الفضل عن
عبد الرحمن بن حسين عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) ثم
قال الدارقطني تفرد به الوليد وهو يروي المناكير التي لا
يشك أنها موضوعة انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه
المؤلف بأن الديلمي رواه من طريق آخر (طس عن أبي هريرة)
قال الهيتمي: فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف وقال أبو حاتم صدوق
يكتب حديثه ولا يحتج به
(1/364)
652 - (إذا ركب أحدكم الدابة فليحملها) أي
فليسيرها أو فليسر بها (على ملاذه) بفتح الميم وخفة اللام
وشد المعجمة بضبط المؤلف جمع ملذة بفتح الميم وهي موضع
اللذة أي على ما يشتهي من نحو السرعة بحيث لا يضرها وفي
رواية ملاذها أي ليجرها في السهولة لا الحزونة وأصل اللذة
سرعة المشي والذهاب (فإن الله تعالى يحمل على القوي
والضعيف) أي اعتمد على الله وسير الدابة سيرا وسطا في
سهولة ولا تغتر بقوتها فترتكب العسف والعنف في تسييرها
فإنه لا قوة لمخلوق إلا بالله ولا ينظر إلى ضعفها فيقعد مع
القاعدين ويترك الحج والجهاد إشفاقا من عدم طاقتها بل
اعتمد على الله سبحانه وتعالى فهو الحامل وهو المعين
(قط في الأفراد عن عمرو بن العاص) بإسناد ضعيف
(1/365)
653 - (إذا ركبتم هذه الدواب) وفي نسخة
البهائم (العجم) بضم فسكون (فانجوا عليها) أي أسرعوا
والنجاء بالمد والقصر السرعة أي اطلبوا النجاء من مفاوزكم
بسرعة السير عليها سواء كانت سنة جدب أو لا إذ الطريق يطلب
الإسراع في قطعه حيث المرعى موجود والقدرة حاصلة ثم فصل
أحوال السير بقوله (فإذا كانت سنة) بالتحريك أي جدباء بحيث
لم يكن في طريقكم ما ترعاه لو تأنيتم (فانجوا) أي أسرعوا
أي زيدوا في الإسراع بحيث لا يضرها (وعليكم بالدلجة) بالضم
والفتح أي الزموا سير الليل وأولج مخففا سار من أول الليل
ومشددا من آخره ومنهم من جعل الإدلاج لليل كله ولعل المراد
بقوله (فإنما يطويها الله) أي لا يطوي الأرض للمسافر فيها
حينئذ إلا الله عز وجل إكراما له حيث أتى بهذا الأدب
الشرعي (فإن قلت) قد أمر بالنجاء على الدابة والأمر مطلق
فكيف خصه بعد ذلك بما إذا كانت سنة؟ (قلت) أمر أولا في
شأنها بأمر واحد وهو السرعة عليها هبه في جدب أو خصب وأمر
ثانيا فيما إذا كان جذب بأمرين السرعة والدلجة معا قال
الزمخشري: ومن المجاز طوى الله عمره ويطوي الله لك البعيد
وهو يطوي البلاد
(طب عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشد
الفاء مفتوحة قال الهيتمي رجاله ثقات
(1/365)
654 - (إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها)
أي نصيبها (من المنازل) التي اعتيد النزول فيها أي أريحوها
فيها لتقوى على السير (ولا تكونوا عليها) أي على الدواب
(شياطين) أي لا تركبوها ركوب الشياطين أو لا تستعملوها
استعمال الشياطين الذين لا يراعون الشفقة على خلق الله
وفيه حث على الرفق بالدواب والنهي عن مخالفة ما أمر به
الشرع. والمنازل جمع منزل وهو موضع النزول
(قط في الأفراد عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه
[ص:366] الدارقطني خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بأن خارجة
بن مصعب أحد رواته ضعيف وقال الذهبي واه
(1/365)
655 - (إذا زار) أي قصد (أحدكم أخاه) في
الدين للزيارة إكراما له وإظهارا لمودته وشوقا للقائه
(فجلس عنده) أي في محله والفاء سببية أو تعقيبية وفيها
معنى الواو على وجه (فلا يقومن حتى يستأذنه) أي لا يقوم
لينصرف إلا بإذنه لأنه أمير عليه كما في الخبر المار ولئلا
يفوته ما عساه يشرع فيه من إكرامه بنحو ضيافة والأمر للندب
وهذا من مكارم الأخلاق وحسن الإخاء والزيارة عرفا قصد
المزور إكراما له وإيناسا به وآدابها بضعة عشر أن لا يقابل
الباب عند الاستئذان وأن يدقه برفق وأدب وأن لا يبهم نفسه
كأن يقول أنا وأن لا يحضر في وقت غير لائق كوقت الاستراحة
مع الأهل والخلوة بهم ويخفف الجلوس ويغض البصر ويظهر الرقة
ويدعو بإخلاص ويقبل إكرام المزور ويوسع للمريض في الأجل
ويطمعه في الحياة ولا يتكلم عنده بما يزعجه ويشير إليه
بالصبر ويحذره من الجزع ويطلب منه الدعاء وما اعتيد من ختم
مجلس الزيارة بقراءة الفاتحة فهو حسن. قال بعضهم: لكن لم
يرد بخصوصه خبر ولا أثر وورد في الأثر أن السلف كانوا
يتفرقون عن قراءة سورة والعصر
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه من لا يعرف
(1/366)
656 - (إذا زار أحدكم أخاه) في النسب أو
الدين (فألقى) المزور للزائر يعني فرش (له شيئا يجلس عليه)
يقيه (من التراب) ونحوه (وقاه الله) تعالى (عذاب النار)
دعاء أو خبر أي فكما وقى أخاه عما يشينه من الأقذار في هذه
الدار إكراما له يجازيه الله بالوقاية من النار جزاء وفاقا
والجزاء من جنس العمل لكن هذا يجب تنزيله على إنسان امتثل
المأمورات وتجنب المنهيات لكن فرط منه صغائر فهذه هي التي
يكون إكرام الزائر وقاية منها من النار أما مرتكب الكبائر
فهيهات هيهات وكما يستحب للمزور إكرام الزائر بنحو بسط
الفراش يندب للزائر قبول ذلك لما رواه البيهقي وغيره عن
علي مرفوعا لا يأبى الكرامة إلا حمار وصحح بعضهم وقفه
(طب عن سلمان) الفارسي رمز لضعفه وذلك لأن فيه سويد بن عبد
العزيز متروك
(1/366)
657 - (إذا زار أحدكم قوما) مثلا والمراد
زار بعض إخوانه متعددا أو واحدا (فلا يصل بهم) أي لا يؤمهم
في منزلهم بغير إذنهم لأن رب الدار أولى بالتقدم (وليصل
بهم) ندبا (رجل منهم) لأن أصحاب المنزل أحق بالإقامة فإن
قدموه فلا بأس والمراد بصاحب المنزل مالك منفعته ولا
ينافيه خبر من زار قوما فليؤمهم لحمله على الإمام الأعظم
(حم 3 عن مالك بن الحويرث) مصغر الحارث الليثي من أهل
البصرة له وفادة قال الترمذي حسن صحيح
(1/366)
658 - (إذا زخرفتم مساجدكم) أي حسنتموها
بالنقش والتزويق قال الراغب: الزخرف الزينة المزوقة ومنه
قيل للذهب زخرف وفي الصحاح الزخرف الذهب ثم شبه به كل مموه
مزوق (وحليتم) زينتم (مصاحفكم) بالذهب والفضة جمع مصحف
مثلث الميم وأصله الضم كما في الصحاح لأنه مأخوذ من أصحف
أي جمعت فيه الصحف أي الكتب (فالدمار) بفتح الدال المهملة
مخففا الهلاك. قال الزمخشري: الدمار الهلاك المستأصل
(عليكم) دعاء أو خبر فزخرفة المساجد وتحلية المصاحف منهي
عنها لأن ذلك يشغل القلب ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور
مع الله تعالى والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد ولو
الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقا وبغيرهما مكروه ويحرم مما
وقف عليه وأن تحلية [ص:367] المصحف بذهب يجوز للمرأة لا
للرجل وبالفضة يجوز مطلقا
(الحكيم) الترمذي وكذا ابن المبارك في الزهد (عن أبي
الدرداء) بإسناد ضعيف
(1/366)
659 - (إذا زلزلت) أي سورتها (تعدل) تماثل
وعدل الشيء بالكسر مثله من جنسه أو قدره وبالفتح ما يقوم
مقامه من غير جنسه (نصف القرآن وقل يا أيها الكافرون) أي
سورتها (تعدل ربع القرآن) لأن المقصود الأعظم بالذات من
القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر
المعاد مستقلة ببيان أحواله فعادلت نصفه ذكره القاضي ولأن
القرآن كله يشتمل على أحكام الشهادتين في التوحيد والنبوة
وأحوال النشأتين وذلك أربعة أقسام والكافرون مقصورة على
التوحيد فهي ربع لتضمنها البراءة من الشرك والتدين بدين
الحق وهذا هو التوحيد الصرف (وقل هو الله أحد تعدل ثلث
القرآن) لأن معاني القرآن آيلة إلى ثلاثة علوم علم التوحيد
وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس والإخلاص
تشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للأخيرين وهو
علم التوحيد والتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي ما
سواه وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي
عبادة غيره والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس
وبين المرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث
والربع قال التوربشتي: ونحن وإن سلكنا هذه المسالك بمبلغ
علمنا نعتقد أن شأن ذلك على الحقيقة وإنما يتلقى عن الرسل
فإن ذلك ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن
خفيات العلوم فأما القول الذي تحوم حوله على مقدار فهمنا
وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال
انتهى وأخذ بعضهم بظاهر الحديث فقال: معناه إن ثواب
قراءتها مضاعفة بقدر ثواب قراءة نصفه وربعه وثلثه لكن
قراءة جميع القرآن له بكل حرف عشر حسنات وهذا بغير تضعيف.
قال ابن حجر: وقوله بغير تضعيف لا دلالة عليه وحديث مسلم
يدل للإطلاق
(ت) واستغربه (ك هب عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وتعقبه
الذهبي في التلخيص بأن فيه يمان بن المغيرة ضعفوه وقد قال
الترمذي لا يعرف إلا من حديثه وفي المغني هو واه بمرة وفي
الميزان منكر وقال المناوي ليس الأمر كما زعم الحاكم بل
ضعيف وفي الفتح فيه يمان وهو ضعيف عندهم
(1/367)
660 - (إذا زنى العبد) أي أخذ في الزنا
(خرج منه الإيمان) أي نوره أو كماله (فكان على رأسه
كالظلة) بضم الظاء وشد اللام السحابة فلا يزول حكمه ولا
يرتفع عنه اسمه ما دام فيه لأن للإيمان أنوارا في القلب
وآثارا في الجوارح فيقبل عند مقارفة المعاصي ويظلم عند
التلبس بالذنوب والمؤمن لا يزني إلا إذا استولى شبقه
واشتعلت شهوته بحيث تغلب إيمانه وتشغله عنه فيصير في تلك
الحالة كالفاقد للإيمان لا يرتفع عنه اسمه ولا يزول حكمه
بل هو في كنف رعايته وظل عصمته والإيمان مظل عليه كالظلة
وهي أول سحابة تظل على الأرض فإذا فرغ منه زال الشبق
المعاوق عن الثبات على ما يأمره إيمانه والموجب لذهوله
ونسيانه عاد الإيمان وأخذ في القوة والازدياد كما قال
(فإذا أقلع) أي نزع عن المعصية وتاب منها توبة صحيحة
بشروطها ومنها أن يستحل حليل المزني بها على ما قيل لكنه
عليل بل القويم اغتفاره لما يترتب على أعماله به من
المفاسد (رجع إليه) الإيمان أي نوره وكماله فالمسلوب اسم
الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ولا يلزم من ثبوت جزء من
الإيمان أن يسمى مؤمنا كما أن من يكون معه جزء من الفقه لا
يسمى فقيها فكذا يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا
فالحديث على ظاهره ولا ملجئ لتأويله وأما ما هنا من
المحامل كحمله على [ص:368] المستحل أو أنه خرج مخرج الزجر
والتنفير أو على الحياء أو نزع اسم المدح فرخصة ووصف
الإيمان بالخروج والدخول مجاز استعمل هنا على وجه
الاستعارة والتشبيه
(هـ) في السنة (ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال الحاكم
صحيح وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه صحيح
(1/367)
661 - (إذا سأل أحدكم) ربه (الرزق) أي إذا
أراد سؤال الرزق أي طلبه من الرزاق (فليسأل) ربه أن يعطيه
الشيء (الحلال) أي القوت الجائز تناوله وأن يبعده عن
الحرام فإنه يسمى رزقا عند الأشاعرة خلافا للمعتزلة فإذا
أطلق سؤال الرزق شمله أو المراد إذا طلب أحدكم من الناس
التصدق عليه فلا يطلب إلا ممن يغلب على ظنه أنه إنما يعطيه
من الحلال أو المراد يسأل سؤالا فلا يلح في المسألة ولا
يكلف المسؤول ما لا يقدر عليه ولا يؤذيه
(عد عن أبي سعيد) بإسناد ضعيف
(1/368)
662 - (إذا سأل أحدكم ربه مسألة) مصدر ميمي
بمعنى اسم المفعول أي طلب شيئا منه (فتعرف) بفتحتين ثم راء
مشددة (الإجابة) أي تطلبها حتى عرف حصولها بأن ظهرت له
أمارة الإجابة من نحو قشعريرة وبكاء وأنس (فليقل) ندبا
شكرا لله عليها (الحمد لله الذي بنعمته) أي بكرمه وفضله
ومنته (تتم) تكمل (الصالحات) أي النعم الحسان التي من
جملتها حصول المسؤول أو قربه (ومن أبطأ) أي تأخر (عنه) فلم
يسرع إليه (ذلك) أي تعرف عدم الإجابة (فليقل) ندبا (الحمد
لله على كل حال) أي كل كيف من الكيفيات التي قدرها الله
فإن أحوال المؤمن كلها خير وقضاء الله بالسراء والضراء
رحمة ونعمة ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه
بالسراء وهو أعلم بما يصلح به عبده ونبه بهذا الحديث على
أن على العبد أن يحمد الله على السراء والضراء وعلى أن
للصابرين حمدا يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وأن
للشاكرين حمدا يخصهم وهو الحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات. وهكذا كان هديه وعادته يحمد الله على السراء
والضراء بما ذكر. والتأسي به أولى من أن يستنبط حمدا آخر
فإنه لا أعلى مما وضعه العالم الأكبر الأكمل الذي شهد له
الحق تعالى بالعلم وأكرمه بختم النبوة وزعامة الرسالة
(هق) في الدعوات (عن أبي هريرة) وللحاكم نحوه من حديث
عائشة قال الحافظ العراقي وإسناده ضعيف
(1/368)
663 - (إذا سألتم الله تعالى) أي أردتم
سؤاله (فاسألوه الفردوس) لفظ سرياني أو رومي أو قبطي (فإنه
سر الجنة) بكسر السين وشد الراء: أفضل موضع فيها والسر جوف
كل شيء ولبه خالصه والمراد أنه وسط الجنة وأوسعها وأعلاها
وأفضلها والوسط أبعد من الخلل والآفات من الأطراف. قال ابن
القيم: والجبة مقببة أعلاها أوسعها وكلما علت اتسعت وهذا
الحديث ورد بألفاظ أخر منها ما في الصحيحين إذا سألتم الله
فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلا الجنة أي في
الارتفاع وفوقه عرش الرحمن واستشكل بخبر أحمد عن أبي هريرة
مرفوعا إذا صليتم علي فاسألوا الله لي الوسيلة أعلى درجة
في الجبة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو وفي
حديث آخر الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فاسألوا
الله لي الوسيلة فقضيته أن الوسيلة أعلى درجات الجنة وهي
خاصة به فهي أعلى الفردوس وجمع بأن الفردوس أعلى الجنة
وفيه درجات أعلاها الوسيلة ولا مانع من انقسام الدرجة
الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض ثم إن مما ذكر من
الأمر بسؤال الفردوس لا يعارضه خبر إذا سألتم الله فاسألوه
العفو والعافية لأن المراد السؤال لكل مطلوب لكن الأول
أخروي والثاني عام
(طب) وكذا البزار (عن العرباض) [ص:369] بكسر العين المهملة
وسكون الراء بعدها موحدة وأخرى معجمة ابن سارية السلمي أبي
نجيح صحابي كوفي قال الهيتمي ورجاله وثقوا انتهى وبه يعلم
أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وحق الرمز لصحته وظاهر صنيع
المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند
مخرجه الطبراني عليك بسر الوادي فإنه أمرعه وأعشبه انتهى
بلفظه. والحديث رواه البخاري أي بلفظ إذا سألتم الله
فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش
الرحمن
(1/368)
664 - (إذا سألتم الله تعالى) جلب نعمة
(فاسألوه ببطون) قال الطيبي: الباء للآلة ويجوز كونها
للمصاحبة كما مر (أكفكم) لا بظهورها فإنه غير لائق بالأدب
ولذلك زاد الأمر تأكيدا بتصريحه بالنهي عن ضده فقال (ولا
تسألوه بظهورها) وذلك لأن من عادة من طلب شيئا من غيره أن
يمد بطن كفه إليه ليضع النائل فيها كما مر ولأن أصل شرعية
الدعاء إظهار الانكسار بين يدي الجبار والثناء عليه
بمحامده والاعتراف بغاية الذلة والمسكنة وذلك ابتهال قولي
ولا بد في كمال إظهار الانكسار والافتقار من ضم الابتهال
الفعلي إليه وذلك بمد بطن الكف على سبيل الضراعة إليه
ليصير كالسائل المتكفف لأن يملأ كفه بما يسد به حاجته ولا
ينافيه خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار
بظهر كفه إلى السماء لأن معناه رفعها رفعا تاما حتى ظهر
بياض إبطيه وصارت كفاه محاذيتين لرأسه ملتمسا إلى أن يغمره
برحمته وذلك لمساس الحاجة إلى الغيث عند الجدب {وهو الذي
ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}
أما لو دعى بدفع نقمة فبظهورها كما في أخبار كثيرة
(د) في الدعاء (عن مالك بن يسار السكوني) بفتح المهملة وضم
الكاف وسكون الواو آخره نون نسبة إلى السكون بطن من كندة
نسب إليها خلق كثير منهم هذا وهو العوفي يعد في الشاميين.
قال في المنار: ولا يعرف له غير هذا الحديث كما قال ابن
السكن لكنه ثقة لكن فيه ضمضم الحضرمي ضعفه أبو زرعة ووثقه
غيره (هـ هب ك) في الدعاء (عن ابن عباس وزاد) أي الحاكم في
رواية عنه (فامسحوا بها وجوهكم) أي في غير القنوت فلا يمسح
وجهه فيه كما في سنن البيهقي قال لأنه لم يثبت فيه خبر ولا
أثر ولا قياس وأما الصدر فلا يندب مسحه قطعا بل نص جمع على
كراهته ذكره في الروضة وفيه رد على ابن عبد السلام في قوله
لا يمسح وجهه إلا جاهل ومن ثم قيل هي هفوة من عظيم وقد رمز
المؤلف لحسنه وإنما لم يصح لأن فيه من الطريق الأولى من
ذكر ومن طريق الحاكم سعيد بن هبيرة اتهمه ابن حبان ولهذا
رد الذهبي على الحاكم تصحيحه
(1/369)
665 - (إذا سئل) بالبناء للمفعول بضبط
المؤلف (أحدكم أمؤمن هو فلا يشك في إيمانه) أي فلا يقل
مؤمن إن شاء الله لأنه إن كان للشك فهو كفر لا محالة أو
للتبرك والتأدب وإحالة الأمور على مشيئته تعالى أو للشك في
العاقبة والمآل لا في الآن والحال أو للتبرئ عن تزكية نفسه
والاعجاب بحاله فالأولى تركه عند الجمهور ومنعه الحنفية
لإيهامه الشك في التأخر. قال التفتازاني: والحق أنه لا
خلاف في المعنى لأنه إن أريد بالإيمان مجرد حصول المعنى
فهو حاصل حالا وما يترتب عليه النجاة والثمران فهو من
مشيئة الله ولا قطع بحصوله حالا
(طب عن عبد الله بن زيد الأنصاري) الأوسي ثم الخطمي كوفي
شهد الحديبية قال الهيتمي وفيه أحمد بن بديل وثقه النسائي
وضعفه أبو حاتم أي فالحديث حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه
(1/369)
666 - (إذا سافرتم) خص السفر لقضية السبب
ةالحكم عام (فليؤمكم) ندبا والصارف عن الوجوب الاجماع
(أقرؤكم) [ص:370] يعني أفقهكم والأقرأ من الصحب كان هو
الأفقه فلا حجة فيه لأبي حنيفة وأحمد في تقديم الأقرأ على
الأفقه (وإن كان أصغركم) سنا وفيه حث على الجماعة حتى
للمسافر ولا يسقط طلبها بمشقة السفر وأن الإمامة أفضل من
الأذان وعليه الرافعي قيل وصحة إمامة الصبي وهو في حيز
المنع إذ الظاهر من الحديث المراد تقدم الأقرأ على الأسن
على أن تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال (وإذا أمكم) بالتشديد
أي كان أحق بإمامتكم فهو أميركم أي فهو أحق بالآمرية
المأمور بها في السفر على بقية الرفقة لأن من ارتضى لأمر
الدين أحق بالتقدم في أمر الدنيا بالأولى فمحصول ذلك أن
الأقرأ أحق بالإمامة على غيره وإن كان أسن
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال في المطامح حديث حسن
لا بأس برواته وقال الهيتمي في موضع إسناده حسن وفي آخر
فيه من لم أعرفه انتهى وقد رمز المؤلف لحسنه
(1/369)
667 - (إذا سافرتم في الخصب) بكسر الخاء
المعجمة وسكون المهملة زمن كثرة النبت والعلف (فأعطوا
الإبل) ونحوها من الخيل والبغال والحمير وخص الإبل لأنها
غالب مراكب العرب (حظها) أي نصيبها (من الأرض) أي من
نباتها بأن تمكنوها من الرعي في بعض النهار وفي أثناء
السير جعله حظا لأن صاحبها إذا أحسن رعيها سمنت وحسنت في
عينه فينفس بها ولم ينحرها ذكره الزمخشري وفي رواية بدل
حظها حقها قال القاضي: حظها من الأرض رعيها فيها ساعة
فساعة (وإذا سافرتم في السنة) بفتح المهملة الجدب والقحط
وانعدام النبت أو قلته (فأسرعوا عليها السير) لتصل المقصد
وبها بقية من قوتها لفقد ما يقويها على السير. قال القاضي:
معناه إذا كان الزمان زمان قحط فأسرعوا السير عليها ولا
تتعوقوا في الطريق لتبلغكم المنزل قبل أن تضعف وقد صرح
بهذا في رواية أخرى وهي إذا سافرتم في السنة فبادروا بها
نقيها وأسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقى وهو
المخ (وإذا عرستم) بالتشديد نزلتم (بالليل) أي آخره لنحو
نوم واستراحة والتعريس نزول المسافر للاستراحة آخر الليل
(فاجتنبوا الطريق) أي اعدلوا وأعرضوا عنها وانزلوا يمنة أو
يسرة (فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام) أي محل ترددها
(بالليل) لتأكل ما فيه من الرمة وتلتقط ما سقط من المارة
من نحو مأكول فينبغي التعريج عنها حذرا من أذاها <تنبيه>
ما جرى عليه المؤلف من سياقه الحديث هكذا هو ما وقع لبعضهم
وقد سقط منه شيء فإما أن يكون سقط في بعض الروايات وإما من
قلمه سهوا والذي عزاه النووي في رياضه إلى مسلم وأبي داود
والترمذي والنسائي ما نصه إذا سافرتم في الخصب فأعطوا
الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها
السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها
طريق الدواب ومأوى الهوام باللبل انتهى. قال النووي: قوله
نقيها بكسر النون وسكون القاف فمثناة تحت أي مخها ومعناه
أسرعوا حتى تصلوا قصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير
والتعب وفيه حث على الرفق بالدواب ورعاية مصلحتها وحفظ
المال وصيانة الروح والتحذير من المواضع التي هي مظنة
الضرر والأذى ويكره النزول بالطريق نهارا أيضا وخص الليل
لأنه أشد كراهة والهوام جمع هامة ما له سم يقتل كحية وقد
يطلق على ما لا يقتل كالحشرات على الاستعارة بجامع الأذى
(م د ت عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه
(1/370)
668 - (إذا سبب الله تعالى) أي أجرى وأوصل
وأصل السبب حبل يتوصل به إلى الماء فاستعير لكل ما يتوصل
به إلى شيء (لأحدكم رزقا من وجه) أي حال من الأحوال (فلا
يدعه) أي لا يتركه ويعدل لغيره (حتى يتغير) في [ص:371]
رواية يتنكر (له) أي يتعسر عليه ويجد عليه موانع سماوية
وحواجر إلهية فإذا صار كذلك فليتحول لغيره أي الرزق فإن
أسباب الرزق كثيرة فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك
الاعتراض على الحال فلا يريد خلاف ما يراد له ولا يختار
خلاف ما يختاره له {وربك يخلق ما يشاء ويختار} قال في
الحكم: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من
الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في
التجريد انحطاط عن الهمة العلية وسوابق الهمم لا تخرق سور
الأقدار أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم
به لنفسك وما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت
شيئا غير ما أظهره الله لا تطلب منه أن يخرجك من حال
ليستعملك فيما سواها فلو أراد لاستعملك من غير إخراج وقد
خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله فيك لا مع
مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شيء ولا تدبر شيئا وإن
كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه
صلاحك لا فيما علمت أنت
(حم هـ) من حديث الزبير بن عبد الله عن نافع (عن عائشة)
قال نافع كنت أتجهز إلى الشام ومصر فتجهزت إلى العراق
فنهتني أم المؤمنين وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول فذكره رمز لحسنه والأمر بخلافه فالزبير قال
الذهبي لا يعرف وقال العراقي إسناده فيه جهالة وقال
السخاوي ضعيف
(1/370)
669 - (إذا سبقت للعبد من الله منزلة) أي
إذا منحه في الأزل مرتبة متعالية في الآخرة (لم ينلها
بعمله) لقصوره عن إبلاغه إياها لضعفه وقلته وسموها ورفعتها
(ابتلاه الله في جسده) بالأسقام والآلام (وفي أهله) بالفقد
أو عدم الاستقامة وتلوينهم عليه والواو فيه وفيما بعده
بمعنى أو في حق البعض وعلى بابها في حق البعض (وماله) لفقد
أو غيره وأعاد في الأهل لموازنته بالجسد وحذفه من المال
لقصور رتبته عنهما لإمكان تعويضه (ثم صبره) بشد الموحدة
بضبط المؤلف أي ألهمه الصبر (على ذلك) أي ما ابتلاه (حتى
ينال) بسبب ذلك (تلك المنزلة) وفي رواية حتى يبلغه المنزلة
قال الطيبي: حتى هنا يجوز أن تكون للغاية وأن تكون بمعنى
كي وفيه إشعار بأن للبلاء خاصة في نيل الثواب ليس للطاعة
وإن جعلت مثلها ولذلك كان ما يصيب الأنبياء أشد البلاء
(التي سبقت له من الله عز وجل) أي التي استوجبها بالقضاء
الأزلي واستحقها بالحكم القديم الإلهي وبالحقيقة التعويل
إنما هو على ذلك السبق فمن سبق في علمه أنه سعيد فهو سعيد
وعكسه بعكسه والخاتمة ناشئة عن السابقة روى البيهقي
والحاكم أن موسى مر برجل في متعبد له ثم مر به بعد وقد
مزقت السباع لحمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فقال يا
رب كان يطيعك فابتليته بهذا فأوحى الله إليه أنه سألني
درجة لم يبلغها بعمله فابتليته لأبلغه تلك الدرجة انتهى.
والمقصد بالحديث الإعلام بفضل البلاء وأنه مظنة لرفع درجات
العبد وإن قل عمله وإلا فقد يعطي الله من شاء ما شاء من
رفيع المنازل وإن لم يعمل بالكلية بل له تعذيب الطائع
وإثابة العاصي ولا يسأل عما يفعل وقد استدل بهذا في المفهم
وغيره على أن مجرد حصول المرض أو غيره مما يترتب عليه
التكفير لا يكفي إلا إن انضم إليه الصبر ورد بأن الأحاديث
الواردة بالتقييد إما ضعيفة فلا يحتج بها أو مقيدة بثواب
مخصوص كما في هذا الحديث فاعتبار الصبر فيه إنما هو لحصول
ذلك الثواب الخاص
(تخ د في رواية ابن داسة وابن سعد) في طبقاته (ع) وكذا
البيهقي في الشعب (عن محمد بن خالد السلمي) البصري (عن
أبيه) خالد البصري قال الذهبي صدوق مقل (عن جده) عبد
الرحمن بن جناب السلمي الصحابي كذا في الكاشف وقد خفي على
الصدر المناوي فقال لم أقف لجده على اسم ولا لهذا الحديث
في نسخة سماعنا عن أبي داود وذكره في الأطراف انتهى وإلى
رده أشار المؤلف بقوله في رواية ابن داسة فإنه ليس في سنن
أبي داود في جميع الروايات [ص:372] بل في رواية ابن داسة
فقط ولم يطلع عليها فنفاه ثم إن المؤلف رمز لحسنه وقال ابن
حجر في الفتح: رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلا أن
خالدا لم يرو عنه غير ابنه محمد وأبوه اختلف في اسمه لكن
إبهام الصحابة لا يضر هذا كله في الفتح وقضيته تصحيح
الحديث لكنه قال في التقريب محمد مجهول وخالد صدوق يخطئ
فاقتضى كلامه تضعيفه والأوجه ما جرى عليه المؤلف من حسنه
(1/371)
670 - (إذا سبك) أي شتمك (رجل) يعني إنسان
(بما يعلم منك) من النقائص والمعايب معيرا لك بذلك قاصدا
أذاك (فلا تسبه) أنت (بما تعلم منه) من ذلك يعني إذا شتمك
وعيرك بما فيك فلا تكافئه بشتمه ولا تعيره بما فيه وعلله
بقوله (فيكون أجر ذلك) السب (لك) بتركك لحقك وعدم انتصارك
لنفسك وكف عن مقابلته بما يستحقه من إذاعة نقائصه ومواجهته
بها واحتمل أذاه (و) دعه يكون (وباله) أي سوء عاقبته في
الدنيا والآخرة (عليه) {وما الله بغافل عما تعملون} ولله
در القائل:
لا تهتكن من مساوي الناس ما سترا. . . فيهتك الله سترا عن
مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا. . . ولا تعب أحدا منهم بما
فيكا
(ابن منيع) في معجمه وكذا الديلمي (عن ابن عمر) رمز لحسنه
وهو كما قال أو أعلى إذ ليس في روايته مجروح
(1/372)
671 - (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب)
بالمد بوزن أفعال جمع إرب بكسر فسكون العضو (وجهه وكفاه
وركبتاه وقدماه) وجهه بالرفع مع ما عطف عليه بدل من سبعة
بدل كل من كل وفيه أن أعضاء السجود سبعة فلا بد لوجود
صورته الشرعية في الوجود من وضع بعض الجبهة على مصلاه ويجب
مع ذلك وضع بعض بطن كفيه من ركبتيه وقدميه فلو لم يفعل لم
تصح صلاته كما اقتضاه هذا الحديث وهو المفتي به عند
الشافعية والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وشرعا وضع الجبهة
على قصد العبادة
(حم م 4 عن العباس) بن عبد المطلب (عبد) بغير إضافة (ابن
حميد) مصغرا ابن نضر قيل اسمه عبد الحميد ثقة حافظ (عن
سعد) ابن أبي وقاص
(1/372)
672 - (إذا سجد العبد) أي الإنسان (طهر)
بالتشديد أي نظف (سجوده ما تحت جبهته إلى سبع أرضين) بفتح
الراء أي أزال عنها الأدناس والعيوب على ما اقتضاه هذا
الحديث وظاهره من المشكلات والله أعلم بمراد رسوله وحمل
الطهارة فيه على إفاضة الرحمة والبركة على ما وقع السجود
عليه ينافيه ما ذكر في سبب الحديث عند مخرجه الطبراني وكذا
ابن عدي وغيره أن عائشة قالت كان المصطفى صلى الله عليه
وسلم يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين فقلت ألا
تخص لك مكانا من الحجرة أنظف من هذا؟ فقال يا حميراء ما
علمت أن العبد إذا سجد فذكره بتمامه وقولها أنظف يدل على
أن المراد الطهارة اللغوية وهي النظافة فالمراد أن تلك
البقعة وإن كانت مستقذرة فالشرف الحاصل لها بالسجود يجبر
ذلك الاستقذار والله أعلم بحقيقة الحال وفيه أن الأرضين
سبعة كالسماوات
(طس) وكذا ابن عدي والديلمي والحاكم (عن عائشة) قال الحافظ
الهيتمي وغيره فيه بزيغ متهم بالوضع وقال ابن الجوزي موضوع
وفي الميزان يزيغ متهم قال ابن حبان يأتي عن الثقات
بموضوعات كأنه المعتمد لها ثم ساق له هذا الحديث وجزم جمع
آخرون بوضعه
(1/372)
[ص:373] 673 - (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما
يبرك البعير) أي لا يقع على ركبتيه كما يقع البعير عليهما
حين يقعد (وليضع يديه) أي كفيه (قبل أن يضع ركبتيه) لأنه
أحسن في الخضوع وأفخم في الوقار وبه أخذ مالك. وذهب الأئمة
الثلاثة إلى عكسه تمسكا بفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم
له في حديث الترمذي عن وائل قال الخطابي: وهو أثبت من حديث
تقديم اليدين وأرفق بالمصلي وأحسن شكلا بل قال ابن خزيمة
أن حديث تقديم اليدين منسوخ بخبر سعد كنا نضع اليدين قبل
الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين
(د عن أبي هريرة) رمز المؤلف لصحته اغترارا بقول بعضهم
سنده جيد وكأنه لم يطلع على قول ابن القيم وقع فيه وهم من
بعض الرواة وأوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه
فقد برك كما يبرك البعير إذ هو يضع ركبتيه أولا وزعم أن
ركبتي البعير في يديه لا في رجليه لا يعقل لغة ولا عرفا
على أن الحديث معلول بيحيى بن سلمة بن كهيل ولا يحتج به
قال النسائي متروك وابن حبان منكر جدا وأعله البخاري
والترمذي والدارقطني بمحمد بن عبد الله بن حسن وغيره
(1/373)
674 - (إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه) أي
بباطنهما (لأرض) فيضعهما والأولى كونهما مكشوفتين على
مصلاه (عسى الله تعالى) هي من المخلوق للترجي ومن الله
واجب وأتى بها ترغيبا فيما ذكر (أن يفك) أي يخلص ويفصل
ورأيت في معجم الطبراني بدله يكف والفك أنسب (عنه الغل)
بالضم الطوق من حديد يجعل في العنق واليدين (يوم القيامة)
أي من فعل ذلك يرجى أن يغفر الله له ما فرط من الذنوب
الموجبة لجعل الغل في عنقه يوم القيامة لأنه لما أطلق يديه
وبسطهما في السجود جوزي بإطلاقهما يوم المعاد جزاءا وفاقا
والمباشرة الإفضاء بالبشرة والفك التخليص والإطلاق
والإزالة ونبه بذلك على وجوب وضع جزء من بطن الكف في
السجود وكذا يجب وضع شيء من الجبهة والركبتين وأصابع
القدمين لقوله في الحديث الآتي أمرت أن أسجد على سبعة أعظم
(طس عن أبي هريرة) سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس
كذلك فقد أعله جمع بعبيد بن محمد المحاربي قال ابن عدي له
مناكير قال الهيتمي وهذا منها
(1/373)
675 - (إذا سجد أحدكم فليعتدل) أي فليتوسط
بين الافتراش والقبض في السجود بوضع كفيه على الأرض ورفع
ذراعيه وجنبيه عنها لأنه أمكن وأشد اعتناء بالصلاة وفيه
أنه يندب أن يجافي بطنه ومرفقيه عن فخذيه وجنبيه لكن
الخطاب للرجال كما دل عليه تعبيره بأحدكم أما المرأة فتضم
بعضها لبعض لأن المطلوب لها الستر (ولا يفترش) بالجزم على
النهي أي المصلي (ذراعيه) بأن يجعلها كالفراش والبساط
(افتراش الكلب) لما فيه من شوب استهانة بالعبادة التي هي
أفضل العبادات فإن فعل كان مسيئا مرتكبا لنهي التنزيه
والكلب كل سبع عقور وغلب على هذا النائح وصرف هذا عن
الوجوب خبر أبي داود شكوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم
مشقة السجود إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب أي بوضع
المرفقين على الركبتين كما فسره ابن عجلان أحد رواته وخبر
ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد
(حم ت هـ وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) في المختارة (عن
جابر) ابن عبد الله قال الترمذي حسن صحيح
(1/373)
676 - (إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك)
بكسر الميم عن جنبيك وعن الأرض لأنه أشبه بالتواضع وأبعد
من هيئة الكسالى وهذا مندوب للرجال كما تقرر <تنبيه> عدوا
من خصائص هذه الأمة السجود على الجبهة [ص:374] وكان من
قبلهم يسجدون على حرف
(حم م عن البراء) بن عازب
(1/373)
677 - (إذا سرتك) أي أفرحتك وأعجبتك وأصل
السرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه (حسنتك) أي
عبادتك لكونك جازما بصدق الشارع فيما جاء به عن الله تعالى
من حصول الثواب عليها سميت حسنة لأن بها يحسن حال فاعلها
وهي سبب إحسان الله تعالى وإضافتها له من حيث الكسب
(وساءتك سيئتك) أي أحزنك ذنبك لكونك قاطعا بصدق الشارع
فيما توعد به من العقاب عليها سميت سيئة لأن بها يسوء حال
فاعلها وهي سبب كل سوء {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
أيديكم} (فأنت مؤمن) أي فذلك علامة إيمانك بل ذلك هو حقيقة
الإيمان وليس الإيمان إلا تصديق الشارع فيما جاء به وفي
الحزن على السيئة إشعار بالندم الذي هو أعظم أركان التوبة
فكأنه قال إذا أتيت بالطاعة المأمور بها وكلما أذنبت ذنبا
تبت منه كان ذلك علامة حسن الخاتمة وأنك تموت على الإيمان
حقا وقد أشار إلى ما قررته أولا قول الطيبي يعني إذا صدرت
منك طاعة وفرحت بها متيقنا بأنك تثاب عليها وإذا أصابتك
معصية وحزنت عليها فذلك علامة الإيمان
(حم حب طب ك هب والضياء عن أبي أمامة) قال قيل يا رسول
الله ما الإيمان فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي
قال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الهيتمي رجال
الطبراني رجال الصحيح إلا أن فيه يحيى بن أبي كثير مدلس
وإن كان من رجاله ورواه الإمام أحمد أيضا عن أبي موسى
بإسناد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع بلفظ من عمل حسنة فسر
بها ومن عمل سيئة فساءته فهو مؤمن
(1/374)
678 - (إذا سرتم في أرض خصبة) بكسر الخاء
(فأعطوا الدواب حظها) من نبات الأرض وحظها الرعي منه (وإذا
سرتم في أرض مجدبة) بدال مهملة ولم يكن معكم ولا في الطريق
علف (فانجوا عليها) أي أسرعوا عليها السير لتبلغكم المنزل
قبل ضعفها (وإذا عرستم فلا تعرسوا على قارعة الطريق)
أعلاها أو أوسطها (فإنها مأوى كل دابة) أي مبيت كل دابة من
الحشرات ونحوها التي تأوي إليها ليلا
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي رجاله ثقات فرمزه
لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته
(هذا الحديث غير موجود في نسخ المتن وثبت في نسخ الشرح
فتنبه)
(إذا سرتم في الخصب) بالكسر (فأمكنوا الركاب) أي الإبل
ومنها كل مركوب (من أسنانها) أي من أكلها بها (ولا تجاوزوا
المنازل) التي أعتيد النزول فيها للاستراحة (وإذا سرتم في
الجدب) أي القحط وقلة المطر (فاستجدوا) أسرعوا (وعليكم
بالدلج) بضم ففتح جمع دلجة (فإن الله يطوي) أي يطويها الله
(باللبل) كله أو في السحر على ما مر (وإذا تغولت الغيلان
فنادوا بالأذان) المعروف فإن فيه كفاية لشرها (وإياكم
والصلاة على جواد الطريق) بالتخفيف أي معظم الطريق
(والبراز) أي البول والغائط (عليها) أي فيها (فإنها مأوى
الحيات والسباع) فربما تؤذيكم أو تؤذوها (وإياكم وقضاء
الحاجة عليها) أي الطريق المسلوك (فإنها الملاعن) جمع
ملعنة كما مر
(حم د ن هـ ع وابن خزيمة والشاشي والضياء) المقدسي (عن
جابر) ابن عبد الله
(1/374)
679 - (إذا سرق المملوك) أي القن شيئا قل
أو كثر لك أو لغيرك (فبعه) وفي رواية لأبي نعيم إذا سرق
العبد فبيعوه [ص:375] (ولو) للتقليل هنا كما في القواطع
لكن قال الزركشي: الحق أن التقليل مستفاد مما بعد لو من
الصيغة (بنش) بكسر الموحدة وفتح النون وشين معجمة نصف
أوقية وهو عشرون درهما كأنه سمي به لخفته وقلته من النشنشة
وهي التحرك والخفة والحركة من واد واحد كذا ذكره الزمخشري
جازما ورأيت في المطامح أنه القربة البالية ولم يذكر فيه
سواه ولم أر فيه سلفا لكنه لم يذكره رجما بالغيب وأيا ما
كان فهذا خرج مخرج التقليل والترهيب في القن السارق فكأنه
قال لا تمسكه عندك ولا تتركه في بيتك بل بعه بما تيسر وإن
كان تافها جدا ففيه دليل على إبعاد أهل الفساد والمعاصي
واحتقارهم وأن السرقة عيب فاحش منقص للقيمة وإذا باعه وجب
أن يعرف بسرقته لكونه من أقبح العيوب فلا يحل له كتمه
ويظهر أن مثل البيع كل ما يزيل الملك عنه أو يحصل به
مفارقته كهبته وكتابته ووقفه وعتقه لكن قد يتوقف في العتق
من حيث أنه يرفع الرق عنه لكثرة إضراره للناس بالسرقة
والظاهر أن المراد بالسرقة هنا معناها اللغوي وكما يطلب
بيع القن إذا سرق يطلب بيعه إذا زنى لقوله من حديث مسلم
إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليحدها ولا يثرب عليها أو
لا يوبخ ولا يعير ولا يكثر من اللوم ثم قال إن زنت فبيعوها
ولو بضفير أي بحبل مضفور فعيل بمعنى مفعول وفي رواية ولو
بحبل من شعر فوصف الحبل بكونه من شعر لأنها أكثر حبالهم
وهذا خارج مخرج التقليل والتزهيد كما تقرر فيما قبله فإن
قيل إذا كان مقصوده إبعاد السارق والزاني وأنه يلزم البائع
الإخبار بعيبه فلا ينبغي لأحد شراؤه لكونه مأمورا بإبعاده
فالجواب أنه مال فلا مساغ للنهي عن إضاعة المال ولا يسيب
ولا يحبس دائما إذ كل ذلك إضاعة مال ولو سيب كان إغراء له
على السرقة والزنا وتمكينا له منها فلم يبق إلا بيعه ولعل
السيد الثاني يبالغ في حفظه فيمنعه من ذلك وبالجملة فعند
تبدل الأملاك تختلف الأحوال والجمهور حملوا الأمر ببيع
السارق والزاني على الندب والارشاد إلا داود وأهل الظاهر
فقالوا بوجوبه تمسكا بظاهر الأمر وصرفه الجمهور عن ظاهره
عملا بالأصل الشرعي أنه لا يجبر أحد على إخراج ملكه لملك
أحد بغير الشفعة فلو وجب لأجير عليه ولم يجبر عليه فلم يجب
واستنبط منه بعضهم جواز البيع بالغبن لأنه بيع خطير بثمن
يسير ورد بأن الغبن المختلف فيه بيع جهالة من المغبون وأما
مع العلم بقدر المبيع والثمن وحالهما فلا وإنما أمر في
حديث مسلم بعدم توبيخه وتعييره لأن الإكثار من ذلك يزيك
الحياء والحشمة ويجرئ على ذلك الفعل ولأن العبد غالبا لا
ينفعه لوم ولا توبيخ بل ربما كان إغراءا وإنما يظهر أثره
في الحر إن ظهر ألا ترى إلى قوله:
واللوم للحر مقيم رادع. . . والعبد لا يردعه إلا العصا
ولأنها عقوبة زائدة على الحد المشروع ولا يدخل فيه نحو وعظ
وتخويف بعقاب الله وتهديد احتيج إليه لأنه ليس بتثريب
وأفاد خبر مسلم أن للسيد أن يحده وبه قال الجمهور إلا أبا
حنيفة فقال: لا يحده إلا الإمام وقال الشافعي: يقطعه في
السرقة وقال مالك: أمنعه مخافة أن يمثل به قال الراغب:
والسرقة أخذ ما ليس لك أخذه في خفاء ثم صار شرعا عبارة عن
أخذ شيء مخصوص من محل مخصوص وقدر مخصوص واللائق منا إرادة
اللغوي
(هـ) في السرقة وكذا ابن ماجه والنسائي (عن أبي هريرة) رمز
لحسنه ولعله لتقويه بتعدد طرقه وإلا ففيه عمر بن أبي سلمة
قال النسائي غير قوي وفي المنار سنده ضعيف
(1/374)
680 - (إذا سقى الرجل امرأته الماء) أي قام
بالواجب من إحضار الماء إليها للشرب (أجر) بالبناء للمفعول
أي يثيبه الله تعالى عليه وإن كان إنما أتى بواجب ونبه
بذكر الماء الذي لا قيمة له غالبا أو قيمته تافهة على حصول
الثواب فيما فوق ذلك من الإطعام والكسوة والإخدام بالأولى
والمقصود بالحديث بيان أن نفقة الزوجة وإن كانت لازمة
للذمة فله في القيام بها أجر أي إن قصد الامتثال قال
الراغب: والأجر والأجرة ما يعود من ثواب العمل دنيويا
وأخرويا والأجرة في الثواب الدنيوي والأجر والأجرة يقال
فيما كان عن عقد أي اعتقاد وما يجري مجراه ولا يقال إلا في
نفع لا ضر نحو أجره على الله والجزاء يقال فيما كان من عقد
وغيره وفي النافع والضار
(تخ طب) من حديث خالد بن [ص:376] شريك (عن العرباض) بن
سارية رمز لحسنه
(1/375)
681 - (إذا سقطت) وفي رواية وقعت (لقمة
أحدكم) عند إرادة أكلها قال ابن العربي: وذلك إما من
منازعة الشيطان فيها حين لم يسم الله عليها أو بسبب آخر
ويرجح الأول قوله الآتي ولا يدعها للشيطان إذ هو إنما
يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه انتهى وهو صريح في
أنه لم يذكر اسم الله عليه ثم سقطت لا يندب له أخذها
وأكلها ويكاد يكون باطلا لمنافرته لإطلاق الحديث بلا موجب
(فليمط) بلام الأمر (ما بها من الأذى) من تراب ونحوه مما
يعاف وإن تنجست طهرها إن أمكن وإلا أطعمها حيوانا
(وليأكلها) أو يطعمها غيره (ولا يدعها) أي يتركها ندبا
(للشيطان) إبليس أو الجنس لما فيه من إضاعة نعمة الله
واحتقارها والمانع من تناول تلك اللقمة الكبر غالبا وذلك
مما يحبه الشيطان ويرضاه للإنسان ويدعو إليه إلا أنه
يأخذها ويأكلها ولا بد. وقوله سقطت أي من يده أو من فمه
بعد وضعها فيه وذلك لما فيه من استقذار الحاضرين. قال
الولي العراقي: ويتأكد ذلك بالمضغ لأنها بعد رميها على هذه
الحالة لا ينتفع بها لعيافة النفوس لها (ولا يمسح يده
بالمنديل حتى يلعقها) بفتح أوله يلحسها هو (أو يلعقها)
بضمه أي يلسحها لغيره من إنسان لا يستقذرها كزوجة وولد
وخادم أو حيوان طاهر (فإنه لا يدري في أي طعامه) تكون
(البركة) أي الخير الكثير والتغذية والقوة على الطاعة أو
هو فيما بقي على الأصابع أو الإناء أو في اللقمة الساقطة؟
فإن كان فيها فيفوته بفوتها خير كثير وفيه حل التمندل بعد
الطعام. قال ابن العربي: وقد كانوا يلعقون ويمسحون ثم
يغسلون وقد لا وكذا تفعل العرب لا تغسل يدها حتى تمسح.
وحكمته أن الماء إذا رد على اليد قبل مسحها ترك ما عليها
من زفر ودسم وزاد قذرا وإذا مسحها لم يبق إلا أثر قليل
يزيله الماء
(حم م ن هـ عن جابر) وعن أنس أيضا
(1/376)
682 - (إذا سل) بالتشديد (أحدكم) أيها
المؤمنون (سيفا) أي انتزعه من غمده (لينظر إليه) أي لأجل
أن ينظر إليه لشراء أو نحو تعهد. ومثل السيف ما في معناه
كخنجر وسكين (فإذا أراد أن يناوله أخاه) المسلم لينظر إليه
الآخر مثلا وذكر الأخ غالبي فالذمي كذلك (فليغمده) ندبا:
أي يدخله في قرابه قبل مناولته إياه. والغمد بالكسر جفر
السيف وإغماده إدخاله فيه وذكر النظر تمثيل وتصوير فلو سله
لا لغرض فالحكم كذلك (ثم يناوله) بالجزم (إياه) ليأمن منن
إصابة ذبابه له وتباعدا عن صورة الإشارة به إلى أخيه التي
ورد التعديد البليغ عليها والمناولة الإعطاء
(حم طب ك عن أبي بكرة) قال مر رسول الله صلى الله عليه
وسلم على قوم يتعاطون سيفا مسلولا فقال: لعن الله من فعل
هذا أوليس قد نهيت عنه؟ ثم ذكره قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي وقال الهيتمي: فيه عند أحمد والطبراني مبارك ابن
فضالة ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر
في الفتح بعد عزوه لهما إسناد جيد
(1/376)
683 - (إذا سلم عليكم) أيها المسلمون (أحد
من أهل الكتاب) اليهود والنصارى ولفظ أهل الكتاب وإن كان
أعم بحسب المفهوم من التوراة والإنجيل لكنه خص استعمال
الشرع بهما لأن غير اليهود والنصارى لم يوجد زمان البعثة
(فقولوا) وجوبا في الرد عليهم (وعليكم) فقط روي بالواو
وبدونها. قال القرطبي: وحذفها أوضح معنى [ص:377] وأحسن
وإثباتها أصح رواية وأشهر. قال الزركشي: الرواية الصحيحة
عن مالك وابن عيينة بغير واو وهي أصوب وقال النووي إثباتها
أجود فمعناه بدونها: عليكم ما تستحقونه وبها: أنهم إن لم
يقصدوا دعاء علينا فهو دعاء لهم بالإسلام فإنه مناط
السلامة في الدارين وإن قصدوا التعريض بالدعاء علينا
فمعناه ونقول لكم وعليكم ما تريدون بها أو تستحقونه أو
ندعو عليكم بما دعوتم به علينا ولا يكون عليكم عطفا على
عليكم في كلامهم وإلا فتضمن ذلك تقرير دعائهم علينا وإنما
اختار هذه الصيغة ليكون أبعد من الإيحاش وأقرب إلى الرفق
المأمور به. قال النووي: اتفقوا على الرد على أهل الكتاب
بما ذكر إذا سلموا وقال غيره: فيه أنه لا يشرع ابتداء
الكافر بالسلام لأنه بين حكم الجواب ولم يذكر حكم الابتداء
وأن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزي في الرد على مسلم
لاشتهار الصيغة في الرد على غيره. وقيل بإجزائها في أصل
الرد وإنما امتنع السلام على الكافر لأنه لا سلامة له إذ
هو مخزي في الدنيا بالحرب والقتل والسبي وفي الآخرة
بالعذاب الأبدي
(حم ق د ت هـ عن أنس) بن مالك
(1/376)
684 - (إذا سلم الإمام) من الصلاة (فردوا
عليه) ندبا بأن تنووا بسلامكم الرد عليه عند الالتفات إلى
جهته فإن كان عن يمين المقتدي نوى الرد بالأولى أو عن
يساره فبالثانية أو خلفه فبالأولى أولى
(هـ عن سمرة) بفتح فضم ابن جندب الغطفاني الفزاري قال
مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف في سنده ضعيفان إسماعيل
بن عياش وأبو بكر الهذلي
(1/377)
685 - (إذا سلمت الجمعة) أي سلم يومها من
وقوع الآثام فيه وقيل صلاتها من النقص من واجباتها
ومكملاتها والأول أقرب (سلمت الأيام) أي أيام الأسبوع من
المؤاخذة (وإذا سلم رمضان) كذلك (سلمت السنة) كلها من
المؤاخذة فالكف عن المنهيات والإتيان بالطاعات في جميع يوم
الجمعة مكفر لما يقع في ذلك الأسبوع من المخالفات والإمساك
عن المنهيات والإكباب على الطاعات في جميع رمضان متكفل بما
يكون في تلك السنة من الذنوب وذلك لأنه سبحانه جعل لأهل كل
ملة يوما يتفرغون فيه لعبادته ويتخلون عن الشغل الدنيوي
فيوم الجمعة يوم عبادة هذه الأمة وهو في الأيام كرمضان في
الشهور وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان فلهذا من
صح وسلم له يوم الجمعة سلمت له أيام أسبوعه كلها ومن صح
وسلم له رمضان صحت له سائر سنته ومن صح له حجه سلم له عمره
فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ورمضان ميزان العام والحج ميزان
العمر ومن لم يسلم له يوم الجمعة أو رمضان فقد باء بعظيم
الخسران ويظهر أن المراد تكفير الصغائر فقط
(قط في الأفراد) عن أبي محمد بن صاعد عن إبراهيم الجوهري
عن عبد العزيز ابن أبان عن الثوري عن هشام عن أبيه عن
عائشة قال ابن الجوزي: تفرد به عبد العزيز وهو كذاب فهو
موضوع (حل عن عائشة) وقال تفرد به إبراهيم الجوهري عن أبي
خالد القرشي (هب من طريق آخر) ثم قال في كلا الطريقين لا
يصح وإنما يعرف من حديث عبد العزيز عن سفيان وهو ضعيف بمرة
وهو عن النووي باطل لا أصل له ولما أورده ابن الجوزي في
الموضوع تعقبه المؤلف بوروده من طرق ولا تخلو كلها عن كذاب
أو متهم بالوضع
(1/377)
686 - (إذا سمع أحدكم النداء) أي الأذان
للصبح وهو يريد الصوم (والإناء) مبتدأ (على يده) خبره (فلا
يضعه) نهي أو نفي بمعناه (حتى يقضي حاجته) بأن يشرب منه
كفايته ما لم يتحقق طلوع الفجر أو يظنه يقرب منه وما ذكر
من أن المراد به أذان الصبح هو ما جزم به الرافعي فقال:
أراد أذان بلال الأول بدليل إن بلالا يؤذن بلبل فكلوا
واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وقيل المراد أذان المغرب
فإذا سمعه الصائم والإناء في يده فلا يضعه بل يفطر فورا
محافظة [ص:378] على تعجيل الفطر وعليه قال الطيبي: دليل
الخطاب في أحدكم يشعر بأنه لا يفطر إذا لم يكن الإناء في
يده ويأتي أن تعجيل الفطر مسنون مطلقا لكن هذا مفهوم لقب
فلا يعمل به
(حم د ك عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره
الذهبي لكن قال في المنار مشكوك في رفعه
(1/377)
687 - (إذا سمعت الرجل) يعني الإنسان (يقول
هلك الناس) ودلت حاله على أنه يقول ذلك إعجابا بنفسه وتيها
بعلمه أو عبادته واستصغارا لشأن الناس وازدراءا لما هو
عليه (فهو أهلكهم) بضم الكاف أشدهم هلاكا وأحقهم بالهلاك
أو أقربهم إليه لذمه الناس وذكره عيوبهم وتكبره وبفتحها
فعل ماض أي فهو جعلهم هالكين إلا أنهم هلكوا حقيقة أو فهو
أهلكهم لكونه أقنطهم عن رحمة الله وأيأسهم من غفرانه. قال
النووي: والمشهور الرفع ويؤيده رواية أبي نعيم فهو من
أهلكهم قال الغزالي: إنما قاله لأن هذا القول يدل على أنه
مزدر لخلق الله مغتر بالله آمن من مكره غير خائف من سطوته
وقهره حيث رأى الناس هالكين ورأى نفسه ناجيا وهو الهالك
تحقيقا لما رأى ذلك ويكفيه شرا احتقار الغير فالخلق يدركون
النجاة بتعظيمهم إياه لله فهم متقربون إلى الله بالدنو منه
وهو متمقت إلى الله بالتنزه والتباعد منهم كأنه يترفع عن
مجالستهم فما أجدره بالهلاك انتهى أما لو قاله تفجعا
وإشفاقا عليهم فليس محل الذم
(مالك حم خد م د عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري
(1/378)
688 - (إذا سمعت جيرانك) بكسر الجيم أي
الصلحاء منهم (يقولون قد أحسنت فقد أحسنت) أي كنت من
المحسنين سترا من الله وتجاوزا عما عرف من المثني عليه مما
انفرد بعلمه لأن العفو من صفاته وإذا تجاوز عمن يستحق
العذاب في علمه وحكم بشهادة الشهود كان ذلك منه مغفرة
وفضلا و {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} (وإذا سمعتهم يقولون
قد أسأت) أي كنت من المسيئين لأنهم إنما شهدوا بما ظهر من
سيء عمله وهو به عاص فإذا عذبه الله بحق ما ظهر من عمله
السيء الموافق للشهادة ولا يجوز أن يعذبه بما شهدوا عليه
وهو عنده على عمل صالح كذا ذكره الكلاباذي ثم إن ما ذكره
مما تقرر من أن لفظ الحديث ما ذكر هو ما وقفت عليه بخط
المؤلف لكن سياقه عند أبي نعيم وابن منده وابن عبد البر من
هذا الوجه عن كلثوم إذا قال جيرانك إنك قد أحسنت فقد أحسنت
وإذا قال جيرانك إنك قد أسأت فقد أسأت
(حم هـ طب عن ابن مسعود) قال قال رجل للنبي صلى الله عليه
وسلم كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت فذكره قال
العراقي إسناده جيد (هـ عن كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام
وضم المثلثة ابن علقمة ابن ناجية (الخزاعي) نسبة إلى قبيلة
مشهورة قيل له وفادة والأصح لأبيه. ذكره الذهبي كأبي نعيم
وقال ابن عبد البر لا يصح له صحبة وحديثه مرسل وقال ابن
الأثير الصحيح أن الصحبة لابنيه قال المناوي رجال ابن ماجه
رجال الصحيح إلا شيخه محمد بن يحيى فلم يخرج له مسلم ورواه
أيضا البراء وقال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح فتحسين
المؤلف له فقط تقصير
(1/378)
689 - (إذا سمعت النداء) أي الأذان فاللام
عهدية ويجوز أن يقدر نداء المؤذن (فأجب داعي الله) وهو
المؤذن لأنه الداعي لعبادته لقوله الحيعلتين والمراد أن
يقول مثله ثم يجئ إلى الجماعة حيث لا عذر فالمراد الإجابة
بالقول وبالفعل والسمع محل القوة السامعة من الأذن
(طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة (الصواب بضمها) وسكون
الجيم: الأنصاري [ص:379] المدني من بني سالم بن عمرو أو
غيرهم شهد الحديبية قال الهيتمي فيه يزيد بن سنان ضعفه
أحمد وجمع وقال البخاري مقارب الحديث وقد رمز لحسنه
(1/378)
690 - (إذا سمعت النداء فأجب) ندبا (وعليك)
أي والحالة أن عليك في حال ذهابك (السكينة) أي الوقار أو
أخص حتى تبلغ مصلاك (فإن أصبت) أي وجدت (فرجة) تسعك فأنت
أحق بها فتقدم إليها ولو بالتخطي لتفريط القوم بإهمالها
(وإلا) أي وإن لم تجدها (فلا تضيق على أخيك) المسلم يعني
لا تزاحمه فتؤذيه بالتضييق عليه (و) إذا أحرمت (اقرأ ما
تسمع أذنك) أي اقرأ سرا بحيث تسمع نفسك (ولا) ترفع صوتك
بالقراءة فوق ذلك فإنك بذلك (تؤذ جارك) أي المجاور لك في
المصلى (وصل صلاة مودع) بأن تترك القوم وحديثهم بقلبك
وترمي بكل شغل دنيوي خلف ظهرك وتقبل على الله بتخشع وتدبر
وتستحضر القدوم عليه
(أبو نصر السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (وابن
عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه أيضا عنه ابن لال
والديلمي باللفظ المذكور رمز لضعفه وذلك لأن فيه الربيع بن
صبيح قال الذهبي ضعيف لكن قال أبو حاتم صدوق
(1/379)
691 - (إذا سمعتم النداء) أي الأذان لأنه
نداء دعاء (فقولوا) ندبا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية
ووافقهم ابن وهب المالكي قال في فتح القدير ظاهر الأمر
الوجوب إذ لا تظهر قرينة تصرف عنه بل ربما يظهر استنكارا
تركه لأنه يشبه عدم الالتفات إليه والتشاغل عنه وقال
الشافعية الصارف عن الوجوب الإجماع على عدم وجوب الأصل وهو
الأذان والإقامة وأما زعم أن الصارف قوله في خبر الصحيحين
ثم صلوا علي ثم سلوا لي الوسيلة وهما مندوبان فالإجابة
مندوبة فرد بأن دلالة الإقتران ضعيفة عند الجمهور (مثل ما
يقول المؤذن) لم يقل مثلهما (قال) ليشعر بأنه يجيبه بعد كل
كلمة بأن يقول سامعه عقب كل كلمة مثلها فإن لم يجبه حتى
فرغ سن له التدارك إن قصر الفصل والمراد بالمماثلة
المشابهة في مجرد القول لا صفته كرفع الصوت والمراد بما
يقول المؤذن ذكر الله والشهادتين إلا الحيعلتين لما في خبر
مسلم أن السامع يقول في كل منهما لاحول ولا قوة إلا بالله
وإلا التثويب لما في خبر أنه يقول فيه صدقت وبررت وحكمة
استثناء الحيلعة أنها دعاء لا ذكر فلو قالها السامع لكان
الناس كلهم دعاة فلا يبقى مجيب فحسن من السامع الحوقلة لأن
المؤذن لما دعا الناس إلى الحضور أجابوا بأنهم لا يقدرون
عليه إلا بعون الله وتأييده: وحكمته استثناء التثويب أنه
في معنى الدعاء للصلاة لا ذكر فحسن بأن يجاب بصدقت وبررت.
وزعم ابن وضاح أن المؤذن مدرج ورد باتفاق الصحيحين والموطأ
عليها قال ابن دقيق العيد: وفيه أن لفظ مثل لا يقتضي
المساواة من كل وجه انتهى ولا يخالفه قوله مرة أخرى لفظ
مثل يقتضي المساواة من كل وجه إلا من الوجه الذي يقتضي
التغاير بين الحقيقتين بحيث يخرجهما عن الوحدة فإن مفهوم
الكلام الأول يصدق بالوجه الذي اختلفت فيه الحقيقتان ذكره
العراقي
(مالك) في الموطأ (حم ق 4 عن أبي سعيد) الخدري
(1/379)
692 - (إذا سمعتم النداء) إلى الصلاة
(فقوموا) إلى الصلاة واسعوا إليها (فإنها عزمة من الله) عز
وجل أي أمر الله الذي أمرك أن تأتي به: والعزم هو الجد في
الأمر ويحتمل أن المراد بالنداء هنا الإقامة أي إذا سمعتم
المؤذن يقول [ص:380] قد قامت الصلاة فقوموا
(حل عن عثمان) بن عفان وفيه أحمد بن يعقوب الترمذي أورده
في اللسان عن ذيل الميزان وقال الدارقطني في العلل لا
أعرفه ويشبه كونه ضعيفا والوليد بن سلمة قال الذهبي كذبه
دحيم وغيره
(1/379)
693 - (إذا سمعتم الرعد) أي الصوت الذي
يسمع من السحاب قال القاضي كالزمخشري من الارتعاد قال
التفتازاني أي أن الرعد من الارتعاد كما أن البرق من
البريق ولو قال من الرعدة كان أنسب وقال الطيبي: لم يرد أن
أصله منه لأن أصله من الرعدة بل أراد أن فيه معنى الاضطراب
والحركة (فاذكروا الله) بأن تقولوا سبحان من يسبح الرعد
بحمده أو نحو ذلك من المأثور أو ما في معناه (فإنه) أي
الرعد يعني ما ينشأ عنه من المخاوف (لا يصيب) يعني لا يضر
(ذاكرا) لله فإن ذكره حص حصين مما يخاف ويحذر بحيث لا
يبالي معه بسطوة مخلوق ومن أسرقت أنوار الذكر على قلبه
هابه كل مخلوق وخضع له كل مهول ولو أراد قود الجبال فضلا
عن الرعد لانقادت له قال القاضي كالزمخشري والمشهور أن
سببه أي الرعد اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها كما إذا
جذبتها الريح فتصوت عند ذلك وفي القاموس الرعد صوت السحاب
أو الملك الذي يسوقه
(طب عن ابن عباس) قال ابن حجر فيه ضعف وقال الهيتمي فيه
يحيى بن كثير أبو النصر وهو ضعيف
(1/380)
694 - (إذا سمعتم الرعد فسبحوا) أي قولوا
سبحان الله وبحمده ونحو ذلك كما تقرر ويظهر أنه لا يقوم
مقام التسبيح نحوه كما لا يقوم غير التكبير مقامه في
الحريق وقوفا مع الوارد وللشرع أسرار يختص بعلمها (ولا
تكبروا) أي الأولى إيثار التسبيح والحمد هنا لأنه الأنسب
الراجي المطر وحصول الغيث وفي خبر ما يفيد أن التسبيح إنما
يطلب حال عدم اشتداده فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان
إذا اشتد الرعد قال " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا
بعذابك وعافنا قبل ذلك " قال الراغب: أصل التسبيح من السبح
وهو سرعة الذهاب في الماء ثم استعير لجري النجوم (د في
مراسيله عن عبيد الله بن أبي جعفر) البصري أبي بكر الفقيه
مولى بني كنانة قيل اسم أبيه يساف بتحتية فمهملة تابعي ثقة
ونقل عن أحمد أنه لينه كان فقيها عابدا أخرج له الجماعة
(1/380)
695 - (إذا سمعتم أصوات الديكة) بكسر ففتح
جمع ديك ويجمع قليلا على أدياك وكثيرا على ديوك (فسلوا
الله من فضله) أي زيادة إنعامه عليكم (فإنها رأت) أي
الديكة (ملكا) بفتح اللام نكرة إفادة للتعميم ويحتمل أن
المراد الملك الذي في صورة ديك تحت العرش ويبعده تنكير
الملك وذلك لأن للدعاء بمحضر من الملائكة مزايا منها أنها
تؤمن على الدعاء وتستغفر للداعي وحضورها مظنة تنزيلات
الرحمة وفيض غيث النعمة ويستفاد منه طلب الدعاء عند حضور
الصالحين وقال سليمان عليه السلام: الديك يقول اذكروا الله
يا غافلين (وإذا سمعتم نهيق الحمير) أي أصواتها زاد
النسائي ونباح الكلب والمراد سماع واحد مما ذكر (فتعوذوا)
ندبا (بالله من الشيطان) بأي صيغة كانت والأولى أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم (فإنها) أي الحمير والكلاب (رأت شيطانا)
وحضور الشيطان مظنة الوسوسة والطغيان وعصيان الرحمن فناسب
التعوذ لدفع ذلك. قال الطيبي: لعل السر فيه أن الديك أقرب
الحيوان صوتا إلى الذاكرين الله لأنها تحفظ غالبا أوقات
الصلوات وأنكر الأصوات صوت الحمير فهو أقربها صوتا إلى من
هو أبعد من رحمة الله وفيه أن الله خلق للديكة إدراكا تدرك
به النفوس القديسة كما خلق للكلاب والحمير إدراكا تدرك به
النفوس الشريرة الخبيثة ونزول الرحمة عند حضور الصلحاء
والغضب عند حضور أهل المعاصي. [ص:381]
<تنبيه> أطلق هنا الأمر بالتعوذ عند نهيق الحمر فاقتضى أنه
لا فرق في طلبه بين الليل والنهار وخصه في الحديث الآتي في
الليل فإما أن يحمل المطلق على المقيد أو يقال خص الليل
لأنه انتشار الشياطين فيه أكثر فيكون نهيق الحمير فيه أكثر
فلو وقع نهارا كان كذلك
(حم ق د ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في عمل
يوم وليلة
(1/380)
696 - (إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه) أي
إذا أخبرتم مخبر بأن جبلا من جبال الدنيا تحول وانتقل عن
محله الذي هو فيه إلى محل آخر (فصدقوا) يعني لا تكذبوا
فإنه لا يخرج عن دائرة الإمكان (وإذا سمعتم برجل) التنكير
للتعظيم أي جليل كامل في الرجولية فغيره أولى (زال عن
خلقه) بضمتين أو بضم فسكون طبعه وسجيته بأن فعل خلاف ما
يقتضيه وثبت عليه (فلا تصدقوا) به كذا هي ثابتة في رواية
أحمد أي لا تعتقدوا صحة ذلك بخروجه عن الإمكان إذ هو بخلاف
ما تقتضيه جبلة الإنسان ولذلك قال (فإنه يصير إلى ما جبل)
بالبناء للمجهول أي طبع (عليه) يعني وإن فرط منه على سبيل
الندرة خلاف ما يقتضيه طبعه فما هو إلا كطيف منام أو برق
لاح وما دام وتأتي الطباع على الناقل وحال المنطبع كالجرح
يندمل على فساد فلا بد وأن ينبعث عن فتق ولو بعد حين وكما
أن العضو المفلوج لا يطاوع صاحبه في تحريكه وإن جاهده فمتى
يحركه إلى اليمين تحرك نحو الشمال فكذا المتطبع وإن جاهد
نفسه فإن قواه تأبى مطاوعته وهذا الخبر صريح في أن حسن
الخلق لا يمكن اكتسابه لكنه منزل على تعبير القوة نفسها
التي هي السجية لا على أساسها. قال الراغب: الطبع أصله من
طبع السيف وهو إيجاد الصورة المخصوصة في الحديد وكذا
الطبيعة والغريزة لما غرز عليه وكل ذلك اسم للقوة التي لا
سبيل إلى تغييرها والسجية اسم لما يسجى عليه الإنسان وأكثر
ما يستعمل ذلك كله فيما لا يمكن تغييره لكن الخلق تارة
يقال للقوة الغريزية وهو المراد هنا وتارة جعل اسما للحالة
المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون
شيء وتارة يجعل الخلق من الخلاقة أي الملابسة وكأنه اسم
مأمون عليه الإنسان من العادة وهو الذي يقال باكتسابه فجعل
الخلق مرة للهيئة الموجودة في النفس التي يصدر عنها الفعل
بلا فكر ومرة اسما للفعل الصادر عنه باسمه وعلى ذلك أسماء
أنواعها من نحو عفة وعدالة وشجاعة فإن ذلك يقال للهيئة
والفعل جميعا
(حم) من حديث الزهري (عن أبي الدرداء) قال بينما نحن عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الطيبي ما يكون الذي
يحدث من الحوادث أهو شيء مقضي أو شيء يتجدد آنفا ومن قال
فإنه يصير إلخ يعني الأمر على ما قدر وسبق حتى العجز
والكيس فإذا سمعتم أن الرجل الكيس يصير بليدا أو بالعكس
وأن العاجز يرجع قويا وعكسه فلا تصدقوا به وضرب بزوال
الجبل مثلا تقريبا للأفهام فإن هذا ممكن الزوال بالخلق
المقدر عما كان في القدر قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح
إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء وقال السخاوي: حديث
منقطع وبه يعرف ما في رمز المؤلف لصحته
(1/381)
697 - (إذا سمعتم من يتعزى بعزاء الجاهلية
فأعضوه) أي قولوا له اعضض بظر أمك (ولا تكنوا) عن ذلك بما
لا يستقبح فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح
وهجر زجرا له عن فعله الشنيع وردعا له عن قوله الفظيع
(حم ن حب طب والضياء) المقدسي (عن أبي) ابن كعب وفي الباب
وغيره أيضا
(1/381)
698 - (إذا سمعتم نباح الكلاب) بضم النون
وكسرها صياحه (ونهيق الحمير) صوتها جمع حمار والنهاق بضم
النون (بالليل) [ص:382] خصه لأن انتشار الشياطين والجن فيه
أكثر وكثرة فسادهم فيه أظهر فهو بذلك أجدر وإن كان النهار
كذلك في طلب التعوذ (فتعوذوا بالله) ندبا (من الشيطان
فإنهن يرين) من الجن والشياطين (ما لا ترون) أنتم يا بني
آدم فإنهم مخصوصون بذلك دونكم (وأقلوا الخروج) من منازلكم
(إذا هدأت) بالتحريك سكنت ففي القاموس هدأ كمنع: سكن
(الرجل) بكسر فسكون أي سكن الخلق عن المشي بأرجلهم في
الطرق (فإن الله عز وجل يبث) يفرق وينشر (في ليله من خلقه
ما يشاء) من إنس وجن وشياطين وهوام وغيرها فمن أكثر الخروج
حين ذاك لغير غرض شرعي أوشك أن يحصل له أذى لمخالفته
للمشروع. قال الطيبي: وقوله ما يشاء مفعول لقوله يبث وهو
عام في كل ذي شر ومن خلقه بيان مات (وأجيفوا الأبواب)
أغلقوها (واذكروا اسم الله عليها فإن الشياطين لا تفتح
بابا أجيف) أي أغلق (وذكر اسم الله عليه) يعني لم يؤذن لهم
في ذلك من قبل مخالفتهم (وغطوا الجرار) جمع جرة وهو إناء
الماء المعروف (وأوكثوا) بالقطع والوصل كما في القاموس
وكذا ما بعده (القرب) جمع قربة وهو وعاء الماء (وأكفئوا
الآنية) جمع إناء أي اقلبوها لئلا يدب عليها شيء أو تتنجس
(حم خد د حب ك عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره
الذهبي وقال البغوي حديث حسن
(1/381)
699 - (إذا سمعتم) أيها المؤمنون الكاملون
الإيمان الذي استضاءت قلوبهم من مشكاة النبوة (الحديث عني
تعرفه قلوبكم) أي تقبله وتشهد بحسنه (وتلين له أشعاركم)
جمع شعر (وأبشاركم) جمع بشرة (وترون) أي تعلمون (أنه منكم
قريب) أي قريب إلى أفهامكم وأحكام دينكم ولا يأبى قواعد
علومكم أيها المتشرعة (فأنا أولاكم به) أحق به في القبول
المؤدي إلى العمل بمقتضاه لأن ما أفيض على قلبي من المعارف
وأنوار اليقين أكثر من بقية الأنبياء فضلا عنكم (وإذا
سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم
وترون أنه بعيد منكم فأنا أبعدكم منه) لما ذكر ولذلك جزم
أئمتنا الشافعية بأن كل حديث أوهم باطلا ولم يقبل التأويل
فمكذوب عليه لعصمته أو نقص منه من جهة رواية ما يزيل الوهم
الحاصل بالنقص منه وذلك أن الله بعث رسله إلى خلقه لبيان
الأمور ومعرفة التدبير وكيف وكم وكنه الأمور عنده مكنون
فأفشى منه إلى الرسل ما لا يحتمله عقول غيرهم ثم منهم إلى
العلماء على قدر طاقتهم ثم إلى العامة على قدر حالهم
فالعلم بحر يجري منه واد ثم من الوادي نهر ثم من النهر
جدول فساقية فلو جرى إلى ذلك الجدول لغرقه ولو مال البحر
على الوادي لأفسده فمن تكلم بشيء من الهدى فالرسول سابق له
وإن لم يتكلم بذلك اللفظ فقد أتى بأمثلة مجملة فلهذا كان
أولى فإذا كان الكلام غير منكر عند العلماء العاملين فهو
قول الرسول وإذا كان منكرا عندهم فليس قوله وإن روى عنه
فلخطأ أو سهو من بعض الجهلة أو وضع من بعض الزنادقة أو
الجهلة وذلك لأنه إذا وقع ذكر الحق على القلب التقى نوره
ونور اليقين فامتزجا واطمأن القلب فيعلم أنه حق وإذا وقع
عليه باطل لاقت ظلمته القلب المشرق بنور اليقين فينفر
النور ولم يمتزج معه فاضطرب القلب وجاش. ففرق ما بين كلام
النبوة وكلام غيرهم لائح واضح عند العلماء بالله وبأحكامه
العاملين عليها. وأخرج ابن سعد عن الربيع ابن خيثم قال: إن
من الحديث [ص:383] حديثا له ضوء كضوء النهار تعرفه وإن منه
حديثا له ظلمة كظلمة الليل تنكره أما المخلط المكب على
شهوات الدنيا المحجوب عن الله بالظلمات والكدورات فأجنبي
من هذا المقام
<تنبيه> أفاد الخبر أن بعض المنسوب إلى المصطفى صلى الله
عليه وسلم من المقطوع بكذبه وعلى ذلك جرى صحبنا في الأصول
فقالوا: وما فتش عنه من الحديث ولم يوجد عند أهله من
المقطوع بكذبه لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه
لتجوز العقل صدق ناقله
(حم ع) وكذا البزار (عن أبي أسيد بضم الهمزة بضبط المؤلف
كذا وقفت عليه في مسودته والصواب خلافه ففي أسد الغابة أبو
أسيد بفتح الهمزة وقيل بضمها قال والصواب الفتح قاله أبو
عمر انتهى. وكان ينبغي للمؤلف تمييزه فإنه في الصحب متعدد
منهم أبو أسيد بن ثابت الأنصاري وأبو أسيد الساعدي البدري
وهو المراد أو أبي حميد) شك الراوي قال الهيتمي رجاله رجال
الصحيح انتهى وزعم أنه معلول خطأ فاحش ورواه الحكيم عن أبي
هريرة بلفظ إذا حدثتم بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به
فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف قال الحكيم فمن تكلم بشيء
بعد الرسول من الحر فالرسول سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن
تكلم لأنه جاء بالأصل والأصل مقدم على الفرع فجاء بالأصل
وتكلم من بعده بالفرع قال وهذا في الكامل أما المخلط المكب
على الشهوات المحجوب عن الله فليس هو المعني بهذا الحديث
لأن صدره مظلم فكيف يعرف الحق فالمخاطب من كان طاهر القلب
عارفا بالله حق معرفته الذي تزول بدعائه الجبال
(1/382)
700 - (إذا سمعتم بالطاعون) فاعول قال في
النهاية وهو المرض العام والوباء الذي يفسد به الهوى فتفسد
به الأمزجة (بأرض) أي بلغكم وقوعه ببلد ومحلة. قال الطيبي:
الباء الأولى زائدة على تضمن سمعتم معنى أخبرتم وبأرض حال
(فلا تدخلوا عليه) أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه
تهور وجرأة على خطر وإيقاع النفس في معرض التهلكة والعقل
يمنعه والشرع يأباه قال القاضي: وفيه النهي عن استقبال
البلاء لما ذكر (وإذا وقع وأنتم بأرض) أي والحال أنكم فيها
(فلا تخرجوا منها فرارا) أي بقصد الفرار منه يعني يحرم
عليكم ذلك لأنه فرار من القدر وهو لا ينفع والثبات تسليم
لما لم يسبق منه اختيار فيه ولتظهر مزية هذه الأمة على من
تقدمهم من الأمم الفارين منه بما يكون من قوة توكلهم وثبات
عزمهم كما أظهر الله مزيتهم بما آتاهم من فضله ورحمته التي
ينور بها قلوبهم فزعم أن النهي تعبدي قصور قال التاج
السبكي مذهبنا وهو الذي عليه الأكثر أن النهي عن الفرار
للتحريم أما لو لم يقصد الفرار كأن خرج لحاجة فصادف وقوعه
فلا يحرم وكذا لو خرج لحاجة وله على ما بحثه بعض الشافعية
واستدل البخاري به على بطلان الحيل قالوا: وهو من دقة فهمه
فإنه إذا نهى عن الفرار من قدر الله إذا نزل رضي بحكمه
فكيف الفرار من أمره ودينه إذا نزل
(حم ق ن عن عبد الرحمن بن عوف عن أسامة بن زيد) وفي الحديث
قصة عند الشيخين وغيرهما وهي أن عمر خرج إلى الشام حتى إذا
كان بسرع لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن
الوباء واقع بالشام فقال عمر لابن عباس ادع لي المهاجرين
الأولين فدعاهم فاستشارهم فاختلفوا فقال بعضهم خرجت لأمر
فلا نرى أن ترجع وقال بعضهم معك أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا نرى أن تقدم عليه قال ارتفعوا عني ثم دعا
الأنصار فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين فقال ارتفعوا ثم
قال ادع لي من هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعاهم
فلم يختلف عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس فنادى إني
مصبح على ظهر فأصبحوا عليه [ص:384] فقال أبو عبيدة أفرارا
من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان
عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قضاء الله فجاء
ابن عوف وكان متغيبا فقال إن عندي من هذا علما إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره
(1/383)
701 - (إذا سمعتم بقوم) في رواية بركب وفي
أخرى بجيش (قد خسف بهم) أي غارت بهم الأرض وذهبوا فيها
ويحتمل أنهم جيش السفياني ويحتمل غيره (ههنا قريبا) أي
بالبيداء اسم مكان بالمدينة (فقد أظلت الساعة) أي أقبلت
عليكم ودنت منكم كأنها ألقت عليكم ظلة يقال أظلك فلان إذا
دنا منك وكل شيء دنا منك فقد أظلك. قال الزمخشري: ومن
المجاز أظل الشهر والشتاء وأظلكم فلان أقبل وفيه دليل
للذاهبين إلى وقوع الخسف في هذه الأمة وتأويل المنكرين بأن
المراد خسف القلوب يأباه ظاهر الحديث وإن أمكن في غيره
(حم ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب عن بقيرة) بضم
الموحدة وفتح القاف بضبط المؤلف تصغير بقرة (الهلالية)
امرأة القعقاع قالت إني جالسة في صفة النساء فسمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يشير بيده اليسرى ويقول
يا أيها الناس إذا سمعتم إلخ وقد رمز لحسنه وهو كما قال إذ
غاية ما فيه أن فيه ابن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس. قال
الهيتمي: وبقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح
(1/384)
702 - (إذا سمعتم المؤذن) أي أذانه بأن
فسرتم اللفظ فلو رآه على المنارة في الوقت أو سمع صوتا
وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع ألفاظه لنحو بعد أو صمم لم تشرع
الإجابة كما مر (فقولوا) ندبا (مثل ما يقول) أي شبهه في
مجرد القول لا الصفة كما مر (ثم) بعد فراغ الإجابة (صلوا
علي) ندبا وصرفه عن الوجوب الإجماع على عدمه خارج الصلاة
والعطف على ما ليس بواجب ليس بواجب على الصحيح ودلالة
الاقتراب على مقابله (فإنه) أي الشأن (من صلى علي صلاة) أي
مرة بقرينة المقام مع ما ورد مصرحا به (صلى الله عليه بها)
أي بالصلاة (عشرا) رتبها على الأولى لأنها من أعظم الحسنات
و {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وروى أحمد عن ابن عمر
موقوفا: من صلى علي واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين
وهذا في حكم الرفع ولعله أكبر أو لا بالقلبل ثم زيد فأخبر
به (ثم سلوا الله لي الوسيلة) مر معناها لغة لكنه فسرها
بقوله (فإنها منزلة في الجنة) سميت به لأن الواصل إليها
يكون قريبا من الله (لا ينبغي) أي لا يليق إعطاؤها (إلا
لعبد) أي عظيم كما يفيده التنكير (من عباد الله وأرجو) أي
أؤمل (أن أكون أنا هو) أي أنا ذلك العبد وذكره على طريق
الترجي تأدبا وتشريعا لأنه إذا كان أفضل الأنام فلمن يكون
ذلك المقام. قال الطيبي: قيل إن هو: خبر كان وضع بدل إياه
ويحتمل أن لا يكون أنا للتأكيد بل مبتدأ وهو خبر والجملة
خبر أكون ويمكن أن هذا الضمير وضع موضع اسم الإشارة: أي أن
أكون أنا ذلك العبد (فمن سأل) الله (لي) من أمتي (الوسيلة)
أي طلبها لي (حلت عليه الشفاعة) أي وجبت وجوبا واقعا عليه
أو نالته ونزلت به سواء كان صالحا أو طالحا. فالشفاعة تكون
لزيادة الثواب وإسقاط العقاب ففيه حجة على المعتزلة حيث
خصوها بالصالح لزيادة الثواب وفي الإتحاف قوله حلت عليه
الشفاعة أي غشيته وجللته وليس المراد أنها كانت حراما ثم
حلت له
(حم م 3 عن ابن عمرو) بن العاص
(1/384)
[ص:385] 703 - (إذا سميتم فعبدوا) بالتشديد
بضبط المصنف: أي إذا أردتم تسمية نحو ولد أو خادم فسموه
بما فيه عبودية لله تعالى كعبد الله وعبد الرحمن لأن
التعليق بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة والاسم
مقتض لمسماه فيكون عبد الله وقد عبده بما في اسم الله من
معنى الإلهية التي يستحيل كونها لغيره
(الحسن بن سفيان) النسوي الحافظ صاحب المسند والأربعين ثقة
تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه. قال ابن حجر: كان عديم
النظير وهذا الحديث رواه في مسنده عن أبي زهير وفيه شيخ
مجهول (والحاكم في) كتاب (الكنى) ومسدد وأبو نعيم وابن
منده في الصحابة (طب عن أبي زهير) بن معاذ بن رباح
(الثقفي) بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف كرغيف قبيلة
مشهورة واسمه معاذ ويقال عمار قال الهيتمي وفيه أبو أمية
بن يعلى وهو ضعيف جدا أه وجزم شيخه العراقي بضعفه. وقال في
الفتح في إسناده ضعف
(1/385)
704 - (إذا سميتم فكبروا) ندبا قال في
الفردوس (يعني) قولوا (على الذبيحة) عند الذبح باسم الله
والله أكبر ثلاثا. وفيه طلب التسمية عند الذبح فيقول بسم
الله ولا يزيد الرحمن الرحيم لعدم مناسبته للذبح وهي سنة
مؤكدة عند الشافعي وأوجبها غيره تمسكا بظاهر آية {ولا
تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} قلنا المراد به ما ذبح
للأصنام بدليل {فإنه رجس} ثم إن ما ذكر من الأمر بالتكبير
مع التسمية خاص بالأضحية دون غيرها لأن وقت الأضحية وقت
التكبير بخلاف غيرها نص على ذلك الشافعي رضي الله تعالى
عنه
(طس عن أنس) قال الهيتمي فيه عثمان القرشي وهو ضعيف ومحمد
بن حمران وفيه مقالة
(1/385)
705 - (إذا سميتم) الولد من أولادكم أو
نحوهم (محمدا فلا تضربوه) في غير حد أو تأديب (ولا تحرموه)
من البر والإحسان إكراما لمن تسمى باسمه <فائدة> نقل
الأذرعي عن بعض حنابلة عصره أنه أفتى بمنع اليهود والنصارى
من التسمية بمحمد أو أحمد أو أبي بكر أو عمر أو الحسن أو
الحسين ونحوهما وأن بعض ضعفاء الشافعية تبعه ثم قال ولا
أدري من أين لهم ذلك وإن كانت النفس تميل إلى المنع من
الأولين خوف السب والسخرية وفيه شي فإن من اليهود من تسمى
بعيسى والنصارى بموسى ولم ينكروا على ممر الزمان وأما غير
ذلك - أي من الأسماء - فلا أدري له وجها نعم روي أن عمر
نهى نصارى الشام أن لا يكتنوا بكنى المسلمين ويقوي ذلك
فيما تضمن مدحا وشرفا كأبي الفضل والمحاسن والمكارم
والمحبة أنهم إن سموا بمعظم عندنا دونهم فإن قامت قرينة
على نحو استهزائهم أو استخفافهم بنا منعوا وإلا كأن سموا
أولادهم فلا لاقتضاء العادة بأن الإنسان لا يسمي ولده إلا
بما يحب
(البزار) في مسنده عن غسان بن عبيد عن يوسف بن نافع عن أبي
الموال عن ابن أبي رافع (عن) أبيه (أبي رافع) إبراهيم أو
أسلم أو صالح القبطي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان
أولا للعباس. قال الهيتمي رواه البزار عن شيخه غسان بن
عبيد وثقه ابن حبان وفيه ضعف
(1/385)
706 - (إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه) أي
وقروه وعظموه (وأوسعوا له في المجلس) عطف خاص على عام
للاهتمام (ولا تقبحوا له وجها) أي لا تقولوا له قبح الله
وجهك ولا تنسبوه إلى القبح في شيء من أقواله وأفعاله وكنى
بالوجه عن الذات <فائدة> أخرج ابن عدي عن جابر مرفوعا: ما
أطعم طعاما على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدموا
كل يوم مرتين وأخرج الطرائفي وابن الجوزي عن علي مرفوعا:
ما اجتمع قوم قط في مشورة فيهم رجل اسمه محمد [ص 386 [لم
يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم فيه
(خط) في ترجمة محمد العلوي (عن علي) ورواه عنه أيضا الحاكم
في تاريخه والديلمي
(1/385)
707 - (إذا شرب أحدكم) الماء كما يدل عليه
قوله في حديث: إذا شربتم الماء ويلحق به غيره من المائع
كلبن وعسل (فليتنفس) ندبا (في) داخل (الإناء) فيكره لأنه
يقذره ويغير ريحه (وإذا أتى الخلاء) أي المحل الذي تقضى
فيه الحاجة (فلا يمس) الرجل (ذكره بيمينه) أي بيده اليمنى
حال قضاء الحاجة ولا تمس المرأة فرجها بيمينها فيكره ولو
خلق له ذكران أو فرجان تعلقت الكراهة بهما وإن تحققت زيادة
أحدهما كما اقتضاه إطلاقه (ولا يتمسح بيمينه) أي لا يستنجي
بها فيكره عند الجمهور كما مر أما التمسح بها بأن يجعلها
مكان الحجر فيزيل بها النجاسة فحرام (فإن قلت) ما المناسبة
بين تعليمه آداب الشرب وآداب قضاء الحاجة (قلت) وجهه أن
الإنسان إذا شرب بال ما شربه فاحتاج إلى مس الفرج حال
خروجه فلما ذكر حكم المدخل ناسب ذكر حكم المخرج
(خ ت عن أبي قتادة) ظاهره أنه لم يروه من الستة غيرهما ولا
كذلك فقد قال المناوي رواه الجماعة كلهم عن أبي قتادة
واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري
(1/386)
708 - (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء)
عام في كل إناء فإنه يقذره فتعافه النفس ولأنه من فعل
البهائم فمن فعله فقد تمثل بهم قال العراقي: فالنهي محمول
على الكراهة لا التحريم اتفاقا والمراد به أن يتنفس في
أثناء شربه من الإناء من غير أن يرفع فمه عنه (فإذا أراد
أن يعود) إلى الشرب (فلينح الإناء) أي يزيله ويبعده عن فيه
ثم يتنفس (ثم ليعد) بعد تنحيته (إن كان يريد) المزيد ولا
ينافيه خبر: كان إذا شرب تنفس ثلاثا لأنه كان يتنفس خارج
الإناء
(هـ) من رواية الحارث بن أبي ذئاب عن عمه (عن أبي هريرة)
رمز المؤلف لحسنه
(1/386)
709 - (إذا شرب أحدكم فليمص) ندبا (الماء
مصا) مصدر مؤكد لما قبله: أي ليأخذه في مهلة ويشربه شربا
رفيقا (ولا يعب عبا) أي لا يشرب بكثرة من غير تنفس. قال
الزمخشري: ومن المستعار قوله لمن مر في كلامه فأكثر قد عب
عبابة (فإن الكباد) كغراب وجع الكبد وكسحاب الشدة والضيق
والأول هو المراد ولا يصح إرادة الثاني إلا بتكلف (من
العب) بفتح المهملة قال ابن القيم: المراد وجع الكبد وقد
علم بالتجربة أن هجوم الماء دفعة واحدة على الكبد يؤلمها
ويضعف حرارتها بخلاف وروده بالتدريج ألا ترى أن صب الماء
البارد على القدر وهي تفور يضر وبالتدريج لا؟ ومن آفات
النهل دفعة أن في أول الشرب يتصاعد البخار الدخاني الذي
يغشى الكبد والقلب لورود البارد عليه فإذا شرب دفعة وافق
نزول الماء صعود البخار فيتصادمان ويتدافعان فيحدث منه
أمراض رديئة
(ص وابن السني حل في) كتاب (الطب) النبوي (هب) كلهم (عن
ابن أبي حسين مرسلا) هو عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحارث
المكي النوفلي ثقة خرج له الجماعة
(1/386)
710 - (إذا شربتم الماء فاشربوه مصا ولا
تشربوه عبا فإن العب يورث الكباد) أي يتولد منه وجع الكبد
لأن مجمع [ص:387] العروق عند الكبد ومنه ينقسم إلى العروق
وإذا شربتم عبا في دفعة واحدة صبا لا مصا لم تحتمله العروق
ويتولد منه السدد فيصير خاما فيقوي البلغم ويورث ذلك كسلا
عن القيام بأعباء العبادة وهذا من محاسن حكته والمص شرب في
مهلة والعب تتابع الشرب من غير تنفس
(فر عن علي) وفيه محمد بن خلف قال ابن المناوي فيه لين عن
موسى المروزي قال الذهبي عن الدارقطني: مترروك لكن يتقوى
بما قبله
(1/386)
711 - (إذا شربتم فاشربوا مصا وإذا استكتم
فاستاكوا عرضا) بفتح فسكون أي في عرض الأسنان ظاهرها
وباطنها فيكره طولا لأنه يدمي اللثة ويفسد عمود الأسنان
لكنه يجزئ ولا يكره في اللسان لخبر أبي داود ولفقد العلة
(د في مراسيله عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء وخفة
الموحدة واسم أبي رباح أسد القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة
(مرسلا) رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان فيه محمد بن
خالد لا يعرف وفاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان
بأن محمدا هذا وثقه ابن معين وابن حبان والحديث ورد من
طريق للبغوي والعقيلي والطبراني وابن عدي وابن منده وغيرهم
بأسانيد قال ابن عبد البر فيها اضطراب لكن اجتماعها أحدث
قوة صيرته حسنا
(1/387)
712 - (إذا شربتم اللبن) أي فرغتم من شربه
(فتمضمضوا) إرشادا أو ندبا بالماء (منه) أي من أثره وفضلته
وعلل ذلك بقوله (فإن له دسما) وقيس باللبن المضمضة من ذي
دسم بل أخذ من مضمضته صلى الله عليه وسلم من السويق ندبها
في غير ما له دسم أيضا إذا كان يعلق منه شيء بين الأسنان
أو نواحي الفم وذكر بعض الأطباء أن بقايا اللبن يضر باللثة
والأسنان وللمضمضة عند الأكل وشرب غير الماء فوائد دينية
منها سلامة الأسنان من الحفر ونحوه إذ بقايا المأكول يورثه
وسلامة الفم من البخر وغير ذلك والصارف للأمر بالمضمضة هنا
عن الوجوب ما رواه الشافعي عن ابن عباس أنه شرب لبنا فمضمض
فمه ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت وما رواه أبو داود
بإسناد حسن عن أنس أنه عليه السلام شرب لبنا فلم يتمضمض
ولم يتوضأ وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديثنا
ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج لدعوى النسخ
(هـ عن أم سلمة) بفتح السين واللام وهي أم المؤمنين رمز
لحسنه فأوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح فقد قال الحافظ
مغلطاي في شرح ابن ماجه إسناده صحيح وأطال في تقريره وبيان
حال رجاله واحدا واحدا وأنهم موثقون ورواه مسلم من حديث
ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا ثم
دعا بماء فتمضمض وقال إن له دسما
(1/387)
713 - (إذا شهدت إحداكن العشاء) أي أرادت
حضور صلاتها مع الجماعة بنحو مسجد. وفي رواية مسلم بدل
العشاء المسجد (فلا تمس طيبا) من طيب النساء قبل الذهاب
إلى شهودها أو معه لأنه سبب للافتتان بها بخلافه بعده في
بيتها وفيه إشعار بأنهن كن يحضرن العشاء مع الجماعة ولجواز
شهودهن العشاء مع الجماعة شروط مرت وتخصيص العشاء ليس
لإخراج غيرها بل لأن تطيب النساء إنما يكون غالبا في أول
الليل قال ابن دقيق العيد: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن
سبب المنع ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس
والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة (فإن قلت) فلم
اقتصر في الحديث على الطيب (قلت) لأن الصورة أن الخروج
ليلا والحلي وثياب الزينة مستورة بظلمته وليس لها ريح يظهر
فإن فرض ظهوره كان كذلك (فإن قلت) فلم نكر الطيب (قلت)
ليشمل كل نوع من الأطياب التي يظهر ريحها. فإن ظهر لونه
وخفي ريحه فهو كثوب الزينة فإن فرض أنه لا يرى لكونها
متلففة وهي في ظلمة الليل [ص:388] احتمل أن لا تدخل في
النهي
(حم ن عن زينب) بنت معاوية أو أبي معاوية بن عثمان
(الثقفية) امرأة عبد الله بن مسعود صحابية. قال الكلاباذي:
اسمها رائطة المعروفة بزينب
(1/387)
714 - (إذا شهدت أمة من الأمم وهم أربعون
فصاعدا) أي فما فوق ذلك أي شهدوا للميت بالخير وأثنوا عليه
وليس المراد الشهادة عند قاض ولا الإتيان بلفظ أشهد بخصوصه
(أجاز الله تعالى شهادتهم) أي نفذها ومضاها وصيره مع أهل
الخير وحشره معهم ولا يتجه أن يقال معنى شهدت حضرت من
الشهود الحضور للصلاة عليه لأنه لا يلائمه قول أجاز
شهادتهم إذ يصير المعنى أجاز حضورهم. قال النيسابوري:
وحكمة الأربعين أن لم يجتمع أربعون إلا ولله فيهم عبد صالح
ولا ينافي ذلك رواية مئة لاحتمال أنه أوحي إليه بقبول
شهادة مئة فأخبر به ثم بأربعين على أنه لا يلزم من الأخبار
بقبول شهادة المئة منع قبول ما دونها بناء على أن مفهوم
العدد غير حجة. وهو رأي الجمهور (تتمة) روى ابن عساكر عن
عمرو بن العلاء لما دلى الأحنف في حفرته أقبلت بنت لأوس بن
مغراء على راحلتها وهي عجوز فوقفت عليه وقالت من الموافي
به حفرته لوقت حمامه؟ قالوا الأحنف قالت ليت كنتم سبقتمونا
إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد
وفاته ثم قالت لله درك من محسن في حنن مدرج في كفن نسأل
الله الذي ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك
ويغفر لك يوم حشرك ثم قالت أيها الناس: إن أولياء الله في
بلاده هم شهوده على عباده وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا
وهو أهل لحسن الثناء أما والذي رفع عملك عند انقضاء أجلك
لقد عشت مودودا حميدا ومت سعيدا فقيدا ولقد كنت عظيم الحلم
فاضل السلم رفيع العماد واري الزناد منيع الحريم سليم
الأديم عظيم الرماد قريب البيت من الناد فرحمنا الله وإياك
(طب والضياء) المقدسي (عن والد أبي المليح) اسم الوالد
أسامة بن عمير وهو صحابي واسم أبي المليح عامر. قال
الهيتمي: وفيه صالح بن هلال مجهول على قاعدة أبي حاتم أي
دون غيره ففي تجهيله خلف فالأوجه تحسين الحديث
(1/388)
715 - (إذا شهر المسلم على أخيه) في النسب
أو الدين (سلاحا) أي انتضاه من غمده وهوى إليه به لقتله
ظلما (فلا تزال الملائكة تلعنه) أي تدعو عليه بالطرد
والبعد عن الرحمة إن استحل ذلك وإلا فالمراد بلعنها إياه
سبه وشتمه والدعاء عليه بالإبعاد عن منازل الأبرار (حتى)
أي إلى أن (يشيمه) بفتح المثناة تحت وكسر المعجمة أي يغمده
والشيم من الأضداد يكون سلا ويكون إغمادا (عنه) وهذا في
غير العادل مع الباغي فللإمام وحزبه قتال البغاة بشرطه وفي
غير دفع الصائل فللمصول عليه الدفع عن نفسه بالأخف وإن
أفضى إلى قتل الصائل هدر والسلاح كل نافع في الحرب وتقييده
بالأخ المسلم يؤذن بأن من له ذمة أو عهد وأمان ليس كذلك
وهو غير مراد لكنه أخف
(البزار) في مسنده (عن أبي بكرة) بسكون الكاف وقد تفتح.
قال الهيتمي: فيه سويد بن إبراهيم ضعفه النسائي ووثقه أبو
زرعة وفيه لين. أه ومن ثم رمز المصنف لحسنه
(1/388)
716 - (إذا صلى أحدكم فليصل صلاة مودع) أي
إذا شرع في الصلاة فليقبل على الله بشراشيره ويدع غيره
لمناجاته ربه ثم فسر صلاة المودع بقوله (صلاة من لا يظن
أنه يرجع) أي يعود (إليها أبدا) أي دائما فإنه إذا استحضر
[ص:389] ذلك كان باعثا على قطع العلائق والتلبس بالخشوع
الذي هو روح الصلاة ومن أيقن بقدومه على عظيم شديد
الانتقام ذي القدرة والكمال فجدير بأن يلازم غاية الأدب
والصلاة صلة العبد بربه فمن تحقق بالصلة لمعت له طوالع
التجلي فيخشع ويصلي صلاة مودع وقد شهد القرآن بفلاح
الخاشعين {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} أي
خائفون من الله متذللون يلزمون أبصارهم مساجدهم. وعلامة
ذلك أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا يجاوز بصره محل
سجوده. وقد صلى بعضهم في جامع فسقطت ناحية منه فاجتمع
الناس عليها ولم يشعر. فليقبل العبد على ربه ويستحضر بين
يدي من هو واقف؟ وكان مكتوبا في محراب: أيها المصلي من
أنت؟ ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت؟ ومن تناجي؟ ومن يسمع
كلامك؟ ومن ينظر إليك؟
(فر عن أم سلمة) وفي إسناده ضعف لكن له شواهد واقتصاره على
الديلمي يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وهو عجب فقد خرجه
ابن ماجه من حديث أبي أيوب ورواه الحاكم والبيهقي
(1/388)
717 - (إذا صلى أحدكم) غير صلاة الجنازة
(فليبدأ بتحميد الله تعالى) وفي رواية يبدأ بتحميد ربه
سبحانه وعطف عليه عطف عام على خاص قوله (والثناء عليه) أي
بما يتضمن ذلك والحمد الثناء بالجميل على جهة التمجيد
والتحميد حمدا لله مرة بعد أخرى والثناء بالفتح والمد: فعل
ما يشعر بالتعظيم قال بعضهم: وأريد به بطلب المحامد هنا
التشهد أي ابتداء التشهد بالتحيات (ثم ليصل على النبي) صلى
الله عليه وسلم: يريد أن يجعله خاتمة تشهده (ثم ليدع) ندبا
(بعد) أي بعد ما ذكر (بما شاء) من دين أو دنيا مما يجوز
طلبه وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا
يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: عجل هذا ثم دعاه فقال: إذا صلى أحدكم إلخ
وفيه تعليم الجاهل وذم العجلة والإسراع في الصلاة ووجوب
التشهد الأخير والقعود له والصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم كذا استدل به جمع منهم ابن خزيمة وابن حزم ومن ثم قطع
به الشافعي مخالفا لأبي حنيفة ومالك في قولهما بعدم الوجوب
ونزاع ابن عبد البر وغيره في الاستدلال بأن في سنده مقالا
وبأنه لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء
صلاته: رد الأول بأن أربعة من أعلام الحفاظ صححوه: الترمذي
وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد ورد من طريق آخر أخرجه
الحاكم. قال الحافظ ابن حجر بإسناد قوي عن ابن مسعود قال
يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو
لنفسه والثاني باحتمال أن يكون ذلك وقع عند فراغه ويكفي
التمسك بالأمر في دعوى الوجوب. قال ابن حجر: وهذا أقوى شيء
يحتج به الشافعي على وجوب الصلاة عليه في التشهد وفيه جواز
الدعاء في الصلاة بديني أو دنيوي لقوله بما شاء
(ت حب ك هق عن فضالة) بفتح الفاء (ابن عبيد) بن نافل بن
قيس الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو
في صلاته لم يحمد الله إلخ فذكره قال الحاكم صحيح على شرط
مسلم وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن صحيح
(1/389)
718 - (إذا صلى أحكم) فرضا أو نفلا أي أراد
الصلاة (فليصل إلى سترة) من نحو سارية أو عصى ولو أدق من
رمح فإن فقد ما ينصبه بسط مصلى كسجادة فإن لم يجد خط خطا
طولا وخص من إطلاق السترة ما نهى عن استقباله من آدمي
ونحوه (وليدن من سترته) بحيث لا يزيد وأما بينه وبينها على
ثلاثة أذرع وكذا بين الصفين (لا يقطع) بالرفع على
الاستئناف والنصب بتقدير لئلا ثم حذفت لام الجر وأن
الناصبة والكسر لالتقاء الساكنين على أنه جواب الأمر
[ص:390] وهو: وليدن (الشيطان) أي المار: سمي شيطانا لأن
فعله فعل الشيطان لإتيانه بما يشوش على المصلي أو لأن
الحامل له على ذلك الشيطان وقيل الشيطان نفسه هو المار
والشيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي المار
ومن تعقب ذلك لم يأت بطائل (عليه صلاته) يعني ينقصها بشغل
قلبه بالمرور بين يديه وتشويشه فليس المراد بالقطع البطلان
وفيه تحريم المرور بين يدي المصلي إذا جعل له سترة ومحله
إن لم يقصر وإلا كأن وقف بالطريق فلا حرمة بل ولا كراهة
كما في الكفاية ولو صلى بلا سترة أو تباعد عنها أو لم تكن
السترة بالنعت المذكور فلا حرمة لتقصيره لكنه خلاف الأولى
أو مكروه وفيه تنبيه على عظمة الصلاة واحترام المصلي لأنه
مناج ربه <تنبيه> ثبت في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه
وسلم كان يصلي إلى الاسطوانة ووقع في صحيح مسلم أنه صلى
الله عليه وسلم كان يصلي وراء الصندوق وكأنه كان للمصحف
صندوق يوضع فيه قال ابن حجر: والاسطوانة المذكورة حقق بعض
مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة الكريمة وأنها تعرف
باسطوانة المهاجرين. قال وروي عن عائشة أنها قالت: لو
عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وأنها أسرتها إلى ابن
الزبير فكان يكثر الصلاة عندها
(حم د ن حب ك عن سهيل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون
المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة الأوسي صحابي صغير
قبض المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان لكنه حفظ عنه
قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن عبد البر
اختلف في إسناده وهو حسن
(1/389)
719 - (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر) أي سنته
(فليضطجع) ندبا وقيل وجوبا (على جنبه الأيمن) أي يضع جنبه
الأيمن على الأرض وحكمة الاضطجاع ألا يتوهم أن الصبح
رباعية وكونه على اليمين أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع
عليه استغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة. قال العراقي: ولا
تحصل أصل سنة الاضطجاع بكونه على اليسار بلا عذر ولو لم
يمكن فصل بكلام أو تحول. وأوجب ابن حزم هذه الضجعة وأبطل
الصلاة بتركها وانتصر له في مجلد ضخم وهو من تفرداته وعدها
بعضهم بدعة وأنكرها ابن مسعود وقال النخعي ضجعة الشياطين
وحمل على أنه لم يبلغهما الأمر بفعلها
(د ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن غريب وقال ابن
القيم باطل إنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر وقال في الرياض
بعد عزوه لأبي داود والترمذي أسانيده صحيحة وقال غيره
إسناد أبي داود على شرط الشيخين
(1/390)
720 - (إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصلي)
ندبا (بعدها شيئا) يعني لا يصلي سنتها البعدية (حتى يتكلم)
بشيء من كلام الآدميين ويحتمل الإطلاق (أو يخرج) من محل
الجمعة والمراد حتى يفصل بينهما بكلام أو يخرج من محل
إقامتها إلى نحو بيته فيندب حينئذ أن يصلي ركعتين أو أربعا
فإن حكمها في الراتبة كالظهر فيما قبلها وبعدها وكالجمعة
غيرها من كل فرض ففي أبي داود بسند - قال ابن حجر - منقطع
عن المغيرة مرفوعا: لا يصلي الإمام في الموضع الذي يصلي
فيه حتى يتحول. وروى ابن أبي شيبة بإسناد - قال ابن حجر -
عن علي: من السنة ألا يتطوع الإمام في الموضع حتى يتحول عن
مكانه وروى ابن قدامة عن أحمد أنه كرهه والمعنى فيه خشية
التباس النفل بالفرض فأرشد في الحديث إلى طريق الأمن من
الالتباس (فإن قيل) إذا كان غير الجمعة مثلها فلم خصها؟
(قلت) هذا خرج جوابا تعليما لرجل رآه يصلي عقب الجمعة فليس
للتخصيص
(طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (ابن
مالك) الأنصاري الخطمي قال الذهبي كابن الأثير وغلط ابن
منده في جعله خثعميا رمز المؤلف لضعفه ووجهه أن فيه كما
قال الهيتمي وغيره الفضل ابن المختار ضعيف جدا
(1/390)
721 - (إذا صلى أحدكم) أي أراد أن يصلي
(فليلبس نعليه) أي فليصل بهما بدليل رواية البخاري كان
يصلي في نعليه [ص:391] وهو محمول عند الجمهور على ما إذا
لم يكن فيهما نجاسة قال ابن دقيق العيد: وهذا من الرخص لا
من المستحبات وذهب بعض السلف إلى أن النعل المتنجسة تطهر
بدلكها بالأرض وتصح الصلاة فيها وهو قول قديم للشافعي ومن
يرى خلافه أوله بما ذكر (أو ليخلعهما) أي ينزعهما
وليجعلهما ندبا (بين رجليه) إذا كانتا طاهرتين أو بعد
دلكهما بالأرض على القول به (ولا يؤذي) ناهية وإثبات حرف
العلة إما لغة أو الجزم مقدر وهو خبر بمعنى النهي بهما
(وغيره) وضعهما أمام غيره أو عن يمينه أو يساره وما ورد أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع نعليه عن يساره حمل على
أنه كان منفردا وفيه المنع من أذى الآدمي وإن قل التأذي
(ك عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه
أيضا أبو داود
(1/390)
722 - (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل) ندبا
(بعدها أربعا) ولا يناقضه رواية الركعتين لأن النصين
محمولان على الأقل والأكمل كما يصرح به قول التحقيق أنها
في ذلك كالظهر وقوله في شرح مسلم: كانت صلاته صلى الله
عليه وسلم لها أربعا أكثر تعقبه العراقي بأنه لا دليل له
ومذهب الشافعية أنها كالظهر يسن قبلها أربع وبعدها أربع
والمؤكد من ذلك ركعتان قبل وركعتان بعد قال العراقي ولم أر
للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها
(حم م ن عن أبي هريرة) الدوسي
(1/391)
723 - (إذا صلى أحدكم فأحدث) فيها بمبطل
خفي يلحق صاحبه بظهوره خجل (فليمسك) ندبا (على أنفه)
محدودبا ظهره موهما أنه رعف (ثم لينصرف) فيتطهر سترا على
نفسه من الوقيعة فيه وليس ذلك من الكذب القبيح بل من
التورية بما هو أحسن ويؤخذ منه لو كان حدثه ظاهرا كما لو
لمسته أجنبية بحضرة المصلين أو أكره على وضع بطن كفه على
فرج أو خرج خارجه بصوت تحقق الحاضرون أنه منه أنه لا يسن
إمساك أنفه ولا إيهام أنه رعف وفيه دليل لمن قال بنقض
الوضوء بالرعاف وذهب الشافعية إلى خلافه لأدلة أخرى (ليس
في الحديث ما يدل على أن الرعاف ناقض للوضوء بل هو مبطل
للصلاة فقط لأنه من طروء النجاسة وإنما يؤمر من رعف في
الصلاة بالانصراف منها لغسل ما أصابه من دم الرعاف فقط ولا
يجب عليه الوضوء أه)
(هـ عن عائشة) رمز لحسنه وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن
علي المقدسي قال ابن عدي اختلط وقال الذهبي: ثقة مدلس
(1/391)
724 - (إذا صلى أحدكم) مكتوبة (في بيته) أي
في محل سكنه ولو نحو خلوة أو مدرسة أو حانوت (ثم دخل
المسجد) يعني محل إقامة الجماعة (والقوم يصلون) المراد صلى
منفردا في أي موضع كان ولو مسجدا ثم وجد جماعة تقام في أي
محل كان (فليصل معهم) واحدة فإن ذلك مندوب (وتكون له
نافلة) وفرضه الأولى. قال النووي: ولا يناقضه خبر لا تصلوا
صلاة في يوم مرتين. لأن معناه لا تجب في يوم مرتين. قال
أبو زرعة: وقضية الخبر لا فرق في الإعادة بين كونها مما
تكره الصلاة بعدها بأن تكون صبحا أو عصرا أو لا وهو كذلك
أه وما ذكر من أن قضية الخبر جاء مصرحا به في خبر أبي داود
وغيره عن زيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله عليه
وسلم حجته فصليت معه الصبح فلما قضى صلاته إذا برجلين لم
يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا: صلينا في
رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما
مسجدا فصليا معهم فإنها لكما نافلة. فهذا تصريح بعدم الفرق
بين وقت الكراهة وغيره وذهب الحنفية إلى استثناء وقت
الكراهة وقالوا هذا الخبر معارض بخبر النهي عن النفل بعد
الصبح والعصر وهو مقدم لزيادة قوته لأن المانع مقدم أو
يحمل على ما قبل النهي جمعا بين الأدلة
(طب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر
الجيم مدني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة. قال الهيتمي:
فيه إبراهيم بن [ص:392] زكريا فإن كان العجلي الواسطي
فضعيف وإلا فلم أعرفه أه وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه
(1/391)
725 - (إذا صلت المرأة خمسها) المكتوبات
الخمس (وصامت شهرها) رمضان غير أيام الحيض إن كان (وحفظت)
وفي رواية أحصنت (فرجها) عن الجماع المحرم والسحاق (وأطاعت
زوجها) في غير معصية (دخلت) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق
الدخول (الجنة) إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت
توبة نصوحا أو عفي عنها والمراد مع السابقين الأولين وإلا
فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار (فإن قلت) فما
وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان
الخمسة التي بني الإسلام عليها (قلت) لغلبة تفريط النساء
في الصلاة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان الحليل ولأن
الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج
فأناط الحكم بالغالب وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها
بكل حال والحفظ والصون والحراسة والفرج يطلق على القبل
والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح. وأكثر استعماله عرفا
في القبل
(البزار) في مسنده (عن أنس) باللفظ المذكور. قال الهيتمي:
وفيه رواد بن الجراح وثقه أحمد وجمع وضعفه آخرون وقال ابن
معين: وهم في هذا الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح (حم عن
عبد الرحمن بن عوف) لكنه قال بدل: دخلت الجنة. قيل لها:
ادخلي من أي أبواب الجنة شئت. قال الهيتمي فيه ابن لهيعة
وبقية رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: رواة أحمد رواة
الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات (طب عن عبد
الرحمن بن حسنة) أخو شرحبيل وحسنة أمهما لكنه قال بدل
وأطاعت زوجها: وأطاعت بعلها وحفظت فرجها فلتدخل من أي
أبواب الجنة شاءت. قال الهيتمي: وفيه أيضا ابن لهيعة وبقية
رجاله رجال الصحيح
(1/392)
726 - (إذا صلوا) المؤمنون (على جنازة
فأثنوا) عليها (خيرا يقول الرب أجزت شهادتهم فيما يعلمون)
أي أجزتها فيما علموا به من عمله (وأغفر له ما لا يعلمون)
فإن المؤمنين شهداء الله في أرضه كما أن الملائكة شهداء
الله في السماء والصلاة على الميت توجع لفراقه وفزع إلى
الدعاء والله لا يخيب من قصده ولهذا شرع تلاوة القرآن
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء رجاء
القبول لأنه إذا تقبل القرآن والصلاة عليه أجاب الدعاء
للميت كرما وفضلا فغفر له
(تخ عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وشد المثناة تحت
كما في أسد الغابة وضبطه المؤلف في مسودته هكذا (بنت معوذ)
بن عفراء الأنصارية الصحابية رمز لحسنه وليس ذا منه بحسن
فإن البخاري خرجه من حديث عيسى بن يزيد عن معاذ عن خالد بن
كيسان عن الربيع ثم قال البخاري خالد فيه نظر وفي اللسان
ذكره العقيلي في الضعفاء وقال لا يحفظ هذا الخبر عن الربيع
وعيسى بن يزيد هو ابن دانه متروك
(1/392)
727 - (إذا صليت) أي دخلت في الصلاة (فلا
تبزقن) بنون التوكيد وأنت فيها (بين يديك) وفي رواية
أمامك: أي جهة القبلة (ولا) تبزقن (عن يمينك) زاد في رواية
فإن عن يمينك ملكا. قال التوربشتي: يحتمل أن يراد الملك
الذي يحضره عند الصلاة للتأييد والالهام والتأمين لأنه
زائر والزائر يكرم فوق اللازم كالكاتبين ويحتمل تخصيص صاحب
اليمين بالكرامة تنبيها على ما بين الملكين من المزية
وتمييزا بين ملائكة الرحمة والعذاب قيل ويحتمل أن كاتب
السيئات يتنحى عنه حال الصلاة لكونه لا دخل له فيها (ولكن
ابزق تلقاء) بكسر الفوقية والمد (شمالك) أي جهته [ص:393]
(إن كان فارغا) من آدمي محترم يتأذى به (وإلا) بأن لم يكن
فارغا من ذلك (ف) ابزق تحت قدمك اليسرى (وادلكه) أي امرسه
بيدك أو برجلك ليدفن في التراب أو الرمل ويغيب أثره وسواء
فيما ذكر كله من بالمسجد وغيره لأن البصاق إنما يحرم فيه
إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من
أجزائه دون هوائه سواء من به وخارجه لأن الملحظ التقذير
وهو متفق عليه وزعم (قوله: زعم: مصدر مبتدأ) حرمته في
هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه: غير (قوله: غير: خبر
المبتدأ) معول عليه وما ذكر من الاكتفاء بالدلك جار على ما
كانت المساجد عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من
كونها رملية أو ترابية فإن كان المسجد مبلطا أو مرخما تعين
إخراجه لأن دلكه فيه تقذير له وتقذيره ولو بطاهر حرام
(حم عد حب ك عن طارق) بالقاف (ابن عبد الله المحاربي)
الصحابي
(1/392)
728 - (إذا صليت الصبح) أي فرغت من صلاته
(فقل) ندبا عقبها (قبل أن تكلم أحدا من الناس اللهم أجرني)
بكسر الجيم أي أعذني وأنقذني (من النار) أي من عذابها أو
من دخولها قبل ذلك (سبع مرات فإنك إن) قلته و (مت من يومك
ذلك كتب الله لك) أي قدر أو أمر الملائكة بالكتابة في
اللوح أو الصحف (جوارا) بضم الجيم وكسرها أفصح كما في
الصحاح أي أمانا (من النار) والمراد نار الآخرة (وإذا صليت
المغرب) أي فرغت من صلاتها (فقل قبل أن تكلم أحدا من
الناس: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن) قلت ذلك و
(مت من ليلتك كتب الله لك جوارا من النار) أي من دخولها
إلا تحلة القسم ثم يحتمل أن ذلك باجتناب الكبائر أخذا من
نصوص أخرى والجوار: الانقاذ والجار: الذي يجير غيره أي
يؤمنه والمستجير: الذي يطلب الأمان <تنبيه> قال ابن حجر:
يؤخذ من مجموع الأدلة أن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع
بعدها أو لا فالأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر
المأثور كالمذكور في هذا الخبر ثم يتطوع أو عكسه؟ ذهب
الجمهور إلى الأول والحنفية إلى الثاني ويترجح تقديم الذكر
المأثور لتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة وزعم بعض
الحنابلة أن بعض المراد بدبرها ما قبل السلام ورد بعدة
أخبار وأما التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه
بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاؤوا انصرفوا أو
مكثوا وذكروا وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعظهم
فليقبل عليهم جميعا وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل
يقبل عليهم أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره
من قبل القبلة ويدعو؟ الثاني هو ما عليه أكثر الشافعية
(حم د ن حب عن الحارث) بن مسلم (التميمي) أنه حدث عن أبيه
به كذا هو عند النسائي لكن ابن أبي حاتم قال: الحارث بن
مسلم بن الحارث فمسلم هو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم عنده. قال أبو حاتم: والحارث بن مسلم تابعي ولم يذكر
لمسلم هذا أكثر من أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في
سرية وأما ابنه فلا يعرف حاله أه وبه يعلم ما في رمز
المصنف لصحته
(1/393)
729 - (إذا صليتم على الميت) صلاة الجنازة
(فأخلصوا له الدعاء) أي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب لأن
المقصود [ص:394] بهذه الصلاة إنما الاستغفار والشفاعة
للميت وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال ولهذا
شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء
للحي. قال ابن القيم: هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا
ينتفع بالدعاء
(د هـ حب عن أبي هريرة) أعله المناوي بمحمد بن إسحاق وتبعه
ابن حجر فقال: فيه ابن اسحاق وقد عنعن لكن أخرجه ابن حبان
من طريقين آخرين مصرحا بالسماع
(1/393)
730 - (إذا صليتم خلف أئمتكم) أي أردتم
الصلاة خلفهم (فأحسنوا طهوركم) بضم الطاء أي تطهيركم بأن
تأتوا به على أكمل حالة من فرض وشرط وسنة وآداب (فإنما
يرتج) بالبناء للمفعول مخففا: أي يستغلق ويصعب (على القارئ
قراءته بسوء طهر المصلي خلفه) أي بقبحه بأن أخل بشيء من
مطلوباتها الشرعية لأن شؤمه يعود إلى إمامه والرحمة خاصة
والبلاء عام والأمر بإحسان الطهر عام لكنه للمقتدي آكد.
وكذا الإمام. قال الزمخشري: ومن المجاز صعد المنبر فأرتج
عليه إذا استغلق عليه الكلام
(فر عن حذيفة) بن اليمان. قال صلى بنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلاة الصبح فقرأ سورة الروم فأرتج عليه فلما قضى
صلاته قال ذلك أه وفيه محمد بن الفرحان قال الخطيب: غير
ثقة وفي الميزان: خبر كذب وعبد الله بن ميمون مجهول
(1/394)
731 - (إذا صليتم) أي أردتم الصلاة
(فاتزروا) أي البسوا الإزار (وارتدوا) أي اشتملوا بالرداء
والرداء بالمد: ما يرتدي به مذكر. قال ابن الأنباري: ولا
يجوز تأنيثه (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا
(باليهود) فإنهم لا يتزرون ولا يرتدون بل يشتملون اشتمال
الصماء. قال في المطامح: اللباس المأمور به في الصلاة له
صفتان: صفة إجزاء وصفة كمال فصفة الإجزاء كونه مستور
العورة والصفة الكمالية كونه مؤتزرا مرتديا في أحسن زي
وأكمل هيئة
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب وتعقبه عبد الحق بأن فيه نضر بن
حماد متروك وإنما هو موقوف على ابن عمر قال ابن القطان
وأنا أعرف له طريقا جيدا ذكره ابن المنذر
(1/394)
732 - (إذا صليتم الفجر) أي فرغتم من صلاة
الصبح (فلا تناموا عن طلب أزراقكم) فإن هذه الأمة قد بورك
لها في بكورها وأحق ما طلب العبد رزقه في الوقت الذي بورك
له فيه لكنه لا يذهب إلى طلبه إلا بعد الشمس وقبله يمكث
ذاكرا مستغفرا حتى تطلع كما كان يفعل المصطفى صلى الله
عليه وسلم. قال الحراني: والنوم ما وصل من النعاس إلى
القلب فغشاه أي ستره في حق من ينام قلبه وما استغرق الحواس
في حق من لا ينام قلبه
(طب عن ابن عباس)
(1/394)
733 - (إذا صليتم فارفعوا سبلكم) وفي رواية
بن عدي: السبل بسين مهملة وموحدة تحتية أي ثيابكم المسبلة.
قال الزمخشري: أسبل الإزار أو سبله والمرأة تسبل ذيلها
والفرس ذنبه ومن المجاز: أسبل المطر أرسل دفعة ووقفت على
الديار فأسبلت مني عبرتي (فإن كل شيء أصاب الأرض من سبلكم)
بأن جاوز الكعبين (فهو في النار) أي فصاحبه في النار أن
يكون على صاحبه في النار فتلتهب فيه فيعذب به والمراد نار
الآخرة وهذا إذا قصد به الفخر والخيلاء
(تخ طب هب [ص:395] عن ابن عباس) قال الزين العراقي: فيه
عيسى بن قرطاس قال النسائي: متروك وابن معين: غير ثقة وقال
الهيتمي: فيه عيسى بن قرطاس ضعيف جدا ونحوه في المطامح.
وفي الميزان عن النسائي متروك وعن العقيلي من غلاة الرفض.
فرمز المؤلف لحسنه إنما هو لاعتضاده
(1/394)
734 - (إذا صليتم صلاة الفرض) أي المكتوبات
الخمس (فقولوا في عقب كل صلاة) أي في أثرها من غير فاصل أو
بحيث ينسب إليها عرفا (عشر مرات) أي متواليات ويحتمل
اغتفار الفصل والسكوت اليسيرين (لا إله إلا الله) أداة
الحصر لقصر الصفة على الموصوف قصر إفراد لأن معناه
الألوهية منحصرة في الله الواحد في مقابلة زاعم اشتراك
غيره معه وليس قصر قلب إذ لم ينفها عن الله من الكفرة أحد
إنما أشركوا معه (وحده) حال مؤكدة بمعنى منفرد في الألوهية
(لا شريك) أي لا مشارك (له له الملك وله الحمد وهو على كل
شيء قدير) جملة مؤكدة لما قبلها: أي هو فعال لكل ما يشاء
كما يشاء (يكتب له) أي فقائل ذلك يقدر الله له أو يأمر
الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحف (من الأجر كأنما)
كأجر من (أعتق رقبة) لما للكلمات المذكورة من مزيد المزية
عنده تعالى وحسن القبول لديه والرقبة أصلها اسم للعضو
المخصوص ثم عبر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسما
للمملوك كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل فلان رابط
كذا رأسا وكذا ظهرا وفيه رد على من زعم أن الدعاء عقب
الصلاة لا يشرع تمسكا بما يأتي أن المصطفى صلى الله عليه
وسلم كان إذا سلم لا يثبت إلا بقدر ما يقول ذلك فقد ورد
أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء
بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على
أصحابه فلا تدافع. وقول (قوله وقول: مبتدأ) ابن القيم
الدعاء بعد السلام مستقبلا منفردا أو إماما أو مأموما لم
يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أصلا ولا روي عنه
بإسناد صحيح ولا حسن ولم يفعله الخلفاء بعده إلا أرشد إليه
وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها وأمر بها فيها
وهو اللائق بالمصلي فإنه يناجي ربه فإذا سلم انقطعت
المناجاة والقرب منه: رده (قوله رده: جملة وقعت في خبر
المبتدأ) جمع منهم ابن حجر بأن ما زعمه من النفي ممنوع
بإطلاق فقد ثبت من طريق صحيحة الأمر بالأذكار دبر الصلاة
وإنكاره مكابرة
(الرافعي) إمام الدين عبد الكريم (في تاريخه) تاريخ قزوين
(عن البراء) بالتخفيف ابن عازب
(1/395)
735 - (إذا صمت) يا أبا ذر (من الشهر) أي
شهر كان (ثلاثا) أي أردت صوم ذلك تطوعا (فصم ثلاث عشرة
وأربع عشرة وخمس عشرة) أي صم الثالث عشر من الشهر وتالييه
إلا الحجة فصم منها الرابع عشر وتالييه وسمى هذه الثلاثة
الأيام البيض أي أيام الليالي البيض لإضاءتها بالقمر
وصومها من كل شهر مندوب وكما يسن صوم البيض يسن صوم السود.
وهي ثلاثة من آخره
(حم ت ن عن أبي ذر) ولفظ الترمذي يا أبا ذر إذا صمت إلخ
قال الترمذي حسن ورمز المصنف لصحته تبعا لابن حبان
(1/395)
736 - (إذا صمتم) فرضا أو نفلا (فاستاكوا
بالغداة) أي الضحوة وهي أول النهار وهي مؤنثة قال ابن
الانباري: ولم [ص:396] يسمع تذكيرها ولو حملت على أول
النهار جاز التذكير (ولا تستاكوا بالعشي) هو من الزوال إلى
الغروب وقيل إلى الصباح (فإنه) أي الشأن (ليس من صائم تيبس
شفتاه بالعشي إلا كان) كذا فيما وقفت عليه من النسخ والذي
رأيته بخط الحافظ العراقي وغيره كانتا (نورا بين عينيه يوم
القيامة) يضئ له فيسعى فيه أو يكون سيمة وعلامة له يعرف
بها في الموقف وأخذ منه أبو شامة تحديد كراهية السواك
للصائم بالعصر خلاف ما عليه الشافعية من تحديدها بالزوال
ورده أبو زرعة بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه بل قضيته
التحديد بالزوال لأنه مبدأ العشي وفي المسألة سبعة مذاهب
مبينة في المطولات
<فائدة> قال في الإنجيل: إذا صمتم فلا تكونوا كالمرائين
لأنهم يعبسون وجوههم ويغيرونها ليظهروا للناس صيامهم الحق
أقول لكم: لقد أخذوا أجورهم وأنت إذا صمت ادهن رأسك واغسل
وجهك لئلا يظهر للناس صيامك
(طب قط) من حديث كيسان القصاب عن يزيد بن هلال (عن خباب)
بفتح المعجمة وشد الموحدة (ابن الأرت) بفتح الهمزة وشد
المثناة فوق تميمي النسب خزاعي الولاء من السابقين الأولين
عذب في الله كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يألفه ويأمنه
وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه خرجه وسلمه ولا كذلك بل تعقبه
الدارقطني بأن كيسان هو ابن عمرو القصاب غير قوي ويزيد غير
معروف أه. وقال العراقي في شرح الترمذي حديث ضعيف جدا وفي
تخريج الهداية فيه كيسان القصاب ضعيف جدا. وقال ابن حجر:
فيه كيسان ضعيف عندهم
(1/395)
737 - (إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته)
ندبا لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}
وأفهم قوله إنه لا يندب له أكل الكل بل لا يجوز فيجب
التصدق بشيء منها فيملكه لفقراء المسلمين ولا يجوز تمليك
الأغنياء ويجوز الإهداء إليهم والأحسن التصدق بالكل إلا
لقمة أو لقما يأكلها فإنه سنة لهذا الخبر وقد كان المصطفى
صلى الله عليه وسلم يأكل من كبد أضحيته. ويستحب إذا أكل
وأهدى وتصدق أن لا يزيد على كله على الثلث ولا تنقص صدقته
عنه هذا كله في التطوع أما الأضحية الواجبة بنحو نذر أو
بقوله جعلتها أضحية فيحرم أكله منها ولو ضحى عن غيره بإذنه
كميت أوصى فليس له ولا لغيره من الأغنياء الأكل
(حم عن أبي هريرة) قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح
(1/396)
738 - (إذا ضرب أحدكم خادمه) يعني مملوكه
وكل من له ولاية عليه لتأديبه (فذكر الله) عطف على الشرط:
أي ذكره مستغيثا أو مستشفعا. ذكره ابن العربي. ولو قيل:
المراد مطلق التلفظ بالاسم والابتهال به إلى الله فيما هو
فيه لم يبعد وجواب الشرط قوله (فارفعوا أيديكم) أي كفوا عن
ضربه: أي إلا أن يكون في حد فإنه لا بد من إتمام عدده وإلا
في تأديب نافع أو زاجر ولم يكن قد بلغ محله وذلك إجلالا
لمن ذكر اسمه ومهابة لعظمته. هذا سياق الحديث على ما في
نسخ هذا الجامع والذي رأيته في أصول صحيحة معزوا للترمذي:
إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله تعالى فليرفع عنه أه. وقوله
فليرفع: هو مقتضى السياق وعلى ما في نسخ هذا الكتاب إنما
قال ارفعوا إشارة إلى أنه عام يتناول كل ضارب. قال في
العارضة: إذا ضرب في حد أو تأديب فليذكر له ما يضربه عليه
إن لم يعرفه
(ت) في البر (عن أبي سعيد) الخدري وقال هارون العبدي ضعيف
أه فاقتصار المصنف على عزو الحديث وسكوته عما عقبه في بيان
القادح غير صواب
(1/396)
[ص:397] 739 - (إذا ضرب أحدكم خادمه) أو
مواليه أو حليلته أو نحو ولده وذكر الخادم في بعض الروايات
والعبد في بعضها ليس للتخصيص وإنما خص لأن سبب ذكره أن
إنسانا ضرب خادمه وآخر عبده على وجهه فالسبب خاص والحكم
عام فشمل الحكم إذا ضرب حدا أو تعزيرا لله أو لآدمي ونحو
ولي وسيد وزوج (فليتق) في رواية لمسلم فليتجنب وهي مبينة
لمعنى الإتقاء (الوجه) من كل مضروب معصوم وجوبا لأنه شين
ومثله له للطافته وتشريفه على جميع الأعضاء الظاهرة لأنه
الأصل في خلقة الإنسان وغيره من الأعضاء خادم لأنه الجامع
للحواس التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع
المختلفة ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث
والقصد ولأنه مدخل الروح ومخرجه ومقر الجمال والحسن وبه
قوام الحيوان كله ناطقه وصامته فلما كان بهذه المثابة
احترمه الشرع وأمر بعدم التعرض له في عدة أخبار بضرب أو
إهانة أو تقبيح أو تشويه ومثل الوجه في عدم الضرب المقاتل
لا الرأس كما قال بعض الشافعية وجاء في رواية لمسلم تعليله
بأن الله خلق آدم على صورته أي على صورة المضروب وقيل
الضمير لله بدليل رواية الطبراني بإسناد رجاله ثقات كما
قال ابن حجر على صورة الرحمن وفي رواية لابن أبي عاصم عن
أبي هريرة مرفوعا " من قاتل فليتجنب الوجه فإن صورة وجه
الإنسان على صورة وجه الرحمن ". فيتعين إجراء ذلك على ما
تقرر بين أهل السنة من إيراده على ما جاء بغير إعتقاد
تشبيه أو تأويله على ما يليق بالرحمن جل وعلا. وفيه أنه
يحرم ضرب الوجه وما ألحق به في الحد والتعزير والتأديب.
وألحق بالآدمي كل حيوان محترم أما الحربيون فالضرب في
وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود
(د) في الحدود (عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أنه ليس
في أحد الصحيحين وهو ذهول عجيب فقد خرجه مسلم من حديث أبي
هريرة بهذا اللفظ بعينه. قال ابن حجر: رواه البخاري بلفظ
آخر
(1/397)
740 - (إذا ضن) بشد النون بضبط المصنف
(الناس) أي بخلوا (بالدينار والدرهم) فلم ينفقوها في وجوه
البر (وتبايعوا بالعينة) بالكسر وهي أن تبيع بثمن لأجل ثم
يشتريه بأقل وقال البيهقي: هي أن يقول المشتري ذا بكذا
وأنا أشتريه منك بكذا (وتبعوا أذناب البقر) كناية عن
اشتغالهم بالزرع وإهمالهم القيام بوظائف العبادات (وتركوا
الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (أدخل الله عليهم
ذلا) بالضم هوانا وضعفا (لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم)
أي حتى يرجعوا عن ارتكاب هذه الخصال المذمومة وفي جعلها
إياها من غير الدين وأن مرتكبها تارك للدين مزيد زجر
وتهويل وتقريع لفاعله وهذا من أقوى أدلة من حرم بيع العينة
خلافا لما عليه الشافعية من قولهم بالكراهة دون التحريم
والبطلان. وظاهر صنيع المصنف أن لفظ الحديث عند جميع من
عزاه له ما ذكر ولا كذلك بل لفظ رواية البيهقي في الشعب
بدل أدخل أنزل الله عليهم البلاء لا يرفعه إلخ وإناطة
إدخال الذل وإنزال البلاء بوقوع الثلاثة مؤذن بأنهم لو
فعلوا بعضها فقط لا يلحقهم الوعيد
(حم طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب. وفيه أبو بكر بن عياش
مختلف فيه:
(1/397)
741 - (إذا طبختم اللحم) أي نضجتموه بمرق
وفي المصباح عن بعضهم لا يسمى طبيخا إلا إذا كان بمرق
(فأكثروا المرق) بالتحريك (فإنه) أي إكثاره (أوسع وأبلغ
للجيران) وفي رواية بالجيران وهي أوضح أي أكثر [ص:398]
بلاغا في التوسعة عليهم وتعميمهم فلم ينص الأمر بالغرف
للجيران منه كأنه أمر متعارف والأمر للندب عند الجمهور
وللوجوب عند الظاهرية. قال العلائي: وفيه تنبيه لطيف على
تسهيل الأمر على مزيد الخير حيث لم يقل فأكثروا لحمها أو
طعامها إذ لا يسهل ذلك على كثير. وقال الحافظ العراقي:
وفيه ندب إكثار مرق الطعام لقصد التوسعة على الجيران
والفقراء وأن المرق فيه قوة اللحم فإنه يسمى أحد اللحمين
لأنه يخرج خاصية اللحم فيه بالغليان. قال: وفيه أفضلية
اللحم المطبوخ على المشوي لعموم الانتفاع لأنه لأهل البيت
والجيران ولأنه يجعل فيه الثريد وهو أفضل الطعام وفيه ندب
الإحسان إلى الجار وفيه يندب أن يفرق لجاره من طعامه وأفرد
في رواية الترمذي ذكر الجار فإنه أراد الواحد فينبغي أن
يخص به أولا الأقرب وإن أريد الجنس وأمكن التعميم فهو
أولى. وإلا فينبغي تقديم الأحوج والأولى
(ش عن جابر) قضية صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا
لما عدل عنه وأبعد النجعة وهو ذهول فقد أخرجه مسلم بلفظ:
إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ذكره في البر من
حديث أبي هريرة ورواه عنه أيضا باللفظ الواقع هنا أحمد
والبزار قال الهيتمي: ورجال البزار فيهم عبد الرحمن بن
معراء وثقه أبو زرعة وجمع وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله
رجال الصحيح وإسناد أحمد منقطع. أه. والمؤلف رمز لحسنه
(1/397)
742 - (إذا طلب أحدكم من أخيه) في النسب أو
الدين (حاجة) أي أرادها وطلبها منه سواء كانت له أو لغيره
(فلا يبدأه) في أول سؤاله له (بالمدح) أي الثناء عليه بما
فيه من الصفات الجميلة (فيقطع) بنصيبه جواب النهي (ظهره)
قال في المطامح: هذه إشارة إلى كراهة المدح. لأن الممدوح
قد يغتر بذلك ويعجب به فيسقط من عين الله. أه. ولا يخفى
بعده من السياق والأقرب أن المراد أنك إن بدأته بالمدح
استحيا منك فيتحمل الضرورة ويعطيك ما طلبت متجشما للمشقة
كأنه مقطوع الظهر فيكون المأخوذ حراما ولذلك صرح الغزالي
بأن المأخوذ بالمحاباة حرام ويظهر أن المسؤول لو كان من
المتقين بحيث لا يعيره المدح ولا يستحي من الرد لكونه من
أولى الإعطاء أنه لا يكره أن يبدأه بالمدح لا من المحذور
(ابن لال في) كتاب فضل (مكارم الأخلاق عن ابن مسعود) وفيه
محمد بن عيسى بن حبان ضعفه والدارقطني وقال الحاكم متروك
عن يونس بن أبي إسحاق ضعفه أحمد ويحيى ورواه عنه أيضا
البيهقي بزيادة ولفظه: إن من البيان لسحرا فإذا طلب أحدكم
من أخيه حاجة فلا يبدأه بالمدحة فيقطع ظهره
(1/398)
743 - (إذا طلع الفجر) الصادق (فلا صلاة
إلا ركعتي الفجر) أي لا صلاة تندب حينئذ إلا ركعتي الفجر
سنة الصبح لأن سلطان الليل أدبر وأقبل سلطان النهار فيصلي
سنته ثم صلاته وبعده تحرم صلاة لا سبب لها حتى تطلع الشمس
كرمح في رأي العين ويظهر أن مراده بالصلاة قيام الليل فلو
تذكر فائتة بعذر عند طلوع الفجر قدمها
(طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله
الهيتمي وغيره بأن فيه إسماعيل بن قيس وهو ضعيف المتن لكن
قال في الميزان له شواهد من حديث ابن عمر أخرجه الترمذي
واستغربه وحسنه فمن أطلق ضعفه كالهيتمي أراد أنه ضعيف
لذاته ومن أطلق حسنه كالمؤلف أراد أنه حسن لغيره
(1/398)
744 - (إذا طلعت) وفي نسخ طلع على إرادة
النجم (الثريا) أي ظهرت للناظرين عند طلوع الفجر وذلك في
العشر [ص:399] الأوسط من أيار فليس المراد بطلوعها مجرد
ظهورها في الأفق لأنها تطلع كل يوم وليلة ولكنها لا تظهر
للأبصار لقربها من الشمس في نيف وخمسين ليلة من السنة (أمن
الزرع من العاهة) أراد أن العاهة تنقطع والصلاح يبدو غالبا
فعند ذلك ينبغي أن تباع الحبوب والثمار وتدخر فالعبرة في
الحقيقة ببدو الصلاح واشتداد الحب لا بظهورها وإنما نيط
بها الغالب فإن عاهة الحب والثمر تؤمن بأرض الحجاز عنده
(طص عن أبي هريرة) وفيه شعيب بن أيوب الصريفيني وأورده
الذهبي في الضعفاء وقال أبو داود: أخاف الله في الرواية
عنه والنعمان بن ثابت إمام أورده الذهبي في الضعفاء وقال:
قال ابن عدي ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات وله أحاديث صالحة
(1/398)
745 - (إذا طنت) بالتشديد أي صوتت من
الطنين وهو صوت الأذن والطست ونحوه (أذن أحدكم فليذكرني)
بأن يقول محمد رسول الله أو نحوه (وليصل علي) أي يقول صلى
الله عليه وسلم. قال الزيلعي: فيه عدم الاكتفاء بالذكر حتى
يصلي عليه (وليقل ذكر الله من ذكرني بخير) وذلك لأن
الأرواح ذات طهارة ونزاهة ولها سمع وبصر وبصرها متصل ببصر
العين ولها سطوع في الجو تجول وتحول. ثم تصعد إلى مقامها
الذي منه بدأت فإذا تخلصت من شغل النفس أدركت من أمر الله
ما يعجز عنه البشر فهما ولولا شغلها رأت العجائب. لكنها
تدنست بما تلبست فتوسخت بما تقمصت من ثياب اللذات وتكدرت
بما تشربت من كأس حب الخطيئات ورسول الله صلى الله عليه
وسلم لما قيل له إلى أين؟ قال: إلى سدرة المنتهى. فهو
مشتمل هناك يقول رب أمتي أمتي حتى ينفخ في الصور النفخة
الأولى أو الثانية فطنين الأذن من قبل الروح تجده لخفتها
وطهارتها وسطوعها وشوقها إلى المقام الذي فيه المصطفى صلى
الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا طنت الأذن فانظر لما
جاءت من الخير فلذلك قال فليصل علي لأنه ذكره عند الله في
ذلك الوقت وطلب منه شيئا استوجب به الصلاة فيصلي عليه إذا
لحقه فلذلك حكم بمشروعية الصلاة عليه عند طنين الأذن كما
شرعت الصلاة عليه عند خدر الرجل لخبر ابن السني: إن رجلا
خدرت رجله عند ابن عباس فقال له اذكر أحب الناس إليك فقال:
محمد. فكأنما نشط من عقال
(الحكيم) الترمذي (وابن السني) في الطب (طب) وكذا في
الأوسط والصغير (عق عد) وكذا الخرائطي في المكارم (عن أبي
رافع) أسلم أو إبراهيم أو صالح مولى المصطفى صلى الله عليه
وسلم. قال الهيتمي: إسناد الطبراني في الكبير حسن. أه. وبه
بطل قول من زعم ضعفه فضلا عن وضعه بل أقول: المتن صحيح فقد
رواه ابن خزيمة في صحيحه باللفظ المذكور عن أبي رافع
المزبور وهو ممن التزم تخريج الصحيح ولم يطلع عليه المصنف
أو لم يستحضره وبه شنعوا على ابن الجوزي
(1/399)
746 - (إذا ظلم أهل الذمة) بالبناء للمفعول
- أو من في حكمهم كمعاهد ومستأمن: أي ظلمهم الإمام أو أحد
نوابه أو جنده (كانت الدولة دولة العدو) أي كانت الكرة
لأهل الكفر على أهل الإيمان أو كانت مدة ذلك الملك أمدا
قصيرا والظلم لا يدوم وإن دام دمر والعدل لا يدوم وإن دام
عمر. قال الزمخشري: دالت الأيام بكذا أو أدال الله بني
فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليهم وفي المثل: يدال من
البقاع كما يدال من الرجال (وإذا كثر الزنا) بزاي ونون وفي
نسخة: الربا - براء فموحدة - والأول أنسب بقوله (كثر
السباء) بكسر المهملة وخفة الموحدة: أي الأسر: يعني سلط
العدو على المسلمين فيكثر من السبي منهم (وإذا كثر) أي وجد
كثيرا (اللوطية) أي فعل قوم لوط الذين يأتون الذكور بشهوة
من دون النساء: نسبة إلى قوم لوط (رفع الله يده عن الخلق)
أي أعرض [ص:400] عن الناس ومنع عنهم مزيد رحمته وألطافه
والمراد بالخلق: الناس وإنما عم إعراضه لأن الخطيئة إذا
خفيت لا تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ولم تغير ضرت الخاصة
والعامة كما في حديث الطبراني (ولا يبالي في أي واد هلكوا)
أي لم يكن لهم حظ من السلامة بحال لأن كلما أوجده الله في
هذا العالم وجعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل
الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب الشهوة فيهما
للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل حكمة الله وعارضه في
تدبيره فلا يبالي في إهلاكه
(طب عن جابر) قال الهيتمي: فيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد
ضعيف وقال المنذري: فيه عبد الخالق ضعيف ولم يترك
(1/399)
747 - (إذا ظننتم فلا تحققوا) بحذف إحدى
التاءين تخفيفا أي لا تجعلوا ما قام عندكم من الظن محققا
في نفوسكم محكمين للظن ويجوز كونه بضم أوله وكسر القاف أي
إذا ظننتم بأحد سوءا فلا تحققوه في نفوسكم بقول ولا فعل لا
بالقلب ولا بالجوارح أما بالقلب فيصيره إلى النفرة
والكراهة وفي الجوارح بعدم العمل بموجبه والشيطان يقرب على
قلب الإنسان مساوىء الناس بأدنى مخيلة ويلقى إليه أن هذا
من فطنته وسرعة ذكائه وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو على
التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته نعم إن أخبره به عدل
فظن صدقه عذر لأن تكذيبه سوء للظن به فلا ينبغي أن يحسن
ظنه بواحد ويسيئه بآخر لكن يبحث عما قد يكون بينهما من
عداوة وحقد مما تتطرق التهم بسببه ذكره الغزالي. قال: وسوء
الظن حرام كسوء القول وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوىء
إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك (وإذا حسدتم فلا تبغوا) أي
إذا وسوس لكم الشيطان بحسد أحد فلا تطيعوه ولا تعلموا
بمقتضى الحسد من البغي على الحسود وإيذائه بل خالفوا النفس
والشيطان وداووا القلب من ذلك الداء العضال (وإذا تطيرتم
فامضوا) أي إذا خرجتم لنحو سفر فرأيتم أو سمعتم ما فيه
كراهة فلا ترجعوا عن مقصدكم فإنه لا شيء أضر بالرأي ولا
أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة. ومن ظن أن نعيق غراب أو
خوار بقرة يرد قضاء أو يدفع مقدورا أو يورث ضررا فقد ضل
ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا إلا أنه قلما يخلو إنسان من
الطيرة فإذا أصابكم ذلك فلا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلا
(وعلى الله فتوكلوا) أي عليه لا على غيره وفوضوا أموركم
والتجئوا إليه ليدفع عنكم ما تطيرتم به قال في الكشاف:
والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه
وضره (وإذا وزنتم) شيئا لمن يشتري منكم مثلا (فأرجحوا)
بقطع الهمزة وكسر الجيم لئلا تكون صفقتكم كصفقة المطففين
الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ويسترجحون وإذا
كالوهم أو وزنوهم يخسرون <تنبيه> جرت العادة الإلهية أن من
تطير من شيء أصابه غالبا: وقع للسلطان خشقدم أن بنت زوجته
خوند الأحمدية ماتت في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وثمان
مئة فجلس كاتب السر البرهان الديري أخو العلامة قاضي
القضاة سعد الدين بجانب جانبك الداودار الكبير لانتظار
الجنازة فقال له البرهان: ما خرج ميت يوم السبت إلا وتبعه
اثنان فقال له الداودار: أمها مريضة فقال وأكبر منها -
وعنى به السلطان - فلما انقضى المجلس أخبر الداودار
السلطان بما قال كاتب السر فلما صعد للخدمة على العادة قال
له أنت قلت كذا؟ فأطرق فسل السيف وأراد ضرب عنقه فشفع فيه
فعزله وصادره ففي رابع عشري الشهر المذكور مات للسلطان ولد
وعمره عامين ثم في حادي عشر ذي الحجة من السنة المذكورة
ابتدأ بالسلطان مرض فتعلل مدة ثم مات
(هـ عن جابر) ورواه عنه أيضا الديلمي وهو ضعيف لكن له
شواهد
(1/400)
748 - (إذا ظهر الزنا) بزاي ونون (والربا)
بالراء والموحدة (في قرية) أي في أهل قرية أو نحوها كبلدة
أو محلة (فقد [ص:401] أحلوا) بفتح الحاء وشد اللام من
الحلول (بأنفسهم عذاب الله) أي تسببوا في وقوعه بهم
لمخالفتهم ما اقتضته حكمة الله من حفظ الأنساب وعدم اختلاط
المياه. وأن الناس شركاء في النقديين والمطعوم لا اختصاص
لآحد به إلا بعقد لا تفاضل فيه
(طب ك عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال
الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هاشم بن مرزوق لم أجد من
ترجمه وبقية رجاله ثقات
(1/400)
749 - (إذا ظهرت الحية) أي برزت (في
المسكن) أي محل سكن أحدكم من بيت أو غيره (فقولوا) لها
ندبا وقيل وجوبا (إنا نسألك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (بعهد
نوح وبعهد سليمان ابن داود أن لا تؤذينا فإن عادت) مرة
أخرى (فاقتلوها) قالوا لأنها إن لم تذهب بالإنذار علم أنها
ليست من العمار ولا ممن أسلم من الجان فلا حرمة لها فيجب
قتلها. وظاهره أنه لا يجوز الهجوم على قتلها قبل الإنذار
وفي بعض الحواشي أن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ بلأمر
مطلقا. وقال الماوردي وعياض: الأمر بالإنذار خاص بحيات
المدينة
(ت عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) الفقيه الكوفي قاضيها لا
يحتج به وأبو ليلى له صحبة واسمه يسار. قال الترمذي: حسن
غريب رمز المصنف لحسنه
(1/401)
750 - (إذا ظهرت الفاحشة) قال في الكشاف:
وهي الفعلة البالغة في القبح. وقال القاضي: ما ينفر عنه
الطبع السليم ويبغضه العقل المستقيم (كانت الرجفة) أي
الزلزلة أو الاضطراب وتفرق الكلمة وظهور الفتن (وإذا جار
الحكام) أي ظلموا رعاياهم. والجائر من يمتنع أو يمنع من
التزام ما أمر به الشرع (قل المطر) الذي به صلاح الأنفس
وإذا قل جاء القحط ووقع الضرر (وإذا غدر) بضم الغين
المعجمة (بأهل الذمة) أي نقض عهدهم أو عوملوا من قبل
الإمام أو نوابه بخلاف ما يوجبه عقد الجزية لهم (ظهر
العدو) أي كان ذلك سببا لظهور عدو الإمام أو الإسلام
وغلبته عليه أو على المسلمين لأن الجزاء من جنس العمل وكما
تدين تدان
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه يحيى بن يزيد النوفلي عن
أبيه. قال أبو حاتم منكر الحديث. قال الذهبي: وأبوه مجمع
على ضعفه لكن له شواهد
(1/401)
751 - (وإذا ظهرت البدع) المذمومة كالوقيعة
في الصحابة والطعن في السلف الصالح (ولعن آخر هذه الأمة
أولها فمن كان عنده علم) بفضل الصدر الأول وما للسلف من
المناقب الحميدة والمآثر الجميلة (فلينشره) أي يظهره بين
الخاصة والعامة ليعلم الجاهل فضل المتقدم وينزجر عن قبيح
قوله ويبين للناس ما أظهروه من الدين وأصلوه من الأحكام
الذي استوجبوا به الإعظام ونهاية الإكرام (فإن كاتم العلم
يومئذ) أي يوم ظهور البدع ولعن الآخر الأول (ككاتم ما أنزل
الله على محمد) فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما جاء في
عدة أخبار. قال الغزالي: والعلماء أطباء الدين فعليهم أن
يتكفل كل عالم منهم بقطره أو محلته فيأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر ويعلمهم أمر دينهم ويميز البدعة من السنة وما
يضرهم عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا يصبر حتى يسأل
منه بل يتصدى للدعوة بنفسه لأنهم ورثة الأنبياء والأنبياء
ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا [ص:402] ينادونهم في
مجامعهم ويدورون على دورهم فإن مرضاء القلوب لا يعرفون
مرضهم فهذا فرض عين على كافة العلماء. اه وقال في موضع
آخر: هذا الحديث فيما إذا كان العالم بينهم فسكت. قال: ولا
يجوز له الخروج من بينهم حينئذ ولا العزلة (وحكى) أن
الأستاذ ابن فورك قصد الانفراد للتعبد فبينما هو في بعض
الجبال سمع صوتا ينادي: ياأبا بكر إذ قد صرت من حجج الله
على خلقه تترك عباد الله فرجع وكان سبب صحبته للخلق. قال:
وذكر لي مأمون بن أحمد أن الأستاذ أبا إسحاق قال لعباد جبل
لبنان: يا أكلة الحشيش تركتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم
في أيد المبتدعة واشتغلتم ههنا بأكل الحشيش؟ قالوا إنا لا
نقوى على صحبة الناس وإنما أعطاك الله قوة فلزم ذلك فصنف
بعده كتابه الجامع بين الجلي والخفي
(ابن عساكر) في تاريخه (عن معاذ) بن جبل ورواه عنه أيضا
الديلمي بلفظ " إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر
العالم علمه فإن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله "
(1/401)
752 - (إذا عاد أحدكم مريضا) أي زاره في
مرضه والمراد المسلم المعصوم (فليقل) في ذهابه له ندبا
(اللهم اشف عبدك ينكأ) بفتح الياء المثناة وآخره يهمز ولا
يهمز: أي ليخرج ويولم من النكاية بالكسر: القتل والإثخان
وهو مجزوم على أنه جواب الأمر ويجوز رفعه بتقدير فإنه ينكأ
(لك عدوا) من الكفار وقدمه على ما بعده لعموم نفعه (أو
يمشي لك إلى صلاة) وفي رواية إلى جنازة: جمع بين النكاية
وتشييع الجنازة لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو
الله والثاني سعي في إنزال الرحمة. وعيادة المريض المسلم
سنة مؤكدة وأوجبها الظاهرية ولو مرة في مرضه تمسكا بظاهر
الأمر في الأخبار
(ك عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال على شرط مسلم وأفره
الذهبي
(1/402)
753 - (إذا عاد أحدكم مريضا فلا يأكل عنده
شيئا) أي يكره له ذلك (فإنه) إن أكل عنده فهو (حظه من
عيادته) (1) أي فلا ثواب له فيها أصلا أو كاملا إنما ثوابه
ما أكل. ويطهر أن في معنى الأل ما عتيد من إتحاف الزائر
بشرب السكر أو الشراب أو اللبن أو القهوة فينبغي تجنب ذلك
للعائد وينقدح اختصاص المنع بغير الأصل في عيادة فرعه فقد
قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما يأتي: أنت ومالك
لأبيك
(فر عن أمامة) وفيه موسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء
وقال ضعفه ابن معين
_________
(1) [" (حظه من عيادته ": أي فإن الطعام هو نصيبه من
عيادته فليس له ثوابها. دار الحديث) ]
(1/402)
754 - (إذا عرف الغلام) اسم للمولود إلى أن
يبلغ (يمينه من شماله) أي ميز هذه من هذه. وعرف ما يضره
مما ينفعه فهو كناية عن التمييز بأن يصير يأكل ويشرب
ويستنجي وحده (فمروه) أيها الأولياء: الأب فالجد فالأم
فالوصي (بالصلاة) أي يفعلها ولو قضاء بجميع شروطها الظاهرة
والباطنة ليتمرن عليها فيألفها إذا بلغ. وظاهر الخبر أن لا
يضربه حينئذ وذلك لأن الضرب عقوبة فتؤخر لزمن احتمالها وهو
بلوغه عشر سنين وفيه دليل لمن اكتفى بالتمييز وحده ولم
يشترط معه بلوغ سبع سنين كابن الفركاح لكن النووي شرطه معه
(د هق عن رجل من الصحابة) قال في المنار: لا يعرف هذا
الرجل ولا المرأة التي روت عنه وتعقب بأنه جاء عند
الطبراني وغيره أنه عبد الله بن حبيب الجهني وله صحبة رمز
المؤلف لحسنه لكن فيه عند مخرجه أبي داود: هشام بن سعد فال
في الكاشف عن أبي حاتم لا يحتج به وعن أحمد لم يكن بالحافظ
(1/402)
[ص:403] 756 - (إذا عطس أحدكم) بفتح الطاء
(فحمد الله) وأسمع من بقربه حيث لا مانع وذلك شكرا لله على
نعمته بالعطاس لأنه بخرات الرأس الذي هو معدن الحس وهو
الفكر وبسلامته تسلم الأعضاء فهو جدير بأن يشكر عليه
(فشمتوه) بشين معجمة من الشوامت وهي القوائم هذا هو الأشهر
والذي عليه الأكثر وروي بمهملة من السمت وهو قصد الشيء
وصفته: أي ادعوا الله بأن يرد شوامته أي قوائمه أو سمته
على حاله لأن العطاس يحل مرابط البدن ويفصل معاقده فمعنى
رحمك الله أعطاك رحمة ترجع بها إلى حالك الأول أو يرجع بها
كل عضو إلى سمته والأمر للندب عند الجمهور وقال ابن دقيق
العبد: ظاهر الخبر الوجوب ومال إليه وأيده ابن القيم وعليه
فقيل هو عيني وقيل كفاية وإذا لم يحمد فلا تشمتوه فيكره
تنزيها لأن غير الشاكر لا يستحق الدعاء. ويسن لمن عنده ذكر
الحمد ليحمده
وقال النووي: وأخطأ ابن العرب في قوله لا يفعله. قال
النووي: وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه. وأخذ منه أنه
لو أتى بلفظ عير الحمد لا يشمت <تنبيه> اعتيد في بعض
الأقطار أنه إذا عطس كبير وحمد لا يشمت إعظاما له. وقد صرح
جمع بأن من قال لمن شمت كبيرا يرحمك الله لاتقل له ذلك
قاصدا أنه غني عن الرحمة أو أجل من أن يقال له ذلك كفر.
قال ابن صورة في المرشد: وليكن التشميت بلفظ الخطاب لأنه
الوارد. وقال في شرح الإلمام: المتأخرون إذا خاطبوا من
يعظموه قالوا يرحم الله سيدنا - من غيرخطاب - وهو خلاف ما
دل عليه الأمر في الحديث وبلغني عن بعض علماء زماننا أنه
قيل له ذلك فقال: قل يرحمك الله يا سيدنا كأنه قصد الجمع
بين لفظ الخطاب وما اعتادوه من التعظيم
(حم خد م عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا الطبراني
(1/403)
755 - (إذا عطس أحدكم) أي هم بالعطاس
(فليضع) ندبا (كفيه) أو كفه الواحدة إن كان أقطع أو أشل
(على وجهه) فإنه لا يأمن أن يبدو من فضلات دماغه ما يكرهه
الرائي فيتأذى برؤيته وهذا نوع من الأدب بين الجلساء
(وليخفض) ندبا (صوته) بالعطاس فإن الله يكره رفع الصوت به
والتثاؤب كما يأتي في خبر أبي داود في خبر. إن التثاؤب
الرفيع والعطس الشديد من الشيطان. والحديث يفسر بعضه بعضا
(ك هب عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
(1/403)
757 - (إذا عطس أحدكم فليقل) ندبا (الحمد
لله رب العالمين) ولا أصل لما اعتيد من بقية قراءة
الفاتحة. ويكره العدول عن الحمد إلى: أشهد أن لا إله إلا
الله أو تقديمها على الحمد. فهو مكروه. كذا ذكره ابن حجر
قال: وقد روى ابن أبي شيبة أن ابن عمر سمع ابنه عطس فقال
أش فقال وما أش؟ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد. نعم
روى النسائي عن علي: الحمد لله على كل حال: وأخذ به قوم
واختار جمع الجمع فيقول الحمد لله رب العالمين على كل حال
(وليقل له) بإسناد قال ابن حجر صحيح يقول عافانا الله
وإياكم من النار يرحمكم الله (وليقل هو) أي العاطس مكأفأة
لدعائه وتأليفا له (يغفر الله لنا) لفظ رواية الطبراني: لي
(ولكم) وفي رواية البخاري يهديكم الله ويصلح بالكم: أي
حالكم. واختير الجمع ورجح واعترض بأن الدعاء بالهداية
للمسلم تحصيل الحاصل وهو محال ومنع بأنه ليس المراد
بالدعاء وبالهداية ما متلبس به من الإيمان بل معرفة تفاصيل
أجزائه وإعانته على أعماله وكل مؤمن يحتاج إلى ذلك في كل
طرفة عين ومن ثم أمر الله أن نسأله الهداية في كل ركعة من
الصلاة اهدنا الصراط المستقيم
(طب [ص:404] ك هب عن ابن مسعود) وفيه عند الطبراني أبيض بن
أبان وفيه خلف. قال الحافظ العراقي: ورواه عنه أيضا
النسائي في اليوم والليلة وقال حديث منكر (حم 3 ك هب عن
سالم بن عبيد الأشجعي) نسبة إلى أشجع. قال العراقي: واختلف
في إسناده. ورواه البخاري بأتم من هذا ولفظه في الأدب
المفرد: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو
صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل له يهديكم
الله ويصلح بالكم
(1/403)
758 - (إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت
الملائكة) أي الحفظة أو من حضر منهم أو أعم (رب العالمين
فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة رحمك الله) دعاء أو
خبر على ما تقرر فيما قبله. ومحصوله أن العبد إذا أتى
بصيغة الحمد الكاملة التي صدر بها أشرف الكتب السماوية
استحق أن يقابل بالإجابة وإن قصر باقتصاره على لفظ الحمد
تممت الملائكة له ما فاته التصريح بالربوبية والمالكية
المستوجب لكل سبوحية وقدوسية. واعلم أن الملائكة تسر بما
يحصل للمؤمن من محاب الله فإنه يحب العطاس فإذا ذكر العبد
الله وحمده سر الملائكة وأحزن الشيطان لوجوده منها دعاء
الملائكة والمؤمنين له بالرحمة والهداية وإصلاح الحال
(تتمة) قال بعض العارفين: قال بعض السادة لعاطس قال الحمد
لله أتمها كما قال الله رب العالمين فقال العاطس: ومن
العاطس حتى يذكر مع الله؟ فقال له قلها ياأخي فإن المحدث
إذا أقرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا مقام الوصلة وحالة
زلة أهل الفناء عن أنفسهم أما لو فنى عن فنائه لما قال
الحمد لله لأنه إثبات للعبد ولو قال رب العالمين كان أرفع
من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عطاء بن
السائب وقد اختلط وأقول فيه أيضا أبو كريب. قال الذهبي
مجهول
(1/404)
759 - (إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه) أي
الجالس معه ولو أجنبيا (فإن زاد) العاطس (على ثلاث) من
العطسات (فهو مزكوم) أي به داء الزكام وهو مرض معروف (ولا
يشمت بعد ثلاث) أي لا يدعى له بالدعاء المشروع للعاطس. بل
بدعاء يناسبه من جنس دعاء المسلم للمسلم بنحو شفاء وعافية
فمن فهم النهي عن مطلق الدعاء فقد وهم ولذلك قال ابن القيم
في قوله وهو مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية لأن
الزكمة علة. وأشار إلى الحث على تدارك هذه العلة ولا
يهملها فبعظم أمرها وكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم كله
حكمة ورحمة (تتمة) روى البخاري في الأدب المفرد عن علي: من
قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما
كان: لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدا
قال ابن حجر: هو موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل
الرأي فله حكم الرفع وأخرجه الطبراني عن علي مرفوعا: من
بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه
أبدا. وسنده ضعيف
(د عن أبي هريرة) رمز لحسنه كذا عزاه المصنف لأبي داود
فيما وقفت عليه من النسخ وقد عزاه في الأذكار لابن السني
وقال فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده غير صحيح وعزاه
ابن حجر لأبي يعلى وقال فيه سليمان الحراني ضعيف ولم يتعرض
إلى تخرجه لأبي داود
(1/404)
|