فيض القدير شرح
الجامع الصغير 1082 - (أصدق الحديث ما عطس) بالبناء
للمفعول وليس المراد بالفاعل المحدث فحسب بل الإنسان.
وقصره على ذلك لا دليل عليه ولا ملجئ وجعله مبنيا للمفعول
فيه أن نائب الفاعل لا يكون ظرفا (عنده) لأن العطسة تنفس
الروح وتحببه إلى الله لأنها من الملكوت. فإذا تحرك العاطس
عند حديث فهو شاهد على صدقه وحقيقته والمتبادر من كونه
عنده مقارنته للنطق إن كان العاطس غير المحدث فإن كان هو
فالمراد عروضه في أثناء النطق. ويحتمل أن المراد بالعندية
ما يشمل القبلية والبعدية مع الاتصال
(طس) وكذا أبو يعلى والحكيم الترمذي (عن أنس) رمز المصنف
لحسنه لكن قال في النكت البديعات أصله لين وقال الهيتمي
رواه يعني الطبراني عن شيخه جعفر بن محمد بن ماجد ولم
أعرفه وعمارة بن زاذان وثقه أبو زرعة وجماعة وفيه ضعف
وبقية رجاله ثقات. أه. وفي فتاوى النووي أن له أصلا أصيلا
(1/529)
[ص:530] 1083 - (أصدق الرؤيا) الواقعة في
المنام (بالأسحار) أي ما رآه في الأسحار لفضل الوقت
بانتشار الرحمة فيه ولراحة القلب والبدن بالنوم وخروجها عن
تعب الخواطر وتواتر الشغوب والتصرفات. ومتى كان القلب أفرغ
كان الوعي لما يلقى إليه أكثر لأن الغالب حينئذ أن تكون
الخواطر والدواعي مجتمعة ولأن المعدة خالية فلا تتصاعد
منها الأبخرة المشوشة ولأنها وقت نزول الملائكة للصلاة
المشهودة والاسحار جمع سحر وهو ما بين الفجرين. وقال
القونوي السحر زمان أواخر الليل واستقبال أوائل النهار
والليل مظهر للغيب والظلمة والنهار زمن الكشف والوضوح
ومنتهى سعيد المغيبات والمقدرات والغيبة في العلم الإلهي.
ومن ثم قال علماء التعبير رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار
وأصدق الساعات كلها الرؤيا وقت السحر. ولما كان زمان السحر
مبتدأ زمان استقبال كمال الانكشاف والتحقيق لزم أن يكون
الذي يرى إذ ذاك قريب الظهور والتحقيق وإليه أشار يوسف
الصديق بقوله لأبيه {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس
والقمر رأيتهم لي ساجدين} وقوله {يا أبت هذا تأويل رؤياي
من قبل قد جعلها ربي حقا} أي ما كملت حقيقة الرؤيا إلا
بظهورها في الحس فإن بهذه ظهر المقصود من تلك الصورة
الممثلة وأينعت ثمراتها. وقال الحراني: الاسحار جمع سحر
وأصل معناه التعلل عن الشيء بما يقاربه ويدانيه ويكون منه
توجه ما (فإن قلت) هذا يعارضه خبر الحاكم في تاريخه
والديلمي بسند ضعيف عن جابر: أصدق الرؤيا ما كان نهارا لأن
الله عز وجل خصني بالوحي نهارا؟ (قلت) قد يقال الرؤيا
النهارية أصدق من الرؤيا الليلية ما عدا وقت السحر جمعا
بين الحديثين
(حم ت حب ك هب) كلهم من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم
(عن أبي سعيد) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص
(أصدق الحديث) أي الكلام (كتاب الله) أي القرآن أو جميع
الكتب الإلهية المنزلة {ومن أصدق من الله حديثا} (وأحسن
الهدى) بضم ففتح. أو بفتح فسكون: السيرة والطريقة والتيمن
(هدى محمد) صلى الله عليه وسلم فهدى جميع الأنبياء حسن
وهديه أحسن لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من الكمالات وبعث
لتتميم مكارم الأخلاق التي اتصفوا بها (وشر الأمور
محدثاتها) التي لم يشهد لها أصل من أصول الشرع
(حم عن ابن مسعود)
(1/530)
1084 - (اصرف) بكسر همزة الوصل وبالفاء وفي
رواية اطرق بالقاف (بصرك) أي اقلبه إلى جهة أخرى إذا وقع
على أجنبية أو نحوها بلا قصد فإن صرفته حالا لم تأثم وإن
استندمت أثمت. {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} والغض عن
المحارم يوجب حلاوة الإيمان ومن ترك شيئا لله عوضه الله
خيرا منه ومن أطلق لحظاته دامت حسراته فإن النظر يولد
المحبة في القلب ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب
بكليته فيصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم ثم يقوى فيصير
عشقا. وهو الحب المفرط ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي
وصل إلى شغاف للقلب ودواخله ثم يقوى فيصير تتيما والتتيم
التعبد: فيصير المتتيم عبدا إلى من لا يصلح أن يكون هو
عبدا له فيقع القلب في الأسر فيصير أسيرا بعد ما كان أميرا
ومسجونا بعد ما كان طليقا قيل وفيه أنه لا يجب على المرأة
ستر وجهها في الطريق وعلى الرجال غض البصر إلا لحاجة
كشهادة وتطيب ومعاملة. ولا ينافي نقل الإمام الاتفاق على
منعهن من الخروج سافرات لأنه ليس لوجوب الستر عليها
لاحتمال أنها كشفته لعذر
(حم م 3 عن جرير) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن نظر الفجأة وهو بضم ففتح ممدودا أو بفتح فسكون مقصورا -
فذكره
(1/530)
1085 - (اصرم) بهمزة وصل مكسورة وصاد مهملة
وراء مكسورة (الأحمق) أي اقطع وده وهو واضع الشيء في غير
[ص:531] محله مع العلم بقبحه وفي رواية أصرم الأصرم. قال
الطيبي: مأخوذ من الصرم وهو القطع والأمر للإرشاد وقد يندب
وقد يجب. وقال غيره: وهو بفتح الراء مصدر صرم إذا قطع.
وبضمها اسم للقطيعة <تنبيه> قال الراغب: الجنون عارض يغمر
العقل والحمق قلة التنبيه لطريق وكلاهما يكون تارة خلقة
وتارة عارضا وقد عظم الحمق بما لم يعظم الجنون
ونقل عن عيسى عليه السلام أنه أتى بأحمق ليداويه فقال
أعيتني مداواة الأحمق ولم تعيني مداواة الأكمه والأبرص.
والفرق بينه وبين الجنون أن المجنون غرضه الذي يريده
ويقصده فاسد أو يكون سلوكه إلى غرضه صوابا والأحمق يكون
غرضه الذي يريده صحيحا وسلوكه إليه خطأ. ومحصول الخبر أن
الأحمق ينبغي تجنبه وأن تفر منه فرارك من الأسد لأن الطباع
سراقة وقد يسرق طبعك منه ومن ثم قيل:
فارغب بنفسك لا تصادق أحمقا. . . إن الصديق على الصديق
مصدق
ولأن يعادي عاقلا خيرا له. . . من أن يكون له صديق أحمق
وقال وهب: الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وإذا سكت فضحه عيه
وإذا عمل أفسد وإذا ترك أضاع لا علمه يعينه ولا علم غيره
ينفعه تود أمه أنها ثكلته وتود امرأته أنها عدمته ويتمنى
جاره منه الوحدة ويأخذ جليسه منه الوحشة وقيل للفرزدق وهو
صبي: أيسرك أنك لك مئة ألف وأنك أحمق؟ قال لا لئلا يجني
علي حمقي جناية فتذهب بمالي ويبقى حمقي علي. وقال
الماوردي: الأحمق ضال مضل إن أونس تكبر وإن أنس تكبر وإن
أوحش تكدر وإن استنطق تخلف وإن ترك تكلف مجالسته مهنة
ومعاتبته محنة ومجاورته تغر وموالاته تضر ومقارنته غم
ومفارقته شفاء يسيء على غيره وهو يظن أنه قد أحسن إليه
فيطالبه بالشكر ويحسن إليه غيره فيظن أنه قد أساء إليه
فيرميه بالوزر فمساويه لا تنقضي وعيوبه لاتتناهى ولا يقف
النظر منها على غاية إلا لوحت بما وراءها بما هو أدنى منها
وأردى. وأمر وأدهى. ومن أمثالهم: الأحمق لا يجد لذة الحكمة
كما لا ينتفع بالورد صاحب الزكمة. واعلم أن صرم المسلم
حرام أصالة فلا يحل لمسلم أن يصارم مسلما: أي يترك مكالمته
إلا لسبب كوصف مذموم فيه كالحمق والبدعة. قال النووي في
شرح مسلم: يجوز هجر أهل البدع والفسق دائما. والنهي عن
الهجران فوق ثلاثة أيام محله فيمن هجر لحظ نفسه ومعاش
الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الهجر
فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ضررا في دينه أو دنياه. ورب
هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. وقال عمار: مصارمة جميلة
أحب إلي من مودة على دغل
(هب) من طريق محمد بن إسحاق البلخي عن عمر بن قيس بن بشير
(عن بشير) بفتح الموحدة أوله وزيادة ياء: وهو ابن زيد
(الأنصاري) ذكره الحاكم وقال مسانيده عزيزة قال البيهقي:
وهم فيه الحاكم من ثلاثة أوجه أو أربعة: قوله عمر بن قيس
وإنما هو عمرو. وقوله بشير بموحدة مفتوحة بعدها معجمة
مكسورة وإنما هو بضم التحتية بعدها مهملة مضغرا: وفي رفع
الحديث وصوابه موقوف وفي جعله صحابيا وإنما له إدراك. أه.
قال ابن حجر: وبقي عليه أنه وهم في قوله بشير بن زيد وإنما
هو ابن عمر وفي كونه أنصاريا وإنما هو عبدي وقيل كندي. أه.
وفيه عمرو بن قيس الكندي قال في الميزان عن ابن معين لا
شيء ووثقه أبو حاتم
(1/530)
1086 - (اصطفوا) أي قوموا في صلاتكم صفوفا
خلف الإمام (وليتقدمكم) ندبا مؤكدا (في الصلاة أفضلكم)
بنحو فقه أو قرآن أو غير ذلك مما هو مترتب في الفروع (فإن
الله عز وجل يصطفي) أي يختار (من الملائكة رسلا ومن الناس)
قال المصنف: ومن خصائص هذه الأمة الصف في الصلاة كصفوف
الملائكة والركوع فيما ذكره جمع مفسرون <تنبيه> قال بعضهم:
حكمة الأمر بتسوية الصفوف أن المصلين دعوا إلى حالة واحدة
مع الحق وهي الصلاة فساوى في هذه الدعوة بين عباده فلتكن
صفتهم فبها إذا أقبلوا إلى ما دعاهم إليه تسوية الصفوف.
لأن الداعي [ص:532] ما دعى الجماعة إلا ليناجيهم من حيث
إنهم جماعة على السواء لا يختص واحد دون آخر فلا يتأخر
واحد عن الصف ولا يتقدم بشيء منه يؤدي إلى اعوجاجه
(طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيتمي وغيره فيه أيوب بن
مدرك وهو منسوب إلى الكذب. أه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من
الكتاب
(1/531)
1087 - (أصل كل داء البردة) أي التخمة وهي
بفتح الراء على الصواب خلاف ما عليه المحدثون من السكون.
ذكره الدارقطني في كتاب التحيف لكن صرح القاموس بجوازه بل
جعله أصلا حيث قال: البردة وتحرك: التخمة وذلك لأنها تبرد
حرارة الشهوة وتثقل الطعام على المعدة من برد ثبت وسكن كما
يفيده قول ابن الأثير كغيره: سميت به لأنها تبرد المعدة
فلا تستمرئ الطعام. وذلك بمعنى تفسير بعض الأطباء بأنها
إدخال الطعام على الطعام قبل هضم الأول فإن بطء الهضم أصله
البرد الذي بردت منه المعدة قال بعض شعراء الأطباء في ذلك:
ثلاث مهلكات للأنام. . . وداعية السقام إلى السقام
دوام مدامة ودوام وطء. . . وإدخال الطعام على الطعام
والقصد ذم الإكثار من الطعام (قيل) لو سئل أهل القبور ما
سبب قصر آجالكم؟ لقالوا التخمة. ذكره الزمخشري. قال
الراغب: وأصل الشيء قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع
بارتفاعها سائره
(قط) في العلل من حديث محمد ابن جابر عن تمام بن نجيح عن
الحسن البصري (عن أنس) بن مالك. وظاهر صنيع المصنف أن
مخرجه الدارقطني خرجه ساكتا عليه. والأمر بخلافه بل تعقبه
بتضعيفه كما حكاه المصنف نفسه عنه في الدرر تبعا للزركشي
وقال روي عن الحسن من قوله وهو أشبه بالصواب. أه. وقال ابن
الجوزي قال ابن حبان تمام منكر الحديث يروي أشياء موضوعة
عن الثقات كان يتعمدها. أه. وقال ابن عدي والعقيلي حديثه
منكر وعامة ما يرويه لا يتابع عليه وفي الميزان محمد هذا
حلبي ولعل البلاء منه (ابن السني وأبو نعيم) وكذا
المستغفري كلهم (في الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين
وفيه إسحاق بن نجيح الملطي كان يضع الحديث (وعن أبي سعيد)
الخدري (وعن الزهري مرسلا) رمز المصنف لضعفه قال بعضهم:
ولا يصح شيء من طرقه وقال ابن عدي باطل بهذا الإسناد وجعله
في الفائق من كلام ابن مسعود
(1/532)
1088 - (أصلح) يا أبا كاهل (بين الناس) أي
أزل ما بينهم من الشحنة والتباغض (ولو) أنك (تعني الكذب)
قال في الفردوس يريد ولو أنك تقصد الكذب. يقال عنيت فلانا
عنيا إذا قصدته والمراد أن ذلك جائز بل مندوب وليس من
الكذب المنهي عنه بل قد يجب الكذب. ولفظ رواية الطبراني:
أصلح بين الناس ولو بكذا وكذا: كلمة لم أفهمها. قلت ما عنى
بها؟ قال عنى الكذب. أه. بلفظه
(طب عن أبي كاهل) الأحمس يقال اسمه قيس بن عائذ وقيل عبد
الله بن مالك صحابي رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم يخطب
على ناقته. وقال وقع بين رجلين من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كلاما حتى تصارما فلقيت أحدهما فقلت مالك
ولفلان سمعته يحسن عليك الثناء ويكثر لك من الدعاء ولقيت
الآخر فقلت نحوه فما زلت حتى اصطلحا فأتيت النبي صلى الله
عليه وسلم فأخبرته فذكره. قال الهيتمي فيه أبو داود الأعمى
وهو كذاب. أه. فكان الأولى للمصنف حذفه من الكتاب
(1/532)
1089 - (أصلحوا دنياكم) أي أصلحوا معاش
دنياكم بنعهد ما في أيديكم بتنميته بحلال المكاسب لمعونته
على دينكم ومكارم [ص:533] أخلاق الإسلام التي فيها عمارة
آخرتكم. والخطاب للمقتصدين الذين لم يبلغوا ذروة التوكل
ومعهم علقة الأسباب ليبوؤا بملابستها والاستعانة بها على
الآخرة (واعملوا) صالحا (لآخرتكم) بجد واجتهاد وإخلاص مع
قصر أمل (كأنكم تموتون غدا) كنى به عن قرب الزمن جدا
والمراد اجعلوا الموت نصب أعينكم واعملوا على ذلك لما
أمرهم بإصلاح المعاش خشي من تعلقهم به والتقصير في الأعمال
الأخروية فأردفه بما يبين أن عليهم مع ذلك بذل الجهد في
العمل الأخروي وأنه لا رخصة في تركه ألبتة
(فر عن أنس) بن مالك وفيه زاهر بن ظاهر الشحامي قال في
الميزان كان يخل بالصلوات فترك الرواية عنه جمع وعبد الله
بن محمد البغوي الحافظ تكلم فيه ابن عدي وراويه عن أنس
مجهول
(1/532)
1090 - (اصنع المعروف) قال البيضاوي: هو ما
عرف حسنه من الشارع (إلى من هو أهله وإلى غير أهله) أي
افعل مع أهل المعروف ومع غيرهم قال ابن الأثير الاصطناع
اتخاذ الصنيع (فإن أصبت أهله أصبت أهله) قال ابن مالك قد
يقصد بالخير المفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد
بالمبتدأ لفظا وقد يفعل هذ بجواب الشرط نحو من قصدني فقد
قصدني أي قصد من عرف بالنجاح واتحاد ذلك يؤذن بالمبالغة في
تعظيم أو تحقير (وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله) لأنه تعالى
يقول {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}
والأسير في دارنا: الكافر فأثنى على من صنع معه معروفا
بإطعامه فكيف بمن أطعم موحدا؟ ولهذا قال الحبر لا يزهدنك
في المعروف كفران من كفره فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه معه
<تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الصنع والفعل والعمل أن
الصنع إنما يكون من الإنسان دون الحيوان ولا يقال إلا لما
كان بإجادة والصنع قد يكون بلا فكر لشرف فاعله والفعل قد
يكون بلا فكر لنقص فاعله والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط
فاعله والصنع أخص الثلاثة والعمل أوسطها والفعل أعمها وكل
صنع عمل ولا عكس: وكل عمل فعل ولا عكس وهكذا لا يعارضه ما
مر من أن المعروف إنما ينبغي أن يفعل مع أهل الحفاظ وأن
الله إذا أراد بعبد خيرا جعل معروفه فيهم لأن ما هناك عند
وجود الأهل وغير الأهل فيعدل عن الأهل لغيرهم وما ههنا
فيما إذ لم يوجد إلا غير أهل وهو محتاج. قال بعض الشراح
هذا الحديث أبلغ حث على استدامة صنائع المعروف حتى يصير
طبعا لا يميز بين أهله وهو من يعترف فيجازى ويشكر ويثنى
وبين من لا يعترف فلا يجازى ولا يثنى فإنه أكمل في المكارم
وأجزل في الثواب (تتمة) قال بعضهم: وقع لوالي بخارى وكان
ظالما طاغيا أنه رأى كلبا أجرب في يوم برد يرتعد فأمر بعض
خدمه بحمله لبيته وجعله بمحل حار وأطعمه وسقاه فقيل له في
نومه كنت كلبا فوهبناك لكلب فأصبح فمات فكان له مشهد عظيم
لشفقته على كلب. وأين المسلم من الكلب؟ فافعل خيرا ولا
تبال فيمن لم يكن أهلا له واطلب الفضائل لأعيانها وارفض
الرذائل لأعيانها واجعل الخلق تبعا ولا تقف مع ذمهم ولا
حمدهم. لكن قدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون من الحكماء
المتأدبين بآداب الله
(خط في رواية مالك) ابن أنس (عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن
النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين. قال الحافظ
العراقي في المغني وذكره الدارقطني أيضا في العلل وهو ضعيف
أه. وذلك لأن فيه بشر بن يزيد الأزدي قال في اللسان عن ذيل
الميزان له عن مالك مناكير ثم ساق منها هذا الخبر ثم عقبه
بقوله قال الدارقطني إسناده ضعيف ورجاله مجهولون وأورده في
الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن بشير هذا من حديثه عن أبيه
عن مالك عن نافع عن ابن عمر وقال إسناده مظلم وخبر باطل
أطلق الدارقطني على روايته الضعف والجهالة
(1/533)
1091 - (اصنعوا لآل جعفر) بن أبي طالب الذي
جاء نعيه (طعاما) يشبعهم يومهم وليلتهم (فإنه قد أتاهم ما
يشغلهم) عن [ص:534] صنع الطعام لأنفسهم في ذلك اليوم
لذهولهم عن حالهم بحزنهم على ميتهم وهذا قاله لنسائهم لما
قتل جعفر وجاء الخبر بموته فطحنت سلمى مولاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم شعيرا ثم أدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا ثم
أرسلوه إليهم. قال ابن الأثير: أراد اطبخوا واخبزوا لهم
فيندب لجيران الميت وأقاربه الأباعد صنع ذلك ويحلفون عليهم
في الأكل: ولا يندب فعل ذلك لأهله الأقربين لأنه شرع في
السرور لا في الشرور فهو بدعة قبيحة كما قاله النووي وغيره
قال في المطامح: وجرت العادة بالمكافأة فيه وربما وقع
التحاكم فيه بين الأجلاف. قال ابن الحاج: وينبغي لأهل
الميت التصدق بالفاضل أو إهداؤه <تنبيه> قال القرطبي:
الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام والمبيت عندهم كل
ذلك من فعل الجاهلية قال ونحو منه الطعام الذي يصطنعه أهل
الميت في اليوم السابع ويجتمع له الناس يريدون به القربة
للميت والترحم عليه وهذا لم يكن فيما تقدم ولا ينبغي
للمسلمين أن يقتدوا بأهل الكفر وينهي كل إنسان أهله عن
الحضور لمثل هذا وشبهه من لطم الخدود وشق الجيوب واستماع
النوح وذلك الطعام الذي يصنعه أهل الميت كما ذكر فيجتمع
عليه الرجال والنساء من فعل قوم لاخلاق لهم. قال وقال أحمد
هو من فعل الجاهلية. قيل له أليس قال النبي صلى الله عليه
وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما إلى آخره فإن لم يكونوا اتخذوا
إنما اتخذ لهم فهذا كله واجب على أن الرجل له أن يمنع أهله
منه فمن أباحه فقد عصى الله وأعانهم على الإثم والعدوان.
إلى هنا كلامه قال ابن العربي: وإنما يسن ذلك في يوم الموت
فقط قال وهذا الحديث أصل في المشاركات عند الحاجة. وقد كان
عند العرب مشاركات ومواصلات في باب الأطعمة باختلاف أسباب
وحالات
(حم د ت هـ ك) وكذا الطيالسي والشافعي وابن مقنع والطبراني
والديلمي وغيرهم كلهم (عن عبد الله بن جعفر) قال لما جاء
نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. قال
الحاكم صحيح وقال الترمذي حسن وقال عبد الحق كذا قال
الترمذي ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه خالد بن سارة لا
يعرف حاله. أه. وفي الميزان إسناده غريب ومنته فتصحيح
الحاكم ثم البيهقي له منتقد
(1/533)
1092 - (اصنعوا ما بدا لكم) في جماع
السبايا من عزل أو غيره (فما قضى الله تعالى) بكونه (فهو
كائن) لا محالة عزلتم أم لا ففعل العزل وعدمه سواء (وليس
من كل الماء) أي المني هذا المراق في الوحم (يكون الولد)
وهذا قاله لما قالوا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب
أثمانهن فما ترى في العزل؟ فذكره وفيه جواز العزل لكنه في
الحرة مكروه تنزيها إلا بإذنها عند الشافعي كما يأتي. وذهب
ابن حزم إلى تحريم العزل مطلقا تمسكا بقوله في خبر ذلك
الوأد الخفي. ورد بأنه لا يلزم من تسميته وأدا على طريق
التشبيه كونه حراما وأما بأنه مخصوص بالعزل عن المرضع
لإضرار الحبل بالولد بالتجرية
(حم عن أبي سعيد) الخدري. قال سألنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن العزل فذكره رمز المصنف لحسنه وهو كذلك وأهلا
(1/534)
1093 - (اضربوهن) أي اضربوا نساءكم اللاتي
تخافون نشوزهن (ولا يضرب إلا شراركم) أما الأخيار فيرون
اللائق سلوك سبيل العفو والحلم والصبر عليهن وملاينتهن
بالتي هي أحسن واستجلاب خواطرهن بالإحسان بقدر الإمكان
وفيه جواز ضرب المرأة للنشوز أي إن ظن إفادته
(ابن سعد) في طبقاته (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر
الصديق المدني أحد الأئمة الأعلام (مرسلا) أرسل عن أبي
هريرة وغيره. وسبب هذا الحديث أن رجالا شكوا النساء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم في ضربهن فطاف تلك
الليلة منهن نساء كثير يذكرن ما لقي نساء المسلمين. فنهى
عن ضربهن فقال الرجال يا رسول الله زاد النساء على الرجال
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اضربوهن [ص:535] ولا
يضرب إلخ. وقضية تصرف المؤلف لم ير هذا الحديث مسندا وإلا
لما عدل رواية إرساله وهو عجيب فقد خرجه البزار عن عائشة
مرفوعا وغاية ما يعتذر به للمؤلف أن رواية الإرسال أصح:
وبفرض تسليمه فهذا لا يجدي نفعا لأنه كان الأولى ذكرهما
معا
(1/534)
1094 - (اضمنوا لي ست خصال) أي التزموا
بالمحافظة على فعل ست خصال (أضمن) بالجزم جواب الأمر (لكم
الجنة) أي العزم لكم في مقابل ذلك بدخولها مع السابقين
الأولين أو من غير تعذيب وليس المراد بالضمان هنا معناه
الشرعي بل اللغوي وعبر عنه بذلك تحقيقا لحصول الوعد إن
حوفظ على المأمور به قالوا وما هي يا رسول الله؟ قال (لا
تظالموا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا أي لا يظلم بعضكم بعضا
(عند قسمة مواريثكم) بل اقسموها على ما أمر الله به وأعطوا
كل ذي حق حقه من فرض أو تعصيب ما وجب له فحرمان بعض الورثة
أو تنقيصه مما يستحقه حرام شديد التحريم حتى على المورث
(وأنصفوا الناس من أنفسكم) بأن تفعلوا معهم ما تحبون أن
يفعلوه معكم (ولا تجبنوا) بضم المثناة فوق وسكون الجيم
(عند قتال عدوكم) أي لا تهابوهم فتولوا الأدبار با احملوا
عليهم واصدقوا اللقاء واثبتوا حيث كانوا مثليكم أو أقل.
والجبن بالضم: ضعف القلب عما يجب أن يقوى فيه. ذكره الراغب
وغيره (ولا تغلوا) بفتح المثناة فوق وضم الغين المعجمة
(غنائمكم) أي لا تخونوا فيها فإن الغلول كبيرة (فأنصفوا)
لفظ جامعه الكبير وامنعوا (ظالمكم من مظلومكم) أي خذوا
للمظلوم حقه ممن يظلمه بالعدل والقسط فإن إهمال ذلك مع
القدرة عليه من قبيل ترك الأمر بالمعروف وإهمال النهي عن
المنكر والخطاب للحكام أو عام ويدخلون فيه دخولا أوليا
أولويا ومقصود الحديث أن الإنسان إذا حافظ على هذه الخصال
مع القيام بالفروض العينية يتكفل له المصطفى صلى الله عليه
وسلم يوم القيامة بإدخاله الجنة مع الأولين أو بغير عذاب
: (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي فيه العلاء بن
سليمان الرقي وهو ضعيف وقال ابن عدي منكر الحديث اه
والعلاء رواه عن خليل بن مرة وقد ضعفه ابن معين وغيره
فحينئذ رمز المؤلف لحسنه إن سلم فهو من قبيل الحسن لغيره
(1/535)
1095 - (اضمنوا لي ستا) من الخصال (من
أنفسكم) بأن تداوموا على فعلها (أضمن لكم الجنة) أي دخولها
(اصدقوا إذا حدثتم) أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا إن
ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق في أمر مخصوص
كحفظ معصوم (وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم) {إن الله
يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال البيهقي ودخل فيه
ما تقلد المؤمن بإيمانه من العبادات والأحكام وما عليه من
رعاية حق نفسه وزوجه وأصله وفرعه وأخيه المسلم من نصحه وحق
مملوكه أو مالكه أو موليه فأداء الأمانة في كل ذلك واجب
(واحفظوا) أيها الرجال والنساء (فروجكم) عن فعل الحرام
لثنائه تعالى على فاعليه بقوله {والحافظين فروجهم
والحافظات} (وغضوا أبصاركم) كفوها عما لا يجوز النظر إليه
(وكفوا أيديكم) امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعا
فلا تضربوا بها من لا يسوغ ضربه ولا تناولوا بها مأكولا أو
مشروبا حراما ونحو ذلك فمن فعل ذلك فقد حصل على رتبة
الاستقامة المأمور بها في القرآن وتخلقوا بأخلاق أهل
الإيمان. وهذه الستة غير الستة الأولى فهو إما خاطب بتلك
من لا يعلمها ويعلم هذه. وبهذه من لا يعلمها ويعلم تلك أو
أنه تفرس من المخاطبين عدم الصدق والوفاء بالعهد والخيانة
والرياء والنظر لما لا يحل وبسط اليد بالعدوان [ص:536]
فنهاهم وهكذا يقال فيما قبله. وأخرج البيهقي عن الفضيل قال
أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة
بالتوحيد وللنبي بالبلاغ وأداء الفرائض: صدق الحديث وحفظ
الأمانة وترك الخيانة والوفاء بالعهد وصلة الرحم والنصح
للمسلمين قال سمعته وتعلمته من أهل الثقة ولو لم أجده ما
قلته
(حم حب ك هب) من حديث المطلب (عن عبادة بن الصامت) قال
الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني إلا أن المطلب لم يسمع
من عبادة. وقال المنذري بعد عزوه لأحمد والحاكم وأنه صححه:
المطلب لم يسمع من عبادة وقال الذهبي في اختصاره للبيهقي
إسناده صالح وقال العلائي في أماليه سنده جيد وله طرق هذه
أمثلها وفي كلامهما إشارة إلى أنه لم يرتق عن درجة الحسن
(1/535)
1096 - (أطب) بفتح الهمزة وكسر الطاء من
أطاب (الكلام) أي تكلم بكلام طيب: يعني قل لا إله إلا الله
خالصا أو حافظ على قول الباقيات الصالحات أو خاطب الناس
بالملاينة والملاطفة وتجنب الغلظة والفظاظة وخالق الناس
بخلق حسن. وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأصلح بين الناس
وعلم الجاهل وأرشد الضال وقل الحق وإن كان مرا وانصح ونحو
ذلك (وأفش السلام) انشره بين من تعرفه ومن لا تعرفه من
المسلمين الذين يندب عليهم السلام شرعا (وصل) بكسر الصاد:
أمر من الصلة (الأرحام) أي أحسن إلى أقاربك بالقول والفعل
(وصل بالليل والناس نيام) أي تهجد حال نيام غالب الناس
(ثم) إذا فعلت ذلك (ادخل الجنة بسلام) أي مع سلامة من
الآفات وأمن من المخوفات
والمراد أن فعل المذكورات من الأسباب الموصلة إلى الجنة
وهذا قاله قبل دخوله المدينة
(حب حل عن أبي هريرة) وفيه عند أبي نعيم عبد الله بن صالح
بن عبد الجبار قال في اللسان عن العقيلي شيخ مجهول
(1/536)
1097 - (أطت السماء) بفتح الهمزة وشد
الطاء: صاحت وأنت وصوتت من ثقل ما عليها من ازدحام
الملائكة وكثرة الساجدين فيها منهم من الأطيط وهو صوت
الرحل والإبل من حمل أثقالها. وأل للجنس (وحق لها) وفي
رواية ويحقها (أن تئط) بفتح المثناة فوق وكسر الهمزة وشد
الطاء: أي صوتت وحق لها أن تصوت لأن كثرة ما فيها من
الملائكة قد أثقلها حتى أطت. قال ابن الأثير: وهذا مثل
وإيذان بكثرة الملائكة كثرة لا يسعها عقل البشر وإن لم يكن
ثم أطيط وإنما هو تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى.
قال ابن حجر: وقوله تئط بفتح أوله وكسر الهمزة والأطيط صوت
البعير المثقل (والذي) أي والله الذي (نفس محمد بيده) أي
بقدرته وإرادته وتصريفه (ما فيها موضع بشر) ولا أقل منه
بدليل رواية ما فيها موضع أربع أصابع (إلا وفيه جبهة ملك
ساجد يسبح الله ويحمده) أي يقول حال سجوده سبحان الله
وبحمده فهذا هو الذكر المأثور للملائكة فيه والذكر المأثور
للبشر سبحان ربي الأعلى وهذا على طريق الاستعارة بالكناية
شبه السماء بذي صوت من الإبل المقتوبة فأطلق المشبه وهو
السماء وأراد المشبه به وهو الإبل ثم ذكر شيئا من لوازم
الإبل والأقتاب وهو الصوت المعبر عنه بقوله أطت السماء
ينتقل الذهن منه. روى ابن عساكر أن في السماء ملائكة قياما
لا يجلسون أبدا وسجودا لا يرفعون أبدا وركوعا لا يقومون
أبدا يقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك. أه. وقال ابن
الزملكاني: وقد دل هذا الخبر ونحوه على أن الملائكة أكثر
المخلوقات عددا وأصنافهم كثيرة. وقد ورد في القرآن من ذلك
ما يوضحه ومعرفة قدر كثرتهم [ص:537] وتفصيل أصنافهم موكول
إليه سبحانه وتعالى {وما يعلم جنود ربك إلا هو} وقيل إن
المكلفين أربعة أصناف: الإنسان والملك والجن والشياطين
وبنو آدم عشر الجن والجن عشر حيوان البحر والطير والكل عشر
ملائكة سماء الدنيا وكلهم عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا
إلى ملائكة الكرسي ثم العرش. وفي كتاب الزاهر وغيره عن
الأوزاعي وغيره أن في مناجاة موسى قال يا رب من عبدك قبل
آدم؟ قال الملائكة قال يا رب كم هم؟ قال اثني عشر ألف سبط
قال كم السبط؟ قال مثل الجن والإنس والطير والبهائم اثني
عشر ألف مرة. وفي رواية: كم عدد كل سبط؟ قال عدد التراب.
وفي تذكرة الإمام الرازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما عرج به إلى السماء رأى ملائكة في محل عال مشرف ورأى
بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل جبريل: أين تذهبون؟ فقال والذي
بعثك بالحق لا أدري إلا أني أراهم هكذا منذ خلقت ولا أرى
واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك. وفي الفتوحات: لا يزال الحق
يخلق من أنفاس العالم ملائكة ما داموا متنفسين. والأخبار
والآثار الدالة على أكثريتهم لاتكاد تحصى
(ابن مردويه) في التفسير (عن أنس) بن مالك. رمز المؤلف
لضعفه ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي ذر
مرفوعا بلفظ: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها أربع
أصابع إلا وعليه ملك واضع جبهته وفي رواية الترمذي ساجدا
لله تعالى وهذا الحديث حسن أو صحيح
(1/536)
1098 - (أطع كل أمير) ولو جائرا فيما لا
إثم فيه وجوبا (وصل خلف كل إمام) ولو فاسقا ومن ثم كان ابن
عمر يصلي خلف الحجاج
قال الشافعي: وكفى به فاسقا (ولا تسبن) بفتح الفوقية وضم
المهملة وفتح الموحدة ونون التوكيد: أي لا تشتمن (أحدا من
أصحابي) لما لهم من الفضائل وحسن الشمائل التي منها نصرة
الإسلام والذب عن الدين ولما وقع بينهم من الحروب محامل
(طب) من حديث مكحول (عن معاذ بن جبل) قال الهيتمي: ومكحول
لم يسمع من معاذ فهو منقطع ورواه البيهقي باللفظ المزبور
من حديث إسماعيل بن عياش عن حميد اللخمي عن مكحول عن معاذ
قال الذهبي: هذا منقطع
(1/537)
1099 - (أطعموا الطعام) للبر والفاجر
(وأطيبوا الكلام) لهما فإنه سبحانه أطعم الكفار واصطنع
للبر والفاجر وأمر بذلك وكان الحسن بن واصل يقاتل العدو
فإذا جن الليل وضع الطعام ولم يمنع من يقاتله من الكفار
فيل له فيه فقال إن شئلت عنه قلت منك أخذت وبأمرك ائتمرت
أطعمت من أطعمت وقاتلت من أمرت. وقيل المراد بإطعام الطعام
السماح بالمال وبطيب الكلام لا إله إلا الله
(طب) وكذا الضياء في المختارة (عن الحسن بن علي) قال
الهيتمي فيه القاسم بن محمد الدلال وهو ضعيف
(1/537)
1100 - (أطعموا الطعام وأفشوا السلام) بقطع
الهمزة فيهما: أي أعلنوه بين المسلمين (تورثوا الجنان) أي
فعلكم ذلك وإدامتكم له يورثكم دخول الجنان مع السابقين
برحمة الرحمن
(طب عن عبد الله بن الحارث) صحابي شهد فتح مصر ومات سنة ست
وثمانين رمز المصنف لحسنه قال الهيتمي رواه الطبراني
بإسنادين أحدهما رجاله ثقات
(1/537)
1101 - (أطعموا طعامكم الأتقياء) لأن التقي
يستعين به على التقوى فتكونون شركاء له في طاعته بالإعانة
عليها {وتعاونوا على البر والتقوى} لكن المراد حرمان غير
التقي بل أن يكون القصد به للمتقين أصالة فلا يقصد [ص:538]
فاجرا يتقوى به على الفجور فيكون إعانة على معصية أو أن
المراد إذا لم يتسع حاله للتعميم فيقدم الاتقياء (وأولوا
معروفكم المؤمنين) يعني خالطوا الذين حسنت أخلاقهم
وأحوالهم في معاملة ربهم بأداء فروضه واتقاء نواهيه وتحمل
المشقة في القيام بأنفاقهم وفعل صنوف المعروف معهم وأولئك
الصالحون الذين قال الله تعالى عنهم {يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان) أي فضل
زيارة الإخوان (ع) والديلمي (عن أبي سعيد) الخدري ورواه
عنه أيضا ابن المبارك في البر والصلة: قال ابن طاهر غريب
وفيه مجهول
(1/537)
1102 - (أطفال المؤمنين) أي أولادهم
وذراريهم الذين لم يبلغوا الحلم (في جبل في الجنة) يعني
أرواحهم فيه (يكفلهم) أي يحضنهم ويقوم بمصالحهم (إبراهيم)
الخليل (و) زوجته (سارة) فنعم الوالدان ونعم الكاملان هما
وهنيئا مريئا لولد فارق أبويه وأمسى عندهما. وسارة بسين
مهملة وراء مشددة لأنها كانت لبراعة جملها تسر كل من يراها
وقيل إنها أعطيت سدس الحسن وهي بنت عمه وقيل بنت أخيه وكان
جائزا في شرعه (حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة) أي ويرد
ولد الزنا إلى أمه: وأسند الكفالة لهما والرد إلى إبراهيم
خاصة لأن المخاطب بمثله الرجال ولا ينافي ما ذكر هنا من
كفالة إبراهيم لهم ما في خبر آخر من كفالة جبريل وميكائيل
وغيرهما لهم لأن طائفة منهم في كفالة إبراهيم وطائفة في
كفالة غيره فلا تدافع كما بينه القرطبي وغيره. قال في
الإفصاح وغيره: أما مقر الروح فمختلف فيه بحسب المصاحب
ومتنوع على قدر المراتب فأرواح في حواصل طيور خضر تسرح في
الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش إذا
باتت وأرواح في قبة خضراء سندسية وعلى بارق نهر بباب الجنة
العلية وأرواح الأطفال عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح
وأرواح في السماء الدنيا أيضا وأرواح في السماء السابعة في
دار يقال لها البيضاء وأرواح في كفالة إبراهيم وأرواح في
كفالة جبريل وأرواح في كفالة إسرافيل وأرواح في خزانة
رفائيل وأرواح في بيت ممدود بين السماء والأرض وأرواح في
برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت وأرواح في بئر زمزم ولكل روح
اتصال معنوي ببدنها وتعلق قوي بجسدها بحيث يصلح أن يسلم
عليها ويفهم ما يقع من الخطاب لديها وترد السلام كالشمس
المنيرة فإنها في السماء وأشعتها في الأرض اه. وحينئذ
فالمراد بالأطفال في هذا الحديث بعضهم وفيه أن أطفال
المؤمنين في الجنة
وقد حكى جمع عليه الإجماع ومراده كما قال النووي إجماع من
يعتد به
وأما خبر مسلم عن عائشة توفي صبي من الأنصار فقلت طوبى له
عصفور من عصافير الجنة فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم
وما يدريك أن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا الحديث. فأجيب
بأنه إنما نهاها عن التسارع إلى القطع بغير دليل أو أنه
قبل علمه بأنهم في الجنة وفيه أن الجنة موجودة الآن وهو ما
عليه أهل الحق وأنها ذات جبال ولا ينافيه خبر أنها قيعان
لأن المراد أن أعظمها كذلك
(حم ك والبيهقي في) كتاب (البعث عن أبي هريرة) قال الحاكم
صحيح
(1/538)
1103 - (أطفال المشركين) أي أولاد الكفار
الصغار (خدم أهل الجنة) يعني يدخلونها فيجعلون خدما لمن
فيها وبهذا أخذ الجمهور قال النووي: وهو الصحيح المختار
كمن لم تبلغه الدعوة وأولى وأما خبر الله أعلم ما كانوا
عاملين فلا تصريح فيه فإنهم ليسوا في الجنة وخبر أحمد عن
عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد [ص:539]
المشركين فقال في النار فضعيف وقيل بالوقف وقيل تحت
المشيئة وقيل من علم الله كفره لو عاش في النار وخلافه في
الجنة وقيل يصيرون ترابا وقيل غير ذلك والمعول عليه الأول
(طس عن أنس) وسكت عليه ورواه في الكبير عن سمرة (ص عن
سلمان) الفارسي (موقوفا) عليه ورواه البخاري في تاريخه
الأوسط عن سمرة مرفوعا فإهمال المصنف له واقتصاره على من
ذكر من ضيق الفطن
(1/538)
1104 - (أطفئوا المصابيح) من بيوتكم (إذا
رقدتم) أي نمتم لئلا تجر الفويسقة الفتيلة فتحرق البيت
(وأغلقوا الأبواب) أبواب بيوتكم (وأوكؤا الأسقية) اربطوا
أفواه القرب (وخمروا الطعام والشراب) أي استروه وغطوه (ولو
بعود تعرضه عليه) مع ذكر الله فإنه السر الدافع وقد سبق
تقرير ذلك مبينا
(خ عن جابر) بن عبد الله في عدة مواضع
(1/539)
1105 - (اطلب) ممن بيده الضر والنفع
والإعطاء والمنع والصحة والسقم (العافية) أي السلامة في
الدين والبدن والمال والأهل (ترزقها) بالبناء للمفعول (في
نفسك) فإنك كما تدين تدان وبالكيل الذي تكتال يكال لك فإن
طلبت لغيرك السلامة في دينه جوزيت بمثله أو في بدنه أو
أهله أو ماله جوزيت بمثله وهناك ملك موكل يقول ولك بمثل
ذلك كما يأتي وقيل سبب تسمية أبي إسحاق الشيرازي بين
الفقهاء بالشيخ المطلق أنه رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في النوم فقال علمني كلمات أنجو بها غدا فقال يا شيخ
اطلب السلامة في غيرك تجدها في نفسك. وآثر في الحديث
التعبير بالرزق دون الإعطاء وغيره إشارة إلى أن العافية
أعظم المواهب بعد الإيمان وإيماء إلى تحقق الإعطاء إذا صحب
الطلب إخلاص سيما إذا كان بظهر الغيب
(الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمرو) بن العاص
(1/539)
1106 - (اطلبوا) بهمزة وصل مضمومة إرشادا
(الحوائج) أي حوائجكم إلى ذوي الرحمة من أمتي أي إلى
الرقيقة قلوبهم السهلة عريكتهم اللينة شكيمتهم. وجواب
الأمر قوله (ترزقوا وتنجحوا) بفتح المثناة فوق وسكون النون
وفتح الجيم أي تصيبوا حوائجكم وتبلغوا مقاصدكم ثم علل
بقوله (فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي " رحمتي في
ذوي الرحمة من عبادي ") أي اسكنت المزيد منها فيهم ومن لان
قلبه وترطب بماء الرحمة فهو أهل للإحسان والنعمة (ولا
تطلبوا) نهي إرشاد (الحوائج عند القاسية قلوبهم) أي
الغليظة أفئدتهم (فلا ترزقوا ولا تنجحوا) وقاسي القلب لا
يستحيي من الرد بل هو حرج الصدر جافي الطبع (فإن الله
تعالى يقول إن سخطي) أي كراهتي وشدة غضبي (فيهم) أي جعلته
فيهم لأن الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير وكل من رحمته
رق فلبك له فأحسنت إليه ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه
وصار فظا لا يرق لأحد ولا لنفسه فالشديد يشد على نفسه
ويعسر ويضيق فهو من نفسه في تعب والخلق منه في نصب مكدوح
الروح مظلم الصدر عابس الوجه منكر الطلعة ذاهبا بنفسه تيها
وعظمة سمين الكلام عظيم النفاق قليل الذكر لله وللدار
الآخرة فهو أهل لأن يسخط عليه ويغاضبه ليعاقبه <تنبيه> أخذ
بعضهم من هذا الوعيد أن قسوة القلب من الكبائر وحمل على ما
إذا حملت صاحبها على نحو منع طعام المضطر
(عق) من طريق محمد ابن أيوب بن الضريس عن جندل بن والق عن
أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن السدي عن داود بن أبي هند
عن [ص:540] أبي نضرة عن أبي سعيد قال العقيلي وعبد الرحمن
مجهول لا يتابع على حديثه وداود لا يعرف وخبره باطل. (طس
عن أبي سعيد) الخدري قال في اللسان وأظن محمد بن مروان
يكنى أبا عبد الرحمن فوقع في رواية العقيلي أن أبا عبد
الرحمن سقط من عنده أبي فبقي عبد الرحمن على أن محمد بن
مروان لم ينفرد به بل فيه متابع وشاهد من حديث علي في
المستدرك وغيره انتهى وأشار بذلك إلى الرد على ابن الجوزي
في إيراده في الموضوعات
(1/539)
1107 - (اطلبوا الخير) بهمزة وصل مضمومة
(عند حسان الوجوه) وفي رواية للخطيب صباح الوجوه أي الطلقة
المستبشرة وجوههم فإن الوجه الجميل مظنة لفعل الجميل وبين
الخلق والخلق تناسب قريب غالبا فإنه قل صورة حسنة يتبعها
نفس رديئة وطلاقة الوجه عنوان ما في النفس وليس في الأرض
من قبيح إلا ووجهه أحسن ما فيه وأنشد بعضهم:
دل على معروفه حسن وجهه. . . بورك هذا هاديا من دليل
وأنشد بعضهم:
سيدي أنت أحسن الناس وجها. . . كن شفيعي في هول يوم كريه
قد روى صحبك الكرام حديثا. . . اطلبوا الخير من حسان
الوجوه
وقيل أراد حسن الوجه عند طلب الحاجة بدليل أنه قيل للحبر:
كم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال إنما نعني حسن
الوجه عند طلب الحاجة أي بشاشته عند سؤاله وحسن الاعتذار
عند نواله ويشهد له خبر الخطيب عن جابر مرفوعا اطلبوا
حوائجكم عند حسان الوجوه إن قضاها قضاها بوجه طليق فرب حسن
الوجه ذميم عند طلب الحاجة ورب ذميم الوجه حسن عند طلب
الحاجة انتهى ولا يعارضه ما سبق من أن حسن الوجه والسمت
يدل على حياء صاحبه ومروءته لأنه غالبي وغيره نادر كما
يشير إليه لفظ رب وقيل عبر بالوجه عن الجملة وعن أنفس
القوم وأشرفهم يقال فلان وجه القوم وعينهم قال تعالى {كل
شيء هالك إلا وجهه} وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال:
يدل على معرفة وحسن وجه. . . وما زال حسن الوجه إحدى
الشواهد
(تخ) عن إبراهيم عن معن عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي
عن امرأته صبرة عن أبيها عن عائشة وأورده ابن الجوزي عنه
من طريقه ثم قال موضوع والمليكي متروك وتعقبه المؤلف بأنه
ممن يكتب حديثه وبأنه لم ينفرد به (وابن أبي الدنيا في)
كتاب فضل (قضاء الحوائج) أي في كتابه المؤلف في ثواب قضاء
حوائج الناس عن مجاهد بن موسى عن معن عن يزيد بن عبد الملك
النوقلي عن إبراهيم عن أبي أنس (ع) عن داود بن رشيد عن
إسماعيل بن عياش عن صبرة بنت محمد بن ثابت عن سباع عن أمها
عن عائشة قال الحافظ الزين العراقي وصبرة وأمها وأبوها لا
أعرف حالهم (طب عن عائشة) قال الهيتمي فيه من لم أعرفهم
(طب عن ابن عباس) بلفظ اطلبوا الخير إلى حسان الوجوه قال
الهيتمي فيه عند الطبراني عبد الله بن خراش بن حوشب وثقه
ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات (عد
عن ابن عمر) ابن الخطاب قال ابن عبد الهادي في تذكرته بخطه
قال أحمد محمد بن عبد الرحمن بن بجير راويه عن نافع عن ابن
عمر ثقة وهذا الحديث كذب انتهى بلفظه (ابن عساكر عن أنس)
بن مالك (طس عن جابر) قال الهيتمي وفيه عمر بن صهبان وهو
متروك (تمام) في فوائده (قط في رواية مالك) بن أنس الإمام
(عن أبي هريرة) قال أعني الهيتمي وفيه طلحة بن عمرو وهو
متروك (تمام) في فوائده (عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي
وطرقه كلها ضعيفة وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم يصب في
قوله في اللآلئ هذا الحديث في نقدي حسن صحيح لم يصب ابن
الجوزي [ص:541] حيث حكم بوضعه ولا ابن القيم كشيخه ابن
تيمية حيث قال هذا الحديث باطل لم يصح عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم انتهى بل ذاك تفريط وهذا إفراط والقول
العدل ما أفاده زين الحفاظ العراقي
(1/540)
1108 - (اطلبوا الخير) أمر بمعنى الخبر
كقوله تعالى {افعلوا الخير} وقوله في خواص عباده {أولئك
يسارعون في الخيرات} والخير هنا جميع أنواع البر (دهركم
كله) أي مدة حياتكم جميعها لأن الإنسان لا يعلم نجاته في
أي محل ولا في أي وقت تحصل ولهذا قال دهركم كله وفي
المصباح يطلق الدهر على الأبد والزمان قل أو كثر لكنه في
القليل مجاز على الاتساع (وتعرضوا) أي اقصدوا أو من التعرض
وهو الميل إلى الشيء من أحد جوانبه (لنفحات رحمة الله) أي
اسلكوا طرقها حتى تصير عادة وطبيعة وسجية وتعاطوا أسبابها
وهو فعل الأوامر وتجنب المناهي وعدم الانهماك في اللذات
والاسترسال في الشهوات رجاء أن يهب من رياح رحمته نفحة
تسعدكم أو المعنى اطلبوا الخير متعرضين لنفحات رحمة ربكم
بطلبكم منه قال الصوفية التعرض للنفحات الترقب لورودها
بدوام اليقظة والانتباه من سنة الغفلة حتى إذا مرت نزلت
بفناء القلوب وفي الصحاح نفح الطيب فاح ونفحت الريح هبت
ونفحة من عذاب قطعة وفي المصباح نفحه بالمال أعطاه والنفحة
العطية وقيل مبتدأ شيء قليل من كثير (فإن لله نفحات من
رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) المؤمنين فداوموا على
الطلب فعسى أن تصادفوا نفحة من تلك النفحات فتكونوا من أهل
السعادات. ومقصود الحديث أن لله فيوضا ومواهب تبدو لوامعها
من فتحات أبواب خزائتن الكرم والمنن في بعض أوقات فنهب
فورتها ومقدماتها كالأنموذج لما رواءها من مدد الرحمة فمن
تعرض لها مع الطهارة الظاهرة والباطنة بجمع همة وحضور قلب
حصل له منها دفعة واحدة ما يزيد على هذه النعم الدائرة في
الأزمنة الطويلة على طول الأعمار فإن خزائن الثواب بمقدار
على طريق الجزاء وخزائن المنن النفحة منها تفرق فما تعطي
على الجزاء له مقدار ووقت معلوم ووقت النفحة غير معلوم بل
مبهم في الأزمنة والساعات وإنما غيب علمه لتداوم على الطلب
بالسؤال المتداول كما في ليلة القدر وساعة الجمعة فقصد أن
يكونوا متعرضين له في كل وقت قياما وقعودا وعلى جنوبهم وفي
وقت التصرف في أشغال الدنيا فإنه إذا داوم أوشك أن يوافق
الوقت الذي يفتح فيه فيظفر بالفناء الأكبر ويسعد بسعادة
الأبد (وسلوا الله) وفي رواية واسألوا الله (تعالى) أي
اطلبوا منه (أن يستر) أي يخفي عن خلقه (عوراتكم) جمع عورة
وهي ما يستحى منه إذا ظهر والعوار بالفتح العيب وقد يضم
(وأن يؤمن) بضم التحتية وفتح الهمزة والتشديد (روعاتكم) أي
فزعاتكم قال الراغب: الروع إصابة الروع واستعمل فيما ألقى
فيه من الفزع يقال رعته وروعته وريع فلان وناقة روعاء فزعة
والأروع الذي يروع بحسنه كأنه يفزع قال: يروعك أن تلقاه في
وسط محفل
ولقد أبدع المصطفى وأملح حيث أتى بجناس الاشتقاق بين عورات
وروعات
(ابن أبي الدنيا في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (والحكيم)
الترمذي في النوادر
- (هب حل)
والقضاعي كلهم (عن أنس) بن مالك وفيه حرملة بن يحيى
التجيبي قال أبو حاتم لا يحتج به وأورده الذهبي في الضعفاء
والمتروكين (هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وقول
البغدادي حسن صحيح غير صحيح
(1/541)
1109 - (اطلبوا الرزق في خبايا الأرض) جمع
خبيئة كخطيئة وخطايا أي التمسوه في الحرث لنحو زرع وغرس
فإن [ص:542] الأرض تخرج ما فيها من النبات الذي به قوام
الحيوان وقيل أراد استخراج الجواهر والمعادن من الأرض
وإنما أرشد لطلب الرزق منها لأنه أقرب الأشياء إلى التوكل
وأبعدها من الحول والقوة فإن الزارع إذا كرب الأرض ونقاها
وقام عليها ودفن فيها الحب تبرأ من حوله وقوته ونفدت حيلته
فلا يرى لنفسه حيلة في إنباته وخروجه بل ينظر إلى القضاء
والقدر ويرجو ربه دون غيره في إرسال السماء ودفع الآفة مما
لا حيلة لمخلوق فيه ولا يقدر عليه إلا الذي يخرج الخبء في
السماوات والأرض. ومن شعر ابن شهاب الزهري قوله في المعنى:
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها. . . لعلك يوما أن تجاب
وترزقا
(ع طب) في الأوسط (هب عن عائشة) قال الهيتمي فيه هشام بن
عبد الله بن عكرمة المخزومي ضعفه ابن حبان انتهى وقال
النسائي ذا حديث منكر وقال ابن الجوزي قال ابن طاهر حديث
لا أصل له وإنما هو من كلام عروة بل أشار مخرجه البيهقي
إلى ضعفه بقوله عقبة هذا إن صح فإنما أراد الحرث وإثارة
الأرض للزروع انتهى وفي الميزان عن ابن حبان مصعب بن
الزبير ينفرد بما لا أصل له من حديث هشام لا يعجبني
الاحتجاج بخبره إذا انفرد ثم ساق له هذا الخبر
(1/541)
1110 - (اطلبوا العلم) الآتي بيانه (ولو
بالصين) أي ولو كان إنما يمكن تحصيله بالرحلة إلى مكان
بعيد جدا كمدينة الصين فإن من لم يصبر على مشقة التعلم بقي
عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليها آل عمره إلى عز
الدنيا والآخرة وقال علي كرم الله وجهه العلم خير من المال
وقال وهب يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيا والقرب
وإن كان قصيا والغنى وإن كان فقيرا والنبل وإن كان حقيرا
قال الرضي قد تدخل على الواو لو تدل على أن المدلول على
جوابها بما تقدم ولا تدخل إلا إذا كان ضد الشرط المذكور
أولى بذلك المقدم الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط
قال وكذا قوله اطلبوا العلم ولو بالصين والظاهر أن الواو
الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية ونفي بالجملة
الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقا به معنى
مستأنفا لفظيا على طريق الالتفات كقوله. . . فأنت طلاق
والطلاق ألية. . . وقوله:. . . ترى كل ما فيها وحاشاك
فانيا
وقد يجيء بعد تمام الكلام كقوله عليه الصلاة والسلام: "
أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (فإن طلب العلم فريضة على كل
مسلم) مكلف وهو العلم الذي لا يقدر المكلف بالجهل يه
كمعرفة الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه ومعرفة رسله
وكيفية الفروض العينية والمراد بالمعرفة الاعتقاد الجازم
لا على طريق المتكلمين من أحكام الحج والاستعداد لدفع
الشبه فإنه فرض كفاية وكذا القيام بعلوم الشرع من تفسير
وحديث وفقه وأصول وعلوم العربية فتعلم ذلك على كل مسلم
مكلف حر ذكر غير بليد فرض كفاية وتعلم الزائد مندوب كتعلم
النوافل للعبادة
(هـ هب عن أنس) بن مالك ثم قال أعني البيهقي متنه مشهور
وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيفة. إلى هنا كلامه
(وابن عبد البر في) كتاب فضل (العلم عق) عن جعفر بن محمد
الزعفراني عن أحمد بن أبي سريج الرازي عن حماد بن خالد
الخياط عن طريف بن سلمان بن عاتكة عن أنس (عد) عن محمد بن
حسن ابن قتيبة عن عباس ابن أبي إسماعيل عن الحسن بن عطية
الكوفي عن أبي عاتكة (عن أنس) قال ابن حبان باطل لا أصل له
والحسن ضعيف وأبو عاتكة منكر الحديث وفي الميزان أبو عاتكة
عن أنس مختلف في اسمه مجمع على ضعفه من طريق البيهقي هذا
المذكور عن أنس بن مالك قال السخاوي وغيره وهو ضعيف من
الوجهين بل قال ابن حبان باطل لا أصل له وحكم ابن الجوزي
بوضعه ونوزع بقول المزي له طرق ربما يصل بمجموعها إلى
الحسن ويقول الذهبي في تلخيص الواهيات روي من عدة طرق
واهية وبعضها صالح
(1/542)
[ص:543] 1111 - (اطلبوا العلم ولو بالصين)
أي فيها مبالغة في البعد (فإن طلب العلم فريضة على كل
مسلم) ثم بين ما في طلبه من الفضل ومزيد الشرف بقوله (إن
الملائكة تضع أجنحتها) جمع جناح (لطالب العلم) تبسطها له
وتفرشها تحت قدميه أو تتواضع له تعظيما لحقه أو تنزل عنده
وتترك الطيران أو تعينه وتيسر له السعي في طلب العلم أو
تظل لأجله ولا مانع من اجتماعها (رضى بما يطلب) أي رضى له
بسبب العلم الذي يطلبه أو رضى بالعلم الذي هو طالبه وفيه
كالذي قبله ندب الرحلة في طلب العلم وطلب العلو فيه (تتمة)
أخرج الرهاوي والطبراني وغيرهما عن زكريا الساجي قال كنا
نمشي في بعض أزقة البصرة لبعض المحدثين فأسرعنا فقال رجل
ارفعوا أرجلكم عني أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ
فما زال من محله حتى جفت رجلاه وسقط قال الرهاوي هذا كرأي
عين لأن رواته أعلام
(ابن عبد البر) في كتاب العلم عن أحمد بن عبد الله بن محمد
عن مسلمة بن القاسم عن يعقوب بن إسحاق العسقلاني عن عبيد
الله الفرياني عن أبي محمد الزهري (عن أنس) بن مالك قال في
الميزان يعقوب كذاب انتهى وقال النيسابوري وابن الجوزي ثم
الذهبي لم يصح فيه إسناد
(1/543)
1112 - (اطلبوا العلم يوم الاثنين) لفظ
رواية أبي الشيخ والديلمي فيما وقفت عليه من نسخة مصححة
بخط الحافظ ابن حجر في كل يوم اثنين فكأن المصنف ذهل عنه
أو تبع بعض النسخ السقيمة (فإنه ميسر لطالبه) فيه أي يتيسر
له أسباب تحصيله بدفع الموانع وتهيئة الأسباب إذا طلبه فيه
وذلك لأنه اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم
وجاء الوحي فيه ويشاركه في ندب الطلب فيه الخميس كحديث ابن
عدي عن جابر اطلبوا العلم لكل اثنين وخميس فإنه ميسر لمن
طلب وينبغي طلبه في أول النهار لخبر يأتي (أبو الشيخ [ابن
حبان] ) في الثواب
(فر) وكذا ابن عساكر (عن أنس) وفيه مغيرة عن عبد الرحمن
أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين ليس بشيء ووقفه
طائفة
(1/543)
1113 - (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن
الأمور تجري) أي تمر (بالمقادير) يعني لا تذلوا أنفسكم في
الجد بالطلب والتهافت على التحصيل بل اطلبوا طلبا رفيقا
بعزة نفس وعدم تذلل للميول فإن ما قدر سيكون وما لم يقدر
لم يكن فلا فائدة في الانهماك إلا إذاية الجسم وكثرة الهم
(تمام) في فوائده (وابن عساكر) في تاريخه (عن عبد الله بن
بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني ولأبويه صحبة
زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم رمز
لضعفه
(1/543)
1114 - (اطلبوا الفضل) أي الزيادة من
الإحسان والتوسعة عليكم (عند) وفي نسخة إلى وهي بمعنى من
(الرحماء من أمتي) أمة الإجابة (تعيشوا) بالجزم جواب الأمر
(في أكنافهم) جمع كنف بفتحتين وهو الجانب (فإن فيهم رحمتي)
كذا وجدته في النسخ المتداولة والظاهر أنه سقط قبله من
الحديث فإن الله يقول أو نحو ذلك ثم رأيت الحافظ الذهبي
وغيره ساق الخبر من هذا الوجه من حديث أبي سعيد مصرحا
بكونه قدسيا فقال أوله يقول الله اطلبوا الخير إلى آخر ما
هنا وقال من عبادي بدل من أمتي وهكذا ساقه ابن الجوزي في
الموضوعات وتبعه المؤلف في مختصرها فقال يقول الله عز وجل
اطلبوا إلخ والمعنى إذا احتجتم إلى فضل غيركم من مال أو
جاه أو معونة فاطلبوه عند رحماء هذه [ص:544] الأمة وهم أهل
الدين والشرف وطهارة العنصر فإن من توفر حظه من ذلك عظمت
شفقته فرحم السائلين وبذل لهم فضل ما عنده طلبا للثواب من
غير من ولا أذى ولا مطل بل في ستر وعفاف وإغضاء فيعيش في
ظله مع سلامة الدين والعرض ولا يسترقه ببره (ولا تطلبوا)
الفضل (من القاسية قلوبهم) أي الفظة الغليظة قلوبهم (فإنهم
ينتظرون سخطي) {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم
قاسية} وإنما قست بالتباعد عن الله من أجل نقض الميثاق وفي
خبر سيجيء لا يدخل الجنة إلا رحيم قالوا كلنا رحيم قال ليس
رحمة أحدكم خويصته يعني أهله لكن حتى يرحم العامة فرحمة
الخويصة هي رحمة العطف من الرحمة المقسومة بين الخلق
ورحمتك للعامة من رحمة المعرفة بالله تعالى وقيل لحكيم لم
صارت الملوك أقسى قلوبا قال تباعدت منها الفكرة وتمكنت
منها القسوة والشهوة فاسودت وصلبت
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق) عن محمد بن أيوب بن
الضريس عن جندل بن واثق عن أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن
ابن السدي عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة (عن أبي سعيد)
الخدري قال في اللسان ورواه الطبراني في الأوسط من طريق
محمد بن مروان السدي عن داود وكذا رواه ابن حبان في
الضعفاء من هذا الوجه قال العقيلي عبد الرحمن السدي مجهول
لا ينابع على حديثه ولا يعرف من وجه يصح وفي الميزان عبد
الرحمن السدي عن داود بن أبي هند لا يعرف وأتى بخبر باطل
ثم ساق هذا الخبر وقال خرجه العقيلي قال في اللسان ولفظ
العقيلي عبد الرحمن السدي مجهول لا يتابع ولا يعرف حديثه
من وجه يصح انتهى وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه
للطبراني وفيه محمد ابن مروان السدي ضعيف جدا وقال تلميذه
الهيتمي متروك انتهى ورواه الحاكم من حديث علي وقال صحيح
قال العراقي وليس كما قال وأورده ابن الجوزي في الموضوعات
(1/543)
1115 - (اطلبوا المعروف) أي الإحسان قال
الحراني المعروف ما أقره الشرع وقبله العقل ووافقه كرم
الطبع قال ابن الأثير النصفة وحسن الصحبة مع الناس (من)
وفي نسخة إلى وهي بمعنى من (رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم
ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم) يعني
الأمر بالطرد والابعاد عن منازل أهل الرشاد قال ابن تيمية
والمراد بهم هنا اليهود بقرينة تصريحهم بأن المراد هم في
آية {ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم
الأمد فقست قلوبهم} وقسوة القلب من ثمرات المعاصي وقد وصف
الله اليهود بها في غير موضع منها {ثم قست قلوبكم من بعد
ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة. . . الآية} {فبما نقضهم
ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} ثم قال أعني ابن
تيمية وأن قوما ممن قد ينسب إلى علم ودين قد أخذوا من هذه
الصفات بنصيب نعوذ بالله مما يكرهه الله ورسوله (يا علي)
بن أبي طالب (إن الله تعالى خلق المعروف) وهو كل ما عرفه
الشرع بالحسن وقبل ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل النقل
ثم غلب على اصطناع الخير (وخلق له أهلا فحببه إليهم وحبب
إليهم فعاله ووجه إليهم طلابه) بالتشديد (كما وجه الماء في
الأرض الجدبة) بفتح الجيم وسكون المهملة أي المتقطعة الغيث
من الجدب وهو المحل وزنا ومعنى (لتحيا به ويحيا به أهلها
إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) يعني
من بذل معروفه [ص:545] للناس في الدنيا آتاه الله جزاء
معروفه في الأخرة والمراد من بذل جاهه لأهل الجرائم فشفع
فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ومفهوم الحديث أن
أهل الشر في الدنيا هم أهل الشر في الآخرة <فائدة> في
مستدرك الحاكم بسند عن أبي جعفر من وجد في قلبه قسوة
فليكتب يس والقرآن السورة في جام بزعفران ثم يشربه
(ك هـ) في الرقاق (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال
الحاكم في مستدركه صحيح ورده الذهبي بأن فيه الأصبغ بن
نباتة واه جدا وحبان بن على ضعفوه انتهى
(1/544)
1116 - (اطلع) بهمزة وصل مكسورة بصيغة
الأمر (في القبور) أي أشرف عليها وانظر إليها وتأمل ما صار
إليه أهلها من ذهاب الأموال وفناء الآمال وأكل الدود
والتراب وانقطاع عن الأهل والأحباب والمصير إلى روضة من
رياض الجنة أو حفرة من حفر النار قال ابن كمال أصل تعدية
اطلع بعلى لما فيه من معنى الإشراف كما في الصحاح وعداه
هنا بقي باعتبار تضمنه معنى النظر والتأمل والقبر الدفن
يقال قبرت الميت أقبره بضم أو كسر قبرا دفنته وأقبرته أمرت
بأن يقير والمراد هنا محل الدفن وقد شاع استعماله فيه
والمقابر جمع مقبرة ولم يأت في القرآن إلا في {ألهاكم}
(واعتبر) أي انعظ (بالنشور) أي انظر وتأمل في قيام الموتى
من قبورهم للعرض والحساب والاعتبار من العبرة بمعنى النظر
في حال الأموات فأمره بالنظر في القبور على وجه يترتب عليه
الاعتبار المذكور وتتبعه العبرة في أحوال النشور ليقل أمل
الناظر وبصدق زهده وفي الصحاح نشر الميت ينشر نشورا عاش
بعد الموت ومنه يوم النشور وفي الأساس إنه من المجاز أصله
نشر بمعنى بسط
أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أن من أعظم أدوية
قسوة القلوب زيارة القبور وتأمل حال المقبور وما بعده من
البعث والنشور الباعث على ذكر هازم اللذات ومفرق الجماعات
وكذا مشاهدة المحتضرين وتغسيل الموتى والصلاة على الجنائز
فإن في ذلك موعظة بليغة كما يأتي في خبر
(هب) وكذا الديلمي (عن أنس) قال شكى رجل إلى المصطفى صلى
الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن
البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قال عقبة هذا متن
منكر فحذف ذلك من كلامه غير صواب وأورده في الميزان في
ترجمة محمد بن يونس الكديمي من مناكيره وقال هذا أحد
المتروكين واتهمه ابن عدي وابن حبان بالوضع
(1/545)
1117 - (اطلعت) بهمزة وصل فطاء مفتوحة
مشدودة فلام مفتوحة أي تأملت ليلة الأسراء أو في النوم أو
في الوحي أو بالكشف لعين الرأس أو لعين القلب لا في صلاة
الكسوف كما قيل (في الجنة) أي عليها (فرأيت أكثر أهلها
الفقراء) أي فقراء المدينة. ضمن اطلعت معنى تأملت ورأيت
معنى علمت وكذا عداه إلى مفعولين ولو كان الاطلاع بمعناه
الحقيقي كفاه مفعول واحد ذكره الطيبي. وهذا من أقوى حجج من
فضل الفقر على الغنى والذاهبون لمقابله أجابوا بأن الفقر
ليس هو الذي أدخلهم الجنة بل الصلاح (واطلعت في النار) أي
عليها والمراد نار جهنم (فرأيت أكثر أهلها النساء) لأن
كفران العطاء وترك الصبر عند البلاء وغلبة الهوى والميل
إلى زخرف الدنيا والإعراض عن مفاخر الآخرة فيهن أغلب لضعف
عقلهن وسرعة انخداعهن - وعورض هذا بأن هذا في وقت كون
النساء في النار أما بعد خروجهن بالشفاعة والرحمة حتى لا
يبقى فيها أحد من قال لا إله إلا الله فالنساء في الجنة
أكثر وحينئذ يكون لكل واحد زوجتان من نساء الدنيا وسبعون
من الحور العين ذكره القرطبي وغيره ولفظ أحمد الأغنياء
والنساء - وعورض أيضا بخبر: رأيتكن أكثر أهل الجنة وأجيب
بأن المراد بكونهن أكثر أهل النار نساء الدنيا وبكونهن
أكثر أهل الجنة نساء الآخرة. وفيه حث على التقلل من الدنيا
وتحريض النساء على التقوى والمحافظة من الدين على [ص:456]
السبب الأقوى وأن الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا لبعض
المتزلة
(حم م) في الدعوات (ت) في صفة جهنم (عن أنس) بن مالك (تخ)
في صفة الجنة وغيره (ت) وكذا النسائي في عشرة النساء
والرقائق فما أوهمه صنيع المؤلف من أن الترمذي تفرد
بإخراجه من بين الستة غير صواب (عن عمران بن حصين) بضم
الحاء وفتح الصاد المهملتين الخزاعي كانت تسلم عليه
الملائكة ورواه أحمد عن ابن عمرو باللفظ المذكور لكنه أبدل
النساء بالأغنياء قال العراقي كالمنذري وسنده جيد
(1/545)
1118 - (أطوعكم لله) أي أكثركم طاعة أي
انقيادا له من طاع يطيع ويطوع انقاد: أي أفضلكم بدين أو
علم (الذي يبدأ صاحبه بالسلام) أي هو الأحمق بأن يبدأ
صاحبه بالسلام عند التلاقي فإذا تلاقى اثنان فأكثر ندب أن
يبدأ به الأفضل هذا إذا كانا مارين أما لو كان أحدهما
واردا فهو الذي يبدأ بالسلام فاضلا أو مفضولا صغيرا أو
كبيرا قليلا أو كثيرا كما ذكره النووي قال الماوردي ومن
مشى في الشارع المطروق كالسوق لا يسلم إلا على البعض لأنه
إن سلم على كل من لقي تشاغل به عن المهم الخارج لأجله وخرج
به عن العرف
(طب عن أبي الدرداء) قال قلنا يا رسول الله إنا لنلتقي
فأينا يبدأ بالسلام؟ فذكره قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم.
انتهى
(1/456)
1119 - (أطول الناس أعناقا) بفتح الهمزة
جمع عنق بالضم أي من أكثرهم رجاءا وتشوقا إلى رحمة الله
تعالى لأن المتشوق إلى الشيء يتطاول بعنقه إلى التطلع
والناس يومئذ في الكرب (يوم القيامة المؤذنون) للصلوات فهم
يتطلعون لأن يؤذن لهم في دخول الجنة أو المراد أكثرهم
أعمالا يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه وروي بكسرها
أي أكثرهم إسراعا إلى الجنة والعنق بفتحتين السير بسرعة
وأما ما نقله البيهقي عن الظاهري أن معناه أن المرء يعطش
في الموفف فتنطوي عنقه والمؤذن لا يعطش فعنقه قائم فلا
سياق يعضده ولا دليل يؤيده ثم إنه لا يلزم من تمييز
المؤذنين بهذا النعت أن لا يكون غيرهم أرفع درجة منهم
لأسباب أخر نعم أخذ منه النووي أنه أفضل من الإمامة وإنما
لم يؤذن المصطفى صلى الله عليه وسلم لشغله بأمر الرسالة
على أنه أذن مرة في السفر كما في المجموع وغيره
(حم عن أنس) قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح اه ومن ثم رمز
المصنف لصحته
(1/456)
1120 - (اطووا) إرشادا (ثيابكم) يعني لفوها
إذا نزعتموها لإرادة نحو نوم أو مهنة ولا تتركوها منشورة
فإنكم إذا طويتموها (ترجع إليها أرواحها) يعني تبقى فيها
قوتها والأرواح جمع روح شبهها بالحيوانات ذوات الأرواح على
الاستعارة وليست هي جمع ريح كما وهم (فإن الشيطان) أي
إبليس أو المراد الجنس (إذا وجد ثوبا مطويا لم يلبسه) أي
لم يسلط على لبسه بل يمنع منه من قبل خالقه إن اقترن طيه
بالتسمية (وإن وجده منشورا لبسه) فيسرع إليه البلى وتذهب
منه البركة ويورث من لبسه بعد ذلك الغفلة عن ذكر الله
والفتور عن العبادة والمراد بالثياب هنا ما يلبس من نحو
قميص وجبة وإزار وسراويل ورداء وخف. ويؤخذ من العلة أن
العمامة كذلك فيحلها إذا أراد نحو النوم ثم يكورها إذا
أراد الخروج وأما ما لا يمكن طيه كقلنسوة ونعل فيكفي في
حرمان الشيطان منه التسمية المقارنة للوضع
(طس عن جابر) بن عبد الله وقال لا يروى عن النبي صلى الله
عليه وسلم إلا بهذا الإسناد انتهى قال الهيتمي وفيه عمر بن
موسى بن وجيه وهو وضاع وقال السخاوي إسناده واه وأما خبر
اطووا ثيابكم بالليل لا تلبسها الجن فتتوسخ [ص:547] فلم
أره وفي كلام بعضهم أنها تقول اطووني ليلا أحملكم نهارا
(1/456)
1121 - (أطيب الطيب) أي أفضله وأشرفه
(المسك) بكسر الميم فهو أفخر أنواعه وسيدها قال ابن القيم
وأخطأ من قدم عليه العنبر كيف وهو طيب الجنة والكثبان التي
هي مقاعد الصديقين فيها منه لا من العنبر والذي غر قائله
أنه لا يتغير على مر الزمان كالذهب وهذه خصيصة واحدة لا
تقاوم ما في المسك من الخواص وقال المصنف أطيب الطيب المسك
والعنبر والزعفران وللمسك من بينهم مزيد خصوصية وله عليهم
الفضل والمزية حيث جاء ذكره في التنزيل وذلك غاية التشريف
والتبجيل قال الله تعالى {يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} ومن منافعه أنه يطيب العرق
ويسخن الأعضاء ويمنع الأرياح الغليظة المتولدة في الأمعاء
ويقوي القلب ويشجع أصحاب المرة السوداء وفيه من التوحش
تفريح ومن السدد تفتيح ويصلح الأفكار ويذهب بحديث النفس
ويقوي الأعضاء الظاهرة والباطنة شربا ويعين على الباه
وينفع من باد الصداع ويقوي الدماغ وينفع من جميع علله
الباردة ويبطل عمل السموم وغير ذلك <تنبيه> المشهور أنه
غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان
في الأسفل والمسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة
فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن تسقط منه وفي
مشكل الوسيط لابن الصلاح أن النافجة في جوفه كالانفحة في
جوف الجدي يلقيها كما تلقى الدجاجة البيضاء وجمع بأنها
تلقينها من سرتها فتتعلق بها إلى أن تنحك بشيء فتسقط قال
النووي وأجمعوا على طهارة المسك وجواز بيعه ونقل عن الشيعة
فيه مذهب باطل وقال الزمخشري قال الحافظ سألت بعض العطارين
من أصحابنا المعتزلة عن المسك فقال لولا أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم تطيب به ما تطيبت به وأما الزباد فليس يقرب
ثيابي. فقلت قد يرتضع الجدي من خنزيرة ولا يحرم لحمه لأن
اللبن استحال لحما وخرج من تلك الطبيعة وتلك الصورة وذلك
الاسم فالمسك غير الدم والخل غير الخمر والجوهر لا يحرم
لعينه وإنما للأعراض والعلل فلا تنفر منه عند تذكرك الدم
فليس منه
(حم م د ن عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الطيالسي
وغيره
(1/547)
1122 - (أطيب الكسب) أي أفضل طرق الاكتساب
قال ابن الأثير الكسب السعي في طلب الرزق والمعيشة (عمل
الرجل بيده) في صناعته وزراعته ونحو ذلك من الحرف الجائرة
غير الدنيئة التي لا تليق به وذكر اليد بعد العمل من قبيل
قولهم رأيت بعيني وأخذت بيدي والمقصود منه تحقيق العمل
وتقريره والتكسب بالعمل سنة الأنبياء كان داود عليه السلام
يعمل الزرد فيبيعه بقوته وكان زكريا نجارا (وكل بيع مبرور)
أي مقبول عند الله بأن يكون مثابا به أو في الشرع بأن لا
يكون فاسدا ولا غش فيه ولا خيانة لما فيه من إيصال النفع
إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه ونبه بالبيع على بقية العقود
المقصود بها التجارة واعلم أن أصول المكاسب ثلاثة زراعة
وصناعة وتجارة والحديث يقتضي تساوي الصناعة باليد والتجارة
وفضل أبو حنيفة التجارة ومال الماوردي إلى أن الزراعة أطيب
الكل والأصح كما اختاره النووي أن العمل باليد أفضل قال
فإن كان زراعا بيده فهو أطيب مطلقا لجمعه بين هذه الفضيلة
وفضيلة الزراعة
(حم ط) وكذا في الأوسط (ك) وكذا البزار (عن رافع بن خديج)
قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب فذكره قال الهيتمي فيه
المسعودي وهو ثقة لكنه اختلط في آخر عمره وبقية رجال أحمد
رجال الصحيح انتهى وقال ابن حجر رجاله لا بأس بهم (طب)
وكذا في الأوسط
(عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيتمي رجاله ثقات
انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته
(1/547)
[ص:548] 1123 - (أطيب كسب المسلم سهمه في
سبيل الله) أي ما يكسبه من غنيمة وفيء وسلب قتيل ونحوها
لأن ما حصل بسبب الحرص على نصرة دين الله ونيل درجة
الشهادة لا شيء أطيب منه فهو أفضل من البيع وغيره مما مر
لأنه كسب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرفته؟ ألا ترى إلى
قوله جعل رزقي تحت ظل رمحي فأفضل الكسب مطلقا سهم الغازي
لما ذكر ثم ما حصل بالاحتراف من عمل اليد لأنه كسب كثير من
الأنبياء
(الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس)
(1/548)
1124 - (أطيب اللحم) المأكول أي ألذه
وأحسنه كذا جرى عليه جمع وجعله بعضهم من الطيب بمعنى
الظاهر (لحم الظهر) هو على حذف من أو التفضيل فيه نسبي أو
إضافي إذ لحم الذراع أطيب منه لأنه أخف على المعدة وأسرع
انهضاما وأنفع ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحبه
ويقدمه على غيره بل ذهب البعض إلى تقديم كل مقدم فقال لحم
الرقبة يقدم فالذراع لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في
الحديث الرقبة هادية الشاة وأقربها إلى الخير وأبعدها عن
الأذى فالعضد فالظهر لكن الأصح تفضيل الذراع
(حم هـ ك هب عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم في مستدركه
صحيح وأقره الذهبي
(1/548)
1125 - (أطيب الشراب) أي أفضله وأحسنه
(الحلو البارد) فإنه موافق للمعدة ملائم للبدن لذيذ للشارب
ولهذا كان أحب الأشربة إليه عليه الصلاة والسلام كما يجيء
وهو سيد الأشربة كما في خبر آخر لأنه إطفاء للحرارة وأدفع
للقلة وأبعث للشكر قال ابن القيم إذا جمع الماء الحلاوة
والبرد كان أنفع للبدن وأحفظ للصحة وأكثر تغذية وتنفيذ
للطعام إلى الأعضاء والفاتر ينفخ ويفعل ضد ذلك
(ت عن الزهري مرسلا حم عن ابن عباس) قال الهيتمي رجال أحمد
رجال الصحيح إلا أن تابعه لم يسم
(1/548)
1126 - (أطيعوني ما كنت) وفي رواية ما دمت
(بين أظهركم) أي مدة كوني بينكم حيا فإني لا آمر ولا أنهى
إلا بما أمر الله ونهى عنه لأن دعوتي إنما هي لطاعة الله
فطاعتي طاعة الله ومن خصائصه أن الله فرض طاعته على العالم
فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء {وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وبين قوله ما دمت أو كنت بين
أظهركم المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه من غير نظر فيه ولا
عرضه على الكتاب لأنه لا ينطق عن الهوى ويخاطب كل قوم وشخص
بما يليق بالحال والمكان والزمان وأما بعده فيجب عند
التعارض ونحوه على الصحيح ويراجع الكتاب وينظر في الترجيح
كما أشار إليه قوله (وعليكم بكتاب الله) أي الزموه ثم بين
وجه لزومه على طريق الاستئناف بقوله (أحلوا حلاله وحرموا
حرامه) يعني ما أحله افعلوه جازمين بحله وما حرمه دعوه ولا
تقربوه فكأنه يقول ما دمت بين أظهركم فعليكم باتباع ما
أقول وأفعل فإن الكتاب علي نزل وأنا أعلم الخلق وأما بعدي
فالزموا الكتاب فما أذن في فعله فخذوا به وما نهى عنه
فانتهوا به وعلم من التقرير المار أن لفظ الظهر مقحم
للتأكيد <تنبيه> قال العارف ابن عربي قد صح عندنا بالتواتر
أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وأنه جاء من
عند الله بما يدل على صدقه وهو القرآن المعجز وأنه ما
استطاع أحد معارضته فثبت العلم بأنه البناء الحق والقول
الفصل والأدلة سمعية وعقلية وإذا حكما بأمر فلا شك أنه يجب
العمل بمضمونه فلزمنا أن نلتزم أحكامه وتحل حلاله وتحرم
حرامه وهو بمنزلة الدليل [ص:549] العقلي في الدلالة فلا
يحتاج مع ثبوت هذا الأصل إلى دلالة
(طب عن عوف) بفتح المهملة أوله وآخره فاء (ابن مالك
الأشجعي) قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
مرعوب أو قال موعوك فذكره قال الهيتمي رجاله ثقات موثقون
وقال المنذري رجاله ثقات
(1/548)
1127 - (أظهروا النكاح) أي أعلنوا عقده
واضربوا عليه بالدفوف (وأخفوا الخطبة) بكسر الخاء أسروها
ندبا وهي الخطاب في غرض التزوج قال الحراني هي هيئة الحال
فيما بين الخاطب والمخطوبة الذي النطق بها هو الخطبة بضم
الخاء وألحق بعضهم بطلب إعلان النكاح ونوزع والأوجه حمل
الإظهار على ختان الذكر والإخفاء على ختان الأنثى وسيأتي
لذلك مزيد توضيح
(فر عن أم سلمة) وفيه من لا يعرف لكن له شواهد تجبره
(1/549)
1128 - (أعبد الناس) من هذه الأمة أي
أكثرهم عبادة (أكثرهم تلاوة للقرآن) لأنه أفضل الذكر العام
والعبادة الطاعة مع خضوع وتذلل لله وحده وقيل لغة الخضوع
وعرفا فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه
(فر عن أبي هريرة) وفيه ضعف
(1/549)
1129 - (أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن
وأفضل العبادة الدعاء) أي الطلب من الله تعالى وإظهار
التذلل والافتقار بين يديه والمراد أن كلا منهما من الأفضل
فلا يلزم منه أن الدعاء أفضل من القراءة هذا والأوجه حمل
الدعاء على الصلاة فهي أفضل العبادات مطلقا بعد الإيمان
وهي مشتملة على الدعاء والقرآن
(المرهبي) بضم الميم وبموحدة نور الهدى حسين بن علي (في)
كتاب فضل (العلم له عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) هو أبو نصر
اليماني مولى طيء أحد الأعلام والعلماء العباد وأردف
المؤلف المسند بهذا المرسل إشارة إلى تقويته به
(1/549)
1130 - (اعبد) بهمزة وصل مضمومة (الله) أي
أطعه فيما أمر ونهى والعبادة الطاعة كما تقرر ولما كان أحد
قسمي الكفار يأتون بصورة عبادة لكن يشركون معه غيره تعالى
عقب العبادة بنفي الشرك صريحا وإن كان ذلك من لوازم
العبادة الصحيحة فقال (لا تشرك به شيئا) حال من ضمير اعبد
أي اعبد الله غير مشرك به شيئا صنما ولا غيره أو شيئا من
الإشراك جليا أو خفيا وأعم من ذلك البراءة من الشرك العظيم
بأن لا يتخذ مع الله إلها آخر لأن الشرك في الإلهية لا يصح
معه المعاملة بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك
الخفي بأن لا يرى لله فيه شريكا في شيء من أسمائه الظاهرة
لأن الشرك في سائر أسمائه الظاهرة لا يصح معه القبول ذكره
الحراني (وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة) إلى
مستحقيها قيد الزكاة به مع أنها لا تكون إلا مفروضة حثا
عليها لأن المال محبوب والطبيعة تشح به أو لأن الزكاة تطلق
على إعطاء المال تبرعا والتقرب بالفرض أفضل من التقرب
بالنفل (وحج) البيت (واعتمر) أي ائت بالحج والعمرة
المفروضتين وهي مرة في العمر إن استطعت إليهما سبيلا ومن
تطوع فهو خير له (وصم) كل سنة (رمضان) حيث لا عذر (وانظر)
أي تأمل وتدبر فهو من الرأي لا الرؤية (ما تحب للناس أن
يؤتوه إليك) أي يعاملوك به (فافعله بهم) أي عاملهم به (وما
تكره أن يأتوه إليك فذرهم) أي اتركهم (منه) أي من فعله بهم
فإنك إن فعلت ذلك [ص:550] استقام لك الحال ونظروا إليك
بعين الكمال والإجلال واستجلبت ودهم وأمنت شرهم والأمر في
الخمسة الأول للفرضية وفي الأخيرة للندب في المندوب
والوجوب في الواجب والقصد به الحث على مكارم الأخلاق
والمحافظة على معالي الأمور والتحذير من سفسافها وأدانيها
والخطاب وإن وقع لواحد لكن المراد به كل مكلف ممن في زمنه
ومن بعده
(طب عن أبي المنتفق) العنبري صحابي روى عن أبيه رمز المصنف
لحسنه
(1/549)
1131 - (اعبد الله) مقصوده كما قال الحراني
حمل الخلق على صدق التذلل أثر التطهير من رجسهم ليعود بذلك
وصل ما انقطع وكشف ما انحجب ولما ظهر لهم خوف الزجر من زجر
عبادة إله آخر أثبت لهم الأمر بالتفريد حيث قال (ولا تشرك
به شيئا) أي لا تشرك معه في التذلل له شيئا أي كان وهذا
أول ما أقام الله من بناء الدين وجمع بينهما لأن الكفار
كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها
شركاؤه (واعمل لله كأنك تراه) رؤية معنوية يعني كن عالما
متيقظا لا ساهيا ولا غافلا وكن مجدا في العبودية مخلصا في
النية آخذا أهبة الحذر فإن من علم أن له حافظا رقيبا شاهدا
لحركاته وسكناته فلا يسيء الأدب طرفة عين ولا لمحة خاطر
وهذا من جوامع الكلم وقال هنا اعمل لله وقال في حديث
الصحيحين اعبد الله لأن العمل أعم فيشمل (واعدد نفسك في
الموتى) وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة وتحل فيها حتى
تبقى من أهلها وأنك جئت إلى هذه الدار كغريب يأخذ منها
حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر وقد قال علي كرم الله
وجهه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل
منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء
الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل انتهى
فكأنك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة فصرت من عسكر الموتى
فنزل نفسك منزلة من قضى نحبه واترك الحرص واغتنم العمل
وقصر الأمل ومن تصور في نفسه أنه يعيش غدا لا يهتم له ولا
يسعى لكفايته فيصير حرا من رق الحرص والطمع والذل لأهل
الدنيا قال ابن الجوزي إذا رأيت قبرا فتوهمه قبرك وعد باقي
الحياة ربحا (واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر) أي عند
مرورك على كل شيء من ذلك فالمراد ذكره على كل حال قال
العارفون: ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا
يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره ولما كان ذلك كله يرجح إلى
الأمر بالتقوى والاستقامة وكمال ذلك لا يكون إلا لمن اتصف
بالعصمة وحفظ عن كل وصمة وأما غيره فلا بد له من سقطة أو
هفوة: أرشد إلى تدارك ما عساه يكون من الذنوب بقوله (وإذا
عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة) تمحها لأن الحسنات يذهبن
السيئات (السر بالسر والعلانية بالعلانية) أي إن عملت سيئة
فقابلها بحسنة سرية وإن عملت سيئة علانية فقابلها بحسة
علانية هذا هو الأنسب وليس المراد أن الخطيئة السرية لا
يكفرها إلا توبة جهرية وعكسه كما ظن وقيل أراد بتوبة السر
الكفارة التي تكون للصغيرة بالعمل الصالح والقسم الثاني
بالتوبة كما سبق موضحا
(طب هب) من حديث أبي سلمة (عن معاذ) بن جبل قال أردت سفرا
فقلت يا رسول الله أوصني فذكره قال المنذري ورواه الطبراني
بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين أبي سلمة ومعاذ وقال
الحافظ العراقي رجاله ثقات وفيه انقطاع انتهى وقال تلميذه
الهيتمي أبو سلمة لم يدرك معاذا ورجاله ثقات وقد رمز
المصنف لحسنه
(1/550)
[ص:551] 1132 - (اعبد الله) وحده حال كونك
(كأنك تراه) فإن العبد إذا علم أن الله مطلع على عبادته
وسره وعلنه فيها اجتهد في إخلاصه وإتقانها على أكمل ما
أمكنه وليس في هذا ونحوه ما يدل على جواز رؤيته تعالى في
الدنيا كما وهم (وعد نفسك في الموتى) أي اقطع أطماعك في
الدنيا وأهلها واخمل ذكرك واخف شأنك كما أن الموتى قد
انقطعت أطماعهم من الدنيا وأهلها واشهد مشاهد القيامة وعد
نفسك ضيفا في بيتك وروحك عارية في بدنك خاشع القلب متواضع
النفس بريء من الكبر تنظر إلى الليل والنهار فتعلم أنها في
هدم عمرك ومن عقد قلبه على ذلك استراح من الهموم وانزاحت
عنه الغموم (وإياك ودعوات المظلوم) أي احذرها واجتنب ما
يؤدي إليها وفي رواية دعوة المظلوم بالإفراد (فإنهن
مجابات) بلا شك لما مر أنها ليس بينها وبين الله حجاب
وأنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة (وعليك بصلاة الغداة)
أي الصبح (وصلاة العشاء فاشهدهما) أي احضر جماعتهما ودوام
عليهما (فلو تعلمون) جمع بعد الإفراد إشارة إلى أن الخطاب
وإن وقع لمفرد معين فالقصد التعميم (ما فيهما) من مزيد
الفضل ومضاعفة الأجر وكثرة الثواب وقمع النفس والشيطان
وقهر أهل النفاق والطغيان (لأتيتموهما) أي أتيتم محل
جماعتهما (ولو) كان إتيانكم له إنما هو (حبوا) أي زحفا على
الإست أو على الأيدي والأرجل يعني لجئتم إلى محل الجماعة
لفعليهما معهم ولو بغاية المشقة والجهد والكلفة فكنى
بالزحف عن ذلك ووجه تخصيصهما بذلك ما فيهما من المشقة كما
مر
(طب) عن رجل من النخع (عن أبي الدرداء) قال الرجل سمعت
بالدرداء حين حضرته الوفاة يقول أحدثكم حديثا سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وضعفه المنذري وقال
الهيتمي الرجل الذي من النخع لم أعرفه ولم أجد من ذكره
والمصنف رمز لحسنه وفيه ما ترى
(1/551)
1133 - (اعبد الله كأنك تراه) ومحال أن
تراه وتشهد معه سواه وهذا يسمى مقام المشاهدة والمراقبة
وهو أن لا يلتفت العابد في عبادته بظاهره إلى ما يلهيه عن
مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده فإن لم
يحصل له هذا المقام هبط إلى مقام المراقبة المشار إليه
بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي أنك بمرأى من ربك لا
يخفاه شيء من أمرك ومن علم أن معبوده مشاهد لعبادته تعين
عليه تزيين ظاهره بالخشوع وباطنه بالإخلاص والحضور فإنه
{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} وفيه حث على كمال
الإخلاص ولزوم المراقبة. قيل راود رجل امرأة فقالت ألا
تستحي فقال لا يرانا إلا الكواكب قالت فأين أنت من
مكوكبها؟ وقال العارف ابن عربي لو لم يبصرك ولم يسمعك لجهل
كثيرا منك ونسبة الجهل إليه محال فلا سبيل إلى نفي هاتين
الصفتين عنه بحال (واحسب نفسك مع الموتى) أي عد نفسك من
أهل القبور وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (واتق
دعوة المظلوم) أي دعواته إذ هو مفرد مضاف (فإنها مستجابة)
ولو بعد حين كما سبق
(حل عن زيد بن أرقم) ابن زيد بن قيس الأنصاري صحابي مشهور
أول مشاهده الخندق رمز المصنف لحسنه
(1/551)
1134 - (اعبد الله ولا تشرك به شيئا وزل)
بضم الزاي وسكون اللام من الزوال وهو الذهاب (مع القرآن
أينما زال) [ص:552] أي ارتحل معه أينما ارتحل فأحل حلاله
وحرم حرامه وراع أحكامه ودر معه كيفما دار فإنه المزيل
لأمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك كفيل برد
النحل الباطلة والمذاهب الفاسدة على أحسن الوجوه وأقربها
إلى العقول وأفصحها وأنجحها وأنفع الأغذية غذاء الإيمان
وأنفع الأدوية دواء القرآن (واقبل الحق) أي قوله وفعله
(ممن جاء به من صغير أو كبير) أي من مسن أو حديث السن أو
جليل العذر أو وضيع فالمراد الصغير والكبير حسا ومعنى (وإن
كان بغيضا) لك (بعيدا) منك بعدا حسيا أو معنويا (واردد
الباطل) بشرط سلامة العاقبة (ممن جاء به من صغير أو كبير
وإن كان حبيبا) لك (أو قريبا) منك حسا أو معنى نسيبا أو
غيره والخطاب وإن كان ورد جوابا لسؤال طالب للتعليم لكن
المراد به العموم وفيه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وأن الوجوب لا يسقط لكون الآتي بالباطل حبيبا أو
قريبا كالأصل والفرع والشيخ والسيد والحاكم والقاضي بشرطه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال قلت للنبي صلى
الله عليه وسلم علمني كلمات جوامع نوافع فذكره ورواه عن
الديلمي أيضا باللفظ المذكور وفيه عبد القدوس بن حبيب
الدمشقي قال الذهبي في الضعفاء تركوه
(1/551)
1135 - (اعبدوا الرحمن) أي أفردوه بالعبادة
فإنه المنعم بجلائل النعم ودقائقها أصولها وفروعها فخص اسم
الرحمن للتنبيه على ذلك ولمناسبته لقوله (وأطعموا) بهمزة
قطع (الطعام) للخاص والعام البر والفاجر (وأفشوا) بهمزة
قطع مفتوحة (السلام) أظهروه وعموا به المؤمنين ولا تخصوا
به المعارف إحياء للسنة ونشرا للأمان بين الأمة وقصدا إلى
التحابب والتوادد واستكثارا للإخوان لأن كلمته إذا صدرت
أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال عليها وهي
أول كلمة تفاوض فيها آدم مع الملائكة (تدخلوا) بالجزم جواب
الأمر (الجنة بسلام) أي إذا فعلتم ذلك ودمتم عليه وشملتكم
الرحمة يقال لكم {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} آمنين
{لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} قال الزين العراقي
فيه أن هذه الأعمال موصلة إلى الجنة وهو موافق لقوله تعالى
{تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ولا يشكل بخبر
" لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " لما قال ابن عباس إنهم
يدخلونها بالرحمة ويقتسمون المنازل بالأعمال الصالحة فعليه
تكون وراثتهم للمنازل بهذه الأعمال الصالحة بفضل الله فهو
الموفق لها والمجازي عليها فضلا منه لا وجوبا كما تقوله
المعتزلة (خاتمة) قال المحققون: للعبادة درجات ثلاث الأولى
أن يعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب وهي نازلة جدا
لأن معبوده بالحقيقة ذلك الثواب الثانية أن تعبده لتتشرف
بعبادته والنسبة إليه وهي أعلى لكنها غير خالصة إذ القصد
بالذات غير الله والثالثة أن تعبده لكونه إلها وأنت عبده
وهذه أعلاها
(ت) وقال حسن صحيح (عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله
إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء قال كل
شيء يخلق من ماء قلت أنبئني بشيء إذا فعلته دخلت الجنة
فذكره
(1/552)
1136 - (اعتبروا) إرشادا (الأرض بأسمائها)
أي تدبروها من قولهم عبرت الكتاب إذا تدبرته فإذا وجدتم
اسم بقعة من البقاع مكروها فاستدلوا به على أن تلك البقعة
مكروهة فاعدلوا عنها إن أمكن أو غيروا اسمها فإن معاني
الأسماء مرتبطة بها مأخوذة منها حتى كأنها منها اشتقت
ولذلك لما مر المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسيره بين
جبلين فقيل ما اسمهما؟ [ص:553] فقيل فاضح وفجر فعدل عنهما.
ولما نزل الحسين رضي الله عنه بكربلاء سأل عن اسمها فقيل
كربلاء فقال كرب وبلاء فكان ما كان. ولما وقفت حليمة
السعدية على عبد المطلب قال من أين أنت؟ قالت من بني سعد:
قال ما اسمك؟ قالت حليمة: قال بخ بخ سعد وحلم خصلتان فيهما
غنى الدهر. وليس هذا من الطيرة المنهي عنها. ولما نزل
الأشعث دير الجماجم ونزل الحجاج دير قرة قال استقر الأمر
بيدي وتجمجم أمره والله لأقتلنه ونظيره في أسماء الآدميين
ما في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل ما اسمك؟
قال: جمرة قال ابن من؟ قال ابن شهاب قال ممن؟ قال من
الحرقة قال أين مسكنك؟ قال بحرة النار قال بأيها؟ قال بذات
لظى. قال أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كذلك (واعتبروا
الصاحب بالصاحب) فإن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها
ائتلف وما تناكر منها اختلف والتعارف هو التشاكل المعنوي
الموجب لاتحاد الذوق الذي يدرك ذوق صاحبه فذلك علة
الائتلاف كما أن التناكر ضده ولذلك قيل فيه:
ولا يصحب الإنسان إلا نظيره. . . وإن لم يكونوا من قبيل
ولا بلد
وقيل: انظر من تصاحب فقل من نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها
ولهذا قال الإمام الغزالي تبعا لبعض الحكماء لا يتفق اثنان
في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر حتى الطير ورأى بعضهم
مرة غرابا مع حمامة فاستبعد المناسبة بينهما ثم تأمل
فوجدهما أعرجين فإذا أردت أن تعرف من غابت عنك خلاله بموت
أو غيبة أو عدم عشرة امتحن أخلاق صاحبه وجليسه بذلك وذلك
يدل على كماله أو نقصه كما يدل الدخان على النار ولهذا قيل
فيه:
إذا أردت ترى فضيلة صاحب. . . فانظر بعين البحث من ندمائه
فالمرء مطوي على علاته. . . طي الكتاب وتحته عنوانه
وإذا صاحب الرجل غير شكله لم تدم صحبته
(عد عن ابن مسعود) عبد الله مرفوعا (هب عنه) موقوفا. قال
بعضهم: طرقه كلها ضعيفة لكن له شواهد كخبر الطبراني:
اعتبروا الناس بإخوانهم
(1/552)
1137 - (اعتدلوا في السجود) أي كونوا فيه
متوسطين وأوقعوه على الهيئة المأمور بها من وضع أكفكم فيه
على الأرض ورفع مرافقكم عنها وعن أجنابكم ورفع بطونكم عن
أفخاذكم لأنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة بالأرض
(ولا يبسط) بالجزم على النهي أي المصلي (ذراعيه) أي لا
يبسطهما فينبسط (انبساط الكلب) يعني لا يفرشهما على الأرض
في الصلاة فإنه مكروه لإشعاره بالتهاون وقلة الاعتناء
بالصلاة ومن ذلك التقرير علم أن المراد بالاعتدال هنا
إيقاع السجود على وفق الأمر وجوبا وندبا كما تقرر لا
الاعتدال الجبلي المطلوب في الركوع فإنه استواء الظهر
والعنق والواجب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي وتمكين
الجبهة مكشوفة بالأرض والتحامل عليها مع الطمأنينة فإذا
حصل ذلك صحت صلاته وإن بسط ذراعيه ولم يجاف مرفقيه لكنه
مكروه لهذا النهي والكلام من حيث التفريق في الذكر أما
الأنثى فيسن لها الضم لأنه أستر لها كما مر. وقوله يبسط
بمثناة فموحدة هو ما وقع في خط المؤلف تبعا للعمدة وغيرها
وفي رواية يبتسط بزيادة مثناة فوقية بعد الموحدة وفيه
إيماء إلى النهي عن التشبه بالحيوانات الخسيسة في الأخلاق
والصفات وهيئة القعود ونحو ذلك
(حم ق 4 عن أنس) بن مالك
(1/553)
1138 - (أعتق) فعل ماض (أم إبراهيم) مارية
القبطية سريته صلى الله عليه وسلم وهي بالنصب مفعول أعتق
(ولدها) إبراهيم: أي أثبت لها حرمة الحرية وأطلق الولد
لعدم الالتباس فإنها لم تلد غيره وأجمعوا على أن ولد الرجل
من أمته ينعقد حرا. وما كان فيه من الخلاف بين الصدر الأول
فقد انقرض فإذا أحبل الرجل الحر ولو كافرا أو محجورا عليه
بسفه أو فلس أمته ولو محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو
من يملك بعضها وهو موسر فوضعت ولدا [ص:554] أو بعضه وإن لم
تضع باقيه أو وضعت مضغة ظهر خلقها ولو للنساء عتقت بموته
من رأس المال وإن قتلته أو أحبلها في مرض موته عند الشافعي
(هـ قط ك هق عن ابن عباس) قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قال الذهبي في المهذب: فيه
حسين بن عبد الله ضعفوه. وقال ابن حجر: فيه حسين ضعيف لكن
له طريق عند قاسم بن أصبغ سندها جيد أه فلو عدل المصنف
الطريق لكان أجود
(1/553)
1139 - (أعتقوا) بفتح الهمزة (عنه) أي عمن
وجبت عليه كفارة القتل (رقبة) أي عبدا أو أمة موصوفة بصفات
الإجزاء في الكفارة (يعتق الله) بكسر القاف لالتقاء
الساكنين فإنه مجزوم جواب الأمر (بكل عضو منها عضوا منه من
النار) أي إن استحق دخولها زاد في رواية الترمذي: حتى
الفرج بالفرج
(د ك) في الكفارة وكذا ابن حبان والطبراني (عن وائلة) بن
الأسقع. قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب
لنا أوجب (قوله أوجب: أي يعني النار بالعمل: أي ارتكب
خطيئة استوجب بها دخول النار لقتله المؤمن عمدا عدوانا.
لقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} أه)
بالقتل أي استحقه به فذكره أه قال الحاكم صحيح على شرطهما
(قوله على شرطهما: أعني على شرط البخاري ومسلم) وأقره
الذهبي وفيه وجوب العتق في كفارة القتل فإن عدم رقبة مؤمنة
كاملة مجزئة أو احتاجها للخدمة لزمه صوم شهرين متتابعين
فإن عجز عن الصيام أو عن تتابعه ترتبت الكفارة في ذمته
وفيه أن الرقبة لا بد من كونها مؤمنة لأن الكفارة منقذة من
النار فلا تحصل إلا بمنقذة من النار وأشار بقوله حتى الفرج
بالفرج: إلى غفران الكبائر المتعلقة بأعضائها كلها ومنه
أخذ أنه ينبغي أن يكون العبد المعتق غير خصي
(1/554)
1140 - (اعتكاف عشر) من الأيام: أي لبثها
بنية في مسجد (في رمضان كحجتين وعمرتين) أي يعدل ثواب
حجتين وعمرتين غير مفروضتين ولذلك اعتكف المصطفى صلى الله
عليه وسلم العشر الأوسط ثم كان الأخير وواظبه حتى مات
والأوجه حمل العشر هنا على الأخير فإنه إذا اعتكفه متحريا
ليلة القدر وقام لياليه كلها كأنه قد قام ليلة القدر التي
العمل فيها خير من العمل في ألف شهر وذلك أكثر ثوابا من
ثواب حجتين وعمرتين بلا ريب وفيه جواز ذكر رمضان بغير شهر
(طب عن الحسين بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنهما رمز
المصنف لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيتمي: فيه عنبسة بن
عبد الرحمن القرشي وهو متروك أه
(1/554)
1141 - (اعتموا) بفتح الهمزة وكسر المثناة
فوق (بهذه الصلاة) صلاة العشاء. والباء للتعدية: أي
ادخلوها في العتمة وهي ما بعد غيبوبة الشفق أو للمصاحبة:
أي ادخلوها في العتمة ملتبسين بها. قال البيضاوي: أعتم
الرجل: دخل في العتمة وهي ظلمة الليل أي صلوها بعد ما
دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها
فتوقعوها قبل وقتها وعليه فلا يدل على أفضلية التأخير
ويحتمل أنه من العتم الذي هو الإبطاء يقال أعتم الرجل إذا
أخر أه (فإنكم قد فضلتم) بالبناء للمفعول (بها على سائر
الأمم ولم تصلها أمة قبلكم) والمناسبة بين تأخيرها
واختصاصها بنا المجوز لجعل الثاني علة للأول أنهم إذا
أخروها منتظرين خروج النبي كانوا في صلاة وكتب لهم ثواب
المصلي وفيه أن تأخير العشاء أفضل وإليه ذهب جمع منا
فقالوا تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل لكن المفتى به خلافه
لأدلة أخرى قال المؤلف وفي خبر أحمد والطبراني ما يدل على
نسخ التأخير بالتعجيل. قال المصنف: وقوله فضلتم بها إلخ
[ص:555] يبطل نقل الإسنوي عن شرح مسند الشافعي للرافعي أن
العشاء ليونس وقد أخرج الطحاوي عن عبد الله بن محمد ابن
عائشة أن أول من صلى العشاء الأخرة نبينا أه وهو زلل فاحش
أما أولا فلأن الرافعي لم يقل ذلك من عنده بل أورد فيه
حديثا وبفرض أنه لم يرد به خبر فما الذي يصنعه بقول جبريل
حين صلى به الخمس: هذا وقت الأنبياء من قبلك؟ فهل يسعه أن
يقول أثر الطحاوي هذا الضعيف الذي صرح بعض الأئمة بعدم
ثبوته يبطل خبر الصحيحين أيضا على أنه قد روى ابن سعد في:
استمتعوا بهذا البيت: المار أن إبراهيم وإسماعيل أتيا منى
فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وأما ثانيا
فإن تعبيره بقوله يبطل نقل الاسنوي ركيك بل سقيم فاسد فإنه
إنما يبطل على زعمه منقوله لا نقله فإن ما نقله الاسنوي عن
شرح المسند موجود فيه وجلالة الإمام الرافعي ورفعة محله
أشهر من أن تذكر فالأدب معه متعين على كل من انتسب إلى
مذهب الإمام الشافعي وأما ثالثا فلأن ظاهر حاله أنه يزعم
أن هذا من عندياته وبنات أفكاره التي لم يسبق إليها ولم
يعرج أحد عليها وهو قصور أو تقصير فقد تقدمه للكلام فيه
العلامة الهروي وجمع صاروا إلى التوفيق بما حاصله أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم أول من صلاها مؤخرا لها إلى
ثلث الليل أو نحوه وأما الرسل فكانوا يصلونها عند أول مغيب
الشفق ويدل لذلك بل يصرح به قوله في أثر الطحاوي نفسه
العشاء الآخرة وبأن الرسل كانت تصليها نافلة لهم ولم تكتب
على أممهم ومن صرح بذلك القاضي البيضاوي في شرح المصابيح
فقال التوفيق بين قوله لم تصلها أمة قبلكم وقوله في حديث
جبريل: هذا وقت الأنبياء من قبلك أن يقال إن صلاة العشاء
كانت تصليها الرسل نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد
فإنه وجب على الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب علينا أو
يجعل هذا إشارة إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع
الأنبياء الماضية والأمم الدارجة بخلاف سائر الأوقات
إلى هنا كلامه
(د) في الصلاة وكذا البيهقي وأحمد والطبراني (عن معاذ) ابن
جبل قال: استبطأنا النبي - أي انتظرناه - العتمة فتأخر حتى
ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل ما يقول صلى فإنا لكذلك
حتى خرج فقالوا له كما قالوا فذكره رمز المؤلف لحسنه
(1/554)
1142 - (اعتموا) بكسر الهمزة وشد الميم: أي
البسوا العمائم ندبا (تزدادوا حلما) بكسر فسكون: أي يكثر
حلمكم ويتسع صدركم لأن تحسين الهيئة يبعث على الوقار
والاحتشام وعدم الخفة والطيش والسفه وفي حديث أنه يسن إذا
اعتم أن يرخى لها عذبة بين كتفيه
(طب عن أسامة بن عمير) مصغر بن عامر الهذلي صحابي كوفي
(طب) من حديث محمد ابن صالح بن الوليد عن بلال بن بشر عن
عمران بن تمام عن أبي حمزة عن ابن عباس (ك) في اللباس من
حديث عبد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن ابن عباس)
وقال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبيد الله هذا تركه أحمد
وغيره اه. قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني عن ابن عباس: فيه
عمران بن تمام ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات وأورده ابن
الجوزي في الموضوع اه. وتعقبه المصنف فلم يأت يطائل
وبالجملة فطرقه كلها ضعيفة. أما طريق الطبراني فقد علمت
قول الهيتمي فيهما وأما حديث الحاكم فقال الترمذي في
العلل: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال عبيد الله بن أبي
حميد ضعيف ذاهب الحديث لا أروي عنه شيئا اه. وأما وضعه
فممنوع
(1/555)
1143 - (اعتموا) ندبا (تزدادوا حلما
والعمائم تيجان العرب) أي العمائم لهم بمنزلة التيجان
للملوك لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفة رؤوسهم أو
بالقلانس والعمائم فيهم قليلة وفيه كالذي قبله ندب لبس
العمائم ويتأكد للصلاة ولا يعارضه قوله في الحديث المار:
ائتوا المساجد حسرا ومعصبين لأن القصد به الحث على إتيان
المساجد للصلاة كيف كان وأنه لاعذر في التخلف عنها بفقد
العمامة وإن كان التعميم عند إمكانه أفضل كما مر وينبغي
ضبط طولها [ص:556] وعرضها بما يليق بحال لابسها عادة في
زمانه ومكانه فإن زاد على ذلك كره وتتقيد كيفيتها بعادة
أمثاله أيضا ولذلك انخرمت مروءة فقيه يلبس عمامة سوقي
وعكسه وخرمها مكروه بل حرام على من تحمل شهادة لأن فيه
إبطالا لحق الغير ولو اطردت عادة محل بعدمها أصلا لم ينخرم
به المروءة على الأصح خلافا لبعضهم والأفضل في لونها
البياض وصحة لبس المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لعمامة
سوداء ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بها وقائع محتملة فلا
ينافي عموم الإخبار بالأمر بلبس البياض
(عد هب) كلاهما من حديث إسماعيل بن عمر أبي المنذر عن يونس
بن أبي إسحاق عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن
أسامة بن عمير) ثم قال - أعني البيهقي - لم يحدث به إلا
إسماعيل بن عمر عن يونس بن أبي إسحاق اه وإسماعيل هذا
ضعفوه ويونس أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ثقة
قال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه وقال ابن خراش: في حديثه لين
وقال ابن حزم: ضعفه يحيى القطان وأحمد ابن حنبل جدا اه ومن
ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن له
شاهدا وأصله قول ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني والترمذي
في العلل المفردة وضعفه عن البخاري وقد صححه الحاكم فلم
يصب. قال وله شاهد عند البزار عن ابن عباس ضعيف أيضا
(1/555)
1144 - (اعتموا) بكسر المثناة وخفة الميم:
أي صلوا العشاء في العتمة يقال أعتم الرجل إذا دخل في
العتمة كما يقال أصبح إذا دخل في الصباح والعتمة ظلمة
الليل وقال الخليل: العتمة من الليل ما بعد غيبوبة الشفق:
أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا
تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعلى هذا لم يدل على أن
التأخير فيه أفضل ويحتمل أن يقال إنه من العتم الذي هو
الإبطاء يقال أعتم الرجل قراه إذا أخره ذكره كله القاضي
البيضاوي وقيل إنما هو اعتموا: أي البسوا العمائم ويؤيده
السبب الآتي وعليه ففيه أن التعمم من خصائص هذه الأمة وفيه
الأمر بمخالفة من قبلنا من الأمم فيما لم يرد في شرعنا
تقريره (خالفوا على الأمم قبلكم فإنهم وإن كانوا يصلون
العشاء لكنهم كانوا لا يعتمون بها بل يقارنون مغيب الشفق
وهذا مما يوهم ما قاله الجلال كما لا يخفى على أهل الكمال
(هب عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح
النون الكلاعي بفتح الكاف تابعي جليل (مرسلا) قال أتى
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بثياب من الصدقة
فقسمها بين أصحابه ثم ذكره
(1/556)
1145 - (أعجز الناس) أي من أضعفهم رأيا
وأعماهم بصيرة (من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى
لاسيما عند الشدائد لتركه ما أمره الله به وتعرضه لغضبه
بإهماله ما لا مشقة عليه فيه وفيه قيل:
لاتسألن بني آدم حاجة. . . وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب
وفيه رد على من زعم أن الأولى عدم الدعاء (وأبخل الناس) أي
أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل (من بخل بالسلام) على من لقيه
من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم فإنه خفيف المؤنة
عظيم المثوبة فلا يهمله إلا من بخل بالقربات وشح بالمثوبات
وتهاون بمراسم الشريعة أطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما
أمر به الشارع من بذل السلام وحعله أبخل لكونه من بخل
بالمال معذور في الجملة لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب
الطبع والغريزة ففي بذله قهر للنفس وأما السلام فليس فيه
بذل مال فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق
فهو أبخل من كل بخيل
(طس عن أبي هريرة) قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد
قال المنذري وهو إسناد جيد قوي وقال الهيتمي رجاله رجال
الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثفة اه وبه يعرف أن رمز
المصنف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته
(1/556)
[ص:557] 1146 - (اعدلوا بين أولادكم في
النحل) أي سووا بينهم في العطايا والمواهب. والنحل بضم
النون وسكون المهملة: العطية بغير عوض مصدر نحلته من
العطية أنحله كما في الصحاح والاسم النحلة بتثليث النون
(كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر) لكم بالكسر الإحسان
(واللطف) بضم فسكون الرفق بكم. فإن انتظام المعاش والمعاد
إنما يدور مع العدل والتفاضل بينهم يجر إلى الشحناء
والتباغض ومحبة بعضهم له وبغض بعضهم إياه وينشأ عن ذلك
العقوق ومنع الحقوق
(طب) وكذا ابن حبان (عن النعمان بن بشير) وإسناده حسن
(1/557)
1147 - (اعدى عدوك) يعني من أشد أعدائك
عداوة لك والعدو يكون للواحد والجمع والمؤنث والمذكر وقد
يثنى ويجمع ويؤنث (زوجتك التي تضاجعك) في الفراش (وما ملكت
يمينك) من الأرقاء لأنهم يوقعونك في الاثم والعقوبة ولا
عداوة أعظم من ذلك ولذلك حذر الله منهم بقوله {إن من
أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم الآية} وليس المراد من
هذه العداوة ما يفهمه كثير من أنها عداوة البغضاء بل هي
عداوة المحبة الصادة عن الهجرة والجهاد وتعليم العلم
واكتساب المال من غير حله وإنفاقه في اللذات والشهوات
وأكثر ما يفوت من الكمالات الدينية فبسببهم ولا يعارضه ما
مر من الأمر بالاحسان إليهن والحث على الوصية بهن وإخباره
صلى الله عليه وسلم أنه يحب فاطمة والحسنين لأن المراد أنه
يحسن إليهم ويتلطف بهم ويعاملهم بحسن الخلق ويحبهم ويحترس
مع ذلك من إيقاعهم إياه فيما لا يسوغ شرعا. والعداوة من
الحليلة والولد للرجل أعظم وأكثر وقوعا لنقص عقل المرأة
والصغير وعدم إلتفاتهم إلى ما ينجي في الآخرة وقطع نظرهم
على تحصيل اللذات والمشتهيات وقد يتفق أن يحمل الرجل زوجته
أو ولده على تحصيل المال من غير حله وإنفاقه في شهوات
النفوس فيكون عدوا لهما وقد يشتد شغف المرأة بالرجل فتكسب
المال من غير حله لترضيه به وذلك كله نادر فلم ينظر إليه
<تنبيه> قال الغزالي: لا تعلم ولدك وأهلك فضلا عن غيرهم
مقدار مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن رأوه كثيرا
لم تبلغ قط رضاهم وادفعهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف
ولا تهازلهم فيسقط وقارك
(فر عن أبي مالك الأشعري) الصحابي المشهور
(1/557)
1148 - (أعذر الله إلى امرئ) أي سلب عذر
ذلك الإنسان فلم يبق له عذرا يعتذر به كأن يقول: لو مد لي
في الأجل لفعلت ما أمرت به فالهمزة للسلب أو بالغ في العذر
إليه عن تعذيبه حيث (أخر أجله) يعني أطاله (حتى بلغ ستين
سنة) لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب
المنية ومظنة انقضاء الأجل فلا ينبغي له حينئذ إلا
الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته ثم
هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما
يتوجه له على العبد وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له
شيئا في الاعتذار يتمسك به وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى
المحكوم عليه وقيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال دنو أجل وسوء
عمل. قال القشيري: كان ببغداد فقيه يقرئ اثنين وعشرين علما
فخرج يوما قاصدا مدرسته فسمع قائلا يقول:
إذا العشرون من شعبان ولت. . . فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار. . . فقد ضاق الزمان على الصغار
فخرج هائما على وجهه حتى أتى مكة فمات بها
(خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا
(1/557)
[ص:558] 1149 - (أعربوا) بفتح همزة القطع
وسكون المهملة وكسر الراء من أعرب بمهملتين فموحدة
(القرآن) أي تعرفوا ما فيه من بدائع العربية ودقائقها
وأسرارها وليس المراد الإعراب المصطلح عليه عند النحاة لأن
القراءة مع اللحن ليست قراءة ولا ثواب له فيها (والتمسوا)
اطلبوا وفي رواية للبيهقي: واتبعوا بدل التمسوا (غرائبه)
أي معنى ألفاظه التي يحتاج البحث عنها في اللغة أو فرائضه
وحدوده وقصصه وأمثاله ففيه علم الأولين والآخرين. قال
الغزالي: ولا يعرفه إلا من طال في تدبر كلماته فكره وصفا
له فهمه حتى تشهد له كل كلمة منه بأنه كلام جبار قهار وأنه
خارج عن حد استطاعة البشر. وأسرار القرآن مخبأة في طي
القصص والأخبار فكن حريصا على استنباطها ليكشف لك ما فيه
من العجائب أه. وفيه أنه يجب أن يتعلم من النحو ما يفهم به
القرآن والسنة لتوقف ما ذكر عليه
(ش ك هب عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح عند جماعة. فرده
الذهبي فقال: مجمع على ضعفه وتبعه العراقي فقال سنده ضعيف
وقال الهيتمي: فيه متروك وقال المناوي: فيه ضعيفان
(1/558)
1150 - (أعربوا الكلام) أي تعلموا إعرابه
قيل: والمراد به هنا من يقابل اللحن (كي تعربوا القرآن) أي
لأجل أن تنطقوا به سليما من غير لحن وروى المرهبي أن عمر
مر بقوم رموا رشقا فأخطأوا فقال: ما أسوا رميكم فقالوا نحن
متعلمين فقال: لحنكم علي أشد من سوء رميكم وهذا الحديث وما
قبله لا يعارضه الحديث المار: إذا قرأ القارئ فأخطأ أو لحن
إلخ لأنه فيمن عجز أو فقد معلما كما مر (ابن الأنباري) أبو
بكر (في) كتاب (الوقف) والابتداء (والمرهبي في) كتاب (فضل
العلم) كلاهما (عن أبي جعفر معضلا) هو أبو جعفر الأنصاري
الذي قال: رأيت أبا بكر ورأسه ولحيته كأنهما جمر الغضا
(1/558)
1151 - (أعرضوا) بفتح الهمزة وكسر الراء
(الصواب بكسر فسكون فكسر أه) من العرض (حديثي على كتاب
الله) أي قابلوا ما في حديثي من المأمورات والمنهيات وجميع
الأحكام وجوبا أو ندبا على أحكام القرآن (فإن وافقه فهو)
دليل على أنه (مني) أي ناشئ عني (وأنا قلته) أي وهو دليل
على أنه مني وأني قلته: أي إذا لم يكن ذلك الخبر نسخا
للكتاب وهذا لا يتأتى إلا لمن له منصب الاجتهاد في الأحكام
(طب عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في
الأصل: وضعف
(1/558)
1152 - (اعرضوا علي رقاكم) جمع رقية بالضم
وهي العوذة والمراد ما كان يرقى به في الجاهلية استأذنوه
في فعله فقال اعرضوها علي أي لأني العالم الأكبر المتلقي
عن معلم العلماء ومفهم الحكماء فلما عرضوا عليه قال (لا
بأس بالرقى) أي هي جائزة (ما لم يكن فيه) أي فيما رقى به
(شرك) أي شيء يوجب اعتقاد الكفر أو شيء من كلام أهل الشرك
الذي لا يوافق الأصول الإسلامية فإن ذلك محرم ومن ثم منعوا
الرقى بالعبراني والسرياني ونحو ذلك مما جهل معناه خوف
الوقوع في ذلك قال ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الرقى
بشروط ثلاثة: أن يكون بكلامه تعالى أو أسمائه أو صفاته وأن
يكون بالعربي أو بما يعرف معناه وأن يعتقد أن الرقية لا
تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى وفيه أن على المفتي أن يسأل
المستفتي عما أبهمه في السؤال قبل الجواب
(م د عن عوف بن مالك) قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا
رسول الله: كيف ترى في ذلك؟ فذكره وهذا استدركه الحاكم
فوهم
(1/558)
[ص:559] 1153 - (أعرضوا) بهمزة مقطوعة
مفتوحة وراء مكسورة من الإعراض يقال أعرضت عنه أضربت
ووليت: أي ولوا (عن الناس) أي لا تتبعوا أحوالهم ولا
تبحثوا عن عوراتهم (ألم تر) استفهام إنكاري: أي ألم تعلم
(أنك إن ابتغيت) بهمزة وصل فموحدة ساكنة فمثناة فوق
المعجمة كذا بخط المصنف في الصغير وجعله في الكبير: اتبعت
بفوقية فموحدة فمهملة من الاتباع والمعنى واحد ولعلهما
روايتان (الريبة) بكسر الراء وسكون المثناة التحتية (في
الناس) أي التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها (أفسدتهم) أي
أوقعتهم في الفساد (أو كدت) أي قاربت أن (تفسدهم) لوقوع
بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك
عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على
التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد
إزالتها والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن
والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم بدليل الخبر الآتي: إن
الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس الحديث. قال الحراني:
والإعراض صرف الشيء إلى العرض التي هي الناحية
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان الأموي من مسلمة الفتح مات
سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة وإسناده حسن ورواه عنه أيضا
أبو داود بإسناد صحيح بلفظ: إنك إن اتبعت عورات المسلمين
أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم. قال النووي: حديث صحيح
(1/559)
1154 - (اعرفوا) بهمزة مفتوحة (الصواب
بهمزة وصل مكسورة) من عرف الشيء إذا تحققه وتعلمه: أي
اعرفوا أيها الناس ندبا (أنسابكم) جمع نسب وهو القرابة: أي
تعرفوها وافحصوا عنها وتعلموها (تصلوا أرحامكم) أي لتصلوا
أرحامكم أو لأن ذلك يبعث على صلة أرحامكم بالإحسان وبذل
الود ونحو ذلك من صنوف البر (فإنه) أي الشأن (لاقرب) بضم
القاف (بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة) في نفس الأمر (ولا
بعد بها وإن كانت بعيدة) في نفس الأمر فالقطع يوجب النكران
والإحسان يوجب العرفان قال البلقيني: أمر بمعرفة الأنساب
وإنما تعرف بتظاهر الأخبار ولا يمكن في أكثرها العيان
(الطيالسي) أبو داود
(ك) في البر والصلة من حديث ابن عمرو الأموي (عن ابن عباس)
قال ابن عمرو كنت عند ابن عباس فمت إليه رجل برحم بعيدة
فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم
على شرط البخاري قال الذهبي: لكنه لم يخرج لأبي داود
الطيالسي كذا في التلخيص وقال في المهذب إسناده جيد
(1/559)
1155 - (أعروا) بفتح الهمزة وسكون المهملة
وضم الراء (النساء) أي جردوهن من ثياب الزينة والخيلاء
والتفاخر والتباهي ومن الحلي كذلك واقتصروا على ما يقيهن
الحر والبرد فإنكم إن فعلتم ذلك (يلزمن الحجال) أي قعر
بيوتهن وهو بمهملة وجيم ككتاب جمع حجلة بيت كالقبة يستر
بالثياب له أزرار كبار: يعني إن فعلتم ذلك بهن لا تعجبهن
أنفسهن فيطلبن البروز بل يخترن عليه المكث في داخل البيوت
وأما إن وجدن الثياب الفاخرة والحلي الحسن فيعجبهن أنفسهن
ويطلبن الخروج متبرجات بزينة ليراهن الرجال في الطرقات
والنساء فيصفوهن لأزواجهن ويترتب على ذلك من المفاسد ما هو
محسوس بل كثيرا ما يجر إلى الزنا وفيه حث على منع النساء
من الخروج إلا لعذر وعلى عدم إكثار ثياب الزينة لهن
والمبالغة في سترهن وفي رواية بدل الحجال: الحجاب - بالباء
- والمعنى متقارب. [ص:560]
(طب) عن بكر بن سهل الدمياطي عن شعيب بن يحيى عن يحيى عن
أيوب عن عمرو بن الحارث عن مجمع بن كعب (عن مسلمة بن مخلد)
بفتح اللام الأنصاري الزرقي سكن مصر ووليها مدة وأورده ابن
الجوزي في الموضوعات وقال شعيب غير معروف وقال إبراهيم: لا
أصل لهذا الحديث أه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر
الموضوعات ساكتا عليه غير متعقب له فلعله لم يقف على تعقيب
الحافظ ابن حجر بأن ابن عساكر خرجه من وجه آخر في أماليه
وحسنه وقال بكر بن سهل. وإن ضعفه جمع لكنه لم ينفرد به كما
ادعاه ابن الجوزي فالحديث إلى الحسن أقرب وأيا ما كان فلا
اتجاه لحكم ابن الجوزي عليه بالوضع
(1/559)
1156 - (أعز) بفتح فكسر (أمر الله) أي عظم
طاعة الله وشدد في امتثال أمره واجتناب نهيه وأقم حدود
الله في الكبير والصغير ولا تخش في الله لومة لائم بل تخلق
بالإخلاص (يعزك الله) بضم أوله يقويك ويشدك ويكسوك جلالة
تصير بها مهابا في القلوب مبجلا في العيون
(فر عن أبي أمامة) وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي سبق
عن الخطيب أنه وضاع والمأمون بن أحمد قال الذهبي: كذاب أه
(1/560)
1157 - (أعزل) بفتح فسكون فكسر (الصواب
بكسر فسكون: أمر من عزل) وفي رواية لمسلم: أخر (الأذى)
بالمعجمة (عن طريق المسلمين) أي أزل من طريقهم ما يؤذيهم
كشوك وحجر فإن تنحية ذلك من شعب الإيمان كما في عدة أخبار
صحاح وحسان والأمر للندب وقد يجب ونبه بذلك على طلب إزالة
كل مؤذ من إنسان أو حيوان وفيه تنبيه على فضل فعل ما ينفع
المسلمين أو يزيل ضررهم وإن كان يسيرا حقيرا ويظهر أن
المراد الطريق المسلوك لا المهجور وإن مر فيه على ندور
وخرج بطريق المسلمين طريق أهل الحرب ونحوهم فلا يندب عزل
الأذى عنها بل يندب وضعه فيها ويظهر أنه يلحق بهم طريق
القطاع وإن كانوا مسلمين حيث اختصت بهم وقد يشمل الأذى
قطاع الطريق والظلمة. لكن ذلك ليس إلا للإمام والحكام
(م هـ) في البر (عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله علمني
شيئا أنتفع به فذكره ولم يخرجه البخاري
(1/560)
1158 - (اعزل) أيها المجامع (عنها) عن أمتك
ماءك بأن تنزع عند الإنزال فتنزل خارج الفرج دفعا لحصول
الولد المانع للبيع. قال الحراني: والعزل في الأصل طلب
الانفراد عما من شأنه الاشتراك (إن شئت) أن لا تحبل وذلك
لا ينفعك (فإنه سيأتيها ما قدر لها) فإن قدر لها حمل حصل
وإن عزلت أو عدمه لم يقع وإن لم تعزل والضمير للشأن وفيه
مؤكدات: إن وضمير الشأن وسين الاستقبال. ومذهب الشافعي حل
العزل عن الأمة مطلقا والحرة بإذنها بلا كراهة. وقال
الثلاثة: له العزل عن الأمة لا الزوجة إلا بإذنها لما فيه
من تفويت لذتها وهذا قاله لمن قال: لي جارية هي خادمتنا
وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فذكره واختلف في علة النهي
عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر. قال
ابن حجر: والثاني هو الذي يقتضيه معظم الأخبار الواردة في
ذلك. وقال إمام الحرمين: موضع المنع أن ينزع بقصد الإنزال
خارج الفرج خوف العلوق ومتى فقد ذلك لم يمنع: أي فلو نزع
لا بقصده فاتفق إنزاله خارج الفرج لم يتعلق به كراهة
(م) في النكاح (عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري
(1/560)
1159 - (اعزلوا أو لا تعزلوا) يعني لا
فائدة في العزل ولا في تركه إذ (ما كتب الله تعالى) أي قدر
(من نسمة) أي نفس (هي [ص:561] كائنة) في علم الله (إلى يوم
القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج فلا فائدة لعزلكم ولا
لعدمه لأنه إن كان قدر الله خلقها سبقكم الماء من حيث لا
تشعرون فلا ينفعكم العزل ولا خلاف بين أهل السنة أن الأمور
تجري على قضاء وقدر وعلم سابق وكتاب متقدم وإن كان علقها
بالأسباب فلاحظ الأسباب فيها لكنها علامات على وجود ما قدر
أما إنه ينسب إليها تأثير وعمل فلا فمقصود الحديث السكوت
تحت جريان المقادير والثقة بصنع الله فيما يريد
(طب عن صرمة) بكسر فسكون (العذري) بعين مهملة مضمومة وذال
معجمة: صحابي جليل. قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأصبنا كرائم العرب فرغبنا في البيع وقد اشتدت علينا
العزوبة فأردنا أن نستمتع ونعزل فقال بعضنا لبعض ما ينبغي
لنا أن نصنع لك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا
حتى نسأله فسألناه فذكره. قال الهيتمي: فيه عبد الحميد بن
سليمان وهو ضعيف وظاهر تخصيصه الطبراني بالعزو أنه لا يوجد
مخرجا لأحد من الستة وإلا لما بدأ بالعزو إليه مع أن
الإمام في هذا الفن البخاري خرجه بمعناه في عدة مواضيع
كالتوحيد والقدر والمحرمات. ومسلم وأبو داود في النكاح.
والنسائي في العتق عن أبي سعيد قال سألنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن العزل فقال: ما عليكم ألا تفعلوا. ما من
نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أه والقانون أنه
إذا كان في الصحيحين أو أحدهما ما يفي بمعنى حديث فالسكوت
عنه والاقتصار على عزوه لغيره غير لائق لإيهامه
(1/560)
1160 - (اعط) بفتح أوله من أعطى وفي رواية
أبي العالية أعطوا (كل سورة) من القرآن (حظها) نصيبها (من
الركوع والسجود) ويحتمل أن المراد إذا قرأتم سورة فصلوا
عقبها صلاة قبل الشروع في أخرى. ويحتمل أن المراد أوفوا
القراءة حقها من الخشوع والخضوع اللذين هما بمنزلة الركوع
والسجود في الصلاة وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا
(ش) من حديث أبي العالية (عن بعض الصحابة) وسكت عليه عبد
الحق مصححا له قال ابن القطان وهو كما ذكر وزعم ضعفه باطل
(1/561)
1161 - (أعطوا أعينكم حظها من العبادة)
قالوا يا رسول الله وما حظها منها قال (النظر في المصحف)
يعني قراءة القرآن نظرا في المصحف فقراءته في المصحف أفضل
من قراءته من حفظه وبهذا أخذ أكثر السلف. قال النووي:
وهكذا قاله أصحابنا وليس على إطلاقه بل إن كان القارئ من
حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر من
الحاصل من القراءة الحاصلة من المصحف فالقراءة من الحفظ
أفضل. فإن استويا فمن المصحف أفضل. قال وهذا مراد الحديث
(والتفكر فيه) أي تدبر آيات القرآن وتأمل معانيه والتفكر
كما في القاموس وغيره: إعمال النظر في الشيء (والاعتبار
عند عجائبه) من أوامره وزواجره ومواعظه وأحكامه وقصصه
ووجوه بلاغته وبديع رموزه وإشاراته وعطف الاعتبار على
التفكر لأنه نتيجته والعجائب جمع عجيبة والتعجب حيرة تعرض
للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية
تأثيره واعلم أن الناس يتفاوتون في التدبر بحسب المعرفة
والتقوى والفهم بالله والعارفون بالله لهم الحظ الأوفر من
ذلك وتتفاوت التجليات والتنزلات على أسطحة قلوبهم حال
تدبرهم بحسب مقاماتهم فالتدبر والخشوع مشرعة الأفكار
السليمة فيشرب كل أحد منهم بحسب مشربه وهو منتهى الخشوع
والخير كله حتى أن النحوي يأخذ منه أدلته وأمثلته. وقال
ابن عربي: استنبطت منه بضعا وسبعين ألف علم (الحكيم)
الترمذي في النوادر
(هب عن أبي سعيد) الخدري وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي
خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قالوا سنده ضعيف
(1/561)
[ص:562] 1162 - (أعطوا السائل) الذي يسأل
التصدق عليه بصدقة غير مفروضة (وإن) لفظ رواية الموطأ ولو
(جاء على فرس) يعني لا تردوه وإن جاء على حالة تدل على
غناه كأن كان على فرس فإنه لو لم تدعه الحاجة إلى السؤال
لما بذل وجهه وزعم أن المراد لا تردوه وإن جاء على فرس
يطلب علفه وطعامه ركيك متعسف. قال الحراني: ولو في مثل هذا
السياق تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء
وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج
فيما قبلها فكونه جاء على فرس يؤذن بغناه فلا يليق أن يعطى
فنص عليه دفعا للتوهم وقال ابن حبان: هذه الواو لعطف حال
على حال محذوفة يتضمنها السياق والمعنى أعطوه كائنا من كان
ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس
مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته. ألا ترى أنه
لا يحسن: أعطوا السائل ولو كان فقيرا أه ومقصود الحديث
الحث على إعطاء السائل وإن جل ولو ما قل لكن إذا وجده ولم
يعارضه ما هو أهم وإلا فلا ضير في رده كما يفيده قوله في
الحديث المار؟ إذا رددت على السائل إلخ وقال في المطامح:
قد تدخل لو في التعظيم كما هنا <فائدة> قال في العنوان قال
بعض الأعيان ألزمني أحمد بن طولون صدقاته فقلت ربما مدت
إلي اليد المطوقة بالذهب والسوار والمعصم والكم الناعم
أفأمنع هذه الطبقة قال: هؤلا المستورون الذين يحسبهم
الجاهل أغنياء من التفف احذر أن ترد يدا امتدت وأعط من
استعطاك وكان يتصدق في كل أسبوع بثلاثة آلاف دينار
(عد) في الكامل (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أن ابن
عدي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عمر
بن يزيد الأزدي من حديثه وقال منكر الحديث وتبعه في
الميزان. وقال السخاوي: سنده ضعيف. ورواه في الموطأ مرسلا
عن زيد بن أسلم. قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرساله
خلافا عن مالك. وقد روي من حديث الحسين بن علي مرفوعا
وإسناده غير قوي
(1/562)
1163 - (أعطوا المساجد) ندبا مؤكدا (حقها)
قال بعض الصحب: وما حقها يا رسول الله؟ قال (ركعتان) تحية
المسجد إذا دخلته (قبل أن تجلس) فيه فإن جلست عمدا فاتتك
لتقصيرك مع عدم الحاجة إلى الجلوس ويحصلان بفرض أو نفل وإن
لم تنو وهذا في غير المسجد الحرام وأما المسجد الحرام
فتحيته الطواف وقابل الجمع بالجمع في قوله أعطوا المساجد
وأفرد تجلس لأنه خاطب به فردا وهو السائل الذي سأل ما حقها
وفي بعض الروايات تجلسوا على الأصل
(ش عن أبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو
النعمان السلمي بفتحتين ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن
حبان] والديلمي ورمز المصنف لصحته
(1/562)
1164 - (أعطوا الأجير أجره) أي كراء عمله
(قبل أن يجف عرقه) أي ينشف لأن أجره عمالة جسده وقد عجل
منفعته فإذا عجلها استحق التعجيل ومن شأن الباعة إذا سلموا
قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى. إذ كان ثمن مهجته
لا ثمن سلعته فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة فالأمر
بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب
فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق أو عرق وجف وفيه مشروعية
الإجارة والعرق بفتح المهملة والراء الرطوبة تترشح من مسام
البدن
(هـ) في الأحكام (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الرحمن
بن يزيد ضعفوه وقال ابن طاهر أحد الضعفاء (ع عن أبي هريرة)
قال الهيتمي: وفيه عبد الله بن جعفر المدني وهو ضعيف وقال
الذهبي: ضعيف بمرة (طس عن جابر) قال الهيتمي: وفيه شرفي بن
قطامي ومحمد بن زياد الراوي عنه ضعيفان (الحكيم) [ص:563]
الترمذي (عن أنس) بن مالك وهو عند الحكيم من رواية محمد بن
زياد الكلبي عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عنه ذكر
ذلك ابن حجر قال وأخطأ من عزاه للبخاري أه. وقال الذهبي:
هذا حديث منكر وأقول: محمد ابن زياد الكلبي أورده الذهبي
في الضعفاء وقال قال يحيى لا شيء وفي الميزان أخباري ليس
بذاك وفي اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم
وبشر بن الحسين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال
الدارقطني متروك. وفي اللسان كأصله عن ابن عدي عامة حديثه
غير محفوظ وقال أبو حاتم: يكذب على ابن الزبير أه وبالجملة
فطرقه كلها لا تخلو من ضعيف أو متروك لكن بمجموعها يصير
حسنا
(1/562)
1165 - (أعطي) بإثبات الياء خطابا لأسماء
بنت أبي بكر (ولا توكي) بسكون الياء أي لا تدخري ولا تربطي
الوكاء وهو الخيط يربط به (فيوكى عليك) بسكون الألف قال
ابن حجر: هو عند البخاري بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل وفي
رواية له: لا تحصي فيحصي الله عليك فأبرز الفاعل قال:
وكلاهما بالنصب لكون جواب النهي بالفاء والإيكاء شد رأس
الوعاء بالوكاء وهو هنا مجاز عن الإمساك فالمعنى لا تمسكي
المال في الوعاء وتوكي عليه فيمسك الله فضله عنك كما أمسكت
فضل ما أعطاك الله فإن الجزاء من جنس العمل ومن علم أن
الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب وفيه
النهي عن منع الصدقة خشية النفاد وأنه أعظم الأسباب لقطع
مادة البركة وأنه تعالى يثيب على العطاء بغير حساب
(د عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت يا رسول الله ما لي
شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه؟ فذكره. سكت
عليه أبو داود فهو صالح
(1/563)
1166 - (أعطيت جوامع الكلم) أي ملكة أقتدر
بها على إيجاز اللفظ مع سعة المعنى بنظم لطيف لا تعقيد فيه
يعثر الفكر في طلبه ولا التواء يحار الذهن في فهمه فما من
لفظة يسبق فهمها إلى الذهن إلا ومعناها أسبق إليه وقيل
أراد القرآن وقيل أراد أن الأمور الكثيرة التي كانت تكتب
في الأمور المتقدمة جمعت له في الأمر الواحد والأمرين
(واختصر) أي أوجز (لي الكلام) حتى صار ما أتكلم به كثير
المعاني قليل الألفاظ وقوله (اختصارا) مصدر مؤكد لما قبله
فهو الجامع لما تفرق قبله في الرسل من الكمال المخصوص بما
لم يعطه أحد منهم من المزايا والإفضال فمما اختص به عليهم
الفصاحة والبلاغة
(ع عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب
والدارقطني عن ابن عباس
(1/563)
1167 - (أعطيت سورة البقرة) أي إلا
خواتيمها كما يشير إليه بل يعنيه قوله الآتي: وخواتيم سورة
البقرة إلخ وفيه رد على من استكره أن يقال سورة البقرة بل
السورة التي تذكر فيها البقرة (من الذكر الأول) أي عوضا من
الذكر الأول قال الكلاباذي في بحره: هو الصحف العشرة
والكتب الثلاثة ولم يطلع عليه من أكثر الترديد والاضطراب
وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل أي فالبقرة جامعة لما في
تلك الصحف والكتب من العلوم متضمنة لما فيها من المعارف
(وأعطت) سورة (طه و) سور (الطوسين والحواميم من ألواح)
الكليم (موسى) بن عمران أي عوضا منها كما تقرر فهي متضمنة
لا فيها من الأحكام والمواعظ وغيرها. قال ابن حجر: وخص
موسى لأن كتابه أوسع من الإنجيل حكما وغيره (وأعطيت فاتحة
الكتاب وخواتيم سورة البقرة) وهي من قوله: آمن الرسول -
إلى آخرها (من تحت العرش) أي [ص:564] عرش الرحمن تقدس
(والمفصل) سمى مفصلا لأن سوره قصار كل سورة كفصل من الكلام
قيل طواله إلى سورة عم وأوساطه إلى الضحى. وقوله (نافلة)
أي زيادة راجع للفاتحة والخواتيم والمفصل أي فما تضمنته
الكتب المنزلة على الأنبياء قبله ولم ينزل مثلهن على أحد
من الأنبياء وليس عائدا للمفصل وحده لما يأتي من التصريح
بأن إعطاء الفاتحة وخواتيم البقرة من خصائصه صلى الله عليه
وسلم وجزم به كثيرون وأما قوله في الحديث الآتي وفضلت
بالمفصل فلا ينافي أنه فضل بغيره أيضا. وفيه أن من القرآن
ما نزل نحوه على من قبله وفي بعض الآثار أن أول التوراة
أول الأنعام وآخرها آخر هود وأن بعض القرآن أفضل من بعض.
قال بعضهم: القرآن جامع لنبأ الأولين والآخرين فعلم الأمم
الماضية علم خاص وعلم هذه الأمة علم عام وعلم أهل الكتاب
قليل {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قرأ الحبر: وما
أوتوا وعلم هذه الأمة كثير {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا
كثيرا}
(ك) في فضائل القرآن من حديث عبيد الله بن أبي حميد عن أبي
المليح (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف
المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح
الزاي أحد من بايع تحت الشجرة قال الحاكم صحيح وتعقبه
الذهبي بأن عبيد الله قال أحمد تركوا حديثه
(1/563)
1168 - (اعطيت آية الكرسي من تحت العرش) أي
من كنز تحت العرش كما جاء مصرحا به هكذا في رواية وبقية
الحديث: ولم يؤتها نبي قبلي أه ومن ثم قال المؤلف من
خصائصه أنه أعطي من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص
بالبسملة والفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والسبع
الطوال والمفصل
(تخ وابن الضريس) بضم الضاد المعجمة وشد الراء (عن الحسن)
البصري (مرسلا) قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مسندا وهو
عجيب فقد رواه الديلمي مسلسلا بقوله ما تركتها منذ سمعتها
من حديث أبي أمامة عن علي كرم الله وجهه قال أبو أمامة:
سمعت عليا يقول: ما أرى رجلا أدرك عقله في الإسلام يبيت
حتى يقرأ هذه الآية {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} إلى
{وهو العلي العظيم} فلو تعلمون ما هي أو ما فيها لما
تركتموها على حال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أعطيت إلخ قال علي كرم الله وجهه: فما بت ليلة قط منذ
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقرأها. قال
أبو أمامة: وما تركتها منذ سمعتها من علي كرم الله وجهه ثم
سلسله الباقون
(1/564)
1169 - (أعطيت ما لم) نكرة موصوفة في محل
المفعول الثاني (يعط) بالضم (أحد من الأنبياء قبلي) ظاهره
أن كل واحدة مما ذكر لم تكن لأحد قبله (نصرت بالرعب) أي
بخوف العدو مني يعني بسببه وهو الذي قطع قلوب أعدائه وأخمد
شوكتهم وبدد جموعهم وزاد في رواية مسيرة شهر وفي أخرى
شهرين (وأعطيت مفاتيح) جمع مفتاح بكسر أوله اسم للآلة التي
يفتح بها وهو في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج
المغلقات التي يتعذر الوصول إليها بها ذكره ابن الأثير
(خزائن الأرض) استعارة لوعد الله له بفتح البلاد. وهي جمع
خزانة ما يخزن فيه الأموال مخزونة عند أهل البلاد قبل
فتحها أو المراد خزائن العالم بأسره ليخرج لهم بقدر ما
يستحقون فكلما ظهر في ذلك العالم فإنما يعطيه الذي بيده
المفتاح بإذن الفتاح وكما اختص سبحانه بمفاتيح علم الغيب
الكلي فلا يعلمها إلا هو خص حبيبه بإعطاء مفاتيح خزائن
المواهب فلا يخرج منها شيء إلا على يده (وسميت أحمد) فلم
يسم به أحد قبله حماية من الله لئلا يدخل لبس على ضعيف
القلب أو شك في كونه هو المنعوت بأحمد في الكتب السابقة
(وجعل لي التراب طهورا) أي مطهرا عند تعذر الماء حسا أو
شرعا. قال ابن حجر: وذا ينصر القول بأن التيمم خاص بالتراب
إذ لو جاز بغيره لما اقتصر عليه (وجعلت أمتي خير الأمم)
بنص {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وشرف أمته من شرفه وليس
المراد حصر [ص:565] خصائصه في الخمسة المذكورة بدليل خبر
مسلم: فضلنا على الأنبياء بست وفي رواية بسبع وفي أخرى
أكثر ولا تعارض لاحتمال أنه اطلع أولا على بعض ما خص به ثم
على الباقي أو أن البعض كان معروفا للمخاطب على أن مفهوم
العدد غير حجة على الأصح واستدل به القرطبي على أن التيمم
يرفع الحدث لتسويته بين التراب والماء في قوله طهورا وهو
من أبنية المبالغة وهو قول لمالك ومشهور مذهبه أنه مبيح
كمذهب الشافعي لا رافع <تنبيه> قال الحكيم الترمذي: إنما
جعل تراب الأرض طهورا لهذه الأمة لأنها لما أحست بمولد
نبيها انبسطت وتمددت وتطاولت وأزهرت وأينعت وافتخرت على
السماء وسائر الخلق بأنه مني خلق وعلى ظهري تأتيه كرامة
الله وعلى بقاعي يسجد بجبهته وفي بطني مدفنه فلما جرت رداء
فخرها بذلك جعل ترابها طهورا لأمته فالتيمم هدية من الله
لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال
والأزمان
(حم عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وهو غير صواب
كيف وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه عبد الله بن محمد بن
عقيل سيء الحفظ وإن كان صدوقا فالحديث حسن لا صحيح
(1/564)
1170 - (أعطيت فواتح الكلام) أي البلاغة
والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن
العبارات التي أغلقت على غيره وفي رواية مفاتح الكلم. قال
الكرماني: أي لفظ قليل يفيد معنى كثيرا وهذا معنى البلاغة
وشبه في الخبر المار ذلك القليل بمفاتيح الخزائن التي هي
آلة الوصول إلى مخزونات متكاثرة (وجوامعه) التي جمعها الله
فيه فكان كلامه جامعا كالقرآن في كونه جامعا فإنه خلقه
(وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل
فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه
بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص
عليه
(ش ع طب عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الديلمي ورمز
المصنف لحسنه
(1/565)
1171 - (أعطيت مكان التوراة) أي بدل ما
فيها وكذا يقال فيما بعده وهي فوعلة لو صرفت من الورى وهو
قدح الزناد من الزند استثقل اجتماع الواوين فقلبت أولاهما
تاء قال الحراني: فهي تورية بما هي نور أعقب ظلام ما وردت
عليه من كفر من دعى إليها من الفراعنة فكان فيها هدى ونور
(السبع الطوال) بكسر الطاء جمع طويلة وأما بضمها فمفرد
كرجل طوال وقال ابن الأثير: جمع طولى مثل الكبار في الكبرى
وهذا البناء يلزمه الألف واللام والإضافة وأولها البقرة
وآخرها براءة - بجعل الأنفال وبراءة واحدة - وغير ذلك
(وأعطيت مكان الزبور المئين) بفتح الميم وكسر الهمزة
فمثناة تحت ساكنة أي السور التي أولها ما يلي الكهف لزيادة
كل منها على مئة آية أو التي فيها القصص أو غير ذلك
(وأعطيت مكان الانجيل) من النجل وضع على زيادة إفعيل
المزيد معنى ما وضعت له هذه الصيغة وزيادة يائها مبالغة في
المعنى وأصل النجل استخراج خلاصة الشيء ومنه قيل للولد نجل
أبيه كأن الانجيل استخلص خلاصة نور التوراة فأظهر باطن ما
شرع في التوراة ظاهره فإن التوراة كتاب إحاطة الأمر الظاهر
الذي يحيط بالأعمال وإصلاح أمر الدنيا وحصول الفوز من
عاقبة يوم الآخرة فهو جامع إحاطة الأمر الظواهر والانجيل
كتاب إحاطة الأمر الباطن يحيط بالأحوال النفسانية التي بها
يقع لمح موجود الآخرة مع الاعراض عن إصلاح الدنيا بل مع
هدمها والفرقان هو الكتاب الجامع المحيط بالظاهر والباطن
(والمثاني) وهي السور التي آيها مئة أو أقل أو ماعدا السبع
الطوال إلى المفصل: سمي مثاني لأنها أثنت السبع أو لكونها
قصرت عن المئين وزادت على المفصل أو لأن المئين جعلت مبادئ
والتي تليها مثاني ثم المفصل وقيل غير ذلك (وفضلت بالمفصل)
بضم الميم وفتح الفاء ومهملة مشددة ويسمى المحكم وآخره
سورة الناس اتفاقا وهل أوله الحجرات أو الجاثية أو القتال
أو ق أو الصافات [ص:566] أو الصف. أقوال رجح النووي وتبعه
القاموس: الأول وله طوال وأوساط وقصار مفصلة في الفروع
وغيرها
(طب هب) وكذا أحمد وكأن المصنف ذهل عنه وإلا لقدمه في
العزو إليه على عادته (عن واثلة) بكسر المثلثة ابن الأسقع
قال الهيتمي: وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وضعفه
النسائي وغيره أه وأقول فيه أيضا عمرو بن مرزوق أورده
الذهبي في الضعفاء وقال كان يحيى بن سعيد لا يرضاه فنصيب
الهيتمي لا يرضاه الجناية برأس عمران وحده خلاف الأنصار
(1/565)
1172 - (أعطيت هذه الآيات من آخر سورة
البقرة) أولها: آمن الرسول (من كنز تحت العرش) قال الحافظ
العراقي معناه أنها ادخرت له وكنزت له فلم يؤتها أحد قبله
وكثير من آي القرآن منزل من الكتب السابقة باللفظ أو
بالمعنى وهذه لم يؤتها أحد وإن كان فيه أيضا ما لم يؤت
غيره لكن هذه خصوصية لهذه الأمة وهي وضع الأمر الذي على من
قبل فلهذا قال (لم يعطها نبي قبلي) قال في المطامح: الله
أعلم ما هذا الكنز ويجوز كونه كنز اليقين فهو كنز مخبوء
تحت العرش أخرج منه سبحانه ثمانية مثاقيل من نور اليقين
فأعطى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وزيد ذخيرة
خصوصية للرسالة فلذلك وزن إيمانه بإيمان الخلق فرجح. إلى
هنا كلامه وهو غريب
(حم طب) وكذا الأوسط (هب عن حذيفة) بن اليماني (حم عن أبي
ذر) قال الحافظ الهيتمي ورجال أحمد رجال الصحيح أه
(1/566)
1173 - (أعطيت ثلاث خصال) جمع خصلة ومر
تعريفها ولا ينافيه خبر: أعطيت خمسا الآتي ولا خبر ستا ولا
تبديل بعض الخصال ببعض في الروايات لاحتمال أنه أعطي الأقل
فأخبر به ثم زيد فأخبر به وهكذا أو أنه أعطي أولا الأكثر
فأخبر به ثم أخبر ببعضه بناء على المشهور من أن ذكر
الأعداد لا يدل على الحصر (أعطيت صلاة في الصفوف) كما تصف
الملائكة عند ربها وكانت الأمم المتقدمة يصلون منفردين
وجوه بعضهم إلى بعض وقبلتهم إلى الصخرة (وأعطيت السلام وهي
تحية أهل الجنة) أي يحيي بعضهم بعضا به {تحيتهم فيها سلام}
وكانت الأمم السابقة إذا لقي بعضهم بعضا انحنى له بدل
السلام وفيه مؤنة فأعطينا تحية أهل الجنة فيا لها من منة
(وأعطيت آمين) أي ختم الداعي قراءته أو دعاءه بلفظ آمين
(ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم) أي لم يعط هذه الخصلة
الثالثة كما يدل له قوله (إلا أن يكون الله) تعالى
(أعطاها) نبيه (هارون) ثم بين وجهه بقوله (فإن موسى) أخاه
(كان يدعو الله) تعالى (ويؤمن) على دعائه أخوه (هارون) كما
دل عليه لفظ التنزيل حيث قال تعالى {قد أجيبت دعوتكما}
وقال في مبتدأ الآية {وقال موسى ربنا} فدل على أن موسى هو
الداعي وهارون يؤمن وسماه داعيا لأنه لتأمينه عليه مشارك
له في الدعاء فالخصلتان الأولتان من خصوصيات هذه الأمة
مطلقا والثالثة من خصوصياتها على غير هذين الأخوين
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (وابن مردويه) في تفسيره
(عن أنس) بن مالك
(1/566)
1174 - (أعطيت خمسا) أي من الخصال قاله في
تبوك آخر غزواته (لم يعطهن) الفعلان مبينان للمفعول
والفاعل الله (أحد [ص:567] من الأنبياء) أي لم تجتمع لأحد
منهم أو كل واحدة لم تكن لأحد منهم (قبلي) فهي من الخصائص
وليست خصائصه منحصرة في الخمس بل هي تزيد على ثلاث مئة كما
بينه الأئمة والتخصيص بالعدد لا ينفي الزيادة ولا مانع من
كونه اطلع أولا على البعض ثم على البقية كما مر (فإن قيل)
ذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة قلنا إن ثبت
فذاك والأكمل أنه إخبار عن زيادة مستقبلا عبر عنه بالماضي
تحققا لوقوعه (نصرت) أي أعنت (بالرعب) بسكون العين المهملة
وضمها الفرع أو الخوف مما يتوقع نزوله زاد أحمد: يقذف في
قلوب أعدائي (مسيرة شهر) أي نصرني الله بإلقاء الخوف في
قلوب أعدائي من مسيرة شهر بيني وبينهم من سائر نواحي
المدينة وجعل الغاية شهرا إشارة إلى أنه لم يكن بين بلده
وبين أحد من اعدائه مسافة أكثر من شهر إذ ذاك فلا ينافي أن
ملك أمته يزيد على ذلك بكثير وهذا من خصوصية له ولو بلا
عسكر ولا يشكل بخوف الجن وغيرهم من سليمان لأن المراد على
الوجه المخصوص الذي كان عليه المصطفى من عدم العلم
بالتسخير بل بمجرد الشجاعة والإقدام البشري وسليمان علم كل
أحد أنها قوة تسخير وفي اختصاص أمته بذلك احتمالات رجح
بعضهم منها أنهم قد رزقوا منه حظا وافرا. لكن ذكر ابن
جماعة أنه جاء في رواية أنهم مثله (واعلم) أنه ليس المراد
بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر
بالعدو كما ذكروه (وجعلت لي الأرض) زاد أحمد ولأمتي أي ما
لم يمنع مانع (مسجدا) أي محل سجود ولو بغير مسجد وقف
للصلاة فلا يختص بمحل بخلاف الأمم السابقة فإن الصلاة لا
تصح منهم إلا في مواضع مخصوصة من نحو بيعة أو كنيسة فأبيحت
الصلاة لنا بأي محل كان ثم خص منه نحو حمام ومقبرة ومحل
نجس على اختلاف المذاهب تحريما وكراهة (وطهورا) أي مطهرا.
وإن كان بمعنى الطاهر في قوله تعالى {وسقاهم ربهم شرابا
طهورا} إذ لا تطهر في الجنة فالخصوصية ههنا في التطهير لا
في الطاهرية والمراد تراب الأرض كما جاء في رواية بلفظ
وترابها طهورا وفي أخرى تربتها لنا طهورا بفتح الطاء
فالتراب مطهر وإن لم يرفع وتقديم المشروط على شرطه لفظا لا
يستلزم تقديمه حكما والواو لا تقتضي ترتيبا وفسر المسجد
بقوله (فأينما) أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد
(رجل) بالجر بالإضافة (من أمتي) بيان لرجل وفائدة بشارتهم
بهذا الحكم التيسيري (أدركته) أي الصلاة في محل من الأرض
(الصلاة) أية صلاة كانت. قال الزركشي: وجملة أدركته في محل
خفض صفة لرجل وجواب الشرط قوله (فليصل) بوضوء أو تيمم ذكر
ذلك لدفع توهم أنه خاص به وقدم النصر الذي هو الظفر
بالأعداء لأهميته إذ به قيام الدين وثنى بجعل الأرض ذلك
لأن الصلاة وشرطها أعظم المهمات الدينية وفي قوله فأيما
إلى آخره إيماء إلى رد قول المهلب في شرح البخاري: المخصوص
بنا جعل الأرض طهورا وأما كونها مسجدا فلم يأت في أثر أنها
منعت منهم وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض ويصلي
حيث أدركته الصلاة. (وأحلت لي الغنائم) جمع غنيمة بمعنى
مغنومة والمراد بها هنا ما أخذ من الكفار بقهر وغيره. فيعم
الفيء إذ كل منهما إذا انفرد عم الآخر والمراد بإحلالها له
أنه جعل له التصرف فيها كما يشاء وقسمتها كما أراد {قل
الأنفال لله والرسول} أو المراد اختصاصه بها هو وأمته دون
الأنبياء فإن منهم من لم يؤذن له بالجهاد فلم يكن له غنائم
ومنهم المأذون الممنوع منها فتجئ نار فتحرقه إلا الذرية
ويرجح الثانية قوله (ولم تحل) يجوز بناؤه للفاعل وللمفعول
(لأحد) من الأمم السابقة وفائدة التقييد بقوله (قبلي)
التنبيه على المخصوص عليه من الأنبياء وأنه أفضلهم حيث خص
بما لم يخصوا (وأعطيت الشفاعة) العامة والخاصة الخاصتان به
فاللام للعهد: أي عهد اختصاص وإلا فللجنس والمراد المختصة
بي. قال النووي: له شفاعات خمس: الشفاعة العظمى للفصل وفي
جماعة يدخلون الجنة بغير حساب وفي ناس استحقوا النار فلا
يدخلونها وفي ناس دخلوا النار فيخرجون منها. وفي رفع درجات
ناس في الجنة والمختص به من ذلك الأولى
[ص:568] والثانية ويجوز الثالثة والخامسة (وكان النبي يبعث
إلى قومه) بعثة (خاصة) بهم فكان إذا بعث في عصر واحد نبي
واحد دعى إلى شريعته قومه فقط ولا ينسخ بها شريعة غيره أو
نبيان دعى كل منهما إلى شريعته فقط ولا ينسخ بها شريعة
الآخر. وقال بعض المحققين: واللام هنا للاستغراق بدليل
رواية وكان كل نبي فاندفع ما جوزه الإمام من أن يكون
الخاصة مجموع الخمسة ولا يلزم اختصاص عموم البعثة لأن قوله
وكل نبي صريح في الاختصاص واستشكل بآدم فإنه بعث لجميع
بنيه وكذا نوح بعد خروجه من السفينة وأجيب بأجوبة أوضحها
أن المراد البعثة إلى الأصناف والأقوام وأهل الملل
المختلفة وآدم ونوح ليسا كذلك لأن بني آدم لم يكن ثم غيرهم
ونوح لم يكن عند الإرسال إلا قومه فالبعثة خاصة بهم وعامة
في الصورة لضرورة الانحصار في الموجودين حتى لو اتفق وجود
غيرهم لم يكن مبعوثا لهم (وبعثت إلى الناس) أي أرسلت إليهم
رسالة (عامة) فهو نعت لمصدر محذوف أو حال من الناس أي
معممين بها أو من ضمير الفاعل: أي بعثت معمما للناس وفي
رواية لمسلم بدل عامة كافة قال الكرماني أي جميعا وهو مما
يلزمه النصب على الحالية والمراد ناس زمنه فمن بعدهم إلى
يوم القيامة وقول السبكي من أولهم إلى آخرهم قال محقق غريب
لا يوافقه من يعتد به ولم يذكر الجن لأن الإنس أصل ومقصود
بالذات أو المتنازع فيه أو أكثر اعتناء أو الناس يشمل
الثقلين بل خبر وأرسلت إلى الخلق يفيد إرساله للملائكة كما
عليه السبكي وختم بالبعث العام كلامه في الخصائص ليتحقق
لأمته الجمع بين خيري الدنيا والآخرة وفيه أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والرسل لما ذكر من أن كل نبي
أرسل إلى قوم مخصوصين وهو إلى الكافة وذلك لأن الرسل إنما
بعثوا لإرشاد الخلق إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى
النور ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام وكل من
كان في هذا الأمر أكثر تأثيرا كان أفضل فكان المصطفى صلى
الله عليه وسلم فيه القدح المعلي إذ لم يختص بقوم دون قوم
وزمان دون زمان بل دينه انتشر في المشارق والمغارب وتغلغل
في كل مكان واستمر استمداده على وجه كل زمان زاده الله
شرفا على شرف وعزا على عز ما در شارق ولمع بارق فله الفضل
بحذافيره سابقا ولاحقا
(ق) في الصلاة وغيرها (ن) في الطهارة (عن جابر) بن عبد
الله قال المصنف والحديث متواتر
(1/566)
1175 - (أعطيت سبعين ألفا من أمتي) أمة
الإجابة (يدخلون الجنة بغير حساب) أي ولا عقاب (وجوههم) أي
والحال أن ضياء وجوههم (كالقمر ليلة البدر) أي كضيائه ليلة
كماله وهي ليلة أربعة عشر (قلوبهم على قلب رجل واحد) أي
متوافقة متطابقة في الصفاء والجلاء (فاستزدت ربي عز وجل)
أي طلبت منه أن يدخل من أمتي بغير حساب زيادة على السبعين
(فزادني مع كل واحد) من السبعين ألفا (سبعين ألفا) قال
المظهر: يحتمل أن يراد به خصوص العدد وأن يراد به الكثرة
ورجحه بعضهم قال ابن عبد السلام: وهذا من خصائصه ولم يثبت
ذلك لغيره من الأنبياء
(حم) وكذا أبو يعلى كلاهما (عن أبي بكر) الصديق قال
الهيتمي: وفيهما المسعودي وقد اختلط وتابعيه لم يسم وبقية
رجاله رجال الصحيح
(1/568)
[تابع حرف الهمزة]
(2/1)
1176 -[ص:2] (أعطيت أمتي) أي أمة الإجابة
(شيئا) نكره للتعظيم (لم يعطه أحد من الأمم) السابقة وذلك
(أن يقولوا) يعني يقول المصاب (عند المصيبة: إنا لله وإنا
إليه راجعون) وهذا صريح في أن الاسترجاع من خصائص هذه
الأمة وفيه أنه يسن لمن أصيب بميت أو في نفسه أو أهله أو
ماله أن يقول ذلك وزاد الفقهاء أخذا من حديث آخر اللهم
آجرني في مصيبتي وأخلف علي خيرا منها
(طب وابن مردويه) في تفسيره عن (ابن عباس) قال الهيثمي:
فيه خالد بن محمد الطحان وهو ضعيف. اه. لكن يعضده ما رواه
ابن جرير والبيهقي في الشعب وغيرهما عن سعيد بن جبير لقد
أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم يعطه الأنبياء قبلهم
ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول يا أسفي على
يوسف - إنا لله وإنا إليه راجعون
(2/2)
1177 - (أعطيت قريش) القبيلة المعروفة ومر
وجه تسميتها بذلك (ما لم يعط الناس) أي القبائل غيرهم
قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال (أعطوا ما أمطرت السماء)
أي النبات الذي ينبت بالمطر (وما جرت به الأنهار وما سالت
به السيول) يحتمل أن المراد أن الله تعالى خفف عنهم التعب
والنصب في معايشهم فلم يجعل زرعهم يسقى بمؤنة كالسوقي بل
يسقى بماء المطر والأنهار والسيول من غير كلفة ويحتمل أن
المراد أن الشارع أقطعهم ذلك في بلادهم وفي الحديث إيماء
إلى أن الخلافة فيهم لتمييزهم على غيرهم بما أعطوا
الحسن بن سفيان) في جزئه (وأبو نعيم في المعرفة) أي في
كتاب معرفة الصحابة من حديث أبي الزاهرية (عن حلبس) بحاء
مهملة مفتوحة ولام ساكنة وموحدة مفتوحة وسين مهملة: وزن
جعفر وقيل هو بمثناة تحتية مصغرا صحابي قال أبو نعيم: يعد
في الحمصيين وهذا هو المراد هنا ولهم أيضا حلبس بن زيد
الضبي صحابي
(2/2)
1187 - (أعطي) بالبناء للمجهول (يوسف) بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (شطر الحسن) أي حظا
عظيما من حسن أهل الدنيا ولفظ رواية الحاكم: أعطي يوسف
وأمه شطر الحسن. قال في الميزان متصلا بالحديث يعني سارة
اه. فلا أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسير الراوي. ثم
إن قلت هذا يخالفه ما في خبر الحاكم: إن الله قسم له من
الجمال الثلثين وقسم بين عباده الثلث وكان يشبه آدم يوم
خلقه الله فلما عصى آدم نزع منه النور والبهاء والحسن ووهب
له الثلث من الجمال بالتوبة (1) فأعطى الله يوسف الثلثين.
اه. قلت كلا لا منافاة لأن الشطر قد يطلق ويراد به الجزء
من الشيء لا النصف وكم من نظير وبتأمل حديث الحاكم المذكور
يعلم اندفاع قول ابن المنير والزركشي في حديث: أعطي يوسف
شطر الحسن يتبادر إلى إفهام بعض الناس أن الناس يشتركون في
الشطر الثاني وليس كذلك بل المراد أنه أعطي شطر الحسن الذي
أوتيه نبينا فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها
(ش حم ع ك عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي.
وقال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح وظاهر [ص:3] صنيع
المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد الشيخين وإلا لما عدل عنه
والأمر بخلافه فقد رواه مسلم في قصة الإسراء ولفظه فإذا
أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن. ومن ثم عزا حديث
الترجمة بنصه جمع لمسلم منهم السخاوي ثم رأيت المصنف نفسه
قال في الدرر إنه في الصحيح من حديث الإسراء
_________
(1) هذا لا يتفق مع قوله تعالى إن الله اصطفى آدم الآية
فتدبر
(2/2)
1179 - (أعظم الأيام) أي أعظمها (عند الله
يوم النحر) لأنه يوم الحج الأكبر وفيه معظم أعمال النسك
(ثم يوم القر) ثاني يوم النحر لأنهم يقرون فيه أي يقيمون
ويستحمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة ذكره الزمخشري. وقال
البغوي: سمي به لأن أهل الموسم يوم التروية وعرفة والنحر
في تعب من الحج فكان الغد من النحر قرأ اه. وفضلهما
لذاتهما أو فيما يخصهما من وظائف العبادة والجمهور على أن
يوم عرفة أفضل ثم النحر فمعنى قوله أفضل أي من أفضل كما
يقال فلان أعقل الناس أي وأعلمهم
(حم د ك) في الأضاحي (عن عبد الله بن قرط) بضم القاف
الأزدي الثمامي بضم المثلثة وخفة الميم كان اسمه شيطانا
فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله شهد اليرموك
وغيره واستعمله معاوية على حمص قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي
(2/3)
1180 - (أعظم) رواية ابن عدي إن أعظم
(الخطايا) أي الذنوب الصادرة عن عمد يقال خطى إذا أذنب
معتمدا. ذكره الزمخشري (اللسان الكذوب) أي الكثير الكذب
لأن اللسان أكثر الأعضاء عملا وما من معصية إلا وله فيها
مجال فمن أهمله مرخى العنان ينطق بما شاء من البهتان سلك
به في ميدان الخطايا والطغيان وما ينجى من شره إلا أن
يقيده بلجام الشرع
(ابن لال) أبو بكر في حديث طويل جامع ثم الديلمي (عن ابن
مسعود) وفيه الحسن بن عمارة قال الذهبي في الضعفاء متروك
باتفاق
(عد) عن يعقوب بن إسحاق عن أحمد بن الفرج عن أيوب بن سويد
عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن ابن عباس قال كان من
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قال ابن عدي:
ولا أعلم يرويه عن الثوري غير أيوب. ورواه أيضا عن محمد بن
إسحاق الوراق عن موسى بن سهل النسائي عن أيوب بن سويد عن
المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس ثم
قال ابن عدي وهذا إنما يرويه أيوب بهذا الإسناد اه
(2/3)
1181 - (أعظم العيادة أجرا) أي أكثرها
ثوابا (أخفها) بأن يخفف القعود عند المريض فتطويل القعود
عنده خلاف الأولى لأنه قد يتضرر به لاحتياجه إلى تعهد أهله
له ويحتمل أن المراد بتخفيفها كونها غبا لا كل يوم فعلم أن
العيادة - بالمثناة التحتية - كما ضبطه بعضهم لا بالموحدة
وإن صح اعتباره بدليل تعقيبه ذلك في هذا الحديث نفسه بقوله
والتعزية مرة هكذا هو بهذا اللفظ عند مخرجه البزار ومثله
البيهقي في الشعب وكأن المصنف أغفله ذهولا فالعيادة
بالمثناة والتعزية أخوان فلذلك فرق بينهما. وأما العبادة
بالموحدة فلا مناسبة بينها وبين التعزية فمن جرى عليه فقد
صحف وحرف جهلا أو غباوة
(البزار) من حديث ابن أبي فديك (عن علي) أمير المؤمنين ثم
قال - أعني البزار - وأحسب أن ابن فديك لم يسمع من علي أه
وقد أشار المصنف بضعفه فإما أن يكون لانقطاعه ولكونه مع
الانقطاع فيه علة أخرى
(2/3)
1182 - (أعظم الغلول) بضم المعجمة: أي
الخيانة وكل من خان شيئا في خفاء فقد غل يغل غلولا كما في
الصحاح وتبعوه فتفسير البعض له هنا بأنه الخيانة في
الغنيمة غفلة عن تأمل الحديث (عند الله يوم القيامة) خصه
لأنه يوم وقوع الجزاء [ص:4] وكشف الغطاء (ذراع) أو دونه
كما يفيده خبر: من غصب قيد شبر من أرض (من الأرض) أي إثم
غصبه ذراع من الأرض كما بينه بقوله (تجدون الرجلين جارين)
أي متجاورين (في الأرض أو الدار) أو نحوها (فيقتطع أحدهما
من حظ صاحبه) أي من حق جاره المسلم ومثله الذمي: أي مما
يستحقه بملك أو وقف أو غيرهما (ذراعا) مثلا (فإذا اقتطعه)
منه (طوقه) بالبناء للمجهول: أي يخسف به الأرض فتصير
البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق (من سبع أرضين) يعني
يعاقب بالخسف فيصير ما اقتطعه وما تحته من كل أرض من السبع
طوقا له ويعظم عنقه حتى يسع ذلك أو يتكلف أن يجعل له ذلك
طوقا ولا يستطيع فيعذب به كما في خبر: من كذب في منامه كلف
أن يعقد شعيرة والتطويق تطويق الإثم أو المراد أن الظلم
المذكور لازم له لزوم الطرق للعنق من قبيل {ألزمناه طائره
في عنقه} (يوم القيامة) زاد في رواية في الكبير: إلى قعر
الأرض ولا يعلم قعرها إلا الذي خلفها وهذا وعيد شديد يفيد
أن الغصب كبيرة بل يكفر مستحله لكونه مجمعا عليه معلوما من
الدين بالضرورة وفيه إمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر وأن
غصبها أعظم من غصب غيرها إذ لم يرد فيه مثل هذا الوعيد وأن
من ملك أرضا ملك سفلها إلى منتهى الأرضين وله منع غيره من
حفر بئر أو سرداب تحتها وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها
بما فيه من حجر ومدر ومعدن وغيرها وله أن ينزل في الحفر ما
شاء ما لم يضر ببناء جاره وأن الأرضين السبع متراكمة لم
يفتق بعضها من بعض إذ لو فتقت لاكتفى في حق الغاصب بتطويق
التي غصبها لانفصالها عما تحتها وأن الأرضين السبع طباق
كالسماوات وغير ذلك
(حم طب) وكذا ابن أبي شيبة عن أبي مالك الأشجعي التابعي
قال ابن حجر: سقط الصحابي أو هو الأشعري فليحرر كذا رأيته
بخطه ثم قال إسناده حسن انتهى والظاهر من احتماليه: الأول
فإن أحمد خرجه عن أبي مالك الأشعري ثم خرجه بالإسناد نفسه
عن أبي مالك الأشجعي فلعله أسقط الصحابي سهوا. قال
الهيثمي: وإسناده حسن وذكر المؤلف أن تطويق الأرض المغصوبة
رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة وغيرها متواترا وليس مراده
هذا الحديث كما وهم بدليل أنه لما سرد من رواه من الصحابة
لم يذكروا الأشجعي
(2/3)
1183 - (أعظم الظلم ذراع) أي ظلم أي غصب
ذراع (من الأرض) أو نحوها (ينتقصه المرء من حق أخيه) في
الإسلام وإن لم يكن من النسب وذكر الأخ للغالب فالذمي كذلك
وشمل الحق ملك الرقبة وملك المنفعة (ليست حصاة أخذها) منه
(إلا طوقها يوم القيامة) على ما تقرر وذكر الذراع والحصاة
لينبه على أن ما فوق ذلك أبلغ في الإثم وأعظم في الجرم
والصعوبة والعقوبة والقصد بذكر الحصاة ونحوها مزيد الزجر
والتنفير من الغصب ولو لشيء قليل جدا وأنه من الكبائر
(طب) عن ابن مسعود رمز المصنف لحسنه
(2/4)
1184 - (أعظم) لفظ رواية الشيخين فيما وقفت
عليه إن أعظم (الناس أجرا) أي ثوابا وهو نصب على التمييز
(في الصلاة أبعده) بالرفع خبر أعظم الناس (إليها ممشى)
بفتح فسكون تمييز أي أبعدهم مسافة إلى المسجد لكثرة الخطا
فيه المتضمنة للمشقة (فأبعدهم) أي أبعدهم ثم أبعدهم فالفاء
هنا بمعنى ثم وأما قول الكرماني للاستمرار كلأمثل فالأمثل
فمنعه العيني بأنه لم يذكر أحد من النحات أنها تجيء بمعناه
واستثنى من أفضليته بعد الدار عن المسجد الإمام ومن [ص:5]
تعطل القريب لغيبته ولا يعارض هذا الحديث خبر فضل البيت
القريب من المسجد على البعيد كفضل المجاهد على القاعد لأن
هذا راجع لتعيين البقعة والأول للفعل (والذي ينتظر الصلاة
حتى يصليها مع الإمام) ولو في آخر الوقت (أعظم أجرا من
الذي يصليها) في وقت الاختيار وحده أو مع الإمام بغير
انتظار (ثم ينام) فكما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر
فكذا طول الزمن للمشقة (وفائدة) ثم ينام الإشارة إلى
الاستراحة المقابلة للمشقة التي في ضمن الانتظار ذكره جمع
وقال الطيبي في قوله ثم ينام جعل عدم انتظاره نوما فيكون
المنتظر وإن نام يقظان لأنه مراقب للوقت كمرابط منتهز فرصة
المجاهدة وهذا بتضييع تلك الأوقات كالنائم فهو كأجير أدى
ما عليه من العمل ثم مضى لسبيله
(ق) في الصلاة (عن أبي موسى) الأشعري (هـ عن أبي هريرة)
قال أبو موسى أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فذكره
(2/4)
1185 - (أعظم الناس هما) أي حزنا وغما
وعزما وقوة (المؤمن) أي الكامل إذ هو الذي (يهتم بأمر
دنياه) أي بتحصيل ما يقوم بمؤنته ومؤنة ممونه (وبأمر
آخرته) من القيام بالطاعات وتجنب الحرام والشبهات فإن راعى
دنياه أضر بآخرته وإن راعى آخرته أضر بأمر دنياه إذ هما
ضرتان فاهتمامه بأموره الدنيوية بحيث لا يخل بشيء من
المطلوبات الأخروية صعب عسير إلا على من سهله الله عليه
ولا يعارضه الأخبار الواردة بذم الدنيا ولعنها وإن الدراهم
والدنانير مهلكة لأن الكلام هنا في الاهتمام لما لابد منه
في مؤنة نفسه ومن يعوله وذلك محبوب بل واجب فهو في الحقيقة
من أمر الآخرة وإن كان من الدنيا صورة
(هـ عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال في الميزان عن النسائي
وغيره متروك وعن شعبة لأن أزني أحب إلي من أحدث عنه انتهى
ورواه باللفظ المزبور عن أنس أيضا البخاري في الضعفاء وكان
ينبغي للمصنف ذكره للتقوية وبه يصير حسنا لغيره
(2/5)
1186 - (أعظم الناس حقا على المرأة زوجها)
حتى لو كان به قرحة فلحستها ما قامت بحقه ولو أمر أحد أن
يسجد لأحد لأمرت بالسجود له فيجب أن لا تخونه في نفسها
ومالها وأن لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب وأن لا
تخرج إلا بإذنه ولو لجنازة أبويها (وأعظم الناس حقا على
الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى فذكر الرجل وصف طردي (أمه)
فحقها في الآكدية فوق حق الأب لما قاسته من المتاعب
والشدائد في الحمل والولادة والحضانة ولأنها أشفق وأرأف من
الأب فهي بمزيد البر أحق <تنبيه> قال بلال الخواص كنت في
تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فألهمت أنه الخضر فقلت
بحق الحق من أنت قال الخضر قلت ما تقول في مالك بن أنس قال
إمام الأئمة قلت فالشافعي قال من الأوتاد قلت فأحمد قال
صديق قلت فبشر قال لم يخلف بعده مثله قلت بأي وسيلة رأيتك
قال ببرك لأمك وفيه أنه يلزم الرجل عند ضيق النفقة تقديم
أمه على أبيه
(ك عن عائشة) وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا
البزار وغيره
(2/5)
1187 - (أعظم الناس بركة) على زوجها
(أيسرهن) وفي رواية أقلهن (مؤنة) قال العامري: أراد المرأة
التي قنعت بالقليل من الحلال عن الشهوات وزينة الحياة
الدنيا فخفت عنه كلفتها ولم يلتجئ بسببها إلى ما فيه حرمة
أو شبهة فيستريح قلبه وبدنه من التعنت والتكلف فتعظم
البركة لذلك وفي رواية بدله مهورا وفي أخرى صداقا وأقلهن
بركة من هي بضد ذلك وذلك لأنه داع إلى عدم الرفق والله
سبحانه وتعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله قال عروة أول
شؤم المرأة [ص:6] كثرة صداقها وفي خبر للديلمي تياسروا في
الصداق إن الرجل ليعطى المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها
حسيكة <فائدة> روي أن عمر حمد الله ثم قال أن لا تغالوا في
صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد أنه ساق أكثر من شيء
ساقه نبي الله أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال
فعرضت له امرأة فقالت يا أمير المؤمنين كتاب الله أحق أن
يتبع أو قولك قال كتاب الله قالت قال تعالى {وآتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} فقال عمر كل أحد أفقه من عمر
ثم رجع المنبر فقال كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء
فليفعل رجل في ماله ما أحب فرجع عمر عن اجتهاده إلى ما
قامت عليه الحجة
(حم ك) في الصداق (هب) كذا البزار (عن عائشة) قال الحاكم
صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الزين العراقي إسناده
جيد انتهى وقال الهيثمي فيه ابن سخيرة وقال اسمه عيسى بن
ميمون وهو متروك انتهى والمؤلف رمز لصحته فليحرر
(2/5)
1188 - (أعظم آية في القرآن) أي أكثرها
ثوابا كما أشار إليه بعضهم بقوله أراد بالعظم عظم القدر
بالثواب المترتب على قراءتها وإن كان غيرها أطول (آية
الكرسي) (1) لما اشتملت عليه من أسماء الذات والصفات
والأفعال ونفي النقص وإثبات الكمال ووقت به من أدلة
التوحيد على أتم وجه في أحكم نظام وأبدع أسلوب وفضل الذكر
والعلم يتبع المعلوم والمذكور وقد احتوت على الصفات صريحا
وضمنا وكررت فيها الأسماء الشريفة ظاهرة ومضمرة تسع عشرة
مرة ولم يتضمن هذا المجموع آية غيرها وهي خمسون كلمة على
عدد الصلوات المأمور بها أولا في حضرة العرش والكرسي
فكأنها مراقي لروح قاريها إلى ذلك المحل الأسمى الذي يعرج
إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
ولعل هذا سر ما ثبت أنه لا يقرب من قرأها عند النوم شيطان
لأن من كان في حضرة الرحمن عار عن وسوسة الشيطان (وأعدل
آية في القرآن) قوله سبحانه وتعالى: (إن الله يأمر) مستقبل
بمعنى الدوام (العدل) بالتوسط في الاعتقاد كالتوحيد لا
التعطيل والتشريك وفي العمل كالتعبد لا البطالة والترهب
وفي الخلق كالجود لا البخل والتبذير (والإحسان) إلى الخلق
أو المراد الأمر بالعدل في الفعل والإحسان في القول أو هما
الإنصاف والتفضل أو التوحيد والعفو أو العدل استواء السر
والعلانية والإحسان كون البر أحسن. ولابن عبد السلام كتاب
سماه الشجرة رد فيه جميع الأحكام الشرعية إلى هذه الآية
وأجراه في سائر الأبواب الفقهية (وأخوف آية في القرآن)
قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة) أي زنة أصغر نملة أو هباء
قيل كل مئة ذرة تزن حبة (خيرا يره) أي جزاءه أو في كتابه
يسره أو يسوؤه أو عند المعاينة أو يعرف المؤمن عقاب شره
بالبلايا والكافر ثواب خيره بالعطايا التي أوجدها في
الدنيا (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) بشرط عدم الإحباط
والمغفرة قال الصديق رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله
عليه وسلم إني راء يا رسول الله ما عملت من خير وشر قال ما
رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة
وجاء صعصعة بن ناجية جد الفرزدق للنبي صلى الله عليه وسلم
فقرأ هذه الآية فقال حسبي حسبي وهي أحكم آية في القرآن
وتسمى الجامعة الفاذة (وأرجى آية في القرآن: قوله تعالى
(قل يا عبادي) [ص:7] أفهم بالإضافة تخصيص المؤمنين كما هو
عرف التنزيل (الذين أسرفوا) أي جاوزوا الحد (على أنفسهم)
بالانهماك في المعاصي (لا تقنطوا) تيأسوا (من رحمة الله)
مغفرته أولا وتفضله ثانيا (إن الله يغفر الذنوب جميعا)
يسترها بعفوه ولو بلا توبة إذا شاء إلا الشرك. {إن الله لا
يغفر أن يشرك به} وما تقرر من أن الأولى أعدل والثانية
أخوف والثالثة أرجى هو ما في هذا الخبر وأخذ به جمع من
السلف والخلف وذهب آخرون إلى أن الأعدل والأخوف والأرجى
آيات أخر وتمسكوا بموقوفات وآثار أخر وفي الإتقان في أرجى
آية في القرآن بضعة عشر قولا وليس في ذلك ما يقاوم الحديث
المشروح على ضعفه فهو أحسن شيء في هذا الباب ولذلك أثره في
الكتاب وفيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض ومنع منه
الأشعري والباقلاني وجماعة محتجين بأن تفضيل بعضهم على بعض
يقتضي نقص المفضول ولا نقص في كلامه تعالى وأجازه قوم
وقالوا هو راجع إلى أعظم أجر قارئ ذلك وتوسط ابن عبد
السلام وقال كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره {قل
هو الله أحد} أفضل من {تبت} وعليه بنى الغزالي كتابه
المسمى بجواهر القرآن
(الشيرازي) في الألقاب (وابن مردويه) في تفسيريه (والهروي)
في فضائله أي فضائل القرآن كلهم (عن ابن مسعود) مرفوعا رمز
المصنف لضعفه
_________
(1) قال البيضاوي وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل
الإلهية فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الإلهية
متصف بالحياة واجب الوجود لذاته مقوم لغيره إذ القيوم هو
القائم بنفسه المقيم لغيره ولذلك قال عليه الصلاة والسلام
إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله ملكا
يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة
وقال من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من
دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد
ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار
جاره والأبيات حوله
(2/6)
1189 - (أعظم الناس فرية) بالكسر أي كذبا
(اثنان) أحدهما (شاعر يهجو) من الهجو (القبيلة) المسلمة
(بأسرها) أي كلها لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه لأن
القبيلة لا تخلو من عبد صالح فهاجي الكل قد تورط في الكذب
على التحقيق فلذلك قال أعظم فرية (و) الثاني (رجل انتفى من
أبيه) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الولد ولو أنثى وأراد
بالأب من ولادة وإن علا ويظهر أن مثله الأم إذ لا فارق
ويؤخذ منه أن ذلك كبيرة وبه صرحوا أما من هجا واحدا من
قبيلة فإنه ليس أعظم الناس فرية وإن كان مفتريا أيضا إذ
يحرم هجو المسلم ولو تعريضا وكذبا وصدقا أما الكافر فيجوز
هجوه وكذا مسلم مبتدع ومتظاهر بفسقه ذكره أصحابنا ثم إن ما
ذكر من سياق الحديث هو ما رأيته في نسخ الكتاب والذي وقفت
عليه في سنن ابن ماجه اعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجى
القبيلة بأسرها ورجل انتفى من أبيه وزنى أمه أي جعلها
زانية
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتابه الذي صنفه في
(ذم الغضب هـ عن عائشة) وفيه عمرو بن مرة قال في الكاشف
ثقة يرى الإرجاء ورواه عنها أيضا البيهقي في الشعب
والديلمي بل رواه البخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم
يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في
الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح
بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولابن ماجه وسنده حسن
(2/7)
1190 - (أعف الناس قتلة) بكسر القاف (أهل
الإيمان) أي هم أرحم الناس بخلق الله وأشدهم تحريا عن
التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه إجلالا لخالقهم
وامتثالا لما صدر عن صدر النبوة من قوله إذا قتلتم فأحسنوا
القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة بخلاف أهل الكفر وبعض
أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان واكتفوا من
مسماه بلقلقة اللسان وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن
وأبعد القلوب من الله القلب القاسي ومن لا يرحم لا يرحم
والقتلة بالكسر هيئة القتل وهذا تهديد شديد في المثلة
وتشويه الخلق
(د هـ عن ابن مسعود) ورجاله ثقات
(2/7)
1191 - (اعقلها) أي شد ركبة ناقتك مع
ذراعها بحبل (وتوكل) أي اعتمد على الله قاله لمن قال يا
رسول الله أعقل ناقتي وأتوكل أو أطلقها [ص:8] وأتوكل وذلك
لأن عقلها لا ينافي التوكل الذي هو الاعتماد على الله وقطع
النظر عن الأسباب مع تهيئتها وفيه بيان فضل الاحتياط
والأخذ بالحزم
(ت عن أنس) واستغربه ثم حكى عن الفلاس أنه منكر وقال يحيى
القطان حديث منكر وقال غيره فيه المغيرة بن أبي قرة
السدوسي مجهول فهو معلول فعزو المصنف لمخرجه وسكوته عما
عقبه به من القدح في سنده من سوء التصرف لكن قال الزركشي
إنما أنكره القطان من حديث أنس وقد أخرجه ابن حبان في
صحيحه عن عمرو بن أمية الضمري قال قال رجل للنبي صلى الله
عليه وسلم أرسل ناقتي وأتوكل قال اعقلها وتوكل وإسناده
صحيح وقال الزين العراقي رواه ابن خزيمة والطبراني من حديث
عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد بلفظ قيدها وتوكل وبه
يتقوى
(2/7)
1192 - (أعلم الناس) أي أكثرهم علما (من)
أي عالم (يجمع علم الناس إلى علمه) أي يحرص على تعلم ما
عندهم مضافا إلى ماعنده (وكل صاحب علم) نكره لمزيد التعميم
(غرثان) أي جائع بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة فمثلثة يعني
متلهف متعطش منهمك على استفادة ما عند غيره مما ليس عنده
والمراد أنه لشدة حبه في العلم وحلاوته عنده وتلذذه بفهمه
لا يزال طالبا تحصيله لا يشبع ولا يقنع ومن هذا دأبه يصير
من أعلم الناس لشدة تحصيله للفوائد وضبطه للشوارد <تنبيه>
قال الغزالي قال أبو يزيد ليس العالم الذي يحفظ من كتاب
فإذا أنسى ما حفظ صار جاهلا إنما العالم الذي يأخذ علمه من
ربه أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني
وإليه الإشارة بقوله تعالى {وقد آتيناه من لدنا علما} مع
أن كل علم من لدنه لكن بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى
ذلك علما لدنيا بل العلم اللدني الذي ينفتح في سر العالم
من غير سبب مألوف من خارج انتهى
(ع جابر) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس
أعلم فذكره قال الهيثمي: فيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف جدا
(2/8)
1193 - (اعلم أنك) خطاب لكل من يتأتى توجيه
الكلام إليه أو لمعين وهو ثوبان أو المراد العموم وإنما
صدر بالأمر مؤكدا بأن حثا على التشمير إلى الإكثار من
السجود الرافع للدرجات (لا تسجد لله سجدة) أي في صلاة
منفردة كسجدة تلاوة أو شكر (إلا رفع الله لك بها درجة) أي
منزلة عالية المقدار (وحط عنك بها خطيئة) يعني فأكثر من
الصلاة لترفع درجاتك وتمحى عنك سيئاتك قال الجنبد: ليس من
طلب الله يبذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود ولهذا قال
المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يشفع له وأن يكون
معه في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود وأخرج البيهقي عن
أبي الدرداء لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا وضع
وجهي لخالقي في الليل والنهار وظمأ الهواجر ومقاعد أقوام
ينتفون الكلام كما تنتقى الفاكهة
(حم ع طب) عن أبي أمامة رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد
قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح
(2/8)
1194 - (اعلم) بصيغة الأمر أي اعرف قال في
الصحاح علمت الشيء أعلمه علما عرفته فظاهره أن العلم هو
المعرفة لكن فرق بأن المعرفة إدراك الجزيئات والعلم إدراك
الكليات ولذلك لا يقال الله عارف كما يقال عالم (يا أبا
مسعود) لفظ رواية مسلم وأبا داود بحذف حرف النداء (أن
الله) وفي رواية أبا تمام والله إن الله (أقدر عليك منك
على هذا الغلام) الذي تضربه أي أقدر عليك بالعقوبة من
قدرتك على ضربه لكنه يحلم إذا غضب وأنت لا تقدر على الحلم
إذا غضبت
(م) عن أبي مسعود عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما
لي بالسوط فسمعت صوتا خلفي اعلم [ص:9] يا أبا مسعود فالتفت
فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره فقلت يا
رسول هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار
وفي رواية كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي
اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا مني فإذا
هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو يقول اعلم إلى
آخره فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية فسقط السوط
من يدي هيبة له قال النووي رواه مسلم بهذه الروايات
<تنبيه> قد اختلف الناس في حد العلم على أقاويل لا تكاد
تحصى وذلك مشهور ومعروف وهنا ألفاظ تظن أنها مرادفة للعلم
ينبغي بيانها الأول الشعور وهو أول مراتب وصول العلم إلى
القوة العاقلة فهو إدراك من غير تثبت الثاني الإدراك وهو
لغة الوصول واللحاق بالشيء وملاقاته ويسمى وصول العقل إلى
المعقول إدراكا الثالث التصور وهو حصول صورة الشيء في
العقل الرابع الحفظ وهو تأكد ذلك واستحكامه أو يصير بحيث
لو زال لتمكنت القوة من استرجاعه. الخامس التذكر وهو
محاولة القوة لاسترجاع ما زال من المعلومات السادس الذكر
وهو فائدة التذكر السابع الفهم وهو يتعلق بلفظ المخاطب
غالبا. الثامن الفقه وقال الإمام الرازي هو العلم بغرض
المخاطب ولهذا قال تعالى في الكفار {لا يكادون يفقهون
حديثا} أي لا يفقهون الغرض من الخطاب التاسع الدراية وهي
المعرفة التي تحصل بعد رؤية وتقديم مقدمات. العاشر اليقين
وهو أن يعلم الشيء وامتناع خلافه الحادي عشر الذهن وهو قوة
النفس واستعدادها لاكتساب العلوم التي ليست بحاصلة. الثاني
عشر الفكر وهو الانتقال من التصديقات الحاضرة والتصديقات
المحضرة. الثالث عشر الحدس وهو الذي يميز به عمل الفكر وهو
استعداد النفس لوجود المتوسط بين الطرفين المصير للنسبة
المجهولة معلومة لأن كل مجهول لا يعلم إلا بواسطة مقدمتين
معلومتين تنتج المطلوب الرابع عشر الذكاء وهو قوة الحدس
وبلوغه الغاية الخامس عشر الفطنة وهو التنبه للشيء الذي
قصد تعريفه. السادس عشر الكيس وهو استنباط الأنفع والأولى.
السابع عشر الرأي وهو استحضار المقدمات وإجالة الخاطر فيها
وفيما يعارضها وطلب استنتاجها علي الوجه المصيب وهو دلالة
الفكر
(م عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما
فسمعت صوتا خلفي اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكره فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله
فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار
(2/8)
1195 - (اعلم يا بلال) ابن الحارث قال ما
أعلم يا رسول الله قال اعلم (أنه) أي الشأن (من أحيا سنة
من سنتي) أي علمها وعمل بها ونشرها بين الناس وحث على
متابعتها وحذر من مخالفتها والسنة ما شرعه النبي صلى الله
عليه وسلم من الأحكام فقد تكون فرصا كزكاة الفطر وقد تكون
غيره كعيد وجماعة وقال الأشرفي الظاهر يقتضي من سنتي بصيغة
الجمع لكن الرواية بالإفراد وقال الطيبي: هو جنس شائع في
أفراده وأحيا استعير للعمل بها وقوله (قد أميتت بعدي) أي
تركت وهجرت استعارة أخرى وهي كالترشيح للاستعارة الأولى
(كان له من الأجر مثل) أجر (من) أي كل إنسان مؤمن (عمل بها
من غير أن ينقص من أجورهم شيئا) لما كانت الجهة استوجبت
بها المسبب الأجر والجزاء غير التي استوجب بها المباشر لم
ينقص أجره من أجره (ومن ابتدع بدعة ضلالة) قال الأشرفي روي
بالإضافة ويصح نصبه تعتا ومنعوتا وفيه إشارة إلى أن بعض
البدع (1) غير ضلالة (لا يرضاها الله ورسوله) صفة شارحة
لما قبلها (كان عليه مثل آثام من عمل بها) من الناس (لا
ينقص ذلك من أوزار) جمع وزر وهو الإثم (الناس شيئا) قال
البيضاوي: أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية
لثواب ولا لعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب
[ص:10] والعقاب بها ارتباط المسببات بأسبابها وفعل ما له
تأثير في صدوره يوجه
(ت) وكذا ابن ماجه (عن ابن عمرو بن عوف) الأنصاري البدري
حسنه الترمذي ورواه المنذري بأن فيه الكثير بن عبد الله بن
عمرو وهو متروك واه لكن للحديث شواهد كثيرة ترفعه إلى درجة
الحسن
_________
(1) أي في العادات وأما في العبادات فهي ضلالة قطعا للجمع
بين النصوص
(2/9)
1196 - (اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا
مال وارثه أحب إليه من ماله) قال بعض المخاطبين وكيف ذلك
يا رسول الله قال (مالك ما قدمت) أي صرفته في وجوه القرب
فصار أمامك تجازى عليه بعد موتك في الآخرة (ومال وارثك ما
أخرت) أي ما خلفته بعدك فالذي تخلفه بعدك إنما هو لوارثك
لهذا قال بعض العارفين قدموا بعضا ليكون لكم ولا تخلفوا
كلا ليكون عليكم. قال الماوردي: وروي عن عائشة قالت ذبحنا
شاة فتصدقنا بها فقلت يا رسول الله ما بقي منها إلا كتفها
قال كلها بقي إلا كتفها فالحازم من عمد إلى ما زاد عن
كفايته فيرى انتهاز الفرصة فيها فيضعها بحيث تكون له ذخرا
معدا وغما مستجدا ومن يدخر المال لولده ونحوه من ورثته
إشفاقا عليه من كد الطلب وسوء المنقلب استحق الذم واللوم
من وجوه منها سوء الظن بخالقه في أنه لا يرزقهم إلا من
جهته والثقة ببقاء ذلك على ولده مع غدر الزمان ومحنه ومنها
ما حرم من منافع ماله وسلب من وفور حاله وقد قيل إنما مالك
لك أو لوارثك أو للجانحة فلا تكن أشقى الثلاثة ومنها ما
لحقه من شقاء حمقه وناله من عناء كده حتى صار ساعيا محروما
وجاهدا مذموما ومن ثم قالوا رب مغبوط بمسرة هي داؤه ومحزون
من سقم هو شفاؤه ومنها ما يؤخذ به من وزره وآثامه ويحاسب
عليه من شقائه وإجرامه وكما حكي أن هشام بن عبد الملك لما
ثقل بكى عليه ولده فقال جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له
بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب فعلم من هذا
التقرير أن الحديث مسوق لذم من قتر على نفسه وعياله وشح
بالمال أن ينفق منه في وجوه القرب وادخره لورثته. أما من
وسع على عياله وتصدق قصدا بالمعروف ثم فضل بعد ذلك شيء
فادخره لعياله فلا يدخل في الذنب بدليل خبر لأن تترك ورثتك
أغنياء خير إلخ وقضيته أن من مات وخلف دينا لوارثه فلم
يقبضه ثم مات الكل كان المطالب به في الآخرة الوارث لكن
صرح أئمتنا بأن المطالب فيها صاحب الحق أولا
(ن عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله اعلموا إلخ وهو في
الصحيحين بنحوه
(2/10)
1197 - (أعلنوا النكاح) أي أظهروه إظهارا
وفرقا بينه وبين غيره من المآدب وهذا نهي عن نكاح السر وقد
اختلف في كيفيته فقال الشافعي: كل نكاح حضره رجلان عدلان
وقال أبو حنيفة: رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر
وإن تواصوا بكتمانه وذهبوا إلى أن الإعلان المأمور به هو
الإشهاد وقال المالكية نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على
كتمانه وهو باطل فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الإشهاد
والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد بالإعلان إذاعته وإشاعته
بين الناس وإن الأمر للندب وأخذ منه ابن قتيبة وغيره أنه
لا بأس بإظهار الملاعب في المآدب وساق سنده عن الخبر أنه
لما ختن بنيه أرسل عكرمة ودعا الملاعبين وأعطاهم دراهم
(حم حب طب حل ك) من حديث عامر بن عبد الله (عن) عبد الله
(بن الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة (ابن العوام) بفتح
المهملة وشد الواو الصحابي ابن الصحابي أمير المؤمنين أول
مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة وأول شيء دخل
جوفه ريق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان أطلس لا لحية له
وكان صواما قواما عظيم المجاهدة بويع بالخلافة بمكة فحصره
الحجاج وقتل مظلوما ورواه عنه هكذا البيهقي وقال تفرد به
عامر هذا انتهى قال الذهبي: ولم يضعف ولا هو من رجال الكتب
الستة. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ومن ثم رمز المصنف
لصحته
(2/10)
[ص:11] 1198 - (أعلنوا هذا النكاح) أشيعوا
عقده وأذيعوه ندبا ولا تكتموه وليس المراد هنا الوطء بدليل
تعقيبه بقوله (واجعلوه في المساجد) مبالغة في إظهاره
واشتهاره فإنه أعظم محافل أهل الخير والفضل (واضربوا عليه
بالدفوف) جمع دف بالضم ويفتح ما يضرب به لحادث سرور (فإن
قلت) المسجد يصان عن ضرب الدفوف فيه فكيف أمر به (قلت) ليس
المراد أنه يضرب به فيه بل خارجه والمأمور بجعله فيه مجرد
العقد فحسب وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل
حادث سرور ومذهب الشافعية أن الضرب به مباح مطلقا ولو
بجلاجل وقد وقع الضرب به بحضرة شارع الملة ومبين الحل من
الحرمة وأقره قال ابن حجر: واستدل بقوله واضربوا على أن
ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها
الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن
التشبه بهن انتهى وما ذكره تقدمه إليه الحليمي فخص حله
بالنساء وقد أطال السبكي في رده فلا فرق بين ضربه من امرأة
أو رجل على الأصح الذي اقتضاه قول الحديث اضربوا
(ت) في النكاح من حديث عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة)
قال أعني الترمذي وعيسى هذا ضعيف انتهى وجزم البيهقي بصحته
وقال ابن الجوزي ضعيف جدا وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف
وقال الديلمي في تخريج أحاديث الهداية ضعيف لكن توبع ابن
ماجه
(2/11)
1199 - (أعمار أمتي) أمة الدعوة لا أمة
الإجابة كما هو بين ولكل مقام مقال (ما بين الستين) من
السنين (إلى السبعين) أي ما بين الستين والسبعين وإنما عبر
بإلى التي للانتهاء ولم يقل والسبعين الذي هي حق التعبير
ليبين أنها لا تدخل إلا على متعدد لأن التقدير ما بين
الستين وفوقها إلى السبعين فإلى غاية الفوقية لدلالة
الكلام عليه وقال بعضهم معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا
بلغ ستين وانتهاؤه سبعين (وأقلهم من يجوز ذلك) قال الطيبي:
هذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال فإن منهم من لم
يبلغ ستين وهذا من رحمة الله بهذه الأمة ورفقه بهم أخرهم
في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا ثم قصر
أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا فإن القرون
السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك كان
أحدهم يعمر ألف سنة وطوله ثمانون ذراعا وأكثر وأقل وحبة
القمح ككلوة البقرة والرمانة يحملها عشرة فكانوا يتناولون
الدنيا بمثل تلك الأجساد وفي تلك الأعمار فبطروا واستكبروا
وأعرضوا عن الله {فصب عليهم ربك سوط عذاب} فلم يزل الخلق
ينقصون خلقا ورزقا وأجلا إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم
يأخذون أرزاقا قليلة بأبدان ضعيفة في مدة قصيرة كيلا
يبطروا فذلك رحمة بهم قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن
الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر
الأسنان وغالب ما تكون بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر
بالنقص ضعف القوة والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة
لاستحالة رجوعه للحالة الأولى من القوة والنشاط
(ت) عن أبي هريرة وقال حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه
قال ابن حجر وهو عجيب منه فقد رواه في الزهد أيضا من طريق
أخرى عن أبي هريرة وإليه أشار المصنف بقوله (ع عن أنس) قال
وفيه عنده عبد الأعلى شيخ هشيم. وبقية رجاله رجال الصحيح
ورواه ابن حبان والحاكم بسند الترمذي الأول ومتنه وقال في
الفتح سنده حسن
(2/11)
1200 - (اعمل لوجه واحد يكفيك) من الكفاية
والفاعل المعمول له المدلول عليه بالفعل (الوجوه كلها) أي
اعمل لله تعالى وحده خالصا لوجهه يكفيك جميع مهماتك في
حياتك وبعد مماتك قال الغزالي اعمل لأجل من إذا عملت لأجله
ووحدته بقصدك وطلبت رضاه بعملك أحبك وأكرمك وأغناك عن الكل
ولا تشرك بعبادته عبدا حقيرا مهينا [ص:12] لا يغني عنك شيء
(عد فر عن أنس) وفيه أبو عبد الرحمن السلمي سبق أنه وضاع
للصوفية ومحمد بن أحمد بن هارون قال الذهبي في الضعفاء
متهم بالوضع ونافع بن هرمز أبو هرمز قال في الميزان كذبه
ابن معين وتركه أبو حاتم وضعفه أحمد انتهى وبه يعرف أن
سنده هلهل بالمرة فكان ينبغي للمصنف حذفه
(2/11)
1201 - (اعمل عمل من) وفي نسخة امرىء (يظن
أن لا يموت أبدا واحذر حذر امرىء يخشى أن يموت غدا) أي
قريبا جدا ولم يرد حقيقة الغد والمراد تقديم أمر الآخرة
وأعمالها حذر الموت بالفوت على عمل الدنيا وتأخير أمر
الدنيا كراهة الاشتغال بها على عمل الآخرة وأما ما فهمه
البعض أن المراد اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك
كأنك تموت غدا ويكون المراد الحث على عمارة الدنيا لينتفع
من يجيء بعد والحث على عمل الآخرة فغير مرضي لأن الغالب
على أوامر الشارع ونواهيه الندب إلى الزهد في الدنيا
والتقليل من متعلقاتها والوعيد على البناء وغيره وإنما
مراده أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قل حرصه وعلم أن
ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه
فإنه إن فاتني اليوم أدركته غدا فإني أعيش أبدا فقال النبي
اعمل بعمل من يظن أنه يخلد فلا يحرص على العمل فيكون حثا
على التقليل بطريق أنيق ولفظ رشيق ويكون أمره بعمل الآخرة
على ظاهره فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزهد والتقلل
لكن بلفظين مختلفين أفاده بعض المحققين لكن يعضد الأول خبر
إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها وفيه تنبيه
على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزال عن ذهنه أن
عليه من الله عينا كالئة ورقيبا مهيمنا وأجلا قريبا حتى
يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاما وأوفر
تحفظا منه مع الملأ
(هق عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه الديلمي أيضا ورمز
لضعفه وذلك لأن فيه مجهولا وضعفا
(2/12)
1202 - (اعملوا) بظاهر ما أمرتم ولا تتكلوا
على ما كتب لكم من خير وشر (فكل) أي كل من خلق (ميسر) أي
مهيئ ومصروف (لما خلق له) أي لأمر خلق ذلك المرء له فلا
يقدر البتة على عمل غيره فذو السعادة ميسر لعمل أهلها بحكم
القدر الجاري عليه وإذا غلبت مادة الحكم واستحكمت في إنسان
فإنما تيسر له عمل الخبث فكان مظهرا للأفعال الخبيثة التي
هي عنوان الشقاء وحكم عكسه عكس حكمه
<تنبيه> قال الغزالي بين بهذا الخبر أن الخلق مجاري قدر
الله ومحل أفعاله وإن كانوا هم أيضا من أفعاله لكن بعض
أفعاله محل لبعض وقوله اعملوا وإن جرى على لسان الرسول فهو
فعل من أفعاله تعالى وهو سبب لعلم الخلق بأن العلم نافع
وعلمهم من أفعال الله وهو سبب لحركة الأعضاء وهي أيضا من
أفعاله تعالى لكن بعض أفعاله مسبب للبعض أي الأول شرط
للثاني كخلق الحياة شرط لخلق العلم والعلم للإرادة بمعنى
أو لا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ولا للإرادة إلا ذو
علم فيكون بعض أفعاله سببا للبعض لا موجبا لغيره وهذا
القول من الله سبب لوجود الاعتقاد والاعتقاد سبب للخوف
والخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وهو سبب
الوصول إلى جوار الرحمن وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق
له في الأزل السعادة يسر له الأسباب التي تقوده بسلاسلها
إلى الجنة ومن لا يبعد عن سماع كلام الله ورسوله والعلماء
فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم
يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يتركه صار من حزب الشيطان
{وإن جهنم لموعدهم أجمعين}
(طب عن ابن عباس وعن عمران بن حصين) قال قال رجل يا رسول
الله أنعمل فيما جرت به المقادير وجفت به القلم أو شيء
نستأنفه قال بل بما جرت به المقادير وجف به القلم قال ففيم
العمل قال اعملوا إلخ قال الهيثمي رجاله تقات انتهى ومن ثم
رمز المصنف لصحته وظاهر [ص:13] عدوله للطبراني واقتصاره
عليه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من السنة والأمر بخلافه فقد
رواه الشيخان من حديث علي قال كنا في جنازة في بقيع الفرقد
فأتانا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه
مخصرة فنكث وجعل ينكث بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد إلا
وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا يا رسول
الله أفلا نتكل على كتابنا فقال اعملوا كل ميسر لما خلق له
قال الطيبي: قوله مقعده أي محل قعوده وكنى عن كونه من أهل
الجنة أو النار باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما لا
يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن الاستغراقية
يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار ومقعد من الجنة وإن
ورد في حديث آخر هذا المعنى لأن التفصيل الآتي يأبى حمله
على ذلك فيجب أن تكون الواو بمعنى أو قال: وقوله أفلا نتكل
أي أفلا نعتمد على ما كتب لنا في الأزل ونترك العمل يعني
إذا سبق القضاء لكل واحد منا بجنة أو نار فأي فائدة في
السعي فإنه لا يرد القضاء والقدر فأجاب بقوله اعملوا وهو
من أسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال والترك وأمرهم بامتثال
ما يجب على العبد من امتثال أمر ربه وعبوديته عاجلا وتفويض
الأمر إليه آجلا يعني أنتم عبيد ولابد لكم من العبودية بما
أمرتم وإياكم والتصرف في الأمور الإلهية لآية {وما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون} فلا تجعلوا العبادة وتركها سببا
مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي أمارات وعلامات ولا بد في
الإيجاب من لطف الله أو خذلانه
(2/12)
1203 - (اعملوا فكل ميسر لما يهدى) يرشد
(له من القول) الذي اقتضاه الله تعالى وقدره في الأزل وهو
قوله تعالى {فريق في الجنة وفريق في السعير} فالعمل بحسب
ما سبق في الأزل من التقدير كما دل عليه خبر القبضتين وقد
سبق أن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد والخذلان ضده
ولله كلية الخلق هدى وإضلالا وإظهارا لكلمته الجامعة
الشاملة لمتقابلات الازدواج التي منتهاها قسمة إلى الدارين
دار نور رحمني من اسمه العزيز الحليم ودار نار انتقامي من
اسمه الجبار المنتقم {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون}
(طب عن عمران بن حصين) رمز المصنف لضعفه
(2/13)
1204 - (اعملي) يا أم سلمة (ولا تتكلي) أي
تتركي العمل وتعتمدي على ما في الذكر أو اعملي ولا تعتمدي
على العمل فقد لا يقبل أو اعملي صالحا بجد واجتهاد لله
وحده خالصا من شوب رياء أو إشراك فإنك لا تحتاجين مع ذلك
إلى شفاعتي بدليل تعليله بقوله (فإن شفاعتي للهالكين من
أمتي) أي أهل الكبائر المصرين عليها المفرطين في الأعمال
من أمة الإجابة وفي رواية للاهين من أمتي قالوا حقيقة
الإنسان لا تقتضي لذاتها سعادة ولا ضدها بل هي بأمور
خارجية باقتضاء الحكمة الربانية فتلك الأمور معروضاتها
حاصلة في القضاء إجمالا فما يقع من الأفراد تفصيل لذلك
خيرا كان أو شرا ولا يمكن مخالفة التفصيل للإجمال (تتمة)
قال في الحكم إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رهونات
النفوس لا تتطلب منه أن يخرجك من حالة يستعملك فيما سواها
فلو أرادك لاستعملك من غير إخراج ما أرادت همة سالك أن تقف
إلا ودناتها هواتف الحقيقة الذي تطلبه أمامك
(عد) وكذا الطبراني (عن أم سلمة) واسمها هند أورده ابن عدي
في ترجمة عمرو بن مخرم وقال له بواطيل منها هذا الخبر
أخرجه الطبراني من هذا الوجه بهذا اللفظ فقال الهيثمي فيه
عمرو بن المخرم وهو ضعيف وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث
لابن عدي وحذفه ما عقب به من بيان حاله من سوء التصرف
وبتأمل ما تقرر يعرف أن من جعل حديث الطبراني شاهدا لحديث
لابن عدي فقد أخطأ لأن الطريق واحد والمتن واحد
(2/13)
1205 - (أعينوا) ندبا (أولادكم على البر)
على بركم بالإحسان وعدم التضييق عليهم والتسوية بينهم في
العطية (من [ص:14] شاء استخرج العقوق من ولده) أي نفاه عنه
بأن يفعل معه من معاملته باللطف والانصاف والإكرام ما يوجب
عوده للطاعة ومن استعطافه بالإنعام ما يحمله على عدم
المخالفة
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم انتهى
(2/13)
1206 - (أغبط) لفظ رواية الترمذي إن أغبط
(الناس) اسم تفضيل مبني للمفعول من غبط أي أحقهم (عندي)
بأن يغبط أي يتمنى مثل حاله ونص على العندية تأكيدا
لاستحسان ذلك وجزما بأغبطية من هذا حاله (مؤمن) لفظ رواية
الترمذي لمؤمن بزيادة اللام أي موصوف بأنه (خفيف الحاذ)
بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي خفيف الظهر من العيال
والمال بأن يكون قليلهما والغبطة تمني أن يكون لك مثل ماله
ويدوم عليه ما هو فيه. قال الزركشي في اللآلىء: وأصل الحاذ
طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من متن الفرس ضرب به
المصطفى صلى الله عليه وسلم المثل لقلة ماله وعياله انتهى
(ذو حظ من صلاة) أي ذو نصيب وافر منها من مزيد النوافل
والتجهد (وكان رزقه كفافا) أي كافا عن الحاجة يعني بقدر
حاجته لا ينقص ولا يزيد بل يكفيه على وجه التقنع والتقشف
لا التبسط والتوسع كما يفيده قوله (فصبر عليه) أي حبس نفسه
على الفناعة به غير ناظر إلى توسع أبناء الدنيا في المطاعم
والملابس ونحوها (حتى يلقى الله) أي إلى أن يموت فيلقاه
(وأحسن عبادة ربه) بأن أتى بها بكمال الواجبات والمندوبات
ونص على الصلاة مع دخولها فيها اهتماما بها لكونها أفضلها
وخص الرب إشارة إلى أنه إذا أحسنها أحسن إليه بالقبول
والتربية. ألا ترى إلى قوله في الحديث الآتي إن الله يقبل
الصدقة ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره حتى أن
اللقمة لتصير مثل أحدا (وكان غامضا) بغين وضاد معجمتين أي
خاملا لا يعرفه كل أحد وروي بصاد مهملة وهو فاعل بمعنى
مفعول أي محتقرا (في أعين الناس عجلت منيته) أي كان قبض
روحه سهلا لأن من كثر ماله وعياله شق عليه الموت لالتفاته
إلى ما خلف وطموحه إلى طيب العيش ولذة الدنيا والمنية
الموت وسمي منية لأنه مقدر بوقت مخصوص (وقل ترابه) بمثناة
فوقية مضمومة مبدلة من أو ثم مثلثة أي ميراثه (وقلت) وفي
رواية فقلت (بواكيه) لقلة عياله وهوانه عليهم وهو جمع
باكية ومنه حديث " اللهم غبطا لا هبطا " أي أسألك منزلة
أغبط عليها لا ما يهبطني فمن قلت بواكيه وشكرت مساعيه
وأنطق الله الألسنة بالثناء فيه فخليق بأن يغبط وإنما كان
قليل العيال والمال أغبط من غيره لأن الأولاد من أعدى
أعداء الإنسان وكثرة المال تحمله على الطغيان فإن فرض عدمه
فذلك ضار له بطول وقوفه للحساب عليه حتى يسبقه الفقير إلى
الجنة بخمس مئة عام وإن فرض وجود عيال تحمل الرجل على فعل
ممنوع شرعا وقد كفاه غيره مؤنتهم لكن ما يعرض من حادث سرور
أو شرور يشغله الالتفات له عن التفرغ لعبادة ربه وفيه حث
على الخفاء وعدم الشهرة قال في الحكم ادفن وجودك في أرض
الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه وقيل لأعرابي من
أنعم الناس عيشا قال أنا؟ قيل فما بال الخليفة فقال:
وما العيش إلا في الخمول مع الغنى. . . وعافية تغدو بها
وتروح
والخمول واجب في ابتداء السلوك عند الصوفية محبوب في غيره
وتختلف باختلاف المقامات فخمول المريد عزلته عن الناس
وخروجه عن أوصافه النفسانية بحيث لم يبق له ملكا ولا سلكا
ولا علما ولا عملا ولا جاها ولا وجهة ولا قولا ولا فعلا
وعلى أساس هذا الخمول تبنى قلعة التحصن من جند عدو النفس
الشيطانية وخمول السالك إخفاء أفعاله الحسنة المتقرب بها
إلى الحق فإظهار ما يناقضها حرصا على الرقي والخلاص إلى
مقام الصدق بالإخلاص وهذا التستر محمود عند ذوي الحقيقة
معظم بين أهل الطريقة حتى قالوا الخمول نعمة وكل الناس
تأباه والظهور نقمة وكل الناس [ص:15] تتمناه والظهور يقطع
الظهور وفيه حجة لمن فضل الفقير على الغني
(حم ت) في الزهد (ك هب) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) قال
الزركشي في اللآلىء بعد عزوه للترمذي: إسناده ضعيف وقال
الصدر المناوي فيه على بن زيد وهو ضعيف
(2/14)
1207 - (أغبوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة
وضم الموحدة المشددة (في العيادة) بمثناة تحتية أي في
عيادة المريض قال الزمخشري: الإغباب أن تعوده يوما وتتركه
يوما أي فلا تلازموا المريض كل يوم لما يجد من الثقل ومنه
خير زر غبا تزدد حبا (وأربعوا) هو بقطع الهمزة مفتوحة
وسكون المهملة وكسر الموحدة أي دعوه يومين بعد يوم الزيارة
وعودوه في الرابع أصله من الربع في أوراد الإبل وهو أن ترد
يوما وتترك يومين لا تسقى ثم تورد في الرابع هذا إذا كان
صحيح العقل وإلا فلا يعاد وفي غير متعهده ومن يأنس به أو
يشق عليه انقطاعه أما هو فيلازمه لفقد العلة وهي الثقل
وفيه أنه تسن العيادة وكونها غبا أو ربعا بلا إطالة إن كان
المريض مسلما وكذا ذمي لقرابة أو جوار ورجاء إسلام وإلا
جازت ويحصل أصل سنة العيادة بمرة ولأكمل في كل ثالث أو
رابع وما ذكر في سياق الخبر هو ما في نسخ الكتاب لكن رواه
البيهقي في الشعب وغيره من حديث جابر أيضا بلفظ أغبوا في
العيادة وأربعوا العيادة وخير العيادة أخفها إلا أن يكون
مغلوبا فلا يعاد والتعزية مرة انتهى بنصه
(ع) وكذا ابن أبي الدنيا والخطيب (عن جابر) قال الحافظ
العراقي إسناده ضعيف
(2/15)
1208 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (ولو)
كان الماء (كأسا) أي ملء كأس منه يباع (بدينار) يعني
حافظوا على الغسل يومها ولو عز الماء فلم يمكن تحصيله
للاغتسال إلا بثمن غال جدا لكون ملء كل كأس منه إنما يباع
بدينار لأن ذلك يكفر ما بين الجمعتين ومن أبدل كأسا بكانت
فقد صحف كما بينه عبد الحق وجعل في رواية الدرهم مكان
الدينار قال الطيبي: وهذه الواو للمبالغة وقال أبو حيان:
لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها الحال المتقدم تقديره
اغتسلوا على كل حال وفيه ندب الغسل للجمعة فيكره تركه
ووقته من الفجر عند الشافعية وتقريبه من ذهابه أفضل
(عد) عن إبراهيم بن مرزوق عن حفص بن عمر بن إسماعيل الأبلي
عن عبد الله بن المثنى عن عميه النضر وموسى عن أبيهما (عن
أنس) ثم قال مخرجه ابن عدي أحاديث حفص عن أنس كلها إما
منكرة المتن أو السند وهو إلى الضعيف أقرب وفي الميزان عن
أبي هاشم كان كذابا ثم ساق له أحاديث هذا منها ومثله في
اللسان (عن أبي هريرة) لكن (موقوفا) على أنس وهو شاهد
للأول وبه رد المصنف على ابن الجوزي جعله الحديث موضوعا
(2/15)
1209 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (فإنه)
أي الشأن (من اغتسل يوم الجمعة) أي ولو مع نحو جنابة (فله
كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة) أي من الساعة التي صلى
فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى وهذا يحتمل كونه
جزاء الشرط وكونه دعاء (وزيادة) على ذلك (ثلاثة أيام) من
التي بعدها هكذا جاء به مصرحا في رواية وذلك لتكون الحسنة
بعشر أمثالها قال بعض الكاملين وفيه مناقشة لأن ظاهر حال
المسلم الصحيح المقيم حضوره إلى الجمعة فلم يفضل له ثلاثة
أيام لاستغراق الجمعة إذ ذاك إلا إذا حصل الفضل من أيام
نحو سفر أو مرض انتهى وجاء في رواية لمسلم وابن ماجه زيادة
ما لم تغش الكبائر قالوا: دل التقيد بعدم غشيانها على أن
الذي يكفر هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا القيد
وذلك لأن معنى ما لم تغش الكبائر أي فإنها إذ غشيت لا تكفر
وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه [ص:16] اجتناب الكبائر
إذ اجتنابها بمجرده يكفر الصغائر كما نطق به القرآن ولا
يلزم منه أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر ومن لا صغائر له
يرجى أن يكفر عنه بقدر ذلك من الكبائر وإلا أعطي من الثواب
بقدره وهو جار في جميع نظائره
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه سويد بن عبد العزيز
ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما
(2/15)
1210 - (اغتنم خمسا قبل خمس) أي افعل خمسة
أشياء قبل حصول خمسة أشياء (حياتك قبل موتك) يعني اغتنم ما
تلقى نفعه بعد موتك فإن من مات انقطع عمله وفاته أمله وحق
ندمه وتوالى همه فاقترض منك لك (وصحتك قبل سقمك) أي اغتنم
العمل حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد
(وفراغك قبل شغلك) أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك
بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة
الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان (وشبابك قبل هرمك) أي
اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على
ما فرطت في جنب الله (وغناك قبل فقرك) أي اغتنم التصدق
بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا
والآخرة فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها ولهذا
جاء في خبر سيجيء نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة
والفراغ <تنبيه> قال حجة الإسلام الدنيا منزل من منازل
السائرين إلى الله تعالى والبدن مركب ومن ذهل عن تدبير
المنزل والمركب لم يتم سفره وما لم ينتظم أمر المعاش في
الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع إلى الله الذي هو
السلوك
(ك) في الرقاق (هب) عن ابن عباس قال الحاكم في مستدركه على
شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص واغتر به المصنف فرمز
لصحته وهو عجيب ففيه جعفر بن برقان أورده الذهبي نفسه في
الضعفاء والمتروكين وقال قال أحمد يخطئ في حديث الزهري
وقال ابن خزيمة لا يحتج به. (حم في الزهد) قال الزين
العراقي إسناد حسن (حل هب عن عمرو بن ميمون) ابن مهران
الجوزي سبط سعيد بن جبير تابعي ثقة فاضل (مرسلا) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه اغتنم إلى
آخره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا
لما عدل عنه لقول مغلطاي وغيره لا يجوز لحديثي عزو حديث في
أحدها لغيره إلا لزيادة فائدة فيه أو بيان مافيه وليس كذلك
فقد خرجه النسائي في المواعظ عن عمرو هذا باللفظ المزبور
(2/16)
1211 - (اغتنموا الدعاء) أي اجتهدوا في
تحصيله وفوزوا به فإنه غنيمة (عند الرقة) بكسر الراء وشدة
القاف أي عند لين القلب وخشوعه وقشعرير البدن بمشاهدة عظمة
الله أو خوفا من عذابه أو حبا من كرمه أو غير ذلك مما يحدث
الرقة وهو ضد القسوة التي هي علامة البعد عن الرب {فويل
للقاسية قلوبهم} (فإنها رحمة) أي فإن تلك الحالة ساعة رحمة
فإذا دعى العبد فيها كان أرجى للإجابة والدعاء عند الرقة
يصدر عن القلب حالة رغبة ورهبة فتسرع الإجابة قال تعالى
{يدعوننا رغبا ورهبا} أي عن قلب راغب راهب خاشع {وكانوا
لنا خاشعين}
(فر) وكذا القضاعي (عن أبي) بن كعب وفيه عمر بن أحمد أبو
حفص ابن شاهين قال الذهبي قال الدارقطني: يخطىء وهو ثقة
وشبابة بن سوار قال في الكاشف مرجيء صدوق وقال أبو حاتم لا
يحتج به
(2/16)
1212 - (اغتنموا دعوة المؤمن المبتلى) أي
في نفسه أو أهله أو ماله فإن دعاءه أقرب للقبول وأرجى
للإجابة لكسر قلبه وقربه [ص:17] من ربه لأنه تعالى إذا أحب
عبدا ابتلاه وفي ضمنه حث على التصدق عليه والإحسان إليه
فإنه سبب إلى دعائه والكلام في غير المبتلى العاصي ببلائه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب الثواب (عن أبي الدرداء)
وفيه الحسين بن الفرج قال الذهبي قال ابن معين كذاب يسرق
الحديث وفرات بن سليم ضعيف جدا
(2/16)
1213 - (اغد) أي اذهب وتوجه والمراد كن
(عالما) معلما للعلم الشرعي واحرص على نشر العلم ونفع
الناس به وبقولي كن يعلم أنه ليس المراد حقيقة الذهاب كما
وهم (أو متعلما) للعلم الشرعي ولو بأن ترحل لمن يعلمه وإن
بعد محله وجوبا للواجب وندبا للمندوب فقد رحل الكليم عليه
السلام للخضر لمزيد علم لا يجب لأنه كتب {له في الألواح من
كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء} (أو مستمعا) له (أو محبا)
لواحد من هؤلاء (ولا تكن الخامسة فتهلك) قال عطاء وقال لي
مسعر زدتنا خامسة لم تكن عندنا والخامسة أن تبغض العلم
وأهله فتكون من الهالكين وقال ابن عبد الله البر: هي
معاداة العلماء أو بغضهم ومن لم يحبهم فقد أبغضهم أو قارب
وفيه الهلاك وقال الماوردي: من اعتقد أن العلم شين وأن
تركه زين وإن للجهل إقبالا مجديا وللعلم إدبارا مكديا كان
ضلاله مستحكما ورشاده مستبعدا وكان هو الخامس الهالك ومن
هذا حاله فليس له في العدل نفع ولا في الاستصلاح مطعم ومن
ثم قيل لبزرجمهر ما لكم لا تعاقبون الجهال قال إنا لا نكلف
العمي أن يبصروا ولا الصم أن يسمعوا إلى هنا كلامه وقد وقع
لنا هذا الحديث عاليا أخبرنا الشيخ الوالد تاج العارفين عن
الشيخ الصالح معاذ عن قاضي القضاة شيخ الإسلام يحيى
المناوي عن الحافظ الكبير شيخ الإسلام ولي الدين العراقي
عن أبي الفرج عبد الرحمن أحمد القربي عن علي بن إسماعيل بن
قريش عن إسماعيل بن غزوان عن فاطمة بنت سعد الخير عن أبي
القاسم الطبراني عن محمد بن الحسين الأنماطي عن عبد الله
بن جناد الحلبي عن عطاء بن مسلم عن خالد الحذاء عن عبد
الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه يرفعه وفيه بيان شرف العلم
وفضل أهله والحث على تعلمه وتعليمه
(والبزار) في مسنده (طس عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون
الكاف وبفتحها أيضا نفيع بضم النون وفتح الفاء وظاهر تخصيص
الأوسط بالعزو أن الطبراني لم يخرجه إلا فيه والأمر بخلافه
بل خرجه في معاجيمه الثلاثة قال الهيثمي ورجاله موثقون
وتبعه السمهودي وهو غير مسلم فقد قال الحافظ أبو زرعة
العراقي في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمس مئة من
إملائه هذا حديث فيه ضعف ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب
الستة وعطاء بن مسلم وهو الخفاف مختلف فيه وقال أبو عبيد
عن أبي داود إنه ضعيف وقال غيره ليس بشيء
(2/17)
1214 - (اغدوا) اذهبوا وقت الغداة وهي أول
النهار فليس معنى الغدو هنا معناه فيما قبله كما ظن (في
طلب العلم) أي في طلب تحصيله بكرة النهار أي أوله (فإني
سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها) أي فيما تفعله في أول
النهار أي سألته فأعطاني ذلك وفي القاموس الغدوة بالضم
البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس (ويجعل) ربي
(ذلك) أي حصول البركة (يوم الخميس) أي يجعل مزيد البركة في
البكور في يوم الخميس فالبكور مبارك وهو يوم الخميس أكثر
بركة وفيه أنه يندب أن يكون الجلوس لتعلم العلم أول النهار
وأنه يندب الشروع في يوم تعلمه الخميس أو الإثنين خلاف ما
عليه العرف العام الآن بيوم الأحد لكونه أول الأسبوع أو
الأربعاء لكونه يوم النور وكان بعض من جمع بين العلم
والولاية يوصي بالتأليف والقراءة يوم الإثنين والخميس
والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ومعناه [ص:18] هنا
حصول الفهم وسهولة التحصيل ومصير ما يتعلم في أول النهار
سيما يوم الخميس نافعا
(طس عن عائشة) قال الهيثمي فيه أيوب بن سويد وهو يسرق
الحديث
(2/17)
1215 - (اغدوا في طلب العلم فإن الغدو بركة
ونجاح) قال حجة الإسلام المراد بالعلم في هذه الأخبار كلها
العلم النافع المعروف للصانع والدال على طريق الآخرة فهو
الذي نفعه عظيم وأجره عميم أوحى الله إلى داود تعلم العلم
النافع قال ما العلم النافع قال أن تعرف جلالي وعظمتي
وكبريائي وكمال قدرتي على كل شيء فهذا الذي يقربك إلي وقال
علي كرم الله وجهه ما يسرني لو مت طفلا وأدخلت الجنة ولم
أكبر فأعرف ربي فإن أعلم الناس بالله أشدهم خشية وأكثرهم
عبادة وأحسنهم في الله نصيحة فمن طلب العلم ليصرف به
الوجوه إليه ويجالس به الأمراء ويباهي النظراء ويتصيد
الحطام فتجارته بائرة وصفقته خاسرة
(خط عن عائشة) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال ففيه ضعفا
(2/18)
1216 - (اغزوا) أمر من الغزو وهو الجهاد
(قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون التحتية
مدينة عظيمة مشهورة خرج منها جماعة من العلماء في كل فن
(فإنه) أي الغزو أو ذلك البعد المسمى بهذا الاسم (من أعلا
أبواب الجنة) قال الرافعي يجوز رد الكناية إلى الغزو ويجوز
ردها إلى قزوين والتذكير على تقدير الصرف إلى البلد
والموضع بمعنى أن تلك البقعة مباركة مقدسة وأنها تصير في
الآخرة من أشرف بقاع الجنة فلا يليق أن يكون مسكنا للكفار
وأما علة جعل الضمير للغزو فالمراد أن غزو أهل ذلك البلد
فاضل جدا يربو على فضل غزو غيرها من البلدان بحيث يوصل إلى
استحقاق الدخول من أعلا أبواب الجنة وقد وقع غزوها وفتحت
في زمن الصحابة وما ذكر من أنه الرواية فإنه هو الثابت
الموجود في خط المؤلف لما في نسخ من إبدالها بأنها أصل له
(ابن أبي حاتم والخليلي معا في) كتاب (فضائل قزوين عن بشر)
بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن سلمان الكوفي عن رجل) من
التابعين (مرسلا خط في فضائل قزوين عن بشر بن سلمان عن أبي
السري عن رجل نسي أبو السري اسمه وأسند عن أبي زرعة)
الرازي عبيد الله بن عبد الكريم الحافظ (قال ليس قي قزوين
حديث أصح من هذا) أي ليس في الأخبار الواردة في فضل قزوين
خبر أصح منه ولا يلزم من هذا كونه صحيحا ولا حسنا
(2/18)
1217 - (اغسلوا أيديكم) عند إرادة الشراب
وإن كانت طاهرة (ثم اشربوا فيها) ندبا (فليس من إناء أطيب
من اليد) وفي رواية بدله فإنها أنظف آنيتكم فيندب فعل ذلك
ولو مع وجود الآنية ولا نظر لاستكراه المترفين المتكبرين
لذلك وما استطابه الشارع فهو الطيب وهذا الفعل مأثور عن
الأنبياء في الزمن الأول فقد روي أن عيسى عليه السلام كان
له إناء يشرب فيه فرأى رجلا يشرب بيديه فما زال يشرب كذلك
حتى رفع
(هب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال مررنا على بركة فجعلنا
نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا
تكرعوا أي لا تتناولوا الماء بالفم كالبهائم ولكن اغسلوا
أيديكم فذكره وقال الحافظ ابن حجر إسناده ضعيف ولا ينافي
النهي عن الكرع هنا ما في البخاري أن المصطفى صلى الله
عليه وعلى آله وسلم دخل على أنصاري وهو يحول الماء في
حائطه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان عندك
ماء بات الليلة في شنة وإلا كرعنا الحديث لأن النهي عن
الكرع للتنزيه والفعل لبيان الجواز أو قصة الأنصاري قبل
النهي أو النهي في حال الضرورة والفعل فيها
(2/18)
[ص:19] 1218 - (اغسلوا ثيابكم) أي أزيلوا
أوساخها (وخذوا من شعوركم) أي أزيلوا شعر الإبط والعانة
وما طال من نحو شارب ولحية بقص أو غيره (واستاكوا) بما
يزيل القلح في كل حال إلا بعد الزوال للصائم (وتزينوا)
بالادهان وتحسين الهيئة ولبس ما لا خشونة فيه ولا يخل
بالمروءة (وتنظفوا) بإزالة الروائح الكريهة واستعملوا
الطيب ووقت ذلك عند الحاجة وهو مرة في كل أسبوع غالبا
ويكره تأخيره عن أربعين يوما ثم علل ذلك بقوله (فإن بني
إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك) بل يهملون أنفسهم شعثا غبرا
دنسة ثيابهم وسخة أبدانهم (فزنت نساؤهم) أي استقذرتهم
فزهدت قربهم ورغبوا في أناس على ضد ذلك من الطهارة
والنزاهة والتزين ومالت إليهم نفوسهن وطمحت لهم شهواتهن
فسارعوا إلى الخنا فكان الزنا. وعلم منه أنه يسن للرجل أن
ينظف ثوبه وبدنه ويدهن غبا ويكتحل وترا ويقلم أظفاره وينتف
شعر إبطه إن أطاقه ويحلق عانته وينتف شعر أنفه ويقص من
الشارب ما يبين به طرف الشفة بيانا ظاهرا والمرأة كالرجل
ويتأكد للمتزوجة ما اقتضاه ظاهر الخبر من أن الندب في
الرجل خاص بالمتزوج غير مراد
(ابن عساكر) في ترجمة عبد الرحيم التميمي (عن علي) أمير
المؤمنين قال المؤلف في الأصل وفيه عبد الله ابن ميمون
القداح ذاهب الحديث انتهى وللأمر بالتنظيف شواهد والمنكر
قوله فإن إلى آخره
(2/19)
1219 - (اغفر) أمر من الغفر وهو ستر الذنب
أي اعف عمن لك عليه ولاية وقد صدر منه شيء يوجب التأديب
ولم يكن حدا (فإن عاقبت فعاقب بقدر الذنب) أي إن لم تعف
وكنت معاقبا فلا تتجاوز قدر الجرم ولا تتعدى حدود الشرع
ولا تضرب ضربا مبرحا وإن لم يفد إلا هو (واتق الوجه) فلا
تجعله محلا للمعاقبة بضرب ولا غيره لأنه تشوبه له فيحرم
ضرب الوجه من كل آدمي وحيوان محترم كما مر وصدر بالعفو
إشارة إلى الحث عليه وأن الحزم قهر النفس بقودها إليه لما
هو مركوز في جبلة الإنسان من حب الانتقام والتكبر على جميع
الأنام قال بعض العارفين ما من نفس إلا وهي مضمرة ما ظهره
فرعون من قوله {أنا ربكم الأعلى} لكن فرعون وجد مجالا
فأظهر حين استخف قومه وما من أحد إلا وهو يدعي ذلك مع خدمه
وأتباعه ومن هو تحت قهره فإن غيظه عند تقصيرهم في حقه لا
يصدر إلا عن إظهار الكبر ومنازعة الربوبية في رداء
الكبرياء
(طب وأبو نعيم في المعرفة) أي كتابه معرفة الصحابة (عن
جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي وهمزة وهو ابن قيس بن حصن ابن
أخي عيينة بن حصن أحد الوفد الذين قدموا على النبي صلى
الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وكان من جلساء عمر قال قلت
يا رسول الله إن أهلي عصوني فيم أعاقبهم قال تعفو ثلاثا
فإن عاقبت إلخ كذا في رواية الطبراني وسبب تحديث جزء به أن
عمه عيينة دخل على عمر فقال ها ابن الخطاب والله ما تعطينا
الجذل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم أن يوقع به
فقال له الجزء يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه {خذ
العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ثم ذكر هذا الخبر
(2/19)
1220 - (أغنى الناس) أي أكثرهم غنى (حملة
القرآن) أي حفظة القرآن عن ظهر قلب العاملون بما فيه
الواقفون عند حدوده ورسومه الآمرون بما أمر به الناهون هما
نهى عنه ثم هذا الغنى يحتمل غنى النفس بمعنى أنهم يرون أن
ما منحوه من تيسر حفظه هو الغنى الحقيقي وأن غني بالمال في
جنب ذلك لا عبرة به لأنه غاد ورائح ويحتمل أن حفظه والعمل
به يجلب الغنى بالمال
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس)
(2/19)
[ص:20] 1221 - (أغنى الناس حفظة القرآن)
والمراد بهم (من جعله الله تعالى في جوفه) أي سهل له حفظه
عن ظهر قلب مع العمل به كما تقرر قال أبو إسحاق الدمشقي
كنت أمشي بالبادية وحدي فإذا أعييت رفعت صوتي بالقرآن فحمل
عني ألم الجوع حتى قطعت مراحل كثيرة
(ابن عساكر) في تاريخه أيضا (عن أبي ذر) الغفاري
(2/20)
1222 - (افتتحت) وفي رواية لعلي فتتحت بلا
ألف (القرى بالسيف) أي بالقتال به (وافتتحت المدينة) طيبة
(بالقرآن) لأن الجهاد كما يكون تكلف الأسباب والعدد
والآلات المتعبة الشاقة يكون بتعلق القلوب بكلام علام
الغيوب فجمع الله لرسوله بين الأمرين وخصه بالجمع بين
الجهادين الظاهر والباطن دعاء الأنصار إلى الله ليلة
العقبة وتلى عليهم القرآن تلاوة بجمع همة وتوجه تام
فانجذبت قلوبهم وانصدعت لهيبته فدخلوا في الدين طوعا بل
قهرا فلما رجعوا إلى قومهم بالمدينة سرى ذلك السر إليهم
فآمنوا قبل أن يعاينوه فأعظم بها من منقبة للأنصار
(هب) من حديث الحسن بن محمد ابن زبالة عن مالك عن هشام عن
أبيه (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو زلل فقد قال الذهبي
قال أحمد هذا حديث منكر إنما هذا من قول مالك وقد رأيت هذا
الشيخ يعني ابن زبالة وكان كذابا انتهى وقال في الضعفاء
قال ابن معين وأبو داود هو كذاب وفي الميزان هذا منكر وقال
ابن حجر في اللسان إن هذا حديث معروف بمحمد بن الحسن بن
زبالة وهو متروك متهم وفي المطالب العالية تفرد برفعه محمد
بن الحسن بن زبالة وكان ضعيفا جدا وإنما هو قول مالك فجعله
ابن الحسن مرفوعا وأبرز له إسنادا انتهى والحديث أورده ابن
الجوزي من حديث أبي يعلى عن عائشة وحكم بوضعه وتعقبه
المؤلف بأن الخطيب رواه بسند هو أصلح طرقه فكان عليه أن
يؤثره هنا
(2/20)
1223 - (افترقت) بكسر الهمزة من الافتراق
ضد الاجتماع (اليهود على إحدى) مؤنث واحد (وسبعين فرقة)
بكسر الفاء وهي الطائفة من الناس (وتفرقت) هو بمعنى افترقت
فمغايرة التعبير للتفنن (النصارى على اثنتين وسبعين فرقة)
معروفة عندهم (وتفرقت أمتي) في الأصول الدينية لا الفروع
الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم وأراد بالأمة من
تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة (على ثلاث وسبعين فرقة)
زاد في رواية كلها في النار إلا واحدة زاد في رواية لأحمد
وغيره والجماعة أي أهل السنة والجماعة وفي رواية هي ما أنا
عليه اليوم وأصحابي وأصول الفرق ستة
حرورية وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية وانقسمت كل
منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنين وسبعين وقيل بل
عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وواحدة
نجادية وواحدة فرارية وواحدة جهمية وثلاث كرامية وقيل وقيل
وقال المحقق الدواني وما يتوهم من أنه إن حمل على أصول
المذاهب فهي أقل من هذه العدة أو على ما يشمل الفروع فهي
أكثر توهم لا مستند له لجواز كون الأصول التي بينها مخالفة
مقيد بها هذا العدد أو يقال لعلهم في وقت من الأوقات بلغوا
هذا العدد وإن زادوا أو نقصوا في أكثر الأوقات. واعلم أن
جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم
تجد لها أصلا فلذلك سموا فرقا لأنهم فارقوا الإجماع وهذا
من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع وهذه الفرق وإن تباينت
مذاهبهم متفقون على إثبات الصانع وأنه الكامل مطلقا الغني
عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء (فإن قيل) ما وثوقك بأن تلك
الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة مع أن كل واحد من
الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟ قلنا ليس ذلك بالادعاء
والتثبت باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن
جهابذة [ص:21] هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث الذين جمعوا
صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحواله
وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحب والتابعين كالشيخين
وغيرهما الثقات المشاهير الذين اتفق أهل المشرق والمغرب
على صحة ما في كتبهم وتكفل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها
كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيرا ثم بعد النقل
ينظر إلى من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في
الأصول والفروع فيحكم بأنهم هم وفيه كثرة أهل الضلال وقلة
أهل الكمال والحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم ما
عليه الجماعة
(4) وكذا الحاكم والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الزين
العراقي في أسانيده جياد ورواه الحاكم من عدة طرق ثم قال
هذه أسانيد تقوم بها الحجة وعده المؤلف من المتواتر
(2/20)
1224 - (افرشوا) بضم فسكون فضم ويجوز كسر
الهمزة والراء وهي بصيغة الأمر من الفراش قال الحرائي وهو
بساط يضطجع عليه للراحة (لي قطيفتي) بالقاف كساء له خمل
وجمعه قطاف وقطف كصحاف وصحف وكانت قطيفته حمراء نجرانية
يتعظى بها (في لحدي) إذا دفتموني قد فعل شقران مولاه ذلك
إشارة إلى أنه كما فارق الأمة في بعض أحكام حياته فارقهم
في بعض أحكام مماته التي منها ما أشار إليه بقوله (فإن
الأرض) أي بطنها (لم تسلط على) أكل (أجساد الأنبياء) وحق
لجسد عصمه الله عن البلى والتغير والاستحالة أن يفرش له في
قبره لأن المعي الذي يفرش للحي لأجله لم يزل عنه الموت
وليس الأمر في غيره على هذا النمط ومنه يعلم أن هذا لا
يعارض مذهب الشافعي في كراهة وضع فرش تحت الميت لأن كلامهم
في غير الأنبياء ممن يتغير ويلي وما في الاستيعاب من أنها
أخرجت قبل إهالة التراب لم يثبت وعد المصنف الفرش له فيه
من الخصائص ومراده أنه من خصائصه على أمته لا على الأنبياء
بقرينة قوله فإن الأرض إلى أخره <تنبيه> قال أبو الحسن
المالكي في شرح الترغيب حكمة عدم أكل الأرض أجساد الأنبياء
ومن ألحق بهم أن التراب يمر على الجسد فيطهره والأنبياء لا
ذنب لهم فلم يحتج إلى تطهيره بالتراب
(ابن سعد) محمد في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا)
وإسناده حسن وله شواهد
(2/21)
1225 - (أفرض أمتي) أي أعرفهم بعلم الفرائض
(زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري البخاري المدني أبو سعيد
أو أبو خارجة روى عنه ابن عمر وأنس بن مالك وعروة وخلق وهو
كاتب الوحي قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره
إحدى عشرة سنة وكان حفظ قبل الهجرة سبع عشرة سورة فأعجب
المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال يا زيد تعلم لي كتاب
اليهود فما مضى نصف شهر حتى حذق به وتعلم العبرانية
والسريانية في سبع عشرة ليلة وكان من الراسخين في العلم
وندبه الصديق لجمع الفرائض وكان عمر إذا حج استخلفه على
المدينة وعده مسروق من الستة الذين هم أهل الفتوى من
الصحابة وقد أخذ الشافعي بقوله في الفرائض لهذا الحديث
ووافق اجتهاده اجتهاده قال القفال ما تكلم أحد في الفرائض
إلا ووجد له القول في بعض المسائل هجره الناس إلا زيدا
فإنه لم ينفرد بقول وما قال قولا إلا تبعه عليه جمع من
الصحابة وذلك يقتضي الترجيح قال الماوردي وفي معنى الحديث
أقوال أحدها أنه قاله حثا للصحب على منافسته والرغبة في
تعليمه كرغبته لأنه كان منقطعا إلى تعلم الفرائض بخلاف
غيره الثاني قاله تشريفا له وإن شاركه غيره فيه كما قال
أقرؤكم أبي. الثالث خاطب به جمعا من الصحب كان زيد أفرضهم
الرابع أراد به أن زيدا كان أشدهم عناية وحرصا عليه الخامس
قاله لأنه كان أصحهم حسابا وأسرعهم جوابا وقد كان الصحب
يعترفون له بالتقدم في ذلك وناهيك بتلميذه ترجمان القرآن
فإنه أخذ عنه وبلغ من تعظيمه له أن زيدا صلى على جنازة أمه
فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد خلي
عنها يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [ص:22]
هكذا نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال هكذا نفعل بأهل بيت
نبينا قال ابن الأثير كان زيد عثمانيا ولم يشهد مع علي
شيئا من حروبه وكان يعظمه جدا ويظهر فضله. مات سنة اثنين
أو ثلاث أو ثمان وأربعين أو إحدى أو خمس أو ست وخمسين ولما
مات قال أبو هريرة مات حبر الأمة
(ك) في الفرائض من حديث أبي قلابة (عن أنس) وصححه فاغتر به
المصنف فرمز لصحته وفيه ما فيه فقد قال الحافظ ابن حجر قد
أعل بالإرسال قال وضاع أبي قلابة من أنس صحيح إلا أنه قيل
لم يسمع منه هذا وقد ذكر الدارقطني الإختلاف فيه على أبي
قلابة في العلل ورجح هو وغيره إرساله انتهى لكن ذكر ابن
الصلاح أن الترمذي والنسائي وابن ماجه رووه بإسناد جيد
يلفظ أفرضكم زيد قال وهو حديث حسن
(2/21)
1226 - (أفش) بهمزة قطع مفتوحة (السلام)
ندبا أي أظهره برفع الصوت أو بإشاعته بأن تسلم على من تراه
تعرفه أم لا تعرفه فإنه أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب
التودد مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع واعظام
حرمات المسلمين ورفع التقاطع والتهاجر وهذا العموم خصه
الجمهور بغير أهل الكفر والفجور قال ابن حجر وعكس أبو
أمامة فأخرج عن الطبراني بسند جيد أنه كان لا يمر بمسلم
ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال
أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل الخصوص
(وابذل) بموحدة فمعجمة (الطعام) أي أعطه وجد به للخاص
والعام من كل محترم (واستحي من الله كما تستحي رجلا) أي من
رجل (من رهطك ذي هيئة (1) وليحسن) بلام الأمر فمثناة تحت
مفتوحة فحاء ساكنة فسين مضمومة (خلقك) قرنه بلام الأمر دون
غيره مما ذكر معه إيماءا إلى أنه أس ما ذكر قبله وبعده
وعماد الكل (وإذا أسأت) إلى أحد بقول أو فعل (فأحسن) إليه
كذلك (فإن الحسنات يذهبن السيئات) أرشد إلى إيصال النفع
بالقول والفعل فالقول كإفشاء السلام وفي معناه كل قول
كشفاعة وتعليم خير وهداية ضال وإنذار مشرف ونحوها والفعل
كالإطعام وفي معناه كل فعل ككسوة عار وسقي ظمآن ونحوها
وختم بالأمر بالإحسان لما أنه اللفظ الجامع الكلي وفيه
الحث على الجود والسخاء ومكارم الأخلاق وخفض الجناح
للمسلمين والتواضع والحث على تآلف قلوبهم واحتماع كلمتهم
وتواددهم واستجلاب ما يحصل ذلك والحديث يشتمل على نوعي
المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها أو بدنية
والسلام إشارة إليها
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وفيه لين
وبقية رجاله ثقات
_________
(1) قوله ذي هيئة: كذا المصنف فلعل الراوية كذلك فتأمل في
إعرابه ولعله جر للمجاورة: اه
(2/22)
1227 - (أفشوا) بهمزة قطع مفتوحة (السلام)
بينكم (تسلموا) من التنافر والتقاطع وتدوم لكم المودة
وتجمع القلوب وتزول الضغائن والحروب فأخبر المصطفى صلى
الله عليه وسلم أن السلام يبعث على التحابب وينفي التقاطع
قال الماوردي وقد جاء في كتاب الله تعالى ما يفيده قال
الله تعالى {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه
عداوة كأنه ولي حميم} فحكى عن مجاهد أن معناه ادفع بالسلام
إساءة المسيء قال بعضهم وإفشاء السلام ابتداء يستلزم
إفشاءه جوابا وقال ابن دقيق العيد استدل بالأمر بالإفشاء
من قال بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى
القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين وهو أن يجب
على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما فيه من الحرج
والمشقة فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين
إذ لا قائل بأنه يجب على واحد دون الباقين وإذا سقط على
هذه الصورة لم يسقط الاستحباب لأن العموم بالنسبة إلى كلا
الفريقين ممكن انتهى قال ابن حجر: وهذا البحث [ص:23] ظاهر
في حق من قال إن ابتداء السلام فرض عين لا كفاية إذا قلنا
إنه واجب على واحد لا بعينه
(خد ع هب حب) كلهم عن (البراء) بن عاوب قال ابن حبان صحيح
وقال الهيثمي رواه عنه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات
(2/22)
1228 - (أفشوا السلام بينكم تحابوا) يحذف
إحدى التائين للتخفيف أي تأتلف قلوبكم وفيه مصلحة عظيمة من
اجتماع قلوب المسلمين وتناصرهم وتعاضدهم ولهذا قال بعضهم
إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية وصدر
هذا الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى
تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا إلى
آخره وإفشاؤه نشره لكافة المسلمين من عرف ومن لم يعرف قال
النووي الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس
ليحيوا سنته وأقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن
لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما
يتحقق أنه سمعه
(ك عن أبي موسى) قال الحاكم صحيح وتبعه المصنف فرمز لصحته
(2/23)
1229 - (أفشوا السلام فإنه) أي إفشاؤه
المفهوم من أفشوا (لله تعالى رضى) أي هو مما يرضى الله به
عن العبد بمعنى أنه يقبله ويثيبه عليه قال القيصري ومعنى
سلام عليكم سلمت مني أن أضرك أو آذيك بظاهري وباطني
والإفشاء الإظهار قال ابن العربي من فوائد إفشاء السلام
حصول الألفة فتتآلف الكلمة وتعم المصلحة وتقع المعاونة على
إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت
أخلصت القلب الواعي لها غير الحقود إلى الإقبال على قائلها
(طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه سالم بن عبد
الأعلى أبو الفيض متروك فرمز المصنف لحسنه غير مرضي
(2/23)
1230 - (أفشوا السلام) قال القاضي إفشاء
السلام رفع الصوت به وإشاعته قال ويستثنى من ندب رفع الصوت
بالسلام ما لو دخل مكانا فيه نيام فالسنة ما ثبت في صحيح
مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيء من الليل
فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان (كي تعلوا) أي
يرتفع شأنكم فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم
فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه وأراد الرفعة عند الله
(طب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وليس كما زعم فقد قال
الحافظ المنذري إسناده جيد والهيثمي وغيره: إسناده حسن
(2/23)
1231 - (أفشوا السلام) أظهروه ودخل في عموم
إفشائه من دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى {فإذا دخلتم
بيوتا فسلموا على أنفسكم} ذكره ابن حجر وفي الأدب بسند حسن
عن ابن عمر يستحب إذا لم يكن بالبيت أحد أن يقول السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين (وأطعموا الطعام) قال
العراقي المراد به هنا قدر زائد على الواجب في الزكاة سواء
فيه الصدقة والهدية والضيافة والأمر للندب وقد يجب
(واضربوا الهام) أي رؤوس الكفار جمع هامة بالتخفيف الرأس
قال الزين العراقي اقتصر فيه على ضرب الهام لأن ضرب الرؤوس
مفض للهلاك بخلاف بقية البدن قإنه تقع فيه الجراح ويبرأ
صاحبها فإذا فسد الدماغ هلك صاحبه (تورثوا الجنان) التي
وعد بها المتقون لأن أفعالهم هذه لما كانت تخلف عليهم
الجنان فكإنهم ورثوها قال الطيبي: والحديث من باب التكميل
كقوله تعالى {أشداء على الكفار رحماء بينهم} إذ تخصيص
الهام بالضرب يدل على بطالتهم وشدة ضربتهم وقال بعضهم جمع
المصطفى صلى الله عليه وسلم بين هذه القرائن المتعددة
إشارة إلى جواز التسجيع لكن شرطه عدم التكلف والتصلف بدليل
قوله في خبر آخر: أسجع كسجع الكهان. وذم المستشريق بإظهار
فصاحتهم لصرف الوجوه إليهم وحاشى المصطفى صلى الله عليه
[ص:24] وسلم عن قصد ذلك بل إذا قصد البيان لدين الله سمح
طبعه الزكي وعنصره العربي بترادف قرائن لكمال فصاحته بغير
تكلف في استخراجها وهذا الحديث رواه أيضا العسكري عن عبد
الله بن سلام بنحوه وزاد بيان السبب فقال لما قدم المصطفى
صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله فقيل قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت في الناس لأنظر فلما
رأيته عرفت أنه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به أن قال
يا أيها الناس أفشوا السلام إلخ
(ت عن أبي هريرة) وقال حسن غريب انتهى
(2/23)
1232 - (أفشوا السلام) قال بعضهم والحكمة
فيه أن ابتداء التلاقي وما ألحق به من مواطن مشروعية
السلام ربما نشأ عنه خوف أو كبر من إحدى الجانبين فشرع
نفيهما بالبداءة بتحية السلام إزالة للخوف وتحليا بالتواضع
واستثنى بعضهم من طلب إفشاء السلام ما لو علم من إنسان أنه
لا يرد عليه فلا يسلم عليه لئلا يوقعه في المعصية وتعقبه
النووي بأن المأمورات الشرعيه لا تترك لمثل ذلك ولو نظرنا
لذلك بطل إنكار كثير من المنكرات ورده ابن دقيق العيد بأن
مفسدة توريط المسلم أشد من ترك مصلحة السلام سيما وامتثال
الإفشاء يحصل مع غيره (وأطعموا الطعام) فإن فيه قوام البدن
قال البيهقي يحتمل إطعام المحاويج ويحتمل الضيافة أو هما
معا وللضيافة في التآلف والتحابب أثر عظيم (وكونوا إخوانا
كما أمركم الله) بها من الإخاء في الله والحب فيه قال
سبحانه وتعالى {إنما المؤمنون إخوة} قال أبو الدرداء فيما
أخرجه الحكيم الترمذي عنه ما لكم عباد الله لا تحابون
وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم
ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في
صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون بأمر
الدنيا لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم
ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فنبرأ منكم
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه النسائي
(2/24)
1233 - (أفضل الأعمال) بعد الإيمان أي
أكثرها ثوابا (الصلاة لوقتها) في رواية على وقتها واللام
بمعنى في أو للإستقبال نحو {فطلقوهن لعدتهن} وأما خبر
أسفروا بالفجر فمؤول كما مر (وبر الوالدين) في رواية ثم
بدل الواو ووجهه ظاهر والصلاة أول وقتها أي المحافظة عليها
المأمور به في آية {حافظوا على الصلوات} والمحافظة تكون
بأدائها أول وقتها خوف فوت فضيلها وهذا حث على ندب
المبادرة وخبر فصلى بي جبريل الظهر في اليوم الثاني حين
صار ظل كل شيء مثله بيان للجواز واعلم أن الله تعالى قد
عظم شأن الوالدين وقرن حقهما بحقه وشركه بواو العطف في
قوله {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}
لأن الله تعالى خلق الولد وصوره وأخرجه إلى الدنيا ضعيفا
لا حيلة له ثم قيض له أبويه فتكفلا بتربيته لأنه لا قوام
له بنفسه فلم يزالا يربيانه حتى أوصلاه إلى حد يقوم بنفسه
ولو تركاه ونفسه هلك فكانا سبب تمام خلقه ونشأته فالله هو
الخالق المصور حقيقة وهما المنشآن له مجازا فلذلك لا يقدر
أحد أن يقوم أحد بحق أبويه فإن من كان سبب نشأتك كيف تفي
بحقه أو تفي بشكره ولذلك قرن تعالى عقوقهما بالشرك به كما
قرن طاعتهما بطاعته ولما كان الشرك لا يغفر عظم قدر العقوق
لاقترانه به فمن بر والديه فقد بر ربه لان في برهما بره
للإشتراك المتقدم ومن عقهما فقد عقه
(م عن ابن مسعود) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي العمل أفضل فقال الصلاة لوقتها قلت ثم أي قال بر
الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله
(2/24)
1234 - (أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)
لأنها أعظم الوصل بين العبد وربه وهي عماد الدين وعصام
النبيين مشتملة [ص:25] على ما لم يشتمل عليه غيرها من
الكمالات ولهذا قال بعض أهل الكمال الصلاة طهرة للقلب
واستفتاح لأبواب الغيوب تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق
فيها شوارق الأنوار ثم ما أحسن تركيبها وما أبدع ترتيبها
فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب وأخرى من فضة وملاطها
المسك فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة ولبنة من ركوع ولبنة
من سجود وملاطها التسبيح والتحميد
(د ت عن أم فروة) الأنصارية صحابية لها حديث ويقال هي بنت
أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق رمز المصنف لصحته وكأنه ذهل
عن قول الصدر المناوي وغيره فيه عبد الله بن عمر العمري
غير قوي وقد تكلم فيه يحيى من جهة حفظه وعن قول الحافظ ابن
حجر رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده اضطراب
(2/24)
1235 - (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها)
<تنبيه> قال ابن الزملكاني: أطلق جمع أن الفضل في الأعمال
الصالحة باعتبار كثرة الثواب وليس على إطلاقه بل إن كانت
ذات هذا الوصف أو هذا العمل أشرف وأعلا فهو أفضل وقد يخص
الله بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيبا فيه
إما لنفرة النفس عنه أو لمشقته غالبا فرغب فيه بمزيد
الثواب أو لأن غيره مما يكتفى فيه بداعي النفس والثواب
عليه فضل فالإنصاف أن المفاضلة تارة تكون بكثرة الثواب
وتارة بحسب الوصفين بالنظر إليهما وتارة بحسب متعلقاتهما
وتارة بحسب ثمراتهما وتارة بأمر عرضي لهما ويجمع ذلك أنه
قد يكون لأمر ذاتي وقد يكون لأمر عرضي فإذا حاولنا الكلام
في التفضيل فلا بد من استحضار هذه المقدمة فتدبرها فلا بد
من ملاحظتها فيما مر وفيما يأتي انتهى وتحصل المبادرة
باشتغاله بأسبابها كطهارة وغيرها أول الوقت ثم يصليها ولا
تشترط السرعة خلاف العادة ولا يضر التأخير لقليل أكل
وكلامه شامل للعشاء وهو الأصح عند جمهور الشافعية وذهب
كثير منهم إلى ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لحديث آخر ومحل
ندب التعجيل ما لم يعارضه معارض مما هو مقرر في الفروع
(وبر الوالدين) أي طاعتهما والإحسان إليهما فيما لا يخالف
الشرع قال العراقي أخبر أن أفضل حقوق الله الصلاة لوقتها
وأفضل حقوق العباد بعضهم على بعض بر الوالدين فهما أحق
بالبر من جميع الأقارب (والجهاد في سبيل الله) بالنفس
والمال لإعلاء كلمة الله وإظهار شعائر دينه وقدم بر
الوالدين لا لكونه أفضل من الجهاد لأن الجهاد وسيلة لإعلاء
أعلام الإيمان وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه بل
لتوقف حله على إذنهما وتوقفه عليه لا يوجب كونه أفضل منه
وكم له من نظير أما طاعتهما فيما يخالف الشرع فليست من
البر بل من الإثم فيجب على الإنسان أن يقاطع في دينه من
كان به برا وعليه مشفقا
هذا أبو عبيدة بن الجراح له المنزلة العالية في الفضل
والأثر المشهور في الإسلام قتل أباه يوم بدر وأتى برأسه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لله ورسوله حين بقي على
ضلاله وانهمك في طغيانه ولم يعطفه عليه رحم ولا كفه عنه
إشفاق وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر لكونها عنوان على ما
سواها من الطاعات فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن
ضيعها كان لما سواها أضيع فمن أهمل الصلاة مع كونها عماد
الدين فهو لغيرها أهمل ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما
عليه كان لغيرهما أقل برا ومن ترك جهاد الكفار مع شدة
عدوانهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك
(خط عن أنس) رمز المصنف لضعفه
(2/25)
1236 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها أي بعد
الفرائض كما ذكره في الحديث المار والمراد الأعمال التي
يفعلها المؤمن مع إخوانه (أن تدخل) أي إدخالك (على أخيك
المؤمن) أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب (سرورا)
أي سببا لانشراح صدره من جهة الدين والدنيا (أو تقضي) تؤدي
(عنه دينا) لزمه أداؤه لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل
(أو تطعمه) ولو (خبزا) فما فوقه من نحو اللحم أفضل وإنما
خص الخبز لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك
الإفضال على الأخوان والأفضل إطعامه ما يشتهيه لقوله في
الحديث الآتي من أطعم أخاه المسلم [ص:26] شهوته والمراد
بالمؤمن المعصوم الذي يستحب إطعامه فإن كان مضطرا وجب
إطعامه ولا يخفى أن قضاء الدين وإطعام الجائع من جملة
إدخال السرور على المديون والجائع فهو عطف خاص على عام
اللاهتمام. قيل لابن المنكدر ما بقي مما يستلذ قال الإفضال
على الإخوان (ابن أبي الدنيا) أبو بكر واسمه يحيى (في)
كتاب (قضاء الحوائج) أي في الكتاب الذي ألفه في فضل قضاء
حوائج الإخوان
(هب عن أبي هريرة) فقال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي الأعمال أفضل فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الوليدة
بن شجاع قال أبو حاتم لا يحتج به وعمار بن محمد مضعف (عد
عن ابن عمر)
ابن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسكت عليه
والأمر بخلافه بل قال عمار فيه نظر وللحديث شاهد مرسل ثم
ذكره والحاصل أنه حسن لشواهده
(2/25)
1237 - (أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله
التودد) أي التحبب (إلى الناس) حبا لله وفي الله كما يشير
إليه خبر أفضل الأعمال الحب في الله والبغض فيه ولأنه بذلك
تحصل الألفة الجامعة التي تنعطف القلوب عليها ويندفع
المكروه بها والألفة تجمع الشمل وتمنع الذل ومن أمثالهم من
قل ذل والجمع بينه وبين ما قبله من الأخبار أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم كان يجيب كل أحد بما يوافقه ويليق به أو
بحسب الحال أو الوقت أو السؤال وفيه إيماء إلى أن مخالطة
الناس أفضل من العزلة <تنبيه> قال ابن حزم الفضل قسمان لا
ثالث لهما فضل اختصاص من الله تعالى بلا عمل وفضل مجازاة
بعمل أما فضل الاختصاص من دون العمل فيشترك به جميع الخلق
من ناطق وغيره وجماد وعرض كفضل الملائكة وفضل الأنبياء
وفضل إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأطفال
وناقة صالح وذبيح إبراهيم وفضل مكة والمدينة والمساجد على
البقاع والحجر الأسود على الحجارة وشهر رمضان ويوم الجمعة
وليلة القدر وأما فضل المجازاة فلا يكون إلا للحي الناطق
وهم الملائكة والإنس والجن والأقسام المستحق بها التفضيل
في هذا القسم سبعة ماهية العمل وكميته وهي الفرض منه
وكيفيته والكم والزمان والمكان والإضافة فالماهية أن يكون
أحدهما في العمل يوفي فروضه والآخر لا يوفيها والكمية أن
يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية
والكيفية أن يوفي أحدهما بجميع حقوق العمل أو رتبه والآخر
يأتي به لكن ينقص من رتبته والكم أن يستويا في الفرض
ويتفاوتا في النفل والزمان كصدر الإسلام أو وقت الحاجة
والمكان كالصلوات بالمسجد الحرام والإضافة كعمل من نبي
ونتيجة الفضل بهذه الوجوه شيئان أحدهما تعظيم الفاضل على
المفضول فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل وما كان يعمل
والثاني علو الدرجة في الجنة إذ لا يجوز الحكم للمفضول
بعلو الدرجة بها على الفاضل وإلا لبطل الفضل وهذا القسم
يختص به الفاضل بفضل عمله. إلى هنا كلامه
(الطبراني) في كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي هريرة)
(2/26)
1238 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها
والمراد أفضل الأعمال الكسبية المطلوبة شرعا (الكسب من
الحلال) اللائق لأن طلب الحلال فريضة بعد الفريضة كما
سيجيء في خبر ويجيء في آخر إن الله يحب أن يرى عبده تعبا
في طلب الحلال قال حجة الإسلام إذا كان الرجل معيلا محترفا
للقيام بحق العيال فكسب الحلال أفضل من العبادة البدنية
لكنه لا ينبغي أن يخلو وينفك عن ذكر الله تعالى
(ابن لال) أحمد بن علي وكذا الديلمي (عن أبي سعيد) الخدري
وفيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف وعطية العوفي أورده
الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه
(2/26)
1239 - (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده)
لأن به فضلت الأنبياء على غيرهم وهم إنما تفاضلوا فيما
بينهم بالعلم به لا بغيره [ص:27] من الأعمال (ثم الجهاد ثم
حجة مبرورة) أي مقبولة أو لم يخالطها إثم من الإحرام إلى
التحلل الثاني أو لا رياء فيها أقوال رجح النووي ثانيها
والحجة المبرورة (تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس
إلى مغربها) عبارة عن المبالغة في سموها على جميع أعمال
البر قال النووي وذكر هنا الحج بعد الإيمان وفي خبر آخر
بدل الحج العتق في آخر بدأ بالصلاة فالبر فالجهاد وفي آخر
السلامة من نحو يد ولسان واختلاف الأجوبة باختلاف الأحوال
والأشخاص كما تقدم وقدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن
لقصور نفع الحج غالبا وتعدي نفع الجهاد أو كان حيث كان
الجهاد فرض عين وكان أهم منه حالتئذ وهذا الحديث له تتمة
عند أحمد من حديث عمرو ابن العاص سياقه سأل رجل رسول الله
صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله
وتصديق به وجهاد في سبيله وحج مبرور قال أكثرت يا رسول
الله قال فلين الكلام وبذل الطعام وسماح وحسن خلق قال
الرجل أريد كلمة واحدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذهب لا تتهم الله على نفسك انتهى
(طب عن ماعز) في الصحابة متعدد فكان اللائق تمييزه وقيل إن
هذا غير منسوب وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد إلا عند
الطبراني وهو عجيب فقد خرجه أحمد في المسند قال الهيثمي
بعد ما عزاه له وللطبراني رجال أحمد رجال الصحيح فاقتضى أن
رجال الطبراني ليسوا كذلك فكان ينبغي للمصنف عزوه إليه لكن
الحديث له شواهد ترقيه إلى الصحة بل ادعى بعضهم تواتره
فمنها ما رواه أحمد عن عبادة أن رجلا أتى المصطفى صلى الله
عليه وسلم فقال يا نبي الله أي العمل أفضل قال إيمان بالله
وتصديق به وجهاد في سبيله قال أريد أهون من ذلك قال
السماحة والصبر قال أريد أهون من ذلك قال لا تتهم الله في
شيء قضى لك به
(2/26)
1240 - (أفضل الأعمال العلم بالله) أي
معرفة ما يجب له ويمتنع عليه من الصفات والسلوب والإضافات
فالعلم بذلك أفضل الأعمال وأشرف العلوم وأهمها فإنه ما لم
يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم
يتصور علم فقه ولا حديث ولا تفسير فجميع العلوم متوقفة على
علم الأصول وتوقفها عليه ليس بطريق الخدمة بل الإضافة
والرئاسة ومن ثم عد رئيس العلوم كلها فمعرفة الله تعالى
والعلم به أول واجب مقصود لذاته على المكلف لكن ليس المراد
بالمعرفة الحقيقية لأن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر ولا
العيانية لأنها مختصة بالآخرة عند مانعي الرؤية في الدنيا
مطلقا أو لغير نبينا وهم الجلة الأكابر أو لأولي الرتب
العلية وقليل ما هم ولا الكشفية فإنها منحة إلهية ولا نكلف
بمثلها إجماعا بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي
وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر. وسبب
الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أي
الأعمال أفضل قال العلم بالله ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك
فقال يا رسول الله إنما أسألك عن العمل فقال (إن العلم
ينفعك معه قليل العمل وكثيره) لأن العبادة المعول عليها
إنما هي ما كانت عن العلم به فأجل المقاصد وأهم المطالب
وأعظم المواهب العلم بالله فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه
أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما
يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء
وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض
شعور قال بعضهم لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما
يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم
الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم بالله والعلم بمواطن
الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك
إلا بالخلوة والرياضة والمجاهدة أو الجذب الإلهي (وأن
[ص:28] الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره) لأن
العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون
فلا تصح إذا عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط
إجزائها. وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه
رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة
ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه
عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر فإن من نفد
أمره فهو إلى العلم أحوج ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق
انتهى قال ابن حجر وفيه أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من
حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أنس) قال الزين العراقي
وسنده ضعيف انتهى فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءا
إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره
(2/27)
1241 - (أفضل الأعمال الحب في الله) أي في
ذات الله لا لشوب رياء ولا هوى (والبغض في الله) قال
الطيبي في هنا بمعنى اللام في الحديث الآتي من أحب لله
إشارة إلى الإخلاص لكن في هنا أبلغ أي الحب في جهته ووجهه
كقوله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} أي في
حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصا فمن أفضل الأعمال أن يحب
الرجل الرجل للإيمان والعرفان لا لحظ نفساني كإحسان وأن
يكرهه للكفر والعصيان لا لإيذائه له والحاصل أن لا يكون
معاملته مع الخلق إلا لله ومن البغض في الله بغض النفس
الأمارة بالسوء وأعداء الدين وبغضهما مخالفة أمرهما
والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله بما أمر ونهى ومع
أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم وهذا الحديث
على وجازته من الجوامع ومن تدبره وقف على سلوك طريق الله
وفناء السالك في الله. ثم إن قيل كيف يكون الحب في الله
والبغض فيه أفضل من نحو الصلاة والصوم والجهاد؟ قلنا من
أحب في الله يحب أنبياءه وأولياءه ومن شرط محبته إياهم أن
يقفوا أثرهم ويطيع أمرهم قال القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه. . . هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته. . . إن المحب لمن يحب مطيع
وكذا من أبغض في الله أبغض أعداءه وبذل جهده في مجاهدتهم
بالبنان واللسان. قال ابن رسلان: وفيه أنه يجب أن يكون
للإنسان أعداء يبغضهم في الله كما له أصدقاء يحبهم في الله
تعالى
(د عن أبي ذر) قال الصدر المناوي: وفيه رجل مجهول
(2/28)
1242 - (أفضل الأيام) أي أيام الأسبوع. قال
أبو البقاء: أصل أيام أيوام اجتمعت الواو والياء وسبقت
الأولى بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها (عند
الله) العندية للتشريف (يوم الجمعة) لما له من الفضائل
التي لم تجتمع لغيره فمنها أن فيه ساعة محققة الإجابة
وموافقته يوم وقفة المصطفى صلى الله عليه وسلم واجتماع
الخلائق فيه في الأقطار للخطبة والصلاة ولأنه يوم عيد كما
في الخبر لموافقته يوم الجمع الأكبر والموقف الأعظم يوم
القيامة ومن ثم شرع الاجتماع فيه والخطبة ليذكروا المبدأ
والمعاد والجنة والنار ولهذا سن في فجره قراءة سورتي
السجدة وهل أتى لاشتمالهما على ما كان ويكون في ذلك اليوم
من خلق آدم والمبدأ والمعاد ولأن الطاعة الواقعة فيه أفضل
منها في سائر الأيام حتى أن أهل الفجور يحترمون يومه
وليلته ولموافقته يوم المزيد في الجنة وهو اليوم الذي
يجتمع فيه أهلها على كثبان المسك فلهذه الوجوه فضلت وقفة
الجمعة على غيرها لكن ما استفاض أنها تعدل اثنتين وسبعين
حجة باطل لا أصل له كما بينه بعض الحفاظ ثم الكلام في أفضل
أيام الأسبوع أما أفضل أيام العام فعرفة والنحر وأفضلهما
عند الشافعي عرفة لأن صيامه يكفر سنتين وما من يوم يعتق
الله فيه الرقاب أكثر منه فيه ولأن الحق سبحانه يباهي
ملائكته بأهل الموقف وقيل الأفضل يوم النحر ففيه التضرع
والتوبة وفي النحر الوفادة والزيادة
(هب عن أبي هريرة) إسناده حسن
(2/28)
[ص:29] 1243 - (أفضل الإيمان أن تعلم أن
الله معك حيثما كنت) فإن من علم ذلك استوت سريرته وعلانيته
فهابه في كل مكان واستحى منه في كل زمان والهيبة والحياء
وثاقان لنفس العبد من كل ما ذكره الله سرا وجهرا وبطنا
وظهرا فالنفس في هذه الأحوال الأربع تخشع لهيبته وتذل
وتخمد شهواتها وتقل حركاتها فإذا كان من الله لعبده تأييد
بهذين فقد استقام والمراد بذلك علم القلب لا علم اللسان
فقد علم الموحدون أن الله معهم بالنص القرآني {ما يكون من
نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} الآية لأن الإيمان شهادة القلب
لأنه سبحانه حي قائم موجود وإله واحد معبود فهذا هو
الإيمان العام الذي من سلبه غير مؤمن ثم لشهود القلب مراتب
ومن أفضلها شهوده لله في كل مكان يكون فيه العبد على أي
حال كان من خلاء وملاء وسراء وضراء. ونعيم وبؤس وطاعة
وعصيان فيكون في حال الخلاء مستحيا وفي هذا الملاء متوكلا
وفي السراء حامدا وفي الضراء راضيا وفي الغنى بالإفضال وفي
الإفلال بالصبر وفي الطاعة بالإخلاص وفي المعصية بطلب
الخلاص
(طب حل) من حديث نعيم بن حماد عن عثمان بن كثير عن محمد بن
مهاجر عن عمرة عن ابن غنم (عن عباده بن الصامت) ثم قال أبو
نعيم غريب من حديث عروة ولم نكتبه إلا من حديث محمد بن
مهاجر أه ونعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال وثقه
أحمد وجمع وقال النسائي: غير ثقة وقال الأزدي وابن عدي
قالوا كان يضع وقال أبو داود: عنده نحو عشرين حديثا لا أصل
لها أه ومحمد بن مهاجر فإن كان هو القرشي فقال البخاري لا
يتلبع على حديثه أو الراوي عن وكيع فكذبه جزرة كما في
الضعفاء للذهبي وبه يتجه رمز المؤلف لضعفه
(2/29)
1244 - (أفضل الإيمان) أي من أفضل خصاله
(الصبر) أي حبس النفس على كريه تتحمله أو عن لذيذ تفارقه
وهو ممدوح مطلوب (والمسامحة) يعني المساهلة في رواية
السماحة بدل المسامحة وذلك لأن حبس النفس عن شهواتها
وقطعها عن لذاتها ومألوفاتها تعذيب لها في رضا الله وذلك
من أعلى خصال الإيمان وبذل المال وغيره من المقتنيات مشق
صعب إلا على من وثق بما عند الله واعتقد أن ما أنفقه هو
الباقي فالجود ثقة بالمعبود من أعظم خصال الإيمان قال
الزركشي: والسماحة تيسير الأمر على المسامح. وروى نحو ذلك
عن الحسن وأنه قيل له ما الصبر والسماحة؟ فقال: الصبر عن
محارم الله والسماحة بفرائض الله وفي الحديث وما قبله وما
بعده أن من الإيمان فاضل ومفضول فيزيد وينقص إذ الأفضل
أزيد وفي خبر: من سامح سومح له
(فر عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة
(ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي وفيه
زيد العمى قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف متماسك (تخ عن
عمير) مصغر عمر بن قتادة بن سعد (الليثي) صحابي من مسلمة
الفتح وفي مسند أبي يعلى أنه استشهد مع المصطفى صلى الله
عليه وسلم قال قال رجل يا رسول الله ما أفضل الإيمان؟
فذكره وفيه شهر بن حوشب ورواه البيهقي في الزهد بلفظ: أي
الأعمال أفضل؟ قال: الصبر والسماحة قال الحافظ العراقي:
ورواه أبو يعلى وابن حبان في الضعفاء من حديث جابر بلفظ:
سئل عن الإيمان فذكره وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه
الجمهور ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ: ما
الإيمان؟ قال الصبر والسماحة وحسن الخلق. وإسناده صحيح.
إلى هنا كلام الحافظ وبه يعرف أن إهمال المصنف لرواية
البيهقي مع صحة سندها وزيادة فائدتها غير جيد
(2/29)
1245 - (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض
لله) لا لغيره فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف
معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له (وتعمل
لسانك في ذكر الله عز وجل) بأن لا تفتر عن النطق به فإن
الذكر [ص:30] مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش
ومنشور الولاية قال وهب: أوحى الله إلى داود: أسرع الناس
مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من
ذكري. والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب فإن الذكر مع
الغفلة ليس له كبير جدوى لكن لما كان اللسان هو الترجمان
اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من
الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي
(تحب لنفسك) من ذلك وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه
عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين
محال (وتكره لهم ما تكره لتفسك) من المكاره الدنيوية
والأخروية (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات
وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت والمراد بالمثلية هنا
مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس
والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم فلا يتنافى كون
الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس على أن الأكمل
بخلاف ذلك فقد قال الفضيل لابن عيينة: إن وددت أن تكون
الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك ومقصود
الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه
هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله {واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا الآية} وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب
لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف أذاء عنهم
فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر
وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد
(طب عن معاذ بن أنس) قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن
أفضل الإيمان فذكره قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف
(2/29)
1246 - (أفضل الجهاد) أي من أفضل أنواع
الجهاد بالمعنى اللغوي العام (كلمة حق) بالإضافة ويجوز
تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي: عدل: بدل حق وأراد
بالكلمة الكلام وما يقوم مقامه كالخط (عند سلطان جائر) أي
ظالم لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان
إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة غلبة خوفه
ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير فإذا كفه فقد أوصل
النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر والمراد بالسلطان: من
له سلاطة وقهر وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله
ولا كذلك بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود: أو أمير
جائر
(تتمة) أصل الجهاد بالكسر لغة المشقة وشرعا بذل الجهد في
قتال الكفار ويطلق على مجاهدة النفس وعلى تعلم أمور الدين
ثم العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع
ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات وأما مجاهدة
الكفار فباليد والمال والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان
ثم القلب <فائدة> قال الدميري: دخل النور البكري على محمد
بن قلاوون فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل
الجهاد وذكر الحديث. ثم قال له: وأنت ظالم فأمر بقطع لسانه
فجزع واستغاث فشفع به بعض الأمراء. فقال السلطان: ما أردت
إلا امتحان إخلاصه ثم نفاه
(هـ عن أبي سعيد) الخدري وكذا رواه أبو داود والترمذي
باللفظ المذكور من الوجه المزبور ولعل المصنف ذهل عن ذلك
ثم إن فيه عند الكل عطية العوفي قال في الكاشف: ضعفوه (حم
طب هب عن أبي أمامة الباهلي) قال عرض لرسول الله صلى الله
عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال: أي الجهاد أفضل؟
فسكت فلما رمى الثانية سأله فسكت ثم سأله عند العقبة فوضع
رجله في الغرز: أي الركاب ثم ذكره ثم قال أعني البيهقي:
وإسناده لين قال: وله شاهد مرسل بإسناد جيد ثم ساقه عن
الزهري بلفظ: أفضل الجهاد كلمة عدل عند [ص:31] إمام جائر
(حم ن هب) والضياء أيضا كلهم (عن طارق) بالمهملة والقاف
(ابن شهاب) ابن عبد شمس البجلي الأحمسي له رؤية ورواية قال
في الرياض: رواه النسائي بإسناد صحيح وكذا قال المنذري
فالمتن صحيح
(2/30)
1247 - (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل) ذكر
الرجل وصف طردي (نفسه) في ذات الله (وهواه) بأن يكفهما عن
الشهوات ويمنعهما عن الاسترسال في اللذات ويلزمهما فعل
الأوامر وتجنب المناهي فإنه الجهاد الأكبر والهوى اكبر
أعدائك وهو ونفسك أقرب الأعداء إليك لما أن ذلك بين جنبيك
والله يقول {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين بلونكم من
الكفار} ولا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة
الله عليها وإذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك جهاد
الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت شهيدا من الأحياء الذين عند
ربهم يرزقون ولعمري إن جهاد النفس لشديد بل لا شيء أشد منه
فإنها محبوبة وما تدعو إليه محبوب فكيف إذا دعيت إلى محبوب
فإذا عكس الحال وخولف المحبوب اشتد الجهاد بخلاف جهاد
أعداء الدين والدنيا ولهذا قال الغزالي: وأشد أنواع الجهاد
الصبر على مفارقة ما هواه الإنسان وألفه إذ العادة طبيعة
خامسة فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان
على جند الله ولا يقوى باعث الدين على قمعهما. فلذا كان
أفضل الجهاد وقال أبو يزيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي
تبكي حتى سقتها إليه وهي تضحك. <تنبيه> قال ابن عربي:
العلل في طريق السالكين ليس لها محل إلا النفوس فقط لا حظ
فيها للعقول ولا للبدن فإن دواء علل العقول اتخاذ الميزان
الطبيعي وإزالة الفكر ومداومة الذكر ليس إلا وعلل البدن
الأدوية الطبية وأما أمراض النفس فثلاثة: مرض في الأقوال
كالتزام قول الحق فإن الغيبة حق وقد نهى عنها والنصيحة في
الملاحق وهي نصيحة مذمومة وكالمن والتحدث بما لا يعني ونحو
ذلك ومرض في الأفعال كالرياء والعجب ومرض في الأحوال كصحبة
للأولياء ليشيع أنه منهم وهو في نفسه مع شهوته فمن عرف هذه
العلل وأدواءها وخلص نفسه منها فقد نفعها وذلك أفضل الجهاد
مطلقا فإنه فرض عين مطلقا
(ابن النجار) في تاريخه (عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أنه
لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو
ذهول عجب وقد خرجه الحافظ أبو نعيم والديلمي من حديث أبي
ذر بلفظ: أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله
(2/31)
1248 - (أفضل الحج العج) بفتح العين
المهملة (والثج) أي أفضل أعمال الحج رفع الصوت بالتلبية
وصب دماء الهدي كذا في الكشاف. قال الطيبي: أراد بهما
الاستيعاب فبدأ بالإحرام الذي هو الإهلال وانتهى بالتحلل
الذي هو إهراق دم الهدي فاكتفى بالمبتدأ والمنتهى عن سائر
أعماله: يعني أفضل الحج ما استوعب جميع أعماله من أركان
وشروط ومندوبات. قال ابن عبد السلام: وأفضل أركان الحج
الطواف فهو أفضل من الوقوف لشبهه بالصلاة والعج رعف الصوت
بالتلبية والثج إراقة الدم وكل سائل لكن سائل الحج هو الدم
كما في العارضة
(ت) في التفسير (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الضحاك بن
عثمان قال أبو زرعة: ليس بقوي ووثقه ابن معين (هـ ك) في
الحج (هق) كلهم (عن أبي بكر) الصديق وصححه الحاكم وأقره
الذهبي في التلخيص وإنه لشيء عجاب مع أن فيه يعقوب بن محمد
الزهري أورده هو - أعني الذهبي - في الضعفاء وقال: ضعفه
أبو زرعة وغير واحد وفيه أيضا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك
أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة مشهور. قال ابن سعيد: ليس
بحجة (ع عن ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم أي الحج أفضل؟ فذكره واستغربه الترمذي وهو معلول
من طرقه الثلاثة. قال ابن حجر: حديث ابن ماجه عن ابن عمر
فيه إبراهيم بن يزيد الجوزي وحديث الحاكم عن أبي بكر فيه
[ص:32] انقطاع بين المنكدر وعبد الرحمن بن يربوع نبه عليه
الترمذي وحديث أبي يعلى عن ابن مسعود فيه الواقدي اه
(2/31)
1249 - (أفضل الحسنات) المتعلقة بحسن
المعاشرة (تكرمة الجلساء) تفعلة من الكرامة ومن جملتها بسط
الرداء والوسادة وإنما يكون من أفضل الحسنات إذا نويت
امتثال الأمر الموالاة لله وفي الله فإنها من أوثق عرى
الإيمان ومن تكرمة الجليس الإصغاء لحديثه كابن أبي رباح
كان إذا حدثه شخص بحديث وهو يعلمه أصغى إليه إصغاء من لم
يسمعه قط لئلا يخجل جليسه. قال حجة الإسلام: فيندب إكرام
الصاحب والجليس ندبا مؤكدا وفيه إشارة إلى وصية آداب
الصحبة فمنها كتمان السر وستر العيوب والسكوت عن تبليغ ما
يسوءه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس
عليه وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المراء فيه وأن يدعوه
بأحب أسمائه إليه وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ويشكره
على صنيعه في حقه ويذب عنه في غيبته وينهض معه في حوائجه
من غير إحواج إلى التماس وينصحه باللطف والتعريض إن احيج.
ويعفو عن زلته وهفوته ولا يعيبه ويدعو له في الخلوة في
حياته ومماته ويؤثر التحقيق عنه وينظر إلى حاجاته ويروح
قلبه في مهماته ويظهر الفرح بما يسره والحزن بما يضره
ويضمر مثل ما يظهره فيه ليكون صادقا في وده سرا وعلنا
ويبدأه بالسلام عند إقباله ويوسع له في المجلس ويخرج له من
مكانه ويشيعه عند قيامه ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من
خطابه. وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به اه. وقال
غيره: المجالسة وإكرام الجلساء أن يوسع للجليس ويقبل عليه
ويصغي لحديثه ويتمكن من الجلوس معه غير مستوفز ولا يعبث
بلحيته ولا خاتمه ولا يسبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا
يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن
إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو
درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات
(القضاعي عن ابن مسعود)
(2/32)
1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه)
لأنها أقرب جار إليه والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام
بذلك أفضل ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره
إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو
داء شنيع والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه
فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون
أفضل وأرجى إجابة ذكره بعض الأعاظم وفضل الدعاء يكون بحسب
المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا
ينافي أفضليته من جهة أخرى وقد تجتمع الجهات كلها
(هـ ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة)
وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته
ذهولا عن تعقب الذهبي له بأن مباركا هذا واه اه. نعم رواه
الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد فلو
عزاه المصنف له لكان أولى
(2/32)
1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر
الربوبية لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو
(العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام
والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: العفو أن يعفو
عن الذنوب والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة
أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة
قصاص وهي مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس
ويعافيهم منك. إلى هنا كلامه وقال الحكيم: العفو والعافية
مشتق أحدهما من الآخر إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال
العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا وذكرهما
في الحديث في الدارين إيذانا بأنهما يرجعان إلى شيء واحد
فيقال في محل العقوبة عفا عنه وفي محل [ص:33] الابتلاء
عافاه ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار
بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي: كفى بالسلامة داء كما يأتي
(فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد
أفلحت) أي فزت وظفرت لن لكل نعمة تبعة ولكل ذنب نقمة في
الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات تخلص هذا
في العفو وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر
الأمور من تدبير فكلما تنفس نفسا استمد منه وفيه السلامة
والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء
فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك
من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها
البلاء أعاذنا الله بكرمه ثم إن قلت: طلب سؤال العافية من
الله يناقضه ما جاء في غير ما خبر: إن البلاء خير من
النعيم فالجواب: أن البلاء خير ونعمة باعتبارين: أحدهما
بالإضافة إلى ما هو أكبر منه إما في الدين والدنيا والآخر
بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب فينبغي أن يسأل الله تعالى
تمام النعمة في الدنيا والآخرة ودفع ما فوقه من البلاء
ويسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر
على أن يعطي على الشكر ما يعطيه على الصبر قاله حجة
الإسلام <تنبيه> قال شيخنا العارف الشعراني: قال لي
البرهان بن أبي شريف لا ينبغي لمن وقع في ذنب واحد طول
عمره أن يسأل الله الرضا وإنما يسأله العفو فإذا حصل حصل
الرضا كما أنه لا ينبغي أن يسأل الله أن يكون من الصالحين
الكمل ورثة الأنبياء
(حم وهناد) في الزهد (ت هـ عن أنس) وقال الترمذي حسن إنما
نعرفه من حديث سلمة بن وردان أهو سلمة هذا ضعفه أحمد
(2/32)
1252 - (أفضل الدنانير) أي أكثرها ثوابا
إذا أنفقت (دينار ينفقه الرجل على عياله) أي من يعوله
وتلزمه مؤنته من نحو ولد وزوجة وخادم (ودينار ينفقه الرجل
على دابته في سبيل الله) أي التي أعدها للغزو عليها
(ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل) يعني
على رفقته الغزاة وقيل المراد بسبيله كل طاعة وقدم العيال
لأن نفقتهم أهم ما يجب عليه تقديمه ثم دابة الجهاد لمزيد
فضل النفقة عليها كما سيجيء بيانه في عدة أخبار ومقصود
الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجرا من
جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي
أنفقته على أهلك وخص دابة الغزو وأصحابه الغزاة لأن النفقة
عليهم أهم مما ينفق في الجهاد وأعظمه أجرا غالبا
(حم م ت ن هـ عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذا في الرياض ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ثوبان شيئا
(2/33)
1253 - (أفضل الذكر لا إله إلا الله) إذ لا
يصح الإيمان إلا به ولأن فيه إثبات الإلهية لله ونفيها عما
عداه وليس ذا في سواه من الأذكار ولأن للتهليل تأثيرا في
تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في
الظاهر {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} فيفيد نفي عموم الإلهية
بقوله " لا إله " ويثبت الواحد بقوله " إلا الله " ويعود
الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن ويتولى على
جوارحه ويجد حلاوة هذا من ذاق وقال بعض العارفين: إنما
كانت أفضل لأنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شيء إذ لو
ماثله شيء ما كان واحدا بل اثنين فصاعدا فما ثم ما يزنه
إلا المعادل والمماثل ولا معادل ولا مماثل فذلك هو المانع
للا إله إلا الله أن تدخل الميزان يوم القيامة فإن الشرك
الذي يقابل التوحيد لا يصح وجوده من العبد مع وجود التوحيد
فإن الإنسان إما مشرك وإما موحد فلا يزن التوحيد إلا الشرك
ولا يجتمعان في ميزان أبدا فعليك بالذكر بها فإنه الذكر
[ص:34] الأقوى وله النور الأضوى والمكانة الزلفى ولا يشعر
بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه وحكمه (وأفضل الدعاء
الحمد لله) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه
الحاجة والحمد يشملها فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه
والحمد على النعم طلب المزيد وفي الحديث القدسي إن الله
يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي
السائلين وسيجيء حديث: الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا
يحمده فنبه به على وجه تسمية الحمد دعاء وهو كونه محصلا
لمقصود الدعاء فأطلق عليه دعاء مجازا لذلك فإن حقيقة
الدعاء طلب الإنعام والشكر كفيل بحصول الإنعام للوعد
الصادق بقوله {لئن شكرتم لأزيدنكم} وقال الطيبي: لعله جعل
أفضل الدعاء من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه. قال: وقد
يكون قوله الحمد لله: تلميح وإشارة إلى {اهدنا الصراط
المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} وأي دعاء أفضل وأجمع
وأكمل منه. قال المؤلف: دل هذا الحديث بمنطوقه على أن كلا
من الكلمتين أفضل نوعه ودل بمفهومه على أن لا إله إلا الله
أفضل من الحمد لله فإن نوع الذكر أفضل من نوعه. <تنبيه>
قال الغزالي: ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله
فإن النعم كلها من الله وهو المنعم والوسائط مسخرون من
جهته وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد لدخولهما فيه بل
الرتبة الأولى من معارف الإيمان التقديس ثم إذا عرف ذاتا
مقدسة يعرف أنه لا يقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس وهو
التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك
الواحد فقط فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة
وينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد
بالفعل فلذلك ضوعف الحمد ما لم يضاعف غيره من الأذكار
مطلقا <تنبيه> قال البدر الدماميني: لا يمتنع أن يفوق
الذكر مع سهولته الأعمال الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه
وإن ورد: أفضل العبادات أشقها لأن في الإخلاص في الذكر من
المشقة سيما الحمد في حال الفقر ما يصير به أعظم الأعمال
وأيضا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال
فإن ثواب كلمة الشهادة مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة
(تنبيه آخر) قال بعض العارفين: سميت كلمة الشهادة تهليلا
من الإهلال وهو رفع الصوت أي إذا ذكر بما ارتفع الصوت الذي
هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة
ولذلك كانت أفضل ما قاله النبييون كما في الخبر الآتي
فأرفع الكلمات " لا إله إلا الله " وهي أربع كلمات نفي
ومنفي وإيجاب وموجوب والأربعة الأسماء الإلهية أصل وجود
العالم والأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام والأربعة
العناصر أصل وجود المولودات والأربعة الأخلاط أصل وجود
الحيوان والأربعة الحقائق أصل وجود الإنسان فالأربعة
الإلهية: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والأربعة
الطبيعية: الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة والأربعة
العناصر: ركن النار والهواء والماء والتراب والأربعة
الأخلاط: المرتان والدم والبلغم والأربعة الحقائق: الجسم
والتغذي والحس والنطق فإذا قال عبده لا إله إلا الله على
هذا التربيع كان لسان العالم ونائب الحق في النطق وهذه
الكلمة اثنا عشر حرفا فاستوعبت بهذا العدد بسائط أسماء
الأعداد وهي اثنا عشر العشرات والمئون والألوف ومن واحد
إلى تسعة ثم بعد هذا يقع التركيب بما يخرجك من الآحاد إلى
ما لا يتناهى وهو ما يتركب منها فلا إله إلا الله وإن
انحصرت في هذا القدر في الوجود فجزاؤها لا يتناهى
(ت) في الدعوات (ن) في اليوم والليلة في ثواب التسبيح (حب
ك) في الدعوات (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم
صحيح وأقره الذهبي
(2/33)
1254 - (أفضل الرباط) هو في الأصل الإقامة
على جهاد العدو بالحرب ثم شبه به الأفعال الصالحة (الصلاة)
لأنها أفضل عبادة البدن بعد الإيمان ولفظ رواية الطيالسي:
الصلاة بعد الصلاة فكأنه سقط من قلم المصنف (ولزوم [ص:35]
مجالس الذكر وما من عبد) أي مسلم (يصلي) فرضا أو نفلا (ثم
يقعد في مصلاه) أي المحل الذي صلى فيه (إلا لم تزل
الملائكة تصلي عليه) أي تستغفر له (حتى يحدث) أي ينتقض
طهره بأي ناقض كان أو يحدث أمرا من أمور الدنيا وشواغلها
(أو يقوم) من مصلاه ذلك متى قام
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن أبي حميد
فإن كان المدني فضعفوه أو الزهري فشبه المجهول كما في
الضعفاء للذهبي
(2/34)
1255 - (أفضل الرقاب) أي للعتق (أغلاها
ثمنا) بغين معجمة عند الجمهور وروي بمهملة أيضا ومعناها
متقارب. قال النووي: هذا فيمن يعتق واحدة فلو أراد الشراء
بألف للعتق فالعدد أولى وفارق السمينة في الأضحية: بأن
القصد هنا فك الرقاب وثم طيب اللحم اه. قال ابن حجر: ويظهر
اختلافه باختلاف الأشخاص والضابط أن الأفضل أيهما أكثر
نفعا قل أو كثر وأخذ منه مالك ندب عتق كافرة هي أغلى ثمنا
من مسلمة قلنا قد قيد في حديث آخر بالمسلمة (وأنفسها) بفتح
الفاء أحبها وأكرمها (عند أهلها) أي ما اغتباطهم به أشد
فإن عتق مثله إنما يقع غالبا خالصا {لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون} وفيه أن من حق المتقرب إلى ربه أن يتفوق
في اختيار ما يتقرب به بأن يكون بريئا من العيب يونق
الناظرين وأن يتغالى بثمنه فقد ضحى عمر بنجيبة بثلاث مئة
دينار
(حم ق ن هـ عن أبي ذر) الغفاري قال: سألت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: أي الرقاب افضل؟ قال أغلاها ثمنا
وأنفسها عند أهلها. قلت فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو
تصنع لآخر قلت فإن لم أفعل قال فدع الناس من الشر فإنها
صدقة تصدق بها على نفسك اه (حم طب عن أبي أمامة) الباهلي.
قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات
(2/35)
1256 - (أفضل الساعات) أي ساعات التهجد
والدعاء فيه (جوف الليل الآخر) روي بالنصب على الظرف أي
الدعاء جوف الليل: أي ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من
أسداس الليل كما في النهاية وفي القاموس: جوف الليل الآخر
ثلثه الأخير ولو حذف ذكر الآخر لكان جوف الليل وسطه وليس
مرادا. قال بعض العارفين: فيناجي المصلي ربه في تلك الساعة
بما يعطيه عالم الغيب والشهادة والعقل والفكر من الأدلة
والبراهين عليه سبحانه وهو خصوص دلالة بخصوص معرفة يعرفها
أهل الليل وهي صلاة المحبين من أهل الأسرار وغوامض العلوم
المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت
وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح
البشرية لرؤية الآيات الإلهية والتقريب الروحاني وهو وقت
نزول الحق تقدس من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا
للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف
وخرج بالليل النهار فأفضل ساعاته للتعبد فيه أوله
(طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين قديم
الإسلام محقق الصحبة أبي نجيح السلمي يقال أسلم بعد أبي
بكر وبلال وكان يقال هو ربع الإسلام سكن المدينة ثم نزل
الشام
(2/35)
1257 - (أفضل الشهداء من سفك دمه) أي أسيل
دمه وأهلك في أول دفعة أي قطرة من الدم (وعقر جواده) أي
جرح فرسه وضربت قوائمه بالسيف وفي الصحاح: عقر الفرس
بالسيف فانعقر: أي ضرب قوائمه. وقال الزمخشري: تقول إن بني
فلان عقروا مراعي القوم إذا قطعوها وأفسدوها والجواد الفرس
الجيد. قال الزمخشري: تقول فرس جواد من خيل جياد وأجاد
فلان صار له فرس جواد والمراد أنه عقر جواده ثم استشهدا
وقتلا معا فيكون له أجر نفسه وجواده وأما إن قتل ثم عقر
جواده فإنما يكون له أجر نفسه وأما أجر جواده فلوارثه
فلذلك كان الأول أفضل وتمسك به من فضل شهيد البر على شهيد
البحر وعكسه البعض تمسكا بخير: من لم يدرك الغزو معنا
[ص:36] فليغزو في البحر فإن غزوة في البحر أفضل من غزوتين
في البر
(طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه ورواه ابن حبان عن أبي
ذر بلفظ: أفضل الجهاد من عقر جواده وأهرق دمه وله شواهد
ترقيه إلى الصحة
(2/35)
1258 - (أفضل الصدقة) أي أعظمها أجرا قال
الحراني: الصدقة الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب
(أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وبالتشديد
على إدغامها (وأنت صحيح) أي والحال أنك سليم من مرض مخوف
(شحيح) أي حريص على الضنة بالمال وهو صفة مشبهة من الشح
وهو بخل مع حرص فهو أبلغ منه فهو بمنزلة الجنس والبخل
بمنزلة النوع وقيل هو وصف لازم من جهة الطبع (تأمل) بفتح
المثناة فوق وبضم الميم (العيش) أي تطمع كذا هو في جامع
الفصولين للمؤلف وهي لفظ رواية النسائي ورواية البخاري:
الغنى: بغين معجمة مكسورة ثم وقفت على خط المؤلف فوجدته
الغنى فتقول أترك مالي في بيتي لأكون غنيا وقد أعمر طويلا
(وتخشى) أي والحال أنك تخشى (الفقر) أي تقول في نفسك لا
تتلف مالك لئلا تصير فقيرا فمجاهدة النفس حينئذ على إخراج
المال آية صحة القصد وقوة الرغبة فكان لذلك أفضل لأن
المراد أن شح النفس هو سبب هذه الأفضلية (ولا تمهل) بالجزم
نهي وبالرفع نفي فيكون مستأنفا وبالنصب عطف على تصدق
وكلاهما خبر مبتدأ محذوف: أي أفضل الصدقة أن تتصدق بها حال
صحتك على احتياجك لما في يدك ولا تؤخر (حتى إذا بلغت)
الروح يدل عليه السياق (الحلقوم) بضم الحاء المهملة الحلق
أي قاربت بلوغه أي الوصول إلى مجرى النفس عند الغرغرة ولم
تبلغه بالفعل إذ لو بلغته لما صح تصرفه (قلت لفلان كذا
ولفلان كذا) كناية عن الموصى به والموصى له: أي إذا وصلت
هذه الحالة وعلمت أن المال صار لغيرك تقول للورثة أعطوا
فلانا من مالي كذا واصرفوا لعمارة المسجد كذا (وقد كان
لفلان) أي والحال أن المال في تلك الحالة صار متعلقا
بالوارث فيبطله إن شاء فيما زاد على الثلث وقيل كناية عن
المورث أي خرج عن تصرفه واستقلاله بما شاء من التصرف فليس
له في وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان وهو كامل التصرف
وحاصله أن الشح غالب في الصحة فالصدقة حينئذ أعظم أجرا
وفيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وأن سخاءه في
مرضه لا يمحو عنه سمة البخل ومعنى شحه بالمال أن يجد له
وقعا في قلبه لما يرجوه من طول العمر ويخافه من حدوث الفقر
{الشيطان يعدكم الفقر} وفيه التحذير من التسويف بالإنفاق
استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل والترغيب في
المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية
(حم ق د ن عن أبي هريرة)
(2/36)
1259 - (أفضل الصدقة) أي من أفضلها: وكذا
يقال فيما يأتي (جهد) روي بضم الجيم وفتحها فبالضم الوسع
والطاقة وهو الأنسب هنا وبالفتح المشقة والمبالغة والغاية
(المقل) بضم فكسر أي مجهود وقليل المال: يعني قدرته
واستطاعته وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة بالله
والزهد فصدقته أفضل الصدقة وهو أفضل الناس بشهادة خبر:
أفضل الناس رجل يعطي جهده والمراد بالمقل الغني القلب
ليوافق قوله الآتي: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى أو يقال
الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين
فالمخاطب بهذا الحديث أبو هريرة وكان مقلا متوكلا على الله
فأجابه بما يقتضيه حاله والمخاطب بالحديث الآتي حكيم بن
حزام وكان من أشراف قريش وعظمائها وأغنيائها ووجوهها في
الجاهلية والإسلام (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن
تلزمك مؤنته وجوبا فقدمه على التصدق تقديما للواجب على
المندوب ولا يتناول ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما
زاد على كفايتهم لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن
اندفعت حاجته في مقصود الشارع
(د) في الزكاة وسكت عليه وأقره المنذري [ص:37] (ك) فيها
(عن أبي هريرة) وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي
(2/36)
1260 - (أفضل الصدقة) قال الراغب: ما يخرج
من المال تقربا كالزكاة لكن الصدقة في الأصل للمتطوع به
والزكاة للواجب وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى الصدق في
فعله (ما كان عن ظهر غنى) أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى
فزاد لفظ ظهرا إشباعا للكلام وتمكينا وقيل هذا عبارة عن
تمكن المتصدق عن غنى ما كقولهم هو على ظهر سير أي متمكن
منه وتنكير غنى ليفيد أنه لا بد للمتصدق من غنى ما إما غنى
النفس وهو الاستغناء عما بذل بسخاء نفس ثقة بالله كما كان
للصديق وإما غنى مال حاصل في يده والأول أفضل اليسارين
للخبر الآتي: ليس الغنى عن كثرة المال والعرض وإلا لما ندب
له التصدق بجميع ماله ويترك نفسه وعياله في الجوع والشدة
(واليد العليا) المعطية وقيل المتعففة (خير من السفلى) أي
الآخذة ومحصول ما في الآثار إعلاء الأيدي المنفقة ثم
المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي
المانعة والسائلة وقد تقرر أنه لا تدافع بين ذا وما قبله
لأن في الصابرين على الإضافة المؤثرين على أنفسهم ولو كان
بهم خصاصة والثاني فيمن ليس كذلك (وابدأ بمن تعول) قال
الطيبي: يشمل النفقة على العيال وصدقتي الواجب والتطوع وأن
يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعليه كان
الظاهر أن يؤتى بألف فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية
إلى الإنشائية تفويضا للترتيب إلى الذهن واهتماما بشأن
الانفاق وفيه أن تبقية بعض المال أفضل من التصدق بكله
ليرجع كلا على الناس إلا لأهل اليقين كالصديق وأضرابه
ومحصوله أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف
اليقين كما مر <تنبيه> قال الزمخشري: أصل العليا اسم لمكان
مرتفع وليست بتأنيث الأعلى بدليل انقلاب الواو ياء ولو
كانت صفة لقيل العلوى كالعشوى والقنوى والحذرى في تأنيث
أفعالها ولأنها استعملت منكرة وأفعل التفضيل ومؤنثه ليسا
كذلك
(حم م ن عن حكيم بن حزام) ولد في جوف الكعبة وعاش مئة
وعشرين سنة: ستين في الجاهلية وستين في الإسلام القرشي
الشريف جاهلية وإسلاما
(2/37)
1261 - (أفضل الصدقة سقي الماء) لمعصوم
محتاج وفسره في رواية الطبراني بأن يحمله إليهم إذا غابوا
ويكفيهم إياه إذا حضروا وقال الهيثمي: إن رجال هذه الرواية
رجال الصحيح ولا عطر بعد عروس وزاد أعني الطبراني في رواية
أخرى سندها مجهول بعد قوله سقي الماء ألم تسمع إلى أهل
النار لما استغاثوا بأهل الجنة {أفيضوا علينا من الماء}
قال الطيبي: وإنما كان أفضل لأنه أعم نفعا في الأجور
الدينية والدنيوية ولذك امتن الله علينا بقوله: {وأنزلنا
من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتة ونسقيه} الآية.
وإنما وصف الماء بالطهور ليشير إلى أن الغرض أنه أصل في
الأثر أي إزالة الموانع من العبادة وباقي الأغراض تابعة
اه. وأقول محل أفضليته التصدق به على غيره إذا عظمت الحاجة
إليه كما هو الغالب في قطر الحجاز لقلة المياه فيه ومثله
الطريق إليه للحجاج ونحو ذلك وإلا فالتصدق بنحو الخبز أفضل
منه سيما زمن الغلاء والمجاعة
(حم ن ده حب ك عن سعد بن عبادة) بضم المهملة السيد الجواد
الرئيس قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي
الصدقة أعجب إليك؟ فذكره (ع عن ابن عباس) قال: قال سعد يا
رسول الله: ماتت أم سعد فأي الصدقة أفضل؟ فذكره فحفر بئرا
فقال هذه لأم سعد
(2/37)
1262 - (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم
علما) أي شرعيا أو ما كان آلة له (ثم يعلمه أخاه المسلم)
فتعليمك العلم لغيرك صدقة منك عليه بل هو من أفضل أنواع
الصدقة لأن الانتفاع به فوق الانتفاع بالمال لأن المال
ينفد والعلم باق [ص:38] إلا أن إطلاق الصدقة على نحو هذا
من قبل المجاز كما يشير إليه كلام العلامة الزمخشري في
الفائق. وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها من تفسير وحديث
وفقه وآلة ذكر: فرض كفاية
(هـ) من حديث الحسن (عن أبي هريرة) قال المنذري: إسناده
حسن لو صح سماع الحسن منه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته
غير حسن
(2/37)
1263 - (أفضل الصدقة الصدقة على ذي رحم
الكاشح) بشين معجمة فمهملة قال الزمخشري: هو الذي يضمر
العداوة ويطوي عليها كشحه. أو الذي يطوي عنك كشحه ولا
يألفك اه: يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة
في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح
لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم
المصافي أفضل أجرا منها على الأجنبي لأنه أولى الناس
بالمعروف
(حم طب عن أبي أيوب) قال الزين العراقي في شرح الترمذي
وفيه الحجاج بن أرطاة ضعيف وقال الهيثمي فيه الحجاج بن
أرطاة وحاله معروف وروياه أيضا (عن حكيم بن حزام) قال
الهيثمي: وسنده حسن اه. ونقل ابن حجر في التخريج عن ابن
طاهر أن سنده صحيح وأقره وما ذكر من أن الرواية عن أبي
أيوب هو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع لكن ذكر ابن شاهين
وابن منده وابن الأثير وغيرهم أنه عن أيوب بن بشير
الأنصاري عن حكيم بن حزام وذكر ابن حجر في الإصابة أن
رواية الطبراني في الكبير هكذا قال هذا الحديث خرجه ابن
أحمد في زيادته والطبراني في الكبير من طريق سفيان بن حسين
عن الزهري عن أيوب بن بشير عن حكيم بن حزام وذكر أنه معلول
فلينظر (خد د ت عن أبي سعيد) الخدري (طب) عن أم كلثوم بنت
عقبة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (ك عن أم كلثوم) بضم
الكاف وسكون اللام وضم المثلثة (بنت عقبة) بضم المهملة
وسكون القاف ابن أبي معيط الأموية أخت عثمان لأمه وهي أول
صحابية هاجرت من مكة فتزوجها زيد ثم الزبير ثم عبد الرحمن
بن عوف قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي
(2/38)
1264 - (أفضل الصدقة) أي من أفضل الصدقة
على المماليك (ما تصدق به) يجوز كونه ماضيا مبنيا للفاعل
أو المفعول ويجوز كونه مضارعا مخففا على حذف إحدى التاءين
ومشددا على إدغامها (على مملوك) آدمي أو غيره من كل معصوم
(عند مالك) بالتنوين (سوء) لأنه مضطر وتحت قهر غيره
والصدقة على المضطر أضعاف مضاعفة إذ المتصدق عليهم ثلاثة
فقير مستغني عن الصدقة في ذلك الوقت وفقير محتاج مضطر
فالصدقة على المستغني عنها وهو في حد الفقر صدقة والصدقة
على المحتاج مضاعفة وعلى المضطر أضعاف مضاعفة فالمملوك عند
مليك السوء انتظمت فيه ثلاث حالات: فهو فقير ومحتاج ومضطر
فلذلك صار أفضل الكل ولا تدافع بين هذا الحديث وما قبله
لاختلاف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان فقد يغرض
من الحالات ما يعرض فيه بأفضلية تقديم المملوك على ذي
الرحم بل قد يجب وشمل ذلك كل حيوان محترم محتاج إلى مؤنة
أو دفع مؤذ من نحو حر أو برد
(طس عن أبي هريرة) الذي وقفت عليه في معجمه الأوسط: ما من
صدقة تصدق بها على مملوك عند ملك سوء اه ثم المصنف رمز
لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: فيه بشير بن ميمون وهو
ضعيف
(2/38)
1265 - (أفضل الصدقة) الصدقة التي تقع (في
رمضان) لأن التوسعة فيه على عيال الله محبوبة ولهذا كان
المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان وذلك
لأنه تعالى وضع رمضان لإفاضة الرحمة على عباده أضعاف ما
يفيضها [ص:39] في غيره فكانت الصدقة فيه أفضل ثوابا منها
في غيره وفيه ندب إكثار الصدقة فيه ومزيد الإنفاق على
المحتاجين والتوسعة على عياله وأقاربه ومحبيه فيه وهو اسم
لشهر معروف لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة
سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوالق شدة الحر ورمضه فيه
فسمي
(سليم) بالتصغير (الرازي) بفتح الراء وسكون الألف وآخره
زاي نسبة إلى الري مدينة كبيرة مشهورة من بلاد الديلم
وألحقوا الزاي بالنسب (في جزئه عن أنس) بن مالك قال ابن
الجوزي: هذا لا يثبت فيه صدقة بن موسى قال ابن معين: ليس
بشيء اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من
المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو
ذهول فقد خرجه البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ
المزبور عن أنس بل خرجه الترمذي عن أنس المذكور كما في
الفردوس وغيره عنه ولفظه: أفضل الصدقة صدقة رمضان
(2/38)
1266 - (أفضل صدقة اللسان الشفاعة) الموجود
في أصل الشعب للبيهقي المقروء المتقنة: أفضل الصدقة صدقة
اللسان قالوا يا رسول الله وما صدقة اللسان قال الشفاعة
(تفك بها الأسير) أي يتخلص بسببها المأسور من العذاب أو
الشدة كأنه قيل: أفضل صدقة اللسان الشفاعة لماذا: قال
ليخلص بها الإنسان من الضيق (وتحقن) بفتح فسكون فكسر (بها
الدم) أي تمنعه أن يسفك. قال الزمخشري: من المجاز حقنت دمه
إذا حل به القتل فأنقذته (وتجر) أي تسحب (بها المعروف
والإحسان إلى أخيك) في الإسلام أو توصل إليه بها الجميل
(وتدفع عنه) بها (الكريهة) أي ما يكرهه ويشق عليه من
النوازل الدنيوية {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها}
والواو بمعنى أو
(طب هب عن سمرة) بضم الميم ابن جندب قال الهيثمي: فيه أبو
بكر الهذلي ضعيف ضعفه أحمد وغيره وقال البخاري: ليس
بالحافظ ثم أورد له هذا الخبر وأقول: فيه أيضا عند البيهقي
مروان بن جعفر السمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال
الأزدي يتكلمون فيه
(2/39)
1267 - (أفضل الصدقة أن تشبع كبدا) بفتح
فكسر أو فسكون (جائعا) أي أن تشبع ذا كبد جائع فوصف الكبد
بوصف صاحبه على الإسناد المجازي وهو من جعل الوصف المناسب
علة للحكم وفائدة العموم تتناول أنواع الحيوان والمؤمن
والكافر أي المعصوم والناطق والصامت ونبه بالإشباع على
جميع وجوه الإحسان من سقي الماء وغيره مما تشتد حاجته إليه
(هب عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا
ففيه هشام بن حسان وأورده الذهبي في الضعفاء وقال قال شعيب
عن شعبة لم يكن يحفظ
(2/39)
1268 - (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين)
بالفتح أي العداوة والبغضاء والفرقة: يعني إصلاح الفساد
بين القوم وإزالة الفتنة وإسكان الثائرة والنائرة
والمستلزم إحياء النفوس غالبا وهي من حيث عموم نفعها أفضل
من صدقة نفعها قاصر ومن ذلك ما لو كانت بين طائفتين فتنة
فتحمل رجل مالا ليصلح بينهم أو أخذ من المياسير لذلك. قال
ابن عربي: وإذا كان الله قد رغب بل أمر المسلمين إذا جنح
الكفار إلى السلم فأجرى الصلح بين المتهاجرين من المسلمين
فأعظم به من صدقة
(طب) وكذا البزار (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال العراقي:
فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف وقال المنذري:
فيه ابن أنعم وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم
(2/39)
[ص:40] 1269 - (أفضل الصدقة اللسان) أي
صدقة اللسان يعني كل خير وبر يصدر من الأعضاء صدقة وصدقة
اللسان أفضلها كما خصه بقوله في الحيث الآتي: لا يستقيم
إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم
لسانه فأفضل الصدقة الشفاعة والهداية إلى ما ينجي في
الآخرة وتعليم الجاهل ونصرة الدين بإقامة الحجج والبراهين
وغير ذلك وقيل أراد أفضل صدقة المرء على نفسه أن يحفظ
لسانه لأنه لما كان هو الذي يوقع الإنسان في الهلاك كان
حفظه عن الزلل المؤدي للعقاب كأنه صدقة منه عليه وهل يكب
الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم وما ذكر
من أن الرواية أفضل الصدقة اللسان هو ما وقفت عليه في خط
المؤلف وفي عامة النسخ أفضل الصدقة حفظ اللسان فليحرر ثم
راحعت مسند الفردوس الذي عزا المصنف الحديث إليه فوجدته:
حفظ اللسان
(فر) وكذا القضاعي (عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لضعفه
ووجهه أن فيه حصيب بن جحدر. قال الذهبي كذبه شعبة والقطان
(2/40)
1270 - (أفضل الصدقة سر إلى فقير) أي إسرار
بها إليه فهي أفضل من العلانية لبعدها عن الرياء {وإن
تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (وجهد من مقل) أي بذل
من فقير لأنه يكون بجهد ومشقة لقلة ماله وهو صعب شديد على
من حاله الإقلال ومن ثم قال بشر: أشد الأعمال ثلاثة: الجود
في القلة والورع في الخلوة وكلمة حق عند ما يخاف ويرجى
(طب عن أبي أمامة) قال قلت يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟
فذكره ورواه أحمد في حديث طويل قال الهيثمي وفيه علي بن
زيد وهو ضعيف اه لكن له شواهد منها ما رواه أحمد في حديث
طويل عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله الصدقة ما هي؟ قال
أضعاف مضاعفة قلت فأيها أفضل؟ قال جهد من مقل أو سر إلى
فقير. اه. وفيه أبو عمر الدمشقي متروك
(2/40)
1171 - (أفضل الصدقة المنيح) كأمير وأصله
المنيحة فحذفت الهاء والمنيحة المنحة وهي العطاء هبة أو
قرضا أو نحو ذلك قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال (أن تمنح
الدراهم) أو الدنانير أي تقرضه أو تتصدق به أو تهبه (أو
ظهر الدابة) أي أن تعير أخاك دابة ليركبها ثم يردها أو
تجعل له درها ونسلها وصوفها
(طب) وكذا أحمد (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو يعلى
وزاد الدينار أو البقرة والبزار. قال الهيثمي ورجال أحمد
رجال الصحيح اه وظاهره أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو
عزاه المصنف له لكان أولى
(2/40)
1272 - (أفضل الصدقات ظل فسطاط) بضم الفاء
وتكسر: أي خيمة يستظل بها المجاهد (في سبيل الله عز وجل)
أي أن ينصب خباء للغزاة يستظلون فيه (أو منحة) بكسر الميم
(خادم في سبيل الله) أي هبة خادم للمجاهد أو قرضه أو
إعارته والخادم يقع على الذكر والأنثى كما سلف (أو طروقة
فحل في سبيل الله) بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة أي
مركوبة يعني ناقة أو فرس بلغت أن يطرفها الفحل يعطيه إياها
ليركبها إعارة أو هبة. قال الطيبي وهذا عطف على منحة خادم
فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أي منحة ناقة وكان
الظاهر أن يقال منحة فسطاس كما في القرينتين فوضع الظل
موضعها لأن غاية منفعتها الاستظلال بها
(حم ت) في الجهاد (عن أبي أمامة) الباهلي (ت عن عدي بن
حاتم) صححه الترمذي وتبعه عبد الحق واعترضه ابن القطان بأن
فيه القاسم بن أبي عبد الرحمن مختلف فيه قال [ص:41] فحق
الحديث أن يقال فيه حسن لا صحيح وأقول فيه أيضا الوليد بن
جميل قال الذهبي قال أبو حاتم: روى عن الحسن أحاديث منكرة
(2/40)
1273 - (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح
يوم الجمعة في جماعة) لأن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع
والصبح أفضل الخمس على ما اقتضاه هذا الحديث ونص عليه
الشافعي لكن الأصح عند أصحابه أن أفضل الصلوات العصر إذ هي
الوسطى على المعمول به الذي صح به الحديث من غير معارض ثم
الصبح ثم العشاء ثم المغرب ثم الظهر على الأوجه للحديث
الآتي وأفضل الجماعات جماعة الجمعة ثم الصبح ثم العشاء
لامتياز الجمعة بخصائص ليست لغيرها وعظم المشقة في جماعة
الصبح والعشاء ويعارضه خبر الطبراني عن عائشة: أفضل الصلاة
عند الله صلاة المغرب ومن صلى بعدها ركعتين بنى الله له
بيتا في الجنة والحديثان ضعيفان ويمكن تأويل الثاني بأنه
بمعنى من
(حل هب عن ابن عمر) بن الخطاب أشار المصنف لضعفه وذلك لأن
فيه الوليد بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال
ابن معين ليس بشيء
(2/41)
1274 - (أفضل الصلوات بعد المكتوبة) أي
ولواحقها من الرواتب وما أشبهها مما يسن فعله جماعة إذ هي
أفضل من مطلق النفل على الأصح (الصلاة في جوف الليل) فهي
فيه أفضل منها في النهار لأن الخشوع فيه أوفر لاجتماع
القلب والخلو بالرب {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ} {أمن هو
قانت آناء الليل} ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف
إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق وللبدن أتعب وأنصب
فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله ذكره الزمخشري
وبالصلاة ليلا يتوصل إلى صفاء السرور ودوام الشكر وهي بعد
نوم أفضل والمراد بالجوف هنا السدس الرابع والخامس فهما
أكمل من بقيته لأنه الذي واظب عليه المصطفى صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ولأنه أشق الأوقات استيقاظا وأحبها راحة
وأولاها لصفاء القلوب: وأقربها إلى الإجابة المعبر عنها في
الأحاديث بالنزول (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان) المضاف
محذوف أي أفضل شهور الصيام (شهر الله) قال الزمخشري: أضافه
إليه عز اسمه تعظيما له وتفخيما كقولهم بيت الله وآل الله
لقريش وخص بهذه الإضافة دون بقية الشهور مع أن فيها أفضل
منه إجماعا لأنه اسم إسلامي فإن اسمه في الجاهلية صفر
الأول وبقية الشهور متحدة الأسماء جاهيلة وإسلاما (المحرم)
أي هو أفضل شهر يتطوع بصومه كاملا بعد رمضان فأما التطوع
ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصوم عرفة وعشر الحجة
ذكره الحافظ ابن رجب وذلك لأنه أول السنة المستأنفة
وافتتاحها بالصوم الذي هو ضياء أفضل الأعمال وقال
الزمخشري: خصه من بين الأشهر الحرم لمكان عاشوراء فأفضل
الأشهر لصوم التطوع المحرم ثم رجب ثم بقية الأشهر الحرم ثم
شعبان ولا يعارضه إكثار النبي صلى الله عليه وسلم صوم شهر
شعبان دونه لأنه إنما علم فضل صوم المحرم آخرا ولعله لعارض
وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة وهذا باعتبار الزمن
فطريقة داود في المحرم أفضل من طريقته في غيره كذا وفق جمع
وضعف والظاهر أن التطوع المطلق بالصوم أفضله المحرم كما أن
أفضل النفل المطلق صلاة الليل وما صيامه تبع كصوم ما قبل
رمضان وما بعده فليس من المطلق بل صومه تبع لرمضان ولذا
قيل إن صوم ست شوال يلحق رمضان ويكتب معه بصيام الدهر فرضا
فهذا النوع صومه أفضل التطوع مطلقا والمطلق أفضله المحرم
اه
(م عد) كلهم في الصوم (عن أبي هريرة) يرفعه (الروياني) بضم
الراء وسكون الواو وفتح المثناة التحتية وبعد الألف نون
نسبة إلى مدينة بناحية طبرستان واسمه محمد بن هارون الحافظ
(في مسنده) المشهور قال ابن حجر: مسند الروياني ليس دون
الست في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة كان أولى [ص:42] من
ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير. إلى هنا كلامه (طب عن جندب)
هو في الصحابة متعدد فكان ينبغي تمييزه ولم يخرجه البخاري
قال المناوي: ووهم الطبراني في عزوه له
(2/41)
1275 - (أفضل الصلاة طول القنوت) أي أفضل
الصلاة صلاة فيها طول القنوت: أي القيام أو أفضل أحوال
الصلاة طول القيام: أي لأنه محل القراءة المفروضة وللقنوت
أحد عشر معنى. قال النووي: والمراد هنا القيام اتفاقا
بدليل رواية أبي داود " أي الأعمال أفضل قال طول القيام "
وأخذ به أبو حنيفة والشافعية ففضلا تطويل القيام على تطويل
السجود وعكس آخرون تمسكا بخبر أقرب ما يكون العبد من ربه
وهو ساجد وتوسط قوم فقالوا بالأول ليلا وبالثاني نهارا.
قال الزين العراقي: وهذا في نفل لا يشرع جماعة وفي صلاة
الفذ. أما إمام غير المحصورين فالمأمور بالنخفيف المشروع
لخبر إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف. ثم إن ما ذكر من تفسير
القنوت بالقيام هو ما عليه أهل النظر وذهب جمع من الصوفية
إلى أن المراد به مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه
والعبد إذا لاحظ العظمة بعين قلبه خشع لا محالة فيكون
المراد أفضل الصلاة أكثرها خشوعا. وقالوا ولو كان المراد
القيام لاستحال {قوموا لله قانتين} ألا ترى أنه أمر
بالقيام ثم القنوت فالقنوت صفة فعل يحدث عن القيام وذهب
آخرون منهم إلى ما عليه أهل النظر وعليه ابن عربي قال ولما
كان المعقول من إطلاق لفظ القرآن على الكلام الإلهي الجامع
والصلاة حالة جامعة بين العبد وربه وقعت المناسبة بين
القرآن والصلاة فلا يقرأ فيها غير القرآن ولما كان القيام
يشبه الألف من الحروف وعنه ظهرت جميع الحروف فهي الجامع
لأعيانها كان القيام جامعا لأعيان الجزئيات من ركوع وسجود
وقنوت فكانت القراءة من حيث كونها جمعا في القيام أنسب فإن
القيام هو الحركة المستقيمة والاستقامة مأمور بها
(حم م ت هـ) كلهم في الصلاة (عن جابر) بن عبد الله (طب عن
أبي موسى) الأشعري (وعن عمرو بن عبسة) بن عامر أبو ابن
خالد السلمي (وعن عمير) تصغير عمر (ابن قتادة) بفتح القاف
ابن سعد (الليثي) روى عن ابنه سكن مكة ولم يخرج البخاري
هذا الحديث
(2/42)
1276 - (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته)
لأنه كما قال النووي أبعد عن الرياء وليتبرك البيت بذلك
فتنزل فيه الرحمة ويخرج الشيطان وعليه يمكن أن يخرج بقوله
في بيته ببيت غيره ولو أمن من الرياء كذا في الفتح (إلا
المكتوبة) أي المفروضة فإنها ليست في بيته أفضل بل في
المسجد أفضل لأن الجماعة تشرع لها فهي في محلها أولى إلا
في صورة مبينة في الفروع وظاهره بشمل كل نفل لكنه محمول
عليه ما لا يشرع له التجميع وما لا يخص المسجد كالتحية كذا
قرروه. قال ابن حجر: ويحتمل أنه أراد بالصلاة ما يشرع في
البيت وفي المسجد معا فلا تدخل التحية أو أنه لم يرد
بالمكتوبة المفروضة بل ما تشرع فيه الجماعة وفيما وجب
لعارض كمنذورة احتمال وأراد بالمرء جنس الرجل فخرج النساء
بقرينة خبر مسلم وبيوتهن خير لهن
(ن طب عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك الأنصاري البخاري كاتب
الوحي قضية صنيع المصنف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا
أحدهما لتخريجه وإلا لما ساغ له العدول عنه لغيره على
قانون الصناعي وهي ذهول فاحش فقد خرجاه معا باللفظ المذكور
(2/42)
1277 - (أفضل الصوم بعد رمضان شعبان) لأن
أعمال العباد ترفع فيه في سنتهم (لتعظيم رمضان) أي لأجل
تعظيمه [ص:43] لكونه يليه فصومه كالمقدمة لصومه وهذا لعله
قاله قبل أن يعلم فضل صوم محرم أو أن ذلك أفضل شهر يصام
كاملا وهذا أفضل شهر يصام أكثره كما يشير إليه رواية صوم
في شعبان أو أن ذاك أفضل شهر يصام مستقلا وهذا أفضل شهر
يصام تبعا (وأفضل الصدقة صدقة رمضان) لأنه موسم الخيرات
والعبادات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما
يكون في رمضان حين يأتيه جبرائيل فيعارضه القرآن
(ت) واستغربه (هب) كلاهما من حديث صدقة بن موسى عن ثابت
(عن أنس) قال الذهبي في المهذب صدقة ضعفوه
(2/42)
1278 - (أفضل الصوم صوم أخي) في النبوة
والرسالة (داود كان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم
الدهر لأنه أشق على النفس كما مر وربما فوت بعض الحقوق هذا
مع ما في فطر يوم من الرفق بالبدن وعدم إنهاكه وذكر بعض
الشافعية أن من فعله فوافق فطره يوما يسن صومه كالإثنين
والخميس يكون فطره فيه أفضل ليتم له فطر يوم وصوم يوم (و)
كان (لا يفر إذا لاقى) أي ولأجل تقويه بالفطر كان لا يفر
من عدوه إذا لاقاه للقتال فلو أنه سرد الصوم فربما أضعف
قوته وأنهك جسمه ولم يقو على قتال الأبطال فصوم يوم وفطر
يوم جمع بين القربتين والقيام بالوظيفتين فإن الله لم
يتعبد عبده بالصوم خاصة فلو استفرغ جهده قصر في غيره
فالأولى الإقتصار ليبقى بعض قوة لغيره كالجهاد
(د ت ن عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن صحيح
(2/43)
1279 - (أفضل العباد درجة عند الله يوم
القيامة الذاكرون الله) أي درجة الذاكرين الله (كثيرا)
بالإخلاص قال الحبر: هم الذين يذكرونه دبر كل صلاة وغدوا
وعشيا وفي المضاجع وعقب النوم وعقب الغدو والرواح وقال ابن
الصلاح: من واظب على الأذكار المأثورة صباحا ومساءا وفي
الأوقات المختلفة لكن في الأماكن المستفذرة يذكر بالقلب
وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة ورأس كل
سعادة بل هو كالحياة للأبدان والروح للإنسان وهل للإنسان
غنى عن الحياة وهل له من الروح معدل وإن شئت قلت به لقاء
الدنيا وقيام السماوات والأرض روينا عن مسلم قال المصطفى
صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله
والعبادة كما في الأساليب لغة التذلل والخضوع بالتقرب إلى
المعبود وعرفا قال المتولي: فعل يكلف الله به عباده مخالف
لما يميل إليه الطبع على سبيل الاستيلاء وقال الماوردي: ما
ورد التعبد به قربة لله وقال صاحب التنبيه هنا تعبدنا به
على وجه القربة والطاعة
(حم ت عن ابن سعيد)
(2/43)
1280 - (أفضل العباد الفقه) قال الحكيم
الترمذي الفقه الفهم وانكشاف الغطاء فإذا عبد الله بما أمر
ونهى بعد أن فهمه انكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى
فهي العبادة الخالصة المحضة وذلك لأن الذي يؤمر بشيء فلا
يرى شيئه والذي ينهى عن شيء فلا يرى شيئا فهو في عمى فإذا
رأى ذلك عمل على بصيرة وكان أقوى ونفسه بها أسخى ومن عمي
عن ذلك فهو جامد القلب كسلان الجوارح ثقيل النفس بطيء
التصرف وقوم غفلوا عن هذا فتراهم الشهر والدهر يقولون يجوز
لا يجوز ولا تدري أصواب أم خطأ ثم تراه في حاجة أمره ونهيه
في عوج فإقباله على نفسه حتى يكف عما لا يجوز خير له من
إهماله وإقباله على إصلاح الناس (وأفضل الدين الورع) الذي
هو كما قيل الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس مع كل طرفة
والورع يكون في خواطر القلوب وسائر أعمال الجوارح وإنما
كان أفضل [ص:44] لما فيه من التخلي عن الشبهات وتجنب
المحتملات وعبر في الفقه بالعبادة لأنه فعل من أفعال
الجوارح الظاهرة كالعبادة وفي الورع بالدين لأن مرجعه إلى
اليقين القلبي الذي به يدان الله تعالى
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب وظاهر تخصيصه بالكبير يوهم أنه
لا يوجد للطبراني إلا فيه وليس كذلك بل خرجه في معاجيمه
الثلاثة وقد أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه كما قال
المنذري ثم الهيثمي محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه
(2/43)
1281 - (أفضل العبادة الدعاء) لأنه أمر
مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه
المقصود وترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان
كذلك فهو من أفضل العبادات وأتمها
وأكملها ذكره القاضي وهو ذهاب منه إلى حمل العبادة على
المعنى الشرعي قال الطيبي: ولكن حملها على اللغوي لأن
الدعاء إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة وما شرعت
العبادة إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه وفيه رد
على من كره الدعاء وقال تركه أفضل
(ك) في الدعاء (عن ابن عباس) وقال مسلم {وقال ربكم ادعوني
أستجب لكم} قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عد عن أبي
هريرة) و (ابن سعد) في الطبقات (عن النعمان بن بشير) رمز
المصنف لصحته
(2/44)
1282 - (أفضل العبادة) وفي رواية للبيهقي
أفضل عبادة أمتي (قراءة القرآن) لأنه أفضل العلوم وأمها
وأهمها ولهذا صرحوا بأن الإنسان يبدأ أولا بحفظه ثم بإتقان
تفسيره ثم يحفظ من كل فن مختصرا ولا يشتغل بذلك عن تعهد
دراسة القرآن فإنه أفضل الأذكار فالاشتغال بالقراءة أفضل
من الاشتغال بسائر الأذكار إلا ما ورد فيه شيء مخصوص في
وقت أو زمن مخصوص (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق يونس
بن عبيد عن بعض أصحابه (عن أسير) بضم الهمزة وفتح السين
وآخره راء كما ضبطه في أسد الغابة (ابن جابر) التميمي يعد
في البصريين قال ابن الأثير في صحبته نظر قال في الإصابة
وهو غير أسير بن جابر التابعي (السجزي في الإبانة عن أنس)
ورواه أيضا أبو نعيم في فضائل القرآن عن النعمان بن بشير
وأنس معا بلفظ أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن قال الحافظ
العراقي وإسنادهما ضعيف
(2/44)
1283 - (أفضل العبادة انتظار الفرج) زاد في
رواية من الله تعالى قال المظهري يعني إذا نزل بأحد بلاء
فترك الشكايا صبرا وانتظر الفرج فذلك أفضل العبادة لأن
الصبر في البلاء انقياد للقضاء وذلك لأن أشرف العبادات ولب
الطاعات أن يتوجه القلب بهمومه كلها إلى مولاه فإذا نزل به
ضيق انتظر فرجه منه لا من سواه وفي بعض الكتب الإلهية
لأقطعن أمل من أمل سواي وألبسه ثوب المذلة بين الناس أتقرع
بالفقر باب غيري وبابي خير لك؟
(طب) عن أنس قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه (القضاعي عن
أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت وهذا الحديث لم يخرجه
المؤلف في جامعه الكبير بل هنا وفي درر البحار عن البزار
والبيهقي وضعفه قال الديلمي وفي الباب ابن مسعود وغيره
(2/44)
1284 - (أفضل العمل النية الصادقة) لأن
النية لا يدخلها الرياء فيبطلها قال مالك بن دينار: رأيت
رجلا في الطواف يقول اللهم قبلت حجاتي الأربع فاقبل هذه
الحجة فقلت كيف عرفت أن الله قبلها قال أربع سنين كنت أنوي
كل سنة أن أحج وعلم مني نيتي وحججت من عامي فأنا خائف أن
لا يقبل مني فعلمت أن النية أفضل من العمل لأن العمل منقطع
والنية دائمة وتصديقه أن أعمال السر مضاعفة والعمل سعي
الأركان ألى الله والقلب ملك والأركان جنوده فلا يستوي سعي
الملك وسعي جنوده والعمل يوضع في الخزائن والنية عنده لأنه
الذكر الخقي والعمل موقوف على نهايته والنية [ص:45] لا
تحصى نهاياتها والعمل تحقيق الإيمان وإظهاره والنية فرع
الإيمان بمنزلة ثمرة الشجرة والعمل موكل به الحفظة والنية
لا يطلع عليها الحفظة والعمل في ديوان الملائكة والنية في
ديوان الله والعمل ثوابه من الجنة والنية ثوابها من منازل
القربة والعمل أجناس لا يشبه بعضها بعضا والنية تشمل جميع
الأشياء وذلك إذا نوى بلوغ رضاه فرضاه لجميع الطاعات فهو
في ذلك الوقت كالعامل بجميع الطاعات وهذه النية كلها
للصادقين من عمال الله وقضية الحديث أن النية قسم من العمل
وقضية قوله في الحديث الآتي نية المؤمن خير من عمله أنه
قسيمه ولعله أراد هنا جميع الأعمال وهناك أعمال الجوارح
الظاهرة <تنبيه> قال ابن الزملكاني الفضل هو الزيادة وإذا
كان نسبة بين أمرين اقتضى اشتراكهما في العادة وليس للعقل
في التفضيل الشرعي استقلال إذ ليس لقاعدة الحسن والقبح
عندنا مجال بل الفضل يؤخذ من نص الشارع عليه والاستنباط من
دليل يرجع إليه أو إجماع المعتبرين من الأمة فإن الشرع قد
أوجب لاجماعهم العصمة فما لم يحكم الشرع بفضله لا يثبت
تفضيله وكذا كل حكم شرعي لا يثبت إلا إذا كان في الشرع
دليل له
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس)
(2/44)
1285 - (أفضل العيادة) بمثناة تحتية أي
زيارة المريض (أجرا سرعة القيام من عند المريض) أي أفضل ما
يفعله العائد في العيادة أن يقوم سريعا فلا يمكث إلا بقدر
فراق ناقة وذلك لأنه قد يبدو للمريض حاجة فيستحي من جلسائه
وأخرج البيهقي عن سلمة بن عاصم قال دخلت على الفراء أعوده
فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي ادن فدنوت فأنشدني:
حق العيادة يوم بعد يومين. . . ولحظة مثل لحظ الطرف بالعين
لا تبرمن مريضا في مسائله. . . يكفيك من ذاك تسأل ما
بحرفين
والكلام في غير متعهده ومن يشق عليه مفارقته
(فر عن جابر) وفيه علي بن أحمد بن النضر قال الذهبي في
الضعفاء قال الدارقطني ضعيف ومحمد بن يوسف الرقي قال
الذهبي كذبه الخطيب وكان حافظا رحالا
(2/45)
1286 - (أفضل الغزاة في سبيل الله خادمهم)
أي الذي يتولى خدمتهم في الغزاة مع كونه خرج بنية الغزو
وهو من أهله ومثله في الأفضلية المخذل عنهم كنعيم الأشجعي
الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحزاب خذل
عنا فإن الحرب خدعة (ثم) بعده في الفضل الإنسان (الذي
يأتيهم بالأخبار) أي بما كان من أمر العدو وما يتعلق بشأن
الحرب (وأخصهم عند الله منزلة) أي أرفعهم درجة (الصائم)
فرضا أو نفلا أو في الغزو كما يشير إليه السياق والكلام
فيمن لم يضعفه الصوم عن نحو القتال وظاهر صنيع المصنف أن
هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه
الطبراني ومن استقى لأصحابه قربة في سبيل الله سبقهم إلى
الجنة بسبعين درجة انتهى
(طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال
الهيثمي عنبسة بن مهران الحداد وهو ضعيف وأقول فيه أيضا
يحيى بن المتوكل قال الذهبي وغيره ضعفوه فتعصيبه الجناية
برأس عنبسة وحده ليس من الانصاف في شيء
(2/45)
1287 - (أفضل الفضائل) جمع فضيلة قال
الراغب: وهي اسم لما يحصل به للإنسان مزية على الغير وهي
أيضا اسم لما يتوصل به إلى السعادة ويضادها الرذيلة وقال
في المفهم الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل
لصاحبها بسببها شرف [ص:46] وعلو منزلة عند الحق أو الخلق
والثاني لا عبرة به إلا إن أوصل إلى الأول وقال الغزالي في
الميزان: أمهات الفضائل كثيرة تجمعها أربعة تشمل شعبها
وأنواعها والأربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة
فالحكمة فضيلة القوة العقلية والشجاعة فضيلة القوة الغضبية
والعفة فضيلة القوة الشهوية والعدالة وقوع هذه القوى على
الترتيب الواجب فيها وبها تتم جميع الأمور (أن تصل من قطعك
وتعطي من حرمك) لما فيه من المشقة ومجاهدة النفس وإرغامها
ومكايدة الطبع لمياه إلى المؤاخذة والإنتقام (وتصفح عمن
ظلمك) لأن ذلك أشق على النفس من سائر العبادات الشاقة فكان
أفضل قال الراغب: فالعفو عمن ظلمك نهاية الحلم والشجاعة
وإعطاء من حرمك غاية الجود ووصل من قطعك نهاية الإحسان
وقال بعضهم من قابل الإساءة بالإحسان فهو أكمل أفراد
الإنسان وهو المستحق لقصر وصف الإنسانية عليه حقيقة أو
ادعاءا ومبالغة ومن ثمرات هذا الخلق صيرورة العدو خليلا أو
صيرورته قتيلا وتنتكل بها سهام القدرة الإلهية تنقلا قال
حجة الإسلام: رأيت في الإنجيل قال عيسى لقد قيل لكم من قبل
إن السن بالسن والأنف بالأنف والأذن بالأذن والآن أقول لكم
لا تقابلوا الشر بالشر بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه
الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك <تنبيه> قال بعضهم: رأى
ابن الخطاب - شيخ ابن عربي - ربه في النوم فقال يا رب
علمني شيئا آخذه عنك بلا واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن
إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا ومن أساء إلى من أحسن
إليه فقد بدل نعمة الله كفرا فقال يارب حسبي فقال حسبك
(تنبيه آخر) قال ابن الزملكاني: الفضل لغة عبارة عن
الزيادة وكلما زاد عن الإقتصاد فهو فضل لكنه يشمل المحمود
والمذموم في أصل وضعه فإن الفضل منه محمود كفضل العلم على
الجهل ومذموم كالإفراط في الصفات المحمودة حتى تخرج إلى
صفة الذم كالسرف في العطاء وقد كثر استعمال الفضل عرفا في
المحمود والفضول في المذموم والغالب استعماله في زيادة أحد
أمرين على الآخر بعد اشتراكهما في أصل ما وقعت به المفاضلة
إذا كانت تلك الزيادة فيما هو صفة كمال لذلك الشيء فقد
تحصل الزيادة في الجسم وهي نقصان في المعنى ثم الفضيلة
تارة تكون باعتبار ذاتي وتارة تكون باعتبار عرضي فالذي
بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في آية
{الرجال قوامون على النساء} والذي بالاعتبار العرضي فيما
يمكن اكتسابه وقد يطلق الفضل على كل عطية لا تلزم المعطي
(حم طب عن معاذ بن أنس) قال العراقي سنده ضعيف وبينه
تلميذه الهيثمي وتبعه المنذري فقال فيه زبان بن فايد ضعيف
وأقول فيه أيضا ابن لهيعة وحاله معروف وسهل بن معاذ أورده
الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين
(2/45)
1288 - (أفضل القرآن الحمد لله رب
العالمين) أي أعظم القرآن أجرا وأكثره مضاعفة للثواب قراءة
سورة الحمد لله رب العالمين وهي الفاتحة بمعنى أن الله
سبحانه جعل قراءتها في الثواب كقراءة أضعافها من سورة أخرى
قال التوربشتي: وإنما كانت أفضل اعتبارا لعظم قدرها
وتعريفا بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها ولاشتمالها
على معان وفوائد كثيرة مع وجازة ألفاظها ولذلك سميت أم
القرآن لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء عليه
والتعبد بالأمر وانهي والوعد والوعيد وغير ذلك وهذا ينبئك
بتأويل ما عليه حجة الإسلام ومن على قدمه من أن بعض القرآن
أفضل من بعض وردوا على من ذهب إلى المنع ولا حجة له عند
التأمل في قوله التفضيل يوهم نقص المفضل عليه قال الغزالي:
وإنما قال في الفاتحة أفضل وفي آية الكرسي سيدة لأن الجامع
بين فنون الفضل وأنواعه يسمى أفضل إذ الفضل الزيادة
والأفضل هو الأزيد والسؤدد رسوخ في معنى الشرف الذي يقتضي
الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان
كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على
المعرفة العظمى المتنوعة التي يتبعها سلئر المعارف فاسم
السيادة بها أليق
(ك هب عن أنس) ابن مالك
(2/46)
1289 - (أفضل القرآن سورة البقرة) أي
السورة التي ذكرت فيها البقرة ولا يناقضه ما قبله أن
الفاتحة أفضل لأن المراد [ص:47] أن البقرة أفضل السور التي
فصلت فيها الأحكام. ضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج
لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه من ذلك (أو أعظم آية
منها آية الكرسي) لاحتوائها على أمهات المسائل ودلالتها
على أنه سبحانه واحد متصف بالحياة قائم بنفسه مقوم لغيره
منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا يناسب
الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح مالك الملك والملكوت
ذو العظمة والجبروت مبدع الأصول والفروع ذا البطش الشديد
الذي لا يشفع عنده إلا لمن أذن له العالم بالأشياء كلها
واسع الملك والقدرة متعال عن أن يدركه وهم عظيم لا يحيط به
فهم. والإخلاص أفضل لأن السورة لوقوع التحدي بها أفضل من
الآية ولأن الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا وآية
الكرسي اقتضته في خمسين (إن الشيطان) إبليس أو أعم (ليخرج
من البيت) يعني المكان بيتا كان أو غيره من أجل (أن يسمع
تقرأ فيه سورة البقرة) يعني بيأس من إغواء أهله لما يرى من
جدهم واجتهادهم في الدين وخص سورة البقرة لكثرة أحكامها
وأسماء الله فيها أو لسر علمه الشارع والسورة الطائفة من
القرآن وأقلها ثلاث وواوها أصلية من سور البلد لإحاطتها
بطائفة من القرآن مفرزة على حيالها أو محتوية على فنون
رائعة من العلوم احتواء سور المدينة على ما فيها
(الحارث) ابن أبي أسامة (وابن الضريس) بمعجمة فمهملتين
مصغرا (ومحمد ابن نصر) المروزي بفتح الميم في كتاب الصلاة
(عن الحسن) البصري مرسلا
(2/46)
1290 - (أفضل الكسب بيع مبرور) أي لا غش
فيه ولا خيانة أو معناه مقبول في الشرع بأن لا يكون فاسدا
أو مقبول عند الله بأن يكون مثابا عليه (عمل الرجل بيده)
من نحو صناعة أو زراعة وقيد العمل باليد لكون أكثر مزاولته
بها وخص الرجل لأنه المحترف غالبا لا لإخراج غيره وظاهر
الحديث تساويهما في الأفضلية قال بعضهم وقد قيل له لا تتبع
التكسب فيدنيك من الدنيا فقال لئن أدناني من الدنيا فقد
صانني عنها
(حم طب) من حديث جميع بن عمير (عن) خاله (أبي بردة بن
نيار) ككتاب - الأنصاري قال سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أفضل الكسب فذكره وجميع هو ابن عمير التيمي الكوفي
قال الذهبي في الضعفاء صدوق رموه بالكذب وفي الكاشف شيعي
واه وقال البخاري فيه نظر فقال الهيثمي رواه أحمد
والطبراني في الكبير باختصار وقال عن خاله أبي بردة
والبزار كأحمد لكنه قال عن جميع بن عمير وجميع وثقه أبو
حاتم وقال البخاري فيه نظر ورواه الطبراني في الكبير
والأوسط باللفظ المزبور عن ابن عمرو وقال أعني الهيثمي
ورجاله ثقات
(2/47)
1291 - (أفضل) وفي رواية أحب (الكلام) بعد
القرآن كما في الهدي زاد في الرواية أربع أي أربع كلمات
وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
إذ هي أفضل الكلام الآدميين ذكره النووي وقال القاضي
المراد كلام البشر لأن الثلاث الأول وإن وجدت قي القرآن
لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما فيه
ولأنه روى في خبر أفضل الذكر بعد كتاب الله تعالى سبحان
الله إلى آخره وقدم أبو حنيفة المقدم وفضل مالك الثاني ومر
أنه المختار عند أصحابنا والموجب لفضلها اشتمالها على جملة
أنواع الذكر من تنزيه وتحميد وتوحيد وتمجيد ودلالتها على
جميع المطالب الإلهية إجمالا وقيل ما يعم القبيلين
والرابعة وإن لم توجد في القرآن بهذه الصيغة لكن فيه ما
يفيد فائدتها وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود في
استقلال كل من الجمل الأربعة لكنه حقيق بأن يراعى لأن
الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال
التي تنزه ذاته عما يوجب حاجة (1) أو نقصا ثم بصفات
الإكرام وهي الثبوتية التي يستحق بها الحمد وأخرج الحكيم
عن معاذ مرفوعا ألا أخبركم عن وصية نوح لابنه حين حضره
الموت؟ قال: إني واهب [ص:48] لك أربع كلمات هن قيام
السماوات والأرض وهن أول كلمات دخولا على الله سبحانه
وتعالى خروجا من عنده فاعمل بهن واستمسك حتى يلقاك وهي أن
تقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله اكبر
والذي نفس نوح بيده لو أن السماوات والأرضين وما فيهن وزن
بها لوزنتهن قال الحكيم فنعم الواهب ونعم الموهوب له ونعمت
المواهب فمن قام بها كان من الأولياء فإنها عماد الأعمال
فبالتسبيح تطهر الأعمال وبالتقديس والتحميد تحط الأثقال
وبالتهليل تقبل الطاعات وبالتكبير ترفع وتنال المثوبات
وهذه الكلمات تطرق إلى مالك الملك وتسهل السبيل إليه وتشفع
وتزبن وبهن يقرع الباب إذا وعت القلوب معانيها في الصدور
وزينتها العقول لأفئدة القلوب وأشرقت أنوارها في الرؤيات
من بين أودية الأفكار وعلى بصائر أسماع هواجس الإخلاص ثم
يعلم من شأنه هنا لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه
فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه وقال
ابن القيم: الثناء أفضل من الدعاء ولهذا عدلت الإخلاص ثلث
القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن والثناء عليه وفلذا كان
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أفضل
الكلام بعد القرآن
(حم عن رجل) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان
في صحيحه من حديث سمرة أيضا بلفظ أفضل الكلام أربع سبحان
الله إلى آخر ما هنا بل رواه مسلم في الأسماء والصفات
والنسائي في يوم وليلة عن سمرة أيضا بلفظ أحب الكلام إلى
الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر لا يضرك بأيهن بدأت انتهى وقد مر ويجيء أن الحديث إذا
كان في الصحيحين أو أحدهما فليس لحديثي عزوه لغيره
_________
(1) [في الأصل حرفان غير مطبوعان: " عما يوجب؟ ؟ جة أو
نقصا "
وإن للمناوي عبارة طويلة مشابهة قبل هذا في شرح الحديث 215
- (أحب الكلام إلى الله) [ص:173]
فصححنا الحرفين هنا من تلك العبارة. دار الحديث]
(2/47)
1292 - (أفضل المؤمنين) أي المسلمين لأنه
الملائم لقوله الآتي أفضل المؤمنين إيمانا (إسلاما من سلم
المسلمون) والمسلمات المعصومون وكذا من له ذمة أو عهد
معتبر (من لسانه ويده) أي من التعدي بأحدهما أي المسلم
الممدوح المفضل على غيره من ضم إلى أداء حقوق الله حق
المسلمين ولم يذكر الأول لفهمه بالأولى إذ من أحسن معاملة
الناس أحسن معاملة ربه بالأولى فالمراد بمن سلم المسلمون
منه من لم يؤذ مسلما بقول أو فعل وخص اليد مع أن الفعل قد
يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها نحو
البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء أو لأن الإيذاء باليد
واللسان أكثر وقوعا فاعتبر الغالب قال الزمخشري: لما كانت
أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما
عملت أيديهم وإن كان عملا كان يمكن فيه المباشرة باليد
وقدم اللسان لأن إيذاءه أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية قال
المصطفى صلى الله عليه وسلم لحسان أهج المشركين فإنه أشد
عليهم من رشق النبل قال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام. . . ولا يلتام ما جرح اللسان
قال البيضاوي: من لم يراع حكم الله في زمام المسلمين والكف
عنهم لم يكمل إسلامه ولم تكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية
الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس فلعله لا يراعي
ما بينه وبين الله فيخل بإيمانه وعلم ما تقرر أنه أراد
باليد ما يشمل المعنوية كالاستعلاء وليس من الإيذاء إقامة
حد وإجراء تعزير بل هو في الحقيقة إصلاح له وطلب للسلامة
لهم ولو في الاستقبال واعلم أن الإسلام في الشرع يطلق على
أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله
تعالى {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} والثاني فوقه وهو
أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان
والاستسلام لله فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا
المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه لله رضى
بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم
(وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم ذكر حسن الخلق
مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف [ص:49] الباطنة
والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في
ذكر اليد واللسان مع الإسلام (وأفضل المهاجرين) من الهجر
أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتتضي
وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه
على بابه يتكلف (من هجر ما نهى الله عنه) أي أفضل
المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم الله عليه
والهجرة ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة
والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن (وأفضل الجهاد
من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) فإن مجاهدتها أفضل من
جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشيء إنما يفضل ويشرف
بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية {والذين جاهدوا
فينا لنهدينهم سبلنا} وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة
النفس فقال {وجاهدوا في الله حق جهاده} فإذا التقى القلب
والنفس للمحاربة هذا بجنود الله من العلم والعقل وهذه
بجنود الشيطان من الهوى والشهوة والغضب فتشعبت هذه الأنوار
فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك
وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك
المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في
أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم
العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى
أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق
جنده من المال وقعد في ملكه {فأولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات}
(طب عن ابن عمرو) بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو
يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزا بينه وبين عمر ولم يعكس
لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما
في النصب فالتمييز بالألف
(2/173)
1293 - (أفضل المؤمنين) أي أكثرهم ثوابا أو
أرفعهم درجة يعني من أفضلهم في ذلك (أحسنهم خلقا) بالضم
لأن الله يحب الخلق الحسن كما ورد في السنن فمن عدم حسنه
أو كماله أمر بالمجاهدة والرياضة ليصير محمودا أو كمال
الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل إذ هو يقتبس الفضائل ويجتنب
الرذائل والعقل لسان الروح وترجمان العقل للبصيرة وقد طال
النزاع بين القوم هل الخلق غريزي أو مكتسب والأصح أنه
متبعض <تنبيه> قال الإمام الرازي من العلماء من قال إنما
يجب القول الحسن والخلق الحسن مع المؤمنين أما مع الكفار
والفساق فلا لأنه يجب لعنهم وذمهم والمحاربة معهم ولقوله
تعالى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
ومنهم من ذهب إلى العموم وهو الأقوى لأن موسى وهارون مع
جلالة منصبهما أمرا بالرفق واللين وتجنب الغلظة
(هـ ك عن ابن عمر) بن الخطاب
(2/49)
1294 - (أفضل المؤمنين إيمانا) عام مخصوص
أي من أفضلهم لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع
والسنن وذبوا عن الدين أفضل إيمانا من هذا ومن المجاهدين
ونحوهم ممن مر ويجيء وكذا يقال فيما قبله وبعده (الذي إذا
سأل) بالبناء للفاعل (أعطى) بالبناء للمفعول أي أعطاه
الناس ما طلبه بيسر وسهولة محبة له واعتقادا فيه هذا هو
المتبادر وأما ما في نسخ من بناء سئل للمفعول وأعطى للفاعل
فلا يلائم ما بعده لأن المحدث بالأفضلية واحد وعلى النسخ
الثانية يصير اثنين (وإذا لم يعط) بالبناء للمفعول
(استغنى) بالله تعالى ولا يلح في السؤال ولا يبرم في
المقال ولا يذل نفسه بإظهار الفاقة ويدنس عرضه بالتخلق
بأخلاق المسكنة
(خط عن ابن عمرو) بن العاص وكلام المصنف يؤذن بأن هذا لم
يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما أبدى النجعة عازيا
للخطيب وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه في الزهد من حديث ابن
عمرو هذا بلفظ أفضل المؤمنين المقل الذي إذا سأل أعطي وإذا
لم يعط استغنى
(2/49)
1295 - (أفضل المؤمنين رجل) مؤمن (سمح
البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء) أي سهل إذا باع
أحدا شيئا [ص:50] سهل إذا اشترى من غيره شيئا وسهل إذا قضى
ما عليه سهل في مطالبته غيره بماله عليه ولا يمطل غريمه مع
قدرته على الوفاء ولا يضيق على المقل ولا يلجئه لبيع متاعه
بدون ثمن المثل ونحو ذلك والترغيب في المساهلة في التبايع
قد يعارض خبر الديلمي ماكس عن درهمك وهذا صحيح وذاك منكر
(طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رجاله ثقات
(2/49)
1296 - (أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل
الله) قال ابن حجر أراد بالمؤمن هنا من قام بما تعين عليه
ثم حصل هذه الفضيلة لا أن المراد من اقتصر على الجهاد
وأهمل الفروض العينية (بنفسه وماله) لما فيه من بذلهما لله
مع النفع المتعدي قالوا ثم من يا رسول الله؟ قال (ثم) يلي
المجاهد في الفضل (مؤمن) منقطع للتعبد (في شعب من الشعاب)
بالكسر فرجة بين جبلين وليس بقيد بل مثال إذ الغالب على
الشعاب الخلو من الناس فلذلك مثل به للعزلة والإنفراد
(يتقي الله) أي يخافه فيما أمر ونهى (ويدع) أي يترك (الناس
من شره) فلا يشاورهم ولا يخاصمهم بل ينفرد بمحل بعيد عنهم
لأن من خالط الأنام قلما يسلم من ارتكاب الآثام وهذا صريح
في تفضيل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو
وغير ذلك وأما اعتزال الناس بالكلية فجعله الجمهور ومنهم
النووي محله في زمن الفتنة أو فيمن لا يصبر على أذى الناس
(حم ق ت ن هـ عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله أي
الناس أفضل؟ فذكره
(2/50)
1297 - (أفضل الناس مؤمن مزهد) بضم الميم
وسكون الزاي وفتح الهاء قليل المال لأن ما عنده يزهد فيه
لقلته
فلم يطلبوا أسرها للغنى. . . ولم يسلموها لازدهادها
أفاده الزمخشري فعلى هذا هو اسم مفعول أي مزهود فيه لقلة
ماله فهو لفقره ورثائته لا يؤبه به ولا يلتفت إليه لكن نقل
بعضهم عن المشارق أنه اسم فاعل من أزهد في الدنيا إذا تخلى
عنها للتعبد وزهد المؤمن في الدنيا يبلغه أقصى المراتب في
العقبى ومن ثم لما سئل عيسى عليه السلام عن رجلين مرا بكنز
فتخاطاه أحدهما ولم يلتفت إليه وأخذه الآخر أيهما أفضل قال
الذي تركه
(فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي
فثقة لكنه كان يطلب على التحديث أو الكاتب فقال الخطيب لم
يكن في دبنه بذاك
(2/50)
1298 - (أفضل الناس رجل) ذكر الرجل وصف
طردي والمراد الإنسان أي إنسان (يعطي جهده) بالضم أي وسعه
بحسب ما يقدر عليه ومقصود الحديث أن صدقة المقل أفضل أي
أكثر أجرا من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يظهر أثر
نقصانه عليه وإن كثر والأعمال عند الله تتفاضل بتفاضل ما
في القلوب لا بكثرتها وصورتها بل بقوة الداعي وصدق الفاعل
وإخلاصه وإيثارا لله على نفسه فأين صدقة من آثر الله على
نفسه برغيف هو قوته من صدقة من أخرج مئة ألف من ماله غيضا
من فيض؟ فرغيف هذا ودرهمه في الميزان أفضل من مئة ألف من
ذاك
(الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب
(2/50)
[ص:51] 1299 - (أفضل الناس مؤمن بين
كريمين) أي بين أبوين مؤمنين سخيين فيكون قد اجتمع له
الإيمان والكرم وفيه وفي أبويه فلحيازته شرف الإيمان
والكرم وفي أبويه من جهة نفسه ومن جهة أبويه صار أفضل أو
بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه فهو بين مؤمنين هما
طرفاه وهو مؤمن أو بين فرسين يغزو عليهما أو بين بعيرين
يستقي عليهما ويعتزل الناس؟ أقوال وأصل الكرم من كرم نفسه
أي نزهها وباعدها عن الدنس بشيء من مخالفة ربه
(طب عن كعب بن مالك) قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي
الناس أفضل فذكره قال الهيثمي وفيه معاوية بن يحيى أحاديثه
مناكير وأخرجه العسكري في الأمثال عن أبي ذر بأبسط من هذا
ولفظه يوشك أن يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع أي
عبد بن عبد وأفضل الناس مؤمن بين كريمين
(2/51)
1300 - (أفضل أمتي) أي من أفضلهم (الذين
يعملون بالرخص) جمع رخصة وهي التسهيل في الأمر كالقصر
والجمع في السفر ومسح الخف فالعمل بالرخص مطلوب لكن بشرط
أن لا يتتبعها من المذاهب بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه
وإلا أثم بل قيل فسق كما مر فالمراد بها هنا من يعمل بها
أحيانا تارة وتارة فلا تعارض بين هذا وبين الحديث الآتي إن
الله يحب أن يؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه
(ابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا الديلمي (عن عمر)
بن الخطاب وفيه عبد الملك بن عبد ربه قال في الميزان منكر
الحديث
(2/51)
1301 - (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام
الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي الله لأهل الجنة
فيرونه (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمهات
العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم الله بها في التنزيل
بقوله {والفجر وليال عشر} ولهذا سن الإكثار من التهليل
والتكبير والتجميد فيه ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع
النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من
العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكا بأن اختيار
الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه وثمرة الخلاف
تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو
الأيام. وقال ابن القيم: الصواب أن ليالي العشر الآخر من
رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من
أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة
وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر وفيه فضل بعض الأزمنة على
بعض
(البزار عن جابر) قال الهيثمي في موضع إسناده حسن وفي آخر
رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه
والأمر بخلافه بل بقيته قيل ولا مثلهن في سبيل الله قال
ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب
(2/51)
1302 - (أفضل سور القرآن) سورة (البقرة
وأفضل آي القرآن آية الكرسي) لما اجتمع فيها من التقديس
والتحميد والصفات الذاتية التي لم تجتمع في آية سواها وحيث
كانت بهذه المثابة استحقت الوصف بالأفضلية هنا وبالسيدية
في أخبار أخر
(البغوي) أبو القاسم عبد الله وهو غير صاحب التفسير (في
معجمه) أي معجم الصحابة له (عن ربيعة) ابن عمرو وقيل ابن
الحارث الدمشقي وهو ربيعة بن القار (الجرشي) بضم الجيم
وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي مختلف في صحبته وهو جد
هشام بن القار وكان يفتي الناس زمن معاوية وقتل بمرج راهط
وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره
(2/51)
[ص:52] 1303 - (أفضل) أي أطيب (طعام الدنيا
والآخرة اللحم) لأنه يقوي البدن ويزيده نضارة ويكثر الدم
ويسخنه وأول شيء يأكله أهل الجنة إذا دخلوها زيادة كبد
الحوت وأخذ بهذا بعضهم ففضله على اللبن وعكس آخرون وفيه رد
على بعض الفرق الزائغة حيث حظر أكل اللحم كأبي العلاء
المعري وكبعض الحكماء حيث قال يا أبناء الحكمة لا تجعلوا
بطونكم قبورا للحيوان وكقول بعضهم تعذيب الحيوان ظلم ولا
أفعله واللحم هو ما لحم بين أخفى ما في الحيوان من وسط
عظمه وما انتهى إلى ظاهره من سطح جلده وغلب استعماله عرفا
على رطبه الأحمر وهو هنا على أصل لغة لجميع اللحم الأحمر
والشحم والأعصاب إلى الجلد وما اشتمل عليه بين الطرفين من
أجزاء الرطوبات المأكولة ذكره الحراني
(عق حل عن ربيعة بن كعب) بن مالك أبي فراس الأسلمي حجازي
قال السخاوي أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي
وهو ضعيف جدا قال العقيلي ولا يعرف هذا الحديث إلا به وهو
غير محفوظ ولا يصح فيه شيء. وقال ابن حبان: عمرو يروي عن
الثقات الطامات وأدخله ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه
المؤلف بما حاصله أن له شواهدا وقد مر ويأتي أن الشاهد
إنما يفيد في الضعيف لا الموضوع
(2/52)
1304 - (أفضل عبادة أمتي) أي من أفضلها
(تلاوة القرآن) لأن لقارئه بكل حرف مئة عشر حسنات وبذلك
يسمو على سائر العبادات قال الزركشي وهذا أي ما ذكر من كون
الحرف منه بعشر حسنات من خصائصه على سائر الكتب المنزلة
وظاهر الحديث أنه أفضل العبادات وإن كانت قراءته بغير فهم
وأيد بأن أحمد بن حنبل رأى ربه في النوم فقال يا رب ما
أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ قال بكلامي يا أحمد قال
بفهم أو بغير فهم؟ قال بفهم وبغير فهم لكن رده بعضهم بأن
المراد بتلاوته بغير فهم تلاوة العارفين فإن معاني القرآن
تنزل عليهم حال التلاوة بغير فهم ولا فكر فيكون عين تلاوته
عين تلك المعاني وإلا فشرط من يتقرب إلى الله بشيء فهم
معناه ولو كان المراد بعدم الفهم ما يتبادر للذهن لصح أن
يتقرب إلى الله بالجهل ولا قائل به
(هب) وكذا أبو نعيم في فضائل القرآن (عن النعمان بن بشير)
ورواه عنه أيضا الحاكم في التاريخ ومن طريقه وعنه أورده
البيهقي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن المصنف رمز لضعفه وهو
فيه تابع للحافظ العراقي حيث قال سندهما ضعيف انتهى وسببه
أن فيه العباس بن الفضيل الموصلي أورده الذهبي في الضعفاء
قال قال ابن معين ومسكين بن بكير قال الذهبي قال الحاكم له
مناكير كثيرة وعباد بن كثير فإن كان الثقفي فقال الذهبي
قال البخاري تركوه أو الرملي فقال ضعفوه ومنهم من تركه
(2/52)
1305 - (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن
نظرا) أي في نحو مصحف أي فهي أفضل من قراءة عن ظهر قلب
لأنها ذكر الله بالباطن تفكرا وبالظاهر تلاوة لكلامه
الأزلي وبقراءته قوام جميع عباداته ومفترضاته وكأنه
بتلاوته يخاطب ربه بأمره ونهيه ومواعظه وجميع العبادات
تراد لإقامة ذكر الله وهو لبها قال بعض الصوفية كنت أكثر
القراءة ثم اشتغلت بكتابة الأحاديث والعلم فقلت تلاوتي
فنمت ليلة فرأيت قائلا يقول إن كنت تزعم حبي فلم جفوت
كتابي؟ أما تدبرت ما فيه من لذيذ خطابي؟ فانتبهت فزعا وعدت
إليه
(الحكيم) الترمذي (عن عبادة) بن الصامت
(2/52)
1306 - (أفضل كسب الرجل ولده) أي الذي ينسب
إليه ولو بواسطة (وكل بيع مبرور) أي سالم من نحو غش وخيانة
(طب) من حديث وائل بن داود عن جميع بن عمير عن عمير وقال
سعيد بن عمير (عن) خاله (أبي برزة بن نيار) [ص:53]
الأنصاري الصحابي وجميع بن عمير هو التميمي الكوفي قال
الذهبي في الضعفاء رموه بالكذب انتهى وقال الهيثمي فيه
جميع بن عمير ضعفه ابن عدي
(2/52)
1307 - (أفضل نساء أهل الجنة) <فائدة> ذكره
الإيذان بأن هؤلاء الأربعة أفضل حتى من الحور العين ولو
قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط (خديجة بنت
خويلد) تصغير خالد (وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم)
قال الشارح العلقمي هي وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب
لما فيهما من البضعة الشريفة أي وإن كان الخلفاء الأربعة
أفضل من حيث جموع العلوم وكثرة المعارف ونصرة الدين (ومريم
بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وآسية بنت مزاحم امرأة
فرعون) والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة والأولى
أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح
البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم
لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن
قال القرطبي ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من
جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها
صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من الله بالتكليف
والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال فهي
نبية خلافا لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي
أفضل من الولي قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل
خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل <تنبيه> سئل السبكي هل
قال أحد إن أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير
خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله
وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في
الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة
متساويات في الفضل
(حم طب) عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله
أعلم فقال أفضل إلخ. قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح (ك)
في أخبار الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا الحديث مما لم يخرج في
أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عن عزوه لغيره والأمر
بخلافه فقد خرجه النسائي قال ابن حجر في الفتح بإسناد صحيح
بلفظ أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية
(2/53)
1308 - (أفضلكم الذين إذا رؤا) أي بالبصر
أو البصيرة (ذكر الله تعالى لرؤيتهم) أي عندها يعني أنهم
في الاختصاص بالله بحيث إذا رؤا خطر الله تعالى ببال من
رآهم لما فيهم من سيما العبادة وظهور المراقبة والفقر على
شمائلهم أو أن من رآهم يذكر الله كما في خير سيجيء النظر
إلي عبادة
(الحكيم) الترمذي (عن أنس)
(2/53)
1309 - (أفطر الحاجم والمحجوم) الصائمان أي
تعرضا للفطر إذ الحاجم عند المص لا يأمن وصول شيء من الدم
جوفه والمحجوم يضعف قواه بخروج الدم فيؤول الحال لإفطاره.
قال القاضي البيضاوي: ذهب إلى ظاهر الخبر جمع فقالوا
بفطرهما منهم أحمد وذهب الأكثر للكراهة وصحة الصوم وحملوا
الخبر على التشديد وذهب قوم إلى أنه منسوخ
(حم د ن هـ حب ك) وكذا البيهقي كلهم في الصوم (عن ثوبان)
وصححه ابن راهويه وابن المديني (و) قال المصنف (هو متواتر)
قال الذهبي كابن الجوزي رواه بضعة عشر صحابيا وأكثرها ضعاف
وأخذ به أحمد وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على عزوه لمن
ذكر أنه مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه مع أنه
هو نفسه عزاه في الدرر إلى البخاري عن الحسن عن غير واحد
[ص:54] من الصحابة هذه عبارته فيه وهي غير جيدة فإن
البخاري إنما ذكره تعليقا
(2/53)
1310 - (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم)
أي وشرب شرابكم (الأبرار) صائمين ومفطرين فمفاد هذه الجملة
أعم مما قبلها (وصلت عليكم الملائكة) أي استغفرت لكم وهذا
قاله لسعد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان وقيل بل إنه سعد
بن عبادة ولا مانع من التعدد وأراد بالملائكة الموكلين
بذلك بخصوصه إن ثبت وإلا فالحفظة أو المعقبات أو رافعي
الأفعال أو الكل أو بعض غير ذلك وفيه أنه يندب بمن أفطر
عنده صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو
أقرب من جعلها خبرية وذلك مكافأة له على ضيافته إياه
(هـ حب) عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن
العوام قال أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد
فذكره
(2/54)
1311 - (أف) قال الزمخشري: صوت إذا صوت به
أعلم أن صاحبه متضجر كأنه أضجره ما رأى فيه من كشف العورات
وتنجس المياه والقذارة فتأفف به وقال الراغب: أصل الأف كل
مستقذر من نحو وسخ وقلامة ظفر ويقال لكل مستخف به استقذارا
له وقال ابن حجر: أف بشد الفاء وضم أوله يستعمل جوابا عما
يستقذر وفيه عشر لغات بل في الارتشاف فيها أربعون (للحمام)
أي لدخوله كيف لا وهو (حجاب لا يستر) داخله (و) ماؤه (ماء
لا يطهر) بضم أوله وفتح الطاء وشد الهاء وكسرها لكونه
مستعملا غالبا إذ غالب من يدخله لا يعرف الاغتراف وحمله
على المعنى اللغوي غير جيد (لا يحل لرجل أن يدخله) عند
الحاجة إلى دخوله (إلا) مستترا (بمنديل) يستر جميع عورته
عمن يحرم عليه النظر إليها (مر) بصيغة الأمر (المسلمين لا
يفتنون نساؤهم) أي يفعلوا ما يؤدي إلى الافتتان بنسائهم
وذلك بتمكينهن من الدخول إلى الحمام ونظر بعضهن إلى عورة
بعض وربما وصف بعضهن بعضا للأجانب فتقع المراسلة فيقع
الزنا (الرجال قوامون) أي أهل قيام (على النساء) قيام
الولاة على الرعايا فيؤدبوهن ويأخذون على أيديهن فيما يجب
عليهن وفي أنفسهن فحق عليهم أن يمنعوهن مما فيه فتنة منهن
أو عليهن (علموهن) الأحكام الشرعية والآداب المرعية التي
منها قصرهن في البيوت وعدم دخولهن الحمامات أفرد الخطاب
أولا لأنه وقع لمعين ثم جمعه إشارة إلى عدم اختصاص الحكم
بالمعين (ومروهن بالتسبيح) أي بلزوم قول سبحان الله أو
بالصلاة لأنها تسمى سبحة ثم هذا سياق ما رأيته في نسخ هذا
الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ صحيحة من الشعب بعد قوله لا
يظهر بنيان المشركين ومرج الكفار ومرج الشيطان ثم قال لا
يحل إلخ فسقط من قلم المصنف هذه الجملة الوسطى
(هب) عن عائشة ثم قال أعني البيهقي عقبة هذا منقطع انتهى
بلفظه فاقتصار المصنف على الرمز لضعفه غير كاف ووجه
الانقطاع أن عبيد الله بن جعفر رواه عن عائشة بلاغا ثم إن
فيه مع الانقطاع ابن لهيعة وغيره
(2/54)
1312 - (أفلح) بصيغة الماضي (من رزق)
بالبناء للمفعول (لبا) بضم اللام وبالباء الموحدة المشددة
يعني فاز وظفر من رزقه الله عقلا راجحا اهتدى به إلى
الإسلام وفعل المأمور وتجنب المنهي وكلما كان العقل في
العبد أوفر فسلطان الدلالة فيه على الرشد والنهي عن الغي
أنفذ وأظهر ولذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر
له عن رجل شدة اجتهاده وعبادته سأل عن عقله لأنه مناط
الفلاح والعقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب الله
ومكروهه [ص:55] والعقل نور خلقه الله وقسمه بين عباده على
قدر مشيئته فيهم وعلمه بهم وأول ما فات ابن آدم من دينه
العقل فإن كان ثابت العقل يكون خاشع القلب لله متواضعا
بريئا من الكبر قائما على قدميه ينظر إلى الليل والنهار
يعلم أنهما في هدم عمره لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل
لعلمه أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان قال بعض
العارفين ما قسم الله لخلقه أفضل من العقل واليقين قال
الراغب: والفلاح الظفر وإدراك البغية أربعة أشياء بقاء بلا
فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل وقال الزمخشري:
المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم
تستغلق عليه والمفلج بالجيم مثله انتهى وقال بعضهم ليس شيء
أجمع لخصال الخير من خصال الفلاح واللب العقل الخالص من
الشوائب سمي به لأنه خالص بما في الإنسان من قواه كاللباب
من الشيء وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس
(تخ طب عن قرة) بضم القاف وشد الراء (ابن هبيرة) ابن عامر
القشيري من وجوه الوفود قال أتينا النبي صلى الله عليه
وسلم فقلنا إنه كان لنا أرباب نعبدهن فودعناهن فذكره قال
الهيثمي فيه راو لم بسم وبقية رجاله ثقات
(2/54)
1313 - (أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه
كفافا) أي قدر الكفاية بغير زيادة ولا نقص يقال ليتني أنجو
منك كفافا أي رأسا برأس لا أرزا منك ولا تزرأ مني وحقيقته
أكف عنك وتكف عني وقد يبنى على الكسر فيقال دعني كفاف قال:
فليت حظي من يداك الصافي. . . والنفع أن تتركني كفاف
ذكره كله الزمخشري (وقنع به) أي رضى باليسير من ذلك
والفلاح الظفر وإدراك البغية مما يطلب به الحياة الدنيوية
أو مما يفوز به في الآخرة قال النووي: قد يحتج به من يفضل
الفقر على الغنى واعترض بأنه ليس فيه ما يقتضي تفضيل صاحب
الكفاف وإنما وصفه بالفلاح وهو معلق على القناعة والرضا
والمعلق على المجموع لا يوجد بدون وجود ذلك المجموع لكن
ينضم لهذا ما يترجح به
(طب ك) في الأطعمة (عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الأوسي
وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
(2/55)
1314 - (أفلحت يا قديم) بالقاف تصغير مقدام
وهو المقدام بن معد يكرب تصغير ترخيم (إن مت ولم تكن
أميرا) أي والحال أنك لست أميرا على قوم فإن خطب الولاية
شديد وعاقبتها في الآخرة وخيمة بالنسبة لمن لم يثق بأمانة
نفسه وخاف عدم القيام بحقها أما المقسطون فعلى منابر من
نور يوم القيامة (ولا كاتبا) على نحو جزية أو صدقة أو خراج
أو إرث أو وقف وهو منزل على نحو ما قبله (ولا عريفا) أي
قيما على نحو قبيلة تلي أمرهم وتعرف الأمير حالهم فعيل
بمعنى فاعل ويسمى نقيبا وهو دون الرئيس وموضعه ما ذكر فيما
قبله
(د) من حديث صالح بن يحيى (عن المقدام) بكسر الميم (ابن
معد يكرب) قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
على منكبي ثم قال أفلحت إلى آخره قال البخاري صالح بن يحيى
فيه نظر وقال الذهبي قال موسى بن هارون صالح لا يعرف ولا
أبوه ولا جده لكن قال المنذري عقب تخريجه الحديث فيه كلام
لا يقدح
(2/55)
1315 - (أفلا استرقيتم له) أي طلبتم له
رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة (فإن ثلث منايا
أمتي من العين) أي كثيرا من مناياها يكون من تأثير عين
العائن فإن العين حق ولم يرد الثلث حقيقة بل التكثير
والمبالغة وهذا نص على حل الرقية ولو بغير أسماء الله
وكلامه وصفاته لإطلاق الخبر بشرط معرفة معناها وخلوها عما
يخالف الشرع وعلى خلافه تحمل أخبار النهي كما مر
(الحكيم عن أنس)
(2/55)
[ص:56] 1316 - (إقامة حد من حدود الله) على
من فعل موجبه وثبت عليه (خير من مطر أربعين) وفي رواية
ثلاثين (ليلة) في بلاد الله تعالى لأن في إقامتها زجرا
للخلق عن المعاصي وسببا لفتح أبواب السماوات للمطر وفي
العفو عنها والتهاون بها انهماكا لهم في الإثم وسببا
لأخذهم بالجدب والسنين ولأن إقامتها عدل وخير من المطر أو
المطر يحيي الأرض والعدل يحيي أهلها ولأن دوام المطر قد
يفسد وإقامتها صلاح محقق وخوطبوا به لأنهم لا يسترزقون إلا
بالمطر {وفي السماء رزفكم وما توعدون}
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن سنان الحمصي ضعفوه
وقال البخاري منكر الحديث وساق له في الميزان من مناكيره
هذا الخبر وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه القزويني تفرد
بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن
جرير مرفوعا بلفظ ثلاثين ورواه ابن حبان بلفظ أربعين
(2/56)
1317 - (اقبلوا الكرامة) هي ما يفعل
بالإنسان أو يعطاه على وجه الإكرام ومنه خبر أنه أكرم جرير
بن عبد الله لما قدم عليه فبسط له رداءه وعممه بيده وقال:
إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (وأفضل الكرامة) التي يكرم بها
أخاه الزائر مثلا (الطيب) بأن يعرضه عليه ليتطيب منه أو
يهديه له (أخفه محملا وأطيبه رائحة) أي هو أخف الأشياء
حملا فلا كلفة في حمله وأطيب الأشياء ريحا عند الآدميين
وعند الملائكة فيتأكد إتحاف الإخوان به وقبول المهدي إليه
إياه ومن ثم كره العلماء رده
(قط في الأفراد طس عن زينب بنت جحش) بفتح الجيم وسكون
المهملة وبالمعجمة أم المؤمنين الأسدية وأمها أميمة عمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها المصطفى صلى الله
عليه وسلم سنة ثلاث أو خمس بعد أن قضى زيدا منها وطرا وهي
أول أزواجه لحوقا به ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي
(2/56)
1318 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال: أي
الخليفتين اللذين يقومان (من بعدي: أبو بكر وعمر) أمره
بمطاوعتهما يتضمن الثناء عليهما ليكونهما أهلا لأن يطاعا
فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق
سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين بعده وسبب الحث على
الإقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق
المرضية والطبيعة القابلة للخيور السنية فكأنهم كانوا قبل
الإسلام كأرض طيبة في نفسها لكنها معطلة عن الحرث بنحو
عوسج وشجر عضاة فلما أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت
نباتا حسنا فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل
الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان
(فإن قلت) حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي الله عنه
عن البيعة؟ (قلت) كان لعذر ثم بايع وقد ثبت عنه الانقياد
لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء
عليهما حيين وميتين (فإن قلت) هذا الحديث يعارض ما عليه
أهل الأصول من أنه لم ينص على خلافه أحد (قلت) مرادهم لم
ينص نصا صريحا وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الإقتداء بهم
في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك
(حم ت) في المناقب وحسنه (هـ) من حديث عبد الملك بن عمير
عن ربعي (عن حذيفة) بن اليمان قال ابن حجر: اختلف فيه على
عبد الملك وأعله أبو حاتم وقال البزار كابن حزم لا يصح لأن
عبد الله لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة لكن له
شاهد. اه. وقد أحسن المصنف حيث عقبه بذكر شاهده فقال:
(2/56)
1319 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال (من
بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار) بن ياسر:
أي سيروا بسيرته [ص:57] واسترشدوا بإرشاده فإنه ما عرض
عليه أمران إلا اختار أرشدهما كما ياتي في حديث (وتمسكوا
بعهد ابن مسعود) عبد الله أي ما يوصيكم به قال التوربشتي:
أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإنه أول من
شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها قائلا: ألا نرضى لدنيانا
من رضيه لديننا نبيينا كما يومىء إليه المناسبة بين مطلع
الخبر وتمامه
(ت) وحسنه (عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة) قال بينا نحن
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لا أدري ما قدر
بقائي فيكم ثم ذكره (عد عن أنس) ورواه الحاكم عن ابن مسعود
باللفظ المذكور قال الذهبي وسنده واه
(2/56)
1320 - (اقتربت الساعة) أي دنا وقت قيامها
وإذا اقترب وقت ما يكون فيها من حساب وثواب وعقاب وغير ذلك
ونحوه {واقترب الوعد الحق} الساعة واقترابها إقبالها إلينا
في كل لحظة بتقريب الآجال ونحن نقرب منها بقطع مسافة
الأعمار وإنما يدرك قربها بتكامل أنوار الإيمان ومن ضعف
إيمانه بحب الدنيا قربت منه بصورتها فازداد حرصا عليها
لعماه عن عاقبتها والساعة في الأصل تقال على جزء قليل من
نهار أو ليل ثم استعيرت ليوم القيامة: أعني الوقت التي
تقوم فيه وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم ولقلته سمي
ساعة (ولا تزداد منهم) يعني من الناس الحريصين على
الاستكثار من الدنيا كما يفيده الخبر الآتي (إلا قربا)
الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من معجم الطبراني والحلية
إلا بعدا وكلاهما له وجه صحيح. فالمعنى على الوجه الأول
أنهم كلما مر بهم زمن وهم متمادون في غفلتهم ازداد قربها
منهم وعلى الثاني أنها كلما اقتربت ودنت كلما تناسوا قربها
وعملوا عمل من الساعة أخذت في البعد عنه لما على قلوبهم من
الأكنة والأغطية وعلى أبصارهم وبصائرهم من الأغشية بالغفلة
مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون عنه لا
يتفكرون في عاقبتهم ولا يفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم
مع اقتضاء عقولهم أن الجزاء كائن للمحسن والمسيء وإذا قرعت
لهم العصا ونبهوا من سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى
عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم وما تزيدهم
فنون الموعظة التي أحق الحق وأحد الحد إلا لهوا ولعبا وشحا
وحرصا وتناسيا للساعة كأنها ولت عنهم دبارا وتناءت عنهم
فرارا
(طب عن ابن مسعود) قال المنذري: رواته يحتج بهم في الصحيح
وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. اه. وبه يعرف أن رمز
المصنف لحسنه قصور أو تقصير وإنما كان حقه الرمز لصحته
(2/57)
1321 - (اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على
الدنيا إلا حرصا) شحا وإمساكا لعماهم عن عاقبتها (ولا
يزدادون من الله إلا بعدا) أي من رحمته لأن الدنيا مبعدة
عن الآخرة لأنه يكرهها ولم ينظر إليها منذ خلقها والبخيل
مبغوض إلى الله مبعود عنه لا يقال كيف وصف الساعة
بالاقتراب وقد عددون هذا القول أكثر من ألف عام لأنا نقول
هي مقتربة عند الله {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}
ولأن كل آت آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه قريب ولأن
ما بقي من الدنيا أقل مما سلف منها بدليل انبعاث خاتم
النبيين الموعود ببعثه آخر الزمان. وبالجملة فهذه الأخبار
الشافية الكافية مسوقة للبيان أنه لابد من طي البساط ورفع
السماط وتبديل الأرض في الطول والعرض وتخريب العامر وتحريك
الزاهر وشق الأثواب وطرق الأبواب وسفك الدماء وهتك النساء
وشقاق العلماء وخلاف الأمراء أو قيام السيف في الشتاء
والصيف وسوء الحال ورفض المال وارتفاع الصبيان ثم الصلبان
وسقوط الفرسان وهبوط العربان لنفوذ القضاء والقدر كما جاء
في الخبر: إذا نزل القضاء عمي البصر
(ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) وقال [ص:58] صحيح وشنع عليه
الذهبي بأنه خبر منكر وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني
وأبهمه ابن الجوزي. فأنى له الصحة؟
(2/57)
1322 - (اقتلوا الحية) قال في الكشاف اسم
جنس يقع على الذكر والأنثى والكبير والصغير (والعقرب وإن
كنتم في الصلاة) أي وترتب على القتل بطلانها. قال الزين
العراقي: وهذا محمله على الندب أو الإباحة وصرفه عن الوجوب
خبر أبي يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة
بأسا قال الحكيم لأن الحية أظهرت العداوة لنا وكانت وكلت
بخدمة آدم في الجنة فخانته وأمكنت عدو الله من نفسها حتى
صيرته سببا لدخول الجنة في إغوائه فلما أهبطوا إلى الأرض
تأكدت العداوة منها لآدم وولده والعقرب من لواحقها
وأتباعها
(طب عن ابن عباس) فيه أمران: الأول أنه يوهم أنه لم يخرجه
أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف فقد
خرجه أبو داود وكذا الحاكم بلفظ: اقتلوا الحية والعقرب وإن
كنتم في صلاتكم. الثاني أنه لم يرمز له بتضعيف ولا غيره
فاقتضى سلامته من العلل وليس كما أوهم فقد جزم خاتمة
الحفاظ ابن حجر بضعف سنده في تخريج الهداية
(2/58)
1323 - (اقتلوا الأسودين) سماهما بالأسودين
تغليبا كالعمرين. قال الجوهري: الأسود العظيم من الحيات
وفيه سواد وضم العقرب إليها تغليبا كإطلاقه الأسودين على
التمر والماء والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان
معا باسم الأشهر والأمر للندب أو الإباحة لا للوجوب ما لم
يتعرض ولم يخفها على نفسه ولا على غيره (وإلا فللوجوب) حتى
(في الصلاة) قالوا: وما الأسودان؟ قال (الحية والعقرب)
ويلحق بهما كل ضار كزنبور وفيه حل العمل القليل في الصلاة
وأن ولاء الفعل مرتين في آن لا يفسدها إذ قتلهما إنما يكون
غالبا بضربة أو ضربتين فإن تتابع وكثر أبطل كذا قيل وأنت
خبير بأن الحديث لا يفيد ذلك لجواز أن يكون أمر بالقتل في
الصلاة وإن أبطلها؟ وكم له نظير؟ ثم رأيت بعض المحققين قال
الحق فيما يظهر الفساد إذا تتابع وكثر والأمر بالقتل لا
يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوا في إنقاذ الغريق ونحوه
بل أثره في دفع لإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان
حراما
(د ت) وكذا النسائي وكأنه أغفله ذهولا (حب ك عن أبي هريرة)
حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود ولكن قال الحافط ابن حجر
إسناده ضعيف وفي مسلم له شواهد
(2/58)
1324 - (اقتلوا الحيات كلهن) أي بسائر
أنواعهن في كل حال وزمان ومكان وظاهره ولو غير مؤذيات: أي
ولو في حال الإحرام كما يؤذن به كلمة التعميم لكن نهى في
حديث عن قتل ذات البيوت التي لا تضر (فمن خاف) من قتلهن
(ثأرهن) بمثلثة وهمزة ساكنة (فليس منا) أي من جملة ديننا
أو العاملين بأمرنا يعني ليس من أهل طريقنا من يهاب
الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن خوفا من أن يطلب بثأرهن أو
يؤذي من قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينون به. ذكره
الزمخشري والمراد الخوف المتوهم. أما لو غلب على ظنه حصول
ضرر منهن فلا ملام عليه بل يلزمه ترك قتلهن ووهم شارح وهنا
<تنبيه> قال المنذري: ذهب قوم إلى قتل الحيات أجمع في
الصحراء والبيوت في المدينة وغيرها ولم يستثنوا نوعا ولا
جنسا ولا موضعا تمسكا بهذا الحديث. وقال قوم إلا سواكن
البيوت بالمدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه وقال قوم تنذر
سواكن البيوت في المدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه فإن
بدين - أي ظهرن - بعد الإنذار قتلهن وقال مالك يقتل ما وجد
منها بالمساجد وقال قوم لا تنذر إلا حيات المدينة فقط
ويقتل ما عداها مطلقا وقال قوم [ص:59] يقتل الأبتر ذو
الطفيتين بغير إنذار بالمدينة وغيرها. قال: ولكل من هذه
الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر
(د) في الأدب (ن) في الجهاد (عن ابن مسعود) عبد الله (طب
عن جرير) بن عبد الله (وعن عثمان بن أبي العاص) الثقفي
استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف مات سنة
إحدى وخمسين. وقال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري:
رواته ثقات لكن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع
من أبيه
(2/58)
1325 - (اقتلوا) وجوبا (الحيات) بسائر
أنواعها حتى في الحرم وحال الإحرام (اقتلوا ذا الطفيتين)
تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء: ما بظهره خطان
أسودان وقيل: أبيضان. والطفية في الأصل خوصة المقل فشبه
الخطين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (والأبتر) الذي
يشبه مقطوع الذنب لقصر ذنبه (فإنهما يطمسان) يعميان
(البصر) أي بصر الناظر إليهما أو من نهشته والطمس استئصال
أثر الشيء وفي رواية لمسلم بدل يطمسان يلتمسان: أي يطلبان
يعني يخطفان (ويسقطان) كذا رأيته في نسخ والذي وقفت عليه
في الصحيحين ويستسقطان بسينين ونص على هذين مع دخولهما في
الحيات اهتماما بقتلهما لكونهما يطمسان ويسقطان أو لأن
الشيطان لا يتمثل بهما قالوا ومن الحيات نوع يسمى الناظر
إذا وقع نظره على إنسان مات فورا وآخر إذا سمع صوته مات
وذكروا في خواص بعض الأفعى أن الجنين يسقط عند موافقة
النظرين (الحبل) أي الحمل عند نظر الحامل إليهما بالخاصية
لبعض الأشخاص جعل ما يفعلانه بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد
وفي رواية لمسلم الحبالى بدل الحبل
(حم ق د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب يقول اقتلوا الحيات
والكلاب. إلى آخر ما هنا. هكذا ذكر الكلاب في صحيح مسلم
وفي رواية للشيخين قال عبد الله بينا أنا طارد حية لأقتلها
فناداني لا تقتلها فقلت رسول الله أمر بقتل الحيات. قال
نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر
(2/59)
1326 - (اقتلوا الوزغ) بفتح الواو والزاي
معروف سمي به لخفته وسرعة حركته (ولو) كان (في جوف الكعبة)
لأنه من الحشرات المؤذيات ولاستقذاره ونفرة الطبع عنه ولما
قيل أنه يسقي الحيات ويمج في الإناء. وفي البخاري في باب
{واتخذ الله إبراهيم خليلا} الأمر بقتله وقال: كان ينفخ
النار على إبراهيم وفي عائشة عن أحمد وابن ماجه لما ألقي
إبراهيم في النار لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه
النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ النار عليه فأمر المصطفى
صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلها قال البيضاوي: قوله
كان ينفخ على إبراهيم بيان لخبث هذا النوع وفساده وأنه بلغ
في ذلك مبلغا استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار
التي ألقي فيها الخليل وسعى في اشتعالها وهو في الجملة من
ذوات السموم المؤذية وفي الصحيح أن من قتله في أول ضربة له
كذا وكذا حسنة ومن قتله في الثانية فله كذا وكذا حسنة دون
الأولى ومن قتله في الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون
الثانية. قال ابن عبد السلام: وكثرة الحسنات في الأولى
لأنه إحسان في القتل فدخل في خبر: إذا قتلتم فأحسنوا
القتلة أو لأنه مبادرة إلى الخير فدخل في {فاستبقوا
الخيرات} وروى الحاكم وصححه عن ابن عوف قال: كان لا يولد
لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له
فأدخل عليه مروان فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون (تتمة)
ذكر بعض الحكماء أن الوزغ لا يدخل بيتا فيه زعفران وأنه
أصم وأنه يبيض ويقال لكبارها سام أبرص بتشديد الميم
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عمرو بن قيس المكي وهو
ضعيف
(2/59)
[ص:60] 1327 - (اقتلوا شيوخ المشركين) أي
الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس ولم يرد الهرم الذي لا
قوة له ولا رأي فإن فرض بقاء الرأي قتل لأن ضرر رأيه أشد
من ضرر مقاتلته وعلى خلافه يحمل حديث أنس لا تقتلوا شيخا
فانيا (واستبقوا) وفي رواية واستحيوا (شرخهم) أي المراهقين
الذين لم يبلغوا الحلم جمع شارخ بشين وخاء معجمتين كصحب أو
مصدر نعت به ومعناه بدو الشباب ونضرته فيستوي فيه الواحد
والجمع كالصوم والعدل وإطلاق الحديث شامل للراهب فيقتل وإن
لم يقاتل وعليه الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك لا ويحرم
قتل الصبيان وكذا النساء إذا لم يقاتلوا بل يسبيهم الإمام
ويسترقهم
(حم هـ ت) في الجهاد (عن سمرة) بن جندب قال الترمذي حسن
صحيح غريب
(2/60)
1328 - (اقرأ القرآن على كل حال) قائما
وقاعدا وراقدا وماشيا وغيرها (إلا وأنت جنب) أي أو حائض أو
نفساء بالأولى فإنك لا تقرأ وأنت كذلك فتحرم قراءتك شيئا
منه وأنت كذلك بقصدها قال الغزالي: فيه إشارة إلى طلب
استغراق الأوقات بالقرآن فإنك إذا وفيت القراءة ولزمتها
وجدت لذة المناجاة واستأنست بكلام الله واستوحشت من كلام
الخلق كان موسى إذا رجع من المناجاة استوحش من الناس ويجعل
إصبعيه في أذنيه لئلا يسمع كلامهم وكأن كلامهم عنده في ذلك
الوقت كأصوات الحمير وعليه قال شيخنا:
اتخذ الله صاحبا. . . وذر الناس جانبا
(أبو الحسن بن صخر في فوائده) الحديثية (عن علي) أمير
المؤمنين: قال في المطامح: غريب ضعيف
(2/60)
1329 - (اقرأ القرآن) اسم علم خاص بكلام
الله (في كل شهر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة جزءا من ثلاثين
(اقرأه في) كل (عشرين ليلة) في كل يوم وليلة ثلاثة أحزاب
(اقرأه في عشر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة ستة أحزاب (اقرأه
في سبع) أي في كل أسبوع (ولا تزد على ذلك) فإن قارئه ينبغي
أن يتفكر في معانيه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وتدبر ذلك لا
يحصل في أقل من أسبوع: وأنى به؟ ومن ثم رأى جمع قراءته في
الأسبوع من الورد الحسن. قال في الأذكار: وهذا فعل الأكثر
من السلف. قال الدماميني: ولهذا الحديث منع كثير من
العلماء الزيادة على السبع. اه واختار النووي اختلاف القدر
باختلاف الأشخاص بالنسبة لسريع الفهم وغيره قال فمن كان من
ذوي الفهم وتدقيق الفكر يندب له الاقتصار على القدر الذي
لا يخل به المقصود من التدبر واستنباط المعاني وكذا من له
شغل بعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة
يندب له الاقتصار على قدر لا يخل بما هو فيه ومن يكن كذلك
فالأولى له الإكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا
يقرؤه هذرمة. اه. وإنما اختلفت الأحاديث لأن المصطفى صلى
الله عليه وسلم كان يأمر كل إنسان بما يناسب حاله <تنبيه>
المراد بالقرآن هنا كله ولا يعارضه أن القصة وقعت قبل موت
المصطفى صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل نزول بعض القرآن
الذي تأخر نزوله لأنه العبرة بما دل عليه الإطلاق. ذكره
ابن حجر وغيره
(ق د عن ابن عمر) بن الخطاب قال قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن؟ قلت بلى
ولم أرد به إلا الخير قال فصم صوم داود فإنه كان أعبد
الناس واقرأ القرآن في كل شهر. قلت: إني أطيق أفضل من ذلك
قال: اقرأه في كل عشرين قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه
في كل عشر قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل سبع
ولا تزد على ذلك قال ابن عمر فشددت فشد علي
(2/60)
[ص:61] 1230 - (اقرأ القرآن في كل أربعين
ليلة) ليكون حصة كل يوم نحو مائتي وخمسين آية وذلك لأن
تأخيره أكثر منها يعرضه للنسيان والتهاون به وقد عهد ورد
الأربعين أشياء كثيرة كخلق النطفة لأربعين فعلقة فمضغة
لمثلها وبين النفختين أربعين ومكث آدم في طينته وميعاد
موسى وسلطان الدجال وغالب النفاس وتمام الرباط وبلوغ الأشد
إلى غير ذلك إلا أن قراءته في أربعين: مدة الضعفاء ثم
يرتقي الحال بسبب القوة إلى ثلاث
(ت عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه
(2/61)
1332 - (اقرأ القرآن في ثلاث) أي بأن تقرأ
في كل يوم وليلة ثلثه (إن استطعت) قراءته في الثلاث مع
ترتيل وتدبر وإلا فاقرأه في أكثر ومن ثم قال ابن مسعود: من
قرأه في أقل من ثلاث فهو راجز وكره ذلك معاذ. وقال
القسطلاني: وأخبرني شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف أنه
كان يقرأ خمسة عشر ختمة في اليوم والليلة. وفي الإرشاد أنه
النجم الأصبهاني رأى رجلا من اليمن ختم في شوط أو أسبوع
وهذا لا يتسهل إلا بفيض رباني ومدد رحمني. اه. وأخبرني بعض
الثقات أن شيخنا العارف عبد الوهاب الشعراني ختم بين
المغرب والعشاء ختمتين ثم رأيته ذكر في كتاب الأخلاق ما
نصه ومنها عمل أحدهم على تحصيل مقام غلبة الروحانية على
الجسمانية حتى يصير يقرأ في اليوم والليلة كذا وكذا ختما
ويقرأ مع من غلبت روحانيته على جسمانيته فلا يتخلف عنه
ويحتاج صاحب هذا المقام إلى ورع شديد وطاعة كثيرة ليحصل له
تلطيف الكشائف وإلا فلا يقدر يستعجل في القراءة مع من ذكر
بل يصير كأنه يسحب صخرا على الأرض خلف طائر فمن فهم هذا
عرف سر أمره تعالى للمصطفى صلى الله عليه وسلم بترتيل
القرآن فإن روحانيته تغلب جسمانيته فإذا قرأ لا يلحقه أحد
لانطواء الألفاظ في نطق الأرواح وأخبر الشيخ علي المرصفي
أنه قرأ في أيام سلوكه في يوم وليلة ثلاث مئة ألف ختم
وستين ألف ختم كل درجة ألف ختم اه. ومن على هذا المقام
شيخنا شيخ الإسلام زكريا فكان إذا قرأنا معه لا نلحقه وكذا
الشيخ نور الدين الشوني لغلبة روحانيتهما على جسمانيتهما.
إلى هنا كلامه
(حم طب عن سعد بن المنذر) له صحبة وهو أنصاري عقبي بدري
كان يقرأ القرآن في ثلاث
(2/61)
1331 - (اقرأ القرآن في خمس) أخذ به جمع من
السلف فاستحبوا الختم في كل خمس ومنهم علقمة بن قيس ولو
تعارض الإسراع والترتيل روعي الترتيل عند الجمهور. قال ابن
حجر: والتحقيق أن لكل منهما جهة فضل بشرط أن يكون المسرع
لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكنات الواجبات. ولا
يمنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا فإن من رتل وتأمل
كمن تصدق بجوهرة ثمينة ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن
قيمتها قيمة الواحدة وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة
الأخريات وقد يكون بالعكس
(طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لضعفه
(2/61)
1333 - (اقرأ القرآن ما نهاك) عن المعصية
وأمرك بالطاعة: أي ما دمت مؤتمرا بأمره منتهيا بنهيه ورجزه
(ف) إنك (إذا لم ينهك فلست) في الحقيقة (بقارئ) وفي نسخ
فلست تقرأه أي لإعراضك عن متابعته فلم تظفر بفوائده
وعوائده فيعود حجة عليك أو خصما غدا فقراءته بدون ذلك
لقلقة لسان بل جارة إلى النيران إذ من لم ينته بنهيه
وينزجر بزجره فقد جعله وراء ظهره ومن جعله خلفه ساقه إلى
النار ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة فلا بد لقارئه من
الاهتمام بامتثال أوامره ونواهيه وكما أن أمور الدنيا لا
تحصل إلا بقدر عزائمهم فأمر الأخرى لا يحصل إلا بأشد
[ص:62] عزيمة وأجمع شكيمة فلا يقرأه من لم يقبل عليه
بكليته ظاهره ويجمع اهتمامه به بكليته باطنه {وكتبنا له في
الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة} {يا
يحيى خذ الكتاب بقوة} فشرط على قارئه اهتمام القلب بتفهمه
وإقبال الحس على استماعه وتدبره. قال بعضهم: القارئ يلعن
نفسه ولا يدري يقرأ {ألا لعنة الله على الظالمين} وهو ظالم
{ألا لعنة الله على الكاذبين} وهو منهم <فائدة> سئل جدي
شيخ الإسلام يحيى المناوي رحمه الله: هل الاهتزاز في
القرآن مكروه أو خلاف الأولى؟ فأجاب بأنه في غير الصلاة
غير مكروه ولكن خلاف الأولى ومحله إذا لم يغلب الحال
واحتاج إلى نحو النفي في الذكر إلى جهة اليمين والإثبات
إلى جهة القلب وأما في الصلاة فمكروه إذا قل من غير حاجة.
وينهى إذا كثر أن يكون كتحريك الحنك كثيرا من غير أكل وأن
الصلاة تبطل به والله أعلم انتهى بنصه
(فر) وكذا القضاعي (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الزين
العراقي: وسنده ضعيف وظاهره أنه لم يره لأقدم من الديلمي
ولا أحق بالعزو إليه منه وهو عجب فقد خرجه أبو نعيم
والطبراني وعنهما أورده الديلمي مصرحا فإهماله لذينك
واقتصاره على ذا غير سديد ثم إن فيه إسماعيل بن عياش. قال
الذهبي في الضعفاء ليس بقوي عن عبد العزيز بن عبد الله.
قال الذهبي روى عنه ابن عياش فقط وقد قال الدارقطني متروك
عن شهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج به
(2/61)
1334 - (اقرأ المعوذات) الفلق والناس ذهابا
إلى أن أفل الجمع اثنان أو والإخلاص تغليبا (في دبر) بضم
الدال والموحدة (كل صلاة) من الخمس فيه ندب قراءتها بعد
التسليم من كل صلاة لأنه لم يتعوذ بمثلها. فإذا تعوذ
المصلي بها كان في حراستها حتى تأتي صلاة أخرى
(د حب عن عقبة بن عامر) وصححه ابن حبان ورواه عنه الترمذي
وحسنه والنسائي والحاكم وصححه فما أوهمه صنيع المصنف من
تفرد أبي داود به من بين الستة غير جيد
(2/62)
1335 - (اقرأ القرآن بالحزن) بالتحريك: أي
بترقيق الصوت والتخشغ والتباكي وذلك إنما ينشأ عن تأمل
قوارعه وزواجره ووعده ووعيده فيخشى العذاب ويرجو الرحمة.
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في مختصر المزني: وأحب أن
يقرأ حدرا وتحزينا. اه. قال أهل اللغة: حدرها درجها وعدم
تمطيطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين.
وقد روى ابن أبي داود بإسناد قال ابن حجر: حسن عن أبي
هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثاء ولا شك أن لذلك
تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع (فإنه نزل بالحزن) أي
نزل ناعيا على الكافرين شناعة صفتهم وسماجة حالتهم وبلوغهم
الغاية القصوى في اللجاج في الطغيان واستشرابهم في الضلال
والبهتان وقولهم على الله ما لا يعلمونه ولا يليق به من
الهذيان ونيط بذلك الإنذار والوعيد بعذاب عظيم وأول ما نزل
من القرآن آية الإنذار عند جمع وهي {يا أيها المدثر قم
فأنذر} وكما أنه نزل بالحزن على المشركين نزل بالرحمة على
المؤمنين وتصح إرادته هنا لكن يكون استعماله الحزن ليس على
الحقيقة بل من قبيل المجاز. قال العلامة الزمخشري: صوت
حزين رخيم وقال بعض المحققين: قد يطلقون الحزين ويريدون به
ضد القاسي مجازا. قال الغزالي: وجه اختيار الحزن مع
القراءة أن يتأمل فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود
ثم يتأمل القارىء ما فيه تقصيره من أوامره وزواجره فيحزن
لذلك لا محالة فيبكي ويخشع فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد
الحزن فإن ذلك من أعظم المصائب. اه. <تنبيه> أفاد هذا
التقرير أنه ليس المراد بقراءته بالحزن ما اصطلح الناس
عليه في هذه الأزمان من قراءته بالأنغام فإنه مذموم وقد
شدد بعض العارفين النكير على فاعله وقال إن حضرة الحق جل
وعلا حضرة هيبة وبهت وتعظيم فلا يناسبها إلا الخشوع
والخضوع والدعوة من شدة الهيبة كما يعرفه من دخل حضرة الحق
تعالى فإنه يرى ثم كل [ص:63] ملك لو وضع قدمه في الأرض ما
وسعته ولو بلغ السماوات والأرض في بطنه لنزلت من حلقه ومع
ذلك فهو يرعد من هيبة الله تعالى كالقصبة في الريح العاصف:
فسبحان من حجبنا عن شهود كمال عظمته رحمة بنا فإنه لو كشف
لنا عن عظمة ما فوق طاقتنا لاضمحلت أبداننا وذابت عظامنا
ولو استحضر القارىء عظمة ربه حال قراءته ما استطاع أن يفعل
ذلك
(ع طس حل عن بريدة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن سيف وهو
ضعيف. اه. وفي الميزان قال ابن عدي كان يسرق الحديث وفي
اللسان ضعفه البزار أقول فيه أيضا غون بن عمرو أورده
الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين لا شيء وكان ينبغي
للمصنف الإكثار من مخرجيه إلى جبر ضعفه فمن خرجه العقيلي
في الضعفاء وابن مردويه في تفسيره وغيرهم
(2/62)
1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على
قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت
قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم
مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في
فكرة شيء سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة
قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي اتركوه إلى
وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من
أن يقرأه أحد من غير حضور قلب أو المعنى اقرؤوا ما دمتم
متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره وإذا اختلفتم في
فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال والجدال
يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل. قال الزمخشري. قال
ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد
لباب الاجتهاد وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول
والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق
بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون
دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا
له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز ومن ثم تكاثرت
الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل: إلى هنا
كلامه. وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن
المصطفى صلى الله عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم
(حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد
الله البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد
الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ
(2/63)
1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن
(يأتي يوم القيامة شفيعا) أي شافعا (لأصحابه) بأن يتصور
بصورة يراها الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا
لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه
لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين. سميتا
به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء الله تعالى
فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها
يوم القيامة والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو
المضيء الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلا منهما
مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم
الأفضل؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل
لذكره أولا مجملا ثم ثانيا مفصلا وكما جعل علما في الكرم
والفضل جعلا علما في الإنارة وفيه جواز قول سورة كذا ورد
على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا
(فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل
بهما (يوم القيامة) قال النووي: أطلق اسمهما على هذا الذي
يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما
غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك
اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما
أظل الإنسان. قال القاضي: ولعله أراد ما يكون له صفاء
وضوء: إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر
فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما
(صواف) باسطات أجنحتها [ص:64] متصلا بعضها ببعض جمع صافة
وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا
للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن ولا للترديد من بعض
الرواة كما قيل لاتساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل
هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم
أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما
والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى والثالث لمن
ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان
حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم
وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من
حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين. ذكره
القاضي. وقال الطيبي: إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت
المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة إذ الأول
عام في كل أحد والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما
كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو
الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على
سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه
(اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص عم أولا
بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق
بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة وأفرد ثالثا
البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيها على أن لكل
مهنما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني
المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة: أي زيادة ونماء
(وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها
البطلة) بفتح الباء والطاء: السحرة: تسمية لهم باسم فعلهم
لأن ما يأتون به باطل وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم
عن الحق وانهماكهم في الباطل. وقيل البطالة أهل البطالة
الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة
ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم أو المراد سحرة
البيان من قوله إن من البيان لسحرا أي أنهم لا يستطيعونها
من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن
القرآن مخلوق قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقا ورد بأنه
جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما
غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة
وهذا لا غبار عليه <تنبيه> قال القونوي: قوله في الحديث
يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان إلخ: كناية عن أرواح
صور الحروف والكلمات فإنه قد ثبت شرعا وكشفا أن ما ثم صورة
إلا ولها روح فتارة تخفى آثار الروح في الصورة بالنسبة
لأكثر الناس وتارة تظهر بشرط تأييد روح تلك الصورة بمدد
يتصل من روح آخر وصور الأعمال والأقوال أعراض لا ترتفع ولا
تبقى إلا بأرواحها المصاحبة لها والمتأيدة بأرواح العمال
ونياتهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم
الصحيحة المطابقة لما الأمر عليه وللحروف والكلمات من حيث
أفرادها ومن حيث تركيبها خواص تظهر من أرواحها بواسطة
صورها تلفظ وكناية شهد بذلك الأولياء عن شهود محقق وتجربة
مكررة
(حم م) في الصلاة (عن أبي أمامة) الباهلي
(2/63)
1338 - (اقرأوا القرآن واعملوا به) بامتثال
أمره وتجنب نهيه (ولا تجفوا عنه) أي لا تبعدوا عن تلاوته
(ولا تغلوا فيه) تجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه بأن
تتأولوه بباطل أو المراد لا تبذلوا جهدكم في قراءته
وتتركوا غيره من العبادات فالجفاء عنه التقصير والغلو
التعمق فيه وكلاهما شنيع وقد أمر الله بالتوسط في الأمور
فقال {لم يسرفوا ولم يقتروا} (ولا تأكلوا به ولا تستكثروا
به) أي لا تجعلوه سببا للإكثار من الدنيا ومن الآداب
المأمور بها: القصد في الأمور وكلا في طرفي قصد الأمور
ذميم. وقال الطيبي: يريد لا تجفوا عنه بأن تتركوا قراءته
وتشتغلوا [ص:65] بتأويله وتفسيره. ولا تغلوا فيه بأن
تبذلوا جهدكم في قراءته وتجويده من غير تفكر كما قال في
الحديث الآخر لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث
(حم ع طب) عن (عبد الرحمن بن شبل) بكسر المعجمة وسكون
الموحدة ابن عمرو بن يزيد الأنصاري أحد النقباء فقيه حمصي
قال الهيثمي رجال أحمد ثقات. وقال ابن حجر في الفتح سنده
قوي
(2/64)
1339 - (اقرأوا القرآن بلحون العرب) أي
تطريبها (وأصواتها) أي ترنماتها الحسنة التي لا يختل معها
شيء من الحروف عن مخرجه لأن القرآن لما اشتمل عليه من حسن
النظم والتأليف والأسلوب البليغ اللطيف يورث نشاطا للقارىء
لكنه إذا قرىء بالألحان التي تخرجه عن وضعه تضاعف فيه
النشاط وزاد به الإنبساط وحنت إليه القلوب القاسية وكشف عن
البصائر غشاوة الغاشية (وإياكم ولحون أهل الكتابين) أي
احذروا لحون اليهود والنصارى (وأهل الفسق) من المسلمين
يخرجون القرآن عن موضعه بالتمطيط بحيث يزاد حرف أو ينقص
حرف فإنه حرام إجماعا كما ذكره النووي في التبيان بدليل
قوله (فإنه) أي الشأن (سيجيء بعدي قومي يرجعون) بالتشديد.
أي يرددون (بالقرآن) ومنه ترجيع الأذان وهو تفاوت ضروب
الحركات في الصوت وهو المراد بقوله (ترجيع الغناء) أي أهل
الغناء (والرهبانية) يعني رهبانية النصارى (والنوح) أي أهل
النوح (لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الغلصمة وهي مجرى
النفس (مفتونة قلوبهم) بنحو محبة الشبان والنساء (وقلوب من
يعجبه شأنهم) فإن من أعجبه شأنهم فمآل مصيره منهم. وفي
البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قرأ في يوم الفتح -
فتح مكة - سورة الفتح فرجع فيها. وقال العارف المرسي: دخل
بعض الصحب على اليهود فسمعهم يقرؤون التوراة فتخشعوا - أي
بعض الصحب - فأنزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم {أولم
يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} فعوتبوا إذ
تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله
فما الظن بمن أعرض عن كتابه وتخشع بالملاهي والغناء؟ . اه.
وعلم مما تقرر انه لا تلازم بين التلحين المذموم وتحسين
الصوت المطلوب وأن التلحين المذموم والأنغام المنهي عنها
هو إخراج الحروف عما يجوز له في الأداء كما يصرح به كلام
جمهور الأئمة ومنهم الإمام أحمد فإنه سئل عنه في القرآن
فمنعه فقيل له: لم؟ فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: أيعجبك
أن يقال لك يا محآمد؟ <تنبيه> قال ابن عربي: من لم يطربه
سماع القرآن بغير ألحان فليس على شيء وقد كان أؤلئك الرجال
لا يقولون بالسماع المقيد بالنغمات لعلو هممهم ويقولون
بالسماع المطلق فإنه لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني وهو
السماع الروحاني الإلهي وهو سماع الأكابر والسماع المقيد
إنما يؤثر في أصحاب النغم وهو السماع الطبيعي فإذا ادعى
مدع أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا
المعنى ما تحركت ويدعي أنه خرج عن حكم الطبيعة في السبب
المحرك فيتأمل في أمره. وقد رأينا من ادعى ذلك فكان سريع
الفضيحة وذلك أنه إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا
سرت الأرواح في الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية بحكم
اسستدارة الفلك فالدور مما يدلك على السماع الطبيعي لأن
اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك بل عن الروح المنفوخ فيه
وهي متحيزة فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري وإنما
التحريك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعي والفلك فإذا
دار هذا المدعي وقفز إلى فوق وغاب عن احساسه فقل له ما
حركك إلا حسن النغمة والطيع حكم على حيوانيتك فلا فرق بينك
وبين الجمل في تأثير النغمة فيه فيعز عليه هذا ويقول ما
عرفتني فأسكت عنه ساعة ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك
المعنى واتل عليه آية من القرآن تتضمن المعنى الذي حركه
فيأخذ معك فيه ولا يتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا فناء بل
يستحسنه ويقول هو معنى جليل فيفتضح فقل [ص:66] له هذا
المعنى هو الذي حركك في السماع البارحة بإجابة القوال في
شعره بنغمته فلأي معنى سرى فيك ذاك ولم يسر فيك من سماع
كلام الحق بل كنت البارحة يتخبطك الشيطان من المس والسماع
الإلهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه لا غير
ويغيبه عن احساسه ولا تصدر منه حركة أصلا هبه من الكبار
والصغار فعلم أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية
والهيمان الإلهي يضجعه فقط لأن الإنسان خلق من تراب وقيامه
وقعوده يبعده عن أصله الذي نشأ منه فإذا جاءه الوارد
الإلهي وهو صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسمه بحكم
العرض وروحه المدبر هو الذي يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح
المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم
الإلهية لم يبق من للبدن من يحفظ عليه قيامه وقعوده فرجع
إلى أصله وهو لصوقه بالأرض فإذا فرغ التلقي وصدر الوارد
إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده وهذا سبب اضطجاع
الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم وما سمع من نبي
قط انه تخبط عند نزول الوحي. ولا اهتز ولا دار ولا غاب عن
إحساسه وكذا الوارد الإلهي لا يغيره عن حاله ولا إحساسه
(طس هب) من حديث بقية عن الحصين الفزاري عن أبي محمد (عن
حذيفة) قال ابن الجوزي في العلل حديث لا يصح وأبو محمد
مجهول وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم أه قال الهيثمي فيه
راو لم يسم وفي الميزان تفرد عن أبي حصين بقية وليس بمعتمد
والخبر منكر. اه. ومثله في اللسان
(2/65)
1340 - (اقرأوا القرآن) أي ما تيسر منه
(فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن) أي حفظه وتدبره
وعمل بما فيه فمن حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واع له.
قال سهل: علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب
النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي حب السنة وعلامة
حبها حب الآخرة وعلامة حبها بغض الدنيا وعلامة بغضها أن لا
يتناول منها إلا البلغة
(تمام) في فوائده (عن أبي أمامة) الباهلي
(2/66)
1341 - (اقرأوا القرآن وابتغوا به الله
تعالى) على الكيفية التي يسهل على ألسنتكم النطق بها مع
اختلافها فصاحة ولكنة ولثغة بلا تكلف ولا مشقة ولا مبالغة
(من قبل أن يأتي قوم) أي قرون متتالية (يقيمونه إقامة
القدح) بكسر القاف: السهم الذي يرمي به (يتعجلونه) أي
يطلبون بقراءته العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيه ولفظ
رواية أحمد يتعجلان أجره (ولا يتأجلونه) أي لا يريدون به
الآجلة وهو جزاء الآخرة فمن أراد بها الدنيا فهو متعجل وإن
ترسل في قراءته ومن أراد به الآخرة فهو متأجل ومن أسرع في
قراءته بعد إعطاء الحروف حقها. ومن قال أن المراد يتعجلون
العمل بالقرآن ولا يؤخرونه فكأنه لم يتأمل السوق إذ الخبر
مسوق لذم أؤلئك الآتين وأما إرادة مدحهم فبعيد عن المقام
وهذه معجزة لوقوع ما أخبر به
(حم د عن جابر) بن عبد الله قال الديلمي وفي الباب سهل بن
سعد وأنس
(2/66)
1342 - (اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم) أي
في أماكنكم التي تسكنوها: بيتا أو خلوة أو خباء أو غيرها
(ولا تجعلوها قبورا) أي كالمقابر الخالية عن الذكر
والقراءة بل اجعلوا لها نصيبا من الطاعة (ومن قرأ سورة
البقرة) بكاملها أي في أي محل كان أو في بيته وهو ظاهر
السياق لكن لعل المراد الإطلاق (توج بتاج) أي في القيامة
أو في الجنة حقيقة أو توضع عليه علامة الرضا يوم فصل
القضاء أو بعد دخولها. والتاج ما يصنع للملوك من ذهب
وجوهر. [ص:67] قال الطيبي: ذكر التاج كناية عن الملك
والسيادة كما يقال قعد فلان على السرير كناية عنه
(هب عن الصلصال) بمهملتين بينهما لام: أبي الغضنفر (بن
الدهلمس) بدال مهملة ثم لام ثم ميم مفتوحات قال الذهبي:
صحابي له حديث عجيب المتن والإسناد. اه. وأشار به إلى هذا
الحديث ثم أن فيه أيضا أحمد بن عبيد قال ابن عدي صدوق له
مناكير
(2/66)
1343 - (اقرأوا سورة هود يوم الجمعة) فإنها
من أفضل سور القرآن فيناسب قراءتها في أفضل أيام الأسبوع.
قال الغزالي عن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر
يكررها ولا يفرغ من تدبرها
(هب عن كعب) الأحبار (مرسلا) رمز المصنف لضعفه ولعله من
قبيل الرجم بالغيب فقد قال الحافظ ابن حجر حديث مرسل وسنده
صحيح هكذا جزم به في أماليه ثم قال وأخرجه ابن مردويه في
التفسير من وجه آخر عن مسلم بن إبراهيم فكأنه ظن أن كعبا
صحابي وليس كذلك بل كعب الأحبار. إلى هنا كلام ذلك الإمام.
إذا قالت حذامي فصدقوها
(2/67)
1344 - (اقرأوا على موتاكم) أي من شارفه
الموت منكم إذ الميت لا يقرأ عليه (يس) ليسمعها فيجريها
على قلبه لأن الإنسان حينئذ ضعيف القوى والأعضاء ساقط
المنعة والقلب أقبل على الله بكليته فيقرأ عليه ما يزيده
قوة ويشد تصديقه ويقوى يقينه: يس مشتملة على أحوال البعث
والقيامة وأحوال الأمم وبيان خاتمتهم وإثبات القدر وإن
أفعال العباد مستندة إليه تعالى وإثبات التوحيد ونفي الضد
والند وإمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحضور في
العرصات والحساب والجزاء والمرجع والمآل بعد الحساب وغير
ذلك فبقراءتها يتجدد له ذكر تلك الأحوال ويتنبه على أمهات
أصول الدين ويتذكر ما أشرف عليه من أحوال البرزخ والقيامة.
واخذ ابن الرفعة بظاهر الخبر فصحح أنها تقرأ عليه بعد موته
والأولى الجمع. وتمام الحديث كما بينه الديلمي: ونزل مع كل
آية ثمانون ملكا واستدل به بعض الحنفية على أن للمرء أن
يجعل ثواب عمله لغيره قراءة وصلاة وصدقة وحجا قال وخالف
المعتزلة وبعض منا لأن الثواب هو الجنة وليس له جعلها
لغيره ولآية {وإن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال ولنا ظاهر
الحديث وتضحيته عليه الصلاة والسلام عن أمته وإخباره عن
استغفار الملائكة للمؤمنين وأولت الآية بأنها نسخت بآية
{ألحقنا بهم ذريتهم} وأنها خاصة بقول إبراهيم وموسى أو
المراد الكافر. قال ابن الهمام: وأولى من النسخ تقييده بما
يهبه العامل أما أولا فلأنه لم يبطل بعد الإرادة وإما
ثانيا فلأنها من قبيل الإخبار ولا نسخ فيها وما يتوهم من
أنه أخبر في شرع أنه لا ثواب لغير عامل ثم جعله لمن بعدهم
من أهل شرعنا مرجعه إلى تقييد الأخبار لا النسخ وجعل اللام
بمعنى على بعيد. أه: قال بعضهم أعني الحنفية وكون الإنسان
يجعل ما وعد به من الثواب لغيره جائز بلا مراء قال ولو دفع
الحي أو وارث ميت شيئا من الدنيا لمن يجعل ذلك له ينبغي أن
يصح وأما جعل ثواب فرضه لغيره فيحتاج إلى نقل
(حم د هـ) في الجنائز (حب ك عن معقل) بفتح الميم وسكون
المهملة وبالقاف (بن يسار) ضد اليمين المزني قال النووي في
الأذكار: إسناده ضعيف فيه مجهولان لكن لم يضعفه أبو داود.
وقال ابن حجر: أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة
حال روايه أبي عثمان وأبيه ويسمى بالنهدي. ونقل ابن العربي
عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن وقال لا
يصح في الباب حديث. اه <فائدة> قال ابن العربي: تتأكد
قراءة يس. وإذا حضرت موت أحد فأقرأ عنده يس فقد مرضت وغشي
على وعددت من الموتى فرأيت قوما كرش المطر يريدون أذيتي
ورأيت شخصا جميلا طيب الرائحة شديدا دفعهم عني حتى قهرهم
فقلت من أنت قال سورة يس فأفقت: فإذا بأبي عند رأسي وهو
يبكي ويقرأ يس وقد ختمها
(2/67)
[ص:68] 1345 - (اقرأوا على من لقيتم من
أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة كما هو بين (بعدي السلام
الأول فالأول إلى يوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر هذا طرف
من حديث أخرجه البزار وابن منيع والحاكم وغيرهم. قال البعض
يقال في الرد عليه وعليه الصلاة والسلام أو وعليه السلام
لأنه رد سلام التحية لا إنشاء السلام المقول فيه بكراهة
إفراده
(الشيرازي) أبو بكر (في الألقاب عن أبي سعيد) الخدري قال
جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ونحن
ثلاثون رجلا فودعنا وسلم علينا ودعى لنا ووعظنا وقال
اقرأوا فذكره
(2/68)
1346 - (اقرأني جبريل القرآن على حرف) أي
لغة أو وجه من الإعراب (فراجعته) أي فقلت له إن ذلك تضييق
قأقرأني إياه على حرفين (فلم أزل أستزيده) أي أطلب منه أن
يطلب لي من الله الزيادة على الحرف توسعة وتخفيفا ويسأل
جبريل ربه ويزيده في الحروف (فيزيدني) حرفا حرفا (حتى
انتهى إلى سبعة أحرف) أي سبعة أوجه أو لغات تجوز القراءة
بكل منها وليس المراد أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه
والإختلاف اختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتنافر وتناقض. إذ
هو محال في القرآن وذلك يرجع إلى سبعة وذلك إما في الحركات
من غير تغيير في المعنى والصورة نحو النحل أو بتغيير في
المعنى فقط نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات} وأما في الحروف
بتغيير في المعنى لا في الصورة أو عكسه وإما بتغييرهما
وإما في التقديم والتأخير نحو {فيقتلون ويقتلون} أو في
الزيادة والنقص نحو أوصى ووصى وفي المراد بالسبعة في هذا
الحديث وما أشبهه نحو أربعين قولا قال البعض أقربها أن
المراد سبعة لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة وقال
الطيبي: أصحها أن المراد كيفية النطق بكلماتها من إدغام
وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد وهمز وتليين لأن العرب
مختلفة اللغات فيسر عليهم ليقرأ كل بموافقة لغته
(حم ق عن ابن عباس)
(2/68)
1347 - (أقرب العمل) من القرب وهو مطالعة
الشيء حسا أو معنى (إلى الله عز وجل) أي إلى عظيم رحمته
وجزيل ثوابه (الجهاد في سبيل الله) أي قتال العدو لإعلاء
كلمة الله وقد يراد الأصغر أيضا (ولا يقاربه شيء) لما فيه
من الصبر على بذل الروح في رضى الرب: وأي شيء يضاهي ذلك أو
يقاربه؟
(تخ عن فضالة بن عبيد) الأنصاري
(2/68)
1348 - (أقرب ما) مبتدأ حذف خبره لسد الحال
مسده (يكون العبد من ربه وهو ساجد) أي أقرب ما يكون من
رحمة ربه حاصل في كونه ساجدا كذا قرره بعضهم. وقال الطيبي:
التركيب من الإسناد المجازي أسند القرب إلى الوقت وهو
للعبد مبالغة والمفضل عليه محذوف تقديره أن للعبد حالتين
في العبادة حالة كونه ساجدا وحالة كونه متلبسا بغير السجود
فهو حالة سجوده أقرب إلى ربه من نفسه في غير تلك الحالة
(فأكثروا الدعاء) أي في السجود لأنها حالة غاية التذلل
وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والإفتقار عرف أن ربه هو العلي
الكبير المتكبر الجبار فالسجود لذلك مظنة الإجابة ومن ثم
حث على الدعاء فيه بقوله فأكثروا إلخ. وفي تعميم الدعاء
وعدم تخصيصه بنوع ولا غيره رد على من منعه في المكتوبة
بغير قرآن كطاوس وجاء في رواية بدل قوله فأكثروا الدعاء
واجتهدوا فيه في الدعاء فقمن [ص:69] أن يستجاب لكم وقمن
بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق والأمر بالإكثار من
الدعاء في السجود ويشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما
جاء في خبر الترمذي: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع
نعله <تنبيه> قال ابن عربي: لما جعل الله الأرض لنا ذلولا
نمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا تطؤها بها وذلك غاية
الذلة فأمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا وهو الوجه وأن
نمرغه عليها جبرا لانكسارها بوضع الذليل عليها الذي هو
العبد فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها
وقد قال الله تعالى " أنا عند المنكسرة قلوبهم " فلذلك كان
العبد في تلك الحالة أقرب إلى الله تعالى من سائر أحوال
الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار
الأرض من ذلتها
(م د ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري
(2/68)
1349 - (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف
الليل الآخر) قال الطيبي: يحتمل أن يكون قوله في جوف الليل
حالا من الرب أي قائلا في جوف الليل من يدعوني فأستجب له
سدت مسد الخير أو من العبد أي قائما في جوف الليل داعيا
مستغفرا على نحو قولك ضربي زيدا قائما ويحتمل أن يكون خبرا
لأقرب وقوله الآخر: صفة لجوف على أن ينصف الليل ويجعل لكل
نصف جوف والقرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداؤه يكون من
الثلث الأخير أه وقال هنا أقرب ما يكون الرب من العبد
وفيما قبله أقرب ما يكون العبد من ربه: لأن قرب رحمة الله
من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم
بإحسانهم (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله) ينخرط في
زمرة الذاكرين لله ويكون له مساهمة معهم (في تلك الساعة
فكن) وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكرا فكن إذ
الأولى فيها صيغة عموم شاملة للأنبياء والأولياء فيكون
داخلا فيهم <تنبيه> قال حجة الإسلام في الجواهر عمدة
الطريق الملازمة والمخالفة فالملازمة لذكر الله والمخالفة
لما يشغل عنه وهذا هو السفر إلى الله وليس في هذا السفر
حركة من جانب المسافر ولا المسافر إليه ولا هما معا أما
سمعت {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} بل الطالب والمطلوب
كصورة حاضرة مع مرآة لكن لا تنجلى على المرآة لصدأ في
وجهها فمتى صقلت تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إلى
المرآة ولا بحركة المرآة إلى الصورة بل بزوال الحجاب فالله
سبحانه متجل بذاته لا يخفى إذ يستحيل اختفاء النور وبالنور
يظهر كل خفي {الله نور السماوات والأرض} وإنما خفي النور
على الحدقة لكدورة في الحدقة أو لضعف فيها لا تطيق احتمال
النور العظيم الباهر كما لا تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش
فما عليك إلا أن تشفي عن قلبك كدورته وتقوي حدقته فإذا هو
فيها كالصورة في المرآة حتى إذا عاقصك تجليه ولم تثبت قدمك
فيه بادرت وقلت أنا فيه وأنا الحق سبحاني وقد تدرع
باللاهوت ناسوتي إلا أن يثبتك الله بالقول الثابت فتعرف أن
الصورة ليست في المرآة بل تجلت لها وما حلت فيها ولو حلت
لما تصور أن تتجلى صورة واحدة لمزايا كثيرة في حالة واحدة
بل كان إذا حلت في مرآة ارتحلت عن غيرها وهيهات فإنه تعالى
يتجلى لجملة من العارفين دفعة نعم يتجلى في بعض المرايا
أصح وأظهر وأقوم وأوضح وفي بعضها أخفى أميل إلى الاعوجاج
عن الاستقامة وذلك بحسب صفايا المرايا وصقالتها وصحة
استدارتها واستقامة بسط وجهها ولذا قال في الخبر إن الله
يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة ومعرفة السلوك والوصول
إليه بحر عميق
(ت ن ك عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين. قال
الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي والبغوي
(2/69)
1350 - (أقروا الطير على مكناتها) بفتح
الميم وكسر الكاف وشد النون أو تخفف جمع مكنة: أي أقروها
في أوكارها [ص:70] فلا تنفروها عن بيضها ولا تزعجوها عنه
ولا تتعرضوا لها فالمراد: أماكنها من قولهم: الناس على
مكاناتهم أي منازلهم ومقاماتهم أو جمع مكنة بضم الميم
والكاف بمعنى التمكن: أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها
ودعوا التطير بها كان أحدهم إذا سافر نفر طيرا فإن طار
يمينا تفاءل وإن طار شمالا تشاءم ورجع
(د) في العقيقة (ك) في الذبائح من حديث سباع بن ثابت (عن
أم كرز) بضم فسكون الكعبية الخزاعية المكية الصحابية قال
الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال
سباع لا يكاد يعرف وأورد له هذا الخبر
(2/69)
1351 - (أقسم الخوف) أي حلف. والخوف فزع
القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته كما مر وهو قسم بلسان
الحال فهو من الإسناد المجازي على وجه الاستعارة (والرجاء)
ثقة الموجود بالكريم الودود أو رؤية الجلال بعين الجمال أو
قرب القلب من ملاطفة الرب تبارك وتعالى أو غير ذلك (أن لا
يجتمعا في أحد في الدنيا) بتساو أو تفاوت (فيربح) بالفتح
في القاموس راحت الريح الشيء تراحه أصابته (ريح النار)
لأنه على سنن الاستقامة ومن كان منهجه منهجا فجزاؤه النعيم
الدائم والسعد القائم (ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيربح
ريح الجنة) حين يجد ريحها من اجتمع فيه الخوف والرجاء لأن
انفراد الخوف يقتضي القنوط وانفراد الرجاء لا يأمن المكر
صاحبه فلا بد للسعادة من اجتماعهما ولذا قيل: الخوف
والرجاء كالجناحين للسير إلى الله تعالى فلا يمكن السير
إلا بهما. قال الغزالي: وإذا كان مدار العبودية على أمرين
القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية وذا لا يتم مع هذه
النفس الأمارة إلا بترغيب وترهيب فإن الدابة الحرون تحتاج
إلى قائد يقودها وسائق يسوقها وإذا وقفت في مهواة ربما
تضررت من جانب ويلوح لها بالشعير من جانب حتى تنهض وتخلص
فكذا النفس دابة حرون وقعت في مهواة الدنيا فالخوف سوطها
وسائقها والرجاء شعيرها وقائدها فلذا يلزم العبد أن يشعر
النفس بالخوف والرجاء وإلا فلا تساعده النفس الجموح على
الطاعة فعليك بالتزام هذين معا يسهل عليك احتمال المشقة
ولكن ينبغي غلبة الخوف على الرجاء في الصحة ليكثر العمل
وفي المرض عكسه لأن الوفادة إلى ملك كريم ورب رؤوف رحيم
(هب) عن واثلة بكسر المثلثة (بن الأسقع) بفتح الهمزة وسكون
المهملة وفتح القاف. وروى نحوه الترمذي والنسائي وابن ماجه
عن أنس ولفظهم: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو
في الموت فقال كيف تجدك؟ فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب مؤمن في
هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف
(2/70)
1352 - (اقضوا الله) حقه اللازم لكم من
الفروض وغيرها (فالله أحق بالوفاء) له بالإيمان والطاعة
وأداء الواجبات وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه الإتيان
بكلمتي الشهادة وآخرها الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل
عن نفسه فضلا عن غيره وهذا التقدير لا يعكر عليه خصوص
السبب الآتي لما عرف أن العبرة بعموم اللفظ
(خ عن ابن عباس) قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت
أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت
قاضيته؟ ثم ذكره
(2/70)
1353 - (أقطف القوم دابة أميرهم) أي هم
يسيرون بسير دابته فيتبعونه كما يتبع الأمير أو المراد أن
الأمير كثير الرفقة [ص:71] المقدم فيهم أن يقارب خطو دابته
فيكون بين البطء والإسراع لئلا ينقطع الضعيف والعاجز في
السير. في النهاية القطاف: تقارب الخطى في سرعة من القطف
وهو القطع. وفي المصباح: قطف الدابة أعجل مسيره مع تفاوت
الخطى وفيه تنبيه على الإرشاد إلى رفق التابع بالمتبوع
ورعاية حاله في السير وغيره
(خط معاوية بن قرة) بضم القاف وشد الراء: ابن إياس - بكسر
الهمزة وفتح التحتية مخففة - ابن هلال المزني البصري
(مرسلا) كان عالما عاملا ولد يوم الجمل ومات سنة ثلاث عشرة
ومئة
(2/70)
1354 - (أقل ما يوجد في أمتي في آخر الزمان
درهم حلال وأخ) يعني صديق وفي رواية أو أخ (يوثق به) وقد
وجد ذلك في هذا الزمان وقبله بعصور. قال الزمخشري: والصديق
هو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك وهو أعز من بيض
الأنوق. وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال اسم لا
معنى له حيوان غير موجود وقال:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه. . . ومن أين للبحر الكريم
صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم. . . ذئابا على أجسادهن ثياب
وقال الماوردي: قال الكندي: الصديق إنسان هو أنت إلا أنه
غيرك. وقال بعضهم: جربت الإخوان فرأيت بعضهم كعقرب وبعضهم
كحية وبعضهم كسبع وبعضهم كذئب وغيرها من أضاف القواتل فمن
لادغ أي قاتل مع لين ملمسه كالحية ومن لاسع كعقرب. ومن
مراوغ كثعلب ومن مهارش ككلب ومن مختال كذئب ومن مختال كفهد
ومن غبي كدب ومن شديد الغضب والبأس كأسد ومن بليد كحمار
ومن حقود كجمل وما أمثل نفسي بينهم إلا كفرخ بلا ريش أو
كطير بلا جناح وهم يتساقطون علي بالأذى كتساقط الذباب على
العسل والكلاب على الجيفة. وما أحسن قول الطغرائي في
لاميته عفي عنه:
أعدي عدوك أدنى من وثقت به. . . فحاذر الناس واصحبهم على
دخل
فإنما رجل الدنيا وواحدها. . . من لا يعول في الدنيا على
رجل
إلى آخر ما قال ولله در الواسطى حيث يقول:
دع الناس طرا واصرف الود عنهم. . . إذا كنت في أخلاقهم لا
تسامح
ولا تبغ من دهر تكاثف زيغه. . . صفاء بنيه فالطباع جوامح
وشيئآن معدومان في الأرض درهم. . . حلال وخل في الحقيقة
ناصح
ولهذا قال هشام بن عبد الملك ما بقي علي شيء من لذات
الدنيا إلا نلته إلا شيئا واحدا: أرفع مؤنة التحفظ بيني
وبينه. أخرج ابن عساكر في تاريخه قال رجاء بن حيوة: من لا
يؤاخ إلا من لا عيب قيه قل صديقه ومن لم يرض من صديقه إلا
بالإخلاص له دام سخطه ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن
الجوزي: هذا لا يصح قال يحيى: يزيد بن سنان أحد رجاله غير
ثقة وقال النسائي متروك الحديث. اه. ومن ثم رمز المصنف
لضعفه
(2/71)
1355 - (أقل أمتي أبناء السبعين) أي
البالغين من أمتي هذا القدر من العمر هم أقلهم فإن معترك
المنايا ما بين الستين والسبعين فمن جاوز السبعين كان من
الأقلين. قال الحكيم: هذا من جملة رحمة الله على هذه الأمة
وعطفه عليهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد
نفاذ الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا
قليلا ولا يتندسوا فإن القرون الماضية كانت أعمارهم
وأجسادهم على الضعف منا كان أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه
ثمانون باعا فيتناولون الدنيا [ص:72] بمثل هذه الصفة على
مثل تلك الأجساد وفي مثل تلك الأعمار فأشروا وبطروا
واستكبروا فصب الله عليهم سوط عذاب {إن ربك لبالمرصاد}
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن ربيعة أورده
الذهبي في ذيل الضعفاء وقال لا يعرف وكامل أبو العلاء خرجه
ابن حبان
(2/71)
1356 - (أقل أمتي الذين يبلغون السبعين)
كذا هو في النسخ المتداولة بتقديم السين. قال الهيثمي
ولعله التسعين بتقديم التاء
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن
راشد السماك قال الذهبي في الضعفاء قال النسائي متروك
(2/72)
1357 - (أقل الحيض ثلاث) بغير تاء لحذف
المعدود (وأكثره عشرة) وبهذا قال سفيان الثوري قال
الحراني: الحيض معاهدة اندفاع الدم العفن الذي هو في البدن
بمنزلة القول والعذرة في فضلة الطعام والشراب من الفرج
(طب عن أبي أمامة) وفيه أحمد بن بشير الطيالسي قال في
الميزان لينه الدارقطني والفضل بن غانم قال الذهبي قال
يحيى ليس بشيء ومشاه غيره والعلاء بن الحارث قال البخاري
منكر الحديث
(2/72)
1358 - (أقل) وفي رواية أقلل أمر بالتقليل
قل الشيء يقل قلة: إذا صار قليلا وأقله غيره يقله: إذا
جعله قليلا (من الذنوب) أي من فعلها (يهن عليك الموت) فإن
شدائد الموت قد تكون بكثرة الذنوب وأنت إذا أقللت منها
استنار قلبك ودعيت إلى الخدمة وصلحت للمناجاة فتذوق لذة
العبادة فتبلغ مرتبة القرب وتفاض عليك الخلع والكرامات
فتصير بشخصك في الدنيا وقلبك في العقبى فتنظر البريد يوما
فيوما حتى تمل الخلق وتستقذر الدنيا وتحن إلى الموت وفي
التعبير بأقل إشارة إلى أن الترك وظيفة المعصوم ومن على
قدمه ثم لا يعارض عموم هذا ما سيأتي لو أن العباد لم
يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون الحديث. لعدم دلالته على عدم
إتيانه مع قصد ترك القنوط (وأقل من الدين) بقرض أو غيره
(تعش حرا) أي لا ولاء عليك لأحد وتنجو من رق صاحب الحق
والتذلل له فإن له مقالا وتحكما أو حرا من الطبع في مواساة
الناس بما يقضي عنك أو بما يشفع في إمهالك والطمع رق عاجل
سيما إن كان في غير مطمع وعبر بالإقلال دون الترك لأنه لا
يمكن غالبا التحرز عن الاستدانة بالكلية قال الراغب:
والحرية ضربان الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو الحر
بالحر والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص والشره
على الأمور الدنيوية وإلى العبودية التي تضاد ذلك ومن ثم
قيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق
(هب) وكذا القضاعي (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي رجلا وهو يقول أقل إلى
آخره. وظاهر صنيعه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه
والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه. في إسناده ضعيف. اه.
فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه من كلامه ما عقبه به من
بيان علته غير مرضي وإنما ضعفوا إسناده لأن فيه محمد بن
عبد الرحمن السلماني عن أبيه وقد ضعفهما الدارقطني وغيره.
وقال ابن حبان يروي عن أبيه نسخة كلها موضوعة. اه. ومن ثم
رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي بلفظ: أقل من الدين
تعش حرا وأقل من الذنوب يهن عليك الموت وانظر في أي نصاب
تضع ولدك فإن العرق دساس وقال حديث لا يصح
(2/72)
1359 - (أقل) ندبا وإرشادا (الخروج) أي من
الخروج من محلك (بعد هدأة) بفتح فسكون (الرجل) بكسر فسكون:
أي بعد سكون الناس عن المشي في الطريق ليلا والهدوء السكون
(فإن لله تعالى دواب ينبثهن) أي يفرقهن وينشرهن [ص:73] (في
الأرض تلك الساعة) أي بالليل فإذا خرجتم تلك الساعة فإما
أن تؤذوهم أو يؤذوكم: أي يؤذي بعضكم بعضهم وبعضهم بعضكم
فالأحوط الأسلم الكف عن الانتشار ساعتئذ. وعبر بقوله أقل
دون لا تخرج إشارة إلى أن الخروج لما لابد منه مأذون فيه
فالمأمور بالكف عنه ما عنه بد فحسب
(ك) في الأدب (عن جابر) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي
ورواه عنه أيضا أحمد وأبو داود
(2/72)
1360 - (أقل الدخول على الأغنياء) بالمال
(فإنه) أي إقلال الدخول عليهم (أحرى) أي أجدر وأليق (أن لا
تزدروا) وتحتقروا وتنتقصوا (نعم الله عز وجل) التي أنعم
بها عليكم لأن الإنسان حسود غيور بالطبع فإذا نظر إلى ما
من الله به على غيره حملته الغيرة والحسد والكفران والسخط
وعبر بأفلوا دون لا تدخلوا لأنه قد تدعو إلى الدخول حاجة
ولهذا قال ابن عون: صحبت الأغنياء فلم أر أحدا أكثرهما
مني. أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي وصحبت
الفقراء فاسترحت. وفي الحديث ندب التقليل من الدنيا
والاكتفاء بالقليل كما كان عليه السلف ومن مفاسد مخالطة
الأغنياء الاستكثار من الدنيا والتشبه بهم في جمع الحطام
والاشتغال بذلك عن عبادة الرب المالك
(حم د ن عن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين وشد الخاء
المعجمتين: ابن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح ورواه
عنه أيضا باللفظ المذكور الحاكم وصححه وأقره الذهبي لكن
جابر بن يزيد أحد رجاله قال أبو زرعة: لا أعرفه
(2/73)
1361 - (أقلي) خطاب لعائشة والحكم عام (من
المعاذير) أي لا تكثري من إبداء الأعذار لمن تعتذرين إليه
لأنه قد يورث ريبة أو تهمة أو يجدد حادثا كما أن المعتذر
إليه لا ينبغي أن يكثر من العتاب كما قيل:
إلى كم يكون العتب في كل ساعة. . . ولم لا تملين القطيعة
والهجرا
رويدك إن الدهر فيه كفاية. . . لتفريق ذات البين فانتظر
الدهرا
(فإن قلت) لم قال أقلي ولم يقل لا تعتذري (قلت) لما أن ترك
الاعتذار بالكلية غير لائق لما فيه من الاستهانة بشأن
الصديق وقلة المبالاة به ومن ثم قالت الحكماء: ترك
الاعتذار دليل على قلة الاكتراث بالصديق فأشار إلى أن
الأولى التوسط بين حالتي تركه وفعله
(فر عن عائشة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه محمد بن عمار
بن حفص قال الذهبي لينه البخاري وحارثة بن محمد تركوه
(2/73)
1362 - (أقم الصلاة) عدل أركانها واحفظها
عن وقوع زيغ في أفعالها من أقام العود إذا قومه وقامت
السوق (وأد الزكاة) إلى مستحقيها (وصم رمضان) حيث لا عذر
من مرض أو سفر (وحج البيت) الكعبة (واعتمر) أي ائت بالعمرة
إن استطعت إلى ذلك سبيلا (وبر والديك) أي أحسن إليهما وأمك
آكد (وصل رحمك) أي قرابتك وإن بعدت (وأقر (1) الضيف) الذي
نزل بك (وأمر بالمعروف) أي بما عرف من الطاعة والدعاء إلى
التوحيد والأمر بالعبادة والعدل (وانه عن المنكر) [ص:74]
أي ما أنكره الشرع من المعاصي والفواحش (وزل مع الحق حيث
زال) أي در معه كيفما دار وفيه حجة لمن ذهب لوجوب العمرة
(تخ ك) في البر والصلة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح
واغتر به المصنف فرمز لصحته وما درى أن الذهبي رد على
الحاكم تصحيحه بأن فيه محمد بن سليمان بن مسمول ضعيف
_________
(1) في المصباح قريت الضيف أقريه من باب رمي قرى بالكسر
والقصر اه
(2/73)
1363 - (أقيلوا) أيها الأئمة: من الإقالة
وهي الترك (ذوي الهيئات) جمع هيئة قال القاضي: وهي في
الأصل صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة فتصير بسببها مقول
عليها أنها واحدة ثم أطلق على الخصلة فيقال لفلان هيئات أي
خصال والمراد هنا أهل المروءة والخصال الحميدة التي تأتي
عليهم الطباع وتجمع بهم الإنسانية والألفة أن يرضوا
لأنفسهم بنسبة الفساد والشر إليها (عثراتهم) زلاتهم: أي
ذنوبهم. وهل هي الصغائر أو أول زلة ولو كبيرة صدرت من
مطيع؟ وجهان للشافعية وكلام ابن عبد السلام مصرح بترجيح
الأول فإنه عبر بالصغائر ويقال لا يجوز تعزير الأولياء على
الصغائر وزعم سقوط الولاية بها جهل قبيح ونازعه الأذرعي
بما ليس بصحيح (إلا الحدود) أي إلا ما يوجب الحدود إذا
بلغت الإمام وإلا الحقوق البشرية فإن كلا منهما يقام
فالمأمور بالعفو عنه هفوة أو زلة لا حد فيها وهي من حقوق
الحق فلا يعزر عليها وإن رفعت إليه. نعم يندب لمن جاءه
نادم أقر بموجب حد أن يأمره بستر نفسه ويشير إليه بالكتم
كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكما
لم يستفصل من قال: أصبت حدا فأقمه علي. قال البيضاوي:
وقوله إلا الحدود إن أريد بالعثرات صغائر الذنوب وما يندر
عنهم من الخطايا فالاستثناء منقطع أو الذنوب مطلقا
وبالحدود ما يوجبها فالاستثناء متصل. وخرج بذوي الهيئات من
عرف بالأذى والعناد بين العباد فلا يقال له عثار بل تضرم
عليه النار
(حم خدد) وكذا النسائي كلهم (عن عائشة) قال المنذري: وفيه
عبد الملك بن زيد العدوي ضعيف وقال ابن عدي: الحديث منكر
بهذا الإسناد. قال أعني المنذري: وروي من أوجه أخر ليس
منها شيء يثبت. وقال في المنار في إسناد أبي داود انقطاع
وأطال في بيانه. والحاصل أنه ضعيف وله شواهد ترقيه إلى
الحسن ومن زعم وضعه كالقزويني أفرط أو حسنه كالعلائي فرط
(2/74)
1364 - (أقيلوا) أيها الحكام وأصحاب الحقوق
ندبا (السخي) أي الكريم الذي لا يعرف الشر كما أشار إليه
نص الشافعي رضي الله عنه (زلته) الواقعة منه على سبيل
الندور (فإن الله آخذ بيده) أي ملاحظ له بالرحمة والعطف
(كلما عثر) بعين مهملة ومثلثة زل يقال للزلة عثرة لأنها
سقوط في الإثم. وفي إفهامه أن البخيل لا تقال عثرته وأن
الظالم بوضع المنع موضع البر لا يأخذ الكريم بيده إذا عثر
بل يرديه في النار {وما للظالمين من أنصار} (الخرائطي في
مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف في ذلك (عن ابن عباس)
قال الحافظ العراقي: ليث بن سليم مختلف فيه ورواه الطبراني
وأبو نعيم من حديث ابن مسعود بنحوه بسند ضعيف رواه ابن
الجوزي في الموضوع من طريق الدارقطني اه. وفي الميزان لا
يصح في هذا شيء
(2/74)
1365 - (أقيموا) وجوبا (حدود الله) أيها
الحكام إذا بلغتكم وثبت مقتضيها لديكم (في البعيد والقريب)
في القوي والضعيف وأبعد من قال البعد والقرب في النسب (ولا
تأخذكم في الله لومة لائم) عطف على أقيموا تأكيدا للأمر
ويجوز كونه خبرا بمعنى النهي سواء كان في الغزو أم غيره
ويكفي العموم حجة ومن خص الغزو طولب بحجة فالواجب علينا أن
نتصلب في دين الله ونستعمل الجد والمتانة فيه ولا يأخذنا
اللين والهوان في دين الله في استيفاء حدوده بل نسوي بين
البعيد والقريب والبغيض والحبيب وكفى برسول الله صلى الله
عليه وسلم أسوة حيث قال لو سرقت [ص:75] فاطمة بنت محمد صلى
الله عليه وسلم لقطعتها. قال ابن حجر كالقرطبي: يندب الستر
على المسلم ما لم يبلغ الإمام
(هـ عن عبادة) ابن الصامت قال الذهبي: إسناده واه جدا وقال
المنذري: رواته ثقات إلا أن ربيعة بن ماجد لم يروه عنه إلا
أبو صادق
(2/74)
1366 - (أقيموا الصفوف) أي سووها في الصلاة
(وحاذوا بالمناكب) أي اجعلوا بعضها في محاذاة بعض بحيث
يصير منكب كل من المصلين مسامتا لمنكب الآخر فتكون المناكب
والأعناق والأقدام على سمت واحد (وأنصتوا) لقراءة إمامكم
ندبا وإن كنتم لا تسمعون قراءته لكون الصلاة سرية أو جهرية
وثم مانع كبعد أو لغط على ما يقتضيه هذا اللفظ ووجهه بقوله
(فإن أجر المنصت الذي لا يسمع) قراءة الإمام (كأجر المنصت
الذي يسمع) قراءته ولا أدري من أخذ بقضية هذا من المجتهدين
فأما مذهب الشافعية فهو إن سمع المأموم قراءة إمامه أنصت
له وإلا فلا
<تنبيه> قال ابن عربي: إنما شرعت الصفوف في الصلاة ليتذكر
الإنسان بها وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة في ذلك
الموطن المهول والشفعاء من الأنبياء والملائكة والمؤمنين
بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف وصفوفهم في الصلاة
كصفوف الملائكة عند الله وقد أمرنا الحق تعالى أن نصطف في
الصلاة كما تصف الملائكة وإن كانت الملائكة لا يلزم من خلل
صفها - لو اتفق أن يدخلها خلل: أعني ملائكة السماء - دخول
الشياطين لأن السماء ليست بمحل لهم وإنما يتراصون لتناسب
الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض فتنزل متصلة إلى صفوف المصلين
فتعمهم تلك الأنوار فإن كان في صف المصلين خلل دخلت فيه
الشياطين أحرقتهم تلك الأنوار
(عب عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) الفقيه
العمري. قال ابن عجلان: ما هبت أحدا مثله وقال الأعرج لا
يريني الله يومه (وعن عثمان بن عفان موقوفا) عليه
(2/75)
1367 - (أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف
الملائكة) جاء بيانه في خبر كيف تصف الملائكة؟ قال: يتمون
الصفوف المقدمة ويتراصون (وحاذوا) قابلوا (بين المناكب) أي
اجعلوا منكب كل مسامتا لمنكب الآخر (وسدوا الخلل) بفتحتين:
الفرج التي في الصفوف (ولينوا) بكسر فسكون من لان يلين
لينا فهو لين. ومنه خبر: خياركم ألينكم مناكب فأفعل
التفضيل لا يستعمل إلا من ثلاثي (بأيدي إخوانكم) أي إذا
جاء من يريد الدخول في الصف فوضع يده على منكبه لان وأوسع
له ليدخل. ومن زعم أن معنى لين المنكب السكون والخشوع فقد
أبعد (ولا تذروا) لا تتركوا (فرجات) بالتنوين جمع فرجة وهي
كل فرجة بين شيئين (للشيطان) إبليس أو أعم. وفيه إيماء إلى
منع كل سبب يؤدي لدخوله كما أمر بوضع يده على فيه عند
التثاؤب (ومن وصل صفا) بوقوفه فيه (وصله الله) برحمته ورفع
درجته وقربه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار (ومن قطع
صفا) بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة أو جاء إلى صف وترك
بينه وبين من بالصف فرجة بلا حاجة (قطعه الله) أي أبعده من
ثوابه ومزيد رحمته إذ الجزاء من جنس العمل فيسن انضمام
المصلين بعضهم لبعض ليس بينهم فرجة ولا خلل كأنهم بنيان
مرصوص
<تنبيه> قال ابن حجر: قد ورد الأمر بتعديل الصف وسد خلله
والترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة أجمعها هذا [ص:76] الحديث
(حم د طب عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه ابن خزيمة والحاكم
(2/75)
1368 - (أقيموا الصفوف في الصلاة) عدلوها
وسووها باعتدال القائمين بها: من أقام العود إذا قومه.
ذكره القاضي قال أبو زرعة: والأمر للندب بدليل قوله (فإن
إقامة الصف من حسن) تمام إقامة (الصلاة) إذ لو كان فرضا لم
يجعله من تمام حسنها لأن حسن الشيء وتمامه أمر زائد على
حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وثبت قوله تمام في رواية
البخاري لأبي الوقت وإنما أمر به لما فيه من حسن الهيئة
وعدم تخلل الشياطين بينهم وتمكنهم من صلاتهم مع كثرة
جمعهم. والمراد بالصف الجنس ويدخل فيه استواء القائمين على
سمت والتلاصق وتتميم الصفوف المقدمة الأول فالأول
(م عن أبي هريرة) ورواه عنه البخاري في آخر حديث ولفظه:
إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع
فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد
وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين
وأقيموا الصف في الصلاة إلى آخره
(2/76)
1369 - (أقيموا صفوفكم) سووها (فو الله
لتقيمن) بضم الميم أصله لتقيمون (صفوفكم أو ليخالفن الله)
أي ليوقعن الله المخالفة (بين قلوبكم) قال البيضاوي: اللام
فيه التي يتلقى بها القسم وهنا القسم مقدر ولهذا أكده
بالنون المشددة وأو للعطف. ردد بين تسويتهم صفوفهم ومن هو
كاللازم لنقيضها وهو اختلاف القلوب فإن تقدم الخارج عن
الصف يفوت على الداخل وذلك يجر إلى الضغائن بينهم فتختلف
قلوبهم واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجوه المعبر به
في خبر سيجيء بإعراض بعضهم عن بعض وهذا جزاء من جنس العمل
كخبر من قتل نفسه بحديدة عذب بها. وقال النووي: الظاهر أن
معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب كما يقال: تغير
وجه فلان إذا ظهر على وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف
مخالفة في الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن
اه: وقال الطيبي: الوجه أن المراد باختلاف الوجوه اختلاف
الكلمة وتهييج الفتن ولعله أراد الفتن التي وقعت بين
الصحابة اه. وتسوية الصفوف سنة مؤكدة وصرفه عن الوجوب
الدال عليه الوعيد على تركه الإجماع فهو من باب التغليظ
والتشديد تأكيدا أو تحريضا على فعلها وفيه جواز الحلف
بالله لغير ضرورة
(د عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة
وبالتحتية قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته
بركبته وكعبه بكعبه
(2/76)
1370 - (أقيموا) سووا (صفوفكم) أيها
الحاضرون لأداء الصلاة معي (وتراصوا) بضم المهملة المشددة:
أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم (فإني) الفاء
للسببية (أراكم) رؤية حقيقية (من وراء ظهري) أي من خلفي
بأن خلق الله له إدراكا من خلفه كما يشعر بذلك التعبير بمن
الابتدائية فمبدأ الرؤية من خلف. قال ابن حجر: وفيه إشارة
إلى سبب الأمر: أي إنما أمرت لتحققي منكم خلافه. والقول
بأنه كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يبصر بهما ولا
يحجبهما الثياب متعقب بالرد. قال ابن حجر: وفي حديث
النعمان عند مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ذلك
عندما كاد أن يكبر. قال القونوي: وفي الأحاديث إشعار بأن
هذا الحال كان مخصوصا بالصلاة فإن لم يرد أن هذا الحال كان
مستصحبا وذلك لأن حضرة الحق التامة والمحاذاة الكاملة
المستلزمة لعموم نور الحق جميع جهاته في الصلاة وأذاعت
المقابلة وصححت المحاذاة كمال اكتساب النور
(خ ن عن أنس) بن مالك قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ثم ذكره وفي رواية للبخاري
فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه
(2/76)
[ص:77] 1371 - (أقيموا صفوفكم) باعتدال
القائمين بها على سمت واحد وبسد الخلل منها (وتراصوا)
بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل. قال ابن حجر:
ويحتمل كونه تأكيدا لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا
(فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وفي قبضته (إني لأرى) بلام
الابتداء لتأكيد مضمون الجملة (الشياطين) أي جنسهم (بين
صفوفكم) يتخللونها (كأنهم غنم عفر) أي بيض ليس بياضها
بناصع قالوا: ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم الصف في
الصلاة كصفوف الملائكة وفيه جواز القسم بما ذكر أو نحوه من
كل ما يفهم منه ذات الله تعالى ويكون يمينا أطلق أو نوى
الله. قال الشافعية: ولو قال قصدت غيره لم يدين
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) بن مالك
(2/77)
1372 - (أقيموا الركوع والسجود) أي
أكملوهما وفي رواية أتموا (فو الله إني لأراكم) بقوة إبصار
أدرك بها ولا يلزم رؤيتنا ذلك وإنما خص نفسه بالذكر ولم
يسنده للحق لبعثه شهيدا عليهم وحضا لهم على مقام الإحسان
(من بعدي) وفي نسخ من بعد ظهري كما يفسره ما قبله: يعني
بخلق حاسة باصرة فيه وقد انخرقت له العادة بأعظم من ذلك
فلا مانع له من جهة العقل وقد ورد به الشرع فوجب قبوله ومن
حمله على بعد موتي فقد خالف الظاهر (إذا ركعتم وإذا سجدتم)
حث على الإقامة ومنع عن التقصير فإن تقصيرهم إذا لم يخف
على الرسول فكيف يخفى على من أرسله وكشف له وفيه مراعاة
الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة وحثهم
على طاعته
(ق عن أنس) بن مالك
(2/77)
1373 - (أقيموا الصلاة) أخبر بأقيموا دون
صلوا إشارة إلى أن المطلوب أن يكون همك إقامة الصلاة لا
وجود الصلاة فما كل مصل مقيم (وآتوا الزكاة وحجوا
واعتمروا) إن استطعتم إلى ذلك سبيلا (واستقيموا) دوموا على
تلك الطاعة واثبتوا على الإيمان (يستقم بكم) بالبناء
للمفعول: أي فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع
الخلق وهذا إشارة إلى طلب قطع كل ما سوى الله عن مجرى
النظر
(طب عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي وفيه عمران القطان
استشهد به البخاري وضعفه آخرون
(2/77)
1374 - (أكبر الكبائر الإشراك بالله) يعني
الكفر. وآثر لفظ الإشراك لغلبته في العرف (وقتل النفس)
المحترمة بغير حق (وعقوق الوالدين) أو أحدهما بقطع صلتهما
أو مخالفتهما في غير معصية قال ابن العربي: جعل بر الأصل
ثاني التوحيد كما جعله في ضمن حق الله في حديث رضى الرب في
رضى الوالد وناهيك بذلك (وشهادة الزور) أي الشهادة بالكذب
يتوصل بها إلى باطل وإن قل وظاهر التركيب يقتضي حصر
الكبائر فيها وليس بمراد بل ذكر الأربعة من قبيل ذكر البعض
الذي هو أكبر كما سبق. والكفر أكبر مطلقا ثم القتل والباقي
على معنى من
(خ عن أنس) بن مالك
(2/77)
1375 - (أكبر الكبائر حب الدنيا) لأن حبها
رأس كل خطيئة كما يأتي في خبر فهي أصل المفاسد ولأنها ضرة
الآخرة [ص:78] فمهما أرضيت هذه أغضبت هذه كالمشرق والمغرب
مهما قربت من أحدهما بعد زمن الآخر وهما كقدحين أحدهما
مملوءا فبقدر ما يصب في الآخر حتى يمتلئ يفرغ من الآخر قال
الحسن البصري: ومن علامة حب الدنيا أن يكون دائم البطنة
قليل الفطنة همه بطنه وفرجه فهو يقول في النهار متى يدخل
الليل حتى أنام ويقول في الليل متى أصبح من الليل حتى ألهو
وألعب وأجالس الناس في اللغو وأسأل عن حالهم
(فر عن ابن مسعود) رمز لضعفه ووجهه أن فيه حمد بن أبو سهيل
قال في الميزان طعن ابن منده في اعتقاده
(2/77)
1376 - (أكبر الكبائر سوء الظن بالله) فهو
أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر لأنه يؤدي إليه {وذلكم
ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} والله تعالى عند ظن عبده به
لكن كما يجب على العبد إحسان الظن بربه يجب عليه أن يخاف
عقابه ويخشى عذابه فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين
طريق الأمن وطريق اليأس وطريق الرجاء والخوف هو العدل
بينهما فمتى فقدت الرجاء وقعت في طريق الخوف ومتى فقدت
الخوف وقعت في طريق الأمن {فلا يأمن مكر الله إلا القوم
الخاسرون} فطريق الاستقامة ممتد بينهما فإن ملت عنه يمنة
أو يسرة هلكت فيجب أن تنظر إليهما جميعا وتركب منهما طريقا
دقيقا وتسلكه. نسأل الله السلامة (واعلم) أن النفس إذا
كانت ذات شره وشهوة غالية فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق
فأظلمت الصدر فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف فصار الصدر
مظلما وجاءت النفس بهواجسها وتخليطها واضطربت فظن العبد أن
الله لا يعطف عليه ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه ونحو ذلك
وهذا من سوء الظن بالله وصل إلى حال اليأس من الرحمة ووقع
في القنوط كفر
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لضعفه وظاهر صنيعه
أن الديلمي أسنده والأمر بخلافه بل بيض له ولم يذكر سندا
وقال ابن حجر في الفتح خرجه ابن مردويه عن ابن عمر يرفعه
بسند ضعيف
(2/78)
1377 - (أكبر أمتي) أي من أعظمهم قدرا
(الذين لم يعطوا فيبطروا) أي يطغوا عند النعمة (ولم يقتر)
أي يضيق (عليهم) في الرزق (فيسألوا) الناس: يعني الذين
ليسوا بأغنياء إلى الغاية ولا فقراء إلى الغاية وهم أهل
الكفاف والمراد من أكبرهم أجرا لشكرهم على ما أعطوا وصبرهم
على الكفاف
(تخ والبغوي) أبو القاسم (وابن شاهين) الأنصاري كلاهما في
الصحابة من طريق شريك بن أبي عز (عن الجذع) ويقال ابن
الجزع (الأنصاري) قال أبو موسى لا أدري هو ثعلبة بن زيد أو
آخر. قال ابن حجر: قلت بل هو غيره
(2/78)
1378 - (اكتحلوا بالإثمد) الحجر المعدني
المعروف وقيل كحل أصبهاني أسود (المروح) بالبناء للمفعول:
أي المطيب بنحو مسك كأنه جعل له رائحة بعد أن لم تكن (فإنه
يجلو البصر) أي يزيد نور العين (وينبت الشعر) أي شعر
الأهداب جمع هدب وإنبات شعرها مرمة للعين لأن الإشعار ستر
الناظر ولولاها لم يقو الناظر على النظر فإنما يعمل ناظر
العين من تحت الشعر فالكحل ينبته وهو مرمته وأما جلاء
البصر فإنه يذهب بغشاوته وما يتحلب من الماق ومن فضول
الدموع والبلة طبيعية ينشفه الإثمد ويمنع الغشاء والغين عن
الحدقة. قال ابن محمود شارح أبي داود وتحصل سنة الإكتحال
بتوليه بنفسه وفعل غيره بأمره وينشأ عنه جواز الوكالة في
العبادة. اه. وأقول القياس الحصول ولو بلا أمر حيث قارنت
نيته فعل غيره كما لو وضأه غيره بغير إذنه أولى
(حم عن أبي النعمان الأنصاري) [ص:79] لم أره في أسد الغابة
ولا في التجريد والذي فيهما أبو النعمان الأزدي وأبو
النعمان غير منسوب. فليحرر
(2/78)
1379 - (أكثر أهل الجنة البله) بضم فسكون:
أي الغافلون عن الشر المطبوعون على الخير أو الذين خلوا عن
الدهاء والمكر وغلبت عليهم سلامة الصدر وهم عقلاء قال
الزبرقان خير أولادنا الأبله العقول وقال:
ولقد لهوت بطفلة ميالة. . . بلهاء تطلعني على أسرارها
قال الزمخشري في صفة الصلحاء: هينون لينون غير أن لا هوادة
في الحق ولا دهانة بله خلان غوصهم على الحقائق يعمر
الألباب والأذهان وذلك لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق
التصرف فيها فأقبلوا على آخرتهم فشغلوا بها فاستحقوا أن
يكونوا أكثر أهلها. وقال الغزالي: الأبله البليد في أمور
الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بعلوم الدنيا والآخرة جميعا
وهما علمان متنافيان. فمن صرف عنايته إلى أحدهما قصرت
بصيرته عن الأخرى على الأكثر ولذلك ضرب علي كرم الله وجهه
للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما كفتي ميزان وكالمشرق
والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى ولذلك
ترى الأكياس في علم الدنيا وفي علم الطب والهندسة والحساب
والفلسفة جهالا في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم
الآخرة جهالا بعلوم الدنيا غالبا لعدم وفاء قوة العقل بهما
فيكون أحدهما مانعا من الكمال في الثاني (1) ولذلك قال
الحسن: أدركنا أقواما لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوكم
لقالوا شياطين فمهما سمعت أمرا غريبا من أمور الدين الذين
جحده أهل الكياسة أو في سائر العلوم فلا ينفرنك جحودهم عن
قبولها إذ من المحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في
الغرب فكذا مجرى أمر الدنيا والآخرة فالجمع بين كمال
الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن
سخره الله لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء
المؤيدون بروح القدس أما قلوب غيرهم فإذا اشتغلت بأمر
الدنيا انصرفت عن الآخرة وعكسه اه
(البزار) في مسنده (عن أنس) وظاهر صنيع المصنف أن البزار
خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل ضعفه فعزوه له مع حذف ما
عقبه به من تضعيفه غير سديد ووجه ضعفه ما قال الهيثمي إن
فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح
وغيره. وقال الزين العراقي في هذا الحديث قد صححه
الدارقطني في التذكرة وليس كذلك فقد قال ابن عدي إنه منكر
وسبقه له ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن عدي حديث منكر
وقال الدارقطني تفرد به سلامة عن عقيل وهو ضعيف
_________
(1) [إلا في النادر القليل ممن وهبه الله عقلا خارقا ودينا
صافيا وقلبا منيرا والنادر لا حكم له. وذلك كله كما قال
الغزالي في الغالب فقط وهو أيضا بشأن من طلب النبوغ في هذه
العلوم فيضطر لتكريس ذهنه وجميع قواه لذلك أما بشأن غيره
فالأمر بالعكس حيث يتصف المتمسك بالشريعة والمحب للآخرة
بما لا يتصف به غيره من مقومات النجاح الباهر كالإخلاص في
القصد وفي النصح وكقوة الهمة وتأييد المولى العزيز كما هو
مشاهد بين الصغار والكبار من المدارس إلى المهن على
اختلافها فليتنبه
(وانظر شرح الحديث 4187) دار الحديث]
(2/79)
1380 - (أكثر خرز الدنيا) لفظ رواية أبي
نعيم: أكثر خرز أهل الجنة وهو كذلك في نسخ (العقيق) بفتح
العين المهملة وقافين أولهما مكسورة بينهما مثناة تحتية:
أي هو أكثر حليهم الذين يحلون به ويحتمل أن المراد أنه
أكثر خرزها الملقى في عرصاتها بمنزلة الحصى والرمال في
الدنيا
(حل) من حديث محمد بن الحسن بن قتيبة عن عبيد بن الغازي عن
مسلم بن عبد الله الزاهد عن القاسم بن معين عن أخته أمينة
عن عائشة بنت سعد (عن عائشة) أم المؤمنين هكذا رواه في نسخ
ابن الحلية وفي بعضها بدل سالم مسلم بن ميمون الخواص
الزاهد فأما مسلم بن عبد الله فقال في الميزان وهاه ابن
حبان قال وله بلايا منها هذا الحديث وقال ابن الجوزي: هو
كذاب وأما مسلم بن ميمون فعده الذهبي من الضعفاء
والمتروكين وقال قال ابن حبان بطل الاحتجاج به وقال أبو
حاتم لا يكتب حديثه وقال غيره له مناكير ومن ثم حكم ابن
الجوزي بوضعه وقال السخاوي طرق العقيق كلها ضعيفة واهية
(2/79)
1381 - (أكثر خطايا ابن آدم من) وفي رواية
في (لسانه) لأنه أكثر أعضائه عملا وهو صغير جرمه عظيم جرمه
فمن [ص:80] أطلق عذبة لسانه مرخى العنان ملك به الشيطان في
كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار
وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا
ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع
(طب هب) من حديث أبي وائل (عن ابن مسعود) قال ارتقى ابن
مسعود الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت
عن شر تسلم من قبل أن تندم. ثم قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول. فذكره. قال المنذري: رواة الطبراني
رواة الصحيح وإسناد البيهقي حسن وقال الهيثمي رجال
الطبراني رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده حسن وبذلك
يعرف ما في رمز المصنف لضعفه
(2/79)
1382 - (أكثر عذاب القبر من) وفي رواية في
(البول) أي من عدم التنزه منه لأن عدم التنزه منه يفسد
الصلاة وهي عماد الدين وأفضل الأعمال وأول ما يحاسب عليه
العبد فعذاب القبر حق عند أهل السنة وهو ما نقل متواترا
فيجب اعتقاده ويكفر منكره. وقال الولي العراقي: وإنما كان
أكثر عذاب القبر منه دون غيره من النجاسات لأن وقوع
التقصير فيه أكثر لتكرره في اليوم والليلة ويحتمل أن يقال
نبه بالبول على ما سواه فجميع النجاسات في معناه. اه. وفيه
وجوب إزالة النجاسة لأن الوعيد لا يكون إلا على الواجب بل
على كبيرة
(حم هـ ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال الضياء المقدسي
سنده حسن. قال مغلطاي: وما علم أن الترمذي سأل عنه البخاري
فقال حديث صحيح. اه. وقال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له
علة. قال المنذري وهو كما قال وأقره الذهبي
(2/80)
1383 - (أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي
رجل) أي الافتتان برجل زائغ (يتأول القرآن) أي شيئا من
أحكامه أو غيرهما بتأويل باطل بحيث (يضعه على غير مواضعه)
كتأويل الرافضة {مرج البحرين يلتقيان} أنهما علي وفاطمة
{يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين وكتأويل بعض
المتصوفة {من ذا الذي يشفع عنده} أن المراد من ذي يعني
النفس وتأويل المبتدعة مسطورة مشهورة فليراجعه من أراد
(ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره) يعني الخلافة وهناك
من هو مستجمع لشروطها وليس بمستجمع لها فإن فتنته شديدة
لما يسفك بسببه من الدماء وينهب من الأموال ويستباح من
الفروج والمحارم
(طس عن عمر) ابن الخطاب وكلامه يوهم أنه غير معلول وليس
بمقبول فقد أعله الهيثمي بأن فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري
وهو متروك
(2/80)
1384 - (أكثر منافقي أمتي قراؤها) أي الذين
يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون
القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه فكان
المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة.
ذكره ابن الأثير. وقال الزمخشري: أراد بالنفاق الرياء لأن
كلا منهما إرادة ما في الظاهر خلاف ما في الباطن. اه.
وبسطه بعضهم فقال: أراد نفاق العمل لا الاعتقاد ولأن
المنافق أظهر الإيمان بالله لله وأضمر عصمة دمه وماله.
والمرائي أظهر بعلمه الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا
والقارئ أظهر أنه يريد الله وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب
ويرى نفسه أهلا له وينظر إلى عمله بعين الإجلال فأشبه
المنافق واستويا في مخالفة الباطن <تنبيه> قال الغزالي:
أحذر من خصال القراء الأربعة: الأمل والعجلة والكبر والحسد
قال وهي علل تعتري سائر الناس عموما والقراء خصوصا ترى
القارئ يطول الأمل فيوقعه في الكسل وتراه يستعجل على الخير
فيقطع عنه وتراه [ص:81] يحسد نظراءه على ما أتاهم الله من
فضله فربما يبلغ به مبلغا يحمله على فضائح وقبائح لا يقدم
عليها فاسق ولا فاجر ولهذا قال النووي: ما أخاف على ذمي
إلا القراء والعلماء فاستنكروا منه ذلك فقال ما أنا قلته
وإنما قاله إبراهيم النخعي. وقال عطاء: احذروا القراء
واحذروني معهم فلو خالفت أودهم لي في رمانة أقول أنها حلوة
ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر.
وقال الفضيل لابنه: اشتروا دارا بعيدة عن القراء. ما لي
والقوم إن ظهرت مني زلة قتلوني وإن ظهرت علي حسنة حسدوني
ولذلك ترى الواحد منهم يتكبر على الناس ويستخف بهم معبسا
وجهه كأنما يمن على الناس بما يصلي زيادة ركعتين أو كأنما
جاءه من الله منشور بالجنة والبراءة من النار أو كأنه
استيقن السعادة لنفسه والشقاوة لسائر الناس ثم مع ذلك يلبس
لباس المتواضعين ويتماوت وهذا لا يليق بالتكبر والترفع ولا
يلائمه بل ينافيه لكن الأعمى لا يبصر
(حم طب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال في الميزان إسناده
صالح (حم طب عن عقبة بن عامر طب عد عن عصمة بن مالك) قال
الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وقال الهيثمي أحد أسانيد
أحمد ثقات سند الطبراني فيه الفضل بن المختار ضعيف
(2/80)
1385 - (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء
الله وقدره بالعين) وفي رواية بالنفس وفسر بالعين وذلك لأن
هذه الأمة فضلت باليقين على سائر الأمم فحجبوا أنفسهم
بالشهوات فعوقبوا بآفة العين فإذا نظر أحدهم بعين الغفلة
كانت عينه أعظم والذم له ألزم {قل إن الهدى هدى الله أن
يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} فلما فضلهم الله باليقين لم يرض
منهم أن ينظروا إلى الأشياء بعين الغفلة وتتعطل منة الله
عليهم وتفضيله لهم. ذكره الحكيم
(الطيالسي) أبو داود (تخ والحكيم) الترمذي (والبزار) في
مسنده والضياء في المختارة كلهم عن جابر بن عبد الله قال
الحافظ في الفتح سنده حسن وتبعه السخاوي وقال الهيثمي بعد
ما عزاه للبزار رجاله رجال الصحيح خلا طلب ابن حبيب ابن
عمرو وهو ثقة
(2/81)
1386 - (أكثر الناس ذنوبا) وفي رواية
أكثرهم خطايا (يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء وكشف
الحقائق (أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه) أي شغله بما لا يعود
عليه نفع أخروي لأن من كثر كلامه كثر سقطه وجازف ولم يتحر
فتكثر ذنوبه من حيث لا يشعر وفي حديث معاذ: وهل يكب الناس
في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي خبر الترمذي
مات رجل فقيل له أبشر بالجنة فقال المصطفى صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أولا تدري فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو
يخل بما يعنيه والإكثار من ذلك عده القوم من الأغراض
النفسانية والأمراض القلبية التي التداوي منها من الفروض
العينية. وعلاجه أن يستحضر أن وقتك أعز الأشياء عليك
فتشغله بأعزها وهو الذكر وفي ذكر يوم القيامة إشعار بأن
هذه الخصلة لا تكفر عن صاحبها بما يقع له من الأمراض
والمصائب
(ابن لال) أبو بكر (وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة)
ورواه (السجزي في) كتابه (الإبانة) عن أصول الديانة (عن
عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو (حم في الزهد)
أي في كتاب الزهد (عن سلمان) الفارسي الأسلمي عظيم الشأن
من أهل بيعة الرضوان (موقوفا) عليه رمز المصنف لضعفه وفيه
كلامان الأول أنه قد انجبر بتعدد طرقه كما ترى وذلك يرقيه
إلى درجة الحسن بلا ريب وقد وقع له الإشارة إلى حسن أحاديث
هذا الكتاب أوهى إسنادا [ص:82] من هذا بمراحل لاعتضاده بما
دون ذلك الثاني أن له طريقا جيدة أغفلها فلو ذكرها واقتصر
عليها أو ضم إليها هذا لكان أصوب وهي ما رواه الطبراني
بلفظ: أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في
الباطل. اه. قال الهيثمي ورجاله ثقات. اه والخلف لفظي بين
الحديثين عند التدقيق فضربه عن الطريق الموثقة وعدوله إلى
المعللة ورمزه لتضعيفها من ضيق العطن كما لا يخفى على ذوي
الفطن
(2/81)
1387 - (أكثر من أكلة كل يوم سرف) تمامه
عند مخرجه البيهقي: والله لا يحب المسرفين. اه. وذلك لأن
الأكلة فيه كافية لما دون الشبع وذلك أحسن لاعتدال البدن
وأحفظ للحواس الظاهرة والباطنة. ومن علامات الساعة ظهور
السمن في الرجال وما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه وما دخلت
الحكمة معدة ملئت طعاما والمؤمن يأكل في معاء واحد والكافر
في سبعة. وقال الحسن البصري: وددت أني أكلت أكلة من حلال
فصارت في جوفي كالأجرة فإنه بلغني أنها تقيم في الماء ثلاث
مئة سنة. وأخرج ابن الأنباري أن ابن العاص قال لمعاوية يوم
الحكمين: أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا
فقدوا عقولهم وما مضت عزمة رجل قط بات بطينا <تنبيه> قال
ابن العربي: للجوع حال ومقام فحاله الخشوع والخضوع والذلة
والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر
الرديئة. هذا حال الجوع للسالكين أما حاله للمحققين فالرقة
والصفاء والمؤانسة والتنزه عن أوصاف البشرية بالعزة
الإلهية والسلطان الرباني ومقامه المقام الصمداني وهو مقام
عال له أسرار وتجليات فهذا فائدة الجوع للمريد لا جوع
العامة فإنه جوع صلاح المزاج وتنعيم البدن بالصحة فقط.
والجوع يورث معرفة الشيطان. اه
(هب عن عائشة) وفيه ابن لهيعة
(2/82)
1388 - (أكثرت عليكم) في استعمال (السواك)
أي في شأنه وأمره وبالغت في تكرير طلبه منكم. وحقيق أن
أفعل أو في إيراد الأخبار بالترغيب فيه وحقيق أن تطيعوا أو
أطلت الكلام فيه وحق له ذلك لكثرة فوائده وجموم فضائله
فمنها كما في الرونق: أنه يطهر الفم ويرضي الرب ويبيض
الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق ويذكي الفطنة
ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ بالشيب ويسوي الظهر ويضاعف
الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت وغير ذلك
قالوا: والحث عليه بتناول الفعل عند كل الصلوات والجمعة
أولاها لأنه يوم ازدحام فشرع فيه تنظيف الفم تطيبا للنكهة
الذي هو أقرب من الغسل <تنبيه> حكى الكرماني أنه روى بصيغة
المجهول قال الطيبي: وفائدة هذا الأخبار مع كونهم عالمين
إظهار الاهتمام بشأنه وتوخي ملازمتهم إياه لكونه مطهرة
للفم مرضاة للرب
(خ ن عن أنس) بن مالك
(2/82)
1389 - (أكثر أن تقول سبحان الملك القدوس)
المنزه عن سمات النقص وصفات الحدوث (رب الملائكة والروح)
عطف خاص على عام وهو جبريل أو ملك أعظم خلقا أو حاجب الله
الذي يقوم بين يديه أو ملك له سبعون ألف وجه ولكل وجه
سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله بها يخلق
مع كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة أخرجه ابن جرير عن علي
بسند ضعيف (جللت) أي عممت وطبقت (السماوات والأرض بالعزة)
أي بالقوة والغلبة (والجبروت) فعلوت من الجبر وهو القهر
وهذا الحديث قد بوب عليه في الأذكار: باب ما يقوله من بلي
بالوحشة
(ابن [ص:83] السني والخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في
كتابه المؤلف فيها (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن
البراء) بن عازب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل
يشكو إليه الوحشة فقال أكثر. إلخ فقالها الرجل فذهبت عنه
الوحشة ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب
(2/82)
1390 - (أكثر من الدعاء فإنه يرد القضاء
المبرم) أي المحكم: يعني بالنسبة لما في لوح المحو
والإثبات أو لما في صحف الملائكة لا للعلم الأزلي فإنه لا
زيادة فيه ولا نقص. قال القاضي: والقضاء هو الإرادة
الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص والقدر
تعلق تلك الأشياء بالإرادة في أوقاتها. اه. وابرام الشيء
إحكامه. قال في الصحاح: أبرم الشيء أحكمه قال الزمخشري:
ومن المجاز أبرم الأمر وأمر مبرم
(أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أنس) وفيه عبد الله بن
عبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء. وقال قال ابن معين
ليس بشيء ورقم علامة الشيخين ولقد أبعد المصنف النجعة حيث
عزاه لأبي الشيخ مع وجود لبعض المشاهير الذين وضع لهم
الرموز وهو الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس
المذكور
(2/83)
1391 - (أكثر من السجود) أي من تعدده
بالإكثار من الركعات أو من إطالته والأول هو الملائم لقوله
(فإنه) أي الشأن (وليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة) صحيحة
(إلا رفعه الله بها درجة في الجنة) التي هي دار الثواب
(وحط عنه بها خطيئة) أي محا عنه بها ذنبا من ذنوبه فلا
يعاقبه عليه ولا بدع في كون الشيء الواحد يكون رافعا
ومكفرا كما سبق ويجيء
(ابن سعد) في الطبقات (حم) كلاهما (عن أبي فاطمة)
(2/83)
1392 - (أكثر) يا عباس (الدعاء بالعافية)
أي بدوامها واستمرارها عليك فإن من كملت له العافية علق
قلبه بملاحظة مولاه وعوفي من التعلق بسواه. قال الديلمي
وهذا قاله لعمه حين قال يا رسول الله علمني شيئا أسأله
الله
(ك عن ابن عباس) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه:
يا عم أكثر إلخ ورواه عنه الطبراني باللفظ المزبور قال
الهيثمي وفيه عند هلال بن جناب وهو ثقة وضعفه جمع وبقية
رجاله ثقات
(2/83)
1393 - (أكثر الصلاة) النافلة التي لا تشرع
لها جماعة (في بيتك) أي في محل سكنك بيتا أو غيره (يكثر
خير بيتك) لعود بركتها عليك (وسلم على من لقيت من أمتي)
أمتي الإجابة (تكثر حسناتك) بقدر إكثارك السلام على من
لقيته منهم عرفته أم لم تعرفه فالسلام سنة مؤكدة محثوث
عليها
(هب عن ابن عباس) الذي وقفت عليه في الشعب إنما هو عن أنس
ثم إن فيه محمد بن يعقوب الذي أورده الذهبي في الضعفاء
وقال له مناكير وعلي بن الجند قال في الذيل قال البخاري
منكر الحديث وقال أبو حاتم خبره موضوع وفي اللسان كأصله
نحوه وعمرو بن دينار متفق على ضعفه
(2/83)
1394 - (أكثر من) قول (لا حول) أي تحويل
للعبد عن معصية الله (ولا قوة) على طاعته (إلا بالله) أي
إلا بأقداره وتوقيفه [ص:84] (فإنها) أي الحوقلة (من كنز
الجنة) يعني لقائلها ثواب نفيس مدخر في الجنة فهو كالكنز
في كونه نفيسا مدخرا لاحتوائها على التوحيد الخفي لأنه إذا
نفيت الحيلة والاستطاعة عنه وأثبت لله وحده على سبيل الحصر
لم يخرج عن ملكه وملكوته
(ع طب عن أبي أيوب) الأنصاري
(2/83)
1395 - (أكثر ذكر الموت) في كل حال وعند
نحو الضحك وعروض العجب وما أشبه ذلك آكد (فإن ذكره يسلبك)
من السلو وهو الترك بلا ندامة وفي تذكرة القرطبي قيل يا
رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال نعم من يذكر الموت
في اليوم والليلة عشرين مرة. وقال السدي في قوله تعالى
{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} أي
أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا
(عما سواه) لأن من يذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاءه
متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب
عليه من طلب الآجلة. قال الراغب: والذكر وجود الشيء في
القلب أو في اللسان: وذلك أن الشيء له أربع وجودات: وجوده
في ذاته ووجوده في قلب الإنسان ووجوده في لفظه ووجوده في
كتابته فوجوده في ذاته سبب لوجوده في القلب ووجوده في
القلب سبب لوجوده في اللسان ولوجوده في الكتابة. وقد يقال
للوجودين أي الوجود في القلب والوجود في اللسان الذكر ولا
اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن عن ذكر في القلب
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذكر الموت) أي كتابه المصنف
فيما ورد من ذلك (عن سفيان) الثوري أحد أعلام الأمة
وزهادها قالوا لم ير مثله (عن شريح) بضم المعجمة وفتح
الراء وسكون التحتية وبالمهملة ابن الحارث القاضي (مرسلا)
ولاه عمر قضاء الكوفة سمع عمرو وعليا فهو تابعي
(2/84)
1396 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع
أما بمهملة فمعناه مزيل الشيء من أصله (اللذات الموت) بجره
عطف بيان وبرفعه مبتدأ محذوف وبنصبه بتقدير أعني. قال
الطيبي: شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها
ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر
الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما عليه من
التردد إلى دار القرار وفيه ندب ذكر الموت بل أكثريته لأنه
أزجر للمعصية وأدعى للطاعة
(ت ن هـ ل هب عن أبي هريرة طس حل هب عن أنس) بن مالك (حل)
عن عمر بن الخطاب
(2/84)
1397 - (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا) يعني
المنافقين ومن ألحق بهم فمن استولت عليهم الغفلات واستغرق
في اللذات وترك الآخرة وراء ظهره وانهمك في فسقه في سره
وجهره وإن مكثر الذكر (مجنون) وفي رواية لعبد بن حميد حتى
يقال إنه مجنون أي لا تلتفتوا لعذلهم الناشئ عن مرض قلوبهم
لعظم فائدة الذكر إذ به يستنير القلب ويتسع الصدر ويمتلئ
فرحا وسرورا وشرف الذكر تابع لشرف المذكور وشرف العلم تابع
لشرف المعلوم وشرف الشيء بسبب الحاجة إليه وليست حاجة
الأرواح بشيء أعظم من ذكر بارئها والابتهاج به <تنبيه> قال
في الأذكار لا إله إلا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة
الأجلة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب
المريدين قول إلا إله إلا الله لأهل الخلوة وأمرهم
بالمداومة عليها وقالوا أنفع علاج في ذكر الوسوسة الإقبال
على ذكر الله وإكثاره وأخذ المؤلف من هذا الحديث ونحوه أن
ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد
ورفع الصوت بالتهليل [ص:85] لا كراهة فيه (1) ذكره في
فتاويه الحديثية وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر
وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف
باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي به بين الأحاديث
الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الإسرار بها
(حم ع حب ك هب عن سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وهو فيه
تابع لتصحيح الحاكم له وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في أماليه
على كونه حسنا وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى
فيه دراج ضعفه جمع وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات
_________
(1) هذا مردود بقوله صلى الله عليه وسلم جنبوا مساجدكم
صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم.
الحديث
(2/84)
1398 - (أكثروا ذكر الله حتى يقول
المنافقون إنكم مراؤون) أي إلى أن يقول إن إكثاركم لذكره
إنما هو رياء وسمعة لا إخلاصا يعني أكثروا ذكره وإن رموكم
بذلك فإنه لا يضركم كيدهم شيئا والله مع الصابرين الذاكرين
(ص حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (هب عن أبي الجوزاء)
بفتح الجيم وسكون الواو وبالزاي واسمه أوس بفتح الهمزة
وسكون الواو ابن عبد الله الربعي بفتح الراء المشددة
والموحدة تابعي كبير
(2/85)
1399 - (أكثروا ذكر هاذم اللذات) قال
الغزالي: أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها
فتقبلوا على الله (فإنه) أي الموت (لا يكون في كثير) من
الأمل والدنيا (إلا قلله) أي صيره قليلا (ولا في قليل) من
العمل (إلا أجزله) أي صيره جليلا عظيما كثيرا فإن العبد
إذا قرب من نفسه موته وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين
عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر قالوا هذا
الحديث كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة
فإنه من ذكر الموت حقيقة ذكره نقص لذته الحاضرة ومنعه من
تمنيها أجلا وزهده فيما كان حقيقة منها يؤمل لكن النفوس
الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق
الألفاظ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام أكثروا إلى
آخره مع قوله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} ما يكف السامع له
ويشف الناظر فيه ومن ثم قال معبد الجهيني نعم مصلحة القلب
ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويكف عزب التمني ويهون المصائب
ويحول بين القلب والطغيان وقال الحكماء من ذكر المنية نسي
الأمنية وقال الحافظ وجد مكتوبا على حجر لو رأيت يسير ما
بقي من عمرك لزهدت في ما ترجو من أملك ولرغبت في الزيادة
من عملك وأقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك غدا ندمك لو قد
زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وتبرأ منك القريب وانصرف
عنك الحبيب وقال التميمي: شيئان قطعا عني لذة النوم ذكر
الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل وكان عمر بن عبد العزيز
يجمع الفقراء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة فيبكون حتى
كأن بين أيديهم جنازة وكان النووي إذا ذكر الموت لا ينتفع
به أياما فإن سئل عن شيء قال لا أدري لا أدري وذكر عند
المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل فأثنى عليه فقال كيف ذكره
للموت فلم يذكر ذلك منه فقال ما هو كما تقولون وقال
اللفاف: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة
وقناعة القلب ونشاط العبادة ومن نسيه عوقب بثلاثة أشياء
تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته فيا
للموت من وعد ما أصدقه ومن حاكم ما أعدله فكفى بالموت
مفرحا للقلوب ومبكيا للعيون ومفرقا للجماعة وهاذما للذات
وقاطعا للأمنيات
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مر النبي صلى الله وسلم
بمجلس من مجالس الأنصار وهم يمزحون ويضحكون فذكره رمز
المصنف لحسنه والأمر بخلافه فقد قال ابن الجوزي حديث لا
يثبت
(2/85)
[ص:86] 1400 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال
معجمة قاطع وبمهملة مزيل وليس مرادا هنا كذا في روض
السهيلي قال ابن حجر وفي ذا النفي نظر (اللذات) الموت
(فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا
ذكره في سعة إلا ضيقها عليه) قال العسكري لو فكر البلغاء
في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لعلموا أنه أتى
بهذا القليل على كل ما قيل في ذكر الموت ووصف به نظما
ونثرا ولهذا كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الموت يقطر
جلده دما قيل ولا يدخل ذكر الموت بيتا إلا رضي أهله بما
قسم لهم وقال أبو نواس
ألا يا ابن الذين فنوا وماتوا. . . أما والله ما ماتوا
لتبقى
وقال أبو حمزة الخراساني: من أكثر ذكر الموت حبب إليه كل
باق وبغض إليه كل فان. وقال القرطبي: ذكر الموت يورث
استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة
إلى الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالين ضيق
وسعة ونعمة ومحنة فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت
يسهل عليه ما هو فيه من الاغترار بها والركون إليها. وقال
الغزالي: الموت خطر هائل وخطب عظيم وغفلة الناس عنه لقلة
فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل
مشغول بالشهوات فلا ينجع ذكره فيه فالطريق أن يفرغ قلبه عن
كل شيء إلا ذكر الموت الذي هو بين يديه كمن يريد السفر
فإذا باشر ذكر الموت قلبه أثر فيه فيقل حركته وفرحه
بالدنيا وينكسر قلبه وأنفع طريق فيه أن يذكر أشكاله فيتذكر
موتهم ومصرعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في أحوالهم
ومناصبهم التي كانوا عليها في الدنيا ويتأمل كيف محى
التراب حسن صورهم وتبددت أجزاؤهم في قبورهم ويتموا أولادهم
وضيعوا أموالهم وخلت مجالسهم وانقطعت آثارهم
(حب هب عن أبي هريرة) قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمجلس وهم يضحكون فذكره وفيه عبد العزيز بن مسلم أي المدني
أورده الدارقطني والذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال لا
يعرف ومحمد بن عمرو بن علقمة ساقه فيهم أيضا وقال قال
الجرجاني غير قوي وقواه غيره (البزار عن أنس) قال الهيثمي
كالمنذري وإسناده حسن انتهى وبذلك يعرف ما في رمز المصنف
لصحته
(2/86)
1401 - (أكثروا ذكر الموت فإنه) أي ذكره
(يمحص الذنوب) أي يزيلها (ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند
الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم) وذلك لأن
نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر
الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور
اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعا لكل لذة
حائلا بينه وبين كل أمينة ورآها أنفاسا معدودة وأوقاتا
محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال
الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه
وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته فزهد في أمنيته ورضي بأدنى
عيشته <تنبيه> قد أخذ بعض الشعراء هذا الحديث فقال:
ماذا تقول وليس عندك حجة. . . لو قد أتاك منغص اللذات
ماذا تقول إذا حللت محلة. . . ليس الثقات من أهلها بثقات
وقال آخر:
اذكر الموت هاذم اللذات. . . وتجهز لمصرع سوف يأتي
(ابن أبي الدنيا) في ذكر الموت (عن أنس) قال الحافظ
العراقي إسناده ضعيف جدا وفي الباب عن أبي سعيد عند [ص:87]
العسكري وغيره قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوجد
الناس يكثرون فذكره
(2/86)
1402 - (أكثروا الصلاة علي في الليلة
الغراء واليوم الأزهر) أي ليلة الجمعة ويومها قدم الليلة
على اليوم لسبقها في الوجود ووصفها بالغراء لكثرة الملائكة
فيها وهم أنوار لخصوصيتها بتجل خاص واليوم بالأزهر لأنه
أفضل أيام الأسبوع هذا قصارى ما قيل في توجيهه وأقول إنما
سمي أزهر لأنه يضيء لأهله لأجل أن يمشوا في ضوئه يوم
القيامة يرشد إلى ذلك ما قال الحاكم عن أبي موسى مرفوعا إن
الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيأتها وتبعث الجمعة
زهراء منيرة لأهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها
تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم يسطع
كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان لا
يطرفون تعجبا حتى يدخلون الجنة لا يخالطهم أحد إلا
المؤذنون المحتسبون قال الحاكم خبر شاذ صحيح السند وأقره
الذهبي (فإن حلاتكم تعرض علي) وكفى بالعبد شرفا ونبلا
وفخرا ورقعة وقدرا أن يذكر اسمه بالخير بين يديه صلى الله
عليه وسلم وتتمته كما في شرح مسند الشافعي للرافعي وغيره
قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي بليت فقال: إن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أي لأن أجسادهم
نور والنور لا يتغير بل ينتقل من حالة إلى حالة
(هب عن أبي هريرة عد عن أنس) بن مالك (ص) في سننه (عن
الحسن) البصري (وخالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة
وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف (مرسلا) فقيه كبير ثبت مهاب
مخلص يسبح في اليوم والليلة أربعين ألف تسبيحة ورواه
الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال الحاقظ العراقي وفيه
عبد المنعم بن بشير ضعفه ابني معين وحبان وقال إبن حجر:
متفق على ضعفه
(2/87)
1403 - (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة
فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلي علي إلا
عرضت علي صلاته حين يفرغ منها) وذكر أبو طالب أن أقل
الأكثرية ثلاث مئة مرة والوارد في الصلاة عليه صلى الله
عليه وسلم ألفاظ كثيرة أشهرها اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
(هـ عن أبي الدرداء) تتمته قلت وبعد الموت قال وبعد الموت
إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال الدميري
رجاله ثقات
(2/87)
1404 - (أكثروا من الصلاة علي في كل يوم
جمعة فإن صلاة أمتي) والمراد أمة الإجابة (تعرض علي في كل
يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة)
فإن قلت هذا العرض مقيد بكل جمعة وما سبق مطلق فكيف الجمع
قلنا إما أن يحمل المطلق على المقيد إن صحت الطرق أو يقال
العرض يوم الجمعة على وجه خاص وقبول خاص لأنه أفضل الأيام
بالنسبة لأيام الأسبوع
(هب) من حديث مكحول (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس
كما قال فقد أعله الذهبي في المهذب بأن مكحولا لم يلق أبا
أمامة فهو منقطع
(2/87)
1405 - (أكثروا من الصلاة علي في يوم
الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا) أي بأعماله
التي منها الصلاة باستحقاق رفعة [ص:88] درجته وعلو منزلته
(أو شافعا) شفاعة خاصة اعتناءا به (يوم القيامة) ووجه
مناسبة الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها أن يوم الجمعة سيد
الأيام والمصطفى سيد الأنام فللصلاة عليه فيه مزية ليست
لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير تناله أمة في الدارين
فإنما هو بواسطته وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة وهي
بعثهم إلى قصورهم ومنازلهم في الجنة وكما أن لهم عيد في
الدنيا فكذا في الآخرة فإنه يوم المزيد الذي يتجلى لهم
الحق تعالى فيه وهذا حصل لهم بواسطة المصطفى صلى الله عليه
وسلم فمن شكره إكثار الصلاة عليه فيه
(هب عن أنس) رمز المصننف لحسنه وليس كما قال فقد قال
الذهبي: الأحاديث في هذا الباب عن أنس طرقها ضعيفة وفي هذا
السند بخصوصه درست بن زياد وهاه أبو زرعة وغيره ويزيد
الرقاشي قال النسائي وغيره متروك
(2/87)
|