فيض القدير شرح الجامع الصغير

فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الراء]

(4/42)


4489 - (الراحمون) لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة والإحسان والمؤاساة والشفاعة وكف الظلم ثم بالتوجع والتوجه إلى الله والالتجاء إليه والدعاء بإصلاح الحال ولكل مقام مقال (يرحمهم) خالقهم (الرحمن) وفي رواية للزعفراني ذكرها الحافظ العراقي في أماليه الرحيم بدل الرحمن (تبارك وتعالى) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم (1) فإطلاق الرحمة عليه باعتبار لازمها لتنزهه عما يتعلق بالجوارح قيل: وذا أول حديث روي مسلسلا (ارحموا من في الأرض) أي من تستطيعون رحمته من المخلوقات برحمتكم المتجددة الحادثة (يرحمكم من في السماء) أي من رحمته عامة لأهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل الأرض أو المراد أهل السماء كما يشير إليه رواية أهل السماء قال العارف البوني: فإن كان لك شوق إلى رحمة من الله فكن رحيما لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك فارحم الجاهل بعلمك والذليل بجاهك والفقير بمالك والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك والعصاة بدعوتك والبهائم بعطفك ورفع غضبك فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم لخلقه فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة وقال ابن عربي: قد أمر الراحم أن يبدأ بنفسه فيرحمها فمن رحمها سلك بها سبيل هداها وحال بينها وبين هواها فإنه رحم أقرب جار إليه ورحم صورة خلقها الله على صورته فجمع بين الحسنيين ولذلك أمر الداعي أن يبدأ بنفسه في الدعاء اه. (تتمة) أنشدنا والدي الشيخ تاج العارفين وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الشيخ الصالح معاذ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا بقية المجتهدين شيخ الإسلام يحيى المناوي وهو أول شعر سمعناه منه قال: أنشدنا الحافظ المحقق ولي الدين [ص:43] العراقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد الوهاب السكندري وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا محمد بن محمد الواسطي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو المظفر سليم الحافظ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد العزيز الدمشقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن هبة الله ابن عساكر وهو أول شعر سمعته منه:
بادر إلى الخير ياذا اللب مغتنما. . . ولا تكن من قليل الخير محتشما
واشكر لمولاك ما أولاك من نعم. . . فالشكر يستوجب الإفضال والكرما
وارحم بقلبك خلق الله وارعهم. . . فإنما يرحم الرحمن من رحما
<تنبيه> قال العلامة أقضى القضاة الجويني في ينابيع العلوم: حكمة إتيانه بالراحمين جمع راحم دون الرحماء جمع رحيم وإن كان غالب ما ورد من الرحمة استعمال الرحيم لا الراحم أن الرحيم صيغة مبالغة فلو عبر بجمعها اقتضاء الاقتصار عليه فعبر بجمع راحم إشارة إلى أن العباد منهم من قلت رحمته فيصح وصفه بالراحم لا الرحيم فيدخل في ذلك ثم أورد على نفسه حديث إنما يرحم الله من عباده الرحماء وقال: إن له جوابا حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات القلوب وهو أن لفظ الجلالة دال على العظمة والكبرياء ولفظ الرحمن دال على العفو بالاستقراء حيث ورد لفظ الجلالة يكون الكلام مسوقا للتعظم فلما ذكر لفظ الجلالة في قوله إنما يرحم الله لم يناسب معها غير ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جاريا على نسق العظمة ولما كان الرحمن يدل على المبالغة في العفو ذكر كل ذي رحمة وإن قلت
(حم د) في الأدب (ت) في الزكاة (ك) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن صحيح زاد (حم ت ك والرحم شجنة) بالكسر والضم (من الرحمن) أي مشتقة من اسمه يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبه بذلك مجازا واتساعا وأصل الشجنة شعبة من أغصان الشجرة (فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) أي قطع عنه جوده وفضله
_________
(1) والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة

(4/42)


4490 - (الراشي والمرتشي) أي آخذ الرشوة ومعطيها (في النار) قال الخطابي: إنما تلحقهم العقوبة إذا استويا في القصد فرشى المعطي لينال باطلا فلو أعطى ليتوصل به لحق أو دفع باطل فلا حرج وقال ابن القيم: الفرق بين الرشوة والهدية أن الراشي يقصد بها التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل وهو الملعون في الخبر فإن رشى لدفع ظلم اختص المرتشي وحده باللعنة والمهدي يقصد استجلاب المودة ومن كلامهم البراطيل تنصر الأباطيل
(طص عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري: ثقات معروفون قال ابن حجر: وليس في سنده من ينظر في أمره سوى شيخه والحارث بن عبد الرحمن شيخ ابن أبي ذئب وقد قواه النسائي

(4/43)


4491 - (الراكب شيطان) بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص فكأنه شيطان ثم قال: (والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك ذكره كله ابن قتيبة قال: سميا بذلك لأن واحدا من المقبلين يسلك طريق الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري: قوله شيطان أي عاص كقوله شياطين الإنس والجن فإن معناه عصاتهم وقال القاضي: سمى الواحد والاثنين شيطانا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو بين على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري: هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش سيما إن كان ذا فكرة [ص:44] رديئة أو قلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد (والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروج النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه مهاجرين لضرورة الخوف على نفسهما من المشركين أو أن من خصائصه عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لا منه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وإيراد النبي البريد وحده إنما هو لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء فسقط ما لبعض الضالين هنا من زعم التناقض
(حم د ت ك) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وفي الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال ابن حجر: حديث حسن الإسناد وصححه ابن خزيمة

(4/43)


4492 - (الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها) أخذ بظاهره ابن جرير الطبري فذهب إلى أن الراكب يندب كونه خلفها والماشي حيث شاء ومذهب الشافعية أن الأفضل لمشيعها كونه أمامها كيف كان وعكس أبو حنيفة. قال ابن العربي: وهذا باب ليس للنظر فيه مدخل وإنما هو موقوف على الأثر (والسقط يصلي عليه) إذا تيقنت حياته أو إذا استهل (ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة) أي في حال الصلاة عليه وفيه أدعية مأثورة مشهورة مبينة في الفروع وغيرها
(حم د ت ك) في الجنائز (عن المغيرة) بن شعبة قالوا: ووهم من قال المغيرة بن زياد قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك بل خرجه الأربعة في الجنائز

(4/44)


4493 - (الرؤيا) بالقصر مصدر كالبشرى مختصة غالبا بشيء محبوب يرى مناما كذا قاله جمع وقال آخرون: الرؤيا كالرؤية جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم واليقظان وقال ابن عربي: للإنسان حالان حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة وفي كليهما جعل الله له إدراكا يدرك به الأشياء يسمى ذلك الإدراك في اليقظة حسا ويسمى في النوم حسا مشتركا فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية وكل ما تدركه في النوم يسمى رؤيا مقصور وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما يضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس وهو نوعان إما إدراك صوته في الحس وإما إدراك أجزاء كل الصورة التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقته فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر الذي فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته فلا يدركه في النوم أبدا فالأصل الحس والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك وقد يتقوى الأمر على بعضهم فيدرك في اليقظة ما يدرك في النوم وذلك نادر وهو لأهل الطريق من نبي وولي (الصالحة (1)) أي المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة. وقال الكرماني: الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم ومخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها (من الله) أي بشرى منه تعالى وتحذير وإنذار ذكره القرطبي قال الكرماني: حقيقة الرؤيا الصالحة أنه تعالى يخلق في قلب النائم أو حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان فيقع ذلك [ص:45] في اليقظة كما رآه وربما جعل علما على أمور يخلقها الله أو خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى الغيم علامة على المطر (والحلم) بضم فسكون أو بضمتين وهو الرؤيا غير الصالحة (من الشيطان) أي من وسوسته فهو الذي يرى ذلك للإنسان ليحزنه بسوء ظنه بربه وقال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها (حين يستيقظ عن يساره ثلاثا) كراهة للرؤيا وتحقيرا للشيطان واستقذارا له وخص اليسار لأنها محل الأقذار (وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره) إذا التجأ إلى الله فلا يصيبه شيء ببركة صدق الالتجاء إليه وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرفع الله البلايا بالصدقة وكل ذلك لقضاء وقدر لكن الأسباب والوسائط عاديات لا موجودات. قال ابن حجر: ورد في صيغة التعوذ أثر صحيح " أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني أو دنياي " <تنبيه> قال ابن نفيس في الشامل: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول بأن يكثر تبخيره أو تدخينه فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو ينفتح حال النوم حرك الدماغ عن أوضاعه فيعرض عنه اختلاط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها في بعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس التي يدرك بها تلك الصورة ويلزم ذلك أريحكم على تلك الصور بمعاني تناسبها فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام مشوشة فاسدة وقد يحدث الأحلام لأمر مهم يتفكر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة فيه وهذا كالصانع والمفكر في العلوم وكثيرا ما يكون الفكر صحيحا لأن القوة تكون قويت مما عرض لها من الراحة ولتوفر الأرواح على القوى الباطنية ولذلك كثيرا ما يتخيل حينئذ مسائل لم تخطر بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة ولذلك الشعراء يندر صحة أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل بما لا حقيقة له وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اه. <تنبيه> ذكر الحكيم الترمذي أن سبب الرؤيا أن الإنسان إذا نام سطع نور النفس حتى يجول في الدنيا ويصعد إلى الملكوت فيعاني الأشياء ثم يرجع إلى معدنه فإن وجد مهلة عرض على العقل والعقل يستودع لحفظ ذلك
(ق د ت عن أبي قتادة)
_________
(1) قال القاضي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها قال: ورؤيا السوء تحتمل الوجهين أيضا سوء الظاهر وسوء التأويل

(4/44)


4494 - (الرؤيا الصالحة) وصفت بالصلاح لتحققها وظهورها على وفق المرئي (من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره) جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء (ولا يخبر بها أحدا) لأنه ربما فسرها تفسيرا مكروها لظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر) بضم الياء وسكون الموحدة من البشارة وروي بفتح الياء وسكون النون من النشر وهو الإشاعة قال عياض: وهو تصحيف (ولا يخبر بها إلا من يحب) لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره على غير وجهه حسدا وليغمه أو يكيده {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} . <تنبيه> قال الغزالي: الرؤيا انكشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب [ص:46] فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصالح الصادق ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحلام ولهذا أمر بالطهارة عند النوم لينام طاهرا وهو إشارة لطهارة الباطل أيضا فهو الأصل وطهارة الظاهر كالتتمة
(م عن أبي قتادة) الحارث وقيل: عمر وقيل: النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين

(4/45)


4495 - (الرؤيا ثلاث فبشرى من الله) يأتي بها الملك من أم الكتاب وبشرى مصدر كحسنى أي فإحدى الثلاث هي في نفسها بشرى لإفراط مسرتها للرائي قال ابن عربي: سماها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان فإن الصورة البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله من صورة تبصرها أو كلمة تسمعها لحزن أو فرح فيظهر لذلك أثر في البشرة (وحديث النفس) وهو ما كان في اليقظة كأن يكون في أمر مهم أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به من ذلك الأمر أو معشوقه في النوم وهذا لا عبرة به (وتخويف من الشيطان) بأن يريه ما يحزنه قال البغوي: أشار به إلى أنه ليس كل ما يراه النائم بصحيح ويجوز تعبيره إنما الصحيح ما جاء به الملك (فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد) بضم الصاد المهملة (وليقم فليصل) ما تيسر زاد في رواية وليستعن بالله فإنه لن يضره قال القرطبي: والصلاة بجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل القراءة فهي جامعة للآداب (وأكره الغل) في النوم لأن الغل جعل الحديد في النوم نكالا وعقوبة وقهرا وإذلالا ففيه إشارة إلى تقييد العنق وتثقيله بتحمل الدين أو المظالم أو كونه محكوما عليه وغالب رؤيته في العنق دليل على حال سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاصي اقترفها أو حقوق لازمة أضاعها مع القدرة وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه وبلية تلازمه (وأحب القيد) أي أحب أن يرى الإنسان مقيدا في النوم (القيد ثبات في الدين) لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشر والباطل فقال المعبرون: إذا رأى برجله قيدا وهو في نحو مسجد أو على حالة حسنة فهو دليل ثباته في ذلك ولو رآه نحو مريض أو مسجون كان ثباته فيه وإذا انضم الغل له دل على زيادة ما فيه
(ت هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره

(4/46)


4496 - (الرؤيا على رجل طائر) أي هي كشيء معلق برجله لا استقرار لها (ما لم تعبر) بالبناء للمجهول وتخفيف الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر (فإذا عبرت وقعت) تلك الرؤيا بمعنى أنه يلحق الرائي أو المرئي له حكمها قال في النهاية: يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر غالبا فكيف يكون ما على رجله وقال في جامع الأصول: كل حركة من كلمة أو شيء يجري لك طائر يقال اقتسموا دارا وطار سهم فلان في ناحية كذا أي خرج وجرى والمراد أن الرؤيا على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يحسن تعبيرها (ولا تقصها إلا على واد) بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها بما تكرهه (أو ذي رأي) أي ذي علم بالتعبير فإنه يخبرك بحقيقة حالها أو بأقرب ما يعلم منه لأن تعبيرها يزيدها عما جعلها الله عليه وقال القاضي: معناه لا يقصها إلا على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير أو عاقل لبيب لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح ولا يواجهك إلا بخير <تنبيه> [ص:47] قال الراغب: الرؤيا فعل للنفس الناطقة ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام وأحاديث نفس من الخواطر الرديئة يكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج الذي لا يقبل صورة وضرب وهو الأقل صحيح هو قسمان: قسم لا يحتاج إلى تأويل وقسم يحتاج إليه ولهذا يحتاج المعبر إلى مهارة للفرق بين الأضغاث وغيرها وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ويفرق بين طبقات الناس إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا ثم من تصح له منهم من يرشح لأنه يلقى إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح لذلك وكذلك قال اليونانيون: يجب للمعبر أن يشتغل بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون العوام فإن له حظا من النبوة وهذا العلم لا يحتاج إلى مناسبة بينه وبين متحريه فرب حكيم لا يرزق حذقا فيه ورب نزر الحظ من الحكمة وسائر العلوم يوجد له فيه قوة عجيبة انتهى <تنبيه> قال ابن عربي: إذا رأى أحد رؤيا فصاحبها له فيما رآه حظ من خير أو شر بحسب قضية رؤياه ويكون في ناموس الوقت أما في الصورة المرئية فيصور الله ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر لأنه يقال طار له سهمه بكذا والطائر الحظ ويجعل الرؤيا معلقة برجل هذا الطائر وهي عين الطائر ولما كان الطائر إذا اقتض صيدا من الأرض إنما يأخذه برجله لأنه لا يد له وجناحه لا يمكنه الأخذ به فلذلك علق الرؤيا برجله فهي متعلقة وهي عين الطائر فإذا عبرت سقطت لما عبرت له وعند سقوطها ينعدم الطائر لكونه عينها وتتصور في عالم الحس بحسب الحال التي تخرج عليه تلك الرؤيا فترجع صورة الرؤيا عين الحال فتلك الحال إما عرض أو جوهر أو نسبة من ولاية أو غيرها هي عين صورة تلك الرؤيا وذلك الطائر ومنه خلقت هذه الحالة سواء كان جسما أو عرضا أو نسبة أعني تلك الصورة كما خلق آدم من تراب ونحن من ماء مهين حتى إذا دلت الرؤيا على وجود ولد فالولد خلق في تلك الرؤيا في صلب أبيه فإن لم يتقدم للولد رؤيا فهو على نشأته كسائر الأولاد فاعلمه فإنه سر عجيب وكشف صحيح ووله الرؤيا يتميز عن غيره بكونه أقرب للروحانية وانظر في رؤيا آمنة أم نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبدو لك صحته وإن أردت تأنيسا له فانظر في علم الطبيعة إذا توجهت المرأة الحاملة على شيء جاء الولد يشبهه وإذا نظرت حال جماعها أو تخيل لرجل عند الوقاع صورة وأنزل الماء يكون الولد على صورتها ولذلك أمرت الحكماء بتصوير فضلاء الحكماء وأكابرهم في الأماكن بحيث تنظر تلك المرأة عند الجماع والرجل فتطبع في الخيال فتؤثر الطبيعة فتخرج تلك القوة
(د هـ عن أبي رزين) العقيلي واسمه لقيط كما مر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك فقد عزاه هو في الدرر كالزركشي إلى الترمذي أيضا وقال: صحيح وقال في الاقتراح: إسناده على شرط مسلم

(4/46)


4497 - (الرؤيا ثلاثة منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم) ولا حقيقة لها في نفس الأمر (ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه) قال القرطبي: ويدخل فيه ما يلازمه في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال وما يقوله الأطباء من أن الرؤيا من خلط غالب على الرائي (ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) قال الحكيم: أصل الرؤيا حق جاء من عند الحق المبين يخبرنا عن أنباء الغيب وهي بشارة أو نذارة أو معاينة وكانت عامة أمور الأولين بها ثم ضعفت في هذه الأمة لعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي ولما فيها من التصديق وأهل الإلهام واليقين فاستغنوا بها عن الرؤيا والمؤمن محسود ولع به الشيطان لشدة عداوته فهو يكبده ويحزنه من كل وجه ويلبس عليه فإذا رأى رؤيا صادقة خلطها ليفسد عليه بشراه أو نذارته أو معاينته ونفسه دون الشيطان فيلبس عليه بما اهتم به في يقظته فهذان الصنفان ليسا من أنباء الغيب والصنف الثالث هي الرؤيا الصادقة التي هي من أجزاء النبوة
(هـ عن عوف بن مالك) الأشجعي صحابي مشهور

(4/47)


[ص:48] 4498 - (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) أي جزاء من أجزاء علم النبوة والنبوة غير باقية وعلمها باق فإن قيل: فإذا كان جزءا منها فكيف كان للكافر منها نصيب وهو غير موضع للنبوة وقد ذكر جالينوس أنه عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله بفصد العرق الضارب من كفه اليسرى ففعل فبرأ؟ فالجواب: أن الكافر وإن لم يكن محلا لها فليس كل مؤمن محلا لها ثم لم يمتنع أن يرى المؤمن الذي لا يجوز كونه نبيا ما يعود عليه بخير في دنياه فلا يمتنع أن يرى الكافر مثله فالمرضي فيه أن الرؤيا وإن كانت جزءا من النبوة فليست بانفرادها نبوة كما ليست كل شعبة من شعب الإيمان بانفرادها إيمانا ولا كل جزء من الصلاة بانفرادها صلاة
(خ عن أبي سعيد) الخدري (م عن ابن عمرو) ابن العاص (وعن أبي هريرة) معا (حم هـ عن أبي رزين) العقيلي (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وفي الباب عن جمع كثيرين قال المصنف وهو متواتر

(4/48)


4499 - (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة) مجازا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة ليس بصلاة نعم إن وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة والجزء النصيب والقطعة من الشيء والجمع أجزاء
(حم هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح

(4/48)


4500 - (الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) عبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد على النبوة بالتبليغ قال القاضي: والرؤيا الصالحة إعلام وتنبيه من الله تعالى بتوسط الملك فلذلك عدها من أجزاء النبوة وتحقيقه أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا هذا الموكول إليه تدبير أمره وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها معوقة عن ذلك فإذا نام وحصل لها أدنى فراغ اتصلت بطباعها فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة من مطالعة اللوح المحفوظ والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب من الأهل والولد والمال والتلد وغير ذلك فتحاكيه المتخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك فتنطبع فيه فتصير محسوسة مشاهدة ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة كانت غنية عن التعبير وإلا افتقرت إليه وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقى من الملك فأما الرؤيا الكاذبة فسببها الأكثري تخيل فاسد تركبه المتخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك مما تلفته عن الحس المشترك وقد يكون بسبب استعراض الحس والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة ولما كان للشيطان دخل في هذه الأقسام لتولدها من الاستغراق أمر البدن والانهماك في الشهوات والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره أضاف الحكم إلى الشيطان في الحديث المتقدم وذكر في هذا الحديث خمسة وعشرين وقبله سبعين وقبله ستة وأربعين وأشار الغزالي إلى أن الاختلاف يرجع إلى اختلاف درجات الرؤية والرائي قال: ولا تظن أن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم جرى على لسانه جزافا واتفاقا بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق فإنه لا ينطق عن الهوى فهو تقدير تحقيق لكن ليس في قوة غيره معرفة علة ذلك النسبة إلا بتخمين إذ يعلم أن النبوة عبارة عما يختص به [ص:49] النبي صلى الله عليه وسلم ويفارق به غيره وهو يختص بأنواع من الخواص: إحداها أنه يعرف حقائق الأمور المتعلقة بالله وصفاته وملائكته والدار الآخرة علما مخالفا لعلم غيره بكثرة المعلومات وزيادة الكشف والتحقيق والثاني أن له في نفسه صفة تتم له بها الأفعال الخارقة للعادة كما أن له صفة تتم بها الحركات المقرونة بإرادتنا وهي القدرة الثالث أن له صفة بها يبصر الملائكة ويشاهدهم كما أن للبصير صفة يفارق بها الأعمى الرابع أن له صفة بها يدرك ما سيكون في الغيب فهذه كمالات وصفات ينقسم كل منها إلى أربعة وخمسين وسبعين ويمكننا تكلف قسمتها إلى ستة وأربعين بحيث تقع الرؤيا جزءا من جملتها لكن تعين طريق واحد للقسمة لا يمكن إلا بظن اه. وقال ابن حجر: يمكن الحواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا من ستة وعشرين إن ثبت الخبر به وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين واثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بخمسة وأربعين ثم بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين يحتمل جبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت وقد مر ذلك مبينا
(ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب

(4/48)


4501 - (الرؤيا ستة: المرأة خير والبعير حرب) وفي رواية حزن (واللبن فطرة) أي يدل على السنة والعلم والقرآن لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا وهو الذي يقوته ويفتق أمعاءه وبه تقوم حياته كما يقوم بالعلم حياة القلوب وقد يدل على الحياة لأنها كانت به في الصغر وقال ابن الدقاق: اللبن يدل على ظهور الإسلام والعلم والتوحيد وهذا في اللبن الحليب: أما الرايب فهم. والمخيض أشد غلبة منه ولبن ما لا يؤكل حرام وديون وأمراض ومخاوف على قدر جوهر الحيوان وقال بعضهم: أراد باللبن هنا لبن الإبل والبقر والغنم ولبن الوحش شك في الدين ولبن السباع غير محمود لكن لبن اللبؤة مال مع عداوة. وقال بعضهم: لبن اللبؤة يدل على الظفر بالعدو ولبن الكلب يدل على الخوف ولبن السنور والثعلب يدل على مرض ولبن النمر يدل على عداوة (والخضرة جنة والسفينة نجاة والتمر رزق) يعني أن هذه الأشياء إذا رؤيت في النوم تؤول بما ذكر
<تنبيه> قال ابن بطال: بعض الرؤيات لا يحتاج إلى تفسير وما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة وفيه أن أصل التعبير من الأنبياء وأنه توقيف لكن الوارد عنهم وإن كان أصلا فلا يعم جميع المرائي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسب نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في الفروع الفقهية وقال المسيحي الفيلسوف: لكل علم أصول لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبير الرؤيا فإنها تختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم وصناعتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم ونحلهم وعاداتهم وينبغي كون المعبر مطلعا على جميع العلوم عارفا بالأديان والملل والنحل والمراسم والعادات بين الأمم عارفا بالأمثال والنوادر ومأخذ اشتقاق الألفاظ فطنا ذكيا حسن الاستنباط خبيرا بعلم الفراسة وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات حافظا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا فمن أمثلة التعبير بحسب الاشتقاق أن رجلا رأى أنه يأكل سفرجلا فقال له المعبر: تسافر سفرا عظيما لأن أول جزء السفرجل سفر ورأى آخر أن رجلا أعطاه غصن سوسن فقال: يصيبك من المعطي سوء سنة لأن السوء يدل على الشدة والسنة اسم للعام التام لكن التعبير بحسب الاشتقاق للألفاظ العربية إنما هو للعرب وغيرهم إنما ينظر إلى اللفظ في لغتهم
(ع في معجمه) والديلمي من طريقه (عن رجل من الصحابة) من أهل الشام قال: كنا جلوسا عند ابن عبد العزيز فجاء رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين ههنا رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر وقمنا معه فقال: أنت رأيت رسول الله قال: نعم قال: سمعته يقول فذكره

(4/49)


[ص:50] 4502 - (الربا سبعون بابا والشرك مثل ذلك) لأن كل من طفف في ميزانه فتطفيفه ربا بوجه من الوجوه فلذلك تعددت أبوابه وتكثرت أسبابه قال الحرالي: وفي إشعار قرنه بذكر الشرك تهويل وتهديد شديد لمن علم حكمه وأصر عليه لأنه مرتبك في شرك الشرك قاطع نحوه عقبات ثلاث اثنتان منها انتهاك حرمة الله في عدم الانتهاء والاستهانة في العود إليه وانتهاك حرمة عباد الله فكان إثمه متكررا مبالغا فيه فبولغ في تهديده لذلك فقد أذن الله في القرآن بأن الربا والإيمان لا يجتمعان حيث قال: {ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} وأكثر بلايا هذه الأمة حين أصابها ما أصاب بني إسرائيل من البأس الشنيع والانتقام بالسنين: من عمل الربا. <تنبيه> قال الغزالي: كل من عامل بالربا فقد كفر النعمة وظلم لأن النقد وسيلة لغيره لا لعينه
(البزار) في مسنده (عن ابن مسعود)

(4/50)


4503 - (الربا ثلاثة وسبعون بابا) قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: المشهور أنه بالموحدة وتصحف على الغزالي بالمثناة فأورده في ذم الرياء قال: واقترانه بالشرك فيما قبله يدل على أنه بالمثناة
(هـ عن ابن مسعود (1)) قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح
_________
(1) روى البزار حديث ابن مسعود بلفظ الربا بضع وسبعون بابا والشرك مثل ذلك وهذه الزيادة قد يستدل بها على أنه الرياء بالمثناة لاقترانه مع الشرك

(4/50)


4504 - (الربا) أي إثم الربا. قال الطيبي: لا بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح (ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم) قال الطيبي: إنما كان الربا أشد من الزنا لأن فاعله حاول محاربة الشارع بفعله بعقله قال تعالى {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقلا وشرعا وله روادع وزواجر سوى الشرع فآكل الربا يهتك حرمة الله والزاني يخرق جلباب الحياء فريحه يهب حينا ثم يسكن ولواؤه يخفق برهة ثم يقر. قال الزمخشري: وهذا على مذهب قولهم للباطل صولة ثم يضمحل والريح الضلالة عصفة ثم تخفت
(ك عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح

(4/50)


4505 - (الربا وإن كثر فإن عاقبته يصير إلى قل) بالضم القلة كالذلة والذل أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلا يؤول إلى نقص ومحق آجلا بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك فهو مما يكون هباءا منثورا {يمحق الله الربا} قال الطيبي: والكثرة والقلة صفتان للمال لا للربا فيجب أن يقدر مال الربا لأن مال الربا ربا
(ك) في باب الربا (عن ابن مسعود) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار

(4/50)


4506 - (الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) أي استحقاره [ص:51] والترفع عليه والوقيعة فيه قال القاضي: الاستطالة في عرضه أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قيل له وأكثر مما رخص له فيه ولذلك مثله بالربا وعده من عداده ثم فضله على جميع أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشارع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال
(طس عن البراء) بن عازب قال الهيثمي: فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه جمهور الأئمة وسبقه المنذري

(4/50)


4507 - (الربا سبعون حوبا) بفتح الحاء وتضم أي ضربا من الإثم فقوله الربا أي إثم الربا قال الطيبي: ولا بد من هذا التقدير ليطابق قوله (أيسرها أن ينكح الرجل أمه) قال كعب الأحبار في بعض الصحف المنزلة: إن الله تعالى يأذن بالقيام يوم القيامة للبر والفاجر إلا الآكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
(هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: فيه أبو معشر واسمه نجيح مختلف فيه

(4/51)


4508 - (الربوة) بتثليث الراء كما في الكشاف (الرملة) أي هي الرملة يعني قوله تعالى {وآويناهما إلى ربوة} وهي رملة بيت المقدس كذا شرحه الديلمي وقيل: هي الأرض المرتفعة وقيل: هي ايليا أرض بيت المقدس وقيل: دمشق وغوطتها وقيل: فلسطين وقيل: مصر
(ابن جرير) الطبري (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن (وابن مردويه) في التفسير (عن مرة) بضم الميم بن كعب وقيل كعب بن مرة السلمي (البهزي) وقيل: هما اثنان نزلا الشام وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هؤلاء مع أن الطبراني والديلمي خرجاه باللفظ المزبور

(4/51)


4509 - (الرجل جبار) أي ما أصابت الدابة برجلها فهو جبار أي هدر لا يلزم صاحبها وبه أخذ الحنفية رمحت الدابة برجلها هدر وبيدها يضمنه راكبها
(د) في الديات (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في العارية وبسط الدارقطني والبيهقي القول في تضعيفه (1) قال الشافعي: هذا اللفظ غلط
_________
(1) [وفي مقدمة الإمام الشعراني لكتاب " كشف الغمة "؟ ؟ ما نتيجته أن استدلال أي من أئمة المذاهب بالحديث هو توثيق له. فلا يعارض أخذ الأحناف لهذا الحديث بتضعيف غيرهم له إذ يكون تحكما. دار الحديث]

(4/51)


4510 - (الرجل الصالح يأتي بالخبر الصالح والرجل السوء يأتي بالخبر السوء) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة قديمة من الفردوس مصححة بخط ابن حجر عازيا لأبي نعيم يجيء بالخبر الصالح ويجيء بالخبر السوء بدل يأتي فلينظر
(حل وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي

(4/51)


4511 - (الرجل أحق بصدر دابته) أي مقدمها من غيره أي إلا أن يجعل ذلك لغيره كما صرح به في رواية (وأحق بمجلسه) كذلك (إذا رجع) أي إذا قام لحاجة ثم عاد إليه وأخذ منه أن من جلس للمعاملة في شارع ولم يضيق لم يمنع ويختص الجالس بمكانه ومكان متاعه وآلته ولو قام ليعود فهو أحق بمكانه وأن من جلس في المسجد لتدريس وإفتاء وإقراء درس بين يدي مدرس كان كذلك
(حم عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الهيثمي وغيره: فيه إسماعيل بن رافع قال البخاري: ثقة مقارب الحديث وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله رجال الصحيح

(4/51)


[ص:52] 4512 - (الرجل أحق بصدر دابته وبصدر فراشه وأن يؤم في رحله) وفي رواية في بيته وفيه أن صاحب المنزل وأهل البيت أو القبلة أحق بالإمامة من غيرهم وإن كان الغير أعلم وأفقه لكن بشرط أهلية الإمامة لا كالمردة بالنسبة للرجل
(الدارمي) وكذا البزار في مسنديهما (هق عن عبد الله بن الحنظلية) قال: كنا في منزل قيس بن سعد ومعنا جماعة من الصحابة فقلنا: تقدم فقال: ما كنت لأفعل فقال ابن الحنظلية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال البزار: لا نعلم له طريقا عن ابن الحنظلية إلا هذا الطريق ثم إن المصنف رمز لصحته وهو زلل فقد أعله الذهبي في المهذب مستدركا على البيهقي بأن فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة تركه أحمد وغيره وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: فيه ابن إسحاق بن يحيى وثقه ابن أبي شيبة وضعفه أحمد وابن معين والبخاري

(4/52)


4513 - (الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه والصلاة في منزله) الذي هو ساكنه بحق ولو بأجرة (إلا) أن يكون (إماما يجتمع الناس عليه) فإنه إذا حضر يكون أحق من غيره مطلقا فأفاد ذلك أن الساكن بحق مقدم على مولاه وإن كان عبدا والمالك أولى من المستعير وأن إمام المسجد أحق من غيره وأن الإمام الأعظم أحق من الكل ومثله نوابه الأعلى فالأعلى
(طب عن فاطمة الزهراء) سيدة نساء هذه الأمة قال الهيثمي: فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة ضعفه أحمد وابن معين والبخاري ووثقه ابن حبان وأعاده في محل آخر وقال: فيه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو متروك

(4/52)


4514 - (الرجل أحق بمجلسه) الذي اعتاد الجلوس فيه لنحو صلاة أو إقراء أو إفتاء ولو جلس في المسجد لصلاة وقام بلا عذر بطل حقه أو لعذر كقضاء حاجة وتجديد وضوء وإجابة داع وعاد فهذا حق حتى يقضي صلاته أو مجلسه (وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه)
(ت عن وهب بن حذيفة) ويقال حذيفة الغفاري صحابي من أهل الصفة وقال: صحيح غريب

(4/52)


4515 - (الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها) يعني يعوض عنها ويعارضه الخبر المتفق عليه العائد في هبته كالعائد في قيئه ومذهب الشافعي أنه لو وهب ولم يذكر ثوابا لم يرجع وإن وهب لمن دونه أو أعلى وقال مالك: إن وهب للأعلى وجب الثواب
(هـ عن أبي هريرة) قال الذهبي: فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعفوه وقال البخاري: كثير الوهم

(4/52)


4516 - (الرجل على دين خليله) أي صاحبه (فلينظر أحدكم من يخالل) أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه
(د ت عن أبي هريرة) وحسنه الترمذي وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال النووي في رياضه: إسناده صحيح

(4/52)


4517 - (الرجم كفارة لما صنعت) سببه أنه أمر برجم امرأة فرجمت فجيء إليه فقيل: قد رجمنا هذه الخبيثة فذكره بين [ص:53] بذلك أن الحدود كفارة لأهلها فإذا أقيم الحد على إنسان في الدنيا سقط عنه ولا يعاقب عليه في الآخرة بالنسبة لحق الله تعالى
(ن والضياء) في المختارة (عن الشريد سويد) مصغرا ورواه عنه أيضا الديلمي

(4/52)


4518 - (الرحم) أي القرابة (شجنة) بالحركات الثلاث للشين المعجمة وسكون الجيم قرابة مشتبكة متداخلة كاشتباك العروق (معلقة بالعرش) الرحم التي توصل وتقطع من المعاني فذكر تعلقها بالعرش استعارة وإشارة إلى عظم شأنها قال العلائي: ولا استحالة في تجسدها بحيث تعقل وتنطق
(حم طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: ورجاله ثقات اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته

(4/53)


4519 - (الرحم معلقة بالعرش) أي مستمسكة آخذة بقائمة من قوائمه (تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) أي قطع عنه كمال عنايته وذا يحتمل الإخبار والدعاء قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتها بالود والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحق الواجب والمندوب والخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل عن زلته وتتقاوت مراتب استحقاقهم في ذلك ويقدم الأقرب فالأقرب وقال ابن أبي جمرة: صلة الرحم بالمال وبالعون على الحوائج ودفع الضرر وطلاقة الوجه والدعاء والمعنى الجامع إيصاله ما أمكن من خير ودفع ما أمكن من شر بقدر الطاقة وهذا كله إذا كان أهل لرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم وإعلامهم بأن إصرارهم سبب مقاطعتهم وحينئذ تكون صلتهم الدعاء لهم بظهر الغيب بالاستقامة وقال الذهبي: يدخل فيه من قطعهم بالجفاء والإهمال والحمق ومن وصلهم بماله ووده وبشاشته وزيارته فهو واصل ومن فعل بعض ذلك وترك بعضا ففيه قسط من الصلة والقطيعة والناس في ذلك متفاوتون وقد يعرض الشخص عن رحمه لفسقهم وعتوهم وعنادهم
(م) في الأدب (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو فيه متابع للطبري حيث عزاه مسلم خاصة قال المناوي: وليس بصحيح فقد ذكره الحميدي وغيره فيما اتفق عليه الشيخان

(4/53)


4520 - (الرحم شجنة من الرحمن) أي اشتق اسمها من اسم الرحمن كما بينه الخبر القدسي أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق أو هي اسم اشتق من رحمة الرحمن أو أثر من آثار رحمته فقاطعها منقطع عن رحمة الله (قال الله من وصلك) بالكسر خطابا للرحم (وصلته) أي رحمه (ومن قطعك قطعته) أي أعرضت عنه لإعراضه عما أمر به من شدة اعتنائه برحمه وهذا تحذير شديد من قطعها والمراد بها القرابة من الأبوين وإن بعدت ولم تكن محرما <تنبيه> قال القونوي: الرحم اسم خفيفة الطبيعة والطبيعة عبارة عن حقيقة جامعة بين الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة بمعنى أنها عين كل واحدة من الأربعة بغير مضادة وليس كل واحد من الأربعة من كل وجه عينها بل من بعض الوجوه وأما إنها معلقة بالعرش فلأن جميع الأجسام الموجودة عند المحققين طبيعية والعرش أولها وأما إنها شجنة من الرحمن فلأن الرحمة نفس الوجود لأنها التي وسعت كل شيء فإنه وسع كل شيء حتى المسمى بالعدم فإن له من حيث تعينه في التعقل والحكم عليه بأنه في مقابلة الوجود المحقق ضربا من الوجود ثم إن الرحمة لما كانت اسما للوجود كالرحمن اسم للحق وأما كونها شجنة من الرحمن فلأن الموجودات تنقسم إلى ظاهر وباطن فالأجسام صور ظاهر الوجود والأرواح [ص:54] المعاني تعينات باطن الوجود والعرش مقام الانقسام وأما استعاذتها من القطيعة فلأن شعورها بالتحيز الذي عرض لها من عالم الأرواح وخص النفس الرحمني الذي هو مقام القرب التام الرباني فتألمت من حالة البعد بعد القرب وخافت من انقطاع الإمداد الرباني بسبب الفصل الذي شعرت به فنبهها الحق في عين إجابته لدعائها على استمرار الإمداد ودوام الوصلة من حيث المعية والحيطة الإلهيتين فسرت بذلك واطمأنت واستبشرت بإجابة الحق لها في عين ما سألت وصلتها بمعرفة مكانتها وتفخيم قدرها وقطعها بازدرائها والجهل بمكانها وبخسها حقها فمن ازدراها أو بخسها فقد بخس حق الله وجهل ما أودع فيها من خواص الأسماء ولولا علي مكانتها عنده تعالى لم يخبرها حال الإجابة بقوله من وصلك إلخ من جملة الازدراء والقطع ذم متأخري الحكماء لها ووصفها بالظلمة والكدورة وطلب الخلاص من أحكامها والانسلاخ من صفاتها فلو علموا أن ذلك متعذر وأن كل كما يحصل للإنسان بعد مفارقة النشأة الطبيعية فهو من نتائج مصاحبة الروح للمزاج الطبيعي وثمراته وأن الإنسان بعد المفارقة إنما تنتقل من صور الطبيعة إلى العوالم التي هي مظاهر لطائفها وفي تلك العوالم تتأتى لعموم السعداء رؤية لحق الموعود بها والمخبر عنها أنها أعظم نعم الله على أهل الجنة فحقيقة تتوقف مشاهدة الحق عليه كيف يجوز أن تزدري وأما حال الخصوص من أهل الله فإنهم وإن فازوا بشهود الحق ومعرفته هنا فإنه إنما تيسر لهم ذلك بمعونة هذه النشأة الطبيعية حتى التجلي الذاتي الذي لا حجاب بعده فإنه باتفاق الكمل من لم يحصل له ذلك في هذه النشأة الطبيعية لا تحصل له بعد المفارقة
(خ) في الأدب (عن أبي هريرة وعن عائشة)

(4/53)


4521 - (الرحمة عند الله مئة جزء فقسم بين الخلائق جزءا) واحدا فيه يتراحمون ويعطف بعضهم على بعض حتى الدابة ترفع حافرها عن ولدها مخافة أن يصيبه فيؤذيه (وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة) حتى أن إبليس ليتطاول ذلك اليوم رجاء للرحمة وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحد في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار قال الحرالي: الجزء بعض من كل ما يشابهه كالقطعة من الذهب ونحوه
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته

(4/54)


4522 - (الرحمة تنزل) حال الصلاة (على الإمام) أي على إمام الصلاة (ثم) تنزل (على من على يمينه) من الصفوف (الأول فالأول)
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي ثم قال: وفي الباب أبو بكر الصديق رضي الله عنه

(4/54)


4523 - (الرزق إلى بيت فيه السخاء) بالمد الجود والكرم (أسرع من الشفرة) بفتح الشين وسكون الفاء السكين العظيمة (إلى سنام البعير) أي هو سريع إليه جدا ومقصود الحديث الحث على السخاء سيما على عيال الإنسان وأهل بيته الذي أجرى الله تعالى رزقهم على يده والإعلام بأن التوسعة عليهم سبب يجلب الرزق {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} ومن وسع وسع الله عليه ومن قتر قتر عليه وفي ضمنه تحذير عظيم من البخل وإيذان أنه سبب لحرمان بعض الرزق
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب وسبقه ابن ماجه قال الزين العراقي: وكلها ضعيفة

(4/54)


4524 - (الرزق أشد طلبا للعبد من أجله) لأن الله تعالى وعد به بل ضمنه ووعده لا يتخلف وضمانه لا يتأخر ومن علم [ص:55] أن ما قدر له من رزقه لا بد له منه علم أن طلبه لما لا يقدر له عناء لا يفيد ولهذا قال بعض الأنجاب: الرزق يطرق على صاحبه الباب وقال بعضهم: الرزق يطلب المرزوق وبسكون أحدهما يتحرك الآخر. قال حجة الإسلام: قد قسم الله الأرزاق وكتبها في اللوح المحفوظ وقدر لكل واحد ما يأكله ويشربه ويلبسه كل بمقدار مقدر ووقت مؤقت لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر كما كتب بعينه وفي المعنى قوله:
يا طالب الرزق السني بقوة. . . هيهات أنت بباطل مشغوف
أكل العقاب بقوة جيف الفلا. . . ورعي الذباب الشهد وهو ضعيف
فينبغي للعاقل أن لا يحرص في رزقه بل يكله إلى الله الذي تولى القسمة في خلقه
(القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو نعيم والطبراني الديلمي (عن أبي الدرداء) قال العامري: صحيح ورواه عنه الدارقطني في علله مرفوعا وموقوفا وقال: إنه أصح
_________
(1) في الأصل: " السى " فلعل حرف " ن " سقط. دار الحديث

(4/54)


4525 - (الرضاع يغير الطباع) أي يغير طبع الصبي عن لحوقه بطبع والديه إلى طبع مرضعته لصغره ولطف مزاجه ومراد المصطفى صلى الله عليه وسلم حث الوالدين على توخي مرضعة طاهرة العنصر زكية الأصل ذات عقل ودين وخلق جميل والطباع ما تركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من خير وشر كذا في النهاية وفي المصباح الطبع بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها قال الدميري: العادة جارية بأن من ارتضع امرأة غلب عليه أخلاقها من خير وشر وروي أن الجويني دخل فوجد ابنه إمام الحرمين يرضع ثدي غير أمه فاختطفه وعالجه حتى تقايأ اللبن فكان الإمام إذا حصل له كبوة في المناظرة يقول هذه بقايا تلك الرضعة
(القضاعي) وكذا ابن لال والديلمي (عن ابن عباس) قال شارح الشهاب: حديث حسن وأقول: فيه صالح بن عبد الجبار قال في الميزان: أتى بخبر منكر جدا ثم ساق هذا ثم قال: فيه انقطاع وفيه أيضا عبد الملك بن مسلمة مدني ضعيف ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] عن ابن عمر

(4/55)


4526 - (الرضاعة) بفتح الراء بمعنى الإرضاع (تحرم) بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله (ما تحرم الولادة) أي مثل ما تحرمه وتبيح مثل ما تبيحه وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم التناكح وتوابعه والجمع بين قريبتين وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في حل نحو نظر وخلوة وسفر لا في باقي الأحكام كتوارث ووجوب إنفاق وإسقاط ونحو ذلك وفي رواية بدل الولادة النسب ولعله قال اللفظين في وقتين وحكمة التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بينهم. قال الحرالي: الرضاعة التغذية بما يذهب الضراعة وهو الضعف والتحول بالرزق الجامع الذي هو طعام وشراب وهو اللبن الذي مكانه الثدي من المرأة والضرع من ذات الظلف
(مالك) في الموطأ (ق ت عن عائشة)

(4/55)


4527 - (الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب) (1) يسوقه كما يسوق الحادي إبله (معه مخاريق من نار) جمع مخراق أصله ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا أراد أنه آلة تزجر بها الملائكة السحاب (يسوق بها السحاب حيث شاء الله) إذ ما من ساعة تمر إلا والمطر يقطر في بعض الأقطار ومن بدع المتصوفة: الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم اه. وقال ابن عربي: السحاب أبخرة تتصعد للحرارة التي فيها ثم تثقل فتنحل ماء ينزل كما صعد بما فيه من الحرارة فإذا ثقل اعتمد على الهواء فانضغط الهواء فأخذ سفلا فحرك وجه الأرض [ص:56] فتفوت الحرارة فصعد بوجه السحاب متراكما فمنعه من الصعود بتكاثفه فاشتعل الهواء فخلق الله من تلك الشعلة ملكا سماه برقا فأصابه الضوء ثم انطفأ بقوة الريح كالسراج فزال مع بقاء عينه فزال كونه برقا وبقي العين كونا يسبح الله ثم صدع الوجه الذي يلي الأرض من السحاب فلما مازجه كانا كالنكاح فخلق الله من ذلك التجاور ملكا سماه رعدا يسبح بحمده فكان بعد البرق ما لم يكن البرق خليا فكل برق لا بد أن يكون الرعد بعده لأن الهواء يصعد مشتعلا فيخلقه الله ملكا يسميه برقا وبعد هذا يصعد أسفل السحاب فيخلق الله الرعد فيسبح بحمده وثم بروق هي ملائكة يخلقها الله في زمن الصيف من شدة حر الجو
(ت عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره
_________
(1) [هذا ليس بوصف مادي وإنما وصف عالم الغيب الذي لا ندركه مع أنه جزء من الكون تجري الأحداث فيه بحسب سنة الله التابعة له. وتترابط أحداث عالم الغيب مع أحداث عالم الشهادة فمنها ما جعله الله سببا للآخر وبالعكس. وإنما قصرنا عن إدراك عالم الغيب وقياسه فعجزنا عن إدراك ذلك الترابط وعن إدراك " قوانين السببية " بينه وبين عالم الشهادة فرحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده. دار الحديث]

(4/55)


4528 - (الرفث الإعرابة) الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة (والتعريض للنساء بالجماع والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل صاحبه) في النهاية: الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المشاجرة والمراد الجدال ليحق باطلا أو يبطل حقا
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته

(4/56)


4529 - (الرفق رأس الحكمة) أي التخلق به يصير الإنسان في أعلى درجاتها فإن به ينتظم الأمور ويصلح حال الجمهور. قال سفيان الثوري لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه وقال الزمخشري: من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق إلا بالشدة كالجرح يعالج فإذا احتيج إلى الحديد لم يكن منه بد وقال أبو حمزة الكوفي: لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا واعلم أنهم لا يعطون بالشدة شيئا إلا أعطوا باللين أفضل منه وقال بزرجمهر: كن شديدا بعد رفق لا رفيقا بعد شدة لأن الشدة بعد الرفق عز والرفق بعد الشدة ذل
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن جرير) بن عبد الله. قال العامري في شرحه: ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] وابن شاذان والديلمي من حديث جابر

(4/56)


4530 - (الرفق في المعيشة) هي ما يعاش به من أسباب العيش كالزراعة والرفق فيها الاقتصاد في النفقة بقدر ذات اليد (خير من بعض التجارة) ويروى كما في الفردوس خير من كثير من التجارة وجاء في خبر من فقه الرجل رفقه في معيشته. قال مجاهد: ليرفق أحدكم بما في يده ولا يتأول قوله سبحانه وتعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن الرزق مقسوم فلعل رزقه قليل فينفق نفقة الموسع ويبقى فقيرا حتى يموت بل معناها أن ما كان من خلف فهو منه سبحانه وتعالى فلعله إذا أنفق بلا إسراف ولا إقتار كان خيرا من معاناة بعض التجارة
(قط في الأفراد والإسماعيلي في معجمه طس هب) وكذا القضاعي (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه عبد الله بن صالح المصري قال عبد الملك بن شعيب ثقة مأمون وضعفه جمع وقال الذهبي بعد ما عزاه للبيهقي: فيه ابن لهيعة وسبق بيان حاله ورواه عنه أيضا الديلمي

(4/56)


4531 - (الرفق به الزيادة) والنمو (والبركة ومن يحرم الرفق يحرم الخير) فيه فضل الرفق دخل مالك بن دينار على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما نحن فيه من القيود؟ فرفع رأسه فرأى سلة فقال: لمن هذه؟ قال: لي [ص:57] فأمر بها فأنزلت فإذا فيها دجاجة واحبصة فقال: هذه وضعت القيود في رجلك
(طب عن جرير) بن عبد الله ورواه عنه أيضا البزار والديلمي

(4/56)


4532 - (الرفق يمن) أي بركة (والخرق) بالضم (شؤم) أي جهل وحمق كذا في النهاية وفي الفردوس الخرق الحمق وهو نقيض الرفق وليس بسديد بل هما غيران فقد فسر الراغب الحمق بأنه قلة التنبه لطريق الحق والخرق بأنه الجهل بالأمور العملية وذلك أن يفعل أكثر مما يجب أو أقل أو على غير نظام محمود قال: ويضاد الحذق وفي رواية الرغب شؤم قال في مجموع الغرائب: يقال هو الشره والنهم والحرص على الدنيا وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال والحكم
(طس عن ابن مسعود) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه المعلى بن عرفات وهو متروك وقال شيخه العراقي: رواه الطبراني عن ابن مسعود والبيهقي عن عائشة وكلاهما ضعيف

(4/57)


4533 - (الرفق يمن والخرق شؤم وإذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب الرفق فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه وأن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شأنه) ولذلك كثر ثناء الشرع في جانب الرفق دون الخرق والعنف قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله: ما الرفق؟ قال: أن تكون ذا أناة وتلاين قال: فما الخرق قال: معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضرك وقال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل قال: أن تضع الأمور مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه قال الغزالي: وهذا إشارة إلى أنه لا بد في مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندى
فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق لكن لما كانت الطباع إلى الجد والعنف أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جنب الرفق أكثر والحاجة إلى العنف يقع على ندور (الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ولو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا وإن الفحش من الفجور وإن الفجور في النار ولو كان الفحش رجلا لكان رجلا سوءا وإن الله لم يخلقني فحاشا)
(هب عن عائشة) وفيه موسى بن هارون قال الذهبي في الضعفاء: مجهول

(4/57)


4534 - (الرقبى جائزة) وهي أن يقول جعلت لك هذه الدار فإن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فلك فعلى من المراقبة لأن كلا يرقب موت صاحبه وقد جعلها بعضهم تمليكا وبعضهم عارية
(ن عن زيد بن ثابت) رمز المصنف لصحته

(4/57)


4535 - (الرقوب التي لا يموت لها ولد) لا ما تعارفه الناس أنها التي لا يعيش لها ولد فإنه إذا مات ولدها قبلها تلقاها من أبواب الجنة فأعظم بها من منة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (عن بريدة) بن الخصيب قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن من الأنصار مات ابنها فجزعت فقام إليها ومعه أصحابه يعزيها فقال: أما أنه بلغني أنك جزعت قالت: ومالي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد فذكره فقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح

(4/57)


[ص:58] 4536 - (الرقوب كل الرقوب الذي له ولد فمات ولم يقدم منهم شيئا) فإن الثواب فيمن قدم منهم وفقدهم وإن عظم في الدنيا فثواب الصبر والتسليم في الآخرة أعظم وهذا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللغوي بل نقله إلى ما ذكر إشارة لذلك
(حم عن رجل) شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: تدرون ما الرقوب قالوا: الذي لا ولد له فذكره قال الهيثمي: فيه أبو حفصة أو ابن حفصة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات

(4/58)


4537 - (الرقوب الذي لا فرط له)
(خ عن أبي هريرة)

(4/58)


4538 - (الركاز) بكسر الراء وخفة الكاف وآخره زاي (الذي ينبت في الأرض) وفي رواية في الأرض وهذا حديث معلول وفي البخاري عن مالك والشافعي الركاز دفن الجاهلية قال الزركشي وغيره: بكسر فسكون الشيء المدفون وهو دفين ومدفون وفعل يجيء بمعنى المفعول كالذبح والطحن وأما بفتحها فالمصدر وليس بمراد هنا وتعقبه في المصباح بأنه يصح الفتح على أن يكون مصدرا أريد به المفعول كالدرهم ضرب الأمير والثوب نسج اليمن وقد جعل في هذا الحديث الركاز هو المعدن وغاير بينهما في حديث البخاري فقال: المعدن جبار وفي الركاز الخمس وبهذا أخذ الجمهور وقوله المعدن جبار أي هدر وليس المراد أنه لا زكاة فيه بل إن من استأجر رجلا للعمل في معدن فهلك فهو هدر
(هق) من رواية الأعمش عن أبي صالح (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: قال الدارقطني: هذا وهم لأن ذا ليس من حديث الأعمش ولا من حديث أبي صالح إنما يرويه رجل مجهول ورواه عنه أيضا أبو يعلى. قال الهيثمي: فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف

(4/58)


4539 - (الركاز الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت) أي وليس هو بدفن أحد هذا ما اقتضاه هذا الحديث لكن عرفه الشافعية بأنه ما دفنه جاهلي في موات مطلقا وفيه الخمس وضعفوا هذا الحديث والمال المستخرج من الأرض له اسما فما دفنه بنو آدم كنز وما خلقه الله في الأرض معدن والركاز يعمهما من ركز الرمح غرزه وهما مركوزان في الأرض وإن اختلف الراكز
(هق عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف

(4/58)


4540 - (الركب الذي معهم الجلجل لا تصحبهم الملائكة) لأنه يشبه الناقوس فيكره جعله في أعناق الدواب تنزيها لأنه من مزامير الشيطان والملائكة ضده ولأنه يشبه الناقوس فيكره تنزيها عند الشافعية وسيأتي ذلك مبسوطا
(الحاكم في) كتاب (الكنى عن ابن عمر) بن الخطاب

(4/58)


4541 - (الركعتان قبل) صلاة (الفجر أدبار النجوم والركعتان بعد صلاة المغرب أدبار السجود) وهذا تفسير لقوله تعالى {ومن الليل فسبحه وأدبار السجود}
(ك) في صلاة التطوع (عن ابن عباس) وقال: صحيح ورده الذهبي بأن فيه رشدين ضعفه أبو زرعة والدارقطني وغيرهما

(4/58)


[ص:59] 4542 - (الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة) أي هما من ياقوتها غير المتعارف إذ الياقوت نوعان متعارف وغيره كما سبق فمن بيانية
(ك) في الحج عن داود الزبرقان عن أيوب السختياني عن قتادة بن دعامة (عن أنس) وقال: صحيح فرده الذهبي بأن فيه داود. قال أبو داود: متروك وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد قال الحافظ العراقي: رواه أيضا الترمذي وابن ماجه وكذا ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر اه. فعزو المصنف له فقط تقصير أو قصور

(4/59)


4543 - (الركن يمان)
(عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة بكار بن محمد من حديثه وقال: لا يثبت ذكره عنه في لسان الميزان وبكار هذا قال أبو زرعة: ذاهب الحديث له مناكير وقال أبو حاتم: مضطرب وقال ابن حبان: لا يتابع على حديثه

(4/59)


4544 - (الرمي) بالسهام (خير ما لهوتم به) فيه حل الرمي بالسهام واللعب بالسلاح على طريق التدريب للحرب والتنشيط له وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن الخلق ومعاشرة الأهل والتمكين مما لا حرج فيه
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال: افتقد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلا فقال: أين فلان؟ فقيل: ذهب يلعب فقال: ما لنا واللعب فقيل: ذهب يرمي. قال: ليس الرمي بلعب فذكره وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري قال الذهبي: تركوه واتهمه بعضهم: أي بالوضع

(4/59)


4545 - (الرهن مركوب ومحلوب) أي ربه يركبه ويحلبه فإن أوجر كان أجر ظهره له ونفقته عليه. قال الحرالي: والرهن بالفتح والسكون التوثيق بالشيء بما يعادله بوجه ما اه. والرهن هنا بمعنى المرهون
(د هق عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن مجشر البغدادي. قال في الميزان: له أحاديث مناكير من قبل الإسناد منها هذا الحديث وهو صويلح في نفسه اه. وفي اللسان: قال ابن حبان في الثقات يخطىء وقال السراج عن الفضيل بن سهل يكذب وعن ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث اه. وقال ابن حجر: أعل بالوقف ورفعه أبو حاتم مرة ثم تركه ورجح البيهقي كالدارقطني وقفه وهي رواية للشافعي

(4/59)


4545 - (الرهن) أي الظهر المرهون (يركب) بالبناء للمجهول (بنفقته) أي يركب وينفق عليه وهو هبر بمعنى الأمر لكن لم يتعين فيه المأمور (ويشرب) بضم أوله (لبن الدر) بفتح المهملة والتشديد أي ذات الدر وهو اللبن فالتركيب من إضافة الشيء لنفسه كقوله تعالى {وحب الحصيد} كذا ذكره ابن حجر وتعقبه العيني بأن إضافة الشيء لنفسه لا تصح إلا إذا وقع في الظاهر فيؤول وإذا كان المراد بالدر الدارة فلا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه لأن اللبن غير دارة (إذا كان مرهونا) لم يقل مرهونة باعتبار تأويل الحيوان يعني للمرتهن الركوب والشرب أي بإذن الراهن فلو هلك بركوبه لا يضمن وأخذ بظاهره أحمد فجوز الانتفاع بالرهن إذا قام بمصالحه وإن لم يأذن مالكه وقال الشافعي: الكلام في الراهن فلا يمنع من ظهرها ودرها فهي محلوبة ومركوبة له كما قبل الرهان أي فللراهن انتفاع لا ينقص المركوب كركوب وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية: ليس للراهن ذلك لمنافاة حكم الرهن وهو الحبس الدائم
(خ عن أبي هريرة) [ص:60] ورواه عنه أبو داود بلفظ يحلب مكان يشرب

(4/59)


4547 - (الرواح يوم الجمعة) إلى صلاة الجمعة (واجب على كل محتلم) أي من بلغ الحلم (والغسل) لها واجب عليه (كاغتساله من الجنابة) وهذا محمول على أنه سنة مؤكدة يقرب من الواجب
(طب عن حفصة) بنت عمر أم المؤمنين قال الطبراني: تفرد به عن بكير بن عبد الله عياش بن عياش وعنه مفضل بن فضالة اه

(4/60)


4548 - (الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها) بمعنى مما تطلع عليه الشمس وتغرب في الرواية الأخرى وقد يفرق بأن حديث وما فيها يشمل ما تحت طباقها مما أودعه الله من الكنوز وغيرها وحديث ما طلعت عليه الشمس يشمل بعض السماوات لأنها في الرابعة والقصد بهذا الحديث وشبهه تسهيل أمر الدنيا وتعظيم شأن الجهاد ثم هذا من تنزيل المغيب منزلة المحسوس وإلا فليس شيء من الآخرة بينه وبين الدنيا توازن حتى يقع فيه التفاضل أو المراد أن إنفاق الدنيا وما فيها لا يوازن ثوابه ثواب هذا فيكون التوازن بين ثوابي العملين
(ق ن عن سهل بن سعد) الساعدي

(4/60)


4549 - (الريح من روح الله) بفتح الراء مصدر بمعنى الفاعل أي الريح من روائح الله أي من الأشياء التي تجيء من حضرة الله بأمره (تأتي بالرحمة) لمن أراد الله رحمته (وتأتي بالعذاب) لمن أراد الله هلكته (فإذا رأيتموها فلا تسبوها) أي لا يجوز لكم ذلك (واسألوا الله خيرها) أي من خير ما أرسلت به (واستعيذوا) في رواية عوذوا (بالله من شرها) أي شر ما أرسلت به فإنها مأمورة وتوبوا عند التضرر بها وهذا تأديب من الله وتأديبه رحمة لعباده قال ابن العربي: وإسناد الفعل إليها مجاز وإنما المأمور الملك الموكل بإرسالها وإمساكها وتحريكها وتسكينها وعبر به عنها لأنها معرفة له
(خد د) في الأدب (ك) في الأدب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال النووي في الأذكار والرياض: إسناده حسن وظاهر صنيع المصنف تفرد أبي داود به من بين الستة وليس كذلك بل رواه ابن ماجه في الأدب وكذا النسائي في اليوم والليلة عن أبي هريرة أيضا

(4/60)


4550 - (الريح تبعث عذابا لقوم ورحمة لآخرين) أي في آن واحد قال الحرالي: والريح متحرك الهواء في الأقطار
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال الذهبي: متفق على ضعفه ورواه عنه الحاكم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أجود والله سبحانه وتعالى أعلم

(4/60)