كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (237) كشف الْمُشكل من مُسْند أم رُومَان بنت عَامر

كَانَت زَوْجَة الْحَارِث بن سَخْبَرَة، فَولدت الطُّفَيْل، ثمَّ مَاتَ الْحَارِث فَتَزَوجهَا أَبُو بكر فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة. وَأسْلمت قَدِيما وبايعت وَهَاجَرت، وَمَاتَتْ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة. وَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبرها، كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن سعد.
2746 - / 3560 - وَقد أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا. وَهَذَا أَمر مُشكل؛ كَيفَ يروي مَسْرُوق عَمَّن مَاتَ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ إِلَّا أَن أَقْوَامًا أَنْكَرُوا مَوتهَا فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ. وَلَا عُمْدَة لمن أنكر إِلَّا رِوَايَة مَسْرُوق.
وَقَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت: لم يسمع مَسْرُوق من أم رُومَان شَيْئا. قَالَ: فَحدثت عَن أبي عمر بن حيويه قَالَ: أخبرنَا دعْلج قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق قَالَ: سَأَلت أم رُومَان عَن حَدِيث الْإِفْك، فحدثتني قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: كَانَ سَأَلَهَا وَله خمس عشرَة سنة، وَمَات مَسْرُوق وَله ثَمَان وَسَبْعُونَ، وَأم رُومَان أقدم من حدث عَنهُ مَسْرُوق، وَقد صلى خلف أبي بكر، وكلم عمر وعليا وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس

(4/480)


وَأَبا مُوسَى وخبابا وأبيا وَابْن عمر وَعَائِشَة.
قَالَ الْخَطِيب: وَالْعجب كَيفَ خَفِي على إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ اسْتِحَالَة سُؤال مَسْرُوق أم رُومَان، مَعَ علو قدره فِي الْعلم؟ وَذَلِكَ أَن أم رُومَان مَاتَت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأحسب الْعلَّة الَّتِي دخلت على الْحَرْبِيّ اتِّصَال السَّنَد وثقة رِجَاله، وَلم يتفكر فِيمَا وَرَاء ذَلِك وَهِي الْعلَّة الَّتِي دخلت على البُخَارِيّ حَتَّى أخرج هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيحه. وَأما مُسلم فَلم يُخرجهُ، وَرِجَاله من شَرطه، وَأَحْسبهُ فطن باستحالته فَتَركه.
وَقَول إِبْرَاهِيم: إِن مسروقا سَأَلَهَا وَله خمس عشرَة سنة، وَكَانَ مَوتهَا فِي سنة سِتّ. فعلى هَذَا كَانَ لَهُ وَقت وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضع عشرَة سنة، فَمَا الَّذِي يمنعهُ أَن يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَقد ذكر غير إِبْرَاهِيم مبلغ سنّ مَسْرُوق على خلاف مَا قَالَ، فَقَالَ ابْن سعد: توفّي مَسْرُوق بِالْكُوفَةِ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ. وَعَن الْفضل بن عمر: وَمَات مَسْرُوق وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، وَهُوَ أشبه بِالصَّحِيحِ. فعلى هَذَا كَانَ لَهُ وَقت موت أم رُومَان سِتّ سِنِين.
قَالَ الْخَطِيب: وَلم يزل حَدِيث مَسْرُوق هَذَا يتلجلج فِي صَدْرِي وأستنكره وأجيل فكري فِيهِ سِنِين كَثِيرَة فَلَا أعرف لَهُ عِلّة، لثقة رِجَاله واتصال إِسْنَاده، حَتَّى حَدثنِي الْحسن بن عَليّ بِإِسْنَاد لَهُ عَن حُصَيْن عَن مَسْرُوق عَن أم رُومَان. قَالَ الْخَطِيب: فحزرت أَن يكون مَسْرُوق أرسل الرِّوَايَة عَن أم رُومَان. وَقد ذكر أَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن اخْتَلَط فِي آخر عمره، فَلَعَلَّهُ روى الحَدِيث فِي حَال اخْتِلَاطه. وَفِي رِوَايَته عَن حُصَيْن عَن مَسْرُوق قَالَ: سَأَلت أم رُومَان، وَهَذَا أشبه بِالصِّحَّةِ. وَمن

(4/481)


الروَاة من يكْتب الْهمزَة ألفا فِي جَمِيع أحوالها: فِي رَفعهَا وخفضها ونصبها، وَلَعَلَّ بعض النقلَة كتب سُئِلت بِالْألف، فَرَآهُ الرَّاوِي سَأَلت، وَرَوَاهُ وَدون عَنهُ.
وَفِي الحَدِيث الَّذِي أخرجه لَهَا: أَن عَائِشَة لما رميت خرت مغشيا عَلَيْهَا. فَمَا أفاقت إِلَّا وَعَلَيْهَا حمى بنافض. الْمَعْنى: مَا أفاقت إِلَّا بنافض. والنافض من الْحمى: ذَات الرعدة.

(4/482)


(238) كشف الْمُشكل من مُسْند خنساء بنت خدام الْأَنْصَارِيَّة

أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا.
2747 - / 3561 - أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي ثيب، فَكرِهت ذَلِك، فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد زواجه.
أما الثّيّب الْبَالِغَة فَلَا يملك الْأَب إجبارها إِجْمَاعًا. وَاخْتلفُوا فِي الثّيّب الصَّغِيرَة الَّتِي يُوطأ مثلهَا، فلنا وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه لَا يملك الْأَب تَزْوِيجهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالثَّانِي: يملك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك.

(4/483)


(239) كشف الْمُشكل من مُسْند أم الْعَلَاء الْأَنْصَارِيَّة

أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا.
2748 - / 3562 - وَفِيه اقتسم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار قرعَة، فطار لَهَا عُثْمَان بن مَظْعُون.
لما خرج الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْمَدِينَة لم يُمكنهُم اسْتِصْحَاب أَمْوَالهم فَدَخَلُوا الْمَدِينَة فُقَرَاء فاقتسمهم الْأَنْصَار بِالْقُرْعَةِ فِي نزولهم عَلَيْهِم، ومكنوهم من أَمْوَالهم.
وَقَوْلها: فطار لنا. أَي حصل فِي نصيبنا وسهمنا.
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " وَمَا يدْريك؟ " لِأَنَّهَا شهِدت على غيب لَا يعلم مثله إِلَّا بِوَحْي.
وَأما قَوْله: " مَا أَدْرِي مَا يفعل بِي؟ " فَفِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الدُّنْيَا، فَيكون الْمَعْنى: لَا أَدْرِي مَا يجْرِي عَليّ فِي الدُّنْيَا من قتل أَو جراح أَو غير ذَلِك. وَقد ذهب إِلَى هَذَا جمَاعَة من الْمُفَسّرين، غير أَنه لَا ينطبق على المُرَاد بِالْحَدِيثِ، إِلَّا أَن يكون ذكره من جنس المعاريض.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه رَاجع إِلَى الْآخِرَة، قَالَ ابْن عَبَّاس: لما نزلت هَذِه

(4/484)


الْآيَة نزل بعْدهَا: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} [الْفَتْح: 2] وَنزل: {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جنَّات} [الْفَتْح: 5] وَبَيَان هَذَا أَن سُورَة " الْأَحْقَاف " الَّتِي فِيهَا: {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} [الْأَحْقَاف: 9] مَكِّيَّة، وَسورَة " الْفَتْح " مَدَنِيَّة، وَعُثْمَان بن مَظْعُون توفّي على رَأس ثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، وَهُوَ أول من قبر بِالبَقِيعِ.

(240) كشف الْمُشكل من مُسْند خَوْلَة بنت ثامر الْأَنْصَارِيَّة

وَهِي امْرَأَة حَمْزَة بن عبد الْمطلب. أخرج لَهَا حَدِيثا وَاحِدًا
2749 - / 3563 - أَن رجَالًا يتخوضون فِي مَال الله تَعَالَى.
أَي: يتصرفون فِيهِ ويتقحمون فِي استحلاله.

(4/485)


(241) كشف الْمُشكل من مُسْند صَفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان الحَجبي

أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا، وَلَيْسَت بصحابية. والْحَدِيث مُرْسل، كَذَلِك قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَأَبُو بكر البرقاني.
2750 - / 3564 - والْحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير.
وَفِي هَذَا الحَدِيث توكيد سنة الْوَلِيمَة، لِأَنَّهُ لم يَتْرُكهَا مَعَ الْفقر وَقلة الشَّيْء.
وَفِيه صَبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفقر وضيق الْعَيْش، وَأكل الشّعير

(4/486)