مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ الْحَيْضِ]
(2/491)
(12) بَابُ الْحَيْضِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
545 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ
الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ
يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}
[البقرة: 222] الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ
إِلَّا النِّكَاحِ " فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ.
فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ
أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ. فَجَاءَ
أُسَيْدُ بْنُ حَضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا
وَكَذَا، أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا،
فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ
فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرِفَا أَنَّهُ لَمْ
يَجِدْ عَلَيْهِمَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(12) بَابُ الْحَيْضِ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ ذَكَرَ
مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ الْمَفْرُوضَ، فَإِنَّ انْقِطَاعَ
الْحَيْضِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ، وَهُوَ فِي
اللُّغَةِ مَصْدَرُ حَاضَ إِذَا سَالَ، وَفِي الشَّرْعِ
دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الدَّاءِ
وَالصِّغَرِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَمْنَعُ صَوْمًا
وَصَلَاةً وَنَحْوَهُمَا، وَيُقْضَى هُوَ لَا هِيَ،
وَأَصْلُ الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: " {وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] " وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ
اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ،
وَبِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ رَدَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى
مَنْ قَالَ: أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: قِيلَ: إِنَّ
أُمُّنَا حَوَّاءَ لَمَّا كَسَرَتْ شَجَرَةَ الْحِنْطَةِ
وَأَدْمَتْهَا قَالَ اللَّهُ: لَأُدْمِيَنَّكِ كَمَا
أَدْمَيْتِهَا، وَابْتَلَاهَا بِالْحَيْضِ هِيَ وَجَمِيعُ
بَنَاتِهَا إِلَى السَّاعَةِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
545 - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ) : جَمْعُ
يَهُودِيٌّ كَرُومٍ وَرُومِيٍّ، وَأَصْلُهُ
الْيَهُودِيِّينَ ثُمَّ حُذِفَ يَاءُ النِّسْبَةِ كَذَا
قِيلَ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَهُودَ
قَبِيلَةٌ سُمِّيَتْ بِاسْمِ جَدِّهَا يَهُودَ أَخِي
يُوسُفَ الصِّدِّيقِ، وَالْيَهُودِيُّ مَنْسُوبٌ
إِلَيْهِمْ بِمَعْنَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ (كَانُوا) :
أَسْقَطَ ابْنُ حَجَرٍ لَفْظًا: " إِنَّ الْيَهُودَ " مِنَ
الْحَدِيثِ، وَجَعَلَ ضَمِيرَ كَانُوا لِلنَّاسِ وَهُوَ
خَطَأٌ لَفْظًا وَمَعْنًى (إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ) :
فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ حَيْثُ كَرِهَ أَنْ
يُقَالَ: حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَطَمِثَتْ عَلَى مَا نَقَلَ
عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِي مَعْنَاهُ عَرَكَتْ
وَنَفَسَتْ، وَنَهْيُ عَائِشَةَ عَنْ ذِكْرِ الْعِرَاكِ
مَذْهَبُ صَحَابِيٌّ؛ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَحْيِينَ
مِنْ ذَلِكَ (فِيهِمْ) : كَذَا فِي مُسْلِمٍ، وَجَامِعِ
الْأُصُولِ، وَفِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ وَشَرْحِ
السُّنَّةِ مِنْهُمْ (لَمْ يُؤَاكِلُوهَا) : بِالْهَمْزِ
وَيُبَدَلُ وَاوًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ لُغَةٌ (وَلَمْ
يُجَامِعُوهُنَّ) : أَيْ: لَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ وَلَمْ
يُخَالِطُوهُنَّ (فِي الْبُيُوتِ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ
وَضَمِّهَا، وَإِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ ; لِأَنَّ
الْمُرَادَ بِالْمَرْأَةِ الْجِنْسُ، فَعَبَّرَ أَوَّلًا
بِالْمُفْرَدِ ثُمَّ بِالْجَمْعِ رِعَايَةً لِلَّفْظِ
وَالْمَعْنَى عَلَى طَرِيقِ التَّفَنُّنِ (فَسَأَلَ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : عَنْ عَدَمِ
الْمُؤَاكَلَةِ حَالَةَ الْحَيْضِ كَمَا تَفْعَلُ
الْيَهُودُ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] : أَيْ: حُكْمِ زَمَانِ
الْحَيْضِ (الْآيَةَ) : بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
تَتِمَّتُهَا: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ
فِي الْمَحِيضِ} [الفاتحة: 222 - 638] قَالَ فِي
الْأَزْهَارِ: الْمَحِيضُ الْأَوَّلُ فِي الْآيَةِ هُوَ
الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ
أَذًى} [البقرة: 222] وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ: أَحَدُهُمَا: الدَّمُ كَالْأَوَّلِ،
وَالثَّانِي: زَمَانُ الْحَيْضِ، وَالثَّالِثُ: مَكَانُهُ
وَهُوَ الْفَرْجُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ
الْمُفَسِّرِينَ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ الْأَذَى مَا يَتَأَذَّى بِهِ
الْإِنْسَانُ قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ
لَوْنًا كَرِيهًا وَرَائِحَةً مُنْتِنَةً وَنَجَاسَةً
مُؤْذِيَةً مَانِعَةً عَنِ الْعِبَادَةِ. قَالَ
الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ: وَالتَّنْكِيرُ هُنَا
لِلْقِلَّةِ أَيْ: أَذًى يَسِيرٌ لَا يَتَعَدَّى وَلَا
يَتَجَاوَزُ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَحَرَمِهِ
فَتُجْتَنَبُ وَتُخْرَجُ مِنَ الْبَيْتِ، كَفِعْلِ
الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ. نَقَلَهُ السَّيِّدُ. يَعْنِي:
الْحَيْضَ أَذًى يَتَأَذَّى مَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ
مُجَامَعَتِهَا فَقَطْ دُونَ الْمُوَاكَلَةِ
وَالْمُجَالَسَةِ وَالِافْتِرَاقِ أَيْ: فَابْعُدُوا
عَنْهُنَّ بِالْمَحِيضِ أَيْ: فِي مَكَانِ الْحَيْضِ،
وَهُوَ الْفَرْجُ أَوْ حَوْلَهُ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ
وَالرُّكْبَةِ احْتِيَاطًا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : مُبَيِّنًا
لِلِاعْتِزَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِقَصْرِهِ
عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ (اصْنَعُوا) : أَيْ: افْعَلُوا
(كُلَّ شَيْءٍ) : مِنَ الْمُوَاكَلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ
وَالْمُضَاجَعَةِ (إِلَّا النِّكَاحَ) : أَيِ: الْجِمَاعَ،
وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ: فِي الْعَقْدِ،
فَيَكُونُ إِطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى
الْمُسَبَّبِ. وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ، وَبَيَانٌ
لِقَوْلِهِ: " فَاعْتَزِلُوا " فَإِنَّ الِاعْتِزَالَ
شَامِلٌ لِلْمُجَانَبَةِ عَنِ الْمُؤَاكَلَةِ
وَالْمُضَاجَعَةِ، وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ الِانْتِفَاعِ، بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَهُوَ
قَوْلُ أَحْمَدَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدَيمِ،
وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ
(2/492)
أَبِي دَاوُدَ الْآتِي، هَذَا وَاتَّفَقُوا
عَلَى حُرْمَةٍ غَشَيَانِ الْحَائِضِ، وَمَنْ فَعَلَهُ
عَالِمًا عَصَى، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ ; لِأَنَّهُ
مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَا يُرْفَعُ
التَّحْرِيمُ إِلَّا بِقَطْعِ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالِ
عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ. (فَبَلَغَ ذَلِكَ) : أَيِ:
الْحَدِيثُ (الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا
الرَّجُلُ؟) : يَعْنُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبَّرُوا بِهِ لِإِنْكَارِهِمْ
نُبُوَّتَهُ (أَنْ يَدَعَ) : أَيْ يَتْرُكَ (مِنْ
أَمَرِنَا) : أَيْ: مِنْ أُمُورِ دِينِنَا (شَيْئًا) :
مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ (إِلَّا
خَالَفَنَا) : بِفَتْحِ الْفَاءِ (فِيهِ) : أَيْ: إِلَّا
حَالَ مُخَالَفَتِهِ إِيَّانَا فِيهِ يَعْنِي: لَا
يَتْرُكُ أَمْرًا مِنْ أُمُورِنَا إِلَّا مَقْرُونًا
بِالْمُخَالَفَةِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]
وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "
«اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ»
". (فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ) : بِالتَّصْغِيرِ
فِيهِمَا: أَنْصَارِيٌّ أَوْسِيٌّ، أَسْلَمَ قَبْلَ سَعْدِ
بْنِ مُعَاذٍ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ
مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ، وَشَهِدَ
بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ (وَعَبَّادُ
بْنُ بِشْرٍ) : مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ
الْأَنْصَارِ، أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى يَدِ
مُصْعَبٍ أَيْضًا قَبْلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَشَهِدَ
بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا (فَقَالَا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا)
: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْكَلَامِ
السَّابِقِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ مُعَاشَرَةَ
الْحَائِضِ تُوجِبُ ضَرَرًا (فَلَا) : أَيْ: أَفَلَا،
كَمَا فِي نُسْخَةٍ (نُجَامِعُهُنَّ؟) : أَيْ:
نُسَاكِنُهُنَّ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا نَعْتَزِلُهُنَّ
فَلَا نَجْتَمِعُ مَعَهُنَّ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَالْبُيُوتِ، يُرِيدُ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ
لِلْمُؤَالَفَةِ، وَقِيلَ: لِخَوْفِ تَرَتُّبِ ذَلِكَ
الضَّرَرِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ. (فَتَغَيَّرَ وَجْهُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
ظَنَنَّا) : أَيْ: نَحْنُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ:
ظَنَّا أَيْ: هُمَا (أَنْ) : أَيْ: أَنَّهُ كَمَا فِي
نُسْخَةٍ (قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا) : أَيْ: غَضِبَ
(فَخَرَجَا) : خَوْفًا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي التَّغَيُّرِ
أَوِ الْغَضَبِ (فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ) : أَيْ:
اسْتَقْبَلَ الرَّجُلَيْنِ شَخْصٌ مَعَهُ هَدِيَّةٌ
يَهْدِيهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالْإِسْنَادَ مَجَازِيٌّ (مِنْ لَبَنٍ) :
مِنْ بَيَانِيَّةٌ (إِلَى النَّبِيِّ) : أَيْ: وَاصِلَةٌ
أَوْ وَاصِلٌ إِلَيْهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ) : أَيِ: النَّبِيُّ (فِي
آثَارِهِمَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: إِثْرِهِمَا
بِكَسْرَتَيْنِ، وَقِيلَ: بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ:
عَقِبَهُمَا أَحَدًا، فَنَادَاهُمَا فَجَاءَاهُ
(فَسَقَاهُمَا) : أَيِ: اللَّبَنَ تَلَطُّفًا بِهِمَا
(فَعَرِفَا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا) : أَيْ: لَمْ
يَغْضَبْ، أَوْ مَا اسْتَمَرَّ الْغَضَبُ، بَلْ زَالَ أَوْ
ذَهَبَ، وَهَذَا مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(2/493)
546 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ،
وَكِلَانَا جُنُبٌ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي، فَأَتَّزِرُ،
فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. وَكَانَ يُخْرِجُ
رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ،
وَأَنَا حَائِضٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
546 - (وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ) : بِالرَّفْعِ
عَلَى الْعَطْفِ لِلْفَصْلِ، وَرُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى
أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ: رَسُولُ
اللَّهِ بِالْوَجْهَيْنِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) : عَلَى عَادَةَ
الْعَرَبِ مِنْ وَضْعِ ظَرْفٍ كَبِيرٍ مَمْلُوءٍ مِنَ
الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ وَيَتَنَاوَبُونَ
(وَكِلَانَا) : الْوَاوُ لِلْحَالِ (جُنُبٌ) :
الْإِفْرَادُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ كِلَا وَهُوَ أَفْصَحُ
مِنَ التَّثْنِيَةِ لِمَعْنَاهُ (وَكَانَ) : عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (يَأْمُرُنِي) : أَيْ:
بِالِاتِّزَارِ اتِّقَاءً عَنْ مَوْضِعِ الْأَذَى
(فَأَتَّزِرُ) : قَالَ الشُّرَّاحُ: صَوَابُهُ
فَأَئْتَزِرُ بِهَمْزَتَيْنِ يَعْنِي: بِاعْتِبَارِ
الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ أَنَّ
الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ السَّاكِنَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ
الْهَمْزَتَيْنِ تُقْلَبُ مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا
قَبْلَهَا كَآدَمَ. قَالُوا: فَإِنَّ إِدْغَامَ
الْهَمْزَةِ فِي التَّاءِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَالَ أَبُو
مُوسَى: هُوَ تَحْرِيفٌ وَتَصْحِيفٌ مِنْ بَعْضِ
الرُّوَاةِ، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ عَنِ الْأَزْهَارِ.
قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: " فَأَتَّزِرُ
" خَطَأٌ خَطَأٌ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَأَتَّزِرُ
فِي قَوْلِ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ
حُجَّةٌ، فَالْمُخْطِئُ مُخْطِئٌ، وَقَالَ ابْنُ
الْمَلَكِ: إِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَمِنْهُ
قِرَاءَةُ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: " {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283] " بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَتَاءٍ
مُشَدَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ مِنَ الْأَمَانَةِ ذَكَرَهُ
الْأَبْهَرِيُّ، وَالْمَعْنَى: فَأَعْقِدُ الْإِزَارَ فِي
وَسَطِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ
(2/493)
الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ
دُونَ مَا تَحْتَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ،
وَلَعَلَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
كَانَ رُخْصَةً وَفِعْلَهُ عَزِيمَةٌ ; تَعْلِيمًا
لِلْأُمَّةِ، فَإِنَّهُ أَحْوَطُ، فَإِنَّ مَنْ يَرْتَعُ
حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ
(فَيُبَاشِرُنِي) : أَيْ: يُضَاجِعُنِي، فَيُلَامِسُ،
وَتَمَسُّ بَشَرَتُهُ بَشَرَتِي فَوْقَ الْإِزَارِ
(وَأَنَا حَائِضٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَهُوَ بِلَا
هَاءٍ ; لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُؤَنَّثِ، وَقَدْ تَلْحَقُهُ
(وَكَانَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ( «يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ
فِي الْمَسْجِدِ» ) : بِأَنْ كَانَ بَابُ الْحُجْرَةِ
مَفْتُوحًا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْهُ
إِلَى الْحُجْرَةِ وَهِيَ فِيهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إِذَا خَرَّجَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ
مِنَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ
(فَأَغْسِلُهُ) : أَيْ: رَأْسَهُ (وَأَنَا حَائِضٌ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ،
قَالَهُ السَّيِّدُ.
(2/494)
547 - وَعَنْهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَشْرَبُ
وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى
مَوْضِعٍ فِيَّ، فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ،
وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعٍ
فِيَّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
547 - (وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ:
كُنْتُ أَشْرَبُ) : أَيِ: الْمَاءَ (وَأَنَا حَائِضٌ،
ثُمَّ) : أَيْ: بَعْدَ الطَّلَبِ (أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: أُعْطِهِ
الْإِنَاءَ الَّذِي شَرِبْتُ فِيهِ، كَمَا فُهِمَ مِنَ
السِّيَاقِ (فَيَضَعُ فَاهُ) : أَيْ: فَمَهُ (عَلَى
مَوْضِعِ فِيَّ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ: فَمَهُ
(فَيَشْرَبُ) : أَيْ: مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ
مُخَالَفَتِهِ لِلْيَهُودِ بُغْضًا، وَمِنْ نِهَايَةِ
مُوَافَقَتِهِ لَهَا حُبًّا (وَأَتَعَرَّقُ) : أَيْ:
وَكُنْتُ أَتَعَرَّقُ (الْعَرْقَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ
وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: آخُذُ اللَّحْمَ مِنَ الْعَرْقِ
بِأَسْنَانِي، وَهُوَ عَظْمٌ أُخِذَ مُعْظَمُ اللَّحْمِ
مِنْهُ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا
الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ اللَّحْمُ، وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى جَوَازِ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ وَمُجَالَسَتِهَا،
وَعَلَى أَنَّ أَعْضَاءَهَا مِنَ الْيَدِ وَالْفَمِ
وَغَيْرِهِمَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، وَأَمَّا مَا نُسِبَ
إِلَى أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ بَدَنَهَا نَجِسٌ فَغَيْرُ
صَحِيحٍ (وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ
إِلَى كَمَالِ تَوَاضُعِهِ وَطِيبِ نَفْسِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى
مَوْضِعِ فِيَّ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(2/494)
548 - وَعَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ
فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
548 - (وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ:
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي» ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُفْتَحُ
أَيْ: يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ، وَيَعْتَمِدُ فِي الْجُلُوسِ
عَلَيْهِ (وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) :
فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ طَاهِرَةٌ حِسًّا
نَجِسَةٌ حُكْمًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(2/494)
549 - وَعَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَقُلْتُ:
إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي
يَدِكِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
549 - (وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي) : الْفَتْحُ فِي
الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنَ السُّكُونِ (النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَاوِلِينِي ") :
بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ: أَعْطِينِي
(الْخُمْرَةَ) : وَهِيَ بِالضَّمِّ سَجَّادَةٌ صَغِيرَةٌ
تُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ، وَتُزَيَّنُ بِالْخُيُوطِ
مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّخْمِيرِ. بِمَعْنَى التَّغْطِيَةِ،
فَإِنَّهَا تُخَمِّرُ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَوْ وَجْهَ
الْمُصَلِّي مِنَ الْأَرْضِ (مِنَ الْمَسْجِدِ) : قِيلَ:
حَالٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَتَكُونُ الْخُمْرَةُ فِي الْحُجْرَةِ وَالنَّبِيُّ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْمَسْجِدِ،
وَقِيلَ: حَالٌ مِنَ الْخُمْرَةِ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ
عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "
مِنَ الْمَسْجِدِ " مُتَعَلِّقٌ بِنَاوِلِينِي،
وَحِينَئِذٍ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: ادْخُلِي
الْمَسْجِدَ فَخُذِيهَا وَأَعْطِينِي إِيَّاهَا مِنْ
غَيْرِ مُكْثٍ، وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ لِحِلِّ هَذَا
لِلْحَائِضِ إِذَا أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ، أَوْ مُدِّي
يَدَكِ وَأَنْتِ خَارِجَةٌ فَتَنَاوَلِيهَا مِنْهُ، ثُمَّ
نَاوِلِينِي إِيَّاهَا، وَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا
بِالْأَوْلَى، وَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " قَالَ "
لَكِنَّهُ بَعِيدٌ اهـ.
وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا، فَإِنَّهُ
يَبْعُدُ شَرْعًا وَعُرْفًا ; لِعَدَمِ دُخُولِ الْحَائِضِ
الْمَسْجِدَ فِي مَذْهَبِنَا مُطْلَقًا، (فَقُلْتُ: إِنِّي
حَائِضٌ: فَقَالَ: " إِنَّ حَيْضَتَكِ ") : بِكَسْرِ
الْحَاءِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا
الْحَائِضُ مِنَ الْمَحِيضِ وَالتَّجَنُّبِ، وَقَدْ رُوِيَ
بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْحَيْضِ لَيْسَتْ
فِي يَدِكِ) : يَعْنِي: لَيْسَتْ نَجِسَةً يَدُكِ ;
لِأَنَّهَا لَا حَيْضَ فِيهَا، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ
لِلرَّدِّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَوَّلًا، قَالَ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَسْجِدِ،
وَأَنَّ مَنْ حَلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا أَوْ
مَسْجِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِإِدْخَالِ بَعْضِ
جَسَدِهِ فِيهِ. قَالَ قَتَادَةَ: الْجُنُبُ يَأْخُذُ مِنَ
الْمَسْجِدِ وَلَا يَضَعُ فِيهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(2/494)
550 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ، بَعْضُهُ عَلَيَّ
وَبَعْضُهُ عَلَيْهِ، وَأَنَا حَائِضٌ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
550 - (وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ» ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ
وَسُكُونِ الرَّاءِ: كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ
يُؤْتَزَرُ بِهِ، وَرُبَّمَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ عَلَى
رَأْسِهَا وَتَتَقَنَّعُ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ
مِلْحَفَةٍ (بَعْضُهُ عَلَيَّ) : أَيْ: مُلْقًى عَلَى
بَدَنِي (وَبَعْضُهُ عَلَيْهِ) : يَعْنِي: بَعْضُ
الْمِرْطِ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
عَلَى كَتِفِهِ يُصَلِّي (وَأَنَا حَائِضٌ) : مُلْتَفَّةٌ
بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْضَاءَ الْحَائِضِ
طَاهِرَةٌ، وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ فِي مِرْطٍ وَاحِدٍ
بَعْضُهُ مُلْقًى عَلَى النَّجَاسَةِ وَبَعْضُهُ مُتَّصِلٌ
بِالْمُصَلِّي غَيْرُ جَائِزٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: فِيهِ نَظَرٌ ;
لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ التَّخْرِيجِ: مَا أَجِدُهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحَدِهِمَا، وَلَا فِي
الْحُمَيْدِيِّ. كَذَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا لَفْظُ
الْبُخَارِيِّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ
قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءُهُ وَأَنَا حَائِضٌ،
وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبَهُ إِذَا سَجَدَ» . وَقَدْ
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَعْنَاهُ،
وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَعَلَيْهِ
مِرْطٌ، وَعَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنْهُ وَهِيَ
حَائِضٌ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/495)
الْفَصْلُ الثَّانِي
551 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ
عَلَى مُحَمَّدٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ
مَاجَهْ. وَالدَّارِمِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِمَا: "
فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ; فَقَدْ كَفَرَ ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ
إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ عَنْ أَبِي
تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
551 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَتَى
حَائِضًا ") : أَيْ: جَامَعَهَا، وَهِيَ تَشْمَلُ
الْمَنْكُوحَةَ وَالْأَمَةَ وَغَيْرَهُمَا، وَكَذَا
قَوْلُهُ: (أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا) : مُطْلَقًا ;
سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ غَيْرَهَا (أَوْ كَاهِنًا)
: قَالَ الطِّيبِيُّ: " أَتَى " لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ هُنَا
بَيْنَ الْمُجَامَعَةِ وَإِتْيَانِ الْكَاهِنِ. قُلْتُ:
الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَوْ صَدَّقَ
كَاهِنًا ; فَيَصِيرُ مِنْ قَبِيلِ:
عَلَفَتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
أَوْ يُقَالُ: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً
بِالْجِمَاعِ أَوْ كَاهِنًا بِالتَّصْدِيقِ (فَقَدْ كَفَرَ
بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) : أَيْ: إِنِ اعْتَقَدَ
حِلَّهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْصِلْهُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ
فِي الْوَعِيدِ وَأَدْعَى إِلَى الزَّجْرِ وَالتَّهْدِيدِ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُئَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ
بِالْمُسْتَحِلِّ وَالْمُصَدِّقِ، وَإِلَّا فَيَكُونُ
فَاسِقًا، فَمَعْنَى الْكُفْرِ حِينَئِذٍ كُفْرَانُ
نِعْمَةِ اللَّهِ أَوْ إِطْلَاقُ اسْمِ الْكُفْرِ
عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْكَفَرَةِ
الَّذِينَ عَادَتُهُمْ عِصْيَانُ اللَّهِ تَعَالَى،
وَالْمُرَادُ بِالْكَاهِنِ مَنْ يُخْبِرُ عَمَّا يَكُونُ
فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ بِأَشْيَاءَ مَكْتُوبَةٍ فِي
الْكِتَابِ مِنْ أَكَاذِيبِ الْجِنِّ الْمُسْتَرَقَةِ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ
الْأَعْمَارِ، وَالْأَرْزَاقِ وَالْحَوَادِثِ، فَيَأْتُونَ
الْكَهَنَةَ فَيَخْلِطُونَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِائَةَ
كَذْبَةٍ، فَيُخْبِرُونَ النَّاسَ بِهَا. وَفِي مَعْنَاهُ
مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَالضَّرْبَ بِنَحْوِ الْحَصَى،
أَوِ النَّظَرَ فِي النُّجُومِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي
الْحَدِيثِ وَعِيدٌ هَائِلٌ حَيْثُ لَمْ يَكْتَفِ
بِكَفَرَ، بَلْ ضَمَّ إِلَيْهِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ بِالْعِلْمِ تَجْرِيدًا،
وَالْمُرَادُ بِالْمُتَنَزَّلِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
أَيْ: مَنِ ارْتَكَبَ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ فَقَدْ بَرِئَ
مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
وَفِي تَخْصِيصِ دُبُرِ الْمَرْأَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ
إِتْيَانَ الذَّكَرِ أَشَدُّ نَكِيرًا، وَفِي تَأْخِيرِ
الْكَاهِنِ عَنْهَا تَرَقٍّ مِنَ الْأَهْوَنِ إِلَى
الْأَغْلَظِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ: الْكُفْرُ فِي
الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ، وَفِي
الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلِيلَةِ الزَّوْجَةِ
وَالْأَمَةِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ لِشُهْرَةِ
الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُوجَدْ إِجْمَاعٌ عَلَى
تَحْرِيمِهِ فَضْلًا عَنْ عِلْمِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَمَا
كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ: إِنَّ اسْتِحْلَالَهُ كُفْرٌ،
عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، وَفِي الثَّالِثِ عَلَى
اعْتِقَادِ أَنَّهُ عَالِمُ الْغَيْبِ (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَفِي
رِوَايَتِهِمَا) : أَيِ: الْأَخِيرَيْنِ (فَصَدَّقَهُ) :
أَيِ: الْكَاهِنَ (بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ) : وَبِهِ
يُقَيَّدُ الْأَوَّلُ فَيَخْرُجُ مَنْ أَتَاهُ لِيُظْهِرَ
كَذِبَهُ، أَوْ لِلِاسْتِهْزَاءِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ.
(وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُ) : بِنُونِ
الْمُتَكَلِّمِ مَعْرُوفًا، وَرَوِيَ بِالْيَاءِ
مَجْهُولًا (هَذَا الْحَدِيثَ) : مَنْصُوبٌ أَوْ مَرْفُوعٌ
(إِلَّا مِنْ حَكِيمٍ) : بِالتَّنْوِينِ (الْأَثْرَمِ،
عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : قَالَ
السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَقَدْ ضَعَّفَهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ.
(2/495)
552 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ،
مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: "
مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ
أَفْضَلُ» ". رَوَاهُ رَزِينٌ. وَقَالَ مُحْيِي
السُّنَّةِ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
552 - (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِي) : أَيْ: أَيُّ مَوْضِعٍ
يُبَاحُ لِي (مِنِ امْرَأَتِي) : أَيْ: مِنْ أَعْضَائِهَا
(وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: " مَا فَوْقَ الْإِزَارِ،
وَالتَّعَفُّفُ ") : يَعْنِي: وَمَعَ ذَلِكَ
وَالتَّجَنُّبُ (عَنْ ذَلِكَ) : أَيْ: عَمَّا فَوْقَ
الْإِزَارِ (أَفْضَلُ) ; لِأَنَّهُ قَدْ يَجُرُّ إِلَى
الْمَعْصِيَةِ (رَوَاهُ رَزِينٌ. وَقَالَ مُحْيِي
السُّنَّةِ) : أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ: (إِسْنَادُهُ)
: أَيْ: إِسْنَادُ رَزِينٍ أَوْ إِسْنَادُ الْحَدِيثِ:
(لَيْسَ بِقَوِيٍّ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا
وَقَالَ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَتَفَرَّدَ ابْنُ
حَجَرٍ فَقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ بِدُونِ قَوْلِهِ: "
وَالتَّعَفُّفُ أَفْضَلُ ". قِيلَ: حُكْمُ الْحَدِيثِ
ضَعِيفٌ أَيْضًا ; لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ
الِاتِّزَارَ وَالْمُبَاشَرَةَ فَوْقَهُ جَائِزٌ، وَلَوْ
كَانَ التَّعَفُّفُ أَفْضَلَ لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أَوْلَى، وَفِيهِ
بَحْثٌ ; إِذْ يُقَالُ: التَّعَفُّفُ لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ،
أَوْ كَانَ فِعْلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ قُوَّةِ
عِفَّتِهِ ; لِكَمَالِ عِصْمَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ،
وَاسْتَحْسَنَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ أَنَّهُ
إِنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ الْوَطْءِ لِقِلَّةِ
شَهْوَتِهِ أَوْ كَثْرَةِ تَقْوَاهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ
التَّمَتُّعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ،
وَإِلَّا حَرُمَ.
(2/496)
553 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ
بِأَهْلِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ
دِينَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
553 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا
وَقَعَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ ") : بِغَيْرِ الْأَلِفِ
بَعْدَ الْوَاوِ (وَهِيَ حَائِضٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ
بِنِصْفِ دِينَارٍ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ
أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ، وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ
عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ مُتَّصِلًا
مَرْفُوعًا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ فِي
الْفَرْجِ عَمْدًا حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَوْ وَطِئَ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي
الْجَدِيدِ: الرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَأَحْمَدُ فِي
إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ
إِلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ إِنْ
وَطِئَ فِي إِقْبَالِ الدَّمِ وَبِنِصْفِهِ فِي
إِدْبَارِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: يَجِبُ مَا ذُكِرَ. قَالَ
ابْنُ الْهُمَامِ: لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَوْ)
أَتَاهَا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ أَوْ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ
أَتَى كَبِيرَةً وَوَجَبَتِ التَّوْبَةُ، وَيَتَصَدَّقُ
بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِهِ اسْتِحْبَابًا. وَقِيلَ:
بِدِينَارٍ إِنْ كَانَ أَوَّلَ الْحَيْضِ، وَبِنِصْفِهِ
إِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ، كَأَنَّ قَائِلَهُ رَأَى أَنْ لَا
مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي
النَّوْعِ الْوَاحِدِ.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ قَائِلَهُ أَخَذَ التَّفْصِيلَ
مِنَ الْحَدِيثِ الْآتِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ
قَالَ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَتْ: حِضْتُ
فَكَذَّبَهَا ; لِأَنَّ تَكْذِيبَهُ لَا يَعْمَلُ، بَلْ
تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِإِخْبَارِهَا. (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ،
وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : قَالَ
الْمُنْذِرِيُّ: قَدْ وَقَعَ اضْطِرَابٌ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، رَفْعًا وَوَقْفًا،
إِرْسَالًا وَإِعْضَالًا، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ
جَمَالُ الدِّينِ عَنِ التَّخْرِيجِ. فَقَوْلُ ابْنِ
حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ، وَقَالَ
مِيرَكُ: هَذَا بَيَانُ اضْطِرَابِ الْإِسْنَادِ، وَأَمَّا
الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَرُوِيَ بِدِينَارٍ أَوْ
نِصْفِ دِينَارٍ عَلَى الشَّكِّ، وَرُوِيَ " «يَتَصَدَّقُ
بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ» ".
وَرُوِيَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُصِيبَهَا فِي
إِقْبَالِ الدَّمِ أَوْ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ. وَرُوِيَ
" «يَتَصَدَّقُ بِخُمُسِ دِينَارٍ» "، وَرُوِيَ "
«يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ» "، وَرُوِيَ «إِذَا كَانَ
دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ
فَنِصْفُ دِينَارٍ» . اهـ.
وَجَاءَ بِسَنَدٍ «حَسَنٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ تَكْرَهُ
الرِّجَالَ، وَكَانَ كُلَّمَا أَرَادَهَا اعْتَلَّتْ لَهُ
بِالْحَيْضِ فَظَنَّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ، فَأَتَاهَا
فَوَجَدَهَا صَادِقَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ يَتَصَدَّقُ بِخُمُسِ
دِينَارٍ» .
(2/496)
554 - وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا كَانَ دَمًا
أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ دَمًا أَصْفَرَ
فَنِصْفُ دِينَارٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
554 - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
إِذَا كَانَ ") أَيِ: الْحَيْضُ وَقِيسَ بِهِ النِّفَاسُ
(دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ) : أَيْ: عَلَى الْمُجَامِعِ
فِيهِ ; وَهَذَا لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَقَادِيرِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفُرُوجِ عَشَرَةُ دَرَاهِمٍ وَهُوَ
دِينَارٌ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ
(وَإِذَا كَانَ دَمًا أَصْفَرَ، فَنِصْفُ دِينَارٍ) :
لِأَنَّ الصُّفْرَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْحُمْرَةِ
وَالْبَيَاضِ، فَبِالنَّظَرِ إِلَى الثَّانِي لَا يَجِبُ
شَيْءٌ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى الْأَوَّلِ وَجَبَ الْكُلُّ
فَبِنِصْفٍ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْضًا،
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ لَا مَدْخَلَ
لِلْعَقْلِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَقْرَبُ مَا
قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي اخْتِلَافِ
الْكَفَّارَةِ بِالْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ أَنَّهُ فِي
أَوَّلِهِ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالْجِمَاعِ، فَلَمْ يُعْذَرْ
فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي آخِرِهِ فَخُفِّفَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ وَطِئَ حَائِضًا
بِعِتْقِ رَقَبَةِ وَقِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ.
وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
وَمِثْلُهُ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ; فَإِنْ تَرْكَهَا
بِلَا عُذْرٍ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ سُنَّ لَهُ
التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِعُذْرٍ سُنَّ لَهُ
بِنِصْفِ دِينَارٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ
مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إِنَّهُ
صَحِيحٌ مِنْ تَسَاهُلِهِ، وَيُرْوَى بِدِرْهَمٍ أَوْ
نِصْفِهِ أَوْ صَاعِ حِنْطَةٍ وَمُدٍّ أَوْ نِصْفِهِ،
وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ كُلِّهِ اهـ. وَفِيهِ
أَنَّهُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ كَيْفَ يُقَالُ:
سُنَّ ذَلِكَ؟ ! (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : قَالَ ابْنُ
حَجَرٍ: وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ، وَإِنْ
كَانَ قَوْلُ الْحَاكِمِ: إِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ ; مَرْدُودًا، وَأَمَّا قَوْلُ
الْمَجْمُوعِ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ اتِّفَاقًا ; فَمَحْمُولٌ
عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الطَّرِيقِ اهـ. وَيَأْبَاهُ ظَاهِرُ
قَوْلِهِ: اتِّفَاقًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/497)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
555 - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: إِنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنَ
امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَشُدُّ عَلَيْهَا
إِزَارَهَا، ثُمَّ شَأْنُكَ بِأَعْلَاهَا» " رَوَاهُ
مَالِكٌ، وَالدَّارِمِيُّ مُرْسَلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
555 - (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) : هُوَ مَوْلَى عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ وَمَدَنِيٌّ مِنْ أَكَابِرِ
التَّابِعِينَ (قَالَ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا
يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي) : وَكَذَا حُكْمُ
الْجَارِيَةِ (وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَشُدُّ عَلَيْهَا
إِزَارَهَا ") : بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الشِّينِ
وَالدَّالِ، خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، أَوْ أُرِيدُ
بِهِ الْحَدَثُ مَجَازًا أَوْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُئَوَّلَ
بِالْمَصْدَرِ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مَنْصُوبًا عَلَى حَذْفِ إِنَّ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا جَوَابًا عَنْ
قَوْلِهِ: مَا يَحِلُّ؟ قُلْتُ: يَسْتَقِيمُ مَعَ
قَوْلِهِ: " ثُمَّ شَأْنُكَ بِأَعْلَاهَا ") : كَأَنَّهُ
قِيلَ: يَحِلُّ لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَشَأْنُكَ
مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى
الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ:
مُبَاحٌ أَوْ جَائِزٌ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالدَّارِمِيُّ
مُرْسَلًا) : وَالْإِرْسَالُ حَذْفُ التَّابِعِيِّ ذِكْرَ
الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا مُطْلَقًا،
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَضَدَ
بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ الَّتِي بِمَعْنَاهُ،
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَّقِي سَوْرَةَ الدَّمِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُبَاشِرُ
بَعْدَ ذَلِكَ» . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: فِيمَا بَيْنَ
السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِيهِ
إِشَارَةً إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ.
(2/497)
556 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ إِذَا حِضْتُ نَزَلَتُ عَنِ
الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ، فَلَمْ يَقْرُبْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَدْنُ
مِنْهُ حَتَّى تَطْهُرَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
556 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا حِضْتُ
نَزَلْتُ عَنِ الْمِثَالِ) : أَيِ: الْفِرَاشِ (عَلَى
الْحَصِيرِ، فَلَمْ يَقْرُبْ) " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ
الرَّاءِ (رَسُولُ اللَّهِ) : بِالرَّفْعِ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مِنْهَا،
وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ أَيْ: مِنْ
عَائِشَةَ عَلَى الِالْتِفَاتِ، وَيُمْكِنُ التَّقْدِيرُ:
مِنْ أَوْ مِنَّا، وَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ عَلَى
نُسْخَةِ النُّونِ فِي قَوْلِهِ: (وَلَمْ تَدْنُ) : أَيْ:
عَائِشَةُ أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مِنْهُ حَتَّى تَطْهُرَ) :
فَإِنَّهَا بِالتَّاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ كَذَا فِي
النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ الْمُصَحَّحَةِ مِنْ أَصْلِ
الْمِشْكَاةِ. وَفِي هَامِشِ نُسْخَةِ السَّيِّدِ جَمَالِ
الدِّينِ كَذَا: فَلَمْ نَقْرَبْ، بِفَتْحِ النُّونِ
وَالرَّاءِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالنَّصْبِ، وَلَمْ نَدْنُ، بِفَتْحِ النُّونِ
الْأُولَى وَضَمِّ الثَّانِيَةِ مِنْهُ، حَتَّى نَطْهُرَ
بِالنُّونِ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ صَحَّ مَمْدُودًا إِلَى
آخِرِهِ، وَلَيْسَ مَوْضُوعًا عَلَيْهِ لَفْظُ النُّسْخَةِ
وَلَا رَمْزُهَا، وَكَتَبَ مِيرَكُ فِي حَاشِيَتِهِ: كَذَا
فِي أَصْلِ أَبِي دَاوُدَ، هَذَا وَفِي الْقَامُوسِ:
قَرُبَ مِنْهُ كَكَرُمَ، وَقَرِبَ كَسَمِعَ دَنَا، فَمَا
فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ خَطَأٌ
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا
سَبَقَ، وَلَعَلَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ
الدُّنُوُّ وَالْقُرْبَانُ عَلَى الْغَشَيَانِ، كَمَا فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ
الزَّوْجَيْنِ يَدْنُو وَيَقْرُبُ مِنَ الْآخَرِ عِنْدَ
الْغَشَيَانِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَزِلُ فَرْشَ زَوْجَتِهِ
إِذَا حَاضَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ خَالَتَهُ مَيْمُونَةَ
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: أَتَرْغَبُ
عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَنَامُ مَعَ
الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ الْحَائِضِ، وَمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا إِلَّا بِقُرْبِ مَا يُجَاوِزُ
الرُّكْبَتَيْنِ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ
بِأَنَّ هَذَا كَانَ شَأْنُهُنَّ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْنِي: إِنَّهُنَّ يَعْتَزِلْنَهُ
خَوْفًا مِنْ شَمِّهِ أَوْ رُؤْيَتِهِ لِبَعْضِ مَا
يُنَفِّرُ مِمَّا بِهِنَّ حَتَّى يَدْعُوهُنَّ إِلَى
مُعَاشَرَتِهِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ; لِقَوْلِهَا: "
فَلَمْ يَقْرُبْ " عَلَى صِيغَةِ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ
أَصْلُ الْمِشْكَاةِ.
(2/498)
|