مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَإِجَابَةِ
الْمُؤَذِّنِ]
(2/555)
(5) بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَإِجَابَةِ
الْمُؤَذِّنِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
654 - عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ
أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
[5]
بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ
عَطْفٌ عَلَى الْأَذَانِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
654 - (عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا) :
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ " (يَوْمَ الْقِيَامَةِ ") : أَيْ:
أَكْثَرُهُمْ أَعْمَالًا يُقَالُ: لِفُلَانٍ عُنُقٌ مِنَ
الْخَيْرِ، أَيْ: قِطْعَةٌ مِنْهُ، وَقِيلَ: أَكْثَرُهُمْ
رَجَاءً، لِأَنَّ مَنْ يَرْجُو شَيْئًا طَالَ عُنُقُهُ
إِلَيْهِ، فَالنَّاسُ يَكُونُونَ فِي الْكَرْبِ، وَهُمْ
فِي الرُّوحِ يَشْرَئِبُّونَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي
دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الدُّنُوُّ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ طُولَ الْعُنُقِ يَدُلُّ
غَالِبًا عَلَى طُولِ الْقَامَةِ، وَطُولُهَا لَا يُطْلَبُ
لِذَاتِهِ، بَلْ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَمَيُّزِهِمْ عَنْ
سَائِرِ النَّاسِ، وَارْتِفَاعِ شَأْنِهِمْ عَلَيْهِمْ،
وَقِيلَ: طُولُ الْعُنُقِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ
التَّشَوُّقِ وَالْخَجَالَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ
التَّقْصِيرِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُمْ لَا
يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ يَوْمَ يَبْلُغُ أَفْوَاهَ
النَّاسِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ،
فَالْوَصْفُ بِطُولِ الْقَامَةِ لَيْسَ لِذَاتِهِ هُنَا
أَيْضًا، بَلْ لِلنَّجَاةِ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ رُؤَسَاءَ يَوْمَئِذٍ،
وَالْعَرَبُ تَصِفُ السَّادَةَ بِطُولِ الْعُنُقِ كَمَا
قَالَ: الرُّءُوسُ وَالنَّوَاصِي وَالصُّدُورُ، وَقِيلَ:
الْأَعْنَاقُ الْجَمَاعَاتُ يُقَالُ: جَاءَ عُنُقٌ مِنَ
النَّاسِ، أَيْ: جَمَاعَةٌ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ
جَمْعَ الْمُؤَذِّنِينَ يَكُونُ أَكْثَرَ، فَإِنَّ مَنْ
أَجَابَ دَعْوَتَهُمْ يَكُونُ مَعَهُمْ، فَالطُّولُ
مَجَازٌ عَنِ الْكَثْرَةِ ; لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا
تَوَجَّهُوا لِمَقْصَدِهِمْ يَكُونُ لَهُمُ امْتِدَادٌ فِي
الْأَرْضِ، وَقِيلَ: طُولُ الْعُنُقِ كِنَايَةٌ عَنِ
الْفَرَحِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، كَمَا أَنَّ خُضُوعَ
الْعُنُقِ كِنَايَةٌ عَنِ الْهَمِّ وَالْهَوَانِ. وَقَالَ
مِيرَكُ: وَعِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِطُولِ الْأَعْنَاقِ اسْتِقَامَتَهُمْ
طُمَأْنِينَةً لِقُلُوبِهِمْ وَإِظْهَارًا لِكَرَامَتِهِمْ
وَأَنَّهُمْ غَيْرُ وَاقِفِينَ مَوْقِفَ الْهَوَانِ
وَالذِّلَّةِ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ وَلَا
نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ كَالْمُجْرِمِينَ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَدِّ أَعْنَاقِهِمْ
فِي الْأَذَانِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ:
(إِعْنَاقًا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ: إِسْرَاعًا مِنْ
أَعْنَقَ إِذَا أَسْرَعَ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ
الْجَزَرِيُّ: وَقَدْ بَالَغَ مَنْ ضَبَطَ (إِعْنَاقًا)
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَيْ
إِسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَخَالَفَ الرِّوَايَةَ
وَحَرَّفَ الْمَعْنَى، نَقَلَهُ مِيرَكُ. (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) .
(2/556)
655 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ
أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ
التَّأْذِينَ
فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ
بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ
أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ ;
يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ
يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ
صَلَّى؟» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
655 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلَاةِ) أَيْ: بِالْأَذَانِ (أَدْبَرَ
الشَّيْطَانُ) أَيْ: عَنْ مَوْضِعِ الْأَذَانِ (لَهُ
ضُرَاطٌ) - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ - كَغُرَابٍ وَهُوَ
رِيحٌ مِنْ أَسْفَلِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا
لِثِقَلِ الْأَذَانِ عَلَيْهِ، كَمَا لِلْحِمَارِ مِنْ
ثِقَلِ الْحِمْلِ (حَتَى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ) :
تَعْلِيلٌ لِإِدْبَارِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: شُبِّهَ
شَغْلُ الشَّيْطَانِ نَفْسَهُ، وَإِغْفَالُهُ عَنْ سَمَاعِ
الْأَذَانِ بِالصَّوْتِ الَّذِي يَمْلَأُ السَّمْعَ،
وَيَمْنَعُهُ عَنْ سَمَاعِ غَيْرِهِ، ثُمَّ سَمَّاهُ
ضُرَاطًا تَقْبِيحًا لَهُ اهـ.
(2/556)
وَقِيلَ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى
الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَأْكُلُونَ
وَيَشْرَبُونَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، فَلَا
يَمْتَنِعُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنْهُمْ خَوْفًا مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ، أَوِ الْمُرَادُ اسْتِخْفَافُ اللَّعِينِ
بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَرَطَ بِهِ
فُلَانٌ إِذَا اسْتَخَفَّهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.
(فَإِذَا قَضَى) مَجْهُولٌ، وَقِيلَ: مَعْرُوفٌ، ذَكَرَهُ
الْأَبْهَرِيُّ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: (حَتَّى إِذَا
قَضَى) (حَتَّى) هِيَ وَاللَّتَانِ بَعْدَهَا دَاخِلَةٌ
عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَلَيْسَتْ
لِلتَّعْلِيلِ - خَطَآنِ ; إِذْ صَوَابُهُ: فَإِذَا قُضِيَ
عَلَى مَا فِيهِ النُّسَخُ الْمُصَحَّحَةُ (النِّدَاءَ)
أَيْ: فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْهُ (أَقْبَلَ) أَيِ:
الشَّيْطَانُ (حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ) : مِنَ
التَّثْوِيبِ ; وَهُوَ الْإِعْلَامُ مَرَّةً بَعْدَ
أُخْرَى، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ (أَدْبَرَ)
حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْإِقَامَةَ (حَتَّى إِذَا قَضَى
التَّثْوِيبَ، أَقْبَلَ) أَيِ: الشَّيْطَانُ (حَتَّى
يَخْطِرَ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ
وَتُضَمُّ، وَحَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ (بَيْنَ الْمَرْءِ
وَنَفْسِهِ) أَيْ: قَلْبِهِ، وَالْمَعْنَى: حَتَّى يَحُولَ
وَيَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِوَسْوَسَةِ الْقَلْبِ، وَحَدِيثِ
النَّفْسِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحُضُورِ فِي
الصَّلَاةِ. قَالَ فِي الْأَسَاسِ: خَطَرَ الرَّجُلُ
بِرُمْحِهِ إِذَا مَشَى بِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَهُوَ
يَخْطُرُ فِي مِشْيَتِهِ يَهْتَزُّ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ:
يَخْطُرُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا. قَالَ
النَّوَوِيُّ: مَعْنَى الْكَسْرِ يُوَسْوِسُ مِنْ خَطَرَ
الْبَعِيرُ بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ
فَخِذَهُ، وَبِالضَّمِّ يَدْنُو مِنْهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ:
وَبِالْكَسْرِ هُوَ الْوَجْهُ وَلَا يُنَافِي إِسْنَادُ
الْحَيْلُولَةِ إِلَيْهِ إِسْنَادَهَا إِلَيْهِ تَعَالَى
فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]
لِأَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ حَقِيقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ
السُّنَّةِ، وَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى مَكَّنَهُ مِنْهَا حَتَّى يَتِمَّ ابْتِلَاءُ
الْعَبْدِ بِهِ، وَأَيْضًا الْأَوَّلُ أُضِيفَ إِلَى
الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ مَقَامُ شَرٍّ، وَلِذَا عَبَّرَ
عَنْ قَلْبِهِ بِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي مَقَامُ
الْإِطْلَاقِ كَمَا يُقَالُ: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ، وَلَا يُقَالُ: خَالِقُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ
أَدَبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْخَيْرُ
بِيَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» ) مَعَ
اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وَكُلٌّ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. (يَقُولُ) : بِالرَّفْعِ
اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ وَقِيلَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ
بَدَلٌ مَنْ يَخْطُرُ (اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا)
كِنَايَةٌ عَنْ أَشْيَاءَ غَيْرِ مُتَعَلِّقَةٍ
بِالصَّلَاةِ (لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ) أَيْ: لِشَيْءٍ
لَمْ يَكُنِ الْمُصَلِّي يَذْكُرُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي
الصَّلَاةِ مِنْ ذِكْرِ مَالٍ وَحِسَابِهِ وَبَيْعٍ
وَشِرَاءٍ (حَتَّى) قَالَ الطِّيبِيُّ: كُرِّرَ (حَتَّى)
فِي الْحَدِيثِ خَمْسَ مَرَّاتٍ الْأُولَى
وَالْأَخِيرَتَانِ بِمَعْنَى (كَيْ) وَالثَّانِيَةُ
وَالثَّالِثَةُ دَخَلَتَا عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ
الشَّرْطِيَّتَيْنِ، وَلَيْسَتَا لِلتَّعْلِيلِ، وَهَذَا
يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى سَهْوِ ابْنِ حَجَرٍ كَمَا
ذَكَرْنَاهُ (يَظَلُّ الرَّجُلُ) بِفَتْحِ الظَّاءِ مِنَ
الطُّولِ أَيْ: كَيْ يَصِيرَ مِنَ الْوَسْوَسَةِ بِحَيْثُ
(لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى) أَيْ: يَقَعُ فِي الشَّكِّ
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(2/557)
656 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يَسْمَعُ مَدَى
صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ،
إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
656 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا
يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ) أَيْ: غَايَتَهُ
وَهُوَ صَوْتٌ مُجَرَّدٌ مِنْ غَيْرِ فَهْمِ كَلِمَاتِ
الْأَذَانِ (جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ) تَنْكِيرُهُمَا فِي
سِيَاقِ النَّفْيِ لِتَعْمِيمِ الْأَحْيَاءِ
وَالْأَمْوَاتِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. قَالَ ابْنُ
حَجَرٍ: كَانَ سَبَبُ تَقْدِيمِ الْجِنِّ التَّرَقِّيَ
مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا
يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءٌ) ، وَالْأَظْهَرُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنِّ مَا يَشْمَلُ الْمَلَائِكَةَ،
وَقُدِّمَ لِكَثْرَتِهِمْ، أَوْ لِفَضِيلَةِ أَكْثَرِهِمْ
عَلَى أَكْثَرِ الْإِنْسِ (وَلَا شَيْءٌ) أَيْ: مِنَ
النَّبَاتَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، وَهُوَ
مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ،
وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْجَمَادَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ
وَالْحَيَوَانَاتِ عِلْمًا وَإِدْرَاكًا وَتَسْبِيحًا،
كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْهَا
لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74]
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَمِنْ حَدِيثِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «يَقُولُ الْجَبَلُ لِلْجَبَلِ:
هَلْ مَرَّ عَلَيْكَ أَحَدٌ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِذَا
قَالَ: نَعَمِ، اسْتَبْشَرَ» ) . قَالَ الْبَغَوِيُّ:
وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
قَضِيَّةُ كَلَامِ الذِّئْبِ وَالْبَقْرِ وَغَيْرِهِمَا
مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ. وَيَشْهَدُ لَهُ
مُكَاشَفَةُ أَهْلِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْأَسْرَارِ الَّتِي
هِيَ كَالْأَنْوَارِ ; فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى مَا قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ ; بِأَنْ يَخْلُقَ تَعَالَى فِيهِمَا فَهْمًا
وَسَمْعًا، حَتَّى تَسْمَعَ أَذَانَهُ وَتَعْقِلَهُ
(إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ ابْنُ
حَجَرٍ: أَيْ بِلِسَانِ الْحَالِ بِفَضْلِهِ وَعُلُوِّ
دَرَجَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى يَفْضَحُ أَقْوَامًا
وَيُهِينُهُمْ بِشَهَادَةِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَيْدِي
وَالْأَرْجُلِ بِخَسَارِهِمْ وَبَوَارِهِمْ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمُعْتَقَدِ أَنَّ شَهَادَةَ
الْأَعْضَاءِ بِلِسَانِ الْمَقَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا
قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ
شَيْءٍ} [فصلت: 21] وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]
سِيَّمَا وَالدَّارُ الْآخِرَةُ مَحَلُّ خَرْقِ
الْعَادَاتِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ ذَهَلَ وَغَفَلَ
مِمَا كَرَّرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَا وَرَدَ
عَنِ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا لَمْ
يَصْرِفْ عَنْهُ صَارِفٌ، وَلَا صَارِفَ هُنَا كَمَا لَا
يَخْفَى - فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَنْسَى - وَفِيهِ حَثٌّ
عَلَى رَفْعِ الْمُؤَذِّنِ صَوْتَهُ لِتَكْثُرَ
شُهَدَاؤُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا وَرَدَ
الْبَيَانُ عَلَى الْغَايَةِ مَعَ حُصُولِ الْكِفَايَةِ
بِقَوْلِهِ: " لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ "
تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ آخِرَ مَنْ يَنْتَهِي إِلَيْهِ
صَوْتُ الْمُؤَذِّنِ يَشْهَدُ لَهُ الْأَوَّلُونَ، وَفِيهِ
حَثٌّ عَلَى اسْتِفْرَاغِ الْجُهْدِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ
بِالْأَذَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِينَ
لَهُ - وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا - اشْتِهَارُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْفَضْلِ وَالْعُلُوِّ،
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُهِينُ قَوْمًا وَيَفْضَحُهُمْ
بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِينَ، فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ قَوْمًا
تَكْمِيلًا لِسُرُورِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: غَايَةُ
الصَّوْتِ تَكُونُ أَخْفَى فَإِذَا شَهِدَ مَنْ سَمِعَ
الْأَخْفَى كَانَ غَيْرُهُ بِالشَّهَادَةِ أَوْلَى.
(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ
مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ، قَالَهُ مِيرَكُ.
(2/558)
657 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
«إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا
يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ; فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،
ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ; فَإِنَّهَا
مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ
مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ،
فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ
الشَّفَاعَةُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
657 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ) أَيْ:
صَوْتَهُ أَوْ أَذَانَهُ (فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ)
أَيْ: إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي،
وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ،
فَإِنَّهُ يَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ وَبِالْحَقِّ
نَطَقْتَ، وَبَرِرْتَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى،
وَقِيلَ بِفَتْحِهَا، أَيْ: صِرْتَ ذَا بِرٍّ، أَيْ:
خَيْرٍ كَثِيرٍ (ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ) " أَيْ: بَعْدَ
فَرَاغِكُمْ (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ (مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ صَلَاةً) أَيْ: وَاحِدَةً (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ) أَيْ: أَعْطَاهُ (بِهَا عَشْرًا) أَيْ: مِنَ
الرَّحْمَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " صَلَّى اللَّهُ
وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا " بَلْ أَكْثَرُ
كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَمَا يَفْعَلُهُ
الْمُؤَذِّنُونَ الْآنَ عَقِبَ الْأَذَانِ مِنَ
الْإِعْلَانِ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِرَارًا أَصْلُهُ
سُنَّةٌ، وَالْكَيْفِيَّةُ بِدْعَةٌ لِأَنَّ رَفْعَ
الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِالذِّكْرِ فِيهِ
كَرَاهَةٌ، سِيَّمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
لِتَشْوِيشِهِ عَلَى الطَّائِفِينَ
(2/558)
وَالْمُصَلِّينَ وَالْمُعْتَكِفِينَ (ثُمَّ
سَلُوا اللَّهَ) أَمْرٌ مِنْ سَأَلَ بِالْهَمْزِ عَلَى
النَّقْلِ وَالْحَذْفِ وَالِاسْتِغْنَاءِ، أَوْ مِنْ سَالَ
بِالْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ الْهَمْزِ أَوِ الْوَاوِ
أَوِ الْيَاءِ (لِيَ الْوَسِيلَةَ) : قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: هِيَ فِي الْأَصْلِ مَا يُتَوَسَّلُ
بِهِ إِلَى الشَّيْءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ
وَجَمْعُهَا وَسَائِلُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ تِلْكَ
الْمَنْزِلَةُ مِنَ الْجَنَّةِ بِهَا لِأَنَّ الْوَاصِلَ
إِلَيْهَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
فَائِزًا بِلِقَائِهِ، مَخْصُوصًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ
الدَّرَجَاتِ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ قِيلَ:
كَالْوَصْلَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى
الزُّلْفَى، وَأَمَّا الْوَسِيلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي
الدُّعَاءِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعْدُ فَقِيلَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ يَشْهَدُ
لَهُ فِي آخِرِ الدُّعَاءِ: " حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي "،
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ بَحْثٌ. (فَإِنَّهَا) أَيِ:
الْوَسِيلَةَ (مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ") أَيْ: مِنْ
مَنَازِلِهَا، وَهِيَ أَعْلَاهَا وَأَغْلَاهَا عَلَى
الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ (لَا تَنْبَغِي)
أَيْ: لَا تَتَسَيَّرُ وَلَا تَحْصُلُ وَلَا تَلِيقُ
(إِلَّا لِعَبْدٍ) أَيْ: وَاحِدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا
لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ (مِنْ عِبَادِ اللَّهِ) أَيْ:
جَمِيعِهِمْ (وَأَرْجُو) : قَالَهُ تَوَاضُعًا ; لِأَنَّهُ
إِذَا كَانَ أَفْضَلَ الْأَنَامِ، فَلِمَنْ يَكُونُ ذَلِكَ
الْمَقَامُ غَيْرَ ذَلِكَ الْهُمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ)
قِيلَ: هُوَ خَبَرُ كَانَ وُضِعَ مَوْضِعَ إِيَّاهُ،
وَالْجُمْلَةُ مِنْ بَابِ وَضْعِ الضَّمِيرِ مَوْضِعَ
اسْمِ الْإِشَارَةِ أَيْ: كَوْنُ ذَلِكَ الْعَبْدِ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَا مُبْتَدَأً لَا
تَأْكِيدًا وَهُوَ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ
أَكُونَ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ
الضَّمِيرَ وَحْدَهُ وُضِعَ مَوْضِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ
(فَمَنْ سَأَلَ لِيَ) أَيْ: لِأَجْلِي، وَقَوْلُ ابْنِ
حَجَرٍ: أَيْ لِي كَمَا فِي رِوَايَةٍ - غَفْلَةٌ عَنْ
أَصْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى
النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ (الْوَسِيلَةَ) سَيَأْتِي
بَيَانُ كَيْفِيَّةِ سُؤَالِ ذَلِكَ (حَلَّتْ عَلَيْهِ
الشَّفَاعَةُ) : أَيْ: صَارَتْ حَلَالًا لَهُ غَيْرَ
حَرَامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ وَجَبَتْ، فَعَلَى بِمَعْنَى
اللَّامِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ: مِنَ الْحُلُولِ
بِمَعْنَى النُّزُولِ، يَعْنِي اسْتَحَقَّ أَنْ أَشْفَعَ
لَهُ مُجَازَاةً لِدُعَائِهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ،
قَالَهُ مِيرَكُ.
(2/559)
658 - وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ ; فَقَالَ أَحَدُكُمُ: اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ; قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ; قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ ; قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ; قَالَ: لَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ ; قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ،
اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
; قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ، دَخَلَ
الْجَنَّةَ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
658 - (وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ) شَرْطِيَّةٌ جَزَاؤُهَا دَخَلَ
الْجَنَّةَ (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ
أَحَدُكُمْ) عَطْفٌ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ (اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ) وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَرْبَعَ
اكْتِفَاءً بِذِكْرِ اثْنَيْنِ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ
ذَكَرَ وَاحِدًا مِنَ الِاثْنَيْنِ فِيمَا بَعْدُ كَمَا
قَالَ (ثُمَّ قَالَ) عَطْفٌ عَلَى قَالَ الْأَوَّلِ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: الْمَعْطُوفَاتُ بِثُمَّ مُقَدَّرَاتٌ
بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَالْفَاءُ فِي فَقَالَ أَيْ: إِذَا
قَالَ الْمُؤَذِّنُ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، قَالَ) أَيْ فَقَالَ أَحَدُكُمْ، فَحُذِفَ
اخْتِصَارًا (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
ثُمَّ قَالَ) أَيْ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ (أَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ: فَقَالَ
السَّامِعُ (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ) أَيْ: إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ (حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ، قَالَ) أَيْ: فَقَالَ الْمُجِيبُ (لَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) أَيْ: لَا حِيلَةَ فِي
الْخَلَاصِ عَنْ مَوَانِعِ الطَّاعَةِ وَلَا حَرَكَةَ
عَلَى أَدَائِهَا إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى قَالَهُ
الْمُظْهِرُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ:
أَيْ لَا حِيلَةَ وَلَا خَلَاصَ عَنِ الْمَكْرُوهِ وَلَا
قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِتَوْفِيقِ
اللَّهِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْحَالُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ
الْإِنْسَانُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَغَيِّرَةِ
فِي نَفْسِهِ وَجِسْمِهِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ،
وَالْحَوْلُ مَا لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ فِي إِحْدَى هَذِهِ
الْأَحْوَالِ، وَمِنْهُ قِيلَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ اهـ.
(2/559)
وَالْأَحْسَنُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا وَرَدَ
مَرْفُوعًا: «لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا
بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ
إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ» " (ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا
دَعَا بِحَيْعَلَتَيْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَقْبِلْ
بِوَجْهِكَ وَشَرَاشِرِكَ عَلَى الْهُدَى عَاجِلًا،
وَالْفَلَاحِ آجِلًا، فَأَجَابَ: بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ
عَظِيمٌ وَخَطْبٌ جَسِيمٌ، وَهِيَ الْأَمَانَةُ
الْمَعْرُوضَةُ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ
يَحْمِلْنَهَا، فَكَيْفَ أَحْمِلُهَا مَعَ ضَعْفِي
وَتَشَتُّتِ أَحْوَالِي ; وَلَكِنْ إِذَا وَفَّقَنِي
اللَّهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ لَعَلِّي أَقُومُ بِهَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ
بِالْمِثْلِ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ
يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ،
لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُتَطَهِّرٍ وَمُحْدِثٍ
وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا مَانِعَ
لَهُ مِنَ الْإِجَابَةِ، فَمِنْ أَسْبَابِ الْمَنْعِ أَنْ
يَكُونَ فِي الْخَلَاءِ أَوْ جِمَاعِ أَهْلِهِ أَوْ
نَحْوِهِمَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ فَلَا
مُوَافَقَةَ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَتَى بِمِثْلِهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا هَلْ يَقُولُ عِنْدَ
سَمَاعِ كُلِّ مُؤَذِّنٍ أَمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ ; (ثُمَّ
قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ
قَلْبِهِ) قَيْدٌ لِلْأَخِيرِ أَوْ لِلْكُلِّ، وَهُوَ
الْأَظْهَرُ (دَخَلَ الْجَنَّةَ) قَالَ الطِّيبِيُّ:
وَإِنَّمَا وُضِعَ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ
لِتَحَقُّقِ الْمَوْعُودِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَلَى
حَدِّ قَوْلِهِ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، وَنَادَى أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ النَّاجِينَ
وَإِلَّا فَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِهَا
وَإِنْ سَبَقَهُ عَذَابٌ بِحَسَبِ جُرْمِهِ، إِذَا لَمْ
يُعْفَ عَنْهُ إِلَّا إِنْ قَالَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ مَعَ
اعْتِقَادِهِ بِقَلْبِهِ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ
وَإِخْلَاصِهِ فِيهِ. اهـ
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ مِنْ دُخُولِهَا، أَوْ
مَعْنَاهُ: اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ أَوْ دَخَلَ
مُوجِبَ دُخُولِهَا، وَسَبَبَ وُصُولِهَا وَحُصُولِهَا،
أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ فِي الدُّنْيَا
وَهِيَ الشَّهَادَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْمُشَاهَدَةِ
الْعُظْمَى، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا
وَجَنَّةٌ فِي الْعُقْبَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
اللَّامُ فِي الْجَنَّةِ لِلْعَهْدِ أَيْ: دَخَلَ
الْجَنَّةَ الْمَوْعُودَةَ لِمُجِيبِ الْأَذَانِ (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَهُ
مِيرَكُ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَمَّا الْحَوْقَلَةُ عِنْدَ
الْحَيْعَلَةِ، فَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: " فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ "،
لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ لِذَلِكَ عَنْ
عُمَرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَحَمَلُوا ذَلِكَ الْعَامَّ
عَلَى مَا سِوَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَتَعْلِيلُ
الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ إِعَادَةَ الْمَوْعُودِ
دُعَاءَ الدَّاعِي يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ، كَمَا
يُفْهَمُ فِي الشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا سِوَى
الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ ذِكْرٌ يُثَابُ عَلَيْهِ
مَنْ قَالَهُ، إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ
الْمُجِيبِ بِهِمَا دَاعِيًا لِنَفْسِهِ مُحَرِّكًا
مِنْهَا السَّوَاكِنَ مُخَاطِبًا لَهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ
وَرَدَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ طَلَبًا صَرِيحًا فِي
مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: « (إِذَا نَادَى الْمُنَادِي
لِلصَّلَاةِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ
الدُّعَاءُ) فَمَنْ نَزَلَ بِهِ كَرْبٌ أَوْ شِدَّةٌ
فَلْيَتَحَيَّنِ الْمُنَادِيَ إِذَا كَبَّرَ كَبَّرَ،
وَإِذَا تَشَهَّدَ تَشَهَّدَ وَإِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِذَا قَالَ:
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ،
ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
الْحَقَّةِ الْمُسْتَجَابَةِ الْمُسْتَجَابِ لَهَا،
دَعْوَةِ الْحَقِّ وَكَلِمَةِ التَّقْوَى أَحْيِنَا
عَلَيْهَا وَأَمِتْنَا عَلَيْهَا وَابْعَثْنَا عَلَيْهَا
وَاجْعَلْنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِهَا مَحْيَانَا
وَمَمَاتَنَا ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
حَاجَتَهُ» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي
يَعْلَى وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنْ نُظِرَ
فِيهِ بِضَعْفِ أَبِي عَائِدٍ وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ حَسَنٌ
وَلَوْ ضَعُفَ، فَالْمَقَامُ يَكْفِي فِيهِ فَهَذَا
يُفِيدُ أَنَّ عُمُومَ الْأَوَّلِ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ
رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ
بَيْنَهُمَا، فَيَدْعُو نَفْسَهُ، ثُمَّ يَتَبَرَّأُ مِنَ
الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ التَّنْصِيصُ
عَلَى أَنْ لَا يَسْبِقَ الْمُؤَذِّنَ، بَلْ يُعْقِبُ
كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ.
(2/560)
659 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ
النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا
الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا
مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ - حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
659 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ قَالَ حِينَ
يَسْمَعُ النِّدَاءَ» ) أَيِ الْأَذَانَ يَعْنِي
وَيُجِيبُهُ ( «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
التَّامَّةِ» ) أَيِ: الْكَامِلَةِ الْفَاضِلَةِ. قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: وَصَفَ الدَّعْوَةَ بِالتَّامَّةِ
لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ عِزَّ وَجَلَّ يُدْعَى بِهَا
إِلَى عِبَادَتِهِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَمَا
وَالَاهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ الْكَمَالِ
وَالتَّمَامِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا
يَعْرِضُ بِهِ النَّقْصُ وَالْفَسَادُ، وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ وَصْفٌ بِالتَّمَامِ لِكَوْنِهَا مَحْمِيَّةً عَنِ
النَّسْخِ، وَقِيلَ: التَّامَّةُ أَيْ فِي إِلْزَامِ
الْحُجَّةِ وَإِيجَابِ الْإِجَابَةِ وَالْمُسَارَعَةِ
إِلَى الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ، وَسُمِّيَ الْأَذَانُ
دَعْوَةً لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ
(وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ") أَيِ: الدَّائِمَةِ لَا
تُغَيِّرُهَا مِلَّةٌ وَلَا تَنْسَخُهَا شَرِيعَةٌ،
قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
لِقِيَامِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ
أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا فَتَكُونُ هِيَ قَائِمَةً (آتِ) "
أَيْ: أَعْطِ (" مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ ") أَيِ:
الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ وَالْمَرْتَبَةَ الْمَنِيعَةَ
(وَالْفَضِيلَةَ) أَيِ: الزِّيَادَةَ الْمُطْلَقَةَ
وَالْمَزِيَّةَ الْغَيْرَ الْمُنْتَهِيَةِ، وَأَمَّا
زِيَادَةُ: " وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ "
الْمُشْتَهَرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَقَالَ
السَّخَاوِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ
الرِّوَايَاتِ (وَابْعَثْهُ) أَيْ: أَرْسِلْهُ ;
وَأَوْصِلْهُ (مَقَامًا مَحْمُودًا) أَيْ: مَقَامَ
الشَّفَاعَةِ (الَّذِي وَعَدْتَهُ) : الْمَوْصُولُ إِمَّا
بَدَلٌ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ نُصِبَ عَلَى
الْمَدْحِ بِتَقْدِيرِ: أَعْنِي، أَوْ رُفِعَ عَلَيْهِ
بِتَقْدِيرِ هُوَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ
النَّكِرَةِ، وَإِنَّمَا نَكْسِرُ الْمَقَامَ
لِلتَّفْخِيمِ أَيْ: مَقَامًا يَغْبِطُهُ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخِرُونَ، مَحْمُودًا يَكِلُّ عَنْ أَوْصَافِهِ
أَلْسِنَةُ الْحَامِدِينَ. قَالَ الْأَشْرَفُ: الْمُرَادُ
بِوَعْدِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: أَيْ مَقَامًا يَحْمَدُكَ فِيهِ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخِرُونَ، وَتُشْرِفُ فِيهِ عَلَى جَمِيعِ
الْخَلَائِقِ، تَسْأَلُ فَتُعْطَى وَتَشْفَعُ فَتُشَفَّعُ،
لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِكَ، ذَكَرَهُ
الطِّيبِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ:
الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي
رِوَايَةٍ: " «إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» "،
وَأَمَّا زِيَادَةُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ فَلَا
وُجُودَ لَهَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ. قِيلَ:
وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبَ
الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ، وَعَسَى فِي الْآيَةِ
لِلتَّحْقِيقِ إِظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَعِظَمِ
مَنْزِلَتِهِ وَتَلَذُّذًا بِحُصُولِ مَرْتَبَتِهِ
وَرَجَاءً لِشَفَاعَتِهِ. (حَلَّتْ) أَيْ: وَجَبَتْ
وَثَبَتَتْ لَهُ (شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِيهِ
إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ. (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) ، وَالْأَرْبَعَةُ. قَالَهُ مِيرَكُ.
(2/561)
660 - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ،
وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا
أَمْسَكَ، وَإِلَّا أَغَارَ ; فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ:
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى
الْفِطْرَةِ) .
ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ) . فَنَظَرُوا
إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
660 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ) مِنَ الْإِغَارَةِ
(إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ) لِيَعْلَمَ أَنَّهُمْ
مُسْلِمُونَ أَوْ كُفَّارٌ، وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ
قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات:
3] صِيغَةُ الْمُضَارَعَةِ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ
أَيْ: كَانَ عَادَتَهُ وَدَأْبَهُ، وَالْإِغَارَةُ: كَبْسُ
الْقَوْمِ عَلَى غَفْلَةٍ وَهِيَ بِاللَّيْلِ أَوْلَى،
وَلَعَلَّ تَأْخِيرَهَا إِلَى الصُّبْحِ لِاسْتِمَاعِ
الْأَذَانِ نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَكَتَبَ تَحْتَهُ: وَفِيهِ
وَلَا أَعْلَمُ مَا فِيهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ
الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَانَ، لَا مِنَ
الْمُضَارَعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَكَانَ يَسْتَمِعُ
الْأَذَانَ) أَيْ: يَطْلُبُ سَمَاعَهُ لِيَعْرِفَ
حَالَهُمْ بِهِ (فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا) وَضَعَهُ
مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ
وَكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الدِّينَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ
لِأَهْلِهِ (أَمْسَكَ) أَيْ: عَنِ الْإِغَارَةِ
وَتَرَكَهَا (وَلَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَسْمَعِ
الْأَذَانَ (أَغَارَ) مِنَ الْإِغَارَةِ، وَهُوَ
النَّهْبُ. قِيلَ: اسْتِمَاعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
لِلْأَذَانِ وَانْتِظَارُهُ إِيَّاهُ كَانَ حَذَرًا مِنْ
أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ فَيُغِيرَ عَلَيْهِ
غَافِلًا عَنْ حَالِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ
مُقَاتَلَةِ الْكُفَّارِ، وَالْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ
قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَالْإِنْذَارِ، إِلَّا أَنَّ
الدَّعْوَةَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ مُقَاتَلَتِهِمْ قَبْلَهَا كَذَا
ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (فَسَمِعَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ
أَيْ: لَمَّا كَانَ عَادَتُهُ ذَلِكَ اسْتَمَعَ فَسَمِعَ (
«رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (عَلَى الْفِطْرَةِ» ) أَيْ: أَنْتَ أَوْ هُوَ
عَلَى الدِّينِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِسْلَامِ ;
لِأَنَّ الْأَذَانَ لَا يَكُونُ
(2/561)
إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ (ثُمَّ قَالَ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَرَجْتَ)
أَيْ: بِالتَّوْحِيدِ (مِنَ النَّارِ) عُنِيَ بِسَبَبِ
أَنَّكَ تَرَكْتَ الشِّرْكَ بِاللَّهِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ
قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِشَارَةٌ
إِلَى اسْتِمْرَارِ تِلْكَ الْقُوَّةِ وَعَدَمِ تَصَرُّفِ
الْوَالِدَيْنِ فِيهِ بِالشِّرْكِ، وَأَمَّا خَرَجْتَ
بِلَفْظِ الْمَاضِي، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفَاؤُلًا
وَأَنْ يَكُونَ قَطْعًا ; لِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ حَقٌّ وَصِدْقٌ فَنَظَرُوا أَيِ: الصَّحَابَةُ
(إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ (فَإِذَا هُوَ)
أَيِ: الْمُؤَذِّنُ (رَاعِي مِعْزًى) بِكَسْرِ الْمِيمِ
بِمَعْنَى الْمَعِزِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَوَاحِدُ
الْمِعْزَى مَاعِزٌ وَهُوَ خِلَافُ الضَّأْنِ. قَالَهُ
الطِّيبِيُّ، وَهُوَ بِالتَّنْوِينِ، وَقِيلَ بِتَرْكِهِ،
وَقِيلَ كَلٌّ يُنَوِّنُونَهَا فِي النَّكِرَةِ. وَقَالَ
سِيبَوَيْهِ: مِعْزًى مُنَوَّنٌ مَصْرُوفٌ. وَقِيلَ:
الْأَلِفُ الْمَحْذُوفُ لِلْإِلْحَاقِ لَا لِلتَّأْنِيثِ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ السَّيِّدُ: وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ صَدْرَ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ: " إِلَّا
أَغَارَ ".
(2/562)
661 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ حِينَ
يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ
رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا - غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ»
) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
661 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
«مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ» ) أَيْ صَوْتَهُ
أَوْ أَذَانَهُ أَوْ قَوْلَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَهُوَ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حِينَ يَسْمَعُ
تَشَهُّدَهُ الْأَوَّلَ أَوِ الْأَخِيرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ
آخِرَ الْأَذَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ
أَنْسَبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَسْمَعُ:
يُجِيبُ، فَيَكُونَ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ وَأَنَّ
الظَّاهِرَ أَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ مُتَرَتِّبٌ
عَلَى الْإِجَابَةِ بِكَمَالِهَا مَعَ هَذِهِ
الزِّيَادَةِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ كَهَذِهِ الشَّهَادَةِ
فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ رُبَّمَا يَفُوتُهُ الْإِجَابَةُ
فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْآتِيَةِ. (أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ) أَيْ: مُنْفَرِدًا
بِوَحْدَانِيَّتِهِ (لَا شَرِيكَ لَهُ) فِي ذَاتِهِ
وَصِفَاتِهِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ) قَدَّمَهُ إِظْهَارًا لِلْعُبُودِيَّةِ
وَتَوَاضُعًا لِحَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ (وَرَسُولُهُ)
أَظْهَرَهُ تَحَدُّثًا بِالنِّعْمَةِ، وَفِيهِمَا
إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى وَالْيَهُودِ،
وَالْإِضَافَةُ فِيهِمَا لِلِاخْتِصَاصِ، وَالْمُرَادُ
بِهِمَا الْفَرْدُ الْكَامِلُ الْمَوْصُوفُ بِهِمَا
(رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا) تَمْيِيزٌ أَيْ:
بِرُبُوبِيَّتِهِ وَبِجَمِيعِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ،
فَإِنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ،
وَقِيلَ حَالٌ أَيْ مُرَبِّيًا وَمَالِكًا وَسَيِّدًا
وَمُصْلِحًا (وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) " أَيْ: بِجَمِيعِ
مَا أُرْسِلَ بِهِ وَبَلَّغَهُ إِلَيْنَا مِنَ الْأُمُورِ
الِاعْتِقَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا (وَبِالْإِسْلَامِ) أَيْ:
بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَوَامِرِ
وَالنَّوَاهِي (دِينًا) أَيِ: اعْتِقَادًا أَوِ
انْقِيَادًا. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْجُمْلَةُ
اسْتِئْنَافٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا سَبَبُ شَهَادَتِكَ ;
فَقَالَ: رَضِيتُ بِاللَّهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ
حَجَرٍ مِنْ تَقَدُّمِ وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا
وَتَأْخِيرِ وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا فَمُخَالِفٌ
لِرِوَايَةِ أَصْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ
الْمُصَحَّحَةِ إِلَى مُطَابَقَةٍ لِلدِّرَايَةِ أَيْضًا
فَإِنَّ حُصُولَ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ
تَحَقُّقِ الشَّهَادَتَيْنِ (غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ) أَيْ:
مِنَ الصَّغَائِرِ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
إِخْبَارًا وَأَنْ يَكُونَ دُعَاءً قَالَهُ ابْنُ
الْمَلَكِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ. (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) ، وَالْأَرْبَعَةُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ
الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَأَعْجَبُ
مِنْ ذَلِكَ تَقْرِيرُ الذَّهَبِيِّ لَهُ فِي
اسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
بِلَفْظِهِ قَالَهُ مِيرَكُ.
وَأَقُولُ: لَعَلَّ إِخْرَاجَ الْحَاكِمِ لَهُ بِغَيْرِ
السَّنَدِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ
لِيُعْلَمَ مَا فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا،
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: ( «مَنْ سَمِعَ
الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا
وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبِيًّا، وَالْقُرْآنِ إِمَامًا،
وَالْكَعْبَةِ قِبْلَةً. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اكْتُبْ
شَهَادَتِي هَذِهِ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَشْهِدْ عَلَيْهَا
مَلَائِكَتَكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَاءَكَ
الْمُرْسَلِينَ، وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، وَاخْتِمْ
عَلَيْهَا بِآمِينَ، وَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا
تُوفِنِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ
الْمِيعَادَ - نُدِرَتْ إِلَيْهِ بِطَاقَةٌ مِنْ تَحْتِ
الْعَرْشِ فِيهَا أَمَانَةٌ مِنَ النَّارِ» ) .
(2/562)
662 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ،
بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ) ، ثُمَّ قَالَ فِي
الثَّالِثَةِ (لِمَنْ شَاءَ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
662 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ» ) أَيْ: أَذَانٍ
وَإِقَامَةٍ، فِيهِ تَغْلِيبٌ، أَوِ الْمَعْنَى بَيْنَ
إِعْلَامَيْنِ (صَلَاةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ: غَلَّبَ
الْأَذَانَ عَلَى الْإِقَامَةِ وَسَمَّاهَا بِاسْمِهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَمْلُ أَحَدِ الِاسْمَيْنِ عَلَى
الْآخَرِ شَائِعٌ كَمَا قَالُوا: سِيرَةُ الْعُمَرَيْنِ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ حَقِيقَةً لِكُلٍّ
مِنْهُمَا ; لِأَنَّ الْأَذَانَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى
الْإِعْلَامِ، فَالْأَذَانُ إِعْلَامٌ بِحُضُورِ
الْوَقْتِ، وَالْإِقَامَةُ إِعْلَامٌ بِحُضُورِ فِعْلِ
الصَّلَاةِ ( «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» ) قَالَ
ابْنُ الْمَلَكِ: كُرِّرَ تَأْكِيدًا لِلْحَثِّ عَلَى
النَّوَافِلِ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْمُظْهِرُ: إِنَّمَا
حَرَّضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّتَهُ عَلَى صَلَاةِ
النَّفْلِ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ ; لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَا
يُرَدُّ بَيْنَهُمَا ; لِشَرَفِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا
كَانَ الْوَقْتُ أَشْرَفَ كَانَ ثَوَابُ الْعِبَادَةِ
أَكْثَرَ. قُلْتُ: وَلِلْمُبَادَرَةِ إِلَى الْعِبَادَةِ
وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ
الْمُخْلِصِ وَالْمُنَافِقِ، وَلِيَتَهَيَّأَ لِأَدَاءِ
الْفَرْضِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ
يُسَنُّ أَنْ يُصَلَّى بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.
وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ النَّفْلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ;
لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (
«عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ خَلَا صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ» ) كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا (ثُمَّ
قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ) لِيُعْلَمَ
أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْمُؤَذِّنِ بَلْ عَامٌّ،
قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَالْأَظْهَرُ لِيُعْلَمَ
أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، غَيْرُ وَاجِبَةٍ. (مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) وَالْأَرْبَعَةُ. قَالَهُ مِيرَكُ.
(2/563)
الْفَصْلُ الثَّانِي
663 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْإِمَامُ
ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ; اللَّهُمَّ أَرْشِدِ
الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» ) .
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَفِي أُخْرَى لَهُ بِلَفْظِ "
الْمَصَابِيحِ "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْل ُ الثَّانِي
663 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْإِمَامُ
ضَامِنٌ» ) أَيْ: مُتَكَفِّلٌ لِصَلَاةِ الْمُؤْتَمِّينَ
بِالْإِتْمَامِ، وَمُتَحَمِّلٌ عَنْهُمُ الْقِرَاءَةَ
وَالْقِيَامَ إِذَا أَدْرَكُوا رَاكِعِينَ، فَالضَّمَانُ
هُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى الْغَرَامَةِ، بَلْ يَرْجِعُ إِلَى
الْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ
عُلَمَائِنَا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَضَمَانُهُمْ إِمَّا
لِنَحْوِ الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا،
أَوْ لِلدُّعَاءِ ; بِأَنْ يَعُمُّوا بِهِ وَلَا يَخُصُّوا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا فِيمَا وَرَدَ ; كَرَبِّ
اغْفِرْ لِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، أَوْ لِتَحَمُّلِهُمْ
نَحْوَ الْقِرَاءَةِ عَنِ الْمَسْبُوقِ وَالسَّهْوِ عَنِ
السَّاهِي، أَوْ بِسُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَقْوَالٌ.
(وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ) قَالَ الْقَاضِي: الْإِمَامُ
مُتَكَفِّلٌ أُمُورَ صَلَاةِ الْجَمْعِ، يَتَحَمَّلُ
الْقِرَاءَةَ عَنْهُمْ إِمَّا مُطْلَقًا عِنْدَ مَنْ لَا
يُوجِبُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ، أَوْ إِذَا
كَانُوا مَسْبُوقِينَ وَيَحْفَظُ عَلَيْهِمُ الْأَرْكَانَ
وَالسُّنَنَ وَأَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ، وَيَتَوَلَّى
السِّفَارَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ فِي
الدُّعَاءِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ إِذْ بِصَلَاحِ
صَلَاتِهِ صَلَاحًا لِصَلَاتِهِمْ، وَبِالْعَكْسِ،
وَالْمُؤَذِّنُ أَمِينٌ فِي الْأَوْقَاتِ يَعْتَمِدُ
النَّاسُ عَلَى أَصْوَاتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ
وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الْمُؤَقَّتَةِ، نَقَلَهُ
الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّهُمْ
يُرَاعُونَ وَيُحَافِظُونَ مِنَ الْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ،
لِأَنَّهَا فِي عُهْدَتِهِمْ كَالْمُتَكَلِّفِينَ لَهُمْ
صِحَّةَ صَلَاتِهِمْ وَفَسَادَهَا وَكَمَالَهَا
وَنُقْصَانَهَا بِحُكْمِ الْمَتْبُوعِيَّةِ
وَالتَّابِعِيَّةِ، وَلِهَذَا الضَّمَانِ كَانَ
ثَوَابُهُمْ أَوْفَرَ إِذَا رَاعَوْا حَقَّهَا،
وَوِزْرُهُمْ أَكْثَرَ إِذَا خَلَوْا بِهَا، أَوِ
الْمُرَادُ ضَمَانُ الدُّعَاءِ، وَالْمُؤَذِّنُونَ
أُمَنَاءُ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمْ
فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ لِأَنَّهُمْ يَرْتَقُونَ
فِي أَمْكِنَةٍ عَالِيَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا
يُشْرِفُوا عَلَى بُيُوتِ النَّاسِ لِكَوْنِهِمْ
أُمَنَاءَ. ( «اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ
لِلْمُؤَذِّنِينَ» ) وَلَفْظُ الْمَصَابِيحِ: ( «أَرْشَدَ
اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ» ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ: دُعَاءٌ أَخْرَجَهُ فِي صُورَةِ
الْخَبَرِ مُبَالَغَةً، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي ثِقَةً
بِالِاسْتِجَابَةِ كَأَنَّهُ اسْتُجِيبَ فِيهِ، وَيُخْبِرُ
عَنْهُ مَوْجُودًا، وَالْمَعْنَى أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ
لِلْعِلْمِ بِمَا تَكَفَّلُوهُ وَالْقِيَامِ بِهِ
وَالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ
مَا عَسَى يَكُونُ لَهُمْ تَفْرِيطٌ فِي الْأَمَانَةِ
الَّتِي حَمَلُوهَا مِنْ جِهَةِ تَقْدِيمٍ عَلَى
الْوَقْتِ، أَوْ تَأْخِيرٍ عَنْهُ سَهْوًا. قَالَ
الْأَشْرَفُ: يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ: " «الْإِمَامُ
ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» عَلَى فَضْلِ
الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ، لِأَنَّ حَالَ الْأَمِينِ
أَفْضَلُ مِنْ حَالِ الضَّمِينِ تَمَّ كَلَامُهُ، وَرُدَّ:
بِأَنَّ هَذَا الْأَمِينَ يَتَكَفَّلُ الْوَقْتَ فَحَسْبُ،
وَهَذَا الضَّامِنَ يَتَكَفَّلُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ
وَيَتَعَهَّدُ لِلسِّفَارَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
رَبِّهِمْ فِي الدُّعَاءِ، فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ
الْآخَرِ ; وَكَيْفَ لَا وَالْإِمَامُ خَلِيفَةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالْمُؤَذِّنُ خَلِيفَةُ بِلَالٍ، وَأَيْضًا الْإِرْشَادُ
الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إِلَى الْبُغْيَةِ
وَالْغُفْرَانِ
(2/563)
مَسْبُوقٌ بِالذَّنْبِ، قَالَهُ
الطِّيبِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ)
وَذَكَرُهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ،
قَالَهُ مِيرَكُ. (وَالتِّرْمِذِيُّ) قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حَدِيثُ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ
بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
عَائِشَةَ أَصَحُّ. وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ
أَنَّهُ قَالَ: لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَلَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي هَذَا. اهـ. نَقَلَهُ
مِيرَكُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَبِهِ
اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا نَصَّ
عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " مِنْ أَنَّ
الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِمَامَةِ، وَعِبَارَتُهُ:
وَأُحِبُّ الْأَذَانَ لِحَدِيثِ: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُؤَذِّنِينَ» " وَأَكْرَهُ الْإِمَامَةَ لِلضَّمَانِ،
وَمَا عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا، وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا
بِهِ مَعَ ضَعْفِهِ لِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِرِوَايَةٍ
صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَالْعُقَيْلِيُّ، وَإِنْ
أَعَلَّهَا ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ
لَهَا أَصْلٌ، «الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ، وَالْمُؤَذِّنُونَ
أُمَنَاءُ، فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ
لِلْمُؤَذِّنِينَ» اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْإِرْشَادِ أَعْلَى مِنَ
الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ ; لِأَنَّ الْغُفْرَانَ
يَسْتَدْعِي سَبْقَ ذَنْبٍ، وَالْإِرْشَادَ يَسْتَدْعِي
وُصُولَ الْبُغْيَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " إِنَّهُ
مَمْنُوعٌ فِيهِمَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ " - مَدْفُوعٌ
بِأَنَّهُ غَيْرُ خَفِيٍّ، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ جَلِيٌّ،
بَلْ إِنَّهُ بَدِيهِيٌّ لَا نَظَرِيٌّ، وَأَغْرَبَ
الْمَاوَرْدِيُّ. فِي تَوْجِيهِهِ حَيْثُ قَالَ: دَعَا
لِلْإِمَامِ بِالْإِرْشَادِ خَوْفَ تَقْصِيرِهِ،
وَلِلْمُؤَذِّنِ بِالْمَغْفِرَةِ لِعِلْمِهِ بِسَلَامَةِ
حَالِهِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ الْأَذَانِ
مِمَّا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي، وَنَحْوَ خَبَرِ أَحْمَدَ: "
«لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا لَهُمْ فِي التَّأْذِينِ
لَتَضَارَبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ» "، فَلَا يَدُلُّ
عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ خِلَافًا لِمَا وَهَمَ
ابْنُ حَجَرٍ، وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ
هُوَ وَابْنُ شَاهِينَ: " «إِنَّ خِيَارَكُمْ عِبَادُ
اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ» "، فَلَا
خُصُوصِيَّةَ لَهُ بِالْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا فَهِمَ ابْنُ
حَجَرٍ، وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ
أُطِيقُ الْأَذَانَ مَعَ الْخَلِيفِيِّ لَأَذَّنْتُ،
فَمُرَادُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ
عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ كَمَا ذُكِرَ، بَلْ عَلَى
أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: ( «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ
وَيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» ) . وَحَدِيثُ النَّسَائِيِّ:
( «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ» )
وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ ( «لِيَؤُمَّكُمْ أَحْسَنُكُمْ
وَجْهًا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَكُمْ
خُلُقًا» ) . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ
مَاجَهْ ( «يُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ
قُرَّاؤُكُمْ» ) فَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ الصُّلَحَاءُ،
وَبِالْقُرَّاءِ الْعُلَمَاءُ، وَالْعُلَمَاءُ أَفْضَلُ
النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ
بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ أَشَقُّ فَهُوَ أَفْضَلُ مَآبًا
وَأَجْزَلُ ثَوَابًا، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقِيَامِ
بِحَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ آخَرِينَ
حَيْثُ قَالُوا: إِنْ قَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ فَهِيَ
أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَالْأَذَانُ أَفْضَلُ، إِذْ لَا
يَصِحُّ هَذَا الْإِطْلَاقُ، وَالْعَجَبُ مِنَ ابْنِ
حَجَرٍ أَنَّهُ حَرَّرَهُ وَقَرَّرَهُ. (وَالشَّافِعِيُّ)
وَلَعَلَّ تَأْخِيرَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَنِ
الْمُخَرِّجِينَ الْمَذْكُورِينَ، مَعَ أَنَّهُ أَجَلُّ
مِنْهُمْ رِوَايَةً وَدِرَايَةً بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ
أَسَانِيدِ كُتُبِهِمْ وَاشْتِهَارِهَا وَقَبُولِ
الْعَامَّةِ لَهَا. أَمَا تَرَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ
وَمُسْلِمًا يَتَقَدَّمَانِ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى
أُسْتَاذِهِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا
لِقُوَّةِ صِحَّةِ كِتَابَيْهِمَا، وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ
لَهُمَا بِالْقَبُولِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّمَا
أَخَّرَهُ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ
تَلَامِذَتِهِ، أَوْ تَلَامِذَةِ تَلَامِذَتِهِ، لِيُفِيدَ
أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى، وَلِذَا قَالَ: (وَفِي
أُخْرَى) أَيْ: رِوَايَةٍ (لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ
(بِلَفْظِ: الْمَصَابِيحِ) وَهُوَ: " «الْأَئِمَّةُ
ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشَدَ اللَّهُ
الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ» " قَالَ ابْنُ
الْمَلَكِ: الضُّمَنَاءُ جَمْعُ الضَّمِينِ بِمَعْنَى
الضَّامِنِ، وَالْأُمَنَاءُ جَمْعُ أَمِينٍ، وَتَفْسِيرُ
ابْنِ حَجَرٍ لَفْظَ الْمَصَابِيحِ بِقَوْلِهِ: " وَهُوَ
أَرْشَدَ اللَّهُ إِلَخْ " تَقْصِيرٌ مِنْهُ.
(2/564)
664 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ
سِنِينَ مُحْتَسِبًا ;
كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ» ) . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
664 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ
أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ» ) : وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ
مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ (مُحْتَسِبًا) حَالٌ أَيْ: طَالِبًا
لِلثَّوَابِ لَا لِلْأُجْرَةِ. فِي الْفَائِقِ:
الِاحْتِسَابُ مِنَ الْحَسْبِ كَالِاعْتِدَادِ مِنَ
الْعَدِّ، وَإِنَّمَا قِيلَ: احْتَسَبَ الْعَمَلَ لِمَنْ
يَنْوِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ لَهُ
حِينَئِذٍ أَنْ يُقَيِّدَ عَمَلَهُ، فَجُعِلَ فِي حَالِ
مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ مُقَيَّدٌ،
وَالْحِسْبَةُ: اسْمٌ مِنَ الِاحْتِسَابِ كَالْعِدَّةِ
مِنَ الِاعْتِدَادِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ احْتَسِبُوا أَعْمَالَكُمْ، فَإِنَّهُ مَنِ
(2/564)
احْتَسَبَ عَمَلَهُ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ
عَمَلِهِ وَأَجْرُ حَسْبِهِ. (كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ)
بِالْمَدِّ أَيْ: خَلَاصٌ (مِنَ النَّارِ) . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ) وَقَدْ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي
الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، نَقَلَهُ مِيرَكُ. وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ كَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ
بَعْضُهُمْ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ لِقَوْلِ غَيْرِهِ:
فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ ; لِأَنَّهُ اعْتَضَدَ (وَابْنُ
مَاجَهْ) وَفِي: نُسْخَةٍ (وَأَبُو دَاوُدَ) قَالَ
مِيرَكُ: وَفِي هَذِهِ النُّسْخَةِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ
الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ: «الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ
كَالشَّهِيدِ الْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ إِذَا مَاتَ لَمْ
يُدَوِّدْ فِي قَبْرِهِ» .
(2/565)
665 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «يَعْجَبُ رَبُّكَ
مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ لِلْجَبَلِ
يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ -: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا،
يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ
غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» ) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
665 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَعْجَبُ
رَبُّكَ) (1) أَيْ: يَرْضَى. قَالَ النَّوَوِيُّ:
التَّعَجُّبُ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ إِذْ لَا يَخْفَى
عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْأَشْيَاءِ، وَالتَّعَجُّبُ إِنَّمَا
يَكُونُ مِمَّا خُفِيَ سَبَبُهُ، فَالْمَعْنَى عَظُمَ
ذَلِكَ عِنْدَهُ وَكَبُرَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الرِّضَا،
وَالْخِطَابُ إِمَّا لِلرَّاوِي، أَوْ لِوَاحِدٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ عَامٌّ
لِكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ السَّمَاعُ لِفَخَامَةِ
الْأَمْرِ، فَيُؤَكِّدُ مَعَ التَّعَجُّبِ (مِنْ رَاعِي
غَنَمٍ) اخْتَارَ الْعُزْلَةَ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ
الِاسْتِئْنَاسَ بِالنَّاسِ مِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ
(فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ لِلْجَبَلِ) - بِفَتْحِ الشِّينِ
الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ
وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ: قِطْعَةٍ مِنْ رَأْسِ
الْجَبَلِ، وَقِيلَ: هِيَ الصَّخْرَةُ الْعَظِيمَةُ
الْخَارِجَةُ مِنَ الْجَبَلِ كَأَنَّهَا أَنْفُ الْجَبِلِ.
(يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي) : قَالَ ابْنُ
الْمَلَكِ: فَائِدَةُ تَأْذِينِهِ إِعْلَامُ
الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ
لَهُمْ صَلَاةً أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ
الْإِقَامَةَ لِأَنَّهَا لِلْإِعْلَامِ بِقِيَامِ
الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُصَلِّي خَلْفَهُ حَتَّى
يُقِيمَ لِإِعْلَامِهِ. اهـ.
وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ
يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ
بِالتَّأْذِينِ الْإِعْلَامُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ،
أَوْ يُقَدِّرَ الْإِقَامَةَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ
قَوْلِهِ: وَيُقِيمُ. وَفِي تَأْذِينِهِ فَوَائِدُ أُخَرُ
مِنْ شَهَادَةِ الْأَشْيَاءِ عَلَى تَوْحِيدِهِ
وَمُتَابَعَةِ سُنَّتِهِ، وَالتَّشَبُّهُ بِالْمُسْلِمِينَ
فِي جَمَاعَتِهِمْ، وَقِيلَ: إِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ
تُصَلِّي الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ، وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ
الْجَمَاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (" فَيَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ: لِمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ
الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَهُ (انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا)
تَعْجِيبٌ لِمَلَائِكَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ بَعْدَ
التَّعَجُّبِ لِمَزِيدِ التَّفْخِيمِ، وَكَذَا
تَسْمِيَتُهُ بِالْعَبْدِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ،
وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا تَعْظِيمٌ عَلَى تَعْظِيمٍ
(يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ) نُصِبَ بِنَزْعِ
الْخَافِضِ، أَيْ: لِلصَّلَاةِ تَنَازَعَ فِيهِ
الْفِعْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ يُحَافِظُ
وَيُدَاوِمُ عَلَيْهَا " (يَخَافُ مِنِّي) أَيْ: يَفْعَلُ
ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ عَذَابِي، لَا يَرَاهُ أَحَدٌ،
قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ:
الْأَظْهَرُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَإِنِ
احْتَمَلَ الْحَالَ فَهُوَ كَالْبَيَانِ لِعِلَّةِ
عُبُودِيَّتِهِ وَاعْتِزَالِهِ التَّامِّ عَنِ النَّاسِ،
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " وَلِذَا آثَرَ
الشَّظِيَّةَ بِالرَّعْيِ فِيهَا، وَالْمَعِزِ
بِرِعَايَتِهَا ; لِأَنَّ الْأَعْيُنَ لَا تَتَشَوَّفُ
إِلَيْهَا تَشَوُّفَهَا لِلضَّأْنِ " فَلَا دَلَالَةَ
لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْغَنَمَ أَعَمُّ
مِنْهُمَا، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْمُنْفَرِدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ
الْمَلَكِ. لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: دَلِيلٌ
عَلَى اسْتِحْبَابِهِمَا " (قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي)
فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
(وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ) فَإِنَّهَا دَارُ
الْمَثُوبَاتِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ)
، وَأَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، قَالَهُ مِيرَكُ.
(2/565)
666 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ
الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبَدٌ أَدَّى حَقَّ
اللَّهِ تَعَالَى -، وَحَقَّ مَوْلَاهُ وَرَجُلٌ أَمَّ
قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي
بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» ) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
666 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ:
أَشْخَاصٌ ( «عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ» ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلِلْإِمَامِ
أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
يَرْفَعُهُ: ( «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ» )
أَرَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ:
يَغْبِطُهُمُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. الْكُثْبَانُ -
بِالضَّمِّ -: جَمْعُ كَثِيبٍ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ
الرَّمْلِ كَالتَّلِّ الصَّغِيرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ:
عُبِّرَ عَنِ الثَّوَابِ بِكُثْبَانِ الْمِسْكِ
لِرِفْعَتِهِ، وَظُهُورِ فَوَحِهِ، وَرُوحِ النَّاسِ مِنْ
رَائِحَتِهِ لِتُنَاسِبَ حَالَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ،
فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ مُتَجَاوِزَةٌ إِلَى الْغَيْرِ.
اهـ.
وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى
الْحَقِيقَةِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ إِنْ قُلْنَا الْمُرَادُ
بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ الدَّارُ الْآخِرَةُ (عَبْدٌ) أَيْ:
قَنٌّ لِتَدْخُلَ فِيهِ الْأَمَةُ، عَلَى أَنَّ ابْنَ
حَزْمٍ نَقَلَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا، وَالْمَعْنَى
أَوْ لَهُمْ مَمْلُوكٌ (أَدَّى حَقَّ اللَّهِ) أَيْ:
مَوْلَاهُ الْحَقِيقِيِّ (وَحَقَّ مَوْلَاهُ) أَيِ:
الْمَجَازِيِّ (وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا) أَيْ: جَمَعَ
بَيْنَ صَلَاتِهِ وَإِمَامَتِهِ، وَقَوْمًا قَيْدٌ
غَالِبِيُّ الْوُقُوعِ، وَإِلَّا فَيَكْفِي وَاحِدٌ، أَوِ
الْمُرَادُ أَهْلُ الْمَحِلَّةِ، وَلِذَا قَالَ (وَهُمْ
رَاضُونَ) فَبِرِضَاهُمْ يَكُونُ ثَوَابُ الْإِمَامِ
أَكْثَرَ، وَلِأَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى الرِّضَا بِهِ
دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ حَالِهِ، وَإِنَّمَا وُصِفَ هُوَ
بِالرِّضَا دُونَ الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ نَقْصَ صَلَاةِ
الْإِمَامِ يَسْرِي لِنَقْصِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ،
وَكَذَا كَمَالُهَا بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ، ثُمَّ
الْعِبْرَةُ بِرِضَا أَكْثَرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِهِمْ
(وَرَجُلٌ يُنَادِي) أَيْ: يُؤَذِّنُ وَيُعْلِمُ
(بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَفَهُ
بِالْمُضَارِعِ تَقْرِيرًا لِفِعْلِهِ وَاسْتِحْضَارًا
لَهُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ اسْتِعْجَابًا مِنْهُ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إِيرَادَ الْمُضَارِعِ لِيُفِيدَ
الِاسْتِمْرَارَ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِالصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
حَطِّ مَرْتَبَتِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْإِمَامِ كَمَا
يُومِئُ إِلَيْهِ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ، وَلَا يُنَافِي
تَقَدُّمَ الْعَبْدِ ; لِأَنَّ مَقَامَ التَّعَجُّبِ
يَقْتَضِيهِ، وَلِذَا خُصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ
لَهُ أَجْرَيْنِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِنْ هَذِهِ
الْحَيْثِيَّةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ كُلٍّ مِنَ
الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ (كُلَّ يَوْمٍ) أَيْ: فِي كُلِّ
يَوْمٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (وَلَيْلَةٍ) أَيْ: دَائِمًا
لِجَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ، وَبَيْنَ
نَفْعَيِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي. قَالَ ابْنُ
الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا أُثِيبُوا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ
صَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى كُرَبِ
الطَّاعَةِ، فَرَوَّحَهُمُ اللَّهُ فِي عَرَصَاتِ
الْقِيَامَةِ بِأَنْفَاسٍ عَطِرَةٍ عَلَى تِلَالٍ
مُرْتَفِعَةٍ مِنَ الْمِسْكِ إِكْرَامًا لَهُمْ بَيْنَ
النَّاسِ لِعِظَمِ شَأْنِهِمْ وَشَرَفِ أَفْعَالِهِمْ.
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ)
.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ،
وَلَفْظُهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
«ثَلَاثَةٌ لَا يَهُولُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، وَلَا
يَنَالُهُمُ الْحِسَابُ، وَهُمْ عَلَى كُثُبٍ مِنْ مِسْكٍ
حَتَّى يَفْرَغَ حِسَابُ الْخَلَائِقِ: رَجُلٌ قَرَأَ
الْقُرْآنَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَأَمَّ بِهِ
قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَدَاعٍ يَدْعُو إِلَى
الصَّلَاةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَعَبَدٌ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ
وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوَالِيهِ» ) . وَرَوَاهُ فِي
الْكَبِيرِ وَلَفْظُهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَوْ
لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً
حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ لَمَا حَدَّثْتُ بِهِ،
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: « (ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ
الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَهُولُهُمُ الْفَزَعُ
الْأَكْبَرُ وَلَا يَفْزَعُونَ حِينَ يَفْزَعُ النَّاسُ:
رَجُلٌ عَلِمَ الْقُرْآنَ فَقَامَ بِهِ يَطْلُبُ وَجْهَ
اللَّهِ، وَمَا عِنْدَهُ، وَرَجُلٌ يُنَادِي فِي كُلِّ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ ; يَطْلُبُ بِهِ
وَجْهَ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ، وَمَمْلُوكٌ لَمْ
يَمْنَعْهُ رِقُّ الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ» ) .
(2/566)
667 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ
لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ
وَيَابِسٍ. وَشَاهِدُ الصَّلَاةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ صَلَاةً، وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا»
) . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ،
وَرَوَى النَّسَائِيُّ إِلَى قَوْلِهِ: (كُلُّ رَطْبٍ
وَيَابِسٍ) ، وَقَالَ: (وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
667 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
«الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ» ) - بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَالدَّالِ - أَيْ: نِهَايَتَهُ، كَذَا فِي
النِّهَايَةِ. وَقِيلَ: أَيْ لَهُ مَغْفِرَةٌ طَوِيلَةٌ
عَرِيضَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ:
يَسْتَكْمِلُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ إِذَا اسْتَوْفَى
وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَقِيلَ: يُغْفَرُ
خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَتْ
أَجْسَامًا لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَ الْجَوَانِبِ الَّتِي
يَبْلُغُهَا، وَالْمَدَى عَلَى الْأَوَّلِ نُصِبَ عَلَى
الظَّرْفِ، وَعَلَى الثَّانِي رُفِعَ عَلَى أَنَّهُ
أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَدَى
صَوْتِهِ أَيِ: الْمَكَانَ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ
الصَّوْتُ، لَوٍ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ
أَقْصَاهُ وَبَيْنَ مَقَامِ الْمُؤَذِّنِ ذُنُوبٌ لَهُ
تَمْلَأُ تِلْكَ الْمَسَافَةَ لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ،
فَيَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ تَمْثِيلًا. قِيلَ: مَعْنَاهُ:
يُغْفَرُ لِأَجْلِهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَ صَوْتَهُ فَحَضَرَ
لِلصَّلَاةِ الْمُسَبِّبَةِ لِنِدَائِهِ، فَكَأَنَّهُ
غُفِرَ لِأَجْلِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُغْفَرُ ذُنُوبُهُ
الَّتِي بَاشَرَهَا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي إِلَى حَيْثُ
يَبْلُغُ صَوْتُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُغْفَرُ
بِشَفَاعَتِهِ ذُنُوبُ مَنْ كَانَ سَاكِنًا أَوْ مُقِيمًا
إِلَى حَيْثُ يَبْلُغُ صَوْتُهُ، وَقِيلَ: يُغْفَرُ
بِمَعْنَى يَسْتَغْفِرُ أَيْ: يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ
مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ. (وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ)
أَيْ: نَاهٍ (وَيَابِسٍ) أَيْ: جَمَادٍ مِمَّا يَبْلُغُهُ
صَوْتُهُ، وَتُحْمَلُ شَهَادَتُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ
لِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى إِنْطَاقِهِمَا أَوْ عَلَى
الْمَجَازِ بِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ قَالَهُ ابْنُ
الْمَلَكِ. " (وَشَاهِدُ الصَّلَاةِ) أَيْ: حَاضِرُهَا
مِمَّنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ وَقْتِهَا. وَقَالَ ابْنُ
حَجَرٍ: أَيْ: حَاضِرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
الْمُسَبَّبَةِ عَنِ الْأَذَانِ. اهـ. فَيَكُونُ الْقَيْدُ
غَالِبِيًّا وَإِلَّا فَحَاضِرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَهُ
الْفَضِيلَةُ الْآتِيَةُ، سَوَاءٌ وَحَّدَ سَبَبِيَّةَ
الْأَذَانِ أَمْ لَا. وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ: عُطِفَ
عَلَى قَوْلِهِ: " «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ» " أَيْ:
وَالَّذِي يَحْضُرُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (يُكْتَبُ
لَهُ) أَيْ: لِلشَّاهِدِ " (خَمْسٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ:
ثَوَابُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (صَلَاةً) وَقِيلَ: بِعَطْفِ
شَاهِدٍ عَلَى كُلِّ رَطْبٍ أَيْ: يَشْهَدُ لِلْمُؤَذِّنِ
حَاضِرُهَا يُكْتَبُ لَهُ أَيْ: لِلْمُؤَذِّنِ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ صَلَاةً، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي
رِوَايَةٍ: " «تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى
الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» .
قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: " بِخَمْسٍ
وَعِشْرِينَ صَلَاةً "، وَهِيَ لِلْمُطَابَقَةِ أَظْهَرُ،
وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ بِاخْتِلَافِ
الْحَالَاتِ وَالْمَقَامَاتِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا سَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ: "
«إِنَّ الْمُؤَذِّنَ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ
مَنْ صَلَّى بِأَذَانِهِ» " فَإِذَا كُتِبَ لِشَاهِدِ
الْجَمَاعَةِ بِأَذَانِهِ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ إِشَارَةٌ
إِلَى كَتْبِ مِثْلِهِ لِلْمُؤَذِّنِ، وَمِنْ ثَمَّ
عُطِفَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ يُغْفَرُ
لَهُ لِبَيَانِ أَنَّ لَهُ ثَوَابَيْنِ الْمَغْفِرَةَ
وَكِتَابَةَ مِثْلِ تِلْكَ الْكِتَابَةِ، وَالْأَظْهَرُ
عِنْدِي أَنَّ شَاهِدَ الصَّلَاةِ عُطِفَ عَلَى كُلِّ
رَطْبٍ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ ; لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ
كَمَا اخْتَارَهُ الطِّيبِيُّ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي يَكْتُبُ لَهُ الشَّاهِدَ، وَهُوَ
أَقْرَبُ لَفْظًا وَسِيَاقًا. أَوْ لِلْمُؤَذِّنِ وَهُوَ
أَنْسَبُ مَعْنًى وَسِيَاقًا (وَيُكَفِّرُ عَنْهُ) أَيِ:
الشَّاهِدُ أَوِ الْمُؤَذِّنُ (مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: مَا
بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَهُمَا أَوْ مَا
بَيْنَ أَذَانٍ إِلَى أَذَانٍ مِنَ الصَّغَائِرِ. (رَوَاهُ
أَحْمَدُ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى الْإِمَامُ
أَحْمَدُ مَرْفُوعًا: ( «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي
النِّدَاءِ لَتَضَارَبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ» ) وَلَهُ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ( «يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مُنْتَهَى
أَذَانِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» )
جَمَعَهُ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
(وَيُجِيبُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ) . (وَأَبُو دَاوُدَ)
: قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَكَذَا ابْنُ خُزَيْمَةَ
وَلَفْظُهُمَا: (يَشْهَدُ لَهُ) . وَالنَّسَائِيُّ
وَزَادَ: (وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ) .
وَالطَّبَرَانِيُّ مِثْلُ هَذَا، وَلَهُ فِي الْأَوْسَطِ:
( «يَدُ الرَّحْمَنِ فَوْقَ رَأْسِ الْمُؤَذِّنِ وَإِنَّهُ
يَغْفِرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ أَيْنَ بَلَغَ» ) وَلَهُ
فِيهِ: ( «إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُلَبِّينَ
يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ
وَيُلَبِّي الْمُلَبِّي» ) . (وَابْنُ مَاجَهْ) أَيِ:
الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ. (وَرَوَى النَّسَائِيُّ إِلَى
قَوْلِهِ: (كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ) . وَقَالَ) أَيْ
فَالنَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ (وَلَهُ) أَيْ:
لِلْمُؤَذِّنِ (مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى) أَيْ:
بِأَذَانِهِ.
(2/567)
668 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: «قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي. قَالَ:
(أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ،
وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ
أَجْرًا» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
668 - ( «وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي.
قَالَ: (أَنْتَ إِمَامُهُمْ» ) أَيْ: جَعَلْتُكَ
إِمَامَهُمْ، فَيُفِيدُ الْحَدِيثُ: أَوْ أَنْتَ كَمَا
قُلْتَ، فَيَكُونُ لِلدَّوَامِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهِيَ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى
إِثْبَاتِ إِمَامَتِهِ إِعْلَامًا بِتَأَهُّلِهِ فِي
تَأْوِيلِ أَمَّ بِهِمْ، فَلِذَا عُطِفَ عَلَيْهِ
بِقَوْلِهِ: (وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ) أَيْ: تَابِعْ
أَضْعَفَ الْمُقْتَدِينَ فِي تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ مِنْ
غَيْرِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْكَانِ، يُرِيدُ
تَخْفِيفَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ حَتَّى لَا
يَمَلَّ الْقَوْمُ، وَقِيلَ: لَا تُسْرِعْ حَتَّى
يَبْلُغَكَ أَضْعَفُهُمْ، وَلَا تُطَوِّلْ حَتَّى لَا
تُثْقِلَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ
الطِّيبِيُّ: اقْتَدِ جُمْلَةٌ إِنْشَائِيَّةٌ عُطِفَ
عَلَى: " أَنْتَ إِمَامُهُمْ " ; لِأَنَّهُ بِتَأْوِيلِ
أُمَّهُمْ، وَإِنَّمَا عُدِلَ إِلَى الِاسْمِيَّةِ
لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ كَأَنَّ إِمَامَتَهُ
ثَبَتَتْ وَيُخْبِرُ عَنْهَا يَعْنِي: كَمَا أَنَّ
الضَّعِيفَ يَقْتَدِي بِصَلَاتِكَ فَاقْتَدِ أَنْتَ
أَيْضًا بِضَعْفِهِ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ التَّخْفِيفِ فِي
الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ، وَفِيهِ مِنَ الْغَرَابَةِ
أَنَّهُ جَعَلَ الْمُقْتَدَى مُقْتَدِيًا. قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: ذُكِرَ بِلَفْظِ الِاقْتِدَاءِ
تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ الْمَحْثُوثِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ
مِنْ شَأْنِ الْمُقْتَدِي أَنْ يُتَابِعَ الْمُقْتَدَى
بِهِ وَيَجْتَنِبَ خِلَافَهُ، فَعَبَّرَ عَنْ مُرَاعَاةِ
الْقَوْمِ بِالِاقْتِدَاءِ مُشَاكَلَةً لِمَا قَبْلَهُ
(وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا) أَمْرُ نَدْبٍ ( «لَا يَأْخُذُ
عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:
وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: ( «وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ
وَيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ» ) ، فَعَلِمَ أَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ
عَالِمًا عَامِلًا أَنَّ الْعَالِمَ الْفَاسِقَ لَيْسَ
مِنَ الْخِيَارِ ; لِأَنَّهُ أَشَدُّ عَذَابًا مِنَ
الْجَاهِلِ الْفَاسِقِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. كَمَا
تَشْهَدُ لَهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ يَدْخُلُ
فِي كَوْنِهِ خِيَارًا أَنْ لَا يَأْخُذَ أَجْرًا ;
فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ وَلَا لِلْإِمَامِ.
قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُشَارِطْهُمْ عَلَى شَيْءٍ، لَكِنْ
عَرَفُوا حَاجَتَهُ، فَجَمَعُوا لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ
شَيْئًا كَانَ حَسَنًا وَيَطِيبُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا
الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ،
لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَهْدُوا لَهُ. وَفِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانَ: الْمُؤَذِّنُ إِذَا لَمْ يَكُنْ
عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابَ
الْمُؤَذِّنِينَ اهـ. فَفِي أَخْذِ الْأَجْرِ أَوْلَى
تَمَّ كَلَامُهُ.
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ قَاضِي خَانَ عَلَى
مُؤَذِّنٍ يُؤَذِّنُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّ ابْنَ
أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ أَعْمَى وَهُوَ مُؤَذِّنٌ،
وَيَدْخُلُ فِي الْخِيَارِ أَيْضًا أَنْ لَا يُلَحِّنَ
الْأَذَانَ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ
مَطْلُوبٌ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا. قِيلَ: تُمْسِكُ
بِهِ مِنْ مَنْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَذَانِ، وَلَا
دَلِيلَ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ أَخْذًا
لِلْأَفْضَلِ، كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ: أَخْذُ الْمُؤَذِّنِ عَلَى أَذَانِهِ
مَكْرُوهٌ بِحَسَبِ مَذَاهِبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ الْحَسَنُ: أَخْشَى أَنْ لَا تَكُونَ صَلَاتُهُ
خَالِصَةً، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: يُرْزَقُ
مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مُرْصَدٌ
لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ
وُجِدَ عَدْلٌ تَبَرَّعَ بِأَذَانِهِ لَمْ يَجُزْ
لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ أَحَدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
شَيْئًا عَلَى أَذَانِهِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ أَنَّ
الْإِمَامَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ،
يَعْنِي الْإِمَامَ الرَّاتِبَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
لِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ فِي الصَّلَاةِ رِعَايَةً
لِلضَّعِيفِ، وَقَدْ وَرَدَ: «مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ
فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالْمَرِيضَ
وَذَا الْحَاجَةِ» . (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيُّ) وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ،
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْهُ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ، وَابْنُ
مَاجَهْ الْفَصْلَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَالتِّرْمِذِيُّ
الْفَصْلَ الْأَخِيرَ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، نَقَلَهُ
مِيرَكُ. وَفِي خَبَرٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «آخِرُ مَا عَهِدَ
إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنِ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى
أَذَانِهِ أَجْرًا» .
(2/568)
669 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُولَ عِنْدَ
أَذَانِ الْمَغْرِبِ: (اللَّهُمَّ هَذَا إِقْبَالُ
لَيْلِكَ، وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ ;
فَاغْفِرْ لِي» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
669 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «عَلَّمَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
أَقُولَ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ» ) الظَّاهِرُ أَنْ
يُقَالَ هَذَا بَعْدَ جَوَابِ الْأَذَانِ، أَوْ فِي
أَثْنَائِهِ (اللَّهُمَّ هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي
الذِّهْنِ وَهُوَ مُبْهَمٌ مُفَسَّرٌ بِالْخَبَرِ، قَالَهُ
الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَذَانِ، لِقَوْلِهِ:
وَأَصْوَاتُ (إِقْبَالُ لَيْلِكَ) أَيْ: هَذَا الْأَذَانُ
أَوْ أَنَّ إِقْبَالَ لَيْلِكَ
(2/568)
(وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ) أَيْ: فِي
الْأُفُقِ " (وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ ") : أَيْ: فِي
الْآفَاقِ جَمْعُ دَاعٍ، وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ (فَاغْفِرْ
لِي) : بِحَقِّ هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ وَالصَّوْتِ
الْمُنِيفِ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَفْرِيعِ
الْمَغْفِرَةِ وَمُنَاسَبَةِ الْحَدِيثِ لِلْبَابِ ;
فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُ الْأَذَانِ
زَمَانَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى
مَا تَكَلَّفَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ، وَلَعَلَّ
وَجْهَ تَخْصِيصِ الْمَغْرِبِ أَنَّهُ بَيْنَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَهُوَ يَقْتَضِي طَلَبَ
الْمَغْفِرَةِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ، وَيُمْكِنُ
أَنْ يُؤْخَذَ بِالْمُقَايَسَةِ عَلَيْهِ، وَيُقَالَ:
عِنْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ أَيْضًا لَكِنْ بِلَفْظِ: هَذَا
إِدْبَارُ لَيْلِكَ وَإِقْبَالُ نَهَارِكَ إِلَخْ، ثُمَّ
رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى
هَذَا بِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَكِنَّهُ
مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لِهَذَا مِنَ
الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى
جَوَازِ الْأَدْعِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْ أَصْلِهَا،
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنَ الْأَلْفَاظِ
النَّبَوِيَّةِ وَمَا ثَمَّ مِنَ الْمَحْذُورَاتِ
اللَّفْظِيَّةِ وَالْمَحْظُورَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ،
وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيَّةِ خَارِجٌ
عَنِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ (رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ) وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ، وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى
صِحَّتِهِ، قَالَهُ مِيرَكُ. وَالنَّسَائِيُّ،
وَالطَّبَرَانِيُّ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ
(وَالْبَيْهَقِيُّ فِي: " الدَّعَوَاتِ ") أَيْ: كِتَابِ
الدَّعَوَاتِ (الْكَبِيرِ) صِفَةٌ لِلْمُضَافِ
الْمُقَدَّرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ،
وَفِي رِوَايَةٍ «بَعْدَ دُعَاتِكَ وَصَلَوَاتِ
مَلَائِكَتِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي» .
(2/569)
670 - وَعَنْ أَبَى أُمَامَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ
بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ:
قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَقَامَهَا اللَّهُ
وَأَدَامَهَا» ". وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ
كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
670 - (وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: إِنَّ بِلَالًا أَخَذَ) أَيْ: شَرَعَ (فِي
الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا) شَرْطِيَّةٌ، قَالَهُ ابْنُ
الْمَلَكِ (أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ) قَالَ
الطِّيبِيُّ: لَمَّا تَسْتَدْعِي فِعْلًا، فَالتَّقْدِيرُ:
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَنْ قَالَ، وَاخْتُلِفَ فِي
قَالَ ; أَنَّهُ مُتَعَدٍّ أَوْ لَازِمٌ فَعَلَى
الْأَوَّلِ يَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، وَعَلَى الثَّانِي
يَكُونُ مَصْدَرًا اهـ.
وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَمَّا
ظَرْفِيَّةٌ وَأَنْ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} [يوسف: 96]
كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ
بِهِمْ} [هود: 77] (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقَامَهَا اللَّهُ) أَيِ:
الصَّلَاةَ يَعْنِي ثَبَّتَهَا (وَأَدَامَهَا) وَاشْتُهِرَ
زِيَادَةُ: وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا (قَالَ)
أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي
سَائِرِ الْإِقَامَةِ) أَيْ: فِي جَمِيعِ كَلِمَاتِ
الْإِقَامَةِ غَيْرَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، أَوْ قَالَ
فِي الْبَقِيَّةِ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُقِيمُ إِلَّا فِي
الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ (كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ)
يُرِيدُ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ،
لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ مِنَ الْفَصْلِ
الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ (فِي الْأَذَانِ) يَعْنِي:
وَافَقَ الْمُؤَذِّنَ فِي غَيْرِ الْحَيْعَلَتَيْنِ،
وَيَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ أَيْضًا لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي
ذَلِكَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَقَالَ مِيرَكُ: فِي
سَنَدِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ
جَهَالَةَ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ ; لِأَنَّهُمْ
كُلَّهُمْ عُدُولٌ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ غَيْرَ
الصَّحَابِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ:
وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ، وَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مِنْ
أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ.
(2/569)
671 - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالتِّرْمِذِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
671 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ
بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» ) أَيْ: فَادْعُوا
كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَذَلِكَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ.
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ نَقَلَهُ مِيرَكُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ حَسَّنَهَا
التِّرْمِذِيُّ ( «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» ) : قَالُوا: فَمَاذَا نَقُولُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ; قَالَ: ( «سَلُوا اللَّهَ
الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ) .
(2/569)
672 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ
- أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ -: الدُّعَاءُ عِنْدَ
النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا» ) .
وَفِي رِوَايَةٍ: (وَتَحْتَ الْمَطَرِ) . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ ; إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ:
(وَتَحْتَ الْمَطَرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
672 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى [عَنْهُمَا] ، فَإِنَّ أَبَاهُ صَاحَبَنِي عَلَى
مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثِنْتَانِ) أَيْ:
دَعْوَتَانِ ثِنْتَانِ (لَا تُرَدَّانِ - أَوْ قَلَّمَا
تُرَدَّانِ -) : قَالَ فِي الْمُغْنِي: (مَا) زَائِدَةٌ
كَافَّةٌ عَنِ الْعَمَلِ (الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ)
أَيْ: حِينَ الْأَذَانِ أَوْ بَعْدَهُ (وَعِنْدَ
الْبَأْسِ) أَيِ: الشِّدَّةِ وَالْمُحَارَبَةِ مَعَ
الْكُفَّارِ (حِينَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَعِنْدَ
الْبَأْسِ أَوْ بَيَانٌ (يَلْحَمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ
وَالْحَاءِ أَيْ: يَقْتُلُ (بَعْضُهُمْ بَعْضًا) كَأَنَّهُ
يَجْعَلُ الْمَقْتُولَ لَحْمًا وَفِي نُسْخَةٍ: بِضَمِّ
الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: يَخْتَلِطُ، وَسُمِّيَ
اللَّحْمُ لَحْمًا لِاخْتِلَاطِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ، قَالَ
الطِّيبِيُّ: " وَفِي الْغَرِيبَيْنِ أَلْحَمَ الرَّجُلُ
إِذَا نَشِبَ فِي الْحَرْبِ، فَلَمْ يَجِدْ مُخَلِّصًا،
وَلَحَمَ إِذَا قَتَلَ ". وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:
لَحَمَهُ إِذَا الْتَصَقَ بِهِ الْتِصَاقَ اللَّحْمِ
بِالْعَظْمِ، أَيْ: حِينَ يَلْتَصِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ،
أَوْ يَهُمُّ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِ بَعْضٍ، مِنْ لَحَمَ
فُلَانٌ فَهُوَ مَلْحُومٌ إِذَا قُتِلَ كَأَنَّهُ جُعِلَ
لَحْمًا. (وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: بَدَلُ قَوْلِهِ.
وَعِنْدَ الْبَأْسِ يَلْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ; فَإِنَّ
فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: " «سَاعَتَانِ
يُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّمَا
تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ: عِنْدَ حُضُورِ
النِّدَاءِ، وَوَقْتَ الْمَطَرِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ، قَالَهُ مِيرَكُ. وَقَوْلُهُ (وَتَحْتَ
الْمَطَرِ) أَيْ: عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَقَالَ
الطِّيبِيُّ: وَرُوِيَ فِي الْعَوَارِفِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْغَيْثَ
وَيَتَبَرَّكُ بِهِ وَيَقُولُ: حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ»
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، إِلَّا أَنَّهُ)
أَيِ: الدَّارِمِيَّ (لَمْ يَذْكُرْ: (وَتَحْتَ الْمَطَرِ)
.
(2/570)
673 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ
فَسَلْ تُعْطَ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
673 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَيِ:
الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ( «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا» )
بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الضَّادِ أَيْ: يَحْصُلُ لَهُمْ
فَضْلٌ وَمَزِيَّةٌ عَلَيْنَا فِي الثَّوَابِ بِسَبَبِ
الْأَذَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ يَعْنِي فَمَا
تَأْمُرُنَا بِهِ مِنْ عَمَلٍ نَلْحَقُهُمْ بِسَبَبِهِ ;
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (قُلْ كَمَا يَقُولُونَ) أَيْ: إِلَّا عِنْدَ
الْحَيْعَلَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ،
فَيَحْصُلُ لَكَ الثَّوَابُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.
أَيْ: مِثْلُهُ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ، ثُمَّ أَفَادَ
زِيَادَةً عَلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا
انْتَهَيْتَ) أَيْ: فَرَغْتَ مِنَ الْإِجَابَةِ (فَسَلْ)
بِالنَّقْلِ أَيِ: اطْلُبْ مِنَ اللَّهِ حِينَئِذٍ مَا
تُرِيدُ (تُعْطَ) أَيْ: يَقْبَلُ اللَّهُ دُعَاءَكَ
وَيُعْطِيكَ سُؤَالَكَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَسَكَتَ
عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، قَالَهُ مِيرَكُ. وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ: " «مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَقَالَ مَا
يَقُولُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» "، وَقَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ،
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (
«مَنْ قَالَ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي: اللَّهُمَّ رَبَّ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْضَ عَنِّي رِضًا لَا تَسْخَطُ
بَعْدَهُ - اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دَعْوَتَهُ» ) .
وَلَهُ فِي الْكَبِيرِ: ( «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ
فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ عِنْدَكَ، وَاجْعَلْنَا
فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ
الشَّفَاعَةُ» ) .
(2/570)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
674 - عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: ( «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ
بِالصَّلَاةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ»
) . قَالَ الرَّاوِي: وَالرَّوْحَاءُ مِنَ الْمَدِينَةِ:
عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
674 - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ)
الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ الشَّيْطَانِ أَوْ رَئِيسُهُمْ
وَهُوَ الْأَظْهَرُ (إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ
ذَهَبَ) لِكَرَاهَتِهِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، أَوِ
الْإِجْمَاعَ فِي الطَّاعَةِ (حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ
الرَّوْحَاءِ) أَيْ: يَبْعُدَ الشَّيْطَانُ مِنَ
الْمُصَلَّى بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ،
وَالتَّقْدِيرُ: يَكُونَ الشَّيْطَانُ مِثْلَ الرَّوْحَاءِ
فِي الْبُعْدِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (قَالَ الرَّاوِي)
الْمُرَادُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ
الْمَكِّيُّ الرَّاوِي، عَنْ جَابِرٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ
بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ نَقَلَهُ مِيرَكُ.
(وَالرَّوْحَاءُ مِنَ الْمَدِينَةِ) أَيْ: إِلَى مَكَّةَ
(عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مَيْلًا) يَعْنِي اثْنَيْ
عَشَرَ فَرْسَخًا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(2/571)
675 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ،
قَالَ: «إِنِّي لَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ أَذَّنَ
مُؤَذِّنُهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا قَالَ
مُؤَذِّنُهُ، حَتَّى إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ،
قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ،
فَلَمَّا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ; قَالَ: لَا
حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ
الْعَظِيمِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَالَ
الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
675 - (وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) هُوَ
لَيْثِيٌّ، وَقَدْ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ كَانَ فِي الْوَفْدِ
الَّذِينَ جَاءُوهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَشَهِدَ
الْخَنْدَقَ، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ أَيَّامَ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ (قَالَ:
إِنِّي لَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ) أَيِ: ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ
(إِذْ) بِسُكُونِ الذَّالِ (أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ) أَيِ:
الْخَاصُّ لَهُ أَوْ لِمَسْجِدِهِ (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ
كَمَا قَالَ مُؤَذِّنُهُ. حَتَّى إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ) بِالْهَاءِ عَلَى الْوَقْفِ (قَالَ) أَيْ:
مُعَاوِيَةُ (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (فَلَمَّا قَالَ) أَيْ:
مُؤَذِّنُهُ (حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ) أَيْ:
مُعَاوِيَةُ (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ زِيَادَةٌ
نَادِرَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَقَالَ
بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ) أَيْ: مِثْلَ
قَوْلِهِ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ: مُعَاوِيَةُ (سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
ذَلِكَ) أَيْ: بِالْفِعْلِ أَوِ الْأَمْرِ (رَوَاهُ
أَحْمَدُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالنَّسَائِيُّ وَسَنَدُهُ
صَحِيحٌ.
(2/571)
676 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ بِلَالٌ
يُنَادِي، فَلَمَّا سَكَتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ هَذَا يَقِينًا
دَخَلَ الْجَنَّةَ» ) . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
676 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَامَ بِلَالٌ يُنَادِي) أَيْ يُؤَذِّنُ (فَلَمَّا
سَكَتَ) أَيْ: فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا)
أَيِ: الْقَوْلِ مُجِيبًا أَوْ مُؤَذِّنًا أَوْ مُطْلِقًا
(يَقِينًا) أَيْ: خَالِصًا مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ
(دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيِ: اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ
أَوْ دَخَلَ مَعَ النَّاجِينَ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) :
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ:
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
(2/571)
677 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَتَشَهَّدُ
قَالَ: (وَأَنَا وَأَنَا» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
677 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ
الْمُؤَذِّنَ» ) أَيْ: صَوْتَهُ (يَتَشَهَّدُ) حَالٌ
(قَالَ: (وَأَنَا وَأَنَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ
الْمُؤَذِّنِ بِتَقْدِيرِ الْعَامِلِ، أَيْ: وَأَنَا
شَاهِدٌ كَمَا تَشْهَدُ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ،
وَالتَّكْرِيرُ فِي أَنَا رَاجِعٌ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ،
قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْأَظْهَرُ وَأَشْهَدُ أَنَا،
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ
فِيهِمَا، وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ
مُكَلَّفًا بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى رِسَالَتِهِ كَسَائِرِ
الْأُمَّةِ نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الطِّيبِيِّ وَقَالَ:
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ
غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ
اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَشْهَدُ مِثْلَنَا أَوْ
يَقُولُ: وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ كَانَ كَتَشَهُّدِنَا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّأِ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ، «عَنْ
مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ فِي إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ:
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ» ؟ . ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ، فَيَجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ هَذَا تَارَةً وَذَاكَ أُخْرَى، فَلَوْ قَالَ
الْمُجِيبُ مَا هُنَا هَلْ يَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ سُنَّةِ
الْإِجَابَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ
خُصُوصِيَّاتِهِ لِقَوْلِهِ: مَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ
الْمُؤَذِّنِ، وَالْمِثْلُ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ
اللَّفْظِيَّةِ. نَعَمْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنَا
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَا
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. (رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ لَنَا وَاللَّفْظُ لَهُ،
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ:
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
(2/572)
678 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( «مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَيْ
عَشْرَةَ سَنَةً ; وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَكُتِبَ
لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً،
وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً» ) . رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
678 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَيْ
عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (سَنَةً)
وَلَعَلَّ هَذَا مِقْدَارُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ فِي
ذَلِكَ الزَّمَانِ (وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) أَيْ:
يُصَادِقُ وَعْدَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ " (وَكُتِبَ لَهُ
بِتَأْذِينِهِ) أَيْ: فَقَطْ دُونَ صَلَاتِهِ (فِي كُلِّ
يَوْمٍ) أَيْ: لِكُلِّ أَذَانٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ
الْآتِي: وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ (سِتُّونَ حَسَنَةً) فِيهِ
حَذْفٌ، أَوْ كُتِبَ لَهُ بِسَبَبِ تَأْذِينِهِ كُلَّ
مَرَّةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ
نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَكَتَبَ تَحْتَهُ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ،
وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ (وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ)
أَيْ فِي كُلِّ يَوْمٍ (ثَلَاثُونَ حَسَنَةً) وَلَعَلَّ
وَجْهَ التَّصْنِيفِ فِي التَّضْعِيفِ أَنَّ الْإِقَامَةَ
مُخْتَصَّةٌ بِالْحَاضِرِينَ، وَالْأَذَانَ عَامٌّ، أَوْ
لِسُهُولَةِ الْإِقَامَةِ وَمَشَقَّةِ الْأَذَانِ
بِالصُّعُودِ إِلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَرَفْعِ
الصَّوْتِ وَالتُّؤَدَةِ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ
الْمَشَقَّةِ، أَوْ لِإِفْرَادِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ
عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا
قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " وَظَاهِرُهُ أَنَّ كِتَابَةَ
سِتِّينَ حَسَنَةً لِكُلِّ أَذَانٍ وَثَلَاثِينَ لِكُلِّ
إِقَامَةٍ خَاصٌّ بِمَنْ أَذَّنَ تِلْكَ الْمُدَّةَ،
وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْهَا لَا يُكْتَبُ لَهُ ذَلِكَ ".
فَغَيْرُ ظَاهِرٍ إِذْ جَزَاءُ الشَّرْطِ تَمَّ
بِقَوْلِهِ: وَجَبَتْ، وَقَوْلُهُ: (وَكُتِبَ) أَيْ
أُثْبِتَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ بِتَأْذِينِهِ وَإِقَامَتِهِ،
إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُدَاوَمَةِ وَتَرْكِهَا فِي
تَحْصِيلِ أَصْلِ الثَّوَابِ، ثُمَّ هَذِهِ الْكِتَابَةُ
زِيَادَةٌ عَلَى ثَوَابِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ
تَكَلَّمَ بِهَا مِنَ الْمُجِيبِ وَغَيْرِهِ فَلَا
خُصُوصِيَّةَ لِلْمُؤَذِّنِ، وَأَيْضًا لَوِ اعْتُبِرَ
ثَوَابُ الْكَلِمَاتِ لَزَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ
الْحِسَابِ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) وَالدَّارَقُطْنِيُّ،
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الْبُخَارِيِّ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ.
(2/572)
679 - وَعَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا نُؤْمَرُ
بِالدُّعَاءِ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ» رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
679 - (وَعَنْهُ) أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: «كُنَّا
نُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ» )
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ هَذَا الدُّعَاءَ مَا مَرَّ
فِي حَدِيثِ أْمِّ سَلَمَةَ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي:
" الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ") وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ.
فَائِدَةٌ: جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ، وَاسْتَدَلَّ
لَهُ بِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ
أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ
بِلَفْظِ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَبِهِ يُعْلَمُ
اخْتِصَارُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَنَّ مَعْنَى
أَذَّنَ فِيهَا، أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ، كَبَنَى
الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
أَيْضًا بِلَفْظِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ قَالَ
السُّهَيْلِيُّ وَالْمُفَصَّلُ يُقْضَى عَلَى الْمُجْمَلِ
الْمُحْتَمَلِ.
(2/572)
|