مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ]
(2/819)
[22]- بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
1039 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ
عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا ".
وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: " إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ
فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ
حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ
وَلَا تَحَيَّنُوا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا
غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ
الشَّيْطَانِ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ
مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَنْهِيِّ، أَيِ: الْأَوْقَاتُ
الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا نَهْيَ حُرْمَةٍ
أَوْ كَرَاهَةٍ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
1039 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَتَحَرَّى ")
: نَفْيٌ مَعْنَاهُ نَهْيٌ أَيْ: لَا يَقْصِدُ ("
أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي ") : بِالنَّصْبِ جَوَابًا ("
عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ") ، أَيْ: لَا يَتَحَرَّى
أَحَدُكُمْ فِعْلًا لِيَكُونَ سَبَبًا لِوُقُوعِ
الصَّلَاةِ فِي زَمَانِ الْكَرَاهَةِ، فَالْفِعْلُ
الْمُعَلَّلُ مَنْهِيٌّ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَيَجُوزُ
الرَّفْعُ مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ، أَيْ: فَهُوَ يُصَلِّي،
قُلْتُ: وَهُوَ بِالرَّفْعِ فِي نُسْخَةٍ، (" وَلَا عِنْدَ
غُرُوبِهَا ") : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُقَالُ فُلَانٌ
يَتَحَرَّى الْأَمْرَ، أَيْ: يَتَوَخَّاهُ وَيَقْصِدُهُ،
وَيَتَحَرَّى فُلَانٌ إِذَا طَلَبَ مَا هُوَ الْأَحْرَى،
وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ، أَيْ: لَا
يَقْصِدُ الْوَقْتَ الَّذِي تَطْلُعُ الشَّمْسُ فِيهِ أَوْ
تَغْرُبْ، فَيُصَلِّي فِيهِ أَوْ لَا يُصَلِّي فِي هَذَا
الْوَقْتِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ
بِالْأَحْرَى، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَبْلَغُ فِي
الْمَعْنَى الْمُرَادِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: " إِذَا طَلَعَ ") ، أَيْ:
ظَهَرَ (" حَاجِبُ الشَّمْسِ ") ، أَيْ: طَرْفُهَا أَوْ
قُرْصُهَا الَّذِي يَبْدُو أَوَّلًا مُسْتَعَارٌ مِنْ
حَاجِبِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: النَّيَازِكُ الَّتِي تَبْدُو
إِذَا حَانَ طُلُوعُهَا، (" فَدَعُوا ") ، أَيِ: اتْرُكُوا
(" الصَّلَاةَ ") ، أَيْ: مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا،
سَوَاءٌ يَكُونُ لَهَا سَبَبٌ أَوْ لَا (" حَتَّى تَبْرُزَ
") ، أَيْ: تَخْرُجَ وَتَظْهَرَ كُلُّهَا أَوْ تَرْتَفِعُ
قَدْرَ رُمْحٍ (" «وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ
فَدَعُوا الصَّلَاةَ» ") ، أَيِ: الشُّرُوعَ فِيهَا إِلَّا
عَصْرَ يَوْمِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ (" حَتَّى
تَغِيبَ ") ، أَيْ: تَغْرُبَ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ
حِينَئِذٍ لَا يُنْهَى فِيهِ عَنِ الْفَرْضِ، لَكِنْ
يُكْرَهُ النَّفْلُ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ عِنْدَنَا،
(" وَلَا تَحَيَّنُوا ") : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ:
أَيْ: لَا تَتَقَرَّبُوا (" بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ
الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا ") : مِنْ حَانَ إِذَا قَرُبَ،
أَوْ لَا تَجْعَلُوا ذَلِكَ الْوَقْتَ حِينًا لِلصَّلَاةِ
بِصَلَاتِكُمْ فِيهِ، مِنْ تَحَيَّنَ بِمَعْنَى حَيَّنَ
الشَّيْءَ: إِذَا جَعَلَ لَهُ حِينًا، وَيُقَالُ:
تَحَيُّنَ الْوَارِشِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْتَ
النَّاسِ بِغَيْرِ عَزِيمَةٍ إِذَا انْتَظَرَ وَقْتَ
الْأَكْلِ لِيَدْخُلَ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى: لَا
تَنْتَظِرُوا بِصَلَاتِكُمْ حِينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا
حِينَ غُرُوبِهَا (" فَإِنَّهَا تَطْلُعُ ") : بِضَمِّ
اللَّامِ (" بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ") ، أَيْ:
جَانِبَيْ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ يَنْتَصِبُ قَائِمًا فِي
وَجْهِ الشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا لِيَكُونَ شُرُوقُهَا
بَيْنَ قَرْنَيْهِ، فَيَكُونُ قِبْلَةً لِمَنْ سَجَدَ
لِلشَّمْسِ، فَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
لِئَلَّا يُتَشَبَّهَ بِهِمْ فِي الْعِبَادَةِ، كَذَا
ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
فَإِنَّهَا تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيَيْنِ، وَقَوْلُهُ:
تَطْلُعُ أَيْ وَتَغْرُبْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ
الْآتِيَةِ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(2/820)
1040 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ
فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً
حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ
حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ
لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1040 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: ثَلَاثُ
سَاعَاتٍ) ، أَيْ: أَوْقَاتٍ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ
نُصَلِّيَ فِيهِنَّ) : وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُؤَيِّدُ
مَذْهَبَنَا (أَوْ نَقْبُرُ) : عَلَى وَزْنِ نَنْصُرُ،
أَيْ: نَدْفِنُ (فِيهِنَّ مَوْتَانَا) : يُقَالُ:
قَبَرْتُهُ إِذَا دَفَنْتُهُ، وَأَقْبَرْتُهُ إِذَا
جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَأَقْبَرَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ،
(2/820)
فَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ، مَعْنَى أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا،
الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ،
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ مِنْهُ صَلَاةُ
الْجِنَازَةِ ; لِأَنَّ الدَّفْنَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ،
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى كَرَاهَةِ صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ، وَكَانَ
الشَّافِعِيُّ يَرَى جَوَازَهَا أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ
أَوْ نَهَارٍ اهـ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ، أَنَّهُ يَكْرَهُ الدَّفْنَ فِي
أَوْقَاتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ
فِيهَا وَإِلَّا حَرُمَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ
هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ يَحْرُمُ فِيهَا
الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ،
وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إِلَّا إِذَا حَضَرَتِ
الْجِنَازَةَ أَوْ تُلِيَتْ آيَةُ السَّجْدَةِ حِينَئِذٍ،
فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ لَكِنَّ الْأَوْلَى
تَأْخِيرُهُمَا إِلَى خُرُوجِ الْأَوْقَاتِ، (حِينَ
تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً) : أَيْ: طَالِعَةً
ظَاهِرَةً وَهُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَوْ حَالٌ
مُؤَكِّدَةٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، (حَتَّى تَرْتَفِعَ) :
بَدَلٌ وَبَيَانٌ، وَالْمُرَادُ: تَرْتَفِعُ كَرُمْحٍ فِي
رَأْيِ الْعَيْنِ، لِمَا سَيَأْتِي، كَذَا قِيلَ،
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى نُسْخَةِ: حِينَ تَرْتَفِعُ،
وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَايَةٌ (وَحِينَ يَقُومُ
قَائِمُ الظَّهِيرَةِ) : وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفَ
النَّهَارِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قِيَامُ الشَّمْسِ:
وَقْتُ الزَّوَالِ؛ مِنْ " قَامَ " إِذَا وَقَفَ، نَقَلَهُ
الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ: حِينَ تَسْتَوِي الشَّمْسُ وَتَصِلُ
إِلَى خَطِّ نِصْفِ النَّهَارِ، مِنْ " قَامَ " إِذَا
اعْتَدَلَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَقْتُ الظُّهْرِ
تَكُونُ الشَّمْسُ وَاقِفَةً عَنِ السَّيْرِ، وَتَثْبُتُ
فِي كَبِدِ السَّمَاءِ لَحْظَةً ثُمَّ تَسِيرُ، وَقِيلَ:
يُظَنُّ أَنَّهَا وَاقِفَةٌ، قُلْتُ: هَذَا هُوَ
الْمُعْتَمَدُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الشَّمْسُ إِذَا بَلَغَتْ وَسَطَ
السَّمَاءِ أَبْطَأَتْ حَرَكَةُ الظِّلِّ إِلَى أَنْ
تَزُولَ، فَيُتَخَيَّلُ لِلنَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ
أَنَّهَا وَقَفَتْ وَهِيَ سَائِرَةٌ، قُلْتُ: قَالَ
تَعَالَى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ: حِينَ لَا يَبْقَى
لِلْقَائِمِ فِي الظَّهِيرَةِ ظِلٌّ فِي الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الظَّهِيرَةُ: هِيَ
نِصْفُ النَّهَارِ، وَقَائِمُهَا إِمَّا الظِّلُّ،
وَقِيَامُهُ وُقُوفُهُ؛ مِنْ " قَامَتْ بِهِ دَابَّتُهُ ":
وَقَفَتْ، وَالْمُرَادُ بِوُقُوفِهِ بُطْءُ حَرَكَتِهِ
النَّاشِئُ عَنْ بُطْءِ حَرَكَةِ الشَّمْسِ حِينَئِذٍ
بِاعْتِبَارِ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ بِبَادِئِ
الرَّأْيِ، وَإِلَّا فَهِيَ سَائِرَةٌ عَلَى حَالِهَا،
وَإِمَّا لِلْقَائِمِ فِيهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا
يَمِيلُ لَهُ ظِلٌّ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَلَا إِلَى
جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ كِنَايَةٌ عَنْ
وَقْتِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ،
(حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ) ، أَيْ: مِنَ الْمَشْرِقِ
إِلَى الْمَغْرِبِ، وَتَزُولُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ
إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَمَيْلُهَا هَذَا: هُوَ
الزَّوَالُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ
الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ وَقْتًا ضَيِّقًا لَا يَسَعُ
صَلَاةً إِلَّا أَنَّهُ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ،
فَيُحَرَّمُ تَعَمُّدُ التَّحْرِيمِ فِيهِ، (وَحِينَ
تَضَيَّفُ الشَّمْسُ) : أَيْ: تُضَيَّفُ بِمَعْنَى تَمِيلُ
(لِلْغُرُوبِ) : وَتَشْرَعُ فِيهِ (حَتَّى تَغْرُبَ) :
وَأَصْلُ الضَّيْفِ: الْمَيْلُ، سُمِّيَ الضَّيْفُ بِهِ
لِمَيْلِهِ إِلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ
الْمَلَكِ: وَالْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى
الشَّافِعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ اهـ.
وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ
مِيرَكُ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
(2/821)
1041 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا صَلَاةَ
بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا
صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1041 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ ") : أَيْ: بَعْدَ صَلَاتِهِ
(" حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ") : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
أَيْ: كَرُمْحٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَهُوَ قَدْرُ
سَبْعَةِ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا، وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ
طَوِيلَةٌ لِمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ: حَتَّى
تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، (" وَلَا صَلَاةَ
بَعْدَ الْعَصْرِ ") : أَيْ: بَعْدَ صَلَاتِهِ (" حَتَّى
تَغِيبَ الشَّمْسُ ") ، أَيْ: بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا
النَّهْيُ لِمَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ (مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) .
(2/821)
-
(2/822)
1042 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ،
فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: " صَلِّ صَلَاةَ
الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَ تَطْلُعُ
الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ
تَطْلَعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ
لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ
مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ
بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ
حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ
فَصَلِّ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ
حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ
الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ; فَإِنَّهَا
تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ
لَهَا الْكُفَّارُ " قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
فَالْوُضُوءُ حَدِّثْنِي عَنْهُ قَالَ: " مَا مِنْكُمْ
رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيُمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ
فَيَسْتَنْثِرُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ
وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا
أَمَرَهُ اللَّهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ
أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ
يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ; إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا
يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ
رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ
شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيِهِ مِنْ
أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ
بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ
إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ
وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1042 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) : بِالتَّحْرِيكِ،
قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، أَسْلَمَ
قَدِيمًا، قِيلَ: كَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي
الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إِذَا سَمِعْتَ أَنِّي قَدْ
خَرَجْتَ فَاتْبَعْنِي " فَجَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَمِنْ
قِصَّتِهِ أَنَّهُ أَقْبَلَ إِلَى مَكَّةَ وَبَايَعَ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَهُوَ مُسْتَخْفٍ إِيمَانَهُ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ عَادَ
إِلَى قَوْمِهِ مُتَرَصِّدًا حَتَّى سَمِعَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَارْتَحَلَ
إِلَيْهَا، (قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ) ، أَيْ: عَلَى قَصْدِ اللُّحُوقِ بِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ وَضْعُ
الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ، (فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ،
فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ) ، أَيْ: عَنْ
وَقْتِهَا الْجَائِزَةِ فِيهِ بِدَلِيلِ الْجَوَابِ،
(فَقَالَ: " صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ") ، أَيْ: سُنَّتَهُ
وَفَرْضَهُ (" ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ ") : مِنَ
الْإِقْصَارِ، وَهُوَ: الْكَفُّ عَنِ الشَّيْءِ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (" حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ حَتَّى
تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ
قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ") : قِيلَ: تَنْكِيرُهُ
لِلتَّحْقِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: " بَيْنَ
قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ "، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَكَذَا فِي
الْأُصُولِ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ، وَفِي بَعْضِ أُصُولِ
مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِالْأَلِفِ
وَاللَّامِ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ:
أَحْزَابُهُ وَأَتْبَاعُهُ، وَقِيلَ: قُوَّتُهُ
وَغَلَبَتُهُ وَانْتِشَارُ الْفَسَادِ، وَقِيلَ:
الْقَرْنَانِ نَاصِيَتَا الرَّأْسِ وَهَذَا هُوَ
الْأَقْوَى يَعْنِي: أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى
الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، فَيَكُونُ السَّاجِدُ
لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ كَالسَّاجِدِينَ لَهُ فِي
الصُّورَةِ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، (" وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ
لَهَا الْكُفَّارُ ") ، أَيِ: الَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا ("
ثُمَّ صَلِّ ") ، أَيْ: صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ فَإِنَّهَا
مَبْدَأُ الضُّحَى، أَوْ صَلَاةُ الضُّحَى فَإِنَّهَا
مُنْتَهِيَةٌ إِلَى قُرْبِ الِاسْتِوَاءِ أَوْ صَلِّ مَا
شِئْتَ، (" فَإِنَّ الصَّلَاةَ ") ، أَيْ: بَعْدَ
ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، أَوْ إِنَّ الصَّلَاةَ
الْمَشْرُوعَةَ (" مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ ") ، أَيْ:
يَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ لِيَكْتُبُوا أَجْرَهَا
وَيَشْهَدُوا بِهَا لِمَنْ صَلَّاهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
فِي رِوَايَةٍ: " مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ "، وَقَالَ
الطِّيبِيُّ، أَيْ: يَحْضُرُهَا أَهْلُ الطَّاعَةِ مِنْ
سُكَّانِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَعَلَى
الْمَعْنَيَيْنِ؛ فَمَحْضُورَةٌ: تَفْسِيرُ مَشْهُودَةٌ
وَتَأْكِيدٌ لَهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَشْهُودَةٌ
عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَمَحْضُورَةٌ عَلَى
الْمَعْنَى الثَّانِي، أَوِ الْأُولَى بِمَعْنَى
الشَّهَادَةِ، وَالثَّانِيَةُ بِمَعْنَى الْحُضُورِ
لِلتَّبَرُّكِ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ
وَفِيهِ بَيَانٌ لِفَضِيلَةِ صَلَاةِ الضُّحَى، (" حَتَّى
يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ") ، أَيْ: حَتَّى
يَرْتَفِعَ الظِّلُّ مَعَ الرُّمْحِ، أَوْ فِي الرُّمْحِ
وَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ
يَرْتَفِعُ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، أَيْ: بِارْتِفَاعِ
الرُّمْحِ مِنَ الِاسْتِقْلَالِ بِمَعْنَى الِارْتِفَاعِ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي لَمْ يَبْقَ ظِلُّ
الرُّمْحِ، وَهَذَا بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
وَحَوَالَيْهِمَا فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ،
فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عِنْدَ الزَّوَالِ ظِلٌّ عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ، بَلْ يَرْتَفِعُ عَنْهَا، ثُمَّ إِذَا
مَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ إِلَى جَانِبِ
الْمَغْرِبِ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ يَقَعُ
الظِّلُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ: مِنَ الْقِلَّةِ
يُقَالُ: اسْتَقَلَّهُ إِذَا رَآهُ قَلِيلًا، أَيْ: حَتَّى
يَقِلَّ الظِّلُّ الْكَائِنُ بِالرُّمْحِ أَدْنَى غَايَةِ
الْقِلَّةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِظِلِّ الزَّوَالِ اهـ.
وَرُوِيَ: حَتَّى يَسْتَقِلَّ الرُّمْحُ بِالظِّلِّ، أَيْ:
يَرْفَعُ الرُّمْحَ ظِلَّهُ، فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ،
وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ
بَقَاءِ ظِلِّ الرُّمْحِ عَلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ
يَكُونُ فِي وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ، وَتَخْصِيصُ الرُّمْحِ
بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا
مَعْرِفَةَ الْوَقْتِ رَكَزُوا رِمَاحَهُمْ فِي الْأَرْضِ
ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى ظِلِّهَا.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ: " حَتَّى
يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ "، أَيْ: يَقُومَ
مُقَابِلَهُ فِي جِهَةِ الشَّمَالِ لَيْسَ مَائِلًا إِلَى
الْمَغْرِبِ، وَلَا إِلَى الْمَشْرِقِ وَهُوَ حَالَةُ
الِاسْتِوَاءِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: كَذَا فِي
نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَفِيهِ تَحْرِيفٌ وَصَوَابُهُ: "
حَتَّى يَسْتَقِلَّ الرُّمْحُ بِالظِّلِّ "، وَوَافَقَهُ
صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ: يَسْتَقِلُّ الرُّمْحُ
بِالظِّلِّ: يَبْلُغُ ظِلُّ الرُّمْحِ الْمَغْرُوزِ فِي
الْأَرْضِ أَدْنَى غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالنَّقْصِ،
فَقَوْلُهُ: يَسْتَقِلُّ مِنَ الْقِلَّةِ لَا مِنَ
الْإِقْلَالِ وَالِاسْتِقْلَالِ الَّذِي بِمَعْنَى
الِارْتِفَاعِ وَالِاسْتِبْدَادِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: كَيْفَ تَرُدُّ نُسَخَ الْمَصَابِيحِ
مَعَ مُوَافَقَتِهَا بَعْضَ نُسَخِ مُسْلِمٍ، وَكِتَابَ
الْحُمَيْدِيِّ؟ ! وَلَهَا مَحَامِلُ مِنْهَا: أَنْ
يَرْتَفِعَ الظِّلُّ مَعَهُ وَلَا يَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ
عَلَى الْأَرْضِ مِنْ قَوْلِهِمْ: اسْتَقَلَّتِ
السَّمَاءُ: ارْتَفَعَتْ، وَمِنْهَا: أَنْ يُقَدَّرَ
مُضَافٌ أَيْ يُعْلَمُ قِلَّةُ الظِّلِّ بِوَاسِطَةِ ظِلِّ
الرُّمْحِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ: عُرِضَتِ
النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ اهـ.
(2/822)
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى
مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِهِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ
مُطْلَقًا مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَرَى
النَّاسَ يُصَلُّونَ حِينَئِذٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،
قُلْتُ: تَحَقُّقُ صَلَاتِهِمْ فِي خُصُوصِ تِلْكَ
السَّاعَةِ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْقِيقٍ وَتَدْقِيقٍ، ثُمَّ
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ لَا يَنْهَضُ
لَهُ ; لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَثْنَى كَمَا
يَأْتِي اهـ.
وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى (" ثُمَّ أَقْصِرْ ") : بِهَمْزَةٍ
مَفْتُوحَةٍ وَبِكَسْرِ الصَّادِ، أَيْ: كُفَّ وَامْتَنِعْ
(" عَنِ الصَّلَاةِ ") : مُطْلَقًا (" فَإِنَّ حِينَئِذٍ
") ، أَيْ: حِينَ يَسْتَقِلُّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ("
تُسَجَّرُ ") : بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ مَجْهُولًا،
أَيْ: تُعْقَدُ (" جَهَنَّمُ ") : مِنْ تَسَجَّرَ
التَّنُّورَ: إِذَا أَوْقَدَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
أَيْ: تُمْلَأُ نِيرَانُ جَهَنَّمَ وَتُوقَدُ، وَلَعَلَّ
تَسَجُّرَهَا حِينَئِذٍ لِمُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ
الشَّمْسَ وَتَهْيِئَةِ عُبَّادِ الشَّمْسِ أَنْ
يَسْجُدُوا لَهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاسْمُ " إِنَّ "
أَنِ الْمَصْدَرِيَّةُ الْمُقَدَّرَةُ عَلَى حَدِّ
قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}
[الروم: 24] أَوْ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَمَا قِيلَ أَنَّهُ
لَا يُحْذَفُ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّعْظِيمُ،
وَهُوَ يَفُوتُ بِحَذْفِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ سَبَبَ
دَلَالَتِهِ عَلَى التَّعْظِيمِ إِبْهَامُهُ، وَحَذْفُهُ
أَدَلُّ عَلَى الْإِبْهَامِ، وَمِنْ ثَمَّ حُذِفَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ
فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 117] (" فَإِذَا أَقْبَلَ
الْفَيْءُ ") ، أَيْ: رَجَعَ بَعْدَ ذَهَابِهِ مِنْ وَجْهِ
الْأَرْضِ، فَهَذَا وَقْتُ الظُّهْرِ، وَالْفَيْءُ: مَا
نَسَخَ الشَّمْسَ وَذَلِكَ بِالْعَشِيِّ، وَالظِّلُّ مَا
نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ بِالْغُدْوَةِ، (" فَصَلِّ
") : أَيْ: أَيُّ صَلَاةٍ تُرِيدُهَا (" فَإِنَّ
الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ ") : صِفَةٌ كَاشِفَةٌ
أَوْ ثَانِيَةٌ (" حَتَّى تُصَلِّيَ ") : أَيْ: أَنْتَ ("
الْعَصْرَ ") ، أَيْ: فَرْضَهُ (" ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ
الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ") : أَيْ: يَقْرُبَ
غُرُوبُ الشَّمْسِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَ تَغْرُبُ،
فَيُنَاسِبُ قَرِينَهُ الْمُتَقَدِّمَ حِينَ تَطْلُعُ
وَيُلَائِمُ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ ": فَإِنَّهَا
تَغْرُبُ. . " إِلَخْ.
وَلَعَلَّ الْعُدُولَ لَيُفْهَمُ مِنْ أَحَدِ
الْعِبَارَتَيْنِ وَقْتَ الطُّلُوعِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ
وَقْتُ الْغُرُوبِ، وَمِنَ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى مَا
بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْغُرُوبِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا
بَيْنَ الْفَجْرِ وَالطُّلُوعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ("
فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ") :
وَتَنْكِيرُهُ لِمَا مَرَّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ
بِالتَّعْرِيفِ (" وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ
") : فَلَا يُشَابِهُ أَهْلَ النَّارِ فِي عِبَادَتِهِمْ،
فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، وَأَمَّا مَا بَيْنَ فَرْضِ
الصُّبْحِ وَحِينَ الطُّلُوعِ، وَبَيْنَ فَرْضِ الْعَصْرِ
وَزَمَانِ الْغُرُوبِ، فَوَقْتٌ مَكْرُوهٌ لِلنَّوَافِلِ
فَقَطْ عِنْدَنَا، قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ
وُرُودِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ
أُعْطِيَ حُكْمَهُ، كَتَحْرِيمِ فَرْجِ الْحَائِضِ، وَمَنْ
حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ،
وَأَيْضًا فَعُبَّادُ الشَّمْسِ رُبَّمَا تَهَيَّئُوا
لِتَعْظِيمِهَا مِنْ أَوَّلِ ذَيْنِكَ الْوَقْتَيْنِ،
فَيَرْصُدُونَهَا مُرَاقِبِينَ لَهَا إِلَى أَنْ تَظْهَرَ
فَيَخِرُّوا لَهَا سُجَّدًا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّنَفُّلَ
فِي ذَيْنِكَ الْوَقْتَيْنِ لَكَانَ فِيهِ أَيْضًا
تَشَبُّهٌ بِهِمْ أَوْ إِيهَامُهُ أَوِ التَّسَبُّبُ
إِلَيْهِ، وَكَذَا بَيْنَ طُلُوعِ الصُّبْحِ وَأَدَاءِ
فَرْضِهِ مَا عَدَا سُنَّتِهِ.
(قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَالْوُضُوءُ) :
بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ بِالنَّصْبِ (حَدِّثْنِي عَنْهُ) ،
أَيْ: أَخْبِرْنِي عَنْ فَضْلِهِ، (قَالَ: " مَا مِنْكُمْ
رَجُلٌ يُقَرِّبُ ") : بِالتَّشْدِيدِ عَلَى بِنَاءِ
الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ ("
وَضُوءَهُ ") : بِفَتْحِ الْوَاوِ، أَيِ: الْمَاءَ الَّذِي
يَتَوَضَّأُ بِهِ، (" فَيُمَضْمَضُ ") ، أَيْ: بَعْدَ
غَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَالتَّسْمِيَةِ، وَالنِّيَّةِ، ("
وَيَسْتَنْشِقُ ") ، أَيْ: يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي
الْأَنْفِ (" فَيَسْتَنْثِرُ ") ، أَيْ: يُخْرِجُ مَا فِي
الْخَيْشُومِ مِنَ الْأَوْسَاخِ (" إِلَّا خَرَّتْ ") :
اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ:
إِلَّا خَرَّتْ خَبَرُ " مَا " وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ
مُقَدَّرٌ، أَيْ: مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ
الْأَوْصَافِ كَائِنٌ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ
إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى
يُنَزَّلُ سَائِرُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ، وَإِنْ لَمْ
يُصَرِّحْ بِالنَّفْيِ فِيهَا لِكَوْنِهَا فِي سِيَاقِ
النَّفْيِ بِوَاسِطَةِ ثُمَّ الْعَاطِفَةِ،
(2/823)
أَيْ: سَقَطَتْ، (" خَطَايَا وَجْهِهِ ") :
مِنَ الصَّغَائِرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطْنَاهُ
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي
عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ بِالْجِيمِ، ذَكَرَهُ
الطِّيبِيُّ، أَيْ: جَرَتْ مَعَ مَاءِ الْوُضُوءِ،
وَذَهَبَتْ ذُنُوبُ وَجْهِهِ، (" وَفِيهِ ") ، أَيْ:
خَطَايَا فَمِهِ مِنْ جِهَةِ الْكَلَامِ، وَمِنْ طَرِيقِ
الطَّعَامِ، (" وَخَيَاشِيمِهِ ") ، أَيْ: أَنْفِهِ جَمْعُ
خَيْشُومٍ، وَهُوَ بَاطِنُ الْأَنْفِ مِنْ جِهَةِ
رَائِحَةِ طِيبٍ مُحَرَّمٍ عَلَى جِهَةِ الْقَصْدِ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَطْفَ " فِيهِ " وَمَا بَعْدَهُ عَلَى
مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرِيٌّ لِقَوْلِهِ: (" ثُمَّ إِذَا
غَسَلَ وَجْهَهُ ") ، أَيْ: كُلَّهُ أَوْ بَاقِيَهُ ("
كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ") : إِشَارَةً إِلَى أَنَّ
غَسْلَهُ فَرْضٌ بِأَمْرِهِ تَعَالَى عَزَّ قَائِلًا:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] بِخِلَافِ مَا سَبَقَ،
فَإِنَّهُمَا سُنَّتَانِ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- أَوْ بِمَعْنَى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْدَأَ
بِغَسْلِهِ وَلِذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ
إِرَادَةِ السَّعْيِ " ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ
تَعَالَى بِهِ "، (" إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ ")
: مِنْ ذُنُوبِ عَيْنَيْهِ (" مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ
") ، أَيْ: مَوْضِعُهَا (" مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ
يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ") ، أَيْ:
مُنْضَمَّتَيْنِ إِلَيْهِمَا، أَوْ إِلَى مَعْنَى " مَعَ "
خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ،
وَفِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ
حَيْثُ انْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ، وَانْقَلَبَ
الرَّأْيُ لَدَيْهِمْ، فَيَغْسِلُونَ الْيَدَيْنِ مِنَ
الْمِرْفَقَيْنِ إِلَى الْأَصَابِعِ (" إِلَّا خَرَّتْ
خَطَايَا يَدَيْهِ ") : وَهِيَ كَثِيرَةٌ (" مِنْ
أَنَامِلِهِ ") : وَهِيَ رُءُوسُ أَصَابِعِهِ (" مَعَ
الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ") : ظَاهِرُهُ
الِاسْتِيعَابُ إِمَّا بِطْرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ وَإِمَّا
عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ، (" إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا
رَأْسِهِ ") : وَمِنْهَا خَطَايَا الْأُذُنَيْنِ، وَلِذَا
يُمْسَحَانِ بِمَائِهِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ("
مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ ") : بِفَتْحِ الْعَيْنِ
وَسُكُونِهَا نَظَرًا إِلَى الْأَصْلِ، أَوِ التَّغْلِيبِ،
(" مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ") : كَمَا مَرَّ (" إِلَّا خَرَّتْ
خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ،
فَإِنْ ") : شَرْطِيَّةٌ (" هُوَ ") ، أَيِ: الرَّجُلُ
وَرَافِعُهُ فِعْلٌ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ (" قَامَ ") :
وَلِحَذْفِهِ بَرَزَ ضَمِيرُهُ الْمَسْتَكِنُّ فِيهِ،
أَيْ: فَإِنْ قَامَ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ (" فَصَلَّى
فَحَمِدَ ") : وَفِي نُسْخَةٍ: وَحَمِدَ، أَيْ: وَشَكَرَ
(" اللَّهَ ") ، أَيْ: بَعْدَ الصَّلَاةِ (" وَأَثْنَى
عَلَيْهِ ") ، أَيْ: ذَكَرَ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا،
وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ لَفْظَ
الْحَمْدِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ (" وَمَجَّدَهُ ") ، أَيْ:
عَظَّمَهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، فَهُوَ تَعْمِيمٌ
بَعْدَ تَعْمِيمٍ، أَوْ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَجَعَلَهُ
ابْنُ حَجَرٍ لِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ وَالْإِطْنَابِ ("
بِالَّذِي ") ، أَيْ: بِالتَّحْمِيدِ الَّذِي (" هُوَ لَهُ
أَهْلٌ ") ، أَيْ: مِمَّا يَلِيقُ بِعَظَمَةِ جَمَالِهِ
وَجَلَالَةِ جَلَالِهِ وَبَهَاءِ كَمَالِهِ، وَقُدِّمَ
الْجَارُّ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ وَالِاهْتِمَامِ،
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: ضَمِيرُ " هُوَ " عَائِدٌ إِلَى
الْمَوْصُولِ، وَضَمِيرُ " لَهُ " إِلَى اللَّهِ، ("
وَفَرَّغَ قَلْبَهُ ") ، أَيْ: جَعَلَهُ حَاضِرًا لِلَّهِ
وَغَائِبًا عَمَّا سِوَاهُ، أَيْ: فِي صَلَاتِهِ وَحَالَةِ
مُنَاجَاتِهِ (" لِلَّهِ ") ، أَيْ: لَا لِغَيْرِهِ حَتَّى
الثَّوَابِ ; لِأَنَّ رَبْطَ الْقَصْدِ بِهِ يُنَافِي
مَقَامَ الْكَمَالِ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ
رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] (" إِلَّا انْصَرَفَ ") :
قِيلَ: " هُوَ " فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ هُوَ " فَاعِلٌ
مَحْذُوفٌ وَعَائِدٌ إِلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ
تَقْدِيرُهُ: إِنْ قَامَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فَفَعَلَ
كَذَا وَكَذَا، فَلَيْسَ إِلَّا انْصَرَفَ، (" مِنْ
خَطِيئَتِهِ ") : وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ " إِنْ
" فِيهِ نَافِيَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجَوَابُ "
إِنْ " فَلَا يَنْصَرِفْ خَارِجًا مِنْ شَيْءٍ مِنَ
الْأَشْيَاءِ إِلَّا انْصَرَفَ خَارِجًا مِنْ خَطِيئَتِهِ،
أَيْ: صَغَائِرِهِ فَيَصِيرُ مُتَطَهِّرًا مِنْهَا ("
كَهَيْئَتِهِ ") ، أَيْ: كَصِفَتِهِ (" يَوْمَ وَلَدَتْهُ
أُمُّهُ ") : بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ: "
كَهَيْئَةِ يَوْمَ " بِالْإِضَافَةِ مَعَ تَنْوِينِ "
يَوْمَ " وَفَتْحِهِ عَلَى الْبِنَاءِ، وَظَاهِرُهُ
غُفْرَانُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ إِلَّا أَنَّ
الصَّغَائِرَ مُحَقَّقَةٌ وَالْكَبَائِرَ بِالْمَشِيئَةِ
مُقَيَّدَةٌ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: " فَإِنْ هُوَ قَامَ " إِنْ
شَرْطِيَّةٌ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ بَعْدَهَا فَاعِلُ
فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ
مَحْذُوفٌ، وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، أَيْ: لَا
يَنْصَرِفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مِنْ
خَطِيئَتِهِ. . . . إِلَخْ، وَجَازَ تَقْدِيرُ النَّفْيِ
لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ،
وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَأَمَّا
مَذْهَبُ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَيَجُوزُ فِي الْإِثْبَاتِ
نَحْوَ: قَرَأْتُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) .
(2/824)
-
(2/825)
1043 - وَعَنْ كُرَيْبٍ «أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالُوا اقْرَأْ عَلَيْهَا
السَّلَامُ، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْعَصْرِ، قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ،
فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ سَلْ أُمَّ
سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ
سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُمَا،
ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، ثُمَّ دَخَلَ،
فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُولِي
لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ [الرَّكْعَتَيْنِ]
وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: " يَا ابْنَةَ أَبِي
أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ» "، مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1043 - (وَعَنْ كُرَيْبٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ
كُرَيْبُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
(أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ) : يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ،
فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَالْمِسْوَرَ)
: بِكَسْرِ الْمِيمِ (" بْنِ مَخْرَمَةَ ") : بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ
سَاكِنَةٌ (وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ) ، أَيِ:
ابْنَ عَوْفٍ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، (أَرْسَلُوهُ) ، أَيْ:
كُرَيْبًا (إِلَى عَائِشَةَ فَقَالُوا: اقْرَأْ) : وَفِي
نُسْخَةٍ: أَقْرِئْ: مِنَ الْإِقْرَاءِ (عَلَيْهَا
السَّلَامَ) : فِي الْقَامُوسِ، قَرَأَ عَلَيْهِ
السَّلَامَ: أَبْلَغَهُ كَأَقْرَأَهُ، أَوْ لَا يُقَالُ
أَقْرَأَ إِلَّا إِذَا كَانَ السَّلَامُ مَكْتُوبًا
(وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ) ،
أَيِ: اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ صَلَاةِ
الْعَصْرِ، وَقَدْ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا،
ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَعْنِي:
الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- يُصَلِّيهِمَا، وَيَنْهَى عَنْهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ
مَا الَّذِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهِمَا فِيهِ؟
(قَالَ) ، أَيْ: كُرَيْبٌ (فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ
فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي) ، أَيْ: بِتَبْلِيغِهِ
مِنَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ إِلَيْهَا، قَالَتْ: (سَلْ
أُمُّ سَلَمَةَ) ، أَيْ: لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ
الْوَاقِعَةِ فَهِيَ أَعْلَمُ بِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي
هَذَا عَظِيمُ النُّصْحِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّوَاضُعِ
مِنْ عَائِشَةَ، لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا أَفْضَلَ
وَأَعْلَمَ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَلَتِ الْأَمْرَ
إِلَيْهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا مِنَ
الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ
السَّلَفَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنِ الْإِفْتَاءِ
إِلَّا إِذَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ، (فَخَرَجْتُ
إِلَيْهِمْ) : وَهَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِ (فَرَدُّونِي
إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ) ، أَيْ: عَلَى الْمِنْوَالِ
السَّابِقِ فَجِئْتُ إِلَيْهَا فَسَأَلْتُهَا؟ (فَقَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُمَا) ، أَيْ: عَنِ
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، تَعْنِي فِي ضِمْنِ
نَهْيِهِ عَنِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ، أَوْ وَقَعَ
النَّهْيُ بِالْخُصُوصِ عَنْهُمَا، (ثُمَّ رَأَيْتُهُ
يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ دَخَلَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ أَوْ بَيْتَهُ،
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا رَأَتْهُ صَلَّاهُمَا فِي
الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ، أَوْ فِي صُفَّةِ
الدَّارِ ثُمَّ دَخَلْتُ الْبَيْتَ، (فَأَرْسَلْتُ
إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ) ، أَيْ: لَهَا (قُولِي
لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ) ، أَيِ:
الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، (وَأَرَاكَ
تُصَلِّيهِمَا) ، أَيْ: فَمَا السِّرُّ فِيهِمَا؟ (قَالَ)
: أَيْ لِلْجَارِيَةِ بِأَنْ تَقُولَ لَهَا فِي جَوَابِهَا
أَوْ مُخَاطِبًا لَهَا: (" يَا ابْنَةَ أَبِي أُمَيَّةَ
سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ،
وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ،
فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ
الظُّهْرِ ") : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَنَّ تَعْلِيمَ
الْهُدَى وَالْعِلْمِ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوَافِلِ حَتَّى
رَوَاتِبِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْأَشْرَفُ: فِي
الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ
الْمُؤَقَّتَةَ تُقْضَى كَمَا تُقْضَى الْفَرَائِضُ،
وَعَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ لَا
تُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، ("
فَهُمَا هَاتَانِ ") ، أَيِ: الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ
صَلَّيْتُهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ هُمَا رَكْعَتَا
الظُّهْرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ
السُّنَّةِ سُنَّةٌ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، قَالَهُ
ابْنُ الْمَلَكِ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ، أَنَّ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمُومِ النَّهْيِ لِلْغَيْرِ،
وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ
كَانَ يُصَلِّيهِمَا دَائِمًا وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ
بِسَنَدِهِ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَادَ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَقْضِيهَا إِذَا فَاتَتْنَا؟ قَالَ:
" لَا "، اهـ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ ابْنُ
حَجَرٍ، أَيْ: وَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِي
أَنِّي إِذَا عَمِلْتُ عَمَلًا دَاوَمْتُ عَلَيْهِ، فَمِنْ
ثَمَّ فَعَلْتُهُمَا وَنَهَيْتُ غَيْرِي عَنْهُمَا اهـ،
لَكِنْ خَالَفَ كَلَامَهُ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ هَذَا
أَخَذَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ ذَاتَ السَّبَبِ لَا تُكْرَهُ
فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ حَيْثُ لَا تَحَرِّيَ اهـ، وَلَا
يَخْفَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، فَلَا
يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِالْحَالِ.
(2/825)
قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ
الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَبَعْدَ
صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى الطُّلُوعِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ
الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، فَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى
جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا مُطْلَقًا، رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا
نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى
التَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَخَالَفَهُمُ
الْأَكْثَرُونَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ فِيهَا
فِعْلُ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا، أَمَّا الَّذِي لَهُ
سَبَبٌ كَالْمَنْذُورَةِ وَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَجَائِزٌ
لِحَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاسْتَثْنَى
أَيْضًا مَكَّةَ، وَاسْتِوَاءَ الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثَيْ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْرُمُ فِعْلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي
الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ عِنْدَ
الِاصْفِرَارِ، وَيَحْرُمُ الْمَنْذُورَةُ، وَالنَّافِلَةُ
بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ دُونَ الْمَكْتُوبَةِ الْفَائِتَةِ،
وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَقَالَ
مَالِكٌ: يَحْرُمُ فِيهَا النَّوَافِلُ دُونَ
الْفَرَائِضِ، وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ، غَيْرَ أَنَّهُ
جَوَّزَ فِيهَا رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، (مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَلَمْ
يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
(2/826)
الْفَصْلُ الثَّانِي
1044 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَيْسِ
بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «رَأَى
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا
يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
صَلَاةَ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ "، فَقَالَ
الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ،
فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» - رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ، وَقَالَ: إِسْنَادُ
هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ ; لِأَنَّ مُحَمَّدَ
بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَيْسِ بْنِ
عَمْرٍو، وَفِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " " وَنُسَخِ
الْمَصَابِيحِ " عَنْ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ نَحْوَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
1044 - (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) : مِنْ صِغَارِ
التَّابِعِينَ، كَذَا فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي،
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ تَمِيمِيٌّ وَفِي إِسْنَادِهِ
مَقَالٌ، (عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو) : وَهُوَ
أَنْصَارِيٌّ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ: رَأَى
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
رَجُلًا) : سَيَأْتِي فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَيْسٌ
(يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) ، أَيْ: بَعْدَ
فَرْضِ الصُّبْحِ (رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " صَلَاةَ
الصُّبْحِ ") : بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيِ:
افْعَلُوا أَوِ الْزَمُوا أَوِ اجْعَلُوا أَوْ صَلُّوا
صَلَاةَ الصُّبْحِ (" رَكْعَتَيْنِ ") : وَفِي نُسْخَةٍ
صَحِيحَةٍ: " رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " لِتَأْكِيدِ
نَفْيِ الزِّيَادَةِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: رَكْعَتَيْنِ
سُنَّةً، وَرَكْعَتَيْنِ فَرِيضَةً، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي
فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: "
رَكْعَتَيْنِ " مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ:
أَتُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ
وَلَيْسَ بَعْدَهَا صَلَاةٌ؟ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ
فَقَالَ: أَيْ أَتُصَلِّي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّي
بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَدْ عَلِمْتَ
أَنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَهَا؟ فَالِاسْتِفْهَامُ
الْمُقَدَّمُ لِلْإِنْكَارِ، وَرَكْعَتَيْنِ الثَّانِي
تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ، أَيْ: هَذِهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ
صَلَّيْتَهَا، فَكَيْفَ تُصَلِّي بَعْدَهَا اهـ؟ .
وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِمَا مِنَ التَّكَلُّفِ
وَالتَّعَسُّفِ، (فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ
صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا) ،
أَيْ: قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَفِي نُسْخَةٍ
صَحِيحَةٍ: قَبْلَهُمَا، أَيْ: قَبْلَ رَكْعَتَيِ
الصُّبْحِ، (فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ) : قَالَ
الطِّيبِيُّ: فَاعْتَذَرَ الرَّجُلُ بِأَنَّهُ قَدْ أَتَى
بِالْفَرْضِ وَتَرَكَ النَّافِلَةَ، وَحِينَئِذٍ أَتَى
بِهَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ،
قُلْتُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْضَى بَعْدَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَأَبِي يُوسُفَ: لَا قَضَاءَ بَعْدَ الْفَوْتِ، يَعْنِي
انْفِرَادًا، وَأَمَّا إِذَا فَاتَ فَرْضُ الصُّبْحِ
فَإِنَّ السُّنَّةَ تُقْضَى تَبَعًا لَهُ قَبْلَ
الزَّوَالِ، وَالسُّنَّةُ الْقَبْلِيَّةُ فِي الظُّهْرِ
أَيْضًا تُقْضَى بَعْدَهُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ
قَبْلَهُمَا عَلَى خِلَافٍ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، مَعَ
أَنَّ تَقْدِيمَ الرَّكْعَتَيْنِ أَصَحُّ لِحَدِيثٍ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ
الْهَمَّامِ، (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: سُكُوتُهُ
يَدُلُّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الصُّبْحِ بَعْدَ فَرْضِهِ
لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَهُ، وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ، قُلْتُ؟ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ
يَثْبُتْ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ،
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ،
وَيُقَالُ: قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيُّ رَفَعَهُ.
(2/826)
(وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ،
وَقَالَ: إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ ;
لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ
قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو) : قَالَ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَرَأَى قَيْسًا
فَهُوَ مُرْسَلٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، (وَفِي شَرْحِ
السُّنَّةِ، وَنُسَخِ الْمَصَابِيحِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ
قَهْدٍ) : بِالْقَافِ وَالدَّالِ، قَالَ فِي التَّهْذِيبِ:
بِفَتْحِ الْقَافِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَاءِ، قَالَ فِي
الْمُغْنِي: قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ بِفَتْحِ قَافٍ وَسُكُونِ
هَاءٍ فَدَالٌ مُهْمَلَةٌ، وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ قَهْدٍ، وَقِيلَ: بِفَاءٍ إِذْ لَا يُعْرَفُ بِقَافٍ
إِلَّا قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ، (نَحْوَهُ) : بِالنَّصْبِ،
أَيْ: رَوَى نَحْوَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى
أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَشَارَ
الْمُؤَلِّفُ إِلَى الِاخْتِلَافِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ
هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
ثَعْلَبَةِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ
صَحَابِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ مِنْ بَنِي
النَّجَّارِ أَيْضًا اهـ.
وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ
قَهْدٍ بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ،
وَقَيْسَ بْنَ عَمْرٍو كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي النَّجَّارِ،
وَقِيلَ: هُمَا وَاحِدٌ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَأَغْرَبَ
ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَيُغْنِي عَنْ ذَلِكَ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: (" «لَا صَلَاةَ بَعْدَ
الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» ") ، فَإِنَّهُ
صَادِقٌ بِصَلَاتِهِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَهُ "،
اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ
رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ مِنَ السُّنَنِ الْقَبْلِيَّةِ،
قَالَ: وَأَمَّا أَخْذُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ دُخُولَ
الْكَرَاهَةِ بِأَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ،
فَيُعَارِضُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ السَّابِقُ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ عَبَسَةَ لِتَصْرِيحِهِ فِيهِ بِتَقْيِيدِ النَّهْيِ
بِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، بَلْ فِيهِ
التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ فِعْلِ الْعَصْرِ
مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ
إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ، بَلْ
سَهْوٌ، وَالْمُعْظَمُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى
التَّقْيِيدِ بِمَا فِي الْحَدِيثِ، وَمَيْلُ جَمْعٍ مِنْ
أَئِمَّتِنَا إِلَى تَرْجِيحِ الْإِطْلَاقِ - ضَعِيفٌ اهـ،
وَنِسْبَةُ الْمَسْأَلَةِ إِلَى الثَّلَاثَةِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ فِي مَذْهَبِنَا
تُكْرَهُ النَّوَافِلُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا
سُنَّتُهُ، وَتُكْرَهُ بَعْدَهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا
الْعَصْرُ فَلَا تُكْرَهُ النَّوَافِلُ إِلَّا بَعْدَ
صَلَاتِهِ لَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ.
(2/827)
1045 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ
لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى
آيَةً سَاعَةَ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» "، رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1045 - (وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) : قَالَ
الطِّيبِيُّ: هُوَ ابْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَا بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: خَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ
دُونَ سَائِرِ قُرَيْشٍ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ وِلَايَةَ
الْأَمْرِ وَالْخِلَافَةَ سَتَئُولُ إِلَيْهِمْ مَعَ
أَنَّهُمْ رُؤَسَاءُ مَكَّةَ، وَفِيهِمْ كَانَتِ
السِّدَانَةُ، وَالْحِجَابَةُ، وَاللِّوَاءُ،
وَالسِّقَايَةُ، وَالرِّفَادَةُ، (" لَا تَمْنَعُوا
أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ ") : لَعَلَّهُمْ كَانُوا
يَمْنَعُونَ بَعْضَ النَّاسِ عَنِ الطَّوَافِ أَحْيَانًا،
قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّقْيِيدُ بِالطَّوَافِ لَيْسَ
بِتَقْيِيدٍ مَانِعٍ، بَلْ أَحَدًا طَافَ بِمَنْزِلَةِ
أَحَدٍ أُدْخِلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ; لِأَنَّ كُلَّ
مَنْ دَخْلَهُ فَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ غَالِبًا فَهُوَ
كِنَايَةٌ، (" وَصَلَّى ") ، أَيْ: صَلَاةَ الطَّوَافِ
أَوْ مُطْلَقًا وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّقْيِيدِ بِغَيْرِ
الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ إِذْ سَبَقَ النَّهْيُ؛ أَوِ
الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، (" أَيَّةَ سَاعَةٍ
شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ") : قَالَ الْمُظْهِرُ:
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ فِي
أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ بِمَكَّةَ
لِشَرَفِهَا، لِيَنَالَ النَّاسُ مِنْ فَضْلِهَا فِي
جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ،
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ
الْبِلَادِ فِي الْكَرَاهَةِ يَعْنِي لِعُمُومِ الْعِلَّةِ
وَشُمُولِهَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: " وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ
"
(2/827)
فِي الْأَوْقَاتِ الْغَيْرِ الْمَكْرُوهَةِ
تَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) :
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، (وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَالَ الْمُؤَلِّفُ مَا
ذُكِرَ فِي الْمَصَابِيحِ بَعْدَ: يَا بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ وُلِّيَ مِنْكُمْ مِنْ
أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا " لَمْ أَجِدْهُ فِي
التِّرْمِذِيِّ، وَلَا فِي أَبِي دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيِّ.
(2/828)
1046 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ
النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ» ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1046 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ
الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ:
ظَرْفٌ لِلصَّلَاةِ عَلَى تَأْوِيلِ أَنْ يُصَلِّيَ
(حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) :
مُسْتَثْنًى مِنَ الْكَرَاهَةِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
صَلَاةَ النَّفْلِ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَكْرُوهَةٌ، قُلْتُ: وَقَدْ
وَافَقَ أَبُو يُوسُفَ الشَّافِعِيَّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْحَدِيثَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ
عِنْدَ الْخَصْمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ
; أَوْ ثَبَتَ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَاوِمَ
الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ الدَّالَّةَ عَلَى النَّهْيِ
الْمُطْلَقِ فَيُخَصِّصُهَا وَيُقَيِّدُهَا، (رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ) : عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِلَفْظِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ ابْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ، رَوَى عَنْهُ
الشَّافِعِيُّ، وَكَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ، وَرَوَى
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ
أَيْضًا، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ.
(2/828)
1047 - وَعَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ
النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: " إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا
يَوْمَ الْجُمُعَةِ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ:
أَبُو الْخَلِيلِ لَمْ يَلْقَ أَبَا قَتَادَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1047 - (وَعَنْ أَبِي الْخَلِيلِ) : اسْمُهُ: صَالِحُ بْنُ
أَبِي مَرْيَمَ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ
الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) :
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: قَوْلُهُ: حَتَّى
تَزُولَ الشَّمْسُ، كَذَا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا، وَلَيْسَ
فِي أَبِي دَاوُدَ، وَلَا فِي الْمَصَابِيحِ، (إِلَّا
يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ
") : مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا، أَيْ: تُوقَدُ (" إِلَّا
يَوْمَ الْجُمُعَةِ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: كَأَنَّهُ
أَرَادَ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ؟ لِقَوْلِهِ: "
أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ
فَيْحِ جَهَنَّمَ "، وَلَعَلَّ تَسَجُّرَ جَهَنَّمَ
حِينَئِذٍ لِمُقَارَنَةِ الشَّمْسِ وَتَهْيِئَتِهَا ;
لِأَنْ تَسْجُدَ لَهَا عَبَدَةُ الشَّمْسِ، قَالَ
الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: " تُسَجَّرُ جَهَنَّمُ "،
وَقَوْلُهُ: " بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ "
وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ،
أَكْثَرُهُمَا تَفَرَّدَ الشَّارِعُ بِمَعْنَاهَا وَيَجِبُ
عَلَيْنَا التَّصْدِيقُ بِهَا، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) :
مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، قَالَهُ مِيرَكُ، (وَقَالَ) : أَيْ أَبُو
دَاوُدَ (أَبُو الْخَلِيلِ) : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لَمْ
يَلْقَ أَبَا قَتَادَةَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَمُجَاهِدٌ
أَكْبَرُ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ؛ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي
دَاوُدَ.
قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ بِطْرِيقٍ مُنْقَطِعٍ، فَإِنَّهُ
يُشِيرُ إِلَى هَذِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي
الْمَصَابِيحِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ
التَّصْحِيحِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: (لَكِنَّهُ
اعْتَضَدَ بِمَجِيئِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَوْصُولًا) ،
غَيْرُ مَعْقُولٍ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ
طَرِيقٍ مَوْصُولٍ.
(2/828)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
1048 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ
وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ
فَارَقَهَا، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا
دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ
فَارَقَهَا» ". وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ
السَّاعَاتِ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ،
وَالنَّسَائِيُّ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
1048 - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ) :
بِمَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ نُونٍ وَبِمُوَحَّدَةٍ وَحَاءٍ
مُهْمَلَةٍ نِسْبَةً إِلَى صُنَابِحِ بْنِ زَاهِرٍ، كَذَا
ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:
الصَّوَابُ عِنْدِي، أَنَّ الصُّنَابِحِيَّ هَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ التَّابِعِيُّ، لَا عَبْدُ اللَّهِ
الصَّحَابِيُّ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ
وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ) : الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ
(فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ
قَارَنَهَا) : هَذَا زَائِدٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ
فِي الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، وَبِهِ يَظْهَرُ النَّهْيُ
عَنْ حِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ إِلْحَاقِ هَذَا بِهِمَا.
(فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ)
: بِأَنِ اصْفَرَّتْ وَقَرُبَتْ مِنْ سُقُوطِ طَرَفِهَا
بِالْأَرْضِ (قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا "،
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ) : حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا،
كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ: (فِي
تِلْكَ السَّاعَاتِ) : نَهْيَ تَحْرِيمٍ. (رَوَاهُ
مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ) .
(3/829)
1049 - وَعَنْ أَبِي بَصْرَةَ
الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمُخَمَّصِ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: " إِنَّ
هَذِهِ صَلَاةٌ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ
أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى
يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» ". وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1049 - (وَعَنْ أَبِي بَصْرَةَ) : بِفَتْحِ الْبَاءِ
وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
(الْغِفَارِيُّ) : بِكَسْرِ الْغَيْنِ نِسْبَةً إِلَى
قَبِيلَةِ أَبِي ذَرٍّ (قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمُخَمَّصِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ
الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ جَمِيعًا، وَقِيلَ:
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ
بَعْدَهَا فِي آخِرِهَا صَادٌ مُهْمَلَةٌ، اسْمُ طَرِيقٍ،
نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ. (صَلَاةَ
الْعَصْرِ، فَقَالَ) أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا
(إِنَّ هَذِهِ) أَيْ: صَلَاةُ الْعَصْرِ (صَلَاةٌ
عُرِضَتْ) أَيْ: بِالْمُحَافَظَةِ (عَلَى مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ) أَيْ: مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
(فَضَيَّعُوهَا) أَيْ: مَا قَامُوا بِحَقِّهَا، وَمَا
حَافَظُوا عَلَى مُرَاعَاتِهَا، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ
تَعَالَى، فَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَلِذَا
قَالَ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] أَيْ: الْعَصْرُ
عَلَى الصَّحِيحُ خُصَّتْ بِالْمُحَافَظَةِ، (فَمَنْ
حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ) :
إِحْدَاهُمَا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَنْ
قَبْلَهُمْ، وَثَانِيَتُهُمَا: أَجْرُ عَمَلِهِ كَسَائِرِ
الصَّلَوَاتِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَوْ أَجْرٌ
لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَجْرٌ لِتَرْكِ
الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالزَّهَادَةِ، فَإِنَّ وَقْتَ
الْعَصْرِ كَانَ زَمَانَ سُوقِهِمْ وَأَوَانَ شُغْلِهِمْ،
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَرَّةٌ لِفَضْلِهَا لِأَنَّهَا
الْوُسْطَى، وَمَرَّةٌ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا،
وَمُشَارَكَةُ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ لَهَا فِي هَذَا لَا
تُؤَثِّرُ فِي تَخْصِيصِهَا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ
(وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ صَلَاةِ
الْعَصْرِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا بِذَاتِهَا
غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ، وَلَوْ كَانَ حِينَ الْغُرُوبِ كَمَا
قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. (حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ)
أَيْ: يَدُلُّ الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ اللَّيْلِ
(وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ) أَيْ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ
ظُهُورُهُ ; إِذْ بِغَيْبَةِ الشَّمْسِ يَظْهَرُ نُورُهُ
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ.
(3/829)
3 -
(3/830)
1050 - «وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً، لَقَدْ
صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهِمَا، وَلَقَدْ
نَهَى عَنْهُمَا. يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْعَصْرِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1050 - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ
صَلَاةً) أَيْ: رَكْعَتَيْنِ ; فَإِنَّهُمَا أَقَلُّ مَا
يُطْلَقُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا.
(لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهِمَا)
أَيْ: مُطْلَقًا ; أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي
الْبَيْتِ لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ لِاخْتِصَاصِهِمَا
بِهِ. (وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا) أَيْ: نَهْيًا عَامًّا
(يَعْنِي) أَيْ: يُرِيدُ مُعَاوِيَةُ بِهِمَا
(الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ) : قَالَ
الطَّحَاوِيُّ: فَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرَةً
بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ
عَمِلَ بِذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ
عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ
الْعَصْرِ حَتَّى يَنْصَرِفَ مِنْ صِلَاتِهِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَكَانَ ضَرْبُهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا
عَلَى أَنَّ الْمُتَقَرِّرَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
عَدَمُ جَوَازِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْعُذْرُ أَنَّ
هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، وَذَلِكَ
لِأَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ فَعَلَهُمَا جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ مِنَ
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، أَوْ قَبْلَ الْعَصْرِ
حِينَ شُغِلَ عَنْهُمَا، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ ; فَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا،
وَكَانَ يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْهُمَا. (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) .
(3/830)
1051 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: وَقَدْ صَعِدَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ:
مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي
فَأَنَا جُنْدُبٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «لَا صَلَاةَ
بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ
الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إِلَّا بِمَكَّةَ،
إِلَّا بِمَكَّةَ، إِلَّا بِمَكَّةَ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَرَزِينٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1051 - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ) أَيْ: أَبُو ذَرٍّ
(وَقَدْ صَعِدَ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ (قَالَ) أَيْ طَلَعَ
أَبُو ذَرٍّ (عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ) : الدَّرَجَةُ
بِفَتْحَتَيْنِ هِيَ الْآنَ خَشَبٌ يُلْصَقُ لِبَابِ
الْكَعْبَةِ لِيَرْقَى فِيهِ إِلَيْهَا مَنْ يُرِيدُ
دُخُولَهَا، فَإِذَا قُفِلَتْ حُوِّلَ لِمَحَلٍّ آخَرَ
قَرِيبٍ مِنَ الطَّوَافِ بِجَنْبِ زَمْزَمَ، فَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَذَلِكَ، وَمُحْتَمَلٌ
أَنْ يَكُونَ بِكَيْفِيَّةٍ أُخْرَى، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدَّرَجَةِ عَتَبَةَ الْكَعْبَةِ.
(مَنْ عَرَفَنِي) أَيْ: بِاسْمِي (فَقَدْ عَرَفَنِي) :
بِوَصْفِي أَيْ صَدَّقَ لَهْجَتِي، إِشَارَةٌ إِلَى
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَقِّهِ: " «مَا
أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ
أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» ". (وَمَنْ لَمْ
يَعْرِفْنِي فَأَنَا جُنْدُبٌ) : بِضَمِّ الدَّالِ
وَيُفْتَحُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: اتِّحَادُ الشَّرْطِ
وَالْجَزَاءِ لِلْإِشْعَارِ بِشُهْرَةِ صِدْقِ لَهْجَتِهِ،
وَالشَّرْطِيَّةُ الثَّانِيَةُ تَسْتَدْعِي مُقَدَّرًا
أَيْ: وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَلْيَعْلَمْ أَنِّي
جُنْدُبٌ. (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ
الصُّبْحِ) أَيْ: بَعْدَ فَرْضِ الصُّبْحِ (حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ) أَيْ:
فَرْضُهُ (حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إِلَّا بِمَكَّةَ،
إِلَّا بِمَكَّةَ، إِلَّا بِمَكَّةَ) : ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
لِلتَّأْكِيدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرَّتَانِ
الْأَخِيرَتَانِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ
مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَزِينٌ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ مَعْلُولٌ
بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: انْقِطَاعِ مَا بَيْنَ مُجَاهِدٍ
وَأَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْهُ ;
وَضَعْفِ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَضَعْفِ حُمَيْدٍ مَوْلَى
عَفْرَاءَ، وَاضْطِرَابِ سَنَدِهِ. وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ، وَأُدْخِلَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ بَيْنَ
حُمَيْدٍ هَذَا وَبَيْنَ مُجَاهِدٍ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ فَأَسْقَطَهُ مِنَ الْبَيْنِ، انْتَهَى.
وَاعْتَرَفَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ،
لَكِنْ قَالَ: إِنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِحَدِيثِ: (يَا بَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ) وَفِيهِ أَنَّ حَدِيثَهُمْ مُؤَوَّلٌ
بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنِ الطَّوَافِ
وَالصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى حَسَبِ
أَغْرَاضِهِمُ الْفَاسِدَةِ ; فَسَدَّ هَذَا الْبَابَ
عَلَيْهِمْ، وَأَطْلَقَ الْحُكْمَ مِنْ جِهَتِهِمْ وَإِنْ
كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَكْرُوهَةً
لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهَا، وَلِذَا أَضَافَ
الْحُكْمَ إِلَيْهِمْ، وَخَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ عَلَى
وَجْهِ الْعِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(3/830)
|