مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابٌ الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ
وَالْمُزْدَلِفَةِ]
(5/1806)
(5) بَابٌ: الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ
وَالْمُزْدَلِفَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2604 - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
«سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ،
فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[5] بَابٌ: الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ
أَيِ: الرُّجُوعُ مِنْهَا. (وَالْمُزْدَلِفَةِ) عَطْفٌ
عَلَى الدَّفْعِ أَيْ: وَالنُّزُولُ فِيهَا، وَفِي
نُسْخَةٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَيَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى
عَرَفَةَ، أَيْ: وَبَابُ الدَّفْعِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ،
وَيُؤَيِّدُهُ نُسْخَةُ: وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى
مِنًى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2604 - (وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ)
أَيْ: عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، مِنْ
كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَأَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ) أَيْ: خُصَّ بِالسُّؤَالِ لِأَنَّهُ كَانَ
رَدِيفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ
عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ. (كَيْفَ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ) أَيِ: انْصَرَفَ
مِنْ عَرَفَةَ، قِيلَ: وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الدَّفْعُ
فِي الْإِفَاضَةِ لِأَنَّ النَّاسَ فِي مَسِيرِهِمْ ذَلِكَ
يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقِيلَ: حَقِيقَةُ دَفْعٍ
أَيْ دَفَعَ نَفْسَهُ عَنْ عَرَفَةَ وَنَحَّاهَا. (قَالَ)
أَيْ: أُسَامَةُ (كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ) بِفَتْحَتَيْنِ
أَيِ: السَّيْرَ السَّرِيعَ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى
الْمَصْدَرِيَّةِ انْتِصَابُ الْقَهْقَرَى، أَوِ
الْوَصْفِيَّةِ أَيْ: يَسِيرُ السَّيْرَ الْعَنَقَ
(فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً) بِفَتْحٍ، أَيْ: سَعَةً
وَمَكَانَهَا خَالِيًا عَنِ الْمَارَّةِ لِوُقُوعِ
الْفُرْجَةِ بَيْنَ الْمَارَّةِ، وَالْفَجْوَةُ:
الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ (نَصَّ) : بِتَشْدِيدِ
الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: سَارَ سَيْرًا أَسْرَعَ،
قِيلَ: أَصْلُ النَّصِّ الِاسْتِقْصَاءُ، وَالْبُلُوغُ
إِلَى الْغَايَةِ، أَيْ: سَاقَ دَابَّتَهُ سَوْقًا
شَدِيدًا حَتَّى اسْتَخْرَجَ أَقْصَى مَا عِنْدَهَا، قَالَ
الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَنَقُ: الْمَشْيُ،
وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ، وَلَعَلَّ النُّكْتَةَ
الْمُبَادَرَةُ، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى الْعِبَادَةِ
الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَالطَّاعَةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(5/1807)
2605 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ
فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا لِلْإِبِلِ،
فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: " «يَا
أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ
الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2605 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَفَعَ) أَيْ:
أَفَاضَ (مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ) أَيْ: مِنْ عَرَفَةَ إِلَى
الْمُزْدَلِفَةِ لَا كَمَا وَهِمَ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ:
أَيْ: مِنْ مِنًى إِلَيْهَا، أَوْ مِنْ مَحَلِّ
الْخُطْبَةِ إِلَى مَحَلِّ الْوُقُوفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
لَا مُزَاحَمَةَ إِلَّا بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ،
كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِينَ فِي هَذَا
الْبَابِ، وَكَأَنَّهُ جَاءَ الْوَهْمُ مِنْ قَوْلِهِ:
يَوْمَ عَرَفَةَ (فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: أَحَسَّ (وَرَاءَهُ) أَيْ:
خَلْفَهُ (زَجْرًا شَدِيدًا) أَيْ: سَوْقًا لِلدَّوَابِّ،
بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ (وَضَرْبًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ
بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ) لِيَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ
وَيَسْمَعُوا قَوْلَهُ (وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ) وَفِي
نُسْخَةٍ: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمُ
بِالسَّكِينَةِ» " أَيِ: الطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ
مَعَ اللَّهِ، وَتَرْكِ الْحَرَكَةِ الْمُشَوِّشَةِ
لِقُلُوبِ خَلْقِ اللَّهِ. (فَإِنَّ الْبِرَّ) فِي
الْحَجِّ وَغَيْرِهِ (لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ) : وَهُوَ
حَمْلُ الْإِبِلِ عَلَى سُرْعَةِ السَّيْرِ، أَيْ: لَيْسَ
يَحْصُلُ الْبِرُّ بِذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ بِأَدَاءِ
الْمَنَاسِكِ وَاجْتِنَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَالْحَاصِلُ
أَنَّ الْمُسَارَعَةَ إِلَى الْخَيْرَاتِ،
وَالْمُبَادَرَةَ إِلَى الْمَبَرَّاتِ مَطْلُوبَةٌ، لَكِنْ
لَا عَلَى وَجْهٍ يَجُرُّ إِلَى الْمَكْرُوهَاتِ، وَمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذِيَّاتِ، فَلَا تَنَافِيَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) .
(5/1807)
2606 - وَعَنْهُ، «أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ
زِيدٍ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ
أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى،
فَكِلَاهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2606 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَانَ
رِدْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الدَّالِ - أَيْ: رَدِيفَهُ،
وَهُوَ الرَّاكِبُ خَلْفَهُ (مِنْ عَرَفَةَ إِلَى
الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ) أَيِ: ابْنَ
عَبَّاسٍ، يَعْنِي جَعَلَهُ رَدِيفَهُ (وَمِنَ
الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، فَكِلَاهُمَا قَالَ: "
الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلَّفْظِ، فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ
لَفْظًا، وَمُثَنًى مَعْنًى، وَهُوَ أَفْصَحُ مِنْ أَنْ
يُقَالَ فَكِلَاهُمَا قَالَا: قَالَ - تَعَالَى: {كِلْتَا
الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33] أَوِ
الْمَعْنَى: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ: (لَمْ يَزَلِ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ:
مِنْ أَوَّلِ إِحْرَامِهِ، أَوْ مِنْ عَرَفَةَ (يُلَبِّي
حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) أَيْ: فَقَطَعَ
التَّلْبِيَةَ بِرَمْيِ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَاهَا
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(5/1807)
2607 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " «جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
بِجَمْعٍ، كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ - وَلَمْ
يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إِثْرِ كُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2607 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ) أَيْ: بِالْمُزْدَلِفَةِ فِي
وَقْتِ الْعِشَاءِ (كُلَّ وَاحِدَةٍ) - بِالرَّفْعِ عَلَى
الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى
الْبَدَلِيَّةِ (مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ) أَيْ: عَلَى
حِدَةٍ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ،
وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ (وَلَمْ يُسَبِّحْ) أَيْ:
وَلَمْ يُصَلِّ سُبْحَةً أَعْنِي النَّافِلَةَ
(بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ) -
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ. وَفِي نُسْخَةٍ
بِكَسْرٍ، فَسُكُونٍ أَيْ: عَقِيبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ
(مِنْهُمَا) : وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ مَا بَيْنَهُمَا،
وَتَصْرِيحٌ لِنَفْيِ مَا بَعْدَهُمَا مِنَ النَّفْلِ،
وَهُوَ لَا يُنَافِي فِعْلَ السُّنَّةِ، وَالْوَتْرِ
فِيمَا بَعْدَهُمَا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . قَالَ
ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ: «أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا بَلَغْنَا جَمْعًا صَلَّى
بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ،
بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: هَكَذَا
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» -.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ
وَاحِدٍ، وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَا
فِي هَذَا مِنَ التَّعَارُضِ، فَإِنْ لَمْ يُرَجَّحْ مَا
اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحِيحَانِ عَلَى مَا أَنْفَرَدَ
بِهِ صَحِيحُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو دَاوُدَ حَتَّى
تَسَاقَطَا، كَانَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ يُوجِبُ
تَعَدُّدَ الْإِقَامَةِ بِتَعَدُّدِ الصَّلَاةِ، كَمَا فِي
قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ
الثَّانِيَةَ هُنَا وَقْتِيَّةٌ، فَإِذَا أُقِيمَ
لِلْأُولَى الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ
; كَانَتِ الْحَاضِرَةُ أَوْلَى أَنْ يُقَامَ لَهَا
بَعْدَهَا.
(5/1808)
2608 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " «مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا
صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ،
وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلِ مِيقَاتِهَا» ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2608 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا) أَيْ: فِي
وَقْتِهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَا
رَأَيْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى
صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا إِلَخْ، عَلَى مَنْعِ
الْجَمْعِ مِنَ السَّفَرِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: وَمَا
وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ
الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ، فَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا فِعْلًا لَا وَقْتًا، كَذَا ذَكَرَهُ
الْقَسْطَلَّانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (إِلَّا
صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ) نَصْبُهُ عَلَى
الْبَدَلِيَّةِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، أَيْ: أَعْنِي
بِهِمَا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ (الْعِشَاءِ بِجَمْعٍ) أَيْ:
صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، أَيْ:
وَصَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ
صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَعَلَّهُ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ بِمُزْدَلِفَةِ، وَلِذَا اكْتَفَى عَنْ
ذِكْرِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ
تَقْدِيرِهِمَا، أَوْ تَرَكَ ذِكْرَهُمَا لِظُهُورِهِمَا
عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، إِذْ وَقَعَ ذَلِكَ الْجَمْعُ فِي
مَجْمَعٍ عَظِيمٍ فِي النَّهَارِ عَلَى رُءُوسِ
الْأَشْهَادِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ فِي
الِاسْتِشْهَادِ، بِخِلَافِ جَمْعِ الْمُزْدَلِفَةِ،
فَإِنَّهُ بِاللَّيْلِ فَاخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ بَعْضُ
الْأَصْحَابِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةً،
وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: إِلَّا الصَّلَاتَيْنِ،
الْمُرَادُ بِهِمَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، سَوَاءٌ
اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَدَاءِ،
أَوِ انْقَطَعَ كَمَا بَنَى عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبِنَاءَ، فَإِنَّ صَلَاةَ
الْعِشَاءِ فِي مِيقَاتِهَا الْمُقَدَّرِ شَرْعًا
إِجْمَاعًا. (وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ) أَيْ:
بِمُزْدَلِفَةَ (قَبْلَ مِيقَاتِهَا) أَيْ: بِغَلَسٍ
قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ، وَهُوَ الْإِسْفَارُ،
لَكِنْ بَعْدَ الْفَجْرِ، إِذِ التَّقْدِيمُ عَلَى
مِيقَاتِهَا الْمُقَدَّرِ شَرْعًا لَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا،
وَقَدْ صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ، «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ " صَلَّى الْفَجْرَ
بَعْدَ الصُّبْحِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَقَالَ: الْفَجْرُ
فِي هَذِهِ السَّاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(5/1808)
2609 - «وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2609 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنَا مِمَّنْ
قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-) أَيْ: قَدَّمَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِنَصْبِ النَّبِيِّ،
فَالتَّقْدِيرُ أَيْ: مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ، أَيْ: عَلَيْهِ
(لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ) أَيْ: إِلَى مَنْ (فِي
ضَعَفَةِ أَهْلِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ ضَعِيفٍ، أَيْ:
مِنَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. قَالَ الطِّيبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ: يُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ الضَّعَفَةِ
لَيْلًا لِئَلَّا يَتَأَذَّوْا بِالزِّحَامِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رُخْصَةٌ بِالْعُذْرِ. (مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ سَوْدَةَ
لِشَحَامَتِهَا، وَثِقَلِ بَدَنِهَا، أَفَاضَتْ فِي
النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ
يَأْمُرْهَا بِالدَّمِ، وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا
مَعَهَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ
بِعُذْرٍ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا مِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَاجِبَ وُجُودُهُ
بِمُزْدَلِفَةَ فِي جُزْءٍ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ،
وَأَنَّ الْمَبِيتَ وَاجِبٌ لَا رُكْنٌ خِلَافًا لِجَمْعٍ
مِنَ التَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ، فَيُجْبَرُ بِدَمٍ،
فَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا
تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(5/1808)
2610 - «وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي
عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ
دَفَعُوا: " عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ " وَهُوَ كَافٌّ
نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وَهُوَ مِنْ مِنًى،
قَالَ " عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى
بِهِ الْجَمْرَةَ ". وَقَالَ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي حَتَّى
رَمَى الْجَمْرَةَ؛» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2610 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَيْ:
عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ (عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَيْ:
أَخِيهِ شَقِيقِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ
عَبَّاسٍ (وَكَانَ) أَيِ: الْفَضْلُ (رَدِيفَ النَّبِيِّ)
: وَفِي نُسْخَةٍ: رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ: مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى
مِنًى، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ (أَنَّهُ) أَيِ:
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ
فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا سَمِعَهُ
وَهُوَ غَيْرُ رَدِيفِهِ (وَغَدَاةَ جَمْعٍ) أَيْ: مِنْ
مُزْدَلِفَةَ يَعْنِي حَالَ كَوْنِهِ رَدِيفًا لَهُ
(لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا) أَيِ: انْصَرَفُوا مِنْ
عَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ (عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ)
: مَقُولُ الْقَوْلِ، أَيْ: الْزَمُوهَا (وَهُوَ) أَيِ:
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(كَافٌّ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ: مَانِعٌ مِنَ
السُّرْعَةِ بِالْفِعْلِ (نَاقَتَهُ) أَيْ: حِينَ
الزِّحَامِ (حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا) : بِتَشْدِيدِ
السِّينِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: يُحَرِّكُ دَابَّتَهُ فِيهِ
(وَهُوَ) أَيِ: الْمُحَسِّرُ (مِنْ مِنًى) أَيْ: مَوْضِعٍ
قَرِيبٍ مِنْ مِنًى فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ، قَالَ
الْأَزْرَقِيُّ: فِي حَدِّ مِنًى مَا بَيْنَ جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ، وَوَادِي مُحَسِّرٍ، وَلَيْسَتْ جَمْرَةُ
الْعَقَبَةِ، وَعَقَبَتُهَا، وَوَادِي مُحَسِّرٍ مِنْ
مِنًى، بَلْ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جِبَالِ مِنًى مِنْهَا
دُونَ مَا أَدْبَرَ، وَقِيلَ: الْعَقَبَةُ مِنْ مِنًى،
وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِحَصَى
الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ، وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ،
أَيْ: بِحَصًى يُمْكِنُ أَنْ يُخْذَفَ بِالْخَذْفِ، وَهُوَ
قَدْرُ الْبَاقِلَاءِ تَقْرِيبًا.
رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ،
وَصَحَّحَهُ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
غَدَاةَ جَمْعٍ: " الْقُطْ لِي " فَلَقَطْتُ لَهُ
حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ
فِي يَدِهِ قَالَ: " نَعَمْ، بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ
فَارْمُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ،
فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي
الدِّينِ» . وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ
أَخِيهِ الْفَضْلِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ: "
الْتَقِطْ لِي حَصًى ". قَالَ: فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ
حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ
فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا:
السُّنَّةُ الْتِقَاطُ هَذِهِ السَّبْعِ قَبْلَ الْفَجْرِ،
وَعَلَّلُوهُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَذْفُ رَمْيُكَ
حَصَاةً أَوْ نَوَاةً بِالْأَصَابِعِ، تَأْخُذُهَا بَيْنَ
سَبَّابَتَيْنِ، وَتَرْمِي بِهَا، وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ
الرَّافِعِيُّ، لَكِنِ اعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ
نَهَى عَنْ هَيْئَةِ الْخَذْفِ بِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ
الصَّيْدَ، وَلَا يَنْكَا الْعَدُوَّ، وَأَنَّهُ يَفْقَأُ
الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ
رَمْيَ الْجِمَارِ، وَغَيْرَهُ، وَاخْتَارَ أَنَّ هَيْئَةَ
الْخَذْفِ هُنَا أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى بَطْنِ
إِبْهَامِهِ، وَيَرْمِيَهَا بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ،
وَمُخْتَارُ ابْنِ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بِأَنَّهُ يَرْمِي بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ مِنَ
الْإِبْهَامِ، وَالسَّبَّابَةِ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ،
وَأَيْسَرُ، فَتَدَبَّرْ. (الَّذِي يُرْمَى بِهِ
الْجَمْرَةُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ
الْفَاعِلِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي أَوْ
يَعْنِي، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَهَذَا فِي
غَيْرِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَمَّا رَمْيُهُ فِيهِ،
فَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَلْتَقِطَهُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ -
فَوَهْمٌ غَرِيبٌ، إِذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ
الرَّمْيَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ يَكُونُ بِالَّذِي
رَمَى بِهِ الْجَمْرَةَ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى كَرَاهَةِ
الرَّمْيِ بِمَا رَمَى بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَغَيْرَهُ،
لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ: " «مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ، لَوْلَا ذَلِكَ
لَرَأَيْتَهَا مِثْلَ الْجِبَالِ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: "
تَسُدُّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ " وَفِي رِوَايَةٍ،
رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، هُوَ وَالْبَيْهَقِيُّ،
وَحَسَّنَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَضَعَّفَهُ
بَعْضُهُمْ، لَكِنْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِثْلُهُ
لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، فَلَهُ حُكْمُ
الْمَرْفُوعِ. (وَقَالَ) أَيْ: فَضْلٌ (لَمْ يَزَلْ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ) أَيْ: حَتَّى رَمَى
أَوَّلَ حَصَاةٍ مِنْ حَصَيَاتِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَفِيهِ: " «عَلَيْكُمْ بِحَصَى
الْخَذْفِ» " وَيُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ
الْإِنْسَانُ، وَهُوَ لِلْإِيضَاحِ، وَالْبَيَانِ لِحَصَى
الْخَذْفِ، وَإِلَّا أَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الْخَذْفِ
الَّذِي تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(5/1809)
2611 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: «أَفَاضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَمْعٍ وَعَلَيْهِ
السَّكِينَةُ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَأَوْضَعَ
فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا
بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ. وَقَالَ: " لَعَلِّي لَا
أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» ". لَمْ أَجِدْ هَذَا
الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا فِي: " جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ " مَعَ تَقْدِيمٍ، وَتَأْخِيرٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2611 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَفَاضَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَمْعٍ) أَيِ:
الْمَشْعَرِ (وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَأَمَرَهُمْ)
أَيِ: النَّاسَ (بِالسَّكِينَةِ، وَأَوْضَعَ) أَيْ:
أَسْرَعَ (وَفِي وَادِي مُحَسِّرٍ) أَيْ: قَدْرَ رَمْيَةِ
حَجَرٍ (وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَى
الْحَذْفِ) أَيْ: بِقَدْرِهِ (وَقَالَ: " «لَعَلِّي لَا
أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» ) : لَعَلَّ هَهُنَا
لِلْإِشْفَاقِ، وَفِيهِ
(5/1809)
تَحْرِيضٌ عَلَى أَخْذِ الْمَنَاسِكِ
مِنْهُ، وَحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا عَنْهُ. قَالَ
الْمُظْهِرُ: " لَعَلَّ " لِلتَّرَجِّي، وَقَدْ
تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الظَّنِّ، وَعَسَى اهـ. أَيْ:
تَعَلَّمُوا مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، فَإِنِّي أَظُنُّ
أَنْ لَا أَرَاكُمْ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَقَدْ
كَانَ كَمَا ظَنَّهُ، فَإِنَّهُ فَارَقَ الدُّنْيَا فِي
تِلْكَ السَّنَةِ فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ
(لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) هَذَا
مِنْ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ نَوْعٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ
عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ، حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا
الْحَدِيثَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ مَوْجُودًا
فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ (إِلَّا فِي: جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ) أَيْ: لَكِنْ وَجَدْتُهُ فِيهِ (مَعَ
تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ) : وَهَذَا أَيْضًا مُتَضَمِّنٌ
لِاعْتِرَاضٍ آخَرَ، فَتَدَبَّرْ.
(5/1810)
الْفَصْلُ الثَّانِي
2612 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّ
أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ
حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ
فِي وُجُوهِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ، وَمِنَ
الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حِينَ
تَكُونُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ.
وَإِنَّا لَا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ
الشَّمْسُ، وَنَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ
تَطْلُعَ الشَّمْسُ، هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ
عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَالشِّرْكِ» ". رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ فِيهِ: " خَطَبَنَا " وَسَاقَهُ
بِنَحْوِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
2612 - (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ) :
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
وَفَتْحِ الرَّاءِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي
التَّابِعِينَ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ. (قَالَ: خَطَبَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: غَيْرَ
قُرَيْشٍ (كَانُوا يَدْفَعُونَ) أَيْ: يَرْجِعُونَ (مِنْ
عَرَفَةَ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ
الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ) الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "
تَكُونُ " وَجُمْلَةُ التَّشْبِيهِ مُعْتَرِضَةٌ قَبْلَ
(قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ) : بِضَمِّ الرَّاءِ، ظَرْفٌ لِـ "
يَدْفَعُونَ " أَوْ بَدَلٌ مِنْ " حِينَ ". قَالَ بَعْضُ
الشُّرَّاحِ أَيْ: حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِي
وُجُوهِهِمْ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ
بِأَنْ يَقَعَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُحَاذِي
وُجُوهَهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَلَى رُءُوسِهِمْ؛
لِأَنَّ فِي مُوَاجَهَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ الْغُرُوبِ
إِنَّمَا يَقَعُ ضَوْءُهَا عَلَى مَا يُقَابِلُهَا، وَلَمْ
تَعُدْ إِلَى مَا فَوْقَهُ مِنَ الرَّأْسِ
لِانْحِطَاطِهَا، وَكَذَا وَقْتَ الطُّلُوعِ، وَإِنَّمَا
شَبَّهَهَا بِعَمَائِمِ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ
إِذَا كَانَ بَيْنَ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، لَمْ
يُصِبْهُ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ إِلَّا الشَّيْءُ الَّذِي
يَلْمَعُ فِي جَبِينِهِ لَمَعَانَ بَيَاضِ الْعِمَامَةِ،
وَالظِّلُّ يَسْتُرُ بَقِيَّةَ وَجْهِهِ، وَبَدَنِهِ،
فَالنَّاظِرُ إِلَيْهِ يَجِدُ ضَوْءَ الشَّمْسِ فِي
وَجْهِهِ مِثْلَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ فَوْقَ الْجَبِينِ،
وَالْإِضَافَةُ فِي عَمَائِمَ لِمَزِيدِ التَّوْضِيحِ
كَمَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ
لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نِسَاءِ الْأَعْرَابِ، فَإِنَّ عَلَى
رُءُوسِهِنَّ مَا يُشْبِهُ الْعَمَائِمَ، كَمَا قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ. (وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ) أَيْ: يَرْجِعُونَ
(بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حِينَ تَكُونُ كَأَنَّهَا
عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: شَبَّهَ مَا يَقَعُ
عَلَيْهِ مِنَ الضَّوْءِ عَلَى الْوَجْهِ طَرَفَيِ
النَّهَارِ حِينَ مَا دَنَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْأُفُقِ
بِالْعِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْمَعُ فِي وَجْهِهِ
لَمَعَانَ بَيَاضِ الْعِمَامَةِ (وَإِنَّا لَا نَدْفَعُ
مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) ، فَيُكْرَهُ
النَّفْرُ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ،
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَاجِبٌ (وَنَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ
قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) أَيْ: عِنْدَ
الْإِسْفَارِ ; فَيُكْرَهُ الْمُكْثُ بِهَا إِلَى طُلُوعِ
الشَّمْسِ اتِّفَاقًا (هَدْيُنَا) أَيْ: سِيرَتُنَا
وَطَرِيقَتُنَا (مُخَالِفٌ لِهَدْيِ عَبَدَةِ
الْأَوْثَانِ) أَيِ: الْأَصْنَامِ (وَالشِّرْكِ) أَيْ:
أَهْلِهِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ فِيهَا مَعْنَى
التَّعْلِيلِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: لِهَدْيِ
الْأَوْثَانِ، وَالشِّرْكِ. قَالَ شَارِحُهُ: الْمُرَادُ
سِيرَةُ أَهْلِهِمَا، وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهِمَا
لِأَنَّهُمَا ; كَالْآمِرِينَ لَهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ،
وَاتَّخَذُوهُ سَبِيلًا اهـ.
وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي الْمُخَالَفَةِ مَعَ قَطْعِ
النَّظَرِ عَنْ تَرْكِ الْمُوَافَقَةِ حُصُولُ
الْإِطَالَةِ لِلْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ
بِالْإِجْمَاعِ دُونَ وُقُوفِ الْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنَّهُ
وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَسُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ،
وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (رَوَاهُ) . كَذَا فِي
الْأَصْلِ بَيَاضٌ هُنَا، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ كَتَبَ
فِي الْهَامِشِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْ: فِي " شُعَبِ
الْإِيمَانِ " ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ، وَلَفْظُ
الْبَيْهَقِيِّ: " خَطَبَنَا " وَسَاقَهُ بِنَحْوِهِ،
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ: رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ
اعْتِرَاضًا عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ.
(5/1810)
2613 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ
الْمُزْدَلِفَةِ - أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
- عَلَى حُمُرَاتٍ، فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا،
وَيَقُولُ: " أُبَيْنِيَّ، لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ
حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2613 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ:
أَرْسَلَنَا قُدَّامَهُ، أَوْ أَمَرَنَا بِالتَّقَدُّمِ
إِلَى مِنًى (لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَقَدُّمِ
النِّسْوَانِ، وَالصِّبْيَانِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ
الِانْتِصَافِ اهـ. وَكَوْنُهُ بَعْدَ الِانْتِصَافِ فِي
مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ.
(أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) أَيْ:
صِبْيَانَهُمْ، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الصِّبْيَانِ عَلَى
النِّسْوَانِ، وَهُوَ تَصْغِيرٌ شَاذٌّ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ
غِلْمَةٍ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - غُلَيْمَةٌ، وَقِيلَ:
هُوَ تَصْغِيرُ أَغْلِمَةٍ جَمْعِ غُلَامٍ قِيَاسًا،
وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ، وَالْمُسْتَعْمَلُ غِلْمَةٌ فِي
الْقِلَّةِ، وَالْغِلْمَانُ فِي الْكَثْرَةِ، وَنَصْبُهُ
عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي، أَوْ
عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ ضَمِيرِ " قَدَّمَنَا " وَ (عَلَى
حُمُرَاتٍ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حُمُرٍ جَمْعِ حِمَارٍ
رَاكِبِينَ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْحَجَّ عَلَى الْحِمَارِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ فِي السَّفَرِ
الْقَرِيبِ (فَجَعَلَ) أَيْ: فَشَرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَلْطَحُ) : بِفَتْحِ
الطَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ: يَضْرِبُ
(أَفْخَاذَنَا) : وَاللَّطْحُ: الضَّرْبُ بِبَاطِنِ
الْكَفِّ لَيْسَ بِالتَّشْدِيدِ تَلَطُّفًا (وَيَقُولَ:
أُبَيْنِيَّ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ النُّونِ،
وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَيُكْسَرُ - تَصْغِيرُ
ابْنٍ، مُضَافٌ إِلَى النَّفْسِ، أَوْ بَعْدَ جَمْعِهِ
جَمْعَ السَّلَامَةِ، إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ؛
لِأَنَّ هَمْزَتَهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ
التَّصْغِيرَ يَرُدُّ الشَّيْءَ إِلَى أَصْلِهِ مِثْلَ
الْجَمْعِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {الْمَالُ
وَالْبَنُونَ} [الكهف: 46] فَأَصْلُ ابْنٍ بَنُو، فَهُوَ
مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْعَجُزِ، فَالظَّاهِرُ
أَنْ يُقَالَ: بَنِيَّ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَلْتَبِسُ
بِالْمُفْرَدِ زِيدَ الْهَمْزَةَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: تَصْغِيرُ ابْنَا
يَعْنِي كَانَ مُفْرَدُهُ مَقْطُوعَ الْأَلِفِ، فَصُغِّرَ
عَلَى أُبَيْنٍ، ثُمَّ جُمِعَ جَمْعَ السَّلَامَةِ،
وَقِيلَ: ابْنَى بِوَزْنِ أَعْمَى، قُلِبَتْ أَلِفُهُ
يَاءً لِكَسْرِ مَا بَعْدَ يَاءِ التَّصْغِيرِ،
وَأُضِيفَتْ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهُوَ اسْمُ
جَمْعٍ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: تَصْغِيرُ
ابْنَى: بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ، فَفَتْحٍ، فَتَشْدِيدٍ،
كَمَا أَنَّ تَصْغِيرَ أَعْمَى أُعَيْمَى، وَفِي "
النِّهَايَةِ ": قِيلَ ابْنٌ يُجْمَعُ عَلَى أَبْنَاءٍ
مَقْصُورًا، وَمَمْدُودًا، وَقِيلَ: تَصْغِيرُ ابْنٍ
وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ هَمْزَتَهُ وَصْلِيَّةٌ،
وَالتَّصْغِيرُ يُرْجِعُ الشَّيْءَ إِلَى أَصْلِهِ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ، أَوْ وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّهُ مُفْرَدٌ،
مَا بَعْدَهُ جَمْعٌ، فَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
الْجِنْسُ، أَوِ النِّدَاءُ لِلْأَشْرَفِ أَصَالَةً،
وَالْخِطَابُ لِلْبَقِيَّةِ تَبَعًا، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ
- تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي لَفْظَةٍ
مُتَّحِدَةٍ، وَالدِّرَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ، فَقَوْلُ
الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ
عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ:
هَذَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِي لَفْظِهِ، مَعْنَاهُ لَيْسَ
فِي تَحْقِيقِ مُقْتَضَاهُ، وَتَدْقِيقِ فَحْوَاهُ،
وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ: يَا وُلَيْدَاتِي، أَوْ يَا
أَبْنَائِي، أَوْ يَا بَنِيَّ (لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ)
أَيْ: جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ (حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ) : وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ
جَوَازِ الرَّمْيِ فِي اللَّيْلِ، وَعَلَيْهِ أَبُو
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَكْثَرُونَ خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ، وَالتَّقْيِيدُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ؛
لِأَنَّ الرَّمْيَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ، وَمَا قَبْلَهُ
بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. (رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
(5/1811)
2614 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ
النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ فِي الْفَجْرِ، ثُمَّ
مَضَتْ فَأَفَاضَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْيَوْمَ
الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2614 - (عَنْ عَائِشَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
(قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ) أَيْ: وَمَنْ مَعَهَا مِنَ
الضَّعَفَةِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ
(لَيْلَةَ النَّحْرِ) أَيْ: مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى
(فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ فِي الْفَجْرِ) أَيْ: طُلُوعِ
الصُّبْحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ قَبْلَ صَلَاةِ
الْفَجْرِ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ،
فَلَا دَلَالَةَ لِلشَّافِعِيِّ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ،
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا: (ثُمَّ مَضَتْ) أَيْ: ذَهَبَ
مِنْ مِنًى (فَأَفْضَتْ) أَيْ: طَافَتْ طَوَافَ
الْإِفَاضَةِ ;
(5/1811)
(وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ) أَيِ:
الْيَوْمُ الَّذِي فَعَلَتْ فِيهِ مَا ذَكَرَ مِنَ
الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ (الْيَوْمَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى
الْخَبَرِيَّةِ (وَالَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا) : وَفِيهِ
إِشَارَةٌ إِلَى السَّبَبِ الَّذِي أُرْسِلَتْ مِنَ
اللَّيْلِ رَمَتْ قَبْلَ طُلُوعٍ فِي النَّهَارِ،
بِخِلَافِ سَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ
أَفَضْنَ فِي اللَّيْلَةِ الْآتِيَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ: جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ رَمْيَ
الْجَمْرَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ
تَأْخِيرَهُ عَنْهُ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا رُخْصَةٌ لِأُمِّ سَلَمَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ
إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ ": لِلشَّافِعِيِّ مَا رَوَى
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ
لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا، قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِهِ، عَنْ
عَطَاءٍ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ
ضَعِيفٍ، وَزَادَ فِيهِ " وَأَيَّةُ سَاعَةٍ شَاءَ مِنَ
النَّهَارِ " وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اللَّيْلَةِ
الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، لِمَا عَرَفَ أَنَّ وَقْتَ
رَمْيِ كُلِّ رَمْيٍ إِذَا دَخَلَ مِنَ النَّهَارِ
امْتَدَّ إِلَى آخِرِ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ
النَّهَارَ، فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ، فَاللَّيَالِي فِي
الرَّمْيِ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لَا
اللَّاحِقَةِ، بِدَلِيلِ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ،
عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدِّمُ
ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا
يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمَرَ ضَعَفَةَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْ
جَمْعٍ بِلَيْلٍ، وَيَقُولُ: " «أُبَيْنِيَّ لَا تَرْمُوا
الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ". وَرَوَى
الطَّحَاوِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ،
وَثَقَلَهُ صَبِيحَةَ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ
الْفَجْرِ بِسِوَارٍ، وَلَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ إِلَّا
مِصْبِحِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ فِي
الثَّقَلِ، وَقَالَ: " «لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى
تُصْبِحُوا» " فَأَثْبَتْنَا الْجَوَازَ بِهَذَيْنِ،
وَالْفَضِيلَةَ بِمَا قَبْلَهُ.
(5/1812)
2615 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ " يُلَبِّي الْمُقِيمُ، أَوِ
الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ " رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2615 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُلَبِّي
الْمُقِيمُ) أَيْ: بِمَكَّةَ مِنَ الْمُعْتَمِرِينَ (أَوِ
الْمُعْتَمِرُ) أَيْ: مِنَ الْقَادِمِينَ، فَـ (أَوْ)
لِلتَّنْوِيعِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهِ
الْمُعْتَمِرُ مُطْلَقًا، فَـ (أَوْ) شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي. (حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ، وَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ: (وَرُوِيَ) :
عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ (مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ) أَقُولُ: كَأَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ
مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ مَوْقُوفًا، فَيَكُونُ
الِاقْتِصَارُ الْمُخِلُّ مِنَ الْمُصَنِّفِ، فَكَانَ
حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مَرْفُوعًا.
وَفِي الْمَصَابِيحِ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ إِلَى أَنْ
يَفْتَتِحَ قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ: يُلَبِّي الَّذِي
أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ وَقْتِ إِحْرَامِهِ إِلَى
أَنْ يَبْتَدِئَ بِالطَّوَافِ، ثُمَّ يَتْرُكُ
التَّلْبِيَةَ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَرَفَعَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَفِي " الْهِدَايَةِ " قَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ
الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ، كَمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى
الْبَيْتِ، وَعَنْهُ كَمَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ. قَالَ
ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَنَا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي
الْعُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ» ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ،
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يُلَبِّي
الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» " اهـ.
فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُصُورَ إِنَّمَا هُوَ فِي
نَقْلِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ، وَمُنَاسَبَةُ هَذَا
الْحَدِيثِ لِعُنْوَانِ الْبَابِ اسْتِطْرَادٌ لِحُكْمِ
قَطْعِ التَّلْبِيَةِ لِلْمُعْتَمِرِ، كَمَا ذُكِرَ فِيمَا
تَقَدَّمَ وَقْتُ قَطْعِ تَلْبِيَةِ الْمُحْرِمِ
بِالْحَجِّ.
(5/1812)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
2616 - عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ،
أَنَّهُ سَمِعَ الشَّرِيدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
يَقُولُ: " «أَفَضْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا مَسَّتْ قَدَمَاهُ
الْأَرْضَ حَتَّى أَتَى جَمْعًا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ 2616 - (عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمِ
بْنِ عُرْوَةَ) أَيِ: ابْنِ مِسْعَرٍ - الثَّقَفِيِّ،
ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ (أَنَّهُ) أَيْ:
يَعْقُوبُ (سَمِعَ الشَّرِيدَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ شَرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ، كَانَ
اسْمُهُ مَالِكًا، فَقَتَلَ قَتِيلًا مِنْ قَوْمِهِ،
فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَسْلَمَ، فَسَمَّاهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الشَّرِيدَ (يَقُولُ: أَفْضْتُ) أَيْ: رَجَعْتُ مِنْ
عَرَفَاتٍ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا مَسَّتْ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ
حَتَّى أَتَى جَمْعًا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: عِبَارَةٌ عَنِ الرُّكُوبِ مِنْ عَرَفَةَ
إِلَى الْجَمْعِ، يَعْنِي: فَمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَزَلَ لِنَقْصِ الطَّهَارَةِ،
فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَاءَ الْوُضُوءِ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ
أَمَامَكَ، وَقِيلَ: تَوَضَّأَ وُضُوءًا ثُمَّ رَكِبَ.
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(5/1813)
2617 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ
الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ
الزُّبَيْرِ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ: كَيْفَ نَصْنَعُ فِي
الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ
كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ
عَرَفَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ،
إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ. فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَ
ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي
ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ؟ ! رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2617 - (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ) أَيِ: الزُّهْرِيِّ (قَالَ:
أَخْبَرَنِي سَالِمٌ) أَيِ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ (أَنَّ الْحَجَّاجَ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ:
كَثِيرَ الْحُجَجِ بِضَمِّ الْحَاءِ (ابْنَ يُوسُفَ) أَيِ:
الثَّقَفِيَّ قَاتِلَ الْأَنْفُسِ، قِيلَ: قَتَلَ مِائَةً
وَعِشْرِينَ أَلْفًا قَتْلَ صَبْرٍ (عَامَ نَزَلَ) أَيْ:
بِجَيْشٍ كَثِيرٍ (بِابْنِ الزُّبَيْرِ) أَيْ: سَنَةَ
بَارَزَ، وَقَاتَلَ فِيهَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ الْخَلِيفَةِ بِمَكَّةَ، وَالْعِرَاقِيِّينَ،
وَغَيْرِهَا مَا عَدَا نَحْوَ الشَّامِ، حَتَّى فَرَّ مَنْ
مَعَهُ، وَبَقِيَ صَابِرًا مُجَاهِدًا بِنَفْسِهِ إِلَى
أَنْ ظَفِرُوا بِهِ، فَقَتَلُوهُ، وَصَلَبُوهُ، ثُمَّ
أَمَّرَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَجَّاجَ تِلْكَ السَّنَةَ
عَلَى الْحَاجِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ فِي جَمِيعِ
أَحْوَالِ نُسُكِهِ بِأَقْوَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَنْ يَسْأَلَهُ، وَلَا
يُخَالِفَهُ، فَحِينَئِذٍ (سَأَلَ) أَيِ: الْحَجَّاجُ
(عَبْدَ اللَّهِ) أَيِ: ابْنَ عُمَرَ، وَهُوَ أَبُو
سَالِمٍ الرَّاوِي (كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ
يَوْمَ عَرَفَةَ؟) أَيْ: فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ،
وَالْعَصْرِ، وَالْوُقُوفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَلْ
نُقَدِّمُهُمَا عَلَى الْوُقُوفِ، أَوْ نُوَسِّطُهُمَا
فِيهِ، أَوْ نُؤَخِّرُهُمَا عَنْهُ؟ (فَقَالَ سَالِمٌ)
أَيِ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَفِيهِ تَجْرِيدٌ، أَوْ
نَقْلٌ بِالْمَعْنَى، وَإِلَّا فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ
يَقُولَ، فَقُلْتُ، وَإِنَّمَا أَجَابَ قَبْلَ أَبِيهِ
تَخْفِيفًا، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا،
وَإِهَانَةً لِلْحَجَّاجِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُتَكَبِّرًا
نَكِيرًا. (إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ) أَيْ:
مُتَابَعَةَ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ
الْكَلَامِ (فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ) أَيِ: الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ (يَوْمَ عَرَفَةَ) : فِي " النِّهَايَةِ ":
التَّهْجِيرُ التَّبْكِيرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَالْمَعْنَى
صَلِّ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمْعًا أَوَّلَ وَقْتِ
الظُّهْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّاجَ، وَابْنَ
عُمَرَ، وَوَلَدَهُ كَانُوا مُقِيمِينَ، فَيُفِيدُ أَنَّ
هَذَا الْجَمْعَ جَمْعُ نُسُكٍ لَا جَمْعُ سَفَرٍ.
(فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ) أَيْ:
سَالِمٌ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ وَلَدِهِ، وَدَفْعٌ
لِمَا فِي قَلْبِ الْحَجَّاجِ مِنْ تَرَدُّدِهِ
(إِنَّهُمْ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُفْتَحُ أَيْ:
إِنَّ الصَّحَابَةَ (كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ
الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ) حَالٌ، أَيْ:
مُتَوَغِّلِينَ فِي السُّنَّةِ مُتَمَسِّكِينَ بِهَا،
وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَجَّاجِ، قَالَهُ الشَّاطِبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَقُلْتُ لِسَالِمٍ) : قَائِلُهُ
ابْنُ شِهَابٍ (أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟) : بِإِثْبَاتِ
الِاسْتِفْهَامِ فِي النُّسَخِ الْمُصَحِّحَةِ
لِلْأَعْلَامِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ
حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ بِحَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ
لِظُهُورٍ فِي الْمَقَامِ. (فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ
يَتَّبِعُونَ) : بِالتَّشْدِيدِ (ذَلِكَ) أَيْ: فِي ذَلِكَ
الْجَمْعِ (إِلَّا سُنَّتَهُ) : أَوْ لَا يَتَّبِعُونَ
التَّهْجِيرَ فِي الْجَمْعِ لِشَيْءٍ إِلَّا لِسُنَّةٍ،
فَنَصْبُ سُنَّةٍ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ ذَكَرَهُ
الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ
حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَالْمَعْنَى يَتَّبِعُونَ
بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
مُهْمَلَةً، كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ الْأَتْبَاعِ،
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِمُثَنَّاتَيْنِ
مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ،
وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الِابْتِغَاءِ، وَهُوَ
الطَّلَبُ، وَبِذَلِكَ بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلٌ " وَفِي "
اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: لَا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ،
تَفْسِيرٌ لِـ يَبْتَغُونَ مِنَ الِابْتِغَاءِ، وَهُوَ
مُخَالِفٌ لِأَغْلَبِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، وَأَكْثَرِ
رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ نَسْخُ
الْمِشْكَاةِ عَلَى ذَلِكَ بِدُونِ الْبَاءِ، وَبِغَيْرِ "
فِي " فَتَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ الْعُدُولَ عَنْ نِسْبَةِ
الْفِعْلِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً لِيَكُونَ الدَّلِيلُ حُجَّةً
إِجْمَاعِيَّةً لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا الْحَجَّاجُ.
وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ مَا مَاتَ حَتَّى أَعْتَقَ أَلْفَ إِنْسَانٍ،
أَوْ زَادَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ أَمَرَ رَجُلًا،
فَسَمَّ زَجَّ رُمْحِهِ، وَزَاحَمَهُ فِي الطَّرِيقِ،
وَوَضَعَ الزَّجَّ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْحَجَّاجَ خَطَبَ يَوْمًا، وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ،
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ الشَّمْسَ لَا تَنْتَظِرُكَ.
(5/1813)
فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ
أُحَرِّكَ الَّذِي فِي عَيْنَيْكَ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ،
فَإِنَّكَ سَفِيهٌ مُسَلَّطٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَخْفَى
قَوْلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يُسْمِعْهُ،
وَكَانَ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِعَرَفَةَ،
وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِيهَا،
وَكَانَ ذَلِكَ يَعِزُّ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَقَدْ سُئِلَ
بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ حَالِ عَبْدِ الْمَلِكِ ; فَأَجَابَ
بِأَنَّ الْحَجَّاجَ سَيِّئَةٌ مِنْ سَيِّئَاتِهِ،
فَيَكْفِيهِ سَبَبًا فِي تَسَفُّلِ دَرَكَاتِهِ.
وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ
مَنْقَبَةٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ
جَوْرِهِ، وَتَعَدِّيهِ لِلْحُدُودِ أَلْزَمَ الْحَجَّاجَ
مَعَ فَظَاظَتِهِ، وَجَبَرُوتِهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ
بِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ: وَيَقْتَدِي
بِفِعْلِهِ فِي جَمِيعِ نُسُكِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ
ظَاهِرًا، وَكَمَنَ قَتَلَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ
بِهِ أَحَدٌ، فَأَمَرَ أَتْبَاعَهُ بِسَمِّ أَسِنَّةِ
رِمَاحِهِمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ بِهَا بَيْنَ
النَّاسِ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَسَرَّ لِوَاحِدٍ
مِنْهُمْ أَنْ يَنْظُرَ ابْنَ عُمَرَ حَتَّى يَخْرُجَ
لِلْمَسْجِدِ، فَيَمْشِيَ بِإِزَائِهِ، ثُمَّ يَرَى
النَّاسُ أَنَّهُ يَتَشَاغَلُ بِالزَّحْمَةِ، فَيُسْقِطُ
رُمْحَهُ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ عَلَى
رِجْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَأَصَابَهَا سِنَانُهُ
الْمَسْمُومُ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ شَعَرَ ابْنُ
عُمَرَ بِذَلِكَ، وَشَافَهَ بِهِ الْحَجَّاجَ لَمَّا
عَادَهُ، وَقَالَ لَهُ: لَوْ عَلِمْنَا مَنْ فَعَلَ بِكَ
ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ لَهُ: فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ
أَمَرَ النَّاسَ بِسَمِّ أَسِنَّةِ رِمَاحِهِمْ، اهـ.
وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ لَا يَخْفَى، فَإِنَّ أَمْرَ عَبْدِ
الْمَلِكِ لَهُ ثَانِيًا إِنَّمَا كَانَ عَلَى مَكِيدَةٍ
بَاطِنِيَّةٍ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ الظَّاهِرِيَّةِ،
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ خَائِفًا لِخُرُوجِ ابْنِ
عُمَرَ، وَقَبُولِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْخَاصَّةِ،
وَالْعَامَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا
فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَتَلُوهُ كَمَا قَتَلُوا
سَائِرَ الصَّحَابَةِ، وَأَكَابِرَ السَّادَةِ،
وَالتَّابِعِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُمَّةِ، قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
(5/1814)
|