مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ الْهَدْيِ]
(5/1818)
(7) - بَابُ الْهَدْيِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2627 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ،
ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ، فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ
سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَّتَ الدَّمَ عَنْهَا،
وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ،
فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ
بِالْحَجِّ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(7) - بَابُ الْهَدْيِ
بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ، وَهُوَ مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ
مِنَ النَّعَمِ شَاةً كَانَ، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ
بَعِيرًا. الْوَاحِدَةُ هَدْيَةٌ. وَقَدْ رَوَى
الشَّيْخَانِ، أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- أَهْدَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ أَهْدَى فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ
سَبْعِينَ بَدَنَةً. وَفِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ عَقِبَهَا
سِتِّينَ بَدَنَةً.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقَالُ مَالِي
هُدًى إِنْ كَانَ كَذَا وَهُوَ يَمِينٌ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
2627 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ) أَيْ: رَكْعَتَيْنِ لِكَوْنِهِ
مُسَافِرًا، وَاكْتَفَى بِهِمَا عِوَضًا عَنْ رَكْعَتَيِ
الْإِحْرَامِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ
سُنَّةَ الْإِحْرَامِ (ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ) قِيلَ:
لَعَلَّهَا كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ رَوَاحِلِهِ،
فَأَضَافَهَا إِلَيْهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أَيْ: بِنَاقَتِهِ الَّتِي أَرَادَ أَنْ
يَجْعَلَهَا هَدْيًا، فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ يَعْنِي
فَلِإِضَافَةٍ جِنْسِيَّةٍ (فَأَشْعَرَهَا) أَيْ:
طَعَنَهَا (فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا) : بِفَتْحِ السِّينِ
(الْأَيْمَنِ) : مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيِ:
الْجَانِبِ، وَالْإِشْعَارُ: أَنْ يَشُقَّ جَانِبَ
السَّنَامِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ الدَّمُ إِشْعَارًا
وَإِعْلَامًا، فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، إِذَا ضَلَّ رُدَّ،
وَكَانَ عَادَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَرَّرَهُ
الشَّارِعُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْأَغْرَاضِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَقِيلَ: الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ
لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَيَرُدُّهُ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ، وَلَيْسَ بِمُثْلَةٍ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ
الْقَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْخِتَانِ، وَالْكَيِّ،
فَالسُّنَّةُ أَنْ يُشْعَرَ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى،
وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْيُسْرَى، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ
عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَفِيهِ: أَنَّهُ جَاءَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ
الْأَيْسَرِ، وَقَدْ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - الْإِشْعَارَ، وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا
كَرِهَ إِشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا
يُبَالِغُونَ فِيهِ حَتَّى يُخَافَ السِّرَايَةُ مِنْهُ.
(وَسَلَّتَ) أَيْ: مَسَحَ وَأَمَاطَ (الدَّمَ عَنْهَا)
أَيْ: عَنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا (وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ،
ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ) أَيْ: غَيْرَ الَّتِي
أَشْعَرَهَا (فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ)
مَحَلٌّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ (أَهَلَّ) أَيْ: (بِالْحَجِّ)
: وَكَذَا بِالْعُمْرَةِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ
يَقُولُ: " لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» " اهـ. وَمَنْ
حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، مَعَ أَنَّهُ
يُمْكِنُ أَنَّ الرَّاوِيَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ
الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْأَضَلُّ، أَوْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ
بَيَانُ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، وَالتَّلْبِيَةِ، أَوْ
لِعَدَمِ سَمَاعِهِ أَوَّلًا، أَوْ لِنِسْيَانِهِ آخِرًا.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(5/1819)
2628 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ «أَهْدَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمًا،
فَقَلَّدَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2628 - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
قَالَتْ أَهْدَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ) : أَيْ: بَيْتِ
اللَّهِ (غَنَمًا) أَيْ: قِطْعَةً مِنَ الْغَنَمِ
(فَقَلَّدَهَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا إِشْعَارَ فِي الْغَنَمِ،
وَتَقْلِيدَهَا سُنَّةٌ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَالْبَقَرُ يُشْعَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(5/1819)
2629 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: «ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ
النَّحْرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2629 - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ عَائِشَةَ) أَيْ: لِعَائِشَةَ،
وَلِسَائِرِ نِسَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ
الْآتِي. (بَقَرَةً يَوْمَ النَّحْرِ) وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْ عَائِشَةَ وَحْدَهَا بَقَرَةً،
وَجَعَلَ بَقَرَةً أُخْرَى عَنِ الْكُلِّ تَمْيِيزًا
لَهَا، وَلَعَلَّ إِيثَارَ الْبَقَرِ لِأَنَّهُ
الْمُتَيَسِّرُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَالْإِبِلُ أَفْضَلُ
مِنْهُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ
لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ
الْعَالِي وَالدُّونِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَفِي
رِوَايَةٍ: وَضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرَةِ أَيْ:
ذَبَحَهَا فِي وَقْتِ الضُّحَى.
(5/1819)
2630 - وَعَنْهُ، قَالَ: «نَحَرَ
النَّبِيُّ عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً فِي حَجَّتِهِ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2630 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ (قَالَ: «نَحَرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
نِسَائِهِ بَقَرَةً فِي حَجِّهِ» ) أَيْ: قِيلَ: هَذَا
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهُنَّ فِي ذَلِكَ؛
لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنِ الْغَيْرِ لَا تَجُوزُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا تَطَوُّعًا، كَمَا ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ،
وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا
أُضْحِيَّةً مَعَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ
عَلَى الْحَاجِّ لَا سِيَّمَا الْمُسَافِرِينَ عِنْدَنَا.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(5/1819)
2631 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ، ثُمَّ
قَلَّدَهَا، وَأَشْعَرَهَا، وَأَهْدَاهَا، فَمَا حُرِّمَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2631 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ
بُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
-) الْقَلَائِدُ: جَمْعُ قِلَادَةٍ، وَهِيَ مَا تُعَلَّقُ
بِالْعُنُقِ، وَالْبُدْنُ: جَمْعُ الْبَدَنَةِ، وَهِيَ
نَاقَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ تُنْحَرُ بِمَكَّةَ، سُمِّيَتْ
بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمِّنُونَهَا (بِيَدَيَّ)
: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ( «ثُمَّ قَلَّدَهَا،
وَأَشْعَرَهَا، وَأَهْدَاهَا» ) مَعَ أَبِي بَكْرٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ
(فَمَا حَرُمَ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَضَمِّ الرَّاءِ
(عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ) سَبَبُ
هَذَا الْقَوْلِ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- أَنَّهُ بَلَغَهَا فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَنْ بَعَثَ هَدْيًا إِلَى مَكَّةَ،
أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ
مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَغَيْرِهِ، حَتَّى يَنْحَرَ
هَدْيَهُ بِمَكَّةَ، فَقَالَتْ ذَلِكَ رَدًّا عَلَيْهِ،
كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا، كَذَا رَدَّ عَلَيٌّ
مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ،
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ: لِأَنَّ بَاعِثَ الْهَدْيِ لَا يَصِيرُ
مُحْرِمًا، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَقَدْ حُكِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَجْتَنِبُ مَحْظُورَاتِ
الْإِحْرَامِ، وَهَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ
أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَنِسْبَةُ الْخَطَّابِيِّ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ إِلَى أَرْبَابِ الرَّأْيِ الثَّاقِبِ
خَطَأٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْهَا
«بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِالْهَدْيِ، وَأَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا
بِيَدَيَّ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا، ثُمَّ أَصْبَحَ
فِينَا حَلَالًا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ» ، وَفِي
لَفْظِهِ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا» ،
وَأَخْرَجَا وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، «عَنْ مَسْرُوقٍ
أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى
الْكَعْبَةِ، يَجْلِسُ فِي الْعَصْرِ فَيُوصِي أَنْ
تُقَلَّدَ بُدْنُهُ، فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ. قَالَ: فَسَمِعْتُ
تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ
كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ
إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا أُحِلَّ
لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ» اهـ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ
أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا حَرُمَ عَلَى
الْحَجِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " لَيْسَ كَمَا قَالَ،
أَنَا «فَتَلْتُ قَلَائِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ، ثُمَّ
قَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ
يَحْرُمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» "
فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يُخَالِفَانِ حَدِيثَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ صَرِيحًا، فَيَجِبُ الْحُكْمُ
بِبُطْلَانِهِ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - هَذَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا. وَقَالَ:
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَلَّدَ، فَقَالَ: أَمَّا
هَذَا فَقَدَ أَحْرَمَ، وَوَرَدَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا.
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ
فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ
أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَيْ جَابِرٍ يُحَدِّثَانِ، عَنْ
أَبِيهِمَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «بَيْنَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ
أَصْحَابِهِ، إِذْ شَقَّ قَمِيصَهُ حَتَّى خَرَجَ
فَسُئِلَ، فَقَالَ: " وَاعَدْتُهُمْ يُقَلِّدُونَ هَدْيِي
الْيَوْمَ فَنَسِيتُ» " اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ
أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ عَدَمِ
التَّوَجُّهِ مَعَهَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ، وَأَمَّا
مَا ذُكِرَ مِنَ الْآثَارِ مُطْلَقَةً فِي إِثْبَاتِ
الْإِحْرَامِ، فَقَيَّدْنَاهَا بِهِ حَمْلًا لَهَا عَلَى
مَا إِذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا جَمْعًا بَيْنَ
الْأَدِلَّةِ.
(5/1820)
2632 - وَعَنْهَا، قَالَتْ: «فَتَلْتُ
قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي، ثُمَّ بَعَثَ
بِهَا مَعَ أَبِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2632 - (وَعَنْهَا) أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ:
فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا) أَيْ: قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ عِهْنٍ)
أَيْ: صُوفٍ مُلَوَّنٍ، أَوْ مَصْبُوغٍ (كَانَ عِنْدِي) :
صِفَةُ عِهْنٍ (ثُمَّ بَعَثَ بِهَا) أَيْ: بِالْبُدْنِ
الْمُقَلَّدَةِ (مَعَ أَبِي) أَيْ: حِينَ صَارَ أَمِيرَ
الْحَاجِّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(5/1820)
2633 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً،
فَقَالَ: " ارْكَبْهَا ". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: " ارْكَبْهَا ". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: " ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ " فِي الثَّانِيَةِ، أَوِ
الثَّالِثَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2633 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً» ) أَيْ:
نَاقَةً (فَقَالَ: " ارْكَبْهَا " فَقَالَ: إِنَّهَا
بَدَنَةٌ) أَيْ: هَدْيٌ ظَنًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
رُكُوبُ الْهَدْيِ مُطْلَقًا. (قَالَ: " ارْكَبْهَا ".
فَقَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ " ارْكَبْهَا وَيْلَكَ "
فِي الثَّانِيَةِ، أَوِ الثَّالِثَةِ) أَيْ: فِي إِحْدَى
الْمَرَّتَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بَـ " قَالَ " وَسَيَأْتِي
الْكَلَامُ عَلَى الرُّكُوبِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(5/1820)
2634 - وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - «سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ
إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2634 - (وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
" «سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ» ) أَيْ: بِوَجْهٍ
لَا يَلْحَقُهَا ضَرَرٌ (إِذَا أُلْجِئْتَ) أَيْ: إِذَا
اضْطُرِرْتَ (إِلَيْهَا) أَيْ: رُكُوبِهَا (حَتَّى تَجِدَ
ظَهْرًا) أَيْ: مَرْكُوبًا آخَرَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) :
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً.
فَقَالَ: " ارْكَبْهَا ". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: " ارْكَبْهَا ". قَالَ: فَرَأَيْتُهُ رَاكِبًا
يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» - قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي " شَرْحِ
الْعُمْدَةِ ": لَمْ يُرَاسِمْ هَذَا الْمُبْهَمَ، وَقَدِ
اخْتُلِفَ فِي رُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ، فَعَنْ
بَعْضِهِمْ، أَنَّهُ وَاجِبٌ لِإِطْلَاقِ هَذَا الْأَمْرِ،
مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ سِيرَةِ الْجَاهِلِيَّةِ،
وَهِيَ مُجَانَبَةُ السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ،
وَالْحَامِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ، وَلَا
أَمَرَ النَّاسَ بِرُكُوبِ هَدَايَاهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ: لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ
حَاجَةٍ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِهِ هَذَا.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ: لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ
حَمْلًا لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ
لِمَا رَأَى مِنْ حَاجَةِ الرَّجُلِ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا
شَكَّ أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ، فَاحْتَمَلَ الْحَاجَةَ
بِهِ، وَاحْتَمَلَ عَدَمَهَا، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ
يُفِيدُ أَحَدَهُمَا حُمِلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنَ
الْمَعْنَى مَا يُفِيدُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَهَا
كُلَّهَا لِلَّهِ - تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يَصْرِفَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ،
فَيُجْعَلَ مَحْمَلَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، ثُمَّ رَأَيْنَا
اشْتِرَاطَ الْحَاجَةِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
فَالْمَعْنَى يُفِيدُ مَنْعَ الرُّكُوبِ مُطْلَقًا،
وَالسَّمَعُ وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ
رُخْصَةً، فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْمَنْعِ
الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْمَعْنَى، لَا
بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ.
وَفِي " الْكَافِي " لِلْحَاكِمِ: فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ
حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا
نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيِّ:
فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا
جَازَ لَهُ رُكُوبُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا، وَلَهُ
الْحَمْلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى
أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ،
فَمَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ
دَلَالَةِ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالضَّرُورَةِ،
وَثَانِيهِمَا: مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةِ الْمُنَافِيَةِ
لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ
الضَّرُورَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ خِلَافَ مَا صَدَرَ عَنْهُ
فِي مَجْمُوعِهِ.
(5/1821)
2635 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ عَشَرَ
بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ، وَأَمَّرَهُ فِيهَا. فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَيَّ
مِنْهَا؟ قَالَ (انْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهَا
فِي دَمِهَا، ثُمَّ اجْعَلْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلَا
تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
رُفْقَتِكَ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2635 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ
عَشَرَ بَدَنَةً» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ: وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ سِتَّ عَشْرَةَ،
وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لِأَنَّ ; الْبَدَنَةَ تُطْلَقُ
عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (مَعَ رَجُلٍ) أَيْ:
نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ (وَأَمَّرَهُ) - بِتَشْدِيدِ
الْمِيمِ - أَيْ: جَعَلَهُ أَمِيرًا (فِيهِ) أَيْ:
لِيَنْحَرَهَا بِمَكَّةَ. (" «فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ» ) : بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ (عَلَيَّ) أَيْ: بِمَا حُبِسَ عَلَيَّ مِنْ
كَلَالٍ (مِنْهَا؟) أَيْ: مِنْ تِلْكَ الْبُدْنِ، يُقَالُ:
أَبْدَعَتِ الرَّاحِلَةُ إِذَا كَلَّتْ، وَأُبْدِعَ
بِالرَّجُلِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ إِذَا انْقَطَعَتْ
رَاحِلَتُهُ بِهِ لِكَلَالٍ، أَوْ هُزَالٍ، وَلِذَا لَمْ
يَقُلْ أُبْدِعَ بِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ
رَاكِبًا، لِأَنَّهَا كَانَتْ بَدَنَةً يَسُوقُهَا، بَلْ
قَالَ: أُبْدِعَ عَلَيَّ لِتَضْمِينِ مَعْنَى الْحَبْسِ،
كَمَا ذَكَرْنَا، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ
مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ: أَيْ: عَطِبَ، يُقَالُ: أُبْدِعَ بِالرَّجُلِ
أَيِ: انْقَطَعَ بِهِ، وَوَقَفَتْ دَابَّتُهُ عَنِ
السَّيْرِ. (قَالَ: انْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبُغْ) : بِضَمِّ
الْمُوَحَّدَةِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَكَسْرُهَا أَيِ:
اغْمِسْ (نَعْلَيْهَا) أَيِ: الَّتِي قَلَّدْتَهَا فِي
عُنُقِهَا (فِي دَمِهَا) : لِئَلَّا يَأْكُلَ مِنْهَا
الْأَغْنِيَاءُ (ثُمَّ اجْعَلْهَا) أَيِ: النَّعْلَ (عَلَى
صَفْحَتِهَا) أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ النَّعْلَيْنِ
عَلَى صَفْحَةٍ مِنْ صَفْحَتَيِ سَنَامِهَا، وَلَفْظُهُ
فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ: «كَانَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ مَعَ أَبِي
قَبِيصَةَ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ " إِنْ عَطِبَ
مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهَا مَوْتًا،
فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَيْهَا فِي دَمِهَا،
ثُمَّ اضْرِبْ صَفْحَتَهَا» " الْحَدِيثَ (وَلَا تَأْكُلْ
مِنْهَا أَنْتَ) : لِلتَّأْكِيدِ (وَلَا أَحَدٌ) أَيْ:
وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ (مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ) : بِضَمِّ
الرَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ. وَفِي الْقَامُوسِ:
الرُّفْقَةُ مُثَلَّثَةٌ أَيْ: رُفَقَاؤُكَ، فَأَهْلُ
زَائِدٌ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ.
(5/1821)
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ:
سَوَاءٌ كَانَ فَقِيرًا، أَوْ غَنِيًّا، وَإِنَّمَا
مَنَعُوا ذَلِكَ قَطْعًا لِأَطْمَاعِهِمْ لِئَلَّا
يَنْحَرَهَا أَحَدٌ، وَيَتَعَلَّلُ بِالْعَطَبِ، هَذَا
إِذَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ
تَطَوُّعًا ; فَلَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ وَيَأْكُلَ مِنْهُ،
فَإِنَّ مُجَرَّدَ التَّقْلِيدِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ
مِلْكِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا لَمْ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنَ
الرُّفْقَةِ أَيِ: الْقَافِلَةُ كَانَ ضَائِعًا. قُلْتُ:
أَهْلُ الْبَوَادِي يَسِيرُونَ خَلْفَهُمْ،
فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ، عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ، «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، وَقَالَ: " إِنْ عَطِبَ
فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ
خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» ". قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: " لَا
تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا رُفْقَتَكَ ".
وَقَدْ أَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ فِي أَوَّلِ غَزْوَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِيهَا: أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَعْمَلَ عَلَى
هَدْيِهِ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ،
وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ بِهَا، قَالَ: كَانَ
سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَذَكَرَهُ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ
نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: «عَطِبَ مَعِي بَعِيرٌ مِنَ
الْهَدْيِ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَبْوَاءِ، فَأَخْبَرْتُهُ،
فَقَالَ: " انْحَرْهَا، وَاصْبُغْ قَلَائِدَهَا فِي
دَمِهَا، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ
رُفْقَتِكَ مِنْهَا شَيْئًا، وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
النَّاسِ» ".
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ سِنَانِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ
ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ أَبَا قَبِيصَةَ، حَدَّثَهُ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ بِالْبُدْنِ مَعَهُ، ثُمَّ
يَقُولُ: " إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ
عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا
فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَهَا، وَلَا
تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِكَ» ) .
وَاعْلَمْ بِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْ سِنَانًا،
وَالْحَدِيثُ مُعَنْعَنٌ فِي مُسْلِمٍ، وَابْنِ مَاجَهْ،
إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ وَلَمْ
يُسَمِّ ذُؤَيْبًا، بَلْ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا. وَإِنَّمَا
نَهَى نَاجِيَةَ، وَمَنْ ذَكَرَ عَنِ الْأَكْلِ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. قَالَ شَارِحُ
الْكَنْزِ: وَلَا دَلَالَةَ لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ عَلَى
الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَطِبَ مِنْهَا فِي
الطَّرِيقِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إِذْ بَلَغَ الْحَرَمَ
هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ أَوْ لَا؟ اهـ. وَقَدْ
أَوْجَبْنَا فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا ذُبِحَ فِي
الطَّرِيقِ امْتِنَاعَ أَكْلِهِ مِنْهُ وَجَوَازَهُ، بَلِ
اسْتِحْبَابَهُ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ اهـ.
وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَمَا عَطِبَ أَيْ: هَلَكَ مِنَ
الْهَدْيِ، أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ، وَهُوَ مَا يَمْنَعُ
إِجْزَاءَ الْأُضْحِيَّةِ؟ كَذَهَابِ ثُلُثِ الْأُذُنِ،
أَوِ الْعَيْنِ، فَفِي الْوَاجِبِ أَبْدَلَهُ؛ لِأَنَّهُ
فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَتَأَذَّى بِالْمَعِيبِ،
وَالْمَعِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِتَعْيِينِهِ
لِتِلْكَ الْجِهَةِ عَنْ مِلْكِهِ، وَقَدِ امْتَنَعَ
صَرْفُهُ فِيهَا، فَلَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهَا، وَفِي
التَّطَوُّعِ نَحْرُهُ، وَصَبْغُ نَعْلِهِ، وَضَرْبُ
صَفْحَتِهِ لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ الْقِلَادَةُ، وَفَائِدَةُ
ذَلِكَ إِعْلَامُ النَّاسِ أَنَّهُ هَدْيٌ، فَيَأْكُلُ
مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، هَذَا وَنَقْلُ
الْوَاقِدِيِّ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ، اللَّهُمَّ
إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ فِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُخْتَصٌّ بِخِدْمَةِ نَاجِيَةَ لَهُ،
وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ مِنْ رُفَقَائِهِ، كَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَأَمَّرَهُ فِيهَا.
(5/1822)
2636 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2636 - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
«نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» ) :
بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأَصَحِّ (الْبَدَنَةَ) أَيِ:
الْإِبِلَ (عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) :
ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا تُسَمَّى بَدَنَةً،
وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ اسْتِعْمَالِهَا،
فَفِي الْقَامُوسِ، الْبَدَنَةُ مُحَرَّكَةً مِنَ
الْإِبِلِ، الْبَقَرَةُ كَالْأُضْحِيَّةِ مِنَ الْغَنَمِ،
تُهْدَى إِلَى مَكَّةَ - شَرَّفَهَا اللَّهُ - لِلذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى، وَفِي " النِّهَايَةِ ": الْبَدَنَةُ
وَاحِدَةُ الْإِبِلِ سُمِّيَتْ بِهَا لِعِظَمِهَا،
وَسِمَنِهَا، وَتَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ، وَالنَّاقَةِ،
وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْبَقَرَةِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ
ابْنِ حَجَرٍ: تُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْبَعِيرِ
وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ، فَمُخَالِفٌ لِكُتُبِ
اللُّغَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وَفِيهِ دَلِيلٌ
لِمَذْهَبِنَا كَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ
يَجُوزُ اشْتِرَاكُ السَّبْعَةِ فِي بَدَنَةٍ، أَوْ
بَقَرَةٍ إِذَا كَانَ كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ، سَوَاءٌ
يَكُونُ قُرْبَةً مُتَّحِدَةً كَالْأُضْحِيَّةِ،
وَالْهَدْيِ، أَوْ مُخْتَلِفَةً كَأَنْ أَرَادَ بَعْضُهُمُ
الْهَدْيَ، وَبَعْضُهُمُ الْأُضْحِيَّةَ، وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ: وَلَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمُ اللَّحْمَ،
وَبَعْضُهُمُ الْقُرْبَةَ جَازَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ: لَا
يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْوَاجِبِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا
الِاشْتِرَاكُ فِي الْغَنَمِ فَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا.
(5/1822)
7637 -
(5/1823)
2637 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، «أَنَّهُ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ
أَنَاخَ بِدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا
قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2637 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ) أَيِ: ابْنُ عُمَرَ
(أَتَى) أَيْ: مَرَّ (عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ
بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ يُرِيدُ
نَحْرَهَا (قَالَ) أَيِ: ابْنُ عُمَرَ (ابْعَثْهَا) أَيْ:
أَقِمْهَا (قِيَامًا) : حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ، أَيْ:
قَائِمَةً، وَقَدْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا،
وَعَامِلُهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْكَلَامِ
أَيِ: انْحَرْهَا قَائِمَةً لَا ابْعَثْهَا ; لِأَنَّ
الْبَعْثَ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْقِيَامِ، اللَّهُمَّ
إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهَا حَالًا مُقَدَّرَةً، كَقَوْلِهِ -
تَعَالَى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا}
[الصافات: 112] أَيِ: ابْعَثْهَا مُقَدَّرًا قِيَامُهَا.
وَلَا يَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، لَا
بَعْثُهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّقَارُبِ، كَأَنَّهُ
قَالَ: أَقِمْهَا قِيَامًا لِخُلُوِّ الْكَلَامِ عَنِ
الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَقْيِيدُ النَّحْرِ بِالْقِيَامِ.
(مُقَيَّدَةً) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ:
السُّنَّةُ أَنْ يَنْحَرَهَا قَائِمَةً مَعْقُولَةَ
الْيَدِ الْيُسْرَى، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ تُذْبَحُ
مُضْطَجِعَةً عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مُرْسَلَةَ
الرِّجْلِ، فَمُقَيَّدَةً حَالٌ ثَانِيَةٌ، أَوْ صِفَةٌ
لِـ " قَائِمَةً ". (سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ
أَيْ: فَاعِلًا بِهَا سُنَّةَ مُحَمَّدٍ، أَوْ أَصَبْتَ
سُنَّةَ مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ خَبَرًا
لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ
جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، كَانُوا يَنْحَرُونَ
الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، قَائِمَةً
عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا» ، ثُمَّ قَالَ:
وَإِنَّمَا سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - النَّحْرَ قِيَامًا عَمَلًا بِظَاهِرِ
قَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}
[الحج: 36] وَالْوُجُوبُ السُّقُوطُ، وَتَحَقُّقُهُ فِي
حَالِ الْقِيَامِ. أَظْهَرُ، أَقُولُ: الِاسْتِدْلَالُ
بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أَظْهَرُ، وَقَدْ
فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ: قِيَامًا عَلَى
ثَلَاثِ قَوَائِمَ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَقْلِ
الرُّكْبَةِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهَا الْيُسْرَى،
لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: نَحَرْتُ بَدَنَةً قَائِمَةً،
فَكِدْتُ أُهْلِكُ قِيَامًا مِنَ النَّاسِ، لِأَنَّهَا
نَفَرَتْ، فَاعْتَقَدْتُ أَنْ لَا أَنْحَرَ بَعْدَ ذَلِكَ
إِلَّا بَارِكَةً مَعْقُولَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الْقِيَامَ أَفْضَلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَهَّلْ،
فَالْقُعُودُ أَفْضَلُ مِنَ الِاضْطِجَاعِ، نَعَمْ، ذَبْحُ
نَحْرِ الْإِبِلِ خِلَافُ الْأُولَى إِنْ ثَبَتَ عَنْ
مَالِكٍ مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّ الْإِبِلَ لَا يَحِلُّ
ذَبْحُهَا، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ عَنْهُ، فَقَدْ
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ
ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ
فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَحْرَ
الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ يَحْرُمُ إِجْمَاعًا فَهُوَ
غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْعَبْدَرِيُّ،
وَغَيْرُهُ يَجُوزُ إِجْمَاعًا.
(5/1823)
2638 - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى
بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَجُلُودِهَا
وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا
قَالَ: " نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» ". مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2638 - (وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ» ) - بِضَمِّ
الْبَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ جَمْعُ بَدَنَةٍ،
وَالْمُرَادُ بُدْنُهُ الَّتِي أَهْدَاهَا إِلَى مَكَّةَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَجْمُوعُهَا مِائَةٌ كَمَا
تَقَدَّمَ، وَفِيهِ جَوَازُ الْإِنَابَةِ فِي نَحْرِ
الْهَدْيِ، وَتَفْرِقَتِهِ ( «وَأَنْ أَتَصَدَّقَ
بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا» ) - بِكَسْرِ
الْجِيمِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ جَمْعُ جِلَالٍ، وَهِيَ
جَمْعُ جُلٍّ لِلدَّوَابِّ. (وَأَنْ لَا أُعْطِيَ
الْجَزَّارَ) أَيْ: شَيْئًا (مِنْهَا قَالَ) أَيْ:
عَلِيٌّ، أَوِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَنَحْنُ نُعْطِيهِ)
أَيْ: أُجْرَتَهُ (مِنْ عِنْدِنَا " (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى الْجَمَاعَةُ إِلَّا
التِّرْمِذِيَّ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى
بُدْنِهِ، وَأُقَسِّمَ جُلُودَهَا، وَجِلَالَهَا،
وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا.
وَقَالَ: " نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» ". وَفِي
لَفْظٍ: «وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا، وَجِلَالِهَا»
، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، " وَنَحْنُ
نُعْطِيهُ مِنْ عِنْدِنَا ". وَفِي لَفْظِهِ: وَأَمَرَهُ
أَنْ يُقَسِّمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا ; لُحُومَهَا
وَجِلَالَهَا، وَجُلُودَهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا
يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا.
قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ: جِزَارَتُهَا بِضَمِّ الْجِيمِ،
وَكَسْرِهَا، فَالْكَسْرُ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ
لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعُنُقِ، وَكَانَ
الْجَزَّارُونَ يَأْخُذُونَ فِي أُجْرَتِهِمْ. وَحَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْحَاقَ،
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ جِلْدِ هَدْيِهِ
وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ،
وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ
الْغُرْبَالَ، وَالْمُنْخُلَ، وَالْفَأْسَ، وَالْمِيزَانَ
وَنَحْوَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - عَلَيْهِ
رَحْمَةُ الْبَارِي: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ
الْجِلْدَ يَعْنِي إِذَا أَجَّرَهُ، وَأَمَّا عَطَاؤُهُ
لَهُ تَطَوُّعًا فَجَائِزٌ إِجْمَاعًا.
(5/1823)
2639 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ
بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَرَخَّصَ لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "
كُلُوا وَتَزَوَّدُوا " فَأَكَلْنَا، وَتَزَوَّدْنَا» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2639 - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا) أَيِ:
الَّتِي نُضَحِّي بِهَا (فَوْقَ ثَلَاثٍ) أَيْ: مِنَ
الْأَيَّامِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ (فَرَخَّصَ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) :
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى: نَهَى
أَوَّلًا أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُ الْهَدْيِ،
وَالْأُضْحِيَّةِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ
رَخَّصَ (فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا) أَيِ: ادَّخِرُوا
مَا تَزَوَّدُونَهُ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ
مُسَافِرِينَ، أَوْ مُجَاوِرِينَ (فَأَكَلْنَا
وَتَزَوَّدْنَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ:
إِذَا كَانَ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، كَدَمِ
التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ، وَدَمِ الْإِفْسَادِ،
وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، لَمْ يَجُزْ لِلْمَهْدِيِّ أَنْ
يَأْكُلَ مِنْهَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ،
وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي
الشُّمُنِّيِّ: وَيَأْكُلُ اسْتِحْبَابًا مِنْ هَدْيِ
تَطَوُّعٍ، وَمُتْعَةٍ، وَقِرَانٍ فَقَطْ، لِمَا فِي
حَدِيثِ جَابِرٍ: «ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ
بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَا مَنْ
لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» ، وَلِأَنَّهَا
دِمَاءُ نُسُكٍ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَأْكُلَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْهَدَايَا، لِأَنَّهَا
دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا عَلَى مَا
رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ أَيِ: النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَهَدْيُ الْقِرَانِ لَا يَسْتَغْرِقُ مِائَةَ
بَدَنَةٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيِ
الْقِرَانِ، وَالتَّطَوُّعِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنَّمَا
أَكَلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ مَا صَارَ إِلَى
الْحَرَمِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ
وَذَبَحَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ
مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ تَتَيَسَّرُ الْقُرْبَةُ
فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ، وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا
تَحْصُلُ بِهِ، بَلْ بِالتَّصَدُّقِ، فَلَا بُدَّ مِنَ
التَّصَدُّقِ لِتَحْصُلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ
مَا أَكَلَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ،
وَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ضَمِنَهُ كُلَّهُ،
وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا،
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَإِنْ
بَاعَ شَيْئًا، أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أُجْرَةً مِنْهُ،
فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَحَيْثُ مَا
جَازَ الْأَكْلُ لِلْمُهْدِي ; جَازَ أَنْ يَأْكُلَ
الْأَغْنِيَاءُ، وَأَيْضًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ
بِثُلُثِهَا وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ
الِادِّخَارِ مِنْ أَجْلِ الرَّأْفَةِ، وَقَدْ جَاءَ
اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ» "
وَهَلْ يَعُودُ التَّحْرِيمُ بِعَوْدِ السَّنَةِ
وَالْقَحْطِ؟ فِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ عَوْدِهِ، ثُبُوتَ نُسْخَةٍ،
سَوَاءٌ كَانَ فِي تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ.
(5/1824)
الْفَصْلُ الثَّانِي
2640 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَا رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلًا
كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ -
وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ ذَهَبٍ - يَغِيظُ بِذَلِكَ
الْمُشْرِكِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
2640 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ» ) : بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأَفْصَحِ،
وَهِيَ السَّنَةُ السَّادِسَةُ مِنَ الْهِجْرَةِ،
تَوَجَّهَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ،
فَأَحْصَرَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ
مَوْضِعٌ مِنْ أَطْرَافِ الْحِلِّ وَقَضِيَّتُهُ
مَشْهُورَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَوَقَعَ
الصُّلْحُ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَحَلَّلُونَ
بِالْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ يَقْضُونَ عُمْرَتَهُمْ، ثُمَّ
يَأْتُونَ فِي الْعَامِ الْآتِي ; وَيَحُجُّونَ
وَيَعْتَمِرُونَ، فَكَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛
لِأَنَّ الصُّلْحَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى أَنَهُمْ
يَقْضُونَ عُمْرَتَهُمْ فَقَطْ دُونَ أَنْ يَحُجُّوا،
وَأَيْضًا كَانَتِ الْمُصَالَحَةُ أَنْ يُخْلُوا مَكَّةُ
لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ، حَتَّى طَالَبُوا خُرُوجَهُ بَعْدَ مُضِيِّهَا.
(فِي هَدَايَا) : أَيْ: فِي جُمْلَةِ هَدَايَا (رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلًا) :
نُصِبَ بِأَهْدَى، وَفِي " هَدَايَا " صِلَةٌ لَهُ،
وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: فِي هَدَايَاهُ، فَوَضَعَ
الْمُظْهَرَ مَوْقِعَ الْمُضْمَرَ، وَالْمَعْنَى جَمَلًا
كَائِنًا فِي هَدَايَاهُ (كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ) : أَيْ:
عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، اغْتَنَمَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ (فِي
رَأْسِهِ) : أَيْ: أَنْفِهِ (بُرَةٌ) : بِضَمِّ
الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ. قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ: أَصْلُهَا بَرْوَةٌ، لِأَنَّهَا تُجْمَعُ
عَلَى بُرَاتٍ، وَبُرُونٍ، كَثُبَانٍ وَثُبُونٍ أَيْ:
حَلْقَةٌ (مِنْ فِضَّةٍ) : وَفِي الْمَصَابِيحِ: وَفِي
رَأْسِهِ بُرَةُ فِضَّةٍ بِالْإِضَافَةِ، قَالَ شَارِحٌ:
أَيْ: فِي أَنْفِهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ، فَإِنَّ الْبُرَةَ
حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ، وَنَحْوُهُ تُجْعَلُ فِي لَحْمِ
أَنْفِ الْبَعِيرِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فِي أَحَدِ
جَانِبَيِ الْمِنْخَرَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْفُ
مِنَ الرَّأْسِ قَالَ فِي رَأْسِهِ عَلَى الِاتِّسَاعِ،
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَجَازٌ لِمُجَاوَرَةٍ مِنْ حَيْثُ
قُرْبِهِ مِنَ الرَّأْسِ لَا مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ
عَلَى الْبَعْضِ. (وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ ذَهَبٍ) :
وَيُمْكِنُ التَّعَدُّدُ بِاعْتِبَارِ الْمِنْخَرَيْنِ.
(5/1824)
(يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ) :
بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ أَيْ: يُوَصِّلُ الْغَيْظَ
إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي نَحْرِ ذَلِكَ الْجَمَلِ.
قُلْتُ: خَاتِمَةُ جُمْلَةٍ أَجْمَلُ مِنْهُ، فَإِنَّهَا
نُحِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَكَلَ مِنْهَا
رَسُولُهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُ، ثُمَّ نَظِيرُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ - تَعَالَى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}
[الفتح: 29] . (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(5/1825)
2641 - وَعَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْبُدْنِ؟
قَالَ: " انْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي
دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ، وَبَيْنَهَا
فَيَأْكُلُونَهَا» ". رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2641 - ( «وَعَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ» ) :
بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ: عَيِيَ، وَعَجَزَ عَنِ السَّيْرِ،
وَوَقَفَ عَنِ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: أَنْ: قَرُبَ مِنَ
الْعَطَبِ، وَهُوَ الْهَلَاكُ. فَفِي الْقَامُوسِ: عَطِبَ
كَـ " نَصَرَ " لَانَ، وَكَـ " فَرِحَ " هَلَكَ،
وَالْمَعْنَى عَلَى الثَّانِي (مِنَ الْبُدْنِ؟) :
الْمُهْدَاةُ إِلَى الْكَعْبَةِ بَيَانٌ لَهَا. ( «قَالَ:
" انْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا» ) : أَيِ:
الْمُقَلَّدَةَ بِهَا (فِي دَمِهَا) : أَيْ: ثُمَّ
اجْعَلْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا (ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ
النَّاسِ) : أَيِ: الْفُقَرَاءِ (وَبَيْنَهَا) :
وَالْمَعْنَى: اتْرُكِ الْأَمْرَ، وَبَيِّنْهَا وَلَا
تَمْنَعْ أَحَدًا مِنْهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ: التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِهِمُ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَافِلَةَ أَوْ جَمَاعَةٌ
غَيْرُهُمْ مِنْ قَافِلَةٍ أُخْرَى اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّفْصِيلُ. (فَيَأْكُلُونَهَا) :
أَيْ: فَهُمْ يَأْكُلُونَهَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ -
تَعَالَى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}
[المرسلات: 36] وَإِلَّا لَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ:
فَيَأْكُلُوهَا. كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {ذَرْهُمْ
يَأْكُلُوا} [الحجر: 3] (رَوَاهُ مَالِكٌ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : أَيْ: عَنْ
نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ.
(5/1825)
2642 - وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالدَّارِمِيُّ، عَنْ نَاجِيةَ الْأَسْلَمِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2642 - (وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، عَنْ
نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ) : قَالَ فِي " التَّقْرِيبِ ":
نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَسْلَمِيُّ،
صَحَابِيٌّ: وَنَاجِيَةُ بْنُ الْخُزَاعِيِّ أَيْضًا
صَحَابِيٌّ، تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ عُرْوَةُ،
وَوَهِمَ مَنْ خَلَطَهُمَا. وَقَالَ فِي " تَهْذِيبِ
الْأَسْمَاءِ ": نَاجِيَةُ الصَّحَابِيُّ بِالنُّونِ
وَالْجِيمِ، وَهُوَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ جُنْدُبٍ، وَقِيلَ: نَاجِيَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ
عُمَيْرِ بْنِ يَعْمَرَ الْأَسْلَمِيُّ، صَاحِبُ بُدْنِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَجَعَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
مُسْنَدِهِ صَاحِبَ الْبُدْنِ نَاجِيَةَ بْنَ الْحَارِثِ
الْخُزَاعِيَّ الْمُصْطَلِقِيَّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ
الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ نَاجِيَةُ بْنُ
جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ، صَاحِبُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَالُ: إِنَّهُ
نَاجِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ اسْمُهُ زَكْوَانَ،
فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَاجِيَةَ نَجَا مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ
الَّذِي نَزَلَ الْقَلِيبَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ بِسَهْمِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَمَا قَالَ: رَوَى عَنْهُ عُرْوَةُ، وَالزُّهْرِيُّ،
وَغَيْرُهُ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ
مُعَاوِيَةَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ نَاجِيَةَ
الْخُزَاعِيَّ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَصَابِيحِ تَبِعَ
أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَالْمُصَنِّفَ تَبِعَ الْجُمْهُورَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ،
وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(5/1825)
2643 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ أَعْظَمَ
الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ
يَوْمُ الْقَرِّ» ". قَالَ ثَوْرٌ: وَهُوَ الْيَوْمُ
الثَّانِي. قَالَ: «وَقُرِّبَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَنَاتٌ خَمْسٌ أَوْ
سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ
يَبْدَأُ، فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا قَالَ:
فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَّةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا،
فَقُلْتُ: مَا قَالَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» ".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَذَكَرَ حَدِيثَا ابْنِ عَبَّاسٍ
وَجَابِرٍ فِي " بَابِ الْأُضْحِيَّةِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2643 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ) : بِضَمِّ
قَافٍ وَسُكُونِ رَاءٍ، وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ، أُرْدِيٌّ.
كَانَ اسْمُهُ شَيْطَانًا، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ ذَكَرَهُ
الْمُؤَلِّفُ. (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ» ) :
أَيْ: أَيَّامِ عِيدِ الْأَضْحَى، فَلَا يُنَافِي مَا فِي
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَيَّامِ
يَوْمُ عَرَفَةَ، أَوْ أَيَّامُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ،
كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ بَحْثٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: مِنْ أَعْظَمِ الْأَيَّامِ
لِأَنَّ الْعَشْرَ أَفْضَلُ مِمَّا عَدَاهَا اهـ.
وَأَرَادَ بِالْعَشْرِ عَشْرَ رَمَضَانَ، أَوْ عَشْرَ ذِي
الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ
الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ
عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا صَحَّ
فِي الْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ، بِأَنَّ أَيَّامَ
الْعَشَرَةِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ
الْأَيَّامِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْحَدِيثُ
الْأَوَّلُ بِأَيَّامِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ،
(5/1825)
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ:
الْأَفْضَلِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ
الْحَيْثِيَّةِ، أَوِ الْإِضَافِيَّةِ النِّسْبِيَّةِ،
فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ " مِنَ "
التَّبْعِيضِيَّةِ. (عِنْدَ اللَّهِ) : أَيْ: فِي
حُكْمِهِ، فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الزَّمَانِ، كَمَا
أَنَّهُ مُقَدَّسٌ عَنِ الْمَكَانِ (يَوْمُ النَّحْرِ) :
أَيْ: أَوَّلُ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ الْعِيدُ
الْأَكْبَرُ، وَيُعْمَلُ فِيهِ أَكْبَرُ أَعْمَالِ
الْحَجِّ، حَتَّى قَالَ - تَعَالَى - فِيهِ: {يَوْمَ
الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: 3] " ثُمَّ يَوْمُ
الْقَرِّ ": بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ:
أَيْ: يَوْمُ الْقَرَارِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَمَا
بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِشَارِ. قَالَ بَعْضُ
الشُّرَّاحِ: وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ
يَقَرُّونَ يَوْمَئِذٍ فِي مَنَازِلِهِمْ بِمِنًى، وَلَا
يَنْفِرُونَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ
الْأَخِيرَيْنِ، وَلَعَلَّ الْمُقْتَضِيَ لِفَضْلِهِمَا
فَضْلُ مَا يَخُصُّهُمَا مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ،
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَنَّ عَرَفَةَ
أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، فَالْمُرَادُ هَهُنَا أَيْ: مِنْ
أَفْضَلِ الْأَيَّامِ، كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ أَعْقَلُ
النَّاسِ، أَيْ: مِنْ أَعْقَلِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِتِلْكَ
الْأَيَّامِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
قَالَ ثَوْرٌ: يَعْنِي أَحَدَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (وَهُوَ)
: أَيْ: يَوْمُ الْقَرِّ هُوَ (الْيَوْمُ الثَّانِي) :
أَيْ: مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، أَوْ مِنْ أَيَّامِ
الْعِيدِ، فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ أَوَّلُ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قَالَ) : أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ
(وَقُرِّبَ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَجْهُولًا (لِرَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَنَاتٌ
خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، أَوْ
تَرْدِيدٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ يُرِيدُ تَقْرِيبَ
الْأَمْرِ، أَيْ: بَدَنَاتٌ مِنْ بُدْنِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَطَفِقْنَ) :
بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّانِيَةِ أَيْ: شَرَعْنَ
(يَزْدَلِفْنَ) : أَيْ: يَتَقَرَّبْنَ، وَيَسْعَيْنَ
(إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: مُنْتَظِرَاتٌ بِأَيَّتِهِنَّ
يَبْدَأُ لِلتَّبَرُّكِ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَحْرِهِنَّ اهـ. قِيلَ:
وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ (قَالَ) : أَيْ: عَبْدُ
اللَّهِ (فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) : أَيْ: سَقَطَتْ
عَلَى الْأَرْضِ (قَالَ) : أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ
تَأْكِيدٌ؛ كَذَا قِيلَ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيِ: الرَّاوِي
(فَتَكَلَّمَ) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الطِّيبِيُّ، فَيَلْزَمُ
مِنْهُ أَنْ يُقَالَ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ، وَعِنْدِي
أَنَّ ضَمِيرَ " قَالَ " رَاجِعٌ إِلَيْهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: فَتَكَلَّمَ
(بِكَلِمَةٍ خَفِيَّةٍ) : عَطْفٌ تَفْسِيرٌ لِـ " قَالَ "
(لَمْ أَفْهَمْهَا) : أَيْ: لِخَفَاءِ لَفْظِهَا
(فَقُلْتُ) : أَيْ: لِلَّذِي يَلِيهِ، أَوْ يَلِينِي (مَا
قَالَ؟) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (قَالَ) : أَيِ: الْمَسْئُولُ، وَفِي "
الْمَصَابِيحِ ": فَقَالَ (قَالَ) : أَيِ: النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ شَاءَ) : أَيْ:
مِنَ الْمُحْتَاجِينَ (اقْتَطَعَ) : أَيْ: أَخَذَ قِطْعَةً
مِنْهَا، أَوْ قَطَعَ مِنْهَا لِنَفْسِهِ، وَفِي "
الْمَصَابِيحِ ": فَلْيَقْتَطِعْ مِنْهُ أَيْ: مِنْ
لَحْمِهَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(وَذَكَرَ حَدِيثَا ابْنِ عَبَّاسٍ) : أَيْ: قَالَ كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- الْحَدِيثَ (وَجَابِرٍ) : أَيِ: الْبَقَرَةَ عَنْ
سَبْعَةٍ (فِي: بَابِ الْأُضْحِيَّةِ) : وَالْأَظْهَرُ
أَنَّهُ اعْتِذَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ بِأَنَّهُ
أَسْقَطَهَا مِنْ تَكْرَارٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
اعْتِرَاضًا بِأَنَّهُ حَوَّلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ الْبَابِ،
لِأَنَّهُمَا أَنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ الْبَابِ، وَاللَّهُ -
تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(5/1826)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
2644 - عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ، فَلَا
يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ
شَيْءٌ ". فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ
الْمَاضِي؟ قَالَ: " كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا،
فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ،
فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهِمْ» ". مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
2644 - (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «قَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
ضَحَّى» ) : بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَيْ: فَعَلَ
الْأُضْحِيَّةَ ( «مِنْكُمْ، فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ
ثَالِثَةٍ» ) : أَيْ: مِنَ الْأَيَّامِ، أَوْ بَعْدَ
لَيْلَةٍ ثَالِثَةٍ (وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ) : أَيْ: مِنْ
لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ (شَيْءٌ) : لِحُرْمَةِ ادِّخَارِ
شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الْأَضَاحِيِّ فِي هَذَا الْعَامِ،
لِأَجْلِ الْقَحْطِ الشَّدِيدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ
حَتَّى امْتَلَأَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ أَهْلِ
الْبَادِيَةِ، فَأَمَرَ أَهْلَهَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا
عِنْدَهُمْ مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ الَّتِي اعْتَادُوا
ادِّخَارَ مِثْلِهَا فِي
(5/1826)
كُلِّ عَامٍ (فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ
الْمُقْبِلُ) : أَيِ: الْآتِي بَعْدَهُ (قَالُوا) : أَيْ:
بَعْضُ الْأَصْحَابِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ) :
بِتَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ (كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ
الْمَاضِيَ؟ قَالَ: " كُلُوا ": اسْتِحْبَابًا
(وَأَطْعِمُوا) : أَيْ: نَدْبًا (وَادَّخِرُوا) :
بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيِ: اجْعَلُوا ذَخِيرَةً أَمْرُ
إِبَاحَةٍ (فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ) : عِلَّةُ تَحْرِيمِ
الِادِّخَارِ السَّابِقِ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ
الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا
(كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ،
وَضَمِّهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ:
بِالضَّمِّ: الْجُوعُ؛ وَبِالْفَتْحِ: الْمَشَقَّةُ،
وَقِيلَ لُغَتَانِ. (فَأَرَدْتُ) : أَيْ: بِالنَّهْيِ عَنِ
الِادِّخَارِ (أَنْ تُعِينُوا فِيهِمْ) : أَيْ:
تُعِينُوهُمْ أَيِ: الْفُقَرَاءَ، جَعَلَ الْمُتَعَدِّيَ
بِمَنْزِلَةِ اللَّازِمِ، وَعَدَّاهُ بِـ " فِي "
مُبَالَغَةً، كَذَا قِيلَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ، أَيْ: تُوقِعُوا الْإِعَانَةَ فِيهِمْ، اهـ.
فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ التَّضْمِينِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
بِجُرْحٍ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ -
تَعَالَى - حِكَايَةً: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}
[الأحقاف: 15] وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَنْ
تُعِينُونِي فِي حَقِّهِمْ، فَإِنَّ فَقْرَهُمْ كَانَ
صَعْبًا إِلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : لَا يَظْهَرُ وَجْهُ إِيرَادِ
الْمُصَنِّفِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ، كَمَا
لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَلْبَابِ، وَلَعَلَّهُ
أَرَادَ بِهِمَا تَفْسِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي آخِرِ
الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(5/1827)
2645 - وَعَنْ نُبَيْشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ
لُحُومِهَا أَنْ تَأْكُلُوهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ لِكَيْ
تَسَعَكُمْ. جَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَكُلُوا،
وَادَّخِرُوا وَائْتَجِرُوا. أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ
الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، [وَبِعَالٍ]
وَذِكْرِ اللَّهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2645 - (وَعَنْ نُبَيْشَةَ) : بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ
الْهُذَلِيُّ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّحَابَةِ. (
«قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - " إِنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ
لُحُومِهَا» ) : أَيِ: الْأَضَاحِيِّ أَوِ الْهَدَايَا،
فَيَظْهَرُ وَجْهُ الْمَنَاسِكِ لِلْبَابِ (أَنْ
تَأْكُلُوهَا) : بَدَلُ اشْتِمَالٍ (فَوْقَ ثَلَاثٍ) :
أَيْ: لَيَالٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: ثَلَاثَةٍ؛ أَيْ: أَيَّامٍ
(لِكَيْ تَسَعَكُمْ) : أَيْ: لِتَكْفِيَكُمْ
وَفُقَرَاءَكُمْ (جَاءَ اللَّهَ بِالسَّعَةِ) : بِفَتْحِ
السِّينِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ
لِتَغْيِيرِ الْحُكْمِ أَيْ: أَتَى اللَّهُ بِالْخِصْبِ،
وَسَعَةِ الْخَيْرِ، وَأَتَى بِالرَّخَاءِ، وَكَثْرَةِ
اللَّحْمِ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (فَكُلُوا،
وَادَّخِرُوا، وَائْتَجِرُوا) : قَالَ الطِّيبِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ: افْتِعَالٌ مِنَ الْأَجْرِ أَيِ:
اطْلُبُوا بِالتَّصَدُّقِ، وَلَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ،
وَإِلَّا لَكَانَ مُشَدَّدًا، وَأَيْضًا لَا يَصِحُّ
بَيْعُ لُحُومِهَا، بَلْ يُؤَكِّدُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ.
(أَلَا) : لِلتَّنْبِيهِ (وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ) :
أَيْ: أَيَّامَ مِنًى وَهِيَ أَرْبَعَةٌ (أَيَّامُ أَكْلٍ)
: فَيَحْرُمُ الصِّيَامُ فِيهَا (وَشُرْبٍ) : بِضَمِّ
الشِّينِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا
فِي السَّبْعَةِ (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) :
وَجُوِّزَ كَسْرُهَا فِي رِوَايَةٍ (. " وَبِعَالٍ) :
أَيْ: جِمَاعٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ
فِيهَا، لِكَوْنِ الْخَلْقِ حِينَئِذٍ أَضْيَافُ الْحَقِّ.
(وَذِكْرِ اللَّهِ " أَيْ: كَثْرَةِ ذِكْرِهِ - تَعَالَى -
لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ
ذِكْرًا} [البقرة: 200] وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:
203] : وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا ذِكْرُ اللَّهِ
عَلَى الْهَدَايَا حِينَ ذَبْحِهَا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى:
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ
اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ
مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] وَلَعَلَّ
هَذَا هُوَ الْمَأْخَذُ لِتَحْرِيمِ الصِّيَامِ،
وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِذِكْرِ اللَّهِ مَا يُذْكَرُ
عِنْدَ الرَّمْيِ، أَوْ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ
سَبَقَ التَّحْقِيقُ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ
(رَوَاهُ) أَبُو دَاوُدَ.
(5/1827)
|