مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

 [بَابُ الْوَلِيمَةِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلِ
3210 - عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بَابُ الْوَلِيمَةِ)
وَهِيَ الطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْعُرْسِ.
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
3210 - (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) : أَيْ: عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ (أَثَرَ صُفْرَةٍ) : أَيْ: مِنَ الزَّعْفَرَانِ (قَالَ: مَا هَذَا) : أَيْ: سَبَبُهُ أَوْ مَا هَذَا الصَّفَارُ (قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً) : قَالَ الطِّيبِيُّ: سُؤَالٌ عَنِ السَّبَبِ فَلِذَا أَجَابَ بِمَا أَجَابَ، وَيَحْتَمِلُ الْإِنْكَارَ بِأَنَّهُ كَانَ نُهِيَ عَنِ التَّضَمُّخِ بِالْخَلُوقِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ

(5/2103)


تَضَخُّمًا بَلْ شَيْءٌ عَلَقَ بِهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْعَرُوسِ أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ ( «عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ» ) : وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: " كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا " قَالَ: عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ الْقَاضِي: النَّوَاةُ اسْمٌ لِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ كَمَا أَنَّ النَّشَّ لِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَالْأُوقِيَّةَ اسْمٌ لِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى ذَهَبٍ يُسَاوِي قِيمَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمٍ، وَهُوَ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّوَاةِ نَوَاةُ التَّمْرِ، اهـ. وَالْأَخِيرُ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَيْ مِقْدَارُهَا مِنَ الذَّهَبِ وَهُوَ سُدُسُ مِثْقَالٍ تَقْرِيبًا وَقَدْ يُوجِدُ بَعْضُ النَّوَى أَنْ يَكُونَ رُبُعَ مِثْقَالٍ أَوْ أَقَلَّ، وَقِيمَتُهُ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ عَلَى مِقْدَارِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَزْنًا مِنَ الذَّهَبِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفًا ذَهَبًا. (قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ) : أَيْ: فِي زَوَاجِكَ فِيهِ نَدْبُ الدُّعَاءِ لِلزَّوْجِ. (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) : أَيِ: اتَّخِذْ وَلِيمَةً، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: تَمَسِّكَ بِظَاهِرِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، قِيلَ: إِنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقِيلَ: عِنْدَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: عِنْدَهُمَا وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنْ تَكُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أَنَسٍ وَالْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.

(5/2104)


3211 - وَعَنْهُ قَالَ: «مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ أَوْلَمَ بِشَاةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3211 - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ) : أَيْ: مِثْلَ مَا أَوْ قَدْرَ مَا أَوْلَمَ وَمَا إِمَّا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَمَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالْمَعْنَى أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى نِسَائِهِ (أَوْلَمَ بِشَاةٍ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي الْمَوَاهِبِ وَأَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ هَاشِمٍ «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ اذْهَبْ فَأَذْكُرْنِي لَهَا، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَجَعَلْتُ ظَهْرِي إِلَى الْبَابِ فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُكِ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُحْدِثَ شَيْئًا حَتَّى أَوَامِرَ رَبِّي فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدٍ لَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: حَرَّمَ مُحَمَّدٌ نِسَاءَ الْوَلَدِ وَقَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] وَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ آبَاؤُكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَيْنَبَ، وَعَنْ أَنَسٍ «لَمَّا تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَإِذَا هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ وَقَامَ مَنْ قَامَ وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَجَاءَ حِينَ دَخَلَ فَذَهَبْتُ لِأَدْخُلَ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الْآيَةَ، اهـ» . وَقِصَّتُهَا طَوِيلَةٌ مَحَلُّ بَسْطِهَا كُتُبُ التَّفَاسِيرِ وَالسِّيَرِ.

(5/2104)


3212 - وَعَنْهُ قَالَ: «أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3212 - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ: «أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ» ) : أَيِ: الَّذِينَ حَضَرُوا (خُبْزًا وَلَحْمًا) : وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَرِيدًا أَوْ غَيْرَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(5/2104)


3213 - وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3213 - وَعَنْهُ أَيْ عَنْ أَنَسٍ (قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَتْ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. ( «وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» ) : قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا: هَذَا مِنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَزَوُّجَهَا بِمَهْرٍ. قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَنَسَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُمْ إِلَى جَوَازِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ جَمَاعَةٌ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْ خَوَاصِّهِ كَمَا كَانَ النِّكَاحُ يَنْفِي الْمَهْرَ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ فِي مَعْنَى الْمَوْهِبَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيمَنْ يُعْتِقُ أَمَةً ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إِذَا أَعْتَقَ أَمَةً وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا كَأَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ بِعِوَضِ الْعِتْقِ، فَقَبِلَتْ، صَحَّ الْعِتْقُ وَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي تَزَوُّجِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، قُلْنَا: نَصُّ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - يُعَيِّنُ الْمَالَ فَإِنَّهُ بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ أَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ مُقَيِّدًا بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] الْآيَةَ. وَقَوْلُ الرَّاوِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمَهْرِ يَعْنِي أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالتَّزَوُّجِ بِلَا مَهْرٍ جَائِزٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَ الرَّاوِي فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ دَفَعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ أَلْزَمْنَاهَا بِقِيمَتِهَا، اهـ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الصَّدَاقُ عَلَى الدَّفْعِ الْمُعَجَّلِ الْمَوْضُوعِ لِلْأُلْفَةِ وَزِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ مُقَدَّمَةُ الصَّدَاقِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا مَجَازًا (وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنَ التَّمْرِ وَالسَّوِيقِ وَالسَّمْنِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا سَيَأْتِي مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

(5/2105)


3214 - وَعَنْهُ قَالَ: «أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ وَمَا كَانَ لَهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3214 - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَنَسٍ ( «قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ» ) : وَهُوَ حِصْنٌ مَشْهُورٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِتَأْنِيثِ الْبُقْعَةِ أَوِ الْقَلْعَةِ وَلِلْعَلَمِيَّةِ ( «ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ» ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ الظَّاهِرُ بَنَى عَلَى صَفِيَّةَ أَوْ بَنَى (بِصَفِيَّةَ) : فَلَعَلَّ الْمَعْنَى يُبْنَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِبَاءٌ جَدِيدٌ مَعَ صَفِيَّةَ أَوْ بِسَبَبِهَا، اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْجَارَّ الْأَوَّلَ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوِ الْمُصَاحَبَةِ، ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ وَادِّعَاءِ كَمَالِ اسْتِحْضَارِ الْقَضِيَّةِ كَأَنَّهُ نُصْبَ عَيْنِ الرَّاوِي، رُوِيَ أَنَّهُ بَنَى بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّهْبَاءِ ( «فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ» ) : أَيْ: بِأَمْرِهِ ( «وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ» ) : مِنْ لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ وَلَا مَزِيدَةٌ ( «وَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ أَمَرَ» ) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالْأَنْطَاعِ) : جَمْعُ النِّطْعِ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْأَدِيمِ أَرَادَ بِهَا السَّفَرَ ( «فَبُسِطَتْ فَأَلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالسَّمْنُ» ) : أَيِ: الْمُرَكَّبُ مِنْهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَيْسِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُهُ " وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ " بَعْدَ قَوْلِهِ " «وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ» " إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ طَعَامِ أَهْلِ التَّنَعُّمِ وَالتَّتَرُّفِ بَلْ مِنْ طَعَامِ أَهْلِ التَّقَشُّفِ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَجْمُوعِ الْحَيْسُ. قُلْتُ: يَتَعَيَّنُ هَذَا الْمَعْنَى لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ وَفِي بَسْطِ الْأَنْطَاعِ إِيذَانًا بِكَثْرَةِ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الطَّعَامِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَفِي الْمَوَاهِبِ: «أَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَكَانَتْ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالَ: أَنَسٌ لَمَّا افْتَتَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ وَجَمَعَ السَّبْيَ جَاءَهُ دِحْيَةُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً. فَقَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

(5/2105)


أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، قَالَ: ادْعُوهُ، فَجَاءَ بِهَا قَالَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا، قَالَ: وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرُوسًا، فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَلْيَجِئْ بِهِ قَالَ فَبَسَطَا نِطْعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَوِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشَشْنَا إِلَيْهَا فَرَفَعْنَا مَطَايَانَا وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَطِيَّتَهُ قَالَ وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا قَالَ فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ، قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَيْهَا حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَتَرَهَا، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَتْ جَوَارِي نِسَائِهِ يَتَرَاءَيْنَهَا، وَيَشْتُمْنَ بِصَرْعَتِهَا» وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى بِصَفِيَّةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَأَنَّ بِلَالًا مَرَّ بِهَا يَوْمَ الْمَقْتُولِينَ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَهَا فَتَرْجِعَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مَنْ أَهْلِهَا أَوْ تُسْلِمَ فَيَتَّخِذَهَا لِنَفْسِهِ فَقَالَتْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَخْرَجَ تَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا هَلْ لَكِ فِيَّ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَتَمَنَّى ذَلِكَ فِي الشِّرْكِ فَكَيْفَ إِذَا مَكَّنَنِي اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ» ؟ وَأَخْرَجَ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَمْرٍو: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خُضْرَةً فَقَالَ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ، فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَرَأَيْتُ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَلَطَمَنِي وَقَالَ: تَمَنِّينَ مُلْكَ يَثْرِبَ» .

(5/2106)


3215 - وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ «أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3215 - (وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ) : أَيِ: الْحَجَبِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رُؤْيَتِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ إِنَّهَا لَمْ تَرَهُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ( «قَالَتْ أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» ) : أَيْ: سَوِيقًا قَالَ السُّيُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَعَلَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَفِي الْمَوَاهِبِ: أَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ هِنْدُ وَقِيلَ رَمْلَةُ، فَكَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَكَانَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، «وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إِلَيَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ: فَخَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَبَتْ وَخَطَبَهَا عُمَرُ فَأَبَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ إِنَّ فِيَّ خِلَالًا ثَلَاثًا أَنَا امْرَأَةٌ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ لَيْسَ لِي هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي فَيُزَوِّجَنِي، فَغَضِبَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ غَضَبٍ مِمَّا غَضِبَ لِنَفْسِهِ حِينَ رَدَّتْهُ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ غَيْرَتِكِ فَإِنِّي أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهَبَهَا عَنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ صِبْيَتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَتِ إِنَّ أَوْلِيَائَكِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكَ يَكْرَهُنِي، فَقَالَتْ: لِابْنِهَا زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهُ» ، قَالَ صَاحِبُ السَّقْطِ الثَّمِينِ: رَوَاهُ بِهَذَا السِّيَاقِ هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَصَاحِبُ الصَّفْوَةِ، وَخَرَّجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ طُرُقًا مِنْهُ، وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحِ، اهـ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِابْنَ يَلِي الْعَقْدَ عَلَى أُمِّهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا زَوَّجَهَا بِالْعُصُوبَةِ ; لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا.

(5/2106)


3216 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3216 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ) : أَيْ: كَالْعَقِيقَةِ وَالْخِتَانِ، وَالظَّاهِرُ إِنَّ " عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ " مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي أَوْ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى، فَتَأَمَّلْ، فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «أَوْ مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» ". قِيلَ إِجَابَةُ الْوَلِيمَةِ وَاجِبَةٌ فَيَأْثَمُ التَّارِكُ بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ قَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ". وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ هَذَا فِي الْحُضُورِ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَنَدْبٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا وَأَمَّا إِجَابَةُ غَيْرِ الْوَلِيمَةِ فَنَدْبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» ". كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَابْنُ الْمَلَكِ قَالَا: وَمِنَ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ أَوْ يُخَصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءُ أَوْ هُنَاكَ مَنْ يُتَأَذَّى بِحُضُورِهِ أَوْ لَا تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ أَوْ يُدْعَى لِدَفْعِ شَرِّهِ أَوْ لِطَمَعٍ فِي جَاهِهِ أَوْ لِيُعَاوِنَهُ عَلَى بَاطِلٍ أَوْ هُنَاكَ مَنْهِيٌّ كَالْخَمْرِ أَوِ اللَّهْوِ أَوْ فَرْشِ الْحَرِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَخْلُو مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ إِنْ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا مَوْجُودَةً وَلِهَذَا قَالَتِ الصُّوفِيَّةُ: حَلَّتِ الْعُزْلَةُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَجَبَتْ فَإِنَّ مَنِ اخْتَارَ الْعُزْلَةَ اخْتَارَ الْعُزْلَةَ.

(5/2107)


3217 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3217 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ» ) : أَيْ: عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ (فَلْيُجِبْ) : أَيْ: فَلْيَحْضُرْ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَهَذَا فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعْذُورًا بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ بَعِيدًا يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْإِجَابَةِ. قِيلَ: وَمِنَ الْأَعْذَارِ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَى الدَّاعِي فَيَتْرُكُهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِلنَّدْبِ (وَإِنْ شَاءَ طَعِمَ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ: أَكَلَ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) : أَيِ: الْأَكْلَ وَالطَّعَامَ غَيْرَ مَأْكُولٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ " فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ " بَدَلَ قَوْلِهِ " فَلْيُصَلِّ "، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ» " اهـ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ يَعْتَذِرُ أَوَّلًا فَإِنْ أَبَى فَلْيَحْضُرْ وَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ.

(5/2107)


3218 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3218 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرُّ الطَّعَامِ» ) : قَالَ الْقَاضِي: أَيْ مِنْ شَرِّ الطَّعَامِ فَإِنَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَكُونُ شَرًّا مِنْهُ، وَنَظِيرُهُ " «شَرُّ النَّاسِ مِنْ أَكَلَ وَحْدَهُ» ". ( «طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرُكُ الْفُقَرَاءُ» ) : الْجُمْلَةُ صِفَةُ الْوَلِيمَةِ قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا سَمَّاهُ شَرًّا لِمَا ذَكَرَهُ عَقِيبَهُ، فَإِنَّهُ الْغَالِبُ فِيهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا هَذَا، فَاللَّفْظُ وَإِنْ أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ عَقِيبَهُ وَكَيْفَ يُرِيدُ بِهِ الْإِطْلَاقَ وَقَدْ أَمَرَ بِاتِّخَاذِ الْوَلِيمَةِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَيْهَا، وَرَتَّبَ الْعِصْيَانَ عَلَى تَرْكِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّعْرِيفُ فِي الْوَلِيمَةِ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ مَرْضَاةُ الْأَغْنِيَاءِ فِيهَا وَتَخْصِيصُهُمْ بِالدَّعْوَةِ وَإِيثَارُهُمْ، وَتَطْيِيبُ الطَّعَامِ لَهُمْ، وَرَفْعُ مَجَالِسِهِمْ وَتَقْدِيمُهُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْوَلَائِمِ. وَقَوْلُهُ " يُدْعَى. . . إِلَخِ " اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِكَوْنِهَا شَرَّ الطَّعَامِ، وَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ " مَنْ " لَأَنَّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ خَفِيٌّ. (وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ) حَالٌ، وَالْعَامِلُ يَدْعِي - يَعْنِي يَدْعِي - بِهَا الْأَغْنِيَاءَ، وَالْحَالُ أَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ، فَيُجِيبُ الْمَدْعُوُّ وَيَأْكُلُ شَرَّ الطَّعَامِ، اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ ضُرُّ الطَّعَامِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَنْ يَعْرِضُ لَهُ غَالِبًا مِنْ سُوءِ حَالَاتِهِ وَصِفَاتِهِ (وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ) : أَيْ: إِجَابَتَهَا مِنْ غَيْرِ مَعْذِرَةٍ (قَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) : وَإِنَّمَا عَصَى اللَّهَ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْهُ بِلَفْظٍ " «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ".

(5/2107)


3219 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَامِسَ خَمْسَةٍ فَصَنَعَ لَهُ طُعَيْمًا ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَبَا شُعَيْبٍ إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ قَالَ: لَا بَلْ أَذِنْتُ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3219 - (وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُكْنَى) : بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْقَامُوسِ كَنَى بِهِ كِنْيَةً بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ سَمَّاهُ كَأَكْنَاهُ وَكَنَّاهُ فَقَوْلُهُ (أَبَا شُعَيْبٍ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي (كَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ) : بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَيْ بَائِعُ اللَّحْمِ كَتَمَّارٍ وَهُوَ مُبَالَغَةُ لَحِمَ فَاعِلٌ لِلنِّسْبَةِ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ (فَقَالَ اصْنَعْ لِي) : أَيْ: لِأَجْلِ أَمْرِي (طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً) : أَيْ: خَمْسَةَ رِجَالٍ (لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : لِمَعْرِفَتِهِ أَثَرَ الْجُوعِ فِي وَجْهِهِ (خَامِسَ خَمْسَةٍ) : حَالٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ وَاحِدًا مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ بَابِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ (فَصَنَعَ لَهُ) : أَيْ: عَبْدَهُ لَهُ أَوْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّسْبَةِ الْمَجَازِيَّةِ (طُعَيْمًا) : بِالتَّصْغِيرِ أَيْ طَعَامًا لَطِيفًا (ثُمَّ أَتَاهُ) : أَيْ: جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَدَعَاهُ) : أَيْ: وَأَصْحَابَهُ الْأَرْبَعَةَ (فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : أَيْ: عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى بَيْتِهِ (يَا أَبَا شُعَيْبٍ إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا) : أَيْ: فِي الطَّرِيقِ (فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ) : أَيْ: فِي الدُّخُولِ (وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ) : أَيْ: عَلَى الْبَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ بِتَرْكِ الْإِذْنِ (قَالَ لَا) : أَيْ: لَا أَتْرُكُهُ (بَلْ أَذِنْتُ لَهُ) : فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِيَافَةِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي الْإِتْيَانِ مَعَهُ إِلَّا بِأَمْرٍ صَرِيحٍ أَوْ إِذْنٍ عَامٍّ أَوْ عِلْمٍ بِرِضَاهُ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ طَعَامُ الضِّيَافَةِ لِمَنْ لَمْ يُدْعَ إِلَيْهَا وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ حَمَلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَمَّا إِذَا جَلَسَ عَلَى مَائِدَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا وَلَا يُقَدِّمُ غَيْرَهُ مِنْهَا، وَقَدِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُنَاوِلَ أَهْلُ الْمَائِدَةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا شَيْئًا فَإِنْ كَانُوا عَلَى مَائِدَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ إِلَى رَجُلٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى التَّمْلِيكِ إِنَّ لَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِذَا شَاءَ، قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ غَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا لِلضَّيْفِ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُضِيفِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يَسْتَأْذَنَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُضِيفِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ إِلَّا إِنْ تَرَتَّبَ عَلَى حُضُورِهِ مُفْسِدَةٌ مِنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ، وَإِذَا رَدَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَلَطَّفَ بِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ إِنْ كَانَ يَلِيقُ بِهِ، لِيَكُونَ رَدًّا جَمِيلًا كَانَ حَسَنًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

(5/2108)


الْفَصْلُ الثَّانِي
3220 - عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقِ التَّمْرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
3220 - (عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ» ) : تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِحَيْسٍ وَجُمِعَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ كِلَاهُمَا فَأَخْبَرَ كُلُّ رَاوٍ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) .

(5/2108)


3221 - وَعَنْ سَفِينَةَ «أَنَّ رَجُلًا ضَافَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَ مَعَنَا فَدَعَوْهُ فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى عِضَادَتَيِ الْبَابِ فَرَأَى الْقِرَامَ قَدْ ضُرِبَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَرَجَعَ قَالَتْ فَاطِمَةُ فَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَدَّكَ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِي أَوْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3221 - (وَعَنْ سَفِينَةَ) : هُوَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَجُلًا ضَافَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) : أَيْ: صَارَ ضَيْفًا لَهُ يُقَالُ: ضَافَهُ ضَيْفٌ: أَيْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ (فَصَنَعَ) : أَيْ: عَلِيٌّ (لَهُ) : أَيْ: لِلضَّيْفِ (طَعَامًا) : وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ صَنَعَ طَعَامًا وَأَهْدَى - أَيْ عَلِيٌّ - إِلَّا أَنَّهُ دَعَا عَلِيًّا إِلَى بَيْتِهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فَكَانَ الْمُظْهِرُ وَهِمَ أَنَّ ضَافَ بِمَعْنَى أَضَافَ أَوْ كَانَ كَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا يُقَالُ ضَافَ الرَّجُلَ إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفًا، وَأَضَافَ الرَّجُلُ وَضَيَّفَهُ إِذَا نَزَّلْتَهُ ضَيْفًا لَكَ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: ضَافَهُ ضَيْفًا كَبَاعَهُ إِذَا نَزَلَ عِنْدَهُ وَأَضَفْتُهُ إِذَا أَنْزَلْتَهُ وَقَرَّبْتَهُ وَفِي الْقَامُوسِ ضِفْتُهُ أُضِيفُهُ ضَيْفًا وَضِيَافَةً

(5/2108)


بِالْكَسْرِ نَزَلْتَ عَلَيْهِ ضَيْفًا وَفِي النِّهَايَةِ ضَفْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَزَلْتَ بِهِ فِي ضِيَافَتِهِ وَأَضَفْتُهُ إِذَا أَنْزَلْتَهُ ( «فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -) : أَيْ: لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْرَكَ وَأَيْمَنَ، أَوْ " لَوْ " لِلتَّمَنِّي ( «فَدَعَوْهُ وَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى عِضَادَتَيِ الْبَابِ» ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الْمَنْصُوبَتَانِ عَلَى جَنَبَتَيْهِ (فَرَأَى الْقِرَامَ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ ثَوْبٌ رَقِيقٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنَ الْعُهُونِ وَرُقُومٌ وَنُقُوشٌ يُتَّخَذُ سِتْرًا يُغَشَّى بِهِ الْأَقْمِشَةُ وَالْهَوَادِجُ (قَدْ ضُرِبَ) : أَيْ: نُصِبَ (فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَرَجَعَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: فَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَدَّكَ) : أَيْ: عَنِ الدُّخُولِ عَلَيْنَا وَالنُّزُولِ عِنْدَنَا (قَالَ إِنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنُ (لَيْسَ لِي) : أَيْ: بِالْخُصُوصِ أَوْ لِي وَأَمْثَالِي (أَوْ لِنَبِيٍّ) : أَيْ: عَلَى الْعُمُومِ ( «أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا» ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ مُزَيَّنًا بِالنُّقُوشِ، وَأَصْلُ التَّزْوِيقِ التَّمْوِيهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمَلَكِ: كَانَ ذَلِكَ مُزَيَّنًا مُنَقَّشًا وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ مُنَقَّشًا وَلَكِنْ ضَرْبٌ مِثْلُ حَجَلَةِ الْعَرُوسِ سُتِرَ بِهِ الْجِدَارُ وَهُوَ رُعُونَةٌ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْجَبَابِرَةِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يُجَابُ دَعْوَةٌ فِيهَا مُنْكَرٌ، اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْكَرًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ نَبَّهَ بِالرُّجُوعِ إِلَى أَنَّهُ تَرَكَ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا، وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِنُقْصَانٍ الْأُخْرَى، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا تَخْصِيصُ النَّفْيِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) : وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ لَيْسَ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا.

(5/2109)


3222 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3222 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ دُعِيَ» ) : أَيْ: إِلَى طَعَامٍ (فَلَمْ يُجِبْ) : الْفَاءُ تُفِيدُ الْمُبَادَرَةُ ( «فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ) : أَيْ: إِذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ ( «وَمَنْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ» ) : أَيْ: لِلْمُضِيفِ إِيَّاهُ (دَخَلَ سَارِقًا) : لِأَنَّهُ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَأْثَمُ كَمَا يَأْثَمُ السَّارِقُ فِي دُخُولِ بَيْتِ غَيْرِهِ ( «وَخَرَجَ مُغِيرًا» ) : أَيْ: نَاهِيًا غَاصِبًا، يَعْنِي: وَإِنْ أَكَلَ مِنْ تِلْكَ الضِّيَافَةِ فَهُوَ كَالَّذِي يُغِيرُ أَيْ يَأْخُذُ مَالَ أَحَدٍ غَصْبًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ أُمَّتَهُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ الْبَهِيَّةَ وَنَهَاهُمْ عَنِ الشَّمَائِلِ الدَّنِيَّةِ، فَإِنَّ عَدَمَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَعْذِرَةِ يَدُلُّ عَلَى تَكَبُّرِ النَّفْسِ وَالرُّعُونَةِ وَعَدَمِ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَالدُّخُولَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ يُشِيرُ إِلَى حِرْصِ النَّفْسِ وَدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ وَحُصُولِ الْمَذَلَّةِ وَالْمَهَانَةِ، فَالْخُلُقُ الْحَسَنُ هُوَ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ الْخُلُقَيْنِ الْمَذْمُومَيْنِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

(5/2109)


3223 - وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3223 - (وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : وَلِكَوْنِ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ عُدُولًا لَا تَضُرُّ جَهَالَةُ الرَّاوِي مِنْهُمْ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ» ) : أَيْ: مَعًا ( «فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا» ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] ( «وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ» ) : أَيْ: لِسَبْقِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَسْبَقَ بِسَبْقِ أَخْذِ الْعِلْمِ أَلْيَقُ وَبِجَوَابِ الْفَتْوَى أَحَقُّ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ) .

(5/2109)


3224 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ وَطَعَامُ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ وَمَنْ سَمَّعَ: سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3224 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ) : أَيْ: فِي الْعُرْسِ (حَقٌّ) : أَيْ: ثَابِتٌ وَلَازِمٌ فِعْلُهُ وَإِجَابَتُهُ أَوْ وَاجِبٌ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَعَفَا فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ حَيْثُ يُسِيءُ بِتَرْكِهَا وَيَتَرَتَّبُ عِتَابٌ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ عُقَابٌ (وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ) : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَالثَّانِي بَعْدَهُ (وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ) : بِضَمِّ السِّينِ أَيْ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ لِيُسْمِعَ النَّاسَ وَلِيُرَائِيَهُمْ فَفِيهِ تَغْلِيبُ السُّمْعَةِ عَلَى الرِّيَاءِ أَوِ اكْتِفَاءٌ إِذْ فِي التَّحْقِيقِ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا دَقِيقٌ (وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فِيهِمَا أَيْ: مَنْ شَهَرَ نَفْسَهُ بِكَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخْرًا أَوْ رِيَاءً شَهَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ بِأَنَّهُ مُرَاءٍ كَذَّابٌ، بِأَنْ أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ بِرِيَائِهِ وَسُمْعَتِهِ، وَقَرَعَ بَابَ أَسْمَاعِ خَلْقِهِ فَيَفْتَضِحُ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا حَدَّثَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِعَبْدٍ نِعْمَةً حَقَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ شُكْرًا. وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ فِي الثَّانِي جَبْرًا لِمَا يَقَعُ مِنَ النُّقْصَانِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ مُكَمِّلَةٌ لِلْوَاجِبِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَلَيْسَ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَالْمَدْعُوُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ فِي الْأَوَّلِ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الثَّانِي، وَيُكْرَهُ بَلْ يَحْرُمُ فِي الثَّالِثِ. اهـ. وَفِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِذَلِكَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «طَعَامُ يَوْمٍ فِي الْعُرْسِ سُنَّةٌ وَطَعَامُ يَوْمَيْنِ فَضْلٌ وَطَعَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» ".

(5/2110)


3225 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3225 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ) : بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ أَيِ: الْمُتَفَاخِرَيْنِ (أَنْ يُؤْكَلَ) : بِهَمْزٍ وَيُبَدَّلُ، فِي النِّهَايَةِ الْمُتَبَارِيَانِ هُمَا: الْمُتَعَارِضَانِ بِفِعْلَيْهِمَا لَيْسَ أَنَّهُمَا يَغْلِبُهُ صَاحِبُهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَاهَاةِ وَالرِّيَاءِ، وَقَدْ دُعِيَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يُجِبْ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُدْعَوْنَ فَيُجِيبُونَ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِلْمُوَافَاةِ وَالْمُوَاسَاةِ، وَهَذَا مِنْكُمْ لِلْمُكَافَأَةِ وَالْمُبَاهَاةِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دُعِيَا إِلَى طَعَامٍ فَأَجَابَا فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: لَقَدْ شَهِدْتُ طَعَامًا وَوَدَدْتُ أَنْ لَمْ أَشْهَدْ. قَالَ: مَا ذَاكَ؟ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ جُعِلَ مُبَاهَاةً. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ: مَوْصُولًا وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ (وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ) : صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا) : وَفِي نُسْخَةٍ مُرْسَلٌ أَيْ: هُوَ مُرْسَلٌ أَيِ الصَّحِيحُ لَمْ يُذْكَرْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْنَدِهِ.

(5/2110)


الْفَصْلُ الثَّالِثُ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
3226 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمُتَبَارِيَانِ لَا يُجَابَانِ وَلَا يُؤْكَلُ طَعَامُهُمَا» . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَعْنِي الْمُتَعَارِضَيْنِ بِالضِّيَافَةِ فَخْرًا وَرِيَاءً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3226 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَبَارِيَانِ) : أَيِ: الْمُتَفَاخِرَانِ فِي الضِّيَافَةِ (لَا يُجَابَانِ) : أَيْ: لَا أَوَّلُهُمَا وَلَا آخِرِهُمَا لِفَسَادِ غَرَضِهِمَا وَسُوءِ قَصْدِهِمَا (وَلَا يُؤْكَلُ طَعَامُهُمَا) : أَيْ: لَوِ اتَّفَقَ الْحُضُورُ عِنْدَهُمَا أَيْ وَلَوْ أَرْسَلَاهُ إِلَى بَيْتِ أَحَدٍ زَجْرًا لَهُمَا (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَعْنَى) : أَيْ: يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ الْمُتَبَارِيَانِ (الْمُتَعَارِضَيْنِ) : أَيِ: الْمُتَجَاوِبَيْنِ وَالْمُتَعَارِضَيْنِ (بِالضِّيَافَةِ فَخْرًا وَرِيَاءً) : أَيْ: لَا إِحْسَانًا ابْتِدَاءً وَلَا مُكَافَأَةً انْتِهَاءً.

(5/2110)


3227 - «وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إِجَابَةِ طَعَامِ الْفَاسِقِينَ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3227 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إِجَابَةِ طَعَامِ الْفَاسِقِينَ) : أَيْ: مُطْلَقًا.

(5/2111)


3228 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْ، وَيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْ» ". رَوَى الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ هَذَا إِنْ صَحَّ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُطْعِمُهُ وَلَا يَسْقِيهِ إِلَّا بِمَا هُوَ حَلَالٌ عِنْدَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3228 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْ» ) : أَيْ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الطَّعَامُ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ (وَيَشْرَبْ) : بِالْجَزْمِ (مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْ) : فَإِنَّهُ قَدْ يَتَأَذَّى بِالسُّؤَالِ وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ فِسْقُهُ، كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِنْ قُلْتَ كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قُلْتَ الْفَاسِقُ هُوَ الْمُجَاوِزُ عَنِ الْقَصْدِ الْقَوِيمِ وَالْمُنْحَرِفُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَتَجَنَّبَ مِنَ الْحَرَامِ فَنُهِيَ الْحَازِمُ عَنْ أَكْلِ طَعَامِهِ وَأَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَزْمَ سُوءُ الظَّنِّ، وَخُصَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " أَخِيهِ " وَوَصَفَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْحَرَامَ، فَأَمَرَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَسُلُوكِ طَرِيقِ التَّحَابِّ وَالتَّوَادِّ، فَيَتَجَنَّبَ عَنْ إِيذَائِهِ بِسُؤَالِهِ، وَأَيْضًا إِنِّ الِاجْتِنَابَ عَنْ طَعَامِهِ زَجْرٌ لَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْفِسْقِ، فَيَكُونُ لُطْفًا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا وَرَدَ " «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» " (رَوَى الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ) : أَيْ: مَجْمُوعَ أَحَادِيثِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ (الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ) : أَيِ: الْبَيْهَقِيُّ (هَذَا) : أَيِ الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ (إِنْ صَحَّ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسْلِمَ) : أَيِ: الْكَامِلَ وَهُوَ غَيْرُ الْفَاسِقِ (لَا يُطْعِمُهُ) : أَيْ: أَخَاهُ الْمُسْلِمَ (وَلَا يَسْقِيهِ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى وَضَمِّهَا (إِلَّا مَا هُوَ حَلَالٌ عِنْدَهُ) : إِذْ قَدْ وَرَدَ: " «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ".

(5/2111)