مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ إِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ
وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3388 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: ( «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ
وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ
الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأُعْطِيَ
شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ،
وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ) . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بَابُ إِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَشِرَاءِ
الْقَرِيبِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3388 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا) : بِكَسْرٍ
فَسُكُونٍ أَيْ حِصَّةً وَنَصِيبًا عَلَى مَا فِي
النِّهَايَةِ (لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ) : أَيْ
لِلْمُعْتِقِ (مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) : أَيْ:
قِيمَةً بَاقِيَةً. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْمُعْتَبَرُ
يَسَارُ التَّيْسِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنَ الْمَالِ
قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ السَّاكِتِ وَهُوَ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يُسْتَثْنَى الْكَفَافُ،
وَكَذَا الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ
لِابْتِسَارِ الْغَنِيِّ الْمَحْرَمِ لِلصَّدَقَةِ، كَمَا
اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ; لِأَنَّ يَسَارَ
التَّيْسِيرِ يَعْدِلُ النَّظَرَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ
جَانِبِ الْمُعْتِقِ، وَجَانِبِ الْمُعْتَقِ
(6/2218)
جَانِبُ السَّاكِتِ ; لِأَنَّ مَقْصُودَ
الْمُعْتِقِ الْقُرْبَةُ وَتَتْمِيمُهَا بِضَمَانِهِ،
وَمَقْصُودَ السَّاكِتِ بَدَلَ حِصَّتِهِ، وَتَحْقِيقُهَا
بِالضَّمَانِ أَسْرَعُ مِنَ الِاسْتِسْعَاءِ، فَكَانَ
اعْتِبَارُ نِصَابِ التَّيْسِيرِ أَسْرَعَ فِي تَحَقُّقِ
مَقْصُودِهِ فَوَجَبَ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ
لِلنَّصِّ، وَإِلَّا فَصَرِيحُ النَّصِّ أَوْجَبَ
الضَّمَانَ عِنْدَ مُجَرَّدِ مِلْكِ الْقِيمَةِ
لِلْحِصَّةِ، لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (وَكَانَ
لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) بِاتِّفَاقِ
الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهِ، (قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ)
: أَيْ بَاقِي الْعَبْدِ أَوْ كُلُّهُ، وَوُضِعَ
الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ جَمِيعًا
(قِيمَةَ عَدْلٍ) : أَيْ: تَقْوِيمَ عَدْلٍ مِنَ
الْمُقَوِّمِينَ أَوِ الْمُرَادُ قِيمَةُ وَسَطٍ
(فَأُعْطِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (شُرَكَاؤُهُ) :
مَرْفُوعٌ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ (حِصَصَهُمْ) :
مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ بِكَسْرِ
الْحَاءِ جَمْعٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَعَتَقَ) : بِالْفَتْحِ
(عَلَيْهِ الْعَبْدُ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ (وَإِلَّا) : أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ يَبْلُغُ ذَلِكَ الثَّمَنَ (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ) :
وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهُ (مَا عَتَقَ) : فِي شَرْحِ
السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ
نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
غَيْرِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ بِقِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ
يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ وَلَا
يَتَوَقَّفُ إِلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَلَا عَلَى
اسْتِسْعَاءٍ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ،
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى
الْأَدَاءِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ الْأَدَاءِ
لَمَا وَجَبَتِ الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى
تَقْدِيرِ انْتِقَالٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إِتْلَافٍ وَلَمْ
يُوجَدِ الْأَخِيرَانِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ
الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ
نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ رَقِيقٌ لَا يُكَلَّفُ
إِعْتَاقَهُ وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي فَكِّهِ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ
قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ
بَاقِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ
كَافِرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا أَوْ
كَافِرًا وَلَا خِيَارَ لِلشَّرِيكِ فِي هَذَا وَلَا
لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْمُعْتِقِ، بَلْ يَنْفُذُ الْحُكْمُ
وَإِنْ كَرِهُوهُ كُلُّهُمْ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ
تَعَالَى فِي الْحُرِّيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:
إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، وَأَعْتَقَ
أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ،
فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ
بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُنْجَزًا
أَوْ مُضَافًا إِلَى مُدَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَإِنْ
شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِيهَا أَوْ ضَمِنَ
الْمُعْتَقُ مُوسِرًا قِيمَةَ حَظِّهِ لَا مُعْسِرًا،
وَالْوَلَاءُ لَهُمَا إِنْ أَعْتَقَهُ أَوِ اسْتَسْعَاهُ،
وَلِلْمُعْتِقِ إِنْ ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ
مُعْسِرًا فَالسِّعَايَةُ فَقَطْ وَالْوَلَاءُ
لِلْمُعْتِقِ، وَقَالَا: لَيْسَ لِلسَّاكِتِ إِلَّا
الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ
الْإِعْسَارِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا
ضَمِنَ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ.
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَجَزُّءُ
الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ، وَعَدَمُهُ عِنْدَهُمَا، فَيَسْعَى
وَهُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ يَسَارَ
الْمُعْتَقِ لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا
يَمْنَعُ، لَهُمَا فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ الَّتِي
ظَاهِرُهَا تَجَزُّءُ الْإِعْتَاقِ كَقَوْلِهِ: (فَقَدْ
عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) وَحَدِيثِ (فَعَلَيْهِ
خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ) وَقَوْلِهِ: (مَنْ أَعْتَقَ
عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ
عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ
فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا) فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَكَذَا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ
(مَنْ أَعْتَقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا
قُوِّمَ عَلَيْهِ فَيُعْتَقَ) وَالَّتِي ظَاهِرُهَا عَدَمُ
تَجَزُّئِهِ كَحَدِيثِ ابْنِ الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ غُلَامٍ،
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: (لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ،
وَأَجَازَ عِتْقَهُ) ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ،
وَزَادَ رَزِينٌ (فِي مَالِهِ) ، وَفِي لَفْظٍ: (هُوَ
حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ) . وَحَدِيثِ
الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: (مَنْ أَعْتَقَ
نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ
وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ
قِيمَةَ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ) كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّ
حُكْمَ السَّاكِتِ عِنْدَ يَسَارِهِ التَّضْمِينُ لَيْسَ
غَيْرُهُ، وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا:
وَوُجِّهَ أَنَّهُ قَسَمَ فَجَعَلَ الْحُكْمَ عِنْدَ
يَسَارِهِ تَضْمِينَهُ، وَعِنْدَ إِعْسَارِهِ
الِاسْتِسْعَاءَ، وَفِي الْكَافِي: جَعَلَ فَائِدَةَ
الْقِسْمَةِ نَفْيَ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا، وَلَا
يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ كَمَا تُفِيدُ نَفْيَ
الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا تُفِيدُ نَفْيَ
الِاسْتِسْعَاءِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
(6/2219)
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ
أَفَادَ تَصَوُّرَ عِتْقِ الْبَعْضِ فَقَطْ، يَعْنِي:
وَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ:
وَفِي رِوَايَةٍ: (وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ) ، وَلَكِنْ
قَالَ أَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ: هِيَ ضَعِيفَةٌ
مَكْذُوبَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ أَيُّوبَ: لَا نَدْرِي
أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ هُوَ شَيْءٌ فِي
الْحَدِيثِ؟ فَلَا يَضُرُّ إِذِ الظَّاهِرُ بَلِ
الْوَاجِبُ أَنَّهُ مِنْهُ إِذْ لَا يَجُوزُ إِدْرَاجُ
مِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ فِي إِفَادَةِ
أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَعْتَقَ
شِقْصًا فِي مَمْلُوكِهِ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ مَالُهُ
إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ غَيْرَ
مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ". أَيْ لَا يُغَلِي عَلَيْهِ
الثَّمَنَ أَفَادَ عَدَمَ سَرَايَةِ الْعِتْقِ إِلَى
الْكُلِّ بِمُجَرَّدِ عِتْقِ الْبَعْضِ، وَإِلَّا لَكَانَ
قَدْ خَلُصَ قَبْلَ تَخْلِيصِ الْمُعْتِقِ، وَأَمَّا مَا
رُوِيَ لَهُمَا أَيْ لِصَاحِبَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي
مَمْلُوكِهِ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ
مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَهُوَ عِتْقٌ»
". وَفِي لَفْظٍ: فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ؟ فَإِنَّمَا
يَقْتَضِي عِتْقَ كُلِّهِ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ
قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ مُدَّعَاهُمَا ذَلِكَ، بَلْ إِنَّهُ
يُعْتَقُ كُلُّهُ بِمُجَرَّدِ إِعْتَاقِ بَعْضِهِ كَانَ
لَهُ مَالٌ أَوْ لَا. فَقَدْ أَفَادَتِ الْأَحَادِيثُ
أَنَّ الْعِتْقَ مِمَّا يَقْتَصِرُ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ
وُجُودَ السِّرَايَةِ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْعَبْدِ
الْمُشْتَرَكِ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِدَلَالَةِ
الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ إِذَا كَانَ
مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ
إِعْتَاقُ الْبَعْضِ إِعْتَاقَ الْكُلِّ لَضَمِنَ
مُطْلَقًا، كَمَا إِذَا أَتْلَفَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ
بِالشَّهَادَةِ بِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ
الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ
مُعْسِرًا، وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاقْتِصَارُ لَزِمَ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ: (فَقَدْ
عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) زَوَالَ الْمِلْكِ، وَهُوَ
مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ بِخِلَافِ مَا قِيلَ:
إِنَّ قَوْلَ عُمَرَ قَوْلُهُمَا، فَقَدْ أَسْنَدَ
الطَّحَاوِيُّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ،
فَأَبْلَى فِيهَا وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي وَأَخِي
الْأَسْوَدِ، فَأَرَادُوا عِتْقَهُ، وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ
صَغِيرًا، فَذَكَرَ الْأَسْوَدُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ:
أَعْتِقُوا أَنْتُمْ، فَإِذَا بَلَغَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ أَعْتَقَ، وَإِلَّا
فَضَمِنَكُمْ أَثْبَتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِعْتَاقَ
بَعْدَ بُلُوغِهِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ
إِعْتَاقُهُمَا.
(6/2220)
3389 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي
عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ
مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3389 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا) :
بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ: نَصِيبًا (فِي عَبْدٍ) وَفِي
نُسْخَةٍ مِنْ عَبْدٍ (أُعْتِقَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
أَيِ: الْعَبْدُ (كُلُّهُ) : أَيْ عَلَى الْمُعْتِقِ (إِنْ
كَانَ لَهُ مَالٌ) : أَيْ: يَبْلُغُ قِيمَةَ بَاقِيهِ
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ) :
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يَسْتَسْعِيهِ فِي غَيْرِ
مَا أَعْتَقَهُ (غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) : بِنَصْبِ
(غَيْرَ) عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ
عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ. قَالَ
النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ
أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ بِالِاكْتِسَابِ وَالطَّلَبِ
حَتَّى يُحَصِّلَ قِيمَةَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ،
فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ عَتَقَ، كَذَا فَسَّرَهُ
الْجُمْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَخْدِمَ
سَيِّدَهُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ
مِنَ الرِّقِّ، فَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ،
وَمَعْنَى (غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) . أَيْ لَا
يُكَلَّفُ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَفِي شَرْحِ
السُّنَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ لَا يَسْتَغْلِي
عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ
هُنَا خِلَافٌ بَيْنَ الرُّوَاةِ. قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ
وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُمَا أَثْبَتُ مِمَّنْ لَمْ
يَذْكُرَا فِيهِ الِاسْتِسْعَاءَ، وَوَافَقَهُمَا
هَمَّامٌ، فَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاءَ عَنِ الْحَدِيثِ،
فَجَعَلَهُ مِنْ رَأْيِ قَتَادَةَ قَالَ: وَعَلَى هَذَا
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ
هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ، فَفَصَلَ قَوْلَ قَتَادَةَ عَنِ
الْحَدِيثِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إِسْقَاطُ السِّعَايَةِ
مِنَ الْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِهَا، وَلِأَنَّهَا
لَيْسَتْ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الَّذِينَ
لَمْ يَذْكُرُوا السِّعَايَةَ أَثْبَتُ مِمَّنْ ذَكَرَهَا.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ
عَبْدٍ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ
قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ،
وَالِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ فَيَأْخُذَ نِصْفَ
قِيمَتِهِ مِنَ الْأُجْرَةِ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ
الْفِقْهِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ
السِّعَايَةِ فَعَلَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ عَمَلٌ
مَعْرُوفٌ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ
غَيْرُ هَذَا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ
امْتِنَاعِهِ، فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ
جَبْرًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إِذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا
كَرُبُعِكَ حُرٌّ وَنَحْوِهِ،
(6/2220)
فَلَوْ قَالَ: بَعْضُكَ حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ
مِنْكَ أَوْ شِقْصُكَ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، وَقَالَا:
يُعْتَقُ كُلُّهُ إِذِ الْعِتْقُ عِنْدَهُمَا لَا
يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ
اللَّهُ، فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَوْلَى وَاحِدًا، أَوْ
كَانَ الشَّرِيكُ وَالْمُعْتِقُ مُوسِرَيْنِ، أَمَّا إِذَا
كَانَ لِشَرِيكَيْنِ وَالْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ فَيَبْقَى
مِلْكُ السَّاكِتِ كَمَا كَانَ حَتَّى جَازَ لَهُ بَيْعُهُ
عِنْدَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ
وَاللَّيْثِ: أَنَّ السَّاكِتَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ
أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَلَا سِعَايَةَ أَصْلًا،
وَسَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ إِعْلَالُهُمْ لَفْظَ
السِّعَايَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ
النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ شُعْبَةُ
وَهِشَامٌ عَلَى خِلَافِ سَعْدِ بْنِ أَبِي عُرْوَةَ،
يَعْنِي فِي ذِكْرِ السِّعَايَةِ. قَالَ: وَبَلَغَنِي
أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ
الْكَلَامَ الْأَخِيرَ: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) مِنْ
قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ: أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَصَحُّ
مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ كَتَبَهَا إِمْلَاءً،
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ
هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ، وَفَصَلَ قَوْلَ النَّبِيِّ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَوْلِ
قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُرْوَةَ،
وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَجَعَلَ
الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ
كَمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَاضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ فَمَرَّةً يَذْكُرُهَا،
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَتْنِ
الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ
عُمَرَ فِي السِّتَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - يَعْنِي الْحَدِيثَ أَوَّلَ الْبَابِ.
قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: فِيمَا قَالُوهُ
نَظَرٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ
الْأَثْبَاتِ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَيْسَ بِدُونِ هَمَّامٍ
عَنْهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذِكْرِ
الِاسْتِسْعَاءِ، وَرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ جَرِيرُ بْنُ أَبِي
حَازِمٍ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، وَحَجَّاجُ
بْنُ أَرْطَأَةَ، وَيَحْيَى بْنُ صُبَيْحٍ
الْخُرَاسَانِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَحَسْبُكَ بِذَيْنِكَ
بِرَفْعِهِمَا الِاسْتِسْعَاءَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ مِثْلُ:
إِنَّهُ لَا يُعْتَقُ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَوْ بِإِذْنِ
الشَّرِيكِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْبَاقِيَ،
وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ وَأَنَّ لَهُ
التَّضْمِينَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهُوَ مَنْقُولٌ
عَنْ زُفَرَ، وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَأَنْ يُعْتَقَ
الْبَاقِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
سِيرِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ
النَّافِينَ: رِوَايَةُ صِحَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَأَنَّ
الْمُرَادَ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ
يُسْتَسْعَى إِنِ اخْتَارَ ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ
مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ.
(6/2221)
3390 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ
سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ
لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَجَزَّأَهُمْ
أَثْلَاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ
اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلًا
شَدِيدًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ
عَنْهُ وَذَكَرَ (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُصَلِّيَ
عَلَيْهِ) بَدَلَ (وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا) .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: قَالَ: (لَوْ شَهِدْتُهُ
قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ لَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3390 - (وَعَنْ عِمْرَانَ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (ابْنِ
حُصَيْنٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ
سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ
لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ
بِالنَّصْبِ (فَدَعَا بِهِمْ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ
أَيْ طَلَبَهُمْ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ) : بِتَشْدِيدِ
الزَّايِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ
النَّوَوِيُّ يَرْحَمُهُ اللَّهُ: بِتَشْدِيدِ الزَّايِ
وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، ذَكَرَهُمَا
ابْنُ السِّكِّيتُ وَغَيْرُهُ أَيْ فَقَسَمَهُمْ
(أَثْلَاثًا) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ:
ثَلَاثًا مَصْدَرٌ أَيْ: مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ:
ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ الْمُنْجَزَ فِي مَرَضِ
الْمَوْتِ كَالْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ فِي الِاعْتِبَارِ
مِنَ الثُّلُثِ، وَكَذَلِكَ التَّبَرُّعُ الْمُنْجَزُ فِي
مَرَضِ الْمَوْتِ (ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ) : أَيْ:
بَيْنَ الْأَثْلَاثِ أَوْ بَيْنَ الْمَمْلُوكِينَ
السِّتَّةِ. (فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً)
: أَيْ: أَبْقَى حُكْمَ الرِّقِّ عَلَى الْأَرْبَعَةِ.
قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: وَهَذَا ; لِأَنَّ أَكْثَرَ
عَبِيدِهِمُ الزُّنُوجُ وَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي
الْقِيمَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ
وَاحِدٍ قِسْطَهُ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَبِهِ قَالَ
الشَّعْبِيُّ وَشُرَيْحٌ الْبَصْرِيُّ. (وَقَالَ لَهُ) :
أَيْ: فِي شَأْنِهِ (قَوْلًا شَدِيدًا) : أَيْ:
كَرَاهِيَةً لِفِعْلِهِ وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ
(6/2221)
النَّسَائِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَفِي
رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ (عَنْهُ) : أَيْ: عَنْ عِمْرَانَ
وَذَكَرَ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُصَلِّيَ عَلَيْهِ)
بَدَلَ: (وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا) . قَالَ
النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
وَحْدَهُ كَانَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَشْدِيدًا
وَتَغْلِيظًا وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ،
وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ
بَعْضِ الصَّحَابَةِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ مَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ:
وَقَالَ: لَوْ شَهِدْتُهُ) : أَيْ: حَضَرْتُهُ (قَبْلَ
أَنْ يُدْفَنَ لَمْ يُدْفَنْ) : أَيْ: وَفِي نُسْخَةٍ
صَحِيحَةٍ لَمْ يُقْبَرْ (فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ)
فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الزَّجْرِ الشَّدِيدِ
وَالتَّهْدِيدِ الْأَكِيدِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
مِنَ الْهَمِّ عَدَمُ الْفِعْلِ وَاللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ.
(6/2222)
3391 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَا يَجْزِي وَلَدٌ
وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ
فَيُعْتِقَهُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3391 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَلَا
يَجْزِي) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فِي
آخِرِهِ أَيْ: لَا يُكَافِئُ (وَلَدٌ وَالِدَهُ) : أَيْ:
إِحْسَانَ وَالِدِهِ (إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ) : أَيْ:
يُصَادِفَهُ (مَمْلُوكًا) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ
الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي (يَجِدَهُ) (فَيَشْتَرِيَهُ
فَيُعْتِقَهُ) : بِالنَّصْبِ فِيهِمَا: قَالَ الْقَاضِي
رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى
أَنَّ الْأَبَ لَا يُعْتَقُ عَلَى وَلَدِهِ إِذَا
تَمَلَّكَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَرْتِيبُ
الْإِعْتَاقِ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى
أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يُنْشِئَ فِيهِ عِتْقًا، وَأَنَّ قَوْلَهُ:
(فَيُعْتِقَهُ) مَعْنَاهُ: فَيُعْتِقُهُ بِالشِّرَاءِ لَا
بِإِنْشَاءِ عِتْقٍ، وَالتَّرْتِيبُ بِاعْتِبَارِ
الْحُكْمِ دُونَ الْإِنْشَاءِ.
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَالُوا إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ
أَحَدًا مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ أَوْ أَحَدًا مِنْ
أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْ مَلَكَهُ
بِسَبَبٍ آخَرَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يُنْشِئَ فِيهِ عِتْقًا. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي حَدِيثُ: (
«مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» )
قَالَ الْمُظْهِرَ: فَعَلَى هَذَا الْفَاءُ فِي
(فَيُعْتِقَهُ) لِلسَّبَبِيَّةِ يَعْنِي فَيُعْتِقَهُ
بِسَبَبِ شِرَائِهِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى قَوْلِهِ:
أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بَلْ عَتَقَ بِنَفْسِ
الشِّرَاءِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ
بِسَبَبِ الشِّرَاءِ يَجْعَلُ الْفَاءَ فِي (فَيُعْتِقَهُ)
لِلتَّعْقِيبِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَإِذَا صَحَّ
الشِّرَاءُ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَالْمِلْكُ يُفِيدُ
التَّصَرُّفَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا
وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ ; لِأَنَّ
الْأُبُوَّةَ تَقْتَضِي الْمَالِكِيَّةَ كَمَا سَبَقَ فِي
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: «أَنْتَ وَمَالُكَ
لِوَالِدِكَ» . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233]
وَالشِّرَاءُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْمِلْكِ، وَالْعِتْقُ
مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ
الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي
يَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ إِيَّاهُ ثُمَّ إِعْتَاقَهُ عَنْهُ،
فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ بَيْنَ
الْمُتَنَافِيَيْنِ، فَالْحَدِيثُ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ
بِالْمُحَالِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى لَا يَجْزِي
وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَمْلِكَهُ فَيُعْتِقَهُ
وَهُوَ مُحَالٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ
جَلَالُهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]
الْكَشَّافَ: يَعْنِي إِنْ أَمْكَنَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوا
مَا قَدْ سَلَفَ فَانْكِحُوهُ، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ
غَيْرُهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالْغَرَضُ
الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْرِيمِهِ وَسَدُّ الطَّرِيقَةِ
إِلَى إِبَاحَتِهِ كَمَا يُعَلَّقُ بِالْمُحَالِ،
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] إِذْ جُعِلَتِ
التَّوْبَةُ نَفْسَ الْقَتْلِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ.
(6/2222)
3392 - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ غَيْرُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟
فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ ابْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ
دِرْهَمٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ،
فَجَاءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ابْدَأْ
بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ
فَلِأَهْلِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي
قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ
فَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ
يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ اقْضِ دَيْنَكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3392 - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ
دَبَّرَ مَمْلُوكًا) : أَيْ: قَالَ مَثَلًا: عَبْدِي
دُبُرَ مَوْتِي حُرٌّ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ)
: بِالرَّفْعِ (بَلَغَ) : أَيْ: ذَلِكَ (النَّبِيَّ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: (مَنْ
يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمٌ) :
بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ النَّحَّامِ) : بِفَتْحِ النُّونِ
وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا ضَبَطَهُ
الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ: قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ
بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ،
هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ. قَالُوا: وَهُوَ
غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ فَاشْتَرَاهُ النَّحَّامُ، فَإِنَّ
الْمُشْتَرِيَ هُوَ نُعَيْمٌ وَهُوَ النَّحَّامُ،
وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ( «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ
فَسَمِعْتُ فِيهَا نَحْمَةً لِنُعَيْمٍ» ) وَالنَّحْمَةُ:
الصَّوْتُ، وَقِيلَ: هِيَ السَّعْلَةُ، وَقِيلَ:
النَّحْنَحَةُ. قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ كَمَا فِي الِاسْتِقْرَاضِ:
نُعَيْمُ ابْنُ النَّحَّامِ هُوَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، وَالنَّحَّامُ بِالنُّونِ وَالْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ لَقَبُ نُعَيْمٍ، وَظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَقَبُ أَبِيهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ:
هُوَ غَلَطٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - " «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا
نَحْمَةً مِنْ نُعَيْمٍ» ) لَكِنَّ الْحَدِيثَ
الْمَذْكُورَ مِنْ رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ
ضَعِيفٌ، فَلَا تُرَدُّ بِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ،
فَلَعَلَّ أَبَاهُ أَيْضًا كَانَ يُقَالُ لَهُ:
النَّحَّامُ، وَنُعَيْمٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَسِيدٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، أَسْلَمَ
قَدِيمًا قَبْلَ عُمَرَ، فَكَتَمَ إِسْلَامَهُ وَأَرَادَ
الْهِجْرَةَ، فَسَأَلَهُ بَنُو عَدِيٍّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى
أَيِّ دِينٍ شَاءَ لِأَنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى
أَيْتَامِهِمْ، ثُمَّ هَاجَرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَاسْتُشْهِدَ
فِي فُتُوحِ الشَّامِ. (بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ) :
بِكَسْرِ النُّونِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ: فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْعَدَوِيُّ) : بِفَتْحَتَيْنِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي
عَدِيٍّ قَوْمِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
(بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ) :
أَيْ فِي الْإِنْفَاقِ (فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا) : أَيْ:
فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا فَإِنَّهَا مَرْكَبُ
الرُّوحِ فِي سُلُوكِهَا (فَإِنْ فَضَلَ) : بِفَتْحِ
الْعَيْنِ أَيْ زَادَ (شَيْءٌ) : أَيْ مِنْهَا
(فَلِأَهْلِكَ) : أَيْ: مِمَّا يَعُولُكَ (فَإِنْ فَضَلَ
عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ) : أَيْ: إِمَّا
وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا (فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي
قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا) : قَالَ
الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: جَوَابٌ لِلشَّرْطِ
كِنَايَةً عَنِ التَّفْرِيقِ أَشْتَاتًا عَلَى مَنْ
جَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَأَمَامَهُ (يَقُولُ)
: أَيِ: الرَّاوِي (بَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ
وَعَنْ شِمَالِكَ) : تَفْسِيرٌ لِلتَّفْرِيقِ، وَهَكَذَا
نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ:
اخْتَلَفُوا فِي تَدْبِيرِ الْمُدَبِّرِ فَأَجَازَ
جَمَاعَةٌ الْإِطْلَاقَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: أَنَّهَا بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْهَا،
فَأَمَرَتِ ابْنَ أَخِيهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ
الْأَعْرَابِ مَنْ يُسِيءُ مَلَكَتَهَا. وَقَالَ
جَمَاعَةٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إِذَا كَانَ التَّدْبِيرُ
مُطْلَقًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتَ
حُرٌّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَيِّدَ بِشَرْطٍ أَوْ زَمَانٍ،
وَقَاسُوا الْمُدَبَّرَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ
عِتْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَلَى
الْإِطْلَاقِ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى
التَّدْبِيرِ الْمُقَيِّدِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ
مُتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي شَهْرِي هَذَا فَأَنْتَ
حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا الْمُدَبَّرِ
عِنْدَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ
جَاءَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَإِذَا أُطْلِقَ يُفْهَمُ
مِنْهُ التَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ لَا غَيْرُهُ وَلَيْسَ
كَأُمِّ الْوَلَدِ ; لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِي أُمِّ
الْوَلَدِ أَشَدُّ تَأْكِيدًا مِنْهُ فِي الْمُدَبَّرِ،
وَبِدَلِيلِ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ
لَا يَمْنَعُ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَيَمْنَعُ عِتْقَ
الْمُدَبَّرِ، وَأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ مِنْ
رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمُدَبَّرُ عِتْقُهُ مِنَ الثُّلُثِ،
فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى
جَوَازِ وَطْءِ الْمُدَبَّرَةِ كَمَا يَجُوزُ وَطْءُ أُمِّ
الْوَلَدِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي
هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُوَافِقِيهِ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ
الْمُدَبَّرِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَقِيَاسًا عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ
بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمَالِكٌ
(6/2223)
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفُ مِنَ
الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ: لَا يَجُوزُ
بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا بَاعَهُ
النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي
دَيْنٍ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: (اقْضِ
دَيْنَكَ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: التَّدْبِيرُ لُغَةً النَّظَرُ
فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَشَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ
بَعْدَ الْمَوْتِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا
لَفْظًا أَوْ مَعْنًى. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ:
فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِمَمْلُوكِهِ: إِذَا مُتُّ
فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي،
أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ دَبَّرْتُكَ، فَقَدْ صَارَ
مُدَبَّرًا ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِي
التَّدْبِيرِ، فَإِنَّهُ أَيِ التَّدْبِيرَ إِثْبَاتُ
الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ، وَهَذِهِ تُفِيدُ ذَلِكَ
بِالْوَضْعِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ الْمُدَبَّرَ
الْمُطْلَقَ، وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ
مَوْتِ الْمَوْلَى وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إِخْرَاجُهُ عَنْ
مِلْكِهِ إِلَّا لِحُرِّيَّةٍ بِلَا بَدَلٍ أَوْ
لِكِتَابَةٍ أَوْ عِتْقِ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ، وَمَا
سِوَاهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تُبْطِلُ
حَقَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ تَجُوزُ، فَيَجُوزُ
اسْتِخْدَامُهُ وَإِجَارَتُهُ، وَأَخْذُ أُجْرَتِهِ،
وَتَزْوِيجُ الْمُدَبَّرَةِ وَوَطْؤُهَا وَأَخْذُ
مَهْرِهَا وَأَرْشُ جِنَايَتِهَا ; لِأَنَّ الْمِلْكَ
فِيهِ ثَابِتٌ وَبِهِ يُسْتَفَادُ وَلَايَةُ هَذِهِ
التَّصَرُّفَاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِمَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا
أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ،
ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ:
أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ غُلَامًا عَنْ دُبُرٍ،
وَكَانَ مُحْتَاجًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَبَاعَهُ رَسُولُ
اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ وَقَالَ: (اقْضِ
دَيْنَكَ) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ
هَذَا أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ، وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ بِسَنَدِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَ الْمُدَبَّرَ،
وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ إِلَى عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَطَاوَلَ
مَرَضُهَا، فَذَهَبَ بَنُو أُخْتِهَا فَذَكَرُوا مَرَضَهَا
إِلَى طَبِيبٍ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُخْبِرُونِي عَنِ
امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ. قَالَ: فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ،
فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا سَحَرَتْهَا، وَكَانَتْ قَدْ
دَبَّرَتْهَا فَدَعَتْهَا ثُمَّ سَأَلَتْهَا: مَاذَا
أَرَدْتِ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ تَمُوتِي حَتَّى
أُعْتَقَ.
قَالَتْ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعِي مِنْ
أَسْوَأِ الْعَرَبِ مَلَكَةً، فَبَاعَتْهَا وَأَمَرَتْ
بِثَمَنِهَا، فَجُعِلَ فِي مِثْلِهَا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ
وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَالْجَوَابُ
أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي
ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَ رَجُلًا يُقَالُ
لَهُ شَرَفٌ فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ذَكَرَهُ فِي النَّاسِخِ
وَالْمَنْسُوخِ، فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى
جَوَازِ بَيْعِهِ الْآنَ بَعْدَ النَّسْخِ، وَإِنَّمَا
يُفِيدُ اسْتِصْحَابَ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ جَوَازِ
بَيْعِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ، إِذْ لَمْ يُوجِبَ
التَّدْبِيرُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْهُ، ثُمَّ رَأَيْنَا
أَنَّهُ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -: «لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُوهَبُ
وَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ» ، وَقَدْ رَفَعَهُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- لَكِنْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَفْعَهُ، وَصَحَّحَ
وَقْفَهُ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: فَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ لَا
إِشْكَالَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْوَقْفِ فَقَوْلُ
الصَّحَابَةِ حِينَئِذٍ لَا يُعَارِضُهُ النَّصُّ
أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ
لَهَا، وَإِنَّمَا يُعَارِضُهُ لَوْ قَالَ يُبَاعُ
الْمُدَبَّرُ، فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ تَقْلِيدِهِ
فَظَاهِرٌ، وَعَلَى عَدَمِ تَقْلِيدِهِ يَجِبُ أَنْ
يُحْمَلَ عَلَى السَّمَاعِ ; لِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِهِ
عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَبَطَلَ مَا قِيلَ: حَدِيثُ
ابْنِ عُمَرَ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ،
وَأَيْضًا: ثَبَتَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ ذُكِرَ
عِنْدَهُ أَنَّ عَطَاءً وَطَاوُسًا يَقُولَانِ عَنْ
جَابِرٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ عِتْقُهُ عَنْ دُبُرِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ
فَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، الْحَدِيثَ.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: شَهِدْتُ الْحَدِيثَ مِنْ
جَابِرٍ، إِنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ، رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ
الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكُوفِيُّ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا وَإِنْ كَانَ
مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا
مُرْسَلٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ،
لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ الْعَوْفِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ اهـ.
(6/2224)
فَلَوْ تَمَّ تَضْعِيفُ عَبْدِ الْغَفَّارِ
لَمْ يَضُرَّ لَكِنَّ الْحَقَّ عَدَمُهُ، وَإِنْ كَانَ
مُتَشَيِّعًا فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ
مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ بْنُ الْإِمَامِ عَلِيٍّ زَيْنِ
الْعَابِدِينَ، بِأَنَّهُ شَهِدَ حَدِيثَ جَابِرٍ
وَأَنَّهُ أَجَازَ لَنَا فِي بَيْعِ مَنَافِعِهِ، وَلَا
يُمْكِنُ لِثِقَةٍ إِمَامٍ ذَلِكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ
ذَلِكَ مِنْ جَابِرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُحْمَلُ
الْحَدِيثُ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ، أَوْ أَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّهُ بَاعَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مِنْ بَابِ
دَفْعِ الصَّائِلِ ; لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ
الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا لِمُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ يَمْنَعُ
مِنَ الْعَمَلِ بِطَلَاقِهِ، فَأَنْتَ إِذَا عَلِمْتَ
أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ ثُمَّ نُسِخَ،
وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ بَاعَ مُدَبَّرًا
لَيْسَ إِلَّا حِكَايَةَ الرَّاوِي نَقْلًا جُزْئِيًّا لَا
عُمُومَ لَهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: عَتَقَ عَنْ دُبُرٍ،
أَوْ دَبَّرَ أَعَمُّ مِنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ،
إِذْ يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ مُقَيَّدًا أَنَّهُ
أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا عَنِ ابْنِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ،
وَحَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ،
وَقَدْ أَقَمْنَا الدَّلَالَةَ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ
الْمُرْسَلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ بَعْدُ
أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، عَلِمْتَ قَطْعًا
أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ، بَلْ سَالِمَةٌ عَنِ
الْمُعَارِضِ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ عِمْرَانَ لَمْ
يَصِحَّ رَفْعُهُ بِعَضُدِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ
الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَدْبِيرُهَا مُقَيَّدًا لِأَنَّهُ
أَيْضًا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَلَمْ
يَتَنَاوَلْ حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - مَحَلَّ نِزَاعٍ أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ
وَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا،
ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ
عَلَى صِفَةٍ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ: إِنْ مُتُّ مِنْ
مَرَضِي هَذَا، أَوْ سَفَرِي هَذَا، أَوْ مَرَضِ كَذَا،
أَوْ قُتِلْتُ، أَوْ غَرِقْتُ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ،
وَيَجُوزُ بَيْعُهُ ; لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ
تَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي تِلْكَ
الصِّفَةِ هَلْ تَقَعُ أَمْ لَا؟ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ
الْمُطْلَقِ ; لِأَنَّ تَعَلُّقَ عِتْقِهِ بِمُطْلَقِ
الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ إِنْ مَاتَ
الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَتَقَ
كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ يَعْنِي مِنَ الثُّلُثِ
لِأَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ لَهُ فِي آخِرِ
جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِتَحَقُّقِ تِلْكَ
الصِّفَةِ فِيهِ، فَإِذْ ذَلِكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا
مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، بَلْ لَا يُمْكِنُ،
وَإِنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، أَوْ رَجَعَ مِنْ
ذَلِكَ السَّفَرِ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُعْتَقْ ; لِأَنَّ
الشَّرْطَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ قَدِ انْعَدَمَ.
(6/2225)
الْفَصْلُ الثَّانِي
3393 - عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - قَالَ: ( «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ
حُرٌّ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3393 - (عَنِ الْحَسَنِ) : أَيِ الْبَصْرِيِّ (عَنْ
سَمُرَةَ) : أَيِ ابْنِ جُنْدُبٍ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ مَلَكَ)
: أَيْ بِنَحْوِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إِرْثٍ (ذَا
رَحِمٍ) : أَيْ قَرَابَةٍ (مَحْرَمٍ) : احْتِرَازٌ عَنْ
غَيْرِهِ، وَهُوَ بِالْجَرِّ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ
يَكُونَ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَا رَحِمٍ لَا
نَعْتُ رَحِمٍ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَابِ جَرِّ الْجِوَارِ
كَقَوْلِهِ: بَيْتُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَمَاءُ شَنٍّ بَارِدٍ،
وَلَوْ رُوِيَ مَرْفُوعًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، (فَهُوَ) :
أَيْ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ
أُنْثَى (حُرٌّ) : أَيْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ
مِلْكِهِ، وَهُوَ أَصْرَحُ وَأَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ السَّابِقِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَأَحْمَدُ.
وَفِي النِّهَايَةِ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ
الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رِضْوَانُ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي عِتْقِ الْأَقَارِبِ إِذَا
مَلَكُوا فَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا يُعْتَقُ أَحَدٌ
مِنْهُمْ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ الْوَلَدُ
وَالْوَالِدُ وَغَيْرُهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
إِنْشَاءِ عِتْقٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ
الْجُمْهُورُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يَحْصُلُ الْعِتْقُ فِي
الْأُصُولِ وَإِنْ عَلَوْا، وَفِي الْفُرُوعِ وَإِنْ
سَفُلُوا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ
وَالْكَافِرُ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ يُعْتِقُ عَمُودَ
النَّسَبِ بِكُلِّ حَالٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا
وَرَائِهِمَا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: لَا
يُعْتَقُ غَيْرُهُمَا بِالْمِلْكِ، وَقَالَ مَالِكٌ:
يُعْتَقُ الْأُخْوَةُ أَيْضًا، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ
يُعْتَقُ جَمِيعُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْمُحَرَّمَةِ،
وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعْتَقُ جَمِيعُ ذَوِي
الْأَرْحَامِ الْمُحَرَّمَةِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ
مَرْفُوعًا. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ
(6/2225)
أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِهِ: لَمْ
يُحَدِّثْ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا إِلَّا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ
بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَى عِتْقِ الْأُصُولِ
وَالْفُرُوعِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: حَدِيثُ سَمُرَةَ
لَا يُعْرَفُ مُسْنَدًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ
الْحَسَنِ مُرْسَلًا. قُلْتُ: إِذَا كَانَ مُسْنَدًا فَلَا
إِشْكَالَ، وَالشَّكُّ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ غَيْرُ
مُضِرٍّ، وَالْمَوْقُوفُ عَنْ عُمَرَ فِي حُكْمِ
الْمَرْفُوعِ إِذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ،
وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ،
وَإِذَا اعْتَضَدَ فَعِنْدَ الْكُلِّ، وَأَغْرَبَ
الطِّيبِيُّ حَيْثُ قَالَ: يُشَمُّ مِنْ سِيَاقِ
الْحَدِيثِ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ، إِذْ جَعَلَ
الْجَزَاءَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى
تَحَرِّي الْأَوْلَى، إِذْ لَمْ يَقُلْ: مَنْ مَلَكَ ذَا
رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَيُعْتِقُهُ أَوْ فَيُحَرِّرُهُ، بَلْ
قِيلَ: فَهُوَ حُرٌّ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ الَّتِي
تَقْتَضِي الدَّوَامَ وَالثُّبُوتَ فِي الْأَزْمِنَةِ
الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ تُنْبِئُ عَنْ هَذَا لِأَنَّهُ
مَا كَانَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي حُرًّا وَكَذَا فِي
الْآتِي اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ شَمَّ رَائِحَةً مِنْ فَهْمِ
الْكَلَامِ عَلِمَ أَنَّ الْحِكْمَةَ بِالْجُمْلَةِ
الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ
أَبْلَغُ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ وَالْمَرَامِ مِنَ
الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ،
فَإِنَّهَا تُفِيدُ بِظَاهِرِهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
إِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرِ، وَلِذَا تَأَوَّلَ
أَهْلُ الظَّاهِرِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَا
سَبَقَ بِهِ التَّقْرِيرُ، فَالْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ
هِيَ الْأَوْلَى بِالدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ،
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. هَذَا وَقَدْ
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى النَّسَائِيُّ، عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ
مَحْرِمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ» ) . وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ بِسَبَبِ أَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ
عَنْ سُفْيَانَ، وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَالَ:
ضَمْرَةُ ثِقَةٌ، وَإِذَا أَسْنَدَ الْحَدِيثَ ثِقَةٌ
فَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِهِ، وَلَا إِرْسَالُ مَنْ
أَرْسَلَهُ، وَلَا وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، وَصَوَّبَ ابْنُ
الْقَطَّانِ كَلَامَهُ، وَمِمَّنْ وَثَّقَ ضَمْرَةَ ابْنُ
مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي
الصَّحِيحَيْنِ، وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «مَنْ
مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» ) قَالَ
أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: انْفَرَدَ بِهِ عَنِ الْحَسَنِ
عَنْ سَمُرَةَ عَنْ حَمَّادٍ، وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّ
مُوسَى بْنَ إِسْمَاعِيلَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ
سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسَبُ حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ
شُعْبَةُ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ
حَمَّادٍ اهـ.
وَفِيهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ
الْحَقِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ: أَنَّ رَفْعَ
الثِّقَةِ لَا يَضُرُّهُ إِرْسَالُ غَيْرِهِ، وَرَوَاهُ
الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَرَ
مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
مَوْقُوفًا، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِأَسَانِيدَ
ضَعِيفَةٍ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى
الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنِ
الْمُسْتَوْرِدِ، أَنَّ رَجُلَا زَوَّجَ ابْنَ أَخِيهِ
مَمْلُوكَتَهُ، فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَرَادَ أَنْ
يَسْتَرِقَّ أَوْلَادَهَا، فَأَتَى ابْنُ أَخِيهِ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي
وَلِيدَتَهُ، وَإِنَّهَا وَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا،
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي، فَقَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: كَذَبَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي
الْمَبْسُوطِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي دَخَلْتُ السُّوقَ،
فَوَجَدْتُ أَخِي يُبَاعُ فَاشْتَرَيْتُهُ، وَإِنِّي
أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: (إِنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ) .
قَالَ: وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ
أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ: رُوِيَ
ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا
يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ،
وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ،
وَالْحَاكِمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
وَأَبُو سَلَمَةَ، وَاللَّيْثُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
وَهْبٍ، وَإِسْحَاقُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ دَاوُدُ
الظَّاهِرِيُّ: إِذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ لَا يُعْتَقُ
بِدُونِ الْإِعْتَاقِ الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ
وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ
فَيُعْتِقَهُ» ) . إِذْ لَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ
لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقَهُ فَائِدَةٌ ; لَأَنَّ
الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ فَلَا
يَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى جَلَّ
شَأْنُهُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَدًا - إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 92 - 93]
(6/2226)
أَثْبَتَ بِهِ أَنَّ الِابْنِيَّةَ
تُنَافِي الْعَبْدِيَّةَ، فَإِذَا ثَبَتَتِ الِابْنِيَّةُ
انْتَفَتِ الْعَبْدِيَّةُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ:
(فَيُعْتِقَهُ) بِالشِّرَاءِ، كَمَا تَقُولُ: أَطْعَمَهُ
فَأَشْبَعَهُ، وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَالتَّعْقِيبُ
حَاصِلٌ إِذِ الْعِتْقُ يَعْقُبُ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا
أَثْبَتْنَا لَهُ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً ; لِأَنَّ
الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ
النِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتِ ابْتِدَاءً، لِأَنَّهُ لَا
فَائِدَةَ فِي إِثْبَاتِهِ لِاسْتِعْقَابِ الْبَيْنُونَةِ.
قَالَ: وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ
غَيْرُ صَحِيحٍ لِثِقَةِ الرُّوَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ
سُمِّيَ الِانْفِرَادُ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ
; لِأَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَصِلُ، وَكَثِيرًا مَا
يُرْسِلُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَ فَلَا بُدَّ
أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاسِطَةٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ
عَيَّنَ الْوَاسِطَةَ مَرَّةً وَتَرَكَ أُخْرَى، وَلَوْ
كَانَ مُرْسَلًا لَكَانَ مِنَ الْمُرْسَلِ الْمَقْبُولِ،
إِمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَوْلُنَا
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، فَيُقْبَلُ بِلَا شَرْطٍ
بَعْدَ صِحَّةِ السَّنَدِ وَقَدْ عُلِمَتْ صِحَّتُهُ،
وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَيُقْبَلُ إِذَا
عَمِلَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى وَفْقِهِ، وَأَنْتَ عَلِمْتَ
أَنَّ الثَّابِتَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ
يَثْبُتْ مِنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُمْ فَيَثْبُتَ
مُشَارَكَةُ هَذِهِ الْقَرَابَةِ لِلْوِلَادِ فِي هَذَا
الْحُكْمِ اهـ. كَلَامُ الْمُحَقِّقِ وَاللَّهُ تَعَالَى
الْمُوَفِّقُ.
(6/2227)
3394 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: ( «وَإِذَا وَلَدَتْ
أَمَةُ الرَّجُلِ مِنْهُ فَهِيَ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ - أَوْ
بَعْدَهُ» -) . رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3394 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: (إِذَا
وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ مِنْهُ) : أَيْ مِنَ الرَّجُلِ
(فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ) : بِضَمَّتَيْنِ
وَتُسَكَّنُ الْمُوَحَّدَةُ. فِي الْقَامُوسِ: بِضَمٍّ
وَضَمَّتَيْنِ أَيْ: عَقِبَ مَوْتٍ (مِنْهُ) : أَيْ مِنَ
الرَّجُلِ (أَوْ بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الرَّجُلِ أَيْ
بَعْدَ مَوْتِهِ وَالشَّكُّ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ
(رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ
) .
(6/2227)
3395 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ
نَهَانَا عَنْهُ، فَانْتَهَيْنَا» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3395 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: بِعْنَا أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) : أَيْ فِي زَمَانِهِ (وَأَبِي
بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ) : أَيْ وُجِدَ وَصَارَ
خَلِيفَةً (نَهَانَا عَنْهُ) : أَيْ عَنْ بَيْعِ أُمِّ
الْوَلَدِ (فَانْتَهَيْنَا) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:
يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّسْخَ لَمْ يَبْلُغِ الْعُمُومَ فِي
عَهْدِ الرِّسَالَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَيْعَهُمْ فِي
زَمَانِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ، وَهَذَا أَوْلَى
التَّأْوِيلَيْنِ، وَأَمَّا بَيْعُهُمْ فِي خِلَافَةِ
أَبِي بَكْرٍ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي قَضِيَّةِ
فَرْدٍ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَلِمَ
بِذَلِكَ، فَحَسِبَ جَابِرٌ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلَى
تَجْوِيزِهِ فَحَدَّثَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ فِي أَوَّلِ
الْأَمْرِ، فَلَمَّا اشْتُهِرَ نَسْخُهُ فِي زَمَانِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَادَ إِلَى قَوْلِ
الْجَمَاعَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَمَّا كَانَ
عُمَرُ نَهَانَا عَنْهُ فَانْتَهَيْنَا، وَقَوْلُهُ: هَذَا
مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ
لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْحَقَّ مَعَ عُمَرَ لَمْ
يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْكُتُوا عَنْهُ أَيْضًا،
وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ رَأْيٍ
وَاجْتِهَادٍ لَجَوَّزُوا خِلَافَهُ، لَا سِيَّمَا
الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ، وَإِنْ وَافَقَهُ بَعْضُهُمْ
خَالَفَهُ آخَرُونَ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا
التَّأْوِيلِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا وَلَدَتْ
أَمَةُ الرَّجُلِ مِنْهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ
مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: أَوَلَيْسَ عَلِيٌّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ خَالَفَ الْقَائِلِينَ
بِبُطْلَانِهِ؟ قِيلَ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ
اللَّهُ وَجْهَهُ خِلَافُ إِجْمَاعِ آرَاءِ الصَّحَابَةِ
عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ
قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِهِنَّ، أَوْ أَمَرَ بِالْقَضَاءِ
بِهِ، بَلِ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ
مُتَرَدِّدًا فِي الْقَوْلِ بِهِ، وَقَدْ سَأَلَ شُرَيْحًا
عَنْ قَضَائِهِ فِيهِ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ بِالْكُوفَةِ،
فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِمَا اتَّفَقَ
عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ عِنْدَ نَهْيِ عُمَرَ عَنْ
بَيْعِهِنَّ مُنْذُ وَلَّاهُ عُمَرُ الْقَضَاءَ بِهَا
فَقَالَ لِشُرَيْحٍ: فَاقْضِ فِيهِ بِمَا كُنْتَ تَقْضِي
حِينَ يَكُونُ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ فَأَرَى فِيهِ مَا
(6/2227)
رَأَى عُمَرُ، وَفَاوَضَ فِيهِ عُلَمَاءَ
الصَّحَابَةِ، وَهَذَا الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرِ
الْمَدِينَةَ يَوْمَ فَاوَضَ عُمَرُ عُلَمَاءَ
الصَّحَابَةِ فِيهِ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ
إِجْمَاعَهُمْ فِي زَمَانِهِ عَلَى مَا حَكَمَ هُوَ بِهِ
لَا يَدْخُلُهُ النَّقْضُ بِأَنْ يَرَى أَحَدُهُمْ بَعْدَ
ذَلِكَ خِلَافَهُ اجْتِهَادًا، وَالْقَوْمُ رَأَوْا ذَلِكَ
تَوْقِيفًا، لَا سِيَّمَا وَلَا يَقْطَعُ عَلَى الْقَوْلِ
بِخِلَافِهِ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِيهِ تَرَدُّدًا.
وَقَالَ الشَّمَنِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْعُرْ بِبَيْعِهِمْ
إِيَّاهَا، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا إِذَا عَلِمَ
بِهِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ أَوَّلَ الْأَمْرِ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَلَمْ
يَعْلَمْ بِهِ أَبُو بَكْرٍ لِقِصَرِ مُدَّةِ خِلَافَتِهِ
وَاشْتِغَالِهِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ نَهَى
عَنْهُ عُمَرُ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، كَمَا قِيلَ فِي
حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْمُتْعَةِ الَّذِي رَوَاهُ
مُسْلِمٌ: «كُنَّا نَتَمَتَّعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ
التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي
بَكْرٍ، حَتَّى نَهَانَا عُمَرُ» .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً
عَلَى مَا إِذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مَنْ لَهُ وَلَدٌ ثَابِتُ
النَّسَبِ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ
ذَلِكَ، وَهِيَ الْأَمَةُ الَّتِي يَثْبُتُ نَسَبُ
وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَلَا
يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا وَلَا هِبَتُهَا،
بَلْ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَلَمْ يُنْجِزْ عِتْقَهَا
تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا تَسْعَى
لِغَرِيمٍ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مَدْيُونًا
مُسْتَغْرَقًا. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ
بِهِ، كَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ،
فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
جَابِرٍ، وَنُقِلَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنِ الصِّدِّيقِ
وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ
الزُّبَيْرِ، لَكِنْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: تُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ
وَلَدِهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ. فَهَذَا يُصَرِّحُ
بِرُجُوعِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ
الْأُولَى عَنْهُمَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَقَالَ
الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ إِلَى
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: كُنَّا نَبِيعُهُنَّ فِي
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَأَعَلَّهُ
الْعُقَيْلِيُّ بِزَيْدٍ الْعَمِّيِّ، وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: زَيْدٌ الْعَمِّيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ،
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِلْجُمْهُورِ بِمَا فِي أَبِي
دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
خَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ سَلَامَةَ
بِنْتِ مَعْقِلٍ امْرَأَةٌ مِنْ خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ
غَيْلَانَ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ أَحْسَنُ
شَيْءٍ رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا الْبَابِ قَالَتْ: قَدِمَ ابْنُ
عَمِّي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَاعَنِي مِنَ الْحُبَابِ
بْنِ عُمَرَ أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عُمَرَ،
فَوَلَدْتُ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحُبَابِ،
ثُمَّ هَلَكَ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: الْآنَ وَاللَّهِ
تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ! إِنِّي امْرَأَةٌ مِنْ خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ
غَيْلَانَ قَدِمَ بِي عَمِّي الْمَدِينَةَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَاعَنِي مِنَ الْحُبَابِ بْنِ عُمَرَ
أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عُمَرَ، فَوَلَدْتُ لَهُ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَمَاتَ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: الْآنَ
تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
مَنْ وَلِيُّ الْحُبَابِ، قِيلَ: أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ
كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: أَعْتِقُوهَا،
فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدِمَ عَلَيَّ فَأْتُوْنِي
أُعَوِّضْكُمْ. قَالَتْ: فَأَعْتَقُونِي، وَقَدِمَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
رَقِيقٌ فَعَوَّضَهُمْ عَنِّي غُلَامًا، وَلَا يَخْفَى
أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُعْتَقُ
بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَهُمْ أَنْ
يُعْتِقُوهَا وَيُعَوِّضَهُمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ
بِأَعْتِقُوا خَلُّوا سَبِيلَهَا كَمَا فَسَّرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ، وَأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ
مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَكِنَّ هَذَا احْتِمَالٌ
غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالْعِبْرَةُ لِلظَّاهِرِ، فَلَا يُصَارُ
إِلَى هَذَا إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ يُوجِبُهُ
وَيُعَيِّنُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ فِي مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ: أَعْتَقَهَا
وَلَدُهَا. وَطَرِيقُهُ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيرِينَ، وَحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِسَنَدِ
ابْنِ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، لَكِنْ أَعَلَّهُ
ابْنُ سِيرِينَ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَرْوِي أَنَّ حُسَيْنًا
مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ
مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ» ".
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ:
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَهَذَا تَوْثِيقٌ لِحُسَيْنٍ،
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ،
حَدَّثَنَا زُفَرُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
قُبَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَلَدَتْ
مِنْهُ أَمَةٌ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ
(6/2228)
مِنْهُ» . وَالطُّرُقُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا
الْمَعْنَى، وَلِذَا قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّهُ
مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَإِذْ
قَدْ كَثُرَتْ طُرُقُ هَذَا الْمَعْنَى وَتَعَدَّدَتْ
وَاشْتُهِرَتْ فَلَا يَضُرُّهُ وَقُوعُ رَاوٍ ضَعِيفٍ
فِيهِ، مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ قَالَ فِي كِتَابِهِ:
وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. قَالَ قَاسِمُ بْنُ
أَصْبَغَ فِي كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
وَضَّاحٍ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو خَيْثَمَةَ
الْمِصِّيصِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَهُوَ
الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ
مَارِيَةُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَصْبَغَ
رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَمِمَّا
يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا.
مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا
نُوَرَّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ، وَلَوْ كَانَتْ
مَارِيَةُ جَارِيَةً لَبِيعَتْ وَصَارَ ثَمَنُهَا
صَدَقَةً. وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ نَهَى
عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأُمَّهَاتِ،
وَفِي بَيْعِهِنَّ تَفْرِيقٌ، وَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ:
أَعْتَقَهَا. . . . إِلَخْ. وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ
الْمَوْتِ إِجْمَاعًا وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَجَازِ
الْأَوَّلِ، فَيَثْبُتُ فِي الْحَالِ بَعْضُ مُوجِبِ
الْعِتْقِ مِنِ امْتِنَاعِ تَمْلِيكِهَا. وَرَوَى
الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
فَقَالَ: لَا يُبَعْنَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لَا
يُسَعَّيْنَ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يُجْعَلْنَ مِنَ
الثُّلُثِ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ
بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ
حُرَّةٌ. أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَأَعَلَّهُ
ابْنُ عَدِيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ
نَجِيحٍ الْمَدَنِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ إِلَى
النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَيَّنَهُ هُوَ وَقَالَ:
يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: رُوَاتُهُمْ ثِقَاتٌ. وَعِنْدِي
أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ وَقَفَهُ.
وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: «أَيُّمَا وَلِيدَةٍ
وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا
يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ يَتَمَتَّعُ مِنْهَا،
وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ
وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْأَفْرِيقِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ
عُمَرَ أَعْتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ:
أَعْتَقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَالْأَفْرِيقِيُّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
حُجَّةٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُعَضِّدُ رَفْعَهُ مَعَهُ
تَرْجِيحُ ابْنِ الْقَطَّانِ، فَثَبَتَ الرَّفْعُ بِمَا
قُلْنَا، وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ وَقْفِهِ عَلَى عُمَرَ،
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثَّلَاثِ وَقَالَ: لَا
يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ. وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ
لِعُمَرَ حِينَ أَفْتَى بِهِ وَأَخْبَرَ، فَانْعَقَدَ
إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى بَيْعِهِنَّ، فَهَذَا
يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَنَّ بَيْعَ
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ، وَإِنْ
كَانَ مِثْلَ قَوْلِ الرَّاوِي: كُنَّا نَفْعَلُ فِي
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - حُكْمُهُ الرَّفْعُ، لَكِنْ ظَاهِرًا لَا
قَطْعًا، فَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ فِي خُصُوصٍ مِنْهُ وَجَبَ
اعْتِبَارُهُ، وَأَمَّا أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُهُ
وَيُقِرُّهُ ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يَظْهَرِ النَّاسِخُ
لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقِصَرِ
مُدَّتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ فِيهَا بِحُرُوبِ
مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ، وَمَانِعِي الزَّكَاةِ،
ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ كَمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا
نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَا نَرَى بِذَلِكَ
بَأْسًا، حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنِ
الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا، وَهَذَا إِذَا قَصَرْنَا
النَّظَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَمَّا بِمُلَاحَظَةِ
الْمَرْفُوعَاتِ الْمُتَعَاضِدَةِ فَلَا شَكَّ، وَمِمَّا
يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ مَا أَسْنَدَهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ،
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي
وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا
يُبَعْنَ. فَقُلْتُ لَهُ: رَأْيُكَ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي
الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي
الْفُرْقَةِ. فَضَحِكَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- يَقْتَضِي أَنَّهُ يَرَى اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِ
الْعَصْرِ فِي تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَجَّحُ
خِلَافُهُ، وَسُئِلَ دَاوُدُ عَنْ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ
فَقَالَ: يَجُوزُ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ
بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ، فَوَجَبَ
أَنْ تَبْقَى كَذَلِكَ، إِذِ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ
دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ
الْبَرْذَعِيُّ حَاضِرًا، فَعَارَضَهُ فَقَالَ: قَدْ
زَالَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ بِالْإِطْلَاقِ، وَامْتَنَعَ
بَيْعُهَا لَمَّا حَبِلَتْ بِوَلَدِ سَيِّدِهَا،
وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ فَانْقَطَعَ
دَاوُدُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَيَقُولَ: الزَّوَالُ
كَانَ لِمَانِعٍ عَرَضَ وَهُوَ قِيَامُ الْوَلَدِ فِي
بَطْنِهَا وَزَالَ بِانْفِصَالِهِ فَعَادَ مَا كَانَ،
فَيَبْقَى إِلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ اهـ. وَهُوَ
نِهَايَةُ التَّحْقِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
(6/2229)
3396 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَعْتَقَ
عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلَّا أَنْ
يَشْتَرِطَ السَّيِّدُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3396 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ أَعْتَقَ
عَبْدًا وَلَهُ ") : أَيْ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ حَصَلَ
بِكَسْبِهِ (مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ) : قَالَ الْقَاضِي
إِضَافَتُهُ إِلَى الْعَبْدِ إِضَافَةُ الِاخْتِصَاصِ
دُونَ التَّمْلِيكِ (لَهُ) : أَيْ لِمَنْ أَعْتَقَ ("
إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ السَّيِّدُ ") : أَيْ لِلْعَبْدِ
فَيَكُونَ مِنْحَةً وَتَصَدُّقًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَابْنُ مَاجَهْ) : وَفِي الْهِدَايَةِ: لَا مِلْكَ
لِلْمَمْلُوكِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعَلَى هَذَا
فَمَالُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهُوَ
مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ
لِلْعَبْدِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ
وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ لِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ
مَالٌ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَانَ
عُمَرُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ
لِمَالِهِ، قِيلَ: الْحَدِيثُ خَطَأٌ، وَفِعْلُ عُمَرَ
مِنْ بَابِ الْفَضْلِ، وَلِلْجُمْهُورِ مَا «عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَا عُمَيْرُ إِنِّي
أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَكَ عِتْقًا هَنِيًّا، فَأَخْبِرْنِي
بِمَالِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " أَيُّمَا رَجُلٍ
أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ غُلَامَهُ فَلَمْ يُجِزْهُ
بِمَالِهِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ» ". رَوَاهُ الْأَثْرَمُ
اهـ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «أَيُّمَا رَجُلٍ
أَعْتَقَ غُلَامًا وَلَمْ يُسَلِّمْ مَالَهُ فَالْمَالُ
لَهُ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
(6/2230)
3397 - وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ
أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَجُلًا
أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ، فَذُكِرَ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: " لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ ". فَأَجَازَ عِتْقَهُ»
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3397 - (وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ) : بِكَسْرِ اللَّامِ
وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَامِرِ
بْنِ أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ الْبَصْرِيِّ، رَوَى عَنْ
جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ.
(عَنْ أَبِيهِ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي
أَسْمَاءِ رِجَالِهِ عَلَى حِدَةٍ (أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ
شِقْصًا) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ سِلَامًا وَنَصِيبًا
مُبْهَمًا أَوْ مُعَيَّنًا أَوْ مُشَاعًا (مِنْ غُلَامٍ) :
أَيْ عَبْدٍ (لَهُ فَذُكِرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
(ذَلِكَ) : أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ إِعْتَاقِ شِقْصٍ
(لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: (لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ) : أَيِ الْعِتْقُ
لِلَّهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ كُلُّهُ، وَلَا
يَجْعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لَهُ تَعَالَى (فَأَجَازَ
عِتْقَهُ) : أَيْ حَكَمَ بِعِتْقِهِ كُلِّهِ. قَالَ
الْمُظْهِرُ: يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يُعْتِقَ جَمِيعَ
عَبْدِهِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنْ
أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَيَكُونُ أَمْرُ سَيِّدِهِ نَافِذًا
فِيهِ بَعْدُ فَهُوَ كَشَرِيكٍ لَهُ تَعَالَى صُورَةً.
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ
السَّيِّدَ وَالْمَمْلُوكَ فِي كَوْنِهِمَا مَخْلُوقَيْنِ
سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ وَجَعَلَهُ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ
تَمْتِيعًا، فَإِذَا رَجَعَ بَعْضُهُ إِلَى الْأَصْلِ
سَرَى بِالْغَلَبَةِ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ إِذْ لَيْسَ
لِلَّهِ شَرِيكٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ (رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَزَادَ رَزِينٌ فِي
مَالِهِ، وَفِي لَفْظٍ: هُوَ حُرُّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ
شَرِيكٌ. وَقَدْ سَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ
الْحُكْمِ وَاخْتِلَافِهِ.
(6/2230)
3398 - وَعَنْ سَفِينَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ،
فَقَالَتْ: أُعْتِقُكَ وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ أَنْ
تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا عِشْتَ فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ تَشْتَرِطِي
عَلَيَّ مَا فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِشْتُ. فَأَعْتَقَتْنِي
وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3398 - (وَعَنْ سَفِينَةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَعْتَقَتْهُ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ،
وَيُقَالُ: إِنَّ سَفِينَةَ لَقَبُهُ، وَاسْمُهُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقِيلَ: رَبَاحٌ، وَقِيلَ: مِهْرَانُ،
وَقِيلَ: رُومَانُ، وَهُوَ مِنْ مُوَلَّدِي الْأَعْرَابِ،
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، وَيُقَالُ: «إِنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ
فِي سَفَرٍ وَهُوَ مَعَهُ فَأَعْيَا رَجُلٌ فَأَلْقَى
عَلَيْهِ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ وَرُمْحَهُ، فَحَمَلَ
شَيْئًا كَثِيرًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنْتَ سَفِينَةُ» ". رَوَى
عَنْهُ بَنُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٌ
وَزِيَادَةُ وَكَثِيرٌ. قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لِأُمِّ
سَلَمَةَ) : أَيِ ابْتِدَاءٍ (فَقَالَتْ: أُعْتِقُكَ) :
أَيْ أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَكَ (وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ أَنْ
تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) : بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي
نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ: خَدَمَهُ
يَخْدُمُهُ وَيَخْدِمُهُ خِدْمَةً وَيُفْتَحُ (مَا عِشْتَ)
: أَيْ مَا دُمْتَ تَعِيشُ فِي الدُّنْيَا (فَقُلْتُ: إِنْ
لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْتُ) : أَيْ لَمْ
أُفَارِقْ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا عِشْتُ) : أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِي أَيْضًا
(فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ)
(6/2230)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَعْدٌ عَنْهُ
بِاسْمِ الشَّرْطِ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا
يُصَحِّحُونَ إِبْقَاءَ الشَّرْطِ بَعْدَ الْعِتْقِ،
لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُلَاقِي مِلْكًا، وَمَنَافِعُ
الْحُرِّ لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ إِلَّا بِإِجَازَةٍ
أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لَوْ
قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ. أُعْتِقُكَ عَلَى أَنْ
تَخْدُمَنِي شَهْرًا فَقَبِلَ، عَتَقَ فِي الْحَالِ
وَعَلَيْهِ خِدْمَةُ شَهْرٍ، وَقَالَ: عَلَى أَنْ
تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ مُطْلَقًا فَقَبِلَ عَتَقَ فِي
الْحَالِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ لِلْمَوْلَى،
وَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ كَانَ مَقْرُونًا بِالْعِتْقِ
فَعَلَى الْعَبْدِ الْقِيمَةُ وَلَا خِدْمَةَ، وَإِنْ
كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ وَلَا
شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ،
وَفِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى
خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ مَثَلًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ
أَكْثَرَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ
الْمَوْلَى مِنْ سَاعَتِهِ، فَعَلَيْهِ أَيْ عَلَى
الْعَبْدِ قِيمَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ
الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِهِ
الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ،
وَتَحْقِيقُ الْمَقَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْهُمَامِ.
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
(6/2231)
3399 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا
بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» ". رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3399 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
مِنْ مُكَاتَبَتِهِ» ") : أَيْ بَدَلَ كِتَابَتِهِ
(دِرْهَمٌ) : أَيْ مَثَلًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
(6/2231)
3400 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا كَانَ عِنْدَ
مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3400 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا
كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ: أَيْ
قُدْرَةٌ عَلَى نُجُومِ كِتَابَتِهِ (" فَلْتَحْتَجِبْ ")
: أَيْ إِحْدَاكُنَّ وَهَى سَيِّدَتُهُ (مِنْهُ) : أَيْ
مِنَ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ مِلْكَهُ عَلَى شَرَفِ
الزَّوَالِ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا. قَالَ
الْقَاضِي: هَذَا أَمْرٌ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَرُّعِ
وَالِاحْتِيَاطِ ; لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُعْتَقَ
بِالْأَدَاءِ، لَا أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ أَنْ
يَكُونَ وَاجِدًا لِلنَّجْمِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ مَا
لَمْ يُؤَدِّ الْجَمِيعَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ
عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ". وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِهِ مَنْعَ
الْمُكَاتَبِ عَنْ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ بَعْدَ
التَّمَكُّنِ لِيَسْتَرِيحَ بِهِ النَّظَرُ إِلَى
سَيِّدِهِ، وَسَدَّ هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ. قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: «قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِنَبْهَانَ:
مَاذَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ كِتَابَتِكَ؟ قَالَ: أَلْفَا
دِرْهَمٍ. قَالَتْ: فَهُمَا عِنْدَكَ. قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: ادْفَعْ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ
السَّلَامُ، ثُمَّ أَلْقَتْ دُونَهُ الْحِجَابَ فَبَكَى
وَقَالَ: لَا أُعْطِيهِ أَبَدًا. قَالَتْ: إِنَّكَ
وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ لَنْ تَرَانِي أَبَدًا إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَهِدَ إِلَيْنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِعَبْدِ
إِحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ
كِتَابَتِهِ فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ» . اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ;
لِأَنَّ حِجَابَهُنَّ مَنِيعٌ. قَالَ تَعَالَى جَلَّ
جَلَالُهُ: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}
[الأحزاب: 32] وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ) .
(6/2231)
3401 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ كَاتَبَ
عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلَّا
عَشْرَ أَوَاقٍ - أَوْ قَالَ: عَشْرَةَ دَنَانِيرَ - ثُمَّ
عَجَزَ فَهُوَ رَقِيقٌ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3401 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ
أُوقِيَّةٍ ") : بِضَمِّ هَمْزَةٍ وَتَخْفِيفِ تَحْتِيَّةٍ
وَقَدْ تُشَدَّدُ (" فَأَدَّاهَا ") : أَيْ فَقَضَى
الْمِائَةَ وَدَفَعَهَا (" إِلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ ") :
بِسُكُونِ الشِّينِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِفَتْحِهَا
وَزِيَادَةِ تَاءٍ، وَأَوَاقٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
وَتَنْوِينِ الْقَافِ جَمْعُ أُوقِيَّةٍ (أَوْ قَالَ) :
أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَالشَّكُّ مِنَ الصَّحَابِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مِمَّنْ بَعْدَهُ (عَشْرَةَ دَنَانِيرَ) : بِالتَّاءِ لَا
غَيْرُ (ثُمَّ عَجَزَ) : أَيْ عَنْ أَدَاءِ نُجُومِ
الْكِتَابَةِ (" فَهُوَ ") : أَيْ فَعَبْدُهُ الْمُكَاتَبُ
الْعَاجِزُ (" رَقِيقٌ ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَجْزَ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَاءِ
الْبَعْضِ كَعَجْزِهِ عَنِ الْكُلِّ، فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ
كِتَابَتِهِ، فَيَكُونُ رَقِيقًا كَمَا كَانَ، وَيَدُلُّ
مَفْهُومُ قَوْلِهِ: فَهُوَ رَقِيقٌ عَلَى أَنَّ مَا
أَدَّاهُ يَصِيرُ لِسَيِّدِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
(6/2231)
3402 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا أَصَابَ
الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا
عَتَقَ مِنْهُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ: " «يُودَى
الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَمَا
بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ» ". وَضَعَّفَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3402 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِذَا أَصَابَ ") : أَيِ اسْتَحَقَّ
(" الْمُكَاتَبُ حَدًّا ") : أَيْ دِيَةً (" أَوْ
مِيرَاثًا وَرِثَ ") : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفٍ، وَفِي
نُسْخَةٍ بِضَمٍّ فَتَشْدِيدِ رَاءٍ (" بِحِسَابِ مَا
عَتَقَ مِنْهُ ") : أَيْ بِحَسَبَهِ وَمِقْدَارِهِ،
وَالْمَعْنَى إِذَا ثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ دِيَةٌ أَوْ
مِيرَاثٌ ثَبَتَ لَهُ مِنَ الدِّيَةِ وَالْمِيرَاثِ
بِحَسَبِ مَا عَتَقَ مِنْ نِصْفِهِ، كَمَا لَوْ أَدَّى
نِصْفَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حُرٌّ
وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْهُ
نِصْفَ مَالِهِ، كَمَا إِذَا جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ
جِنَايَةٌ، وَقَدْ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ فَإِنَّ
الْجَانِيَ عَلَيْهِ يَدْفَعُ إِلَى وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ
مَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ حُرٍّ، وَيَدْفَعُ
إِلَى مَوْلَاهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ
دِيَةَ عَبْدٍ، مَثَلًا إِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ،
وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَأَدَّى خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ قُتِلَ،
فَلِوَرَثَةِ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ أَلْفٍ
نِصْفُهُ دِيَةُ حُرٍّ، وَلِمَوْلَاهُ خَمْسُونَ نِصْفُ
قِيمَتِهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) : أَيْ لِلتِّرْمِذِيِّ (قَالَ) :
عَلَى مَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (" يُودَى الْمُكَاتَبُ
") : بِضَمِّ يَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ دَالٍ
مُخَفَّفَةٍ أَيْ يُعْطَى دِيَةً الْمُكَاتَبُ ("
بِحِصَّةِ مَا أَدَّى ") : بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَتَشْدِيدِ
الدَّالِ أَيْ قَضَى وَوَفَّى، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَسَبِ
مَا أَدَّى أَيْ مِنَ النُّجُومِ (" دِيَةَ حُرٍّ ") :
بِالنَّصْبِ، قَالَ الْأَشْرَفُ: قَوْلُهُ: يُودَى
بِتَخْفِيفِ الدَّالِ مَجْهُولًا مِنْ وَدَى يَدِي دِيَةً
أَيْ: أَعْطَى الدِّيَةَ وَانْتَصَبَ (دِيَةَ حُرٍّ)
مَفْعُولًا بِهِ، وَمَفْعُولُ مَا أَدَّى مِنَ النُّجُومِ
مَحْذُوفٌ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْصُولِ أَيْ بِحِصَّةِ مَا
أَدَّاهُ مِنَ النُّجُومِ يُعْطَى دِيَةَ حُرٍّ،
وَبِحِصَّةِ مَا بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ (وَضَعَّفَهُ) :
أَيِ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ. قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ
اللَّهُ: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ
يُعْتَقُ بِقَدْرِ مَا يُؤَدِّيهِ مِنَ النَّجْمِ وَكَذَا
الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ قَبْلَهُ، وَبِهِ قَالَ
النَّخَعِيُّ وَحْدَهُ، وَمَعَ مَا فِيهِمَا مِنَ
الطَّعْنِ مُعَارَضٌ بِحَدِيثَيْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ
فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ عَلَى تَقْدِيرِ
صِحَّتِهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ
يُعْتَقُ عِتْقًا مَوْقُوفًا عَلَى تَكْمِيلِ تَأْدِيَةِ
النُّجُومِ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ
تَجْزِيءِ الْعِتْقِ.
(6/2232)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3403 - «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ
الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ أُمَّهُ
أَرَادَتْ أَنْ تَعْتِقَ، فَأَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ
تُصْبِحَ، فَمَاتَتْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ
لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَيَنْفَعُهَا أَنْ أَعْتِقَ
عَنْهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ: أَتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ
أَعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " نَعَمْ» ". رَوَاهُ
مَالِكٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3403 - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) :
بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَرَاءٍ (الْأَنْصَارِيِّ) : قَالَ
الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْمَدَنِيُّ، وَقِيلَ: الْقُرَشِيُّ،
مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبَتُ فِي الصَّحَابَةِ
قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ شَامِيٌّ، رَوَى
عَنْهُ نَفَرٌ. (أَنَّ أُمَّهُ) : لَمْ يَذْكُرْهَا
الْمُصَنِّفُ (أَرَادَتْ أَنْ تَعْتِقَ) : أَيْ عَبْدًا
أَوْ جَارِيَةً (فَأَخَّرَتْ) : أَيْ هِيَ (ذَلِكَ) : أَيِ
الْإِعْتَاقَ (إِلَى أَنْ تُصْبِحَ، فَمَاتَتْ) : وَلِذَا
قِيلَ فِي التَّأْخِيرِ آفَاتٌ فَإِنَّ الْعَجَلَةَ
مَحْمُودَةٌ فِي الطَّاعَاتِ قَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133] (قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) : أَيِ
ابْنِ أَبِي بَكْرٍ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ
بِالْمَدِينَةِ الْمُعَطَّرَةِ، (أَيَنْفَعُهَا أَنْ
أَعْتِقَ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ إِعْتَاقِي
(عَنْهَا؟) : أَيْ عَنْ جِهَةِ أُمِّي وَقِبَلِهَا
(فَقَالَ الْقَاسِمُ) : أَيْ فَذَكَرَ دَلِيلَ الْجَوَابِ
بِقَوْلِهِ (أَتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : وَهُوَ
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْهُ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ عَنْهُ، فَالْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِهِ مُرْسَلٌ.
(فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ) : أَيْ مَاتَتْ بَغْتَةً
كَمَا فِي رِوَايَةٍ (فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَعْتِقَ
عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " نَعَمْ ". رَوَاهُ مَالِكٌ) .
(6/2232)
3404 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،
قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
فِي نَوْمٍ نَامَهُ، فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ
أُخْتُهُ رِقَابًا كَثِيرَةً. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3404 - (وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) : أَيِ
الْأَنْصَارِيِّ الْمَدِينِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
وَالسَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَخَلْقًا سِوَاهُمَا، رَوَى
عَنْهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،
وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ
الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُمْ رَحِمَهُ اللَّهُ. كَانَ
إِمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ عَالِمًا
وَرِعًا صَالِحًا زَاهِدًا مَشْهُورًا بِالثِّقَةِ
وَالدِّينِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ.
(قَالَ: تُوِفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ)
: أَيِ الصِّدِّيقِ (فِي نَوْمٍ) : أَيْ فِي وَقْتِ نَوْمٍ
(نَامَهُ) : أَيْ نَامَ فِيهِ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ
لِنَوْمٍ، وَالْغَرَضُ بَيَانُ أَنَّهُ مَاتَ فَجْأَةً،
فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ
عَلَيْهِ عِتْقٌ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْوَصِيَّةِ
لِمَا فَاجَأَهُ (فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا أُخْتُهُ رِقَابًا كَثِيرَةً) : وَأَنْ
تَكُونَ فُجِعَتْ عَلَيْهِ وَحَزِنَتْ ; لِأَنَّ مَوْتَ
الْفَجْأَةِ أَسَفٌ مِنَ اللَّهِ فَفَدَتْ عَنْهُ رِقَابًا
كَثِيرَةً (رَوَاهُ مَالِكٌ) .
(6/2234)
3405 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنِ
اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَشْتَرِطْ مَالَهُ فَلَا شَيْءَ
لَهُ» ". رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3405 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) : بِلَا وَاوٍ
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَشْتَرِطْ
مَالَهُ ") : أَيْ مَالَ الْعَبْدِ وَالْإِضَافَةُ
لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَهِيَ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ
وَتَصَرُّفِهِ وَمَا لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَالِ. (" فَلَا
شَيْءَ ") : أَيْ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ (" لَهُ ") : أَيْ
لِلْمُشْتَرِي (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .
(6/2234)
|