مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ رِزْقِ الْوُلَاةِ وَهَدَايَاهُمْ]
(6/2432)
[3] بَابُ رِزْقِ الْوُلَاةِ
وَهَدَايَاهُمْ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
745 - عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " «مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ،
أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» ". رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[3] بَابُ رِزْقِ الْوُلَاةِ وَهَدَايَاهُمْ
هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (
«مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ
رِزْقًا» ) الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ
الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ أَنَّ الْعَطَاءَ مَا يَخْرُجُ
لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ
مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ
كُلَّ شَهْرٍ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3745 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «حِينَ قَسَّمَ الْأَمْوَالَ لِئَلَّا يَقَعَ
شَيْءٌ فِي قُلُوبِ أَصْحَابِهِ مِنْ أَجْلِ التَّفَاضُلِ
فِي الْقِسْمَةِ (مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ» ) :
أَيْ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْكُمْ شَيْئًا تَمِيلُ
نَفْسِي إِلَيْهِ، وَلَا أَمْنَعُهُ لِعَدَمِ إِقْبَالِ
قَلْبِي عَلَيْهِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ لِأَمْرِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْلَيْنِ بِصِيغَةِ
الْمُضَارِعِ دُونَ الْمَاضِي دَلَالَةً عَلَى
اسْتِمْرَارِهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ، وَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِهِ: (أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ) : أَيْ كُلَّ
شَيْءٍ مِنَ الْمَنْعِ وَالْعَطَاءِ (حَيْثُ أُمِرْتُ) :
قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: أَنَا قَاسِمٌ جُمْلَةٌ
مُبَيِّنَةٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، وَفِيهِ مَعْنَى
الِاخْتِصَاصِ لِتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ الْمَعْنَوِيِّ،
كَقَوْلِهِ: أَنَا كُفِيتُ سَهْمَكَ، وَلَوْ لَمْ يُذْهِبْ
إِلَى الِاخْتِصَاصِ لَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يَكُونَ
بَيَانًا ; لِأَنَّ مَعْنَى مَا أُعْطِيكُمْ مَا
أَعْطَيْتُكُمْ، وَمَا أَمْنَعُكُمْ مَا مَنَعْتُكُمْ،
وَإِنَّمَا الْمُعْطِي وَالْمَانِعُ هُوَ اللَّهُ
تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَنَّا قَاسِمٌ أُقَسِّمُ بَيْنَكُمْ
بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ، فَيَكُونُ
قَوْلُهُ: أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ بَيَانًا لِلْبَيَانِ،
وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ مِثْلَ " أَنَا
عَارِفٌ " لَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِفِعْلٍ مِثْلَ " أَنَا عَرَفْتُ " اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ
الْتِفَاتٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ ; أَيْ
مِنَ الْمُنَافِقِينَ (مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ)
; أَيْ يَعِيبُكَ فِي تَقْسِيمِهَا {فَإِنْ أُعْطُوا
مِنْهَا} [التوبة: 58] ; أَيْ كَثِيرًا {رَضُوا وَإِنْ
لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ - وَلَوْ
أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}
[التوبة: 58 - 59] خَيْرًا لَهُمْ. (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) : وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ:
«أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ اللَّهُ يُعْطِي وَأَنَا
أَقْسِمُ» .
(6/2433)
3746 - وَعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ رِجَالًا
يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ;
فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3746 - (وَعَنْ خَوْلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) :
بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (الْأَنْصَارِيَّةِ) : قَالَ
الْمُؤَلِّفُ: هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَامِرٍ
الْأَنْصَارِيَّةُ حَدِيثُهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
رَوَى عَنْهَا النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ
الزُّرَقِيُّ، وَقِيلَ: هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ الْقَيْسِ
مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَثَامِرٌ لَقَبُ
قَيْسٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا اثْنَتَانِ (قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ رِجَالًا) : أَيْ مِنَ
الْعُمَّالِ وَغَيْرِهِمْ (يَتَخَوَّضُونَ) : قَالَ
الرَّاغِبُ: الْخَوْضُ هُوَ الشُّرُوعُ فِي الْمَاءِ،
وَالْمُرُورُ فِيهِ، وَيُسْتَعَارُ فِي الْأُمُورِ،
وَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِيمَا يُذَمُّ الشُّرُوعُ فِيهِ
نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ
يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] اهـ. وَفَى التَّفَعُّلِ
مُبَالَغَةٌ، وَالْمَعْنَى يَشْرَعُونَ وَيَدْخُلُونَ
وَيَتَصَرَّفُونَ. (فِي مَالِ اللَّهِ) : أَيْ مَا فِي
بَيْتِ الْمَالِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْخَرَاجِ
وَالْجِزْيَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا، (بِغَيْرِ
حَقٍّ) : أَيْ بِغَيْرِ إِذَنٍ مِنَ الْإِمَامِ،
فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِمْ
وَقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ (فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ) : خَبَرُ (إِنَّ) وَأَدْخَلَ الْفَاءَ ;
لِأَنَّ اسْمَهَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) .
(6/2433)
3747 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: لِمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ
حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي،
وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ
أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَيَحْتَرِفُ
لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3747 - (وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ:
لِمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ) : بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ ; أَيْ جُعِلَ خَلِيفَةً وَهُوَ ظَرْفٌ
لِقَوْلِهِ (قَالَ) : أَيِ اعْتِذَارًا عَنْ إِنْفَاقِهِ
عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (لَقَدْ عَلِمَ
قَوْمِي) : قِيلَ: أَرَادَ بِهِمْ قُرَيْشًا،
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ (أَنَّ
حِرْفَتِي) : وَهَى مَا كَانَ يَشْتَغِلُ بِهِ مِنَ
التِّجَارَةِ قَبْلَ الْخِلَافَةِ فِي النِّهَايَةِ:
الْحِرْفَةُ وَالصِّنَاعَةُ وَجِهَةُ الْكَسْبِ (لَمْ
تَكُنْ تَعْجِزُ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُفْتَحُ، فَفِي
الْقَامُوسِ: الْعَجْزُ الضَّعْفُ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ
وَسَمِعَ (عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي) : بِفَتْحِ مِيمٍ
وَضَمِّ هَمْزَةٍ وَسُكُونِ وَاوٍ، ; أَيْ نَفَقَةِ
عِيَالِي وَقَدِ اشْتَغَلْتُ (بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ) :
وَفِي نُسْخَةٍ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ; أَيْ
بِإِصْلَاحِ أُمُورِهِمْ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى
التَّفَرُّغِ لِلتِّجَارَةِ (فَسَيَأْكُلُ) : أَيْ
يَنْتَفِعُ (آلُ أَبِي بَكْرٍ) : أَيْ تَبَعًا لَهُ،
وَالْمُرَادُ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ
(مِنْ هَذَا الْمَالِ) إِشَارَةٌ إِلَى الْحَاضِرِ فِي
الذِّهْنِ، وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ
(وَيَحْتَرِفُ) : أَيْ أَبُو بَكْرٍ (لِلْمُسْلِمِينَ
فِيهِ) : أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَكَلَ مِنَ الْمَالِ
عِوَضًا لَهُ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى
قَوْلِهِ: فَسَيَأْكُلُ وَأَرَادَ بِالْاحْتِرَافِ فِيهِ
التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَالسَّعْيَ لِمَصَالِحِ
الْمُسْلِمِينَ، وَنِظَامِ أَحْوَالِهِمْ وَجِيءَ
بِالْحِرْفَةِ مُشَاكَلَةً لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَةِ
قَوْلِهِ: إِنَّ حِرْفَتِي. قَالَ الشَّمَنِيُّ: وَفِيهِ
أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا
يَكْفِيهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ تَاجِرًا فِي الْبَزِّ،
وَعُمَرُ فِي الطَّعَامِ، وَعُثْمَانُ فِي التَّمْرِ
وَالْبُرِّ، وَعَبَّاسٌ فِي الْعِطْرِ انْتَهَى.
وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ الْبَزُّ، وَهُوَ
الثِّيَابُ، ثُمَّ الْعِطْرُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «لَوِ اتَّجَرَ أَهْلُ الْجَنَّةِ
لَاتَّجَرُوا فِي الْبَزِّ، وَلَوِ اتَّجَرَ أَهْلُ
النَّارِ لَاتَّجَرُوا فِي الصُّوفِ» . رَوَاهُ أَبُو
مَنْصُورٍ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ، وَقَالَ
الْمُظْهِرُ: اللَّامُ فِي (لَقَدْ عَلِمَ) قَسِيمَةٌ
أَقْسَمَ أَنَّهُ كَانَ مُشْتَهِرًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
فِي أَنَّهُ كَانَ كَسُوبًا وَمُحَصِّلًا لِمَئُونَةِ
أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ بِحِرْفَةِ التِّجَارَةِ، وَلَمْ
يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا تَمْهِيدٌ مِنْهُ
وَاعْتِذَارٌ مِنْهُ فِي قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ
أَهْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَنْ ثَمَّ أَتَى
بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَسَيَأْكُلُ ; لِأَنَّهَا فَاءُ
النَّتِيجَةِ، وَ (آلُ أَبِي بَكْرٍ) أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ نَفْسُهُ، وَفِي نَسَقِ الْكَلَامِ
مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ
نَفْسَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ
; أَيْ يَكْتَسِبُ بِالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ
الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ بِنَسَقِ الْكَلَامِ أَنْ
يَحْتَرِفَ مُسْنِدًا إِلَى ضَمِيرِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ
عَطْفٌ عَلَى (فَسَيَأْكُلُ) ، فَإِذَا أُسْنِدَ إِلَى
الْأَهْلِ تَنَافَرَ وَانْخَرَمَ النَّظْمُ. وَقَالَ
الْقَاضِي: آلُ أَبِي بَكْرٍ أَهْلُهُ، عَدَلَ عَنِ
التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى طَرِيقِ
الِالْتِفَاتِ، وَقِيلَ: نَفْسُهُ، وَالْآلُ مُقْحَمٌ
لِقَوْلِهِ: وَيَحْتَرِفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلِ الْمَعْنَى
إِنِّي كُنْتُ أَكْسِبُ لَهُمْ فَيَأْكُلُونَهُ، وَالْآنَ
أَكْسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ بِالتَّصَرُّفِ فِي
أَمْوَالِهِمْ وَالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَنُظُمِ
أَحْوَالِهِمْ، فَسَيَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِمُ الْمُعَدِّ
لِمَصَالِحِهِمْ وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ
التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى مَا سَمَّاهُ
الْتِفَافًا مِنْ فَائِدَةٍ، فَقَوْلُهُ: آلُ أَبِي بَكْرٍ
مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ، جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا
مُتَّصِفًا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ كَوْنِهِ كَسُوبًا
مْحَصِّلًا لِمَئُونَةِ الْأَهْلِ بِالتِّجَارَةِ، ثُمَّ
تَكَفَّلَ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ مِنْ تَوَلِّي
أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَامْتَنَعَ مِنَ الِاكْتِسَابِ
لِمَئُونَةِ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ هُوَ، وَفِيهِ
إِشْعَارٌ بِالْعَلِيَّةِ وَإِنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ
الصِّفَةِ حَقِيقٌ بِأَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ
بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:
فَرَضَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَفْسِهِ مُدَّيْنِ مِنْ
طَعَامٍ وَإِدَامًا زَيْتًا، أَوْ نَحْوَهُ، وَإِزَارًا
وَرِدَاءً فِي الصَّيْفِ، وَفَرْوَةً، أَوْ جُبَّةً فِي
الشِّتَاءِ، وَظَهْرًا مُعِينًا لِحَاجَتِهِ فِي السِّفَرِ
وَالْحَضَرِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ
لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَرَضِ الْمَالِ يَعْمَلُ
فِيهِ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ لِعِمَالَتِهِ إِذَا لَمْ
يَكُنْ فَوْقَهُ إِمَامٌ يَقْطَعُ لَهُ أُجْرَةً
مَعْلُومَةً. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
(6/2434)
الْفَصْلُ الثَّانِي
3748 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ:
" «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَرَزَقْنَاهُ
رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» ".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3748 - (عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : أَيِ
ابْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ، أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ
وَلَمْ يَشْهَدْهَا، وَبَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ،
وَكَانَ مِنْ سَاكِنِي الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تُحَوَّلُ
إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى خُرَاسَانَ
غَازِيًا فَمَاتَ بِمَرْوٍ زَمَنَ يَزِيدَ
(6/2434)
بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَالْحُصَيْبُ
تَصْغِيرِ الْحَصَبُ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (عَنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ) : أَيْ جَعَلْنَاهُ عَامِلًا
(عَلَى عَمَلٍ) : أَيْ مِنْ أَعْمَالِ الْوِلَايَةِ
وَالْإِمَارَةِ (فَرَزَقْنَاهُ) : أَيْ فَأَعْطَيْنَاهُ
(رِزْقًا) : أَيْ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا (فَمَا أَخَذَ
بَعْدَ ذَلِكَ) : جَزَاءُ الشَّرْطِ، وَ (مَا)
مَوْصُولَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَقَوْلُهُ (فَهُوَ
غُلُولٌ) خَبَرُهُ جِيءَ بِالْفَاءِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى
الشَّرْطِ، وَيَجُوزَ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً،
وَالْغُلُولُ بِضَمَّتَيْنِ: الْخِيَانَةُ فِي
الْغَنِيمَةِ وَفَى مَالِ الْفَيْءِ (رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ) : كَذَا الْحَاكِمُ.
(6/2435)
3749 - «وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَمَّلَنِي» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3749 - (وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
عَمِلْتُ) : أَيْ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الْإِمَارَةِ
(عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) : أَيْ فِي زَمَانِهِ وَبِأَمْرِهِ
(فَعَمَّلَنِي) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ; أَيْ أَعْطَانِي
الْعُمَالَةَ، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ وَالضَّمُّ
أَشْهَرُ أُجْرَةُ الْعَمَلِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:
أَيْ أَعْطَانِي عُمَالَتِي وَأُجْرَةَ عَمَلِي، وَكَذَا
أَعْمَلَنِي، وَقَدْ يَكُونُ عَمَّلَنِي بِمَعْنَى
وَلَّانِي وَأَمَّرَنِي. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْوَجْهُ
هُوَ الْأَوَّلُ إِذِ التَّقْدِيرُ عَمِلْتُ فِي أَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ وَمَصَالِحِهِمْ عَمَلًا فَأَعْطَانِي
عُمَالَتِي، وَالثَّانِي لَا يُنَاسِبُ الْبَابَ،
وَاللَّفْظُ يَنْبُو عَنْهُ. قُلْتُ: أَرَادَ الشَّيْخُ
اسْتِيفَاءَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ
وَجْهًا أَخَرَ يَرِدُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى
أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ مَعْنَاهُ ; أَيْضًا لَا مَحْذُورَ
فِيهِ، إِذِ الْمَعْنَى عَمِلْتُ عَمَلًا فَاسْتَحْسَنَهُ،
فَوَلَّانِي عَمَلًا أَخَرَ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ
الْحَدِيثُ مَسْكُوتًا عَنْ إِعْطَاءِ عُمَالَتِهِ، فَفِي
الْجُمْلَةِ يُنَاسِبُ الْبَابَ، وَأَمَّا نُبُوُّ
اللَّفْظِ عَنْهُ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ، وَقَدْ قَالَ
فِي الْقَامُوسِ: عُمِّلَ فُلَانٌ عَلَيْهِمْ بِالضَّمِّ
تَعْمِيلًا أُمِّرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(6/2435)
3750 - وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا
سِرْتُ، أَرْسَلَ فِي أَثَرِي، فَرُدِدْتُ. فَقَالَ: "
أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا
بِغَيْرِ إِذْنِي، فَإِنَّهُ غُلُولٌ {وَمَنْ يَغْلُلْ
يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]
لِهَذَا دَعَوْتُكَ فَامْضِ لِعَمَلِكَ» ". رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3750 - (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ) : بِضَمِّ الْمِيمِ (قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَى الْيَمَنِ) : أَيْ فَتَوَجَّهَتْ إِلَيْهَا
(فَلَمَّا سِرْتُ قَلِيلًا، أَرْسَلَ فِي أَثَرِي) :
بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرٍ وَسُكُونٍ ; أَيْ عَقِبِي قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: أَثَرُ الشَّيْءِ حُصُولُ مَا يَدُلُّ
عَلَى وُجُودِهِ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ لِلطَّرِيقِ
الْمُسْتَدَلِّ بِهِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ آثَارٌ
(فَرُدِدْتُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ: فَرَجَعْتُ
إِلَيْهِ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ (فَقَالَ: أَتَدْرِي
لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ) : فِيهِ
إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِأُوصِيَكَ
وَأَقُولُ لَكَ لَا تُصِيبَنَّ ; أَيْ لَا تَأْخُذَنَّ
(شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِي فَإِنَّهُ) : أَيْ ذَلِكَ
الْأَخْذَ (غُلُولٌ) : أَيْ خِيَانَةٌ {وَمَنْ يَغْلُلْ
يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]
: قَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ بِمَا غَلَّ مَا ذَكَرَهُ
قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا
أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ» " الْحَدِيثَ. (لِهَذَا)
: أَيْ لِأَجْلِ هَذَا النُّصْحِ (دَعَوْتُكَ) : فَإِذَا
أَبْلَغْتُكَ (فَامْضِ) : أَيِ اذْهَبْ (لِعَمَلِكَ) :
أَيْ مَقْرُونًا بِعَمَلِكَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
(6/2435)
3751 - وَعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ
شَدَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: " «مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلًا فَلْيَكْتَسِبْ
زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ
خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ
فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «مَنِ
اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ» ". رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3751 - (وَعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) :
بِكَسْرِ الرَّاءِ (ابْنِ شَدَّادٍ) : بِتَشْدِيدِ
الدَّالِ الْأَوْلَى ; أَيِ الْفِهْرِيِّ الْقُرَشِيِّ
يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ غُلَامًا يَوْمَ قُبِضَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنَّهُ سَمِعَ
مِنْهُ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: مَنْ كَانَ لَنَا) : أَيْ مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ (عَامِلًا فَلْيَكْتَسِبْ) : أَيْ مِنَ
الْمَالِ (زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ
فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَسْكَنٌ) : بِفَتْحِ الْكَافِ وَيَكْسَرُ (فَلْيَكْتَسِبْ
مَسْكَنًا) : قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ
يَأْخُذَ مِمَّا فِي تَصَرُّفِهِ فِي مَالِ بَيْتِ
الْمَالِ قَدْرَ مَهْرِ زَوْجَةٍ وَنَفَقَتِهَا
وَكِسْوَتِهَا، وَكَذَلِكَ مَا لَابُدَّ مِنْهُ مِنْ
غَيْرِ إِسْرَافٍ وَتَنَعُّمٍ، فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مَا
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ضَرُورَةً فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا وُضِعَ الِاكْتِسَابُ
مَوْضِعَ الْعُمَالَةِ وَالْأُجْرَةِ حَسْمًا لِطَمَعِهِ
اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إِذَا كَانَتْ
مَعْلُومَةً، فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ فِيمَا شَاءَ. فَمَا
فَائِدَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: وَيُفْهَمُ
مِنْ تَقْيِيدِ الْقَرِينَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ
بِالشَّرْطِ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْأُولَى مُطْلَقَةٌ،
فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَاتٌ يَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ
إِلَيْهَا وَاحِدَةً، أَوِ اسْتَغْنَى بِتَقْيِيدِ
الْأَخِيرَتَيْنِ عَنْ تَقْيِيدِ الْقَرِينَةِ الْأُولَى،
فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ ; أَيْضًا. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا
أَنَّ لَهُ مُؤْنَةَ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. وَالثَّانِي
هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ
بِقَدْرِ ضَرُورَةِ الْحَالِ وَعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي
الْمَالِ (وَفِي رِوَايَةٍ: مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ)
: أَيْ مَا ذُكِرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ (فَهُوَ غَالٌّ) :
بِتَشْدِيدِ اللَّامِ ; أَيْ خَائِنٌ. (رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ) .
(6/2436)
3752 - وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَيُّهَا
النَّاسُ! مَنْ عُمِّلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ،
فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ
غَالٌّ، يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَامَ رَجُلٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اقْبَلْ
عَنِّي عَمَلَكَ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ سَمِعْتُكَ
تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ،
مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ ; فَلْيَأْتِ
بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ،
وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3752 - (وَعَنْ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : بِفَتْحٍ
فَكَسْرٍ فَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ (ابْنِ عَمِيرَةَ) :
بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَلَا
يُعْرَفُ فِي الرِّجَالِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ: عُمَيْرَةُ
بِالضَّمِّ بَلْ كُلُّهُمْ بِالْفَتْحِ، وَوَقَعَ فِي
النَّسَائِيِّ الْأَمْرَانِ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْكِنْدِيُّ الْحَضْرَمِيُّ،
سَكَنَ الْكُوفَةَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْجَزِيرَةِ
وَسَكَنَهَا، وَمَاتَ بِهَا، رَوَى عَنْهُ قَيْسُ بْنُ
أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ! مَنْ عُمِّلَ) : بِضَمٍّ فَتَشْدِيدِ مِيمٍ ;
أَيْ جُعِلَ عَامِلًا (مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ
فَكَتَمَنَا مِنْهُ) : أَيْ دَسَّ عَنَّا مِنْ حَاصِلِ
عَمَلِهِ (مِخْيَطًا) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ; أَيْ
إِبْرَةٍ (فَمَا فَوْقَهُ) : أَيْ فِي الْقِلَّةِ، أَوِ
الْكَثْرَةِ إِلَى الصِّغَرِ، أَوِ الْكِبَرِ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ الَّذِي يُفِيدُ
التَّرَقِّي ; أَيْ فَمَا فَوْقَ الْمِخْيَطِ فِي
الْحَقَارَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ
لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً
فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] (فَهُوَ: أَيِ الْعَامِلُ
الْكَاتِمُ (غَالٌّ) : أَيْ خَائِنٌ (يَأْتِي بِهِ) : أَيْ
بِالْمِخْيَطِ فَمَا فَوْقَهُ، أَوْ بِمَا غَلَّ بِهِ
(يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَيْ عَلَى عُنُقِهِ تَفْضِيحًا
وَتَشْهِيرًا لَهُ بَيْنَ الْعِبَادِ عَلَى رُءُوسِ
الْأَشْهَادِ (فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) :
خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْبَوَارِ
(قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اقْبَلْ: بِفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ (عَنِّي عَمَلَكَ) : أَيْ أَقِلْنِي مِنْهُ
(قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟) : إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي
الذِّهْنِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؟ (قَالَ:
سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا) : أَيْ فِي الْوَعِيدِ
عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ الزَّلَلِ
(قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ) : أَيْ مَا سَبَقَ مِنَ
الْقَوْلِ ( «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ ;
فَلْيَأْتِ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ»
) : أَيْ أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ (" أَخَذَهُ
وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى) ،: أَيْ: وَمَا مُنِعَ مِنْ
أَخْذِهِ امْتَنَعَ عَنْهُ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا
قَبْلَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: مَنِ
اسْتَعْمَلْنَاهُ إِلَخْ. تَكْرِيرٌ لِلْمَعْنَى وَمَزِيدٌ
لِلْبَيَانِ يَعْنِي: أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ وَلَا أَرْجِعُ
عَنْهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ فَلْيَعْمَلْ،
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَتْرُكْ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ) : وَلَعَلَّ
اخْتِيَارَ لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ لِكَوْنِهِ أَفْيَدَ فِي
الْمَقْصُودِ.
(6/2436)
3753 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ
الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3753 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا) : بِالْوَاوِ (قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ
وَالْمُرْتَشِيَ» ) : أَيْ: مُعْطِي الرِّشْوَةِ
وَآخُذَهَا، وَهَى الْوَصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ
بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي
يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ، قِيلَ: الرِّشْوَةُ مَا
يُعْطَى لِإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لِإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،
أَمَّا إِذَا أَعْطَى لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ،
أَوْ لِيدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا فَلَا بَأْسَ
بِهِ، وَكَذَا الْآخِذُ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي
إِصَابَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنَّ
هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْقُضَاةِ
وَالْوُلَاةِ ; لِأَنَّ السَّعْيَ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ
إِلَى مُسْتَحَقِّهِ، وَدَفْعِ الظَّالِمِ عَنِ
الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ
الْأَخْذُ عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ،
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ إِلَّا
قَوْلَهُ: وَكَذَا الْآخِذُ، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ
يُنَافِيهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ
الثَّالِثِ الْآتِي. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَرُوِيَ
أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُخِذَ فِي شَيْءٍ بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ
سَبِيلُهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
(6/2437)
3754 - وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3754 - (وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ) : أَيْ عَنِ
ابْنِ عَمْرٍو (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «لَعَنَ اللَّهُ
الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» ، رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
(6/2437)
3755 - وَرَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " عَنْ
ثَوْبَانَ، وَزَادَ: " وَالرَّائِشَ. يَعْنِي: الَّذِي
يَمْشِي بَيْنَهُمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3755 - (وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ
الْإِيمَانِ، عَنْ ثَوْبَانَ، وَزَادَ) : أَيْ: ثَوْبَانُ،
أَوِ الْبَيْهَقِيُّ (وَالرَّائِشَ يَعْنِي: الَّذِي
يَمْشِي بَيْنَهُمَا) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَى
أَحْمَدُ عَنْ ثَوْبَانَ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ
وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمْشِي
بَيْنَهُمَا» اهـ. وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَسْعَى
بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا وَيَنْتَقِصُ لِهَذَا،
قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. وَقِيلَ: الْمُصْلِحُ
بَيْنَهُمَا.
(6/2437)
3756 - «وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنِ
اجْمَعْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ وَثِيَابَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي.
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ. فَقَالَ: يَا
عَمْرُو! إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِأَبْعَثَكَ فِي
وُجْةٍ يُسَلِّمُكَ اللَّهُ وَيُغَنِّمُكَ، وَأَزْعَبَ
لَكَ زَعْبَةً مِنَ الْمَالِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ! مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ، وَمَا كَانَتْ
إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: نِعِمَّا بِالْمَالِ
الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ". رَوَاهُ فِي شَرْحِ
السُّنَّةِ. وَرَوَى أَحْمَدُ نَحْوَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ:
قَالَ: " «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ
الصَّالِحِ» ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3756 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ) : أَيْ رَسُولًا
(رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أَنِ اجْمَعْ) : أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ، أَوْ تَفْسِيرِيَّةٌ
لِمَا فِي الْإِرْسَالِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ ; أَيْ
قَائِلًا: اجْمَعْ (عَلَيْكَ سِلَاحَكَ وَثِيَابَكَ) :
وَقَدَّمَ السِّلَاحَ لِيَشْعُرَ بِالسَّفَرِ
وَلِلْاهْتِمَامِ بِأَمْرِهِ (ثُمَّ ائْتِنِي. قَالَ:
فَأَتَيْتُهُ) : أَيْ: مُسْتَعِدًّا (وَهُوَ يَتَوَضَّأُ
فَقَالَ: يَا عَمْرُو) : فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ
الْكَلَامِ الدِّينِيِّ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ (إِنِّي
أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِأَبْعَثَكَ) : فِي كَلَامِهِ
تَفَنُّنٌ ; أَيْ: لِأَجْلِ بَعْثِي ; إِيَّاكَ (فِي
وَجْهٍ) : أَيْ فِي عَمَلٍ وَشُغْلٍ (يُسَلِّمُكَ اللَّهُ)
: بِتَشْدِيدِ اللَّامِ ; أَيْ: يُؤَدِّيكَ بِالسَّلَامَةِ
إِلَيْهِ، وَيُوَصِّلُكَ بِالْكَرَامَةِ لَدَيْهِ
(وَيُغَنِّمُكَ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ ; أَيْ:
يَرْزُقُكَ غَنِيمَةً (وَأَزْعَبَ) : بِالنَّصْبِ عَطْفًا
عَلَى أَبْعَثَكَ، وَفَى نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ ; أَيْ:
وَأَنَا أَزْعَبُ وَهُوَ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ
وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ; أَيْ: أَقْطَعُ، أَوْ
أَدْفَعُ (لَكَ زَعْبَةً) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيُضَمُّ
; أَيْ: قِطْعَةً، أَوْ دُفْعَةً (مِنَ الْمَالِ، قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كَانَتْ هِجْرَتِي) : أَيْ:
إِيمَانِي وَهِجْرَةُ أَوْطَانِي (لِلْمَالِ، وَمَا
كَانَتْ إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ: نِعِمَّا) :
بِكَسْرِ النُّونِ وَيُفْتَحُ وَكَسْرِ الْعَيْنِ
وَيَخْتَلَسُ ; أَيْ نِعْمَ شَيْئًا قَالَ الرِّضَى:
اخْتُلِفَ فِي (مَا) هَذِهِ فَقِيلَ: كَافَّةٌ هَيَّأَتْ
نِعْمَ لِلدُّخُولِ عَلَى الْجُمْلَةِ كَمَا فِي طَالَمَا
وَقَلَّمَا، قِيلَ: وَفِيهِ بُعْدٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ
لَا يُكَفُّ
(6/2437)
لِقُوَّتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي
الْحُرُوفِ، وَ (مَا) فِي طَالَمَا وَقَلَّمَا
مَصْدَرِيَّةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ نِعْمَ لِعَدَمِ
تَصَرُّفِهَا شَابَهَتِ الْحُرُوفَ، لَكِنْ يُحْتَاجُ
إِلَى تَكَلُّفٍ فِي إِضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ
فِي نَحْوِ {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] وَقَالَ
الْفَرَّاءُ، وَأَبُو عَلِيٍّ: هِيَ مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى
الَّذِي، فَاعِلٌ لِ نِعْمَ وَيُضْعِفُهُ قِلَّةُ وُقُوعِ
الَّذِي مُصَرَّحًا بِهِ فَاعِلًا لِنِعْمَ، وَلُزُومُ
حَذْفِ الصِّلَةِ بِأَجْمَعِهَا فِي (فَنِعِمَّا هِيَ)
فَإِنَّ " هِيَ " مَخْصُوصٌ ; أَيْ: نِعْمَ الَّذِي
فَعَلَهُ الصَّدَقَاتُ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ،
وَالْكَسَائِيُّ. (مَا) مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِمَعْنَى
الشَّيْءِ، فَمَعْنَى فَنِعِمَّ هِيَ نِعْمَ الشَّيْءُ
هِيَ فَمَا هُوَ الْفَاعِلُ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى
الشَّيْءِ ذِي اللَّامِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ وَيُضْعِفُهُ
عَدَمُ مَجِيءِ (مَا) بِمَعْنَى الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ
; أَيْ: بِمَعْنَى الشَّيْءِ فِي غَيْرِ هَذَا
الْمَوْضِعِ، بَلْ تَجِيءُ (مَا) بِمَعْنَى شَيْءٍ إِمَّا
مَوْصُوفَةً، أَوْ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ. وَقَالَ
الزَّمَحْشَرِيُّ، وَالْفَارِسِيُّ، فِي أَحَدِ
قَوْلَيْهِ: (مَا) نَكِرَةٌ مُمَيَّزَةٌ مَنْصُوبَةُ
الْمَحِلَّ إِمَّا مَوْصُوفَةٌ بِالْجُمْلَةِ بِنَحْوِ:
{نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58] ، أَوْ غَيْرُ
مَوْصُوفَةٍ نَحْوُ (فَنِعِمَّا هِيَ) : اهـ. (بِالْمَالِ
الصَّالِحِ) : قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: (مَا) فِي نِعِمَّا
مَنْصُوبَةٌ لَا غَيْرَ، وَالتَّقْدِيرُ نِعْمَ شَيْئًا ;
أَيِ: الْمَالُ الصَّالِحُ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ
مِثْلُهَا فِي كَفَى بِاللَّهِ اهـ.، أَوْ نِعْمَ
الشَّيْءُ الْمَالُ الْحَلَالِ (لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ) :
وَهُوَ مَنْ يُرَاعِي حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ عِبَادِهِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: (مَا) هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَوْصُولَةٍ
وَلَا مَوْصُوفَةٍ لِتَعَيُّنِ الْأَوْلَى بِالصِّلَةِ،
وَالثَّانِيَةُ بِالصِّفَةِ، وَالْمُرَادُ الْإِجْمَالُ،
ثُمَّ التَّبْيِينُ فَ (مَا) هُنَا بِمَنْزِلَةِ تَعْرِيفِ
الْجِنْسِ فِي نِعْمَ الرَّجُلُ، فَإِنَّهُ إِذَا قَرَعَ
السَّمْعَ أَوْلًا مُجْمَلًا ذَهَبَ بِالسَّامِعِ كُلَّ
مَذْهَبٍ، ثُمَّ إِذَا بُيِّنَ تَمَكَّنَ فِي ذِهْنِهِ
فَضْلَ تَمَكُّنٍ، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْقَلْبِ، وَفِي
هَذَا مَدْحٌ عَظِيمٌ لِلْمَالِ الصَّالِحِ وَالصَّلَاحُ
ضِدُّ الْفَسَادِ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ فِي أَكْثَرِ
الِاسْتِعْمَالِ بِالْأَفْعَالِ، وَقُوبِلَ فِي الْقُرْآنِ
تَارَةً بِالْفَسَادِ وَتَارَةً بِالسَّيِّئَةِ. قَالَ
تَعَالَى: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}
[التوبة: 102] قَالَ: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56] ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ
الشَّيْءَ إِذَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَانَ صَالِحًا،
وَالْفَسَادُ بِخِلَافِهِ، وَالرَّجُلُ الصَّالِحُ مَنْ
عَلِمَ الْخَيْرَ وَعَمِلَ بِهِ، وَالْمَالُ الصَّالِحُ
مَا يُكْسَبُ مِنَ الْحَلَالِ، وَيُنْفَقُ فِي وُجُوهِ
الْخَيْرَاتِ (رَوَاهُ) : أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ
(فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) : أَيْ: بِإِسْنَادِهِ (وَرَوَى
أَحْمَدُ نَحْوَهُ) : أَيْ: بِمَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ
(وَفِي رِوَايَتِهِ) : أَيْ: رِوَايَةِ أَحْمَدَ (قَالَ) :
أَيِ: النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( «نِعْمَ الْمَالُ
الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ) : قُلْتُ: فِيهِ
تَأْيِيدٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ (مَا) زَائِدَةٌ كَافَّةٌ.
(6/2438)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3757 - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَفَعَ
لِأَحَدٍ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا،
فَقَبِلَهَا ; فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ
أَبْوَابِ الرِّبَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3757 - (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً،
فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً» ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ
الْمَفْعُولِ وَرَفَعَ هَدِيَّةً (عَلَيْهَا) : أَيْ:
عَلَى مُقَابَلَةِ الشَّفَاعَةِ وَلِأَجْلِهَا
(فَقَبِلَهَا) : أَيِ: الْمُهْدَى إِلَيْهِ وَهُوَ
الشَّافِعُ (فَقَدْ أَتَى) : أَيِ: الْقَابِلُ (بَابًا) :
أَيْ: نَوْعًا (عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا) :
وَهُوَ فِي الشَّرْعِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ شُرِطَ
لِأَحَدِ الْعَاقِدِينَ فِي الْمُعَاوَضَةِ، وَفَى
نُسْخَةٍ الرِّيَاءِ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ تَصْحِيفٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(6/2438)
|