مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ الْقِتَالِ فِي الْجِهَادِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3937 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ
رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ
قُتِلْتُ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ " فِي الْجَنَّةِ "
فَأَلْقَى فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[4] بَابُ الْقِتَالِ فِي الْجِهَادِ
أَيْ: فِي حَثِّ الْقِتَالِ وَتَرْغِيبِهِ وَثَوَابِهِ فِي
الْمُجَاهَدَةِ مَعَ الْكُفَّارِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3937 - (عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ) : أَيْ:
أَخْبِرْنِي (إِنْ قُتِلْتُ) : أَيْ: شَهِيدًا (فَأَيْنَ
أَنَا؟) : أَيْ: فَأَيْنَ أَكُونُ أَنَا فِي الْجَنَّةِ
أَمْ فِي النَّارِ؟ (قَالَ: فِي الْجَنَّةِ فَأَلْقَى
تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ) : أَيْ: مُبَادَرَةً إِلَى
الشَّهَادَةِ وَسَعَادَةً بِدُخُولِ الْجَنَّةِ (ثُمَّ
قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ) : وَلَيْسَ هَذَا عُمَيْرَ بْنَ
الْحُمَامِ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِنَّهُ قُتِلَ فِي بَدْرٍ
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(6/2534)
3938 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ
يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى
كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ يَعْنِي غَزْوَةَ تَبُوكَ -
غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ،
وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا وَعَدُوًّا
كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ،
لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ
بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3938 - (وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) : أَيِ:
الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَزْرَجِيِّ
شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا
غَيْرَ تَبُوكَ، وَكَانَ أَحَدَ شُعَرَاءِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ أَحَدُ
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ، وَالْآخَرَانِ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ
وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ،
مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ
سَنَةً بَعْدَ أَنْ عَمِيَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ.
(قَالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى
بِغَيْرِهَا» ) : فِي النِّهَايَةِ: وَرَّى بِغَيْرِهِ ;
أَيْ سَتَرَهُ وَكَنَى عَنْهُ، وَأَوْهَمَ أَنَّهُ يُرِيدُ
غَيْرَهُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَرَاءِ ; أَيْ: أَلْقَى
الْبَيَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ:
سَتَرَهَا بِغَيْرِهَا، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهَا
لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَزْمِ وَإِغْفَالِ الْعَدُوِّ،
وَالْأَمْنِ مِنْ جَاسُوسٍ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ
فَيُخْبِرُ بِهِ الْعَدُوَّ، وَتَوْرِيَتُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَعْرِيضًا بِأَنْ
يُرِيدَ مَثَلًا غَزْوَةَ مَكَّةَ، فَيَسْأَلُ النَّاسُ
عَنْ حَالِ خَيْبَرَ وَكَيْفِيَّةِ طُرُقِهَا لَا
تَصْرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ: إِنِّي أُرِيدُ غَزْوَةَ
أَهْلِ الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ، وَهُوَ يُرِيدُ
غَيْرَهُمْ ; لِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ غَيْرُ جَائِزٍ.
(حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ) : أَيْ: غَزْوَةُ
الْعُسْرَةِ (يَعْنِي) : أَيْ: يُرِيدُ كَعْبٌ بِتِلْكَ
الْغَزْوَةِ (غَزْوَةَ تَبُوكَ) : وَهُوَ مَوْضِعٌ
قُرَيْبَ الشَّامِ (غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ) :
اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِلْعِلَّةِ (وَاسْتَقْبَلَ
سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا) : أَيْ: بَرِّيَّةً قَفْرًا
(وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ ;
أَيْ: فَأَظْهَرَ (لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ،
لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ) : بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ ; أَيْ: لِيَتَهَيَّئُوا عِدَّةَ قِتَالِهِمْ
(فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ) : أَيْ:
صَرِيحًا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ:
الْحَدِيثُ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ اللَّفْظَ
لِلْبُخَارِيِّ.
(6/2535)
3939 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ» " مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3939 - (وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ» ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ
أَصَحُّ، وَبِضَمِّهَا أَشْهَرُ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا،
فَفِي الْقَامُوسِ: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ مُثَلَّثَةٌ
وَكَهُمَزَةٍ، وَرُوِيَ بِهِنَّ جَمِيعًا ; أَيْ:
يَنْقَضِي بِخَدْعَةٍ، وَفِي مُخْتَصِرِ النِّهَايَةِ
لِلسُّيُوطِيِّ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ سُكُونِ
الدَّالِ وَبِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الدَّالِ، فَالْأَوَّلُ
مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَرْبَ يَنْقَضِي أَمْرُهَا بِخَدْعَةٍ
وَاحِدَةٍ مِنَ الْخِدَاعِ ; أَيْ: أَنَّ الْمُقَاتِلَ
إِذَا خُدِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا
إِقَالَةٌ، وَهُوَ أَفْصَحُ الرِّوَايَاتِ وَأَصَحُّهَا،
وَمَعْنَى الثَّانِي هُوَ الِاسْمُ مِنَ الْخِدَاعِ،
وَمَعْنَى الثَّالِثِ أَنَّ الْحَرْبَ تَخْدَعُ الرِّجَالَ
وَتُمَنِّيهِمْ وَلَا تَفِي لَهُمْ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ
رَجُلٌ لِعْبَةٌ وَضِحْكَةٌ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ
اللَّعِبُ وَالضَّحِكُ، وَفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ
قَوْلُهُ: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ،
وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ لِلصَّحِيحَيْنِ، وَضَبَطَهَا
الْأَصِيلِيُّ خُدْعَةٌ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لُغَةُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
خَدْعَةٌ الْفَتْحُ، وَبِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ
وَغَيْرُهُ، وَحَكَى يُونُسُ فِيهَا الْوَجْهَيْنِ،
وَوَجْهًا ثَالِثًا بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ،
وَلُغَةٌ رَابِعَةٌ خَدَعَةٌ بِفَتْحِهِمَا، فَالْخَدَعَةُ
بِمَعْنَى أَنَّ أَمْرَهَا يَنْقَضِي بِخَدْعَةٍ وَاحِدَةٍ
يُخْدَعُهَا الْمَخْدُوعُ فَتَزِلُّ قَدَمُهُ، وَلَا
يَجِدُ لَهَا تَلَافِيًا وَلَا إِقَالَةً، فَكَأَنَّهُ
نَبَّهَ عَلَى أَخْذِ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ ضَمَّ
الْخَاءَ وَفَتَحَ الدَّالَ نَسَبَ الْفِعْلَ إِلَيْهَا ;
أَيْ: تَخْدَعُ هِيَ مَنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا، أَوْ
أَنَّ أَهْلَهَا يُخْدَعُونَ فِيهَا، وَمَنْ فَتَحَهَا
جَمِيعًا كَانَ جَمْعَ خَادِعٍ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا
بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَطْمَئِنَّ إِلَيْهِمْ،
كَأَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ الْحَرْبِ خَدَعَةٌ، وَأَصْلُ
الْخَدَعُ إِظْهَارُ أَمْرٍ وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ.
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ
ثَلَاثَةٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ ; أَيْ:
إِنَّهَا خَدْعَةٌ وَاحِدَةٌ مَنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ حُقُّ
لَهُ الظَّفَرُ وَبِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ ;
أَيْ: مُعْظَمُ ذَلِكَ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ،
وَبِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ ; أَيْ: إِنَّهَا
خَدَّاعَةٌ لِلْإِنْسَانِ بِمَا تُخَيِّلُ إِلَيْهِ
وَتُمَنِّيهِ، ثُمَّ إِذَا لَابَسَهَا وَجَدَ الْأَمْرَ
بِخِلَافِ مَا خُيِّلَ إِلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ:
أَفْصَحُ اللُّغَاتِ فِيهَا فَتْحُ الْخَاءِ وَإِسْكَانُ
الدَّالِ وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ
الْخِدَاعِ مَعَ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَ
اتَّفَقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ، أَوْ
أَمَانٍ، وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ
فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا
يَجُوزُ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ الْمَعَارِيضُ،
وَحَقِيقَتُهُ لَا تَجُوزُ، وَالظَّاهِرُ إِبَاحَةُ
حَقِيقَةِ الْكَذِبِ، لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى
التَّعْرِيضِ أَفْضَلُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
جَابِرٍ، وَكَذَا الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَكَذَا أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَعَنْ عَائِشَةَ، وَالْبَزَّارُ عَنِ
الْحُسَيْنِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ،
وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَكَذَا فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَكَادَ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ
مُتَوَاتِرًا لِكَثْرَةِ الصَّحَابَةِ الْمُخَرَّجِينَ
وَأَسَانِيدِهِمْ.
(6/2535)
3940 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ،
وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ، إِذَا غَزَا
يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3940 - (وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَغْزُو) : أَيْ: يُسَافِرُ لِلْغَزْوِ
مُصَاحِبًا (بِأُمِّ سُلَيْمٍ) : بِالتَّصْغِيرِ ; أَيْ:
أُمِّ أَنَسٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهِيَ بِنْتُ
مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفِي اسْمِهَا خِلَافٌ
تَزَوَّجَهَا مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ أَبُو أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَنَسًا، ثُمَّ قُتِلَ عَنْهَا
مُشْرِكًا وَأَسْلَمَتْ، فَخَطْبَهَا أَبُو طَلْحَةَ
وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَبَتْ وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ
فَأَسْلَمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَزَوَّجُكَ وَلَا آخُذُ
مِنْكَ صَدَاقًا لِإِسْلَامِكَ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو
طَلْحَةَ، رَوَى عَنْهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ. (وَنِسْوَةٍ) :
بِالْجَرِّ ; أَيْ: وَبِجَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ (مِنَ
الْأَنْصَارِ مَعَهُ) : تَأْكِيدٌ لِلْمُصَاحَبَةِ، وَفِي
نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ فَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: إِنْ رُوِيَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أُمِّ
سُلَيْمٍ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ مَعَهُ زِيَادَةُ
فَائِدَةٍ ; لِأَنَّ الْبَاءَ فِي بِأُمِّ سُلَيْمٍ
بِمَعْنَاهُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى
الِابْتِدَاءِ وَمَعَهُ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ
حَالِيَّةٌ (إِذَا غَزَا) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ
(يَسْقِينَ) : بِفَتْحٍ أَوَّلَهُ وَضَمَّهُ ; أَيِ:
النِّسَاءُ يَسْقِينَ (الْمَاءَ) : لِلْغُزَاةِ
(وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى) : أَيِ: الْمَجْرُوحِينَ
مِنْهُمْ، وَفِي نُسْخَةٍ فَيَسْقِينَ فَإِذَا ظَرْفِيَّةٌ
لِلْمَعِيَّةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ شَرْطِيَّةٌ قَالَ
النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الْمُدَاوَاةُ لِمَحَارِمِهِنَّ
وَأَزْوَاجِهِنَّ وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا
يَكُونُ فِيهِ مَسُّ بَشَرَةٍ إِلَّا مَوْضِعَ الْحَاجَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْأَوْلَى فِي إِخْرَاجِ
النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ لِلْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ،
وَلَوِ احْتِيجَ إِلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى
إِخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ، وَلَا
يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ ; لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ
عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ،
وَقَدْ قَاتَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ،
وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: لَمُقَامُهَا خَيْرٌ مِنْ
مُقَامِ فُلَانٍ يَعْنِي بَعْضَ الْمُنْهَزِمِينَ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(6/2536)
3941 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ
أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ
الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى
الْمَرْضَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3941 - (وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ:
هِيَ نُسَيْبَةُ - بِالتَّصْغِيرِ - بِنْتُ كَعْبٍ،
وَقِيلَ: بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّةُ بَايَعَتِ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(قَالَتْ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ) :
بِضَمِّ اللَّامِ ; أَيْ: أَقُومُ مُقَامَ الْغُزَاةِ (فِي
رِحَالِهِمْ) : أَيْ: مَنَازِلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ أَنْ
أَصْنَعَ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِيَ الْجَرْحَى،
وَأَقُومَ عَلَى الْمَرْضَى) : أَيْ عَلَى مُؤْنَةِ
خِدْمَتِهِمْ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(6/2536)
3942 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ
النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3942 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: أَخْرَجَ السِّتَّةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ مَقْتُولَةً
فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. قَالَ:
وَمَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّ حُرْمَةَ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ إِجْمَاعٌ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ
أَوْصَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ
إِلَى الشَّامِ فَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا
النِّسَاءَ وَلَا الشُّيُوخَ الْحَدِيثَ. قَالَ: لَكِنْ
يَقْتُلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ قُلْنَا إِنَّهُ
لَا يُقْتَلُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ
وَالشُّيُوخِ وَالرُّهْبَانِ، إِلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ
وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا،
أَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ
وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إِذَا قَاتَلُوا
بَعْدَ الْأَسْرِ، وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ
وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ
وَالْمَعْتُوهُ الْمَلِكُ ; لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ
كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ.
(6/2536)
3943 - وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ
الدِّيَارِ يَبِيتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُصَابَ
مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، قَالَ: " هُمْ
مِنْهُمْ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3943 - (وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) : بِتَشْدِيدِ
الْمُثَلَّثَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ لَيْثِيٌّ كَانَ
يَنْزِلُ وَدَّانَ وَالْأَبْوَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ،
حَدِيثُهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ
الدِّيَارِ) : وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ. قَالَ
ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ بِأَهْلِ الدِّيَارِ كُلُّ
قَبِيلَةٍ اجْتَمَعَتْ فِي مَحَلَّةٍ بِاعْتِبَارٍ
أَنَّهَا تَجْمَعُهَا وَتَدُورُ حَوْلَهُمْ (يَبِيتُونَ) :
هُوَ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ حَالٌ مِنْ أَهْلِ
الدَّارِ، وَقَوْلُهُ: (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : حَالٌ
أُخْرَى وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي
النِّهَايَةِ: أَيْ يُصَابُونَ لَيْلًا وَتَبْيِيتُ
الْعَدُوُّ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ
(6/2536)
بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ،
فَيُؤْخَذَ بَغْتَةً وَهُوَ الْبَيَاتُ (فَيُصَابَ) : أَيْ
بِالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ (مِنْ نِسَائِهِمْ
وَذَرَارِيِّهِمْ) : فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الذَّرَارِيُّ
بِالتَّشْدِيدِ أَفْصَحُ وَهِيَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ
اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَطْفَالُ وَالْوِلْدَانُ مِنَ
الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ) : أَيِ
النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنَ الرِّجَالِ يَعْنِي
أَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِمْ إِذَا لَمْ يَتَمَيَّزُوا،
فَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْخِيصِ. قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: وَفِي لَفْظٍ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ فَيَجِبُ
دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ حَمْلُهُ عَلَى مَوْرِدِ
السُّؤَالُ وَهُمُ الْمُبَيِّتُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ
ضَرُورَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ إِلَى الصِّغَارِ
بِأَنْفُسِهِمْ ; لِأَنَّ التَّبْيِيتَ يَكُونُ مَعَهُ
ذَلِكَ، وَالتَّبْيِيتُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا
بَالْكَبْسِيَّةِ وَمَا الظَّنُّ إِلَّا أَنَّ حُرْمَةَ
قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِجْمَاعٌ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ اسْتِرْقَاقُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. قَالَ
الْقَاضِي: أَرَادَ بِهِ تَجْوِيزَ سَبْيِهِمْ
وَاسْتِرْقَاقِهِمْ كَمَا لَوْ أَتَوْا أَهْلَهَا نَهَارًا
وَحَارَبُوهُمْ جِهَارًا، أَوْ أَنَّ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ
فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ
وَتَوَجَّهُ إِلَى قَتْلِهِ فَهَدْرٌ لَا حَرَجَ فِي
قَتْلِهِ ; لِأَنَّهُمْ ; أَيْضًا كُفَّارٌ، وَإِنَّمَا
يَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَتْلِهِمْ حَيْثُ يَتَيَسَّرُ،
وَلِذَلِكَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِنِسَائِهِمْ
وَذَرَارِيِّهِمْ لَمْ يُبَالَ بِهِمْ. قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ
فِيهِمْ أَسِيرٌ مُسْلِمٌ، أَوْ تَاجِرٌ، بَلْ وَلَوْ
تَتَرَّسُوا بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَصِبْيَانِهِمْ،
سَوَاءٌ عَلِمُوا أَنَّهُمْ كَفُّوا عَنْ رَمْيِهِمُ
انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ
إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقْصَدُ رَمْيُهُمْ فِي صُورَةِ
التَّتَرُّسِ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي الْكَفِّ عَنْ
رَمْيِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ انْهِزَامُ
الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ،
فَإِنْ رُمُوا وَأُصِيبَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
فَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فِيهِ الدِّيَةُ
وَالْكَفَّارَةُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ
الْكَفَّارَةُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي الدِّيَةِ
قَوْلَانِ. وَالْأَدِلَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي شَرْحِهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: إِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً،
وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهَا مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًا لَا
يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ
ذَلِكَ الْمُسْلِمَ، أَوِ الذِّمِّيَّ، إِلَّا أَنَّهُ
قَالَ: وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ
حَلَّ إِذَا قُتِلَ الْبَاقِي لِجَوَازِ كَوْنِ
الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ، فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ
فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى
فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ
مَعْلُومٌ بِالْيَقِينِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا
شُيُوخُ الْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَأْيٌ
قُتِلُوا، وَإِلَّا فَفِيهِمْ وَفِي الرُّهْبَانِ خِلَافٌ.
قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْتَلُونَ،
وَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَتْلُهُمْ،
وَفِيهِ أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ حُكْمُهُمْ فِي
الدُّنْيَا كَحُكْمِ آبَائِهِمْ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ
فَفِيهِمْ إِذَا مَاتُوا قَبْلَ الْبُلُوغِ ثَلَاثُ
مَذَاهِبَ. الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ،
وَالثَّانِي فِي النَّارِ، وَالثَّالِثُ لَا يُجْزَمْ
عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ. (وَفِي رِوَايَةٍ: هُمْ مِنْ
آبَائِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(6/2537)
3944 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ
وَحَرَّقَ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وَفِي ذَلِكَ
نَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ
اللَّهِ} [الحشر: 5] » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3944 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ» )
: بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ ; أَيْ أَمَرَ بِقَطْعِ
نَخِلِيهِمْ وَتَحْرِيقِهَا، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ
الْيَهُودِ وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي
كُتُبِ السِّيَرِ كَالْمَوَاهِبِ، وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
الْحَشْرِ كَالْبَغَوِيِّ (وَلَهَا) : أَيْ لِهَذِهِ
الْقِصَّةِ، أَوِ الْحَادِثَةِ، أَوْ لِهَذِهِ النَّخْلَةِ
(يَقُولُ حَسَّانُ) : بِتَشْدِيدِ السِّينِ، وَيَجُوزُ
صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ
الْحُسْنِ، أَوِ الْحِسِّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَهُوَ
ابْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ ابْنِ حَرَامٍ
الْأَنْصَارِيُّ، شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صَحَابِيٌّ مُخَضْرَمٌ،
عَاشَ هُوَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلَا
يُعْرَفُ ذَلِكَ مُجْتَمِعًا لِغَيْرِهِمْ. كَذَا فِي
حَاشِيَةِ الْقَامُوسِ (وَهَانَ) : أَيْ سَهُلَ (عَلَى
سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ) : بِفَتْحِ السِّينِ جَمْعِ سَرَى،
وَبَنُو لُؤَيٍّ بِضَمِّ اللَّامِ وَهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ
بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ وَيُبْدَلُ وَيَاءٍ
مُشَدَّدَةٍ ; أَيْ: أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَرُؤَسَاؤُهُمْ
(حَرِيقٌ) : أَيُّ مَحْرُوقٌ فَاعِلُ هَانَ
(بِالْبُوَيْرَةِ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مَوْضِعُ
نَخْلٍ لِبَنِي النَّضِيرِ (مُسْتَطِيرٌ) : صِفَةٌ
لِحَرِيقٍ ; أَيْ مُنْتَشِرٌ.
(وَفِي ذَلِكَ) : أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْقَطْعِ
وَالتَّحْرِيقِ (نَزَلَتْ) : أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ {مَا
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] : أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ
قَطَعْتُمْ مِنْ نَخْلَةٍ {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [الحشر:
5] : الضَّمِيرُ لِمَا وَتَأْنِيثُهُ ; لِأَنَّهُ
مُفَسَّرٌ بِاللَّيِّنَةِ {قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}
[الحشر: 5] ; أَيْ لَمْ تَقْطَعُوهَا {فَبِإِذْنِ اللَّهِ}
[الحشر: 5] : أَيْ فَبِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ الْمُقْتَضِي
لِلْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَتَمَامُ الْآيَةِ:
{وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5] أَيْ
وَفَعَلْتُمْ، أَوْ أَذِنَ لَكُمْ فِي الْقَطْعِ بِهِمْ
لِيَجْزِيَهُمْ عَلَى فِسْقِهِمْ بِمَا ظَنَّهُمْ فِيهِ،
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَمَرَ
بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ كُنْتَ
تَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَمَا بَالُ قَطْعِ
النَّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا؟ فَنَزَلَتْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ
عَلَى جَوَازِ هَدْمِ دِيَارِ الْكُفَّارِ وَقَطْعِ
أَشْجَارِهِمْ زِيَادَةً لِغَيْظِهِمْ ذَكَرَهُ
الْبَيْضَاوِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اللِّينَةُ
الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَنْوَاعُ التَّمْرِ
كُلُّهَا إِلَّا الْعَجْوَةَ،
(6/2537)
وَقِيلَ: كِرَامَ النَّخْلِ، وَقِيلَ:
كُلَّ النَّخْلِ، وَقِيلَ: كُلَّ الْأَشْجَارِ، وَقِيلَ
إِنَّ أَنْوَاعَ نَخْلِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ
نَوْعًا، وَفِيهِ جَوَازُ قَطْعِ شَجَرِ الْكُفَّارِ
وَإِحْرَاقِهِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: لَا
يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَجُوزُ ذَلِكَ ;
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَبْتُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَكَسْرُ
شَوْكَتِهِمْ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ ذَلِكَ، فَيَفْعَلُونَ
مَا يُمَكِّنُهُمْ مِنَ التَّحْرِيقِ وَقَطْعِ
الْأَشْجَارِ، وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ لَكِنَّ هَذَا إِذَا
لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ
بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ
مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ ;
لِأَنَّهُ إِفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا
أُبِيحَ إِلَّا لَهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ.
(6/2538)
3945 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ:
أَنَّ نَافِعًا كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَارَ
عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينِ فِي نَعَمِهِمْ
بِالْمُرَيْسِيعِ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى
الذُّرِّيَّةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3945 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ) : بِالنُّونِ
فِي آخِرِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَاءِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ (أَنَّ نَافِعًا) : أَيْ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ
(يَهَبُ إِلَيْهِ) : أَيْ إِلَى ابْنِ عَوْنٍ (يُخْبِرُهُ)
: أَيْ نَافِعٌ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ) : أَيْ
نَافِعًا (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ) : بِضَمٍّ
فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَقَافٍ بَطْنٌ مِنْ
خُزَاعَةَ، ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ (غَارِّينَ) :
بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ ; أَيْ غَافِلِينَ حَالٌ مِنْ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ (فِي نَعَمِهِمْ) : بِفَتْحَتَيْنِ ; أَيْ:
كَائِنِينَ فِي مَوَاشِيهِمْ (بِالْمُرَيْسِيعِ) :
بِالتَّصْغِيرِ اسْمُ مَاءٍ لِبَنِي الْمُصْطَلِقِ
بِالْعَصَبِ، وَهُوَ مِنْ نَوَاحِي قَدِيدٍ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ (فَقَتَلَ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْمُقَاتِلَةَ) : بِكَسْرِ
التَّاءِ جَمْعُ مُقَاتِلٍ وَالتَّاءُ بِاعْتِبَارِ
الْجَمَاعَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَاتِلَةَ صِيغَةُ الْوَاحِدَةِ
أُطْلِقَ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا
مَنْ يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ
الْعَاقِلُ (وَسَبَى) : أَيِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (الذُّرِّيَّةَ) : أَيِ
النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِيهِ
جَوَازُ قَتْلِ الْكُفَّارِ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ حَالَ
كَوْنِهِمْ غَافِلِينَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، «عَنِ ابْنِ عَوْنٍ:
كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ
الْقِتَالِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ
أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي
الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى
عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ، وَسَبَى
ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ
الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ،
وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ.»
(6/2538)
3946 - وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَنَا يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ
صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: " إِذَا
أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ» ". وَفِي
رِوَايَةٍ: " «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ
وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَحَدِيثُ سَعْدٍ: " هَلْ تُنْصَرُونَ "، سَنَذْكُرُهُ فِي
بَابِ " فَضْلِ الْفُقَرَاءِ ".
وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهْطًا فِي بَابِ "
الْمُعْجِزَاتِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3946 - (وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) :
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الرَّاوِي هُوَ أَبُو أُسَيْدٍ
بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
فَتَحَ الْهَمْزَةَ وَكَسَرَ السِّينَ، وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَبُو
أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ الْأَنْصَارِيُّ
السَّاعِدِيُّ، شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهُوَ
مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ،
مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ سَنَةً
بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ
مِنَ الْبَدْرِيِّينَ، وَأُسِيدٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ اهـ.
وَزَادَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَبِالدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَنَا يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ
صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ) : أَيْ لِقِتَالِهِمْ (وَصَفُّوا
لَنَا: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ) : بِالْهَمْزِ ; أَيْ
قَارَبُوكُمْ بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَيْهِمْ سِهَامُكُمْ
(عَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ
الْمُوَحَّدَةِ ; أَيْ بِالسَّهْمِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي
لَيْسَ بِطَوِيلٍ كَالنُّشَّابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
(وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا كَثَبُوكُمْ) : وَالْكَثَبُ:
الْقُرْبُ وَالْهَمْزَةُ فِي أَكْثَبُوكُمْ لِلتَّعْدِيَةِ
فَذَلِكَ عَدَّاهَا إِلَى ضَمِيرِ " كُمْ " وَفِي
الْقَامُوسِ الْكَثَبُ بِالتَّحْرِيكِ الْقُرْبُ وَكَثَبَ
عَلَيْهِ حَمَلَ وَكَثَبَهُ دَنَا مِنْهُ. (وَفِي
رِوَايَةٍ) : أَيْ لِلْبُخَارِيِّ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ
(إِذَا أَكْثَبُوكُمْ) : بِالْهَمْزِ (فَارْمُوهُمْ) :
وَالْمَعْنَى: لَا تَسْتَعْجِلُوا فِي الرَّمْيِ وَلَا
تَرْمُوهُمْ مِنْ بُعْدٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ
(وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ) : بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ
فِيهِمَا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اسْتِفْعَالٌ مِنَ
الْبَقَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] فَإِنَّهُ افْتِعَالٌ مِنَ
السَّبْقِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ لَا تَرْمُوا
كُلَّهَا فَإِنَّكُمْ إِنْ رَمَيْتُمُوهَا بَقِيتُمْ بِلَا
نِبَالٍ اهـ. وَالْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) . (وَحَدِيثُ سَعْدٍ) : أَيْ هُنَا (هَلْ
تُنْصَرُونَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَآخِرُهُ إِلَّا
بِضُعَفَائِكُمْ (سَنَذْكُرُهُ) : أَيْ نَحْنُ (فِي بَابِ
فَضْلِ الْفُقَرَاءِ) : يَعْنِي أَنَّهُ بِهِ أَنْسَبُ.
(وَحَدِيثَ الْبَرَاءِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهْطًا فِي بَابِ
الْمُعْجِزَاتِ) : أَيْ سَنَذْكُرُهُ فِيهِ (إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى) .
(6/2538)
الْفَصْلُ الثَّانِي
3947 - عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «عَبَّأَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَدْرٍ لَيْلًا» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3947 - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ) : أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ
وَمَرَّ ذِكْرُهُ (قَالَ: عَبَّأَنَا) : بِالْأَلِفِ،
وَفِي نُسْخَةٍ بِالْهَمْزَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:
يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، يُقَالُ: عَبَّأْتُ الْجَيْشَ
وَعَبَّيْتُهُمْ تَعْبِيَةً وَتَعْبِئَةً ; أَيْ
هَيَّأْتُهُمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ، وَأَلْبَسَتْهُمُ
السِّلَاحَ ; أَيْ رَتَّبَنَا وَهَيَّأَنَا لِلْحَرْبِ
(النَّبِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: رَسُولُ اللَّهِ
(- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَدْرٍ لَيْلًا)
: يَعْنِي سَوَّى الصُّفُوفَ، وَأَقَامَ كُلًّا مِنَّا
مَقَامًا يَصْلُحُ لَهُ فِي اللَّيْلِ، لِيَكُونَ عَلَى
طِبْقِهِ وَوَفْقِهِ فِي النَّهَارِ، هَذَا وَفِي
الْقَامُوسِ: عَبَأَ الْمَتَاعَ وَالْأَمْرَ كَمَنَعَ
هَيَّأَهُ، وَالْجَيْشَ جَهَّزَهُ كَعَبَّاهُ تَعْبِئَةً
فِيهِمَا هَذَا فِي الْمَهْمُوزِ، وَأَمَّا فِي
الْمُعْتَلِّ فَقَالَ: تَعْبِيَةُ الْجَيْشِ تَهْيِئَتُهُ
فِي مَوَاضِعِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَادَّةَ
الثَّانِيَةَ هِيَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ. (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ) .
(6/2539)
3948 - وَعَنِ الْمُهَلَّبِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ
فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ» " رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3948 - (وَعَنِ الْمُهَلَّبِ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ
الْمَفْتُوحَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْمُهَلَّبُ
بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْأَزْدِيُّ، صَاحِبُ الْمَقَامَاتِ
الْمَأْثُورَةِ وَالْحُرُوبِ الْمَشْهُورَةِ مَعَ
الْخَوَارِجِ، سَمِعَ سَمُرَةَ وَابْنَ عُمَرَ، رَوَى
عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ
بِمَرْوِ الرُّوذِ مِنْ أَرْضِ خُرَاسَانَ فِي أَيَّامِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ
الْأُولَى مِنْ تَابِعِيِّ الْبَصْرَةِ اهـ. فَالْحَدِيثُ
مُرْسَلٌ فَكَانَ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ) : أَيْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، ذَكَرَهُ
السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (إِنْ بَيَّتَكُمُ
الْعَدُوُّ: بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ ; أَيْ: إِنْ
قَصَدَكُمْ بِالْقَتْلِ لَيْلًا وَاخْتَلَطْتُمْ مَعَهُمْ
(فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ
فَفِي الْقَامُوسِ: الشِّعَارُ كَكِتَابٍ عَلَامَةٌ
يُعْرَفُ بِهَا فِي الْحُرُوبِ، وَيُفْتَحُ وَهُوَ
مَرْفُوعٌ، وَفِي نُسْخَةٍ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّ
الْخَبَرَ قَوْلُهُ: (حم) : بِالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ
(لَا يُنْصَرُونَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ
دُعَاءٌ، أَوْ إِخْبَارٌ قَالَ الْقَاضِي: أَيْ
عَلَامَتُكُمُ الَّتِي تَعْرِفُونَ بِهَا أَصْحَابَكُمْ
هَذَا الْكَلَامَ، وَالشِّعَارُ فِي الْأَصْلِ
الْعَلَامَةُ الَّتِي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بِهَا الرَّجُلُ
رُفْقَتَهُ، وَحم لَا يُنْصَرُونَ مَعْنَاهُ بِفَضْلِ
السُّوَرِ الْمُفْتَتَحَةِ بِحم وَمَنْزِلَتِهَا مِنَ
اللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْحَوَامِيمَ
السَّبْعَ سُوَرٌ لَهَا شَأْنٌ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
إِذَا وَقَعْتَ فِي آلِـ " حم " وَقَعْتَ فِي رِيَاضَاتِ
دَفَعَاتٍ، فَنَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا لِعِظَمِ شَأْنِهَا، وَشَرَفِ
مَنْزِلَتِهَا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا يَسْتَظْهِرُ بِهِ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِنْزَالِ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ،
وَالْخِذْلَانِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ
يَقُولُوا حم، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ. وَقَالَ: لَا
يُنْصَرُونَ جَوَابًا لِسَائِلٍ عَسَى أَنْ يَقُولَ:
مَاذَا يَكُونُ إِذَا قُلْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ؟ فَقَالَ:
لَا يُنْصَرُونَ، وَقِيلَ: حم مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَأَنَّ الْمَعْنَى اللَّهُمَّ لَا يُنْصَرُونَ،
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ حم لَمْ يَثْبُتْ فِي أَسْمَاءِ
اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ
مُفْصِحَةٌ عَنْ ثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ، وَحم لَيْسَ إِلَّا
اسْمَيْ حَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا
مَعَنًى تَحْتَهُ يَصْلُحُ ; لِأَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ
الْمَثَابَةِ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْقَائِلِ أَنَّ حم
مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّ حُرُوفَهَا
دَالَّةٌ عَلَى أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ كَالْحَمِيدِ
وَالْحَيِّ وَالْمَلِكِ وَالْمُقْتَدِرِ وَالْمُنْتَقِمِ
وَأَمْثَالِهِمَا، مِمَّا كُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ يُفْتَتَحُ
بِهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا
ذُكِرَ ذَلِكَ الْحَرْفُ، فَكَأَنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ
الِاسْمُ، هَذَا وَفِي الْمَعَالِمِ قَالَ السُّدِّيُّ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حم اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ،
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: الْحَاءُ افْتِتَاحُ
أَسْمَائِهِ: حَلِيمٍ، حَمِيدٍ، حَيٍّ، حَكِيمٍ، حَنَّانٍ.
وَالْمِيمُ افْتِتَاحٌ أَسْمَائِهِ: مَلِكٍ، مَجِيدٍ،
مَنَّانٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَالْكِسَائِيُّ:
مَعْنَاهُ قَضَى مَا هُوَ كَائِنٌ كَأَنَّهُمَا أَشَارَا
إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ حم بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ
الْمِيمِ اهـ. قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمًا
كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ لَأُعْرِبَ كَمَا أَعْرَبَهُ
الشَّاعِرُ حَيْثُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلسُّورَةِ فَقَالَ:
يَذْكُرُ لِي حم وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ فَهَلَّا تَلَا حاميم
قَبْلَ التَّقَدُّمِ وَمَنْعُهُ مِنَ الصَّرْفِ
لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ;
لِأَنَّ الشَّاعِرَ إِنَّمَا أَعْرَبَهُ لِضَرُورَةِ
إِقَامَةِ الْوَزْنِ، مَعَ أَنَّهُ قُرِئَ حم فِي
الْقُرْآنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا عَلَى
الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ
اقْرَأْ، وَمَنْعُ صَرْفِهِ لِلتَّرْكِيبِ، أَوْ
لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ، أَوْ ; لِأَنَّهَا عَلَى
زِنَةِ أَعْجَمِيٍّ كَقَابِيلَ وَهَابِيلَ. قَالَ: وَقَدْ
نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ تَوْجِيهُهُ أَنْ
يُقَالَ: أَرَادَ
(6/2539)
بِحاميم مُنْزِلَ حاميم، وَهُوَ اللَّهُ
تَعَالَى، فَلَمَّا حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ
الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامُهُ وَأَجْرَى عَلَى
الْحِكَايَةِ صَارَ حم كَالْمُطْلَقِ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى، وَالْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ فَعُدَّ مِنْ
أَسْمَائِهِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ اهـ. وَتَصْرِيحُهُ
بِأَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ
يَأَبَى عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ كَيْسَانَ
النَّحْوِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ
بْنَ يَحْيَى عَنْهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَلَوْ
كَانَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَكَانَ لَا يُنْصَرُونَ
مَجْزُومًا كَأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَنْ
وَقُوعِهِ كَمَا تَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ وَيَهْدِيكَ
وَنَحْوَهُ، لَكِنَّ فِي مَعْنَى النَّهْيِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [البقرة: 83]
الْكَشَّافَ: لَا تَعْبُدُونَ إِخْبَارٌ فِي مَعْنَى
النَّهْيِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ ;
لِأَنَّهُ كَانَ سُورِعَ إِلَى الِانْتِهَاءِ فَهُوَ
يُخْبِرُ عَنْهُ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ السَّيِّدُ جَمَالُ
الدِّينِ فِي رَوْضَةِ الْأَحْبَابِ أَنَّ شِعَارَ
الْمُهَاجِرِينَ كَانَ " يَا خَيْلَ اللَّهِ " فَطَرِيقُ
الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ شِعَارُ حم لَا يُنْصَرُونَ
مُخْتَصًّا بِالْأَنْصَارِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَأَبُو دَاوُدَ) .
(6/2540)
3949 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ شِعَارُ
الْمُهَاجِرِينَ: عَبْدَ اللَّهِ، وَشِعَارُ الْأَنْصَارِ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3949 - (وَعَنْ سَمُرَةَ) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ (بْنِ
جُنْدَبٍ) : بِضَمِّهِمَا وَبِفَتْحِ الدَّالِ (رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ:
عَبْدَ اللَّهِ، وَشِعَارُ الْأَنْصَارِ: عَبْدَ
الرَّحْمَنِ) : وَفِي شِعَارَيْهِمَا إِشْعَارٌ
بِتَفَاوُتِ مَنْزِلَتِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي
غَزْوَةٍ أُخْرَى. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(6/2540)
3950 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ أَبِي
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّتْنَاهُمْ
نَقْتُلُهُمْ، وَكَانَ شِعَارُنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ:
أَمِتْ أَمِتْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3950 - (وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ) : وَلَيْسَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فِي الْأَصْلِ (فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّتْنَاهُمْ
نَقْتُلُهُمْ) : اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ، أَوْ حَالٌ
(وَكَانَ شِعَارُنَا) : بِالرَّفْعِ لَا غَيْرَ (تِلْكَ
اللَّيْلَةَ: أَمِتْ أَمِتِ) : التَّكْرَارُ
لِلتَّأْكِيدِ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ
كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ، قِيلَ: الْمُخَاطَبُ هُوَ
اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ الْمُمِيتُ، فَالْمَعْنَى يَا
نَاصِرَ أَمِتِ الْعَدُوَّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يَا
مَنْصُورُ أَمِتْ فَالْمُخَاطِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ
الْمُقَاتِلِينَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(6/2540)
3951 - وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ
الصَّوْتَ عِنْدَ الْقِتَالِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3951 - (وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ) : بِضَمِّ مُهْمِلَةٍ
وَتَخْفِيفِ مُوَحَّدَةٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: بَصْرِيٌّ
مِنَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ تَابِعِيِّ الْبَصْرَةِ،
رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. (قَالَ: كَانَ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولِ اللَّهِ
(- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ
الصَّوْتَ) : أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ (عِنْدَ
الْقِتَالِ) : قَالَ الْمُظْهِرُ: عَادَةُ الْمُحَارِبِينَ
أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ إِمَّا لِتَعْظِيمِ
أَنْفُسِهِمْ، أَوْ لِإِظْهَارِ كَثْرَتِهِمْ بِتَكْثِيرِ
أَصْوَاتِهِمْ، أَوْ لِتَخْوِيفِ أَعْدَائِهِمْ، أَوْ
لِإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا
الشُّجَاعُ الطَّالِبُ لِلْحَرْبِ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا
يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إِذْ لَا
يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ
يَرْفَعُونَ الْأَصْوَاتَ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِيهِ
فَوْزَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
.
(6/2540)
3952 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: " «اقْتُلُوا شُيُوخَ
الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ " ; أَيْ
صِبْيَانَهُمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3952 - (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ» )
: أَرَادَ مَا يُقَابِلُ الصِّبْيَانَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ
الْفَانِي فَلَا يُقْتَلُ إِلَّا إِذَا كَانَ ذَا رَأْيٍ
(وَاسْتَحْيُوا) : أَيِ اسْتَبْقُوا (شَرْخَهُمْ) :
بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (أَيْ صِبْيَانَهُمْ) : تَفْسِيرٌ مِنَ
الصَّحَابِيِّ، أَوْ أَحَدِ الرُّوَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا
فِي النِّهَايَةِ: الشَّرْخُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ
(6/2540)
يُدْرِكُوا، وَأَمَّا تَفْسِيرُ
الِاسْتِحْيَاءِ بِالِاسْتِرْقَاقِ فَتَوَسُّعٌ وَمَجَازٌ،
وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنِ اسْتِبْقَائِهِمْ إِحْيَاءُ
اسْتِرْقَاقِهِمْ وَاسْتِخْدَامِهِمْ. قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: أَرَادَ بِالشُّيُوخِ الرِّجَالَ وَالشُّبَّانَ
أَهْلَ الْجَلَدِ مِنْهُمْ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْقِتَالِ،
وَلَمْ يُرِدِ الْهَرْمَى الَّذِينَ إِذَا سُبُوا لَمْ
يُنْتَفَعْ بِهِمْ لِلْخِدْمَةِ وَأَرَادَ بِالشَّرْخِ
الشُّبَّانَ أَهْلَ الْجَلَدِ يَصْلُحُونَ لِلْمِلْكِ
وَالْخِدْمَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الشَّرْخُ أَوَّلُ
الشَّبَابِ فَهُوَ وَاحِدٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ
وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ، قَالَ: رَجُلٌ صَوْمٌ
رَجُلَانِ صَوْمٌ، وَرِجَالُ صَوْمٌ، وَامْرَأَةُ صَوْمٌ
وَامْرَأَتَانِ صَوْمٌ وَنِسْوَةٌ صَوْمٌ، قِيلَ: إِنَّ
الشُّيُوخَ جَمْعٌ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ.
قُلْتُ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ. قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: وَفِي الشُّيُوخِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ
أَنْ تَقُولَ لَمْ يُرِدِ اسْتِبْقَاءَ هَؤُلَاءِ
لِلْمِلْكِ وَالْخِدْمَةِ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ
الْعَصَبِيَّةِ وَلِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ
طُولَ الْعُمْرِ، ثُمَّ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْمَكْرِ
وَالدَّهَاءِ فَلَا يُؤْمَنُ إِذًا غَائِلَتُهُمْ
وَدَخْلَتُهُمْ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمْ مِنَ
الْفَسَادِ فِي الدِّينِ، أَوْ ثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ،
وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ الْفَتَاةِ الَّذِينَ لَا يُعْبَأُ
بِهِمْ وَلَا يُكْتَرَثُ لَهُمْ، وَهَذَا أَوْلَى مَا
يُؤَوَّلُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ، لِئَلَّا يُخَالِفَ
حَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ مَا
رُوِيَ عَنْهُ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا. وَقَالَ ;
أَيْضًا قَوْلُهُ: أَيْ صِبْيَانَهُمْ لَيْسَ مِنْ مَتْنِ
الْحَدِيثِ، وَلَا مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، فَلَعَلَّ
بَعْضَ الرُّوَاةِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَدْرَجَهُ فِي
الْحَدِيثِ، فَوَجَدَهُ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا بَلَغَهُ
فَذَكَرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ
الْمُؤَلِّفِ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إِذْ لَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِهِ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) : لَكِنْ يُرِيدُ كَلَامَ
الشَّيْخِ أَنَّ السُّيُوطِيَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ
غَيْرِ التَّفْسِيرِ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا
فَسَّرَ الشَّرْخَ بِالصِّبْيَانِ لِيُقَابِلَ الشُّيُوخَ،
فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالشُّيُوخِ الشُّبَّانَ وَأَهْلَ
الْجَلَدِ فَيَصِحُّ التَّقَابُلُ.
(6/2541)
3953 - وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: «حَدَّثَنِي
أُسَامَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَهِدَ
إِلَيْهِ قَالَ: " أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا
وَحَرِّقْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3953 - (وَعَنْ عُرْوَةَ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ تَابِعِيٍّ
مَشْهُورٍ سَبَقَ ذِكْرَهُ. (قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ)
: أَيِ ابْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَهِدَ اللَّهُ
إِلَيْهِ) : أَيْ أَوْصَاهُ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا
(قَالَ) : تَفْسِيرًا لِعَهِدَ (أَغِرْ) : بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَمْرٌ مِنَ
الْإِغَارَةِ، وَقِيلَ: أَمْرٌ مِنَ الْغَزْوِ فَيَكُونُ
بِضَمِّ الْهَمْزِ وَالزَّايِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ،
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ لَفْظُ: " عَلَى " وَمِنْهُمْ مَنْ
ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ
وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنَ الْغِرَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ
فَإِنَّهُ تَصْحِيفٌ (عَلَى أُبْنَى) : بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ فِلَسْطِينَ
بَيْنَ عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَيُقَالُ لَهَا:
يُبْنَى بِالْيَاءِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ مِنْ
بِلَادِ جُهَيْنَةَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ بَدَلَ
الْهَمْزَةِ لَامًا وَلَا عِبْرَةَ بِهِ اهـ.
وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ
مُوَحَّدَةٍ وَنُونٍ بَعْدَهُ أَلِفٌ ; أَيْ عَلَى
أَهْلِهِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قِيلَ إِنَّهُ اسْمُ
قَبِيلَةٍ (صَبَاحًا) : أَيْ حَالَ غَفْلَتِهِمْ
وَفُجَاءَةِ نَبْهَتِهِمْ وَعَدَمِ أُهْبَتِهِمْ
(وَحَرِّقْ) : بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ،
ثُمَّ حَرِّقْ ; أَيْ زُرُوعَهُمْ وَأَشْجَارَهُمْ
وَدِيَارَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا أَرَادَ
الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ مِنْ مَوَاشِي
أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إِلَى
دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا، ثُمَّ حَرَّقَهَا وَلَا
يَعْقِرُهَا، كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ لِمَا فِيهِ مِنَ
الْمُثْلَةِ بِالْحَيَوَانِ، وَعَقَرَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ فَرَسَهُ رُبَّمَا كَانَ لِظَنِّهِ عَدَمَ
الْفَتْحِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ، فَخَشِيَ أَنْ يَنَالَ
الْمُشْرِكُونَ فَرَسَهُ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ
الذَّبْحِ لِضِيقِ الْحَالِ عَنْهُ بِالشُّغْلِ
بِالْقَتْلِ، أَوْ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْمُثْلَةِ، أَوْ
عِلْمَهَ بِهَا وَلَا يَتْرُكُهَا لَهُمْ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَتْرُكُهَا ; لِأَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إِلَّا
لِمَأْكَلَةٍ. قُلْنَا: هَذَا غَرِيبٌ عَنْهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، نَعَمْ رُوِيَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ
نَفْسِهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، ثُمَّ هُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَيْقَنَ الْفَتْحَ
وَصَيْرُورَةَ الْبِلَادِ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ
ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَمِرَّ فِي بُعُوثِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَاعْتِبَارُهُ كَانَ
ذَلِكَ، وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ وَذَكَرْنَا فِيمَا
تَقَدَّمَ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُحَرِّقْ
وَلَا يُخَرِّبْ ; لِأَنَّهُ إِتْلَافُ مَالِ
الْمُسْلِمِينَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَا
تُحَرِّقْ وَهُوَ قَدْ قَدْ عَلِمَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا،
ثُمَّ حَرِّقْ بَقِيَ مُجَرَّدُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ،
وَأَنَّهُ لِغَرَضِ الْأَكْلِ ; لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ،
وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ
وَتَعْرِيضِهِمْ عَلَى الْمَهْلَكَةِ وَالْمَوْتِ،
وَإِنَّمَا يُحَرِّقُ لِقَطْعِ مَنْفَعَةٍ عَنِ
الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ،
وَالتَّحْرِيقُ لِهَذَا الْغَرَضِ الْكَرِيمِ بِخِلَافِ
التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ ; لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ
عَنْهُ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: حَدِيثُ
الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(6/2541)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: «بَعَثَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي بَعْثٍ فَقَالَ لَنَا: " إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا
وَفُلَانًا فَاحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ " فَلَمَّا
خَرَجْنَا دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: " إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا
وَفُلَانًا فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تَحْرِقُوهُمَا
فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ» .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَمَّاهُمَا هَبَّارَ بْنَ
الْأَسْوَدِ، وَنَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْقَيْسِ،
وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّ السَّبَبَ
أَنَّهُمَا كَانَا رَوَّعَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ
خَرَجَتْ لَاحِقَةً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَتَّى أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا،
وَالْقِصَّةُ مُفَصَّلَةٌ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ
مَعْرُوفَةٌ لِأَهْلِ السِّيَرِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ ;
أَيْضًا تَحْرِيقَ عَلِيٍّ الزَّنَادِقَةَ الَّذِينَ أَتَى
بِهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «لَوْ
كُنْتُ أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنُهَى رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا تُعَذِّبُوا
بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلِقَتَلَتِهِمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ
فَاقْتُلُوهُ» .
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مَسْنَدِهِ «عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،
فَأَخَذْتُ بُرْغُوثًا فَرَمَيْتُهُ فِي النَّارِ
فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ» ".
وَأَمَّا مَا فِي فَتَاوَى الْوَالِجِيِّ بِتَرْكِ
النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ ; أَيْ
خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْلَا يَعُودُوا
حَرْبًا عَلَيْنَا ; لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ
وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا
عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِمَا هُوَ
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْذِيبِ، ثُمَّ هُمْ
قَدْ صَارُوا أُسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ، وَقَدْ
أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْأَسْرَى خَيْرًا حَدَّثَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ
أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا،
فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَوْلَى أَخِي مُصْعَبِ بْنِ
عُمَيْرٍ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَسَرَنِي فَقَالَ
لَهُ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَإِنَّ أُمَّهُ ذَاتُ
مَتَاعٍ. قَالَ: وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
حِينَ أَقْبَلُوا مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا
غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ
وَأَكَلُوا التَّمْرَ بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; إِيَّاهُمْ بِنَا
مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ مِنَ
الْخُبْزِ إِلَّا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ: فَأَسْتَحْيِي
فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَى مَنْ
يُمْسِكُهَا» ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلُوا جُوعًا،
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُضْطَرُّوا إِلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ
عَدَمِ الْحَمْلِ وَالْمِيرَةِ فَيُتْرَكُوا ضَرُورَةً،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ
ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ،
وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ مَعَ دَعْوَةٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى
أَنَّهُمْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ أَوَّلًا فَاكْتَفَى
بِهَا.
(6/2542)
3954 - وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ: " إِذَا
أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ
حَتَّى يَغْشَوْكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3954 - (وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) : مَرَّ ذِكْرُهُ قَرِيبًا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ: إِذَا
أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَلَا تَسُلُّوا» ) : بِضَمِّ
السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ; أَيْ: لَا تُخْرِجُوا
(السُّيُوفَ) : أَيْ مِنْ غِلَافِهَا (حَتَّى
يَغْشَوْكُمْ) : بِفَتْحِ الشِّينِ ; أَيْ: حَتَّى
يَقْرَبُوكُمْ قَرِيبًا يَصِلُ سَيْفُكُمْ إِلَيْهِمْ.
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(6/2542)
3955 - وَعَنْ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسُ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ،
فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: " انْظُرُوا عَلَى مَا
اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ " فَجَاءَ فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ
قَتِيلٍ فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ "
وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ
رَجُلًا فَقَالَ: " قُلْ لِخَالِدٍ: لَا تَقْتُلِ
امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3955 - (وَعَنْ رَبَاحٍ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَالْمُوَحَّدَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ
وَالتَّحْتِيَّةِ (ابْنِ الرَّبِيعِ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَذَا ضَبْطَهُ الْمُغْنِي
بِالْوَجْهَيْنِ، وَفِي التَّقْرِيبِ رَبَاحُ بْنُ
الرَّبِيعِ الْأُسَيْدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخُو
حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ
وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ، وَفِي
الْمَنْقَبَةِ لِتَحْرِيرِ الْمُشْتَبَهِ
لِلْعَسْقَلَانِيِّ: رَبَاحٌ بِالْمُوَحَّدَةِ عِدَّةٌ
وَبِيَاءٍ وَكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمَاعَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي
رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ الصَّحَابِيِّ أَخُو حَنْظَلَةَ
الْكَاتِبِ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ رَبَاحُ بْنُ
الرَّبِيعِ الْأُسَيْدِيُّ الْكَاتِبُ حَدِيثَهُ فِي
الْبَصْرِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ
الْأُسَيِّدِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ
وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. (قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ
عَلَى شَيْءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ) : أَيْ لَهُ
(انْظُرُ عَلَى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَجَاءَ) : أَيِ
الرَّجُلُ (فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ) : أَيْ:
مَقْتُولَةٍ، وَإِذَا ذُكِرَ الْمَوْصُوفُ يَسْتَوِي فِي
الْفَعِيلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ الْمُذَكَّرِ
وَالْمُؤَنَّثِ. (فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ) : أَيِ
الْمَرْأَةُ (لِتُقَاتِلَ) : اللَّامُ هِيَ الدَّاخِلَةُ
فِي خَبَرِ كَانَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى
الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] .
(6/2542)
(وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ) : بِكَسْرِ
الدَّالِ وَيُفْتَحُ (خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ)
: أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(رَجُلًا) : أَيْ إِلَى خَالِدٍ (فَقَالَ: قُلْ لِخَالِدٍ:
لَا تَقْتُلِ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا: أَيْ أَجِيرًا
وَتَابِعًا لِلْخِدْمَةِ، وَلَعَلَّ عَلَامَتَهُ أَنْ
يَكُونَ بِلَا سِلَاحٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا
النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ; أَيْضًا
وَابْنُ مَاجَهْ، وَكَذَا أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ،
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي
الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي لَفْظٍ فَقَالَ: هَاهْ مَا كَانَتْ
هَذِهِ تُقَاتِلُ، ثُمَّ قَالَ وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْمُغِيرَةُ، وَابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ
جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، فَصَارَ الْحَدِيثُ
صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهَاهْ كَلِمَةُ
زَجْرٍ وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ لِلسَّكْتِ، كَذَا
حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَقَدْ سَبَقَ عَنْهُ أَنَّهُ
قَالَ: أَخْرَجَ السِّتَّةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ
مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَقْتُولَةً فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ.
(6/2543)
3956 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ،
وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَا
تُصِيبُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا صَغِيرًا،
وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا
غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا فَإِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» ". رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3956 - (وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: انْطَلِقُوا) : أَيِ اذْهَبُوا وَسِيرُوا
مُتَبَرِّكِينَ (بَاسِمِ اللَّهِ) : مُسْتَعِينِينَ
(وَبِاللَّهِ) : ثَابِتِينَ (وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ
اللَّهِ) : وَالْأَحْوَالُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ
مُتَرَادِفَاتٍ، أَوْ مُتَدَاخِلَاتٍ (لَا تَقْتُلُوا) :
وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَا تَقْتُلُوا (شَيْخًا فَانِيًا) :
أَيْ إِلَّا إِذَا كَانَ مُقَاتِلًا، أَوْ ذَا رَأْيٍ،
وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَتْلِ
دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ، وَكَانَ عُمُرُهُ مِائَةً
وَعِشْرِينَ عَامًا أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ جِيءَ بِهِ فِي
جَيْشِ هَوَازِنَ لِلرَّأْيِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ.
(وَلَا طِفْلًا صَغِيرًا) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ،
أَوْ بَيَانٌ ; أَيْ صَبِيًّا دُونَ الْبُلُوغِ،
وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ مَلِكًا، أَوْ
مُبَاشِرًا لِلْقِتَالِ (وَلَا امْرَأَةً) : أَيْ إِذَا
لَمْ تَكُنْ مُقَاتَلَةً، وَلَمْ تَكُنْ مَلِكَةً، وَلَا
ذَاتَ رَأَيٍ فِي الْمُحَارِبَةِ (وَلَا تَغُلُّوا،
وَضُمُّوا) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ ; أَيِ اجْمَعُوا
(غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا) : أَيْ أُمُورَكُمْ
(وَأَحْسِنُوا) : أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ (فَإِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) : أَيْ يُثِيبُهُمْ
وَيُكْرِمُهُمْ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ الْفِرْزِ.
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَأَمَّا
مُعَارَضَتُهُ. مِمَّا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: اقْتُلُوا
شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ فَأَضْعَفُ مِنْهُ، ثُمَّ عَلَى
أُصُولِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لَا مُعَارَضَةَ، بَلْ
يَجِبُ أَنْ يَخُصَّ الشُّيُوخَ بِغَيْرِ الْفَانِي، ثُمَّ
الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ
مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ
عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ
; لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيُكْثِرُ
مُحَارِبَ الْمُسْلِمِينَ، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ،
وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ
الْمُرْتَدِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: أَنَّهُ إِذَا
كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ، وَمِثْلُهُ
نَقَتُلُهُ إِذَا ارْتَدَّ، وَالَّذِي لَا نَقْتُلُهُ
الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرِفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ
الْعُقَلَاءِ الْمُمَيَّزِينَ، فَهَذَا حِينَئِذٍ يَكُونُ
بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ، وَلَا إِذَا
ارْتَدَّ اهـ. وَلَا نَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ
الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ
خِلَافٍ، وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا يُقْتَلُ
الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ، وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ
الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، فَإِنْ خَالَطُوا
قُتِلُوا كَالْقِسِّيسِ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئَهِ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ
جُيُوشًا إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يُشَيِّعُ زَيْدَ بْنَ
أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: إِنِّي أُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا
تَقْتُلَنَّ صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا كَبِيرًا
هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا
تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَقَرَةً إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ،
وَلَا تَحْرِقَنَّ وَلَا تُخْرِبَنَّ عَامِرًا. وَلَا
تُغْرِقَنَّ، وَلَا تُجْبُنْ، وَلَا تَغُلَّ.
(6/2543)
3957 - «وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَقَدَّمَ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَتَبِعَهُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ،
فَنَادَى: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَانْتُدِبَ لَهُ شَابٌّ مِنَ
الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ.
فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ، إِنَّمَا أَرَدْنَا
بَنِي عَمِّنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُمْ يَا حَمْزَةُ! قُمْ يَا
عَلِيُّ! قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ! "
فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُقْبَةَ، وَأَقْبَلْتُ إِلَى
شَيْبَةَ، وَاخْتَلَفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ
ضَرْبَتَانِ، فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
صَاحِبَهُ، ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلْنَاهُ،
وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3957 - (وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا كَانَ) : أَيْ وُجِدَ (يَوْمُ بَدْرٍ تَقَدَّمَ) :
أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ لِلْقِتَالِ (عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ، وَتَبِعَهُ ابْنُهُ) : أَيِ الْوَلِيدُ
(وَأَخُوهُ) : أَيْ شَيْبَةُ (فَنَادَى) : أَيْ عُتْبَةُ
(مَنْ يُبَارِزُ؟) : فِي الْقَامُوسِ:
(6/2543)
بَرَزَ بُرُوزًا خَرَجَ إِلَى الْبِرَازِ ;
أَيِ الْفَضَاءِ، وَبَارَزَ الْقِرْنَ مُبَارَزَةً
وَبِرَازًا بَرَزَ إِلَيْهِ، وَالْمَعْنَى مَنْ يَبْرُزُ
إِلَيَّ فَيُقَاتِلَنِي (فَانْتُدِبَ) : يُقَالُ:
نَدَبْتُهُ فَانْتُدِبَ ; أَيْ دَعْوَتُهُ فَأَجَابَ كَذَا
فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ: (لَهُ) : أَيْ لِعُتْبَةَ
وَالْمَعْنَى بَرَزَ لِمُقَاتَلَتِهِ وَمُقَاتَلَةِ مَنْ
مَعَهُ (شَابٌّ) : جَمْعُ شَابٍّ، وَفِي نُسْخَةٍ شُبَّانٌ
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (مِنَ
الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ.
فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ) : أَيْ مَا
نُرِيدُكُمْ (إِنَّمَا أَرَدْنَا بَنِي عَمِّنَا) : أَيِ
الْقُرَشِيِّينَ مِنْ أَكْفَائِنَا (فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ يَا
حَمْزَةُ! قُمْ يَا عَلِيُّ! قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ
الْحَارِثِ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا فَفِي
الْكَافِيَةِ: الْعَلَمُ الْمَوْصُوفُ بِابْنِ مُضَافًا
إِلَى عَلَمٍ آخَرَ يُخْتَارُ فَتْحُهُ، وَأَمَّا ابْنُ
فَمَنْصُوبٌ لَا غَيْرَ (فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ) : أَيْ
تَوَجَّهَ (إِلَى عُتْبَةَ) : أَيْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ
فَقَتَلَهُ (وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ) : أَيْ
فَقَتَلْتُهُ، كَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَشَرْحِ
السُّنَّةِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: إِلَى
عُتْبَةَ فَقَتَلَهُ، وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ
فَقَتَلْتُهُ. (وَاخْتَلَفَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَاخْتَلَفَ
وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ (بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ
ضَرْبَتَانِ) : أَيْ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
صَاحِبَهُ تَعَاقُبًا (فَأَثْخَنَ) : أَيْ جَرَحَ
وَأَضْعَفَ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ) : أَيْ
قِرْنَهُ (ثُمَّ مِلْنَا) : بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ
الْمَيْلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الصَّادِ مِنَ
الصَّوْلَةِ ; أَيْ حَمَلْنَا (عَلَى الْوَلِيدِ) : أَوْ
مِلْنَا حَامِلِينَ عَلَيْهِ (فَقَتَلْنَاهُ،
وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَةَ) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ:
فِيهِ إِبَاحَةُ الْمُبَادَرَةِ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ،
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِهَا إِذَا أَذِنَ
الْإِمَامُ، وَاخْتَلَفُوا فِيهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ عَنْ
إِذْنِ الْإِمَامِ فَجَوَّزَهُمَا جَمَاعَةٌ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ; لِأَنَّ الْأَنْصَارَ
كَانُوا قَدْ خَرَجُوا، وَأَقْبَلَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ
وَعُبَيْدَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. إِذَا عَجَزَ
وَاحِدٌ عَنْ قِرْنِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا
يُعِينُونَهُ ; لِأَنَّهُ الْمُبَارَزَةُ إِنَّمَا تَكُونُ
هَكَذَا. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) : قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَهَذَا
أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي السِّيَرِ
مِنْ أَنَّ الَّذِي بَارَزَ الْوَلِيدَ عَلِيٌّ هُوَ
الْمَشْهُورُ، وَهُوَ اللَّائِقُ، بِالْمَقَامِ ; لِأَنَّ
عُبَيْدَةَ وَشَيْبَةَ كَانَا شَيْخَيْنِ كَعُتْبَةَ
وَحَمْزَةَ بِخِلَافِ عَلِيٍّ وَالْوَلِيدِ، فَكَانَا
شَابَّيْنِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَعَنْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ
عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ
عُتْبَةَ، فَلَمْ يَعِبِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْنَا ذَلِكَ» ، وَهُوَ
مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَقِيَّةُ الْقَضِيَّةِ فِي الْمَوَاهِبِ
اللَّدُنِّيَّةِ.
(6/2544)
3958 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي
سَرِيَّةٍ، فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَأَتَيْنَا
الْمَدِينَةَ، فَاخْتَفَيْنَا بِهَا، وَقُلْنَا: هَلَكْنَا
"، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
نَحْنُ الْفَرَّارُونَ. قَالَ: " بَلْ أَنْتُمُ
الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ» " رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ نَحْوَهُ
وَقَالَ: " «لَا، بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ " قَالَ:
فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَقَالَ: " أَنَا فِئَةُ
الْمُسْلِمِينَ» ".
وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
كَانَ يَسْتَفْتِحُ. وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ "
ابْغُونِي فِي ضُعَفَائِكُمْ " فِي بَابِ " فَضْلِ
الْفُقَرَاءِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3958 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ، فَحَاصَ النَّاسُ
حَيْصَةً) : قَالَ الْقَاضِي: أَيْ فَمَالُوا مَيْلَةً
مِنَ الْحَيْصِ وَهُوَ الْمَيْلُ، فَإِنْ أَرَادَ
بِالنَّاسِ أَعْدَاءَهُمْ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْحَمْلَةُ
; أَيْ حَمَلُوا عَلَيْنَا حَمْلَةً وَجَالُوا جَوْلَةً
فَانْهَزَمْنَا عَنْهُمْ، (فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ) :
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ السَّرِيَّةَ فَمَعْنَاهَا الْفِرَارُ
وَالرَّجْعَةُ ; أَيْ: مَالُوا عَنِ الْعَدُوِّ
مُلْتَجِئِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} [النساء:
121] ; أَيْ مَهْرَبًا، وَيُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الثَّانِيَ
قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ حَاصَ عَنْهُ عَدَلَ وَحَادَ،
يُقَالُ لِلْأَوْبِيَاءِ: حَاصُوا عَنِ الْأَعْدَاءِ
وَلِلْأَعْدَاءِ انْهَزَمُوا. وَفِي الْفَائِقِ: فَحَاصَ
حَيْصَةً ; أَيِ انْحَرَفَ وَانْهَزَمَ، وَرَوَى: فَجَاضَ
جَيْضَةً بِالْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ
الْحَيْدُودَةُ حَذَرًا. وَفِي النِّهَايَةِ: فَحَاصَ
الْمُسْلِمُونَ حَيْصَةً ; أَيْ جَالُوا جَوْلَةً
يَطْلُبُونَ الْفِرَارَ. (فَاخْتَفَيْنَا بِهَا) : أَيْ
فِي الْمَدِينَةِ حَيَاءً (وَقُلْنَا) : أَيْ فِي
أَنْفُسِنَا، أَوْ لِبَعْضِنَا (هَلَكْنَا) : أَيْ
عَصَيْنَا بِالْفِرَارِ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ مُطْلَقَ
الْفِرَارِ مِنَ الْكَبَائِرِ، ( «ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(6/2544)
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَحْنُ
الْفَرَّارُونَ. قَالَ: " أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ» ) :
أَيِ الْكَرَّارُونَ إِلَى الْحَرْبِ وَالْعَطَّافُونَ
نَحْوَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَمَعْنَاهُ
الرَّجَّاعُونَ إِلَى الْقِتَالِ (وَأَنَا فِئَتُكُمْ) :
فِي النِّهَايَةِ: الْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ
فِي الْأَصْلِ، وَالطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُومُ وَرَاءَ
الْجَيْشِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَوْفٌ، أَوْ
هَزِيمَةٌ الْتَجَئُوا إِلَيْهِ، وَفِي الْفَائِقِ: ذَهَبَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
قَوْلِهِ: أَنَا فِئَتُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
{أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] يُمَهِّدُ
بِذَلِكَ عُذْرَهُمْ فِي الْفِرَارِ ; أَيْ تَحَيَّزْتُمْ
إِلَيَّ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ فَرَّ مِنْ
ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ
فَقَدْ فَرَّ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ
الْكَبَائِرِ، فَمَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ
أَنْ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فِي الْفِرَارِ ; لِأَنَّهُ
عَاصٍ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ اهـ. وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى
مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ نَحْوَهُ
وَقَالَ: " لَا بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ " قَالَ) :
أَيِ ابْنُ عُمَرَ ( «فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ
فَقَالَ: أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ» ) .
(وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أُمَيَّةَ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ
عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ يَسْتَفْتِحُ) : أَيْ يَطْلُبُ
الْفَتْحَ وَالنُّصْرَةَ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ
(وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: ابْغُونِي) : أَيِ
اطْلُبُوا رِضَايَ (فِي ضُعَفَائِكُمْ) : تَمَامُهُ:
فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ، أَوْ تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ
(فِي بَابِ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى) .
(6/2545)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3959 - عَنْ ثَوْبَانَ بْنِ يَزِيدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ
الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3959 - (عَنْ ثَوْبَانَ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ) : صَوَابُهُ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، فَإِنَّهُ كَذَا
فِي شَرْحِ ابْنِ الْهُمَامِ، وَكَذَا فِي أَسْمَاءِ
الرِّجَالِ لِلْمُغْنِي، وَكَذَا فِي تَحْرِيرِ
الْمُشْتَبَهِ لِلْعَسْقَلَانِيِّ، وَكَذَا فِي أَصْلِ
الْجَامِعِ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنَ
التَّقْرِيبِ وَالْكَشْفِ، بَلْ ثَوْبَانُ بْنُ يَزِيدَ
لَا يُوجَدُ ذِكْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ: ثَوْرُ بْنُ
يَزِيدَ كَلَاعِيٌّ شَامِيٌّ حِمْصِيٌّ، سَمِعَ خَالِدَ
بْنَ مَعْدَانَ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ
لَهُ ذِكْرٌ فِي بَابِ الْمَلَاحِمِ لَكِنْ مَا
وَجَدْنَاهُ فِي بَابِ الْمَلَاحِمِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ
بَعْدَهُ فِي بَابِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَلَفْظُهُ: عَنْ
ثَوْبَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ ابْنِ يَزِيدَ، وَلَا شَكَّ
أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي
آخِرِ الْحَدِيثِ مُرْسَلًا. (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ) :
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِكَسْرِ وَفَتْحِ الْجِيمِ آلَةٌ
يُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ مُعَرَّبَةٌ، وَقَدْ
تُذَكَّرُ، فَارِسِيَّتُهَا مِنْ جَهْ نِيكَ ; أَيْ مَا
أَجْوَدَنِي كَذَا فِي الْقَامُوسِ. (عَلَى أَهْلِ
الطَّائِفِ) : أَيْ بِلَادِ ثَقِيفٍ فِي وَادٍ، أَوَّلُ
قُرَاهَا لُقَيْمُ، وَآخِرُهَا الْوَهْطُ سُمِّيَتْ بِهِ ;
لِأَنَّهَا طَافَتْ عَلَى الْمَاءِ فِي الطُّوفَانِ، أَوْ
لِأَنَّ جِبْرِيلَ طَافَ بِهَا عَلَى الْبَيْتِ، أَوْ
لِأَنَّهَا كَانَتْ بِالشَّامِ، فَنَقَلَهَا اللَّهُ
تَعَالَى إِلَى الْحِجَازِ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ. (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا) : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُعْضَلًا، فَإِنَّهُ قَالَ
قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ ثَوْرِ
بْنِ يَزِيدَ الْحَدِيثَ. قُلْتُ لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا
الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، عَنْ
مَكْحُولٍ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي
الطَّبَقَاتِ، وَزَادَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَذَكَرَهُ
الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَشَارَ
بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ.
(6/2545)
|