مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ
مُضْطَرًّا لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ]
(7/2741)
(2) بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ
مُضْطَرًّا لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ
وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ
الْفَصْلُ الثَّانِي
4261 - «عَنِ الْفُجَيْعِ الْعَامِرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ
الْمِيتَةِ؟ ، قَالَ: " مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَ:
نَغْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ ". قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ:
فَسَّرَهُ لِي عُقْبَةُ: قَدَحٌ غُدْوَةً، وَقَدَحٌ
عَشِيَّةً. قَالَ: " ذَاكَ وَأَبِي الْجُوعُ "، فَأَحَلَّ
لَهُمُ الْمَيْتَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(2) بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا
لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ
وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ
الْفَصْلُ الثَّانِي
4261 - (عَنِ الْفُجَيْعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) :
بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحَ الْجِيمِ وَسُكُونِ
التَّحْتِيَّةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا
ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَالْمُغَنِي، وَفِي نُسْخَةٍ
بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ
(الْعَامِرِيِّ) : مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي عَامِرٍ وَفَدَ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَعَ قَوْمِهِ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْهُ وَهْبُ
بْنُ عُقْبَةَ (أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لَنَا؟) :
بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَا يَجُوزُ
لَنَا أَنْ نَأْكُلَ (مِنَ الْمَيْتَةِ؟) : وَنَحْنُ
الْقَوْمُ الْمُضْطَرُّونَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:
هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ
الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ: " مَا يُحِلُّ لَنَا
الْمَيْتَةَ؟ " يَعْنِي بِضَمِّ الْيَاءِ وَهَذَا أَشْبَهُ
بِنَسَقِ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يَقَعْ
عَنِ الْمِقْدَارِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ، وَإِنَّمَا
وَقَعَ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى
الْإِبَاحَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ: السُّؤَالُ
لَمْ يَقَعْ عَنِ الْمِقْدَارِ نَظَرٌ إِذْ لَا
يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى بِدُونِهِ، وَهَلْ يَصِحُّ
تَفْسِيرُ عُقْبَةَ: قَدَحٌ غُدْوَةً وَقَدَحٌ عَشِيَّةً
إِلَّا عَلَى هَذَا، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَوْمَ جَاءُوا
يَشْكُونَ الْجُوعَ، وَأَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَسُدُّ
بِهِ جَوْعَتَهُمْ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي
يَلِيهِ: " إِنَّمَا نَكُونُ بِأَرْضٍ فَتُصِيبُنَا بِهَا
الْمَخْمَصَةُ "، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَا عِنْدَنَا
مَا نَسُدُّ بِهِ جَوْعَتَنَا، فَمَا مِقْدَارُ مَا
يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ وَلِهَذَا سَأَلَ عَنْ
مِقْدَارِ طَعَامِهِمْ، فَأَجَابُوا: قِدْرُ لَبَنٍ
غُدْوَةً وَقَدَحُ لَبَنِ عَشِيَّةً، فَلَمَّا سَمِعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
هَذَا فَوْرَ جُوعِهِمْ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
" ذَاكَ وَأَبِي الْجُوعُ "، فَأَبَاحَ لَهُمْ مِقْدَارَ
مَا يَسُدُّ بِهِ جَوْعَتَهُمْ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْمِقْدَارِ تَفْسِيرُ أَبِي
نُعَيْمٍ قَدَحٌ غُدْوَةً وَقَدَحٌ عَشِيَّةً لِقَوْلِهِ:
نَغْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ. أَيْ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ:
هُوَ قَدَحٌ غُدْوَةً، وَجُعِلَ اللَّبَنُ طَعَامًا
لِأَنَّهُ يُجْزِي عَنْهُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي
بَابِ الْأَشْرِبَةِ اهـ.
وَقَدْ أَغْرَبَ فِي كَلَامِهِ حَيْثُ لَمْ يُفْهَمْ أَنَّ
مَقْصُودَ الشَّيْخِ فِي الْبَحْثِ اللَّفْظِيِّ
الْمُتَعَلِّقِ بِقَوْلِهِ: " يَحِلُّ "، فَأَنْكَرَهُ،
وَتَبِعَهُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ الَّذِي قَالَ بِهِ
الشَّيْخُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ الْكُلِّ أَنَّ
مِقْدَارَ الْإِحْلَالِ هُوَ الْقَدَحَانِ، وَهُوَ
إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: "
مَا يُحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةَ؟ " كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَا
عَلَى رِوَايَةِ الْكِتَابِ، وَهُوَ " مَا يَحِلُّ لَنَا
مِنَ الْمَيْتَةِ؟ "، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَيُّ مِقْدَارٍ
مِنَ الْمَيْتَةِ يَحِلُّ لَنَا، وَلَيْسَ الْكَلَامُ
فِيهِ اتِّفَاقًا، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَكَلَّفَ فِي
الْجَوَابِ عَنْ رِوَايَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُرَادَ
بِمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ هِيَ الْحَالَةُ، فَالْمَعْنَى
حَالَةٌ يَحِلُّ لَنَا فِيهَا بَعْضُ الْمَيْتَةِ عَلَى
أَنَّ " مِنْ " تَبْعِيضِيَّةٌ، أَوِ الْمَيْتَةُ عَلَى
أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ،
وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ: " فَمَتَى يَحِلُّ
لَنَا الْمَيْتَةُ؟ " أَيْ أَكْلُهَا، فَلَمَّا تَقَرَّرَ
السُّؤَالُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ (قَالَ) : فِي
تَحْقِيقِ الْحَالِ (مَا طَعَامُكُمْ؟) : أَيْ مَا
مِقْدَارُ مَذُوقِكُمُ الَّذِي تَجِدُونَهُ، فَإِنَّ
الْمُضْطَرَّ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا حُكْمُهُ
مَعْلُومٌ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى السُّؤَالِ (قُلْنَا:
نَغْتَبِقُ) : بِسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ
(وَنَصْطَبِحُ) : بِإِبْدَالِ التَّاءِ طَاءً أَحُطُّ
مَرَّةً فِي الْعَشَاءِ وَمَرَّةً فِي الْغَدَاءِ،
وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْعَشَاءَ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ
وَالِاهْتِمَامُ بِهِ أَتَمُّ. وَفِي النِّهَايَةِ:
الصَّبُوحُ الْغَدَاءُ وَالْغَبُوقُ الْعَشَاءُ،
وَأَصْلُهُمَا فِي الشَّرَابِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَا فِي
الْأَكْلِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُمَا
مُسْتَعْمَلَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى أَصْلِهِمَا،
وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَيُسْتَعْمَلَانِ فِي
الْأَكْلِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ إِطْلَاقُ الِاغْتِبَاقِ،
وَالِاصْطِبَاحِ مُشْكِلًا، فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَدْ
يَعِيشُ بِهِمَا عَلَى وَجْهِ الشِّبَعِ عُمْرًا طَوِيلًا،
فَكَيْفَ تَكُونُ حَالَةُ الِاضْطِرَارِ؟ .
(قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ) : أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ
(فَسَّرَهُ لِي) : أَيْ بَيَّنَ الْمُرَادَ مِمَّا ذُكِرَ
مِنَ الْفِعْلَيْنِ، وَأَوَّلَهُ لِأَجْلِي (عُقْبَةُ) :
يَعْنِي شَيْخَهُ وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ أَيْضًا
(قَدَحٌ) : أَيْ مِلْءَ قَدَحٍ مِنَ اللَّبَنِ (غُدْوَةً،
وَقَدَحٌ عَشِيَّةً) : فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ
نَشْرَبُ وَقْتَ الصَّبَاحِ قَدَحًا، وَوَقْتَ الْعَشَاءِ
قَدَحًا (قَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ذَاكَ وَأَبِي الْجُوعُ) : قِيلَ:
(7/2742)
وَلَعَلَّ هَذَا الْحَلِفَ قَبْلَ
النَّهْيِ عَنِ الْقَسَمِ بِالْآبَاءِ، أَوْ كَانَ عَلَى
سَبِيلِ الْعَادَةِ بِلَا قَصْدٍ إِلَى الْيَمِينِ، وَلَا
قَصْدٍ إِلَى تَعْظِيمِ الْأَبِ، كَمَا فِي: لَا وَاللَّهِ
وَبَلَى وَاللَّهِ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: هِيَ كَلِمَةٌ
جَاءَ بِهَا عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ، يَسْتَعْمِلُهَا
كَثِيرٌ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ يُرِيدُ بِهَا التَّوْكِيدَ.
قُلْتُ: وَهُوَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعِيدٌ جِدًّا، فَالْأَوَّلُ هُوَ
الْمُعَوَّلُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَ " أَبِي " جُمْلَةُ
قَسَمِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ
وَالْخَبَرِ الدَّالَّيْنِ عَلَى الْجَوَابِ يَعْنِي
مُجْمَلًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ الشُّرْبُ الَّذِي
تَقُولُونَ قَلِيلٌ تَجُوعُونَ فِيهِ وَتَحْتَاجُونَ إِلَى
الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ التَّصْرِيحُ
بِقَوْلِهِ: (فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ عَلَى هَذِهِ
الْحَالِ) . قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَقَدْ تَمَسَّكَ
بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ مَعَ
أَدْنَى شِبَعٍ، وَالتَّنَاوُلَ مِنْهُ عِنْدَ
الِاضْطِرَارِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ، وَقَدْ خَالَفَ
عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ، وَالْأَمْرُ
الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الْمَيْتَةَ هُوَ الِاضْطِرَارُ،
وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ مَا يَتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ
الْغَبُوقِ وَالصَّبُوحِ فَيُمْسِكُ الرَّمَقَ،
فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: الِاغْتِبَاقُ بِقَدَحٍ
وَالِاصْطِبَاحُ بِآخَرَ كَانَا عَلَى سَبِيلِ
الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْقَوْمِ كُلِّهِمْ، وَمِنَ
الدَّلِيلِ عَلَيْهِ قَوْلُ السَّائِلِ: (مَا يَحِلُّ
لَنَا؟) كَأَنَّهُ كَانَ وَافِدَ قَوْمِهِ فَلَمْ يَسْأَلْ
لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، وَكَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا طَعَامُكُمْ؟) ،
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْقَوْمَ مُضْطَرُّونَ
إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِعَدَمِ الْغِنَى فِي إِمْسَاكِ
الرَّمَقِ بِمَا وَصَفَهُ مِنَ الطَّعَامِ، أَبَاحَ لَهُمْ
تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ. هَذَا
وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. قَالَ
الْخَطَّابِيُّ: الْقَدَحُ مِنَ اللَّبَنِ بِالْغُدْوَةِ
وَالْقَدَحُ بِالْعَشِيِّ يُمْسِكُ الرَّمَقَ وَيُقَيِّمُ
النَّفْسَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِعُ الشِّبَعَ
التَّامَّ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ
تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ، وَكَانَ دَلَالَتَهُ أَنَّ
تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ مُبَاحٌ إِلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنَ
الْقُوتِ الشِّبَعِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ
وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ
إِلَّا قَدْرَ مَا يُمْسِكُ بِهِ رَمَقَهُ وَهُوَ
الْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ اهـ. وَأَغْرَبَ فِي
قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لَا يَشْبَعُ الشِّبَعَ التَّامَّ
حَيْثُ يَشْعُرُ بِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ يَحِلُّ مَعَ
الشِّبَعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَامًّا، وَلَا أَظُنُّ
أَحَدًا قَالَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَدْ أَبَاحَ
اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ ;
فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنَ
الْحَالِ فَمَمْنُوعٌ، إِذْ لَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَى
ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مَعَ الْحَدِيثِ
الْمَذْكُورِ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ
بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ وَمُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ
كَمَا سَبَقَ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَتِمُّ
الِاسْتِدْلَالُ، لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ
عَلَى أَنَّ الْقَاعِدَةَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عَلَى
الْمُبَاحِ احْتِيَاطًا، وَقَدْ خَطَرَ بِالْبَالِ -
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ - أَنَّ الْحَدِيثَ
الْأَوَّلَ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّائِرِينَ
الْمُسَافِرِينَ الْمُضْطَرِّينَ إِلَى سَيْرِهِمْ، وَلَا
شَكَّ أَنَّ شُرْبَ الْقَدَحَيْنِ لَا سِيَّمَا إِذَا
كَانَا صَغِيرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ قَلِيلٌ
جِدًّا لَا يَسُدُّ مَسَدَّ شَيْءٍ لِاحْتِرَاقِهِ
بِحَرَارَةِ حَرَكَةِ الْمَشْيِ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي
بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَاطِنِينَ فِي
أَمَاكِنِهِمْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسُدُّ مَسَدَّ رَمَقِهِمْ
عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّاسَ
مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ ; فَبَعْضُهُمْ يَصُومُونَ
وِصَالًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ إِلَى أَرْبَعِينَ
فَصَاعِدًا لَا يَشْرَبُونَ إِلَّا مَاءً، أَوْ
يَأْكُلُونَ لَوْزَةً، وَبَعْضُهُمْ لَهُمْ قُوَّةُ
الشَّهِيَّةِ بِحَيْثُ يَأْكُلُونَ غَنَمًا أَوْ بَقَرًا،
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ
السَّائِلَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ هُوَ الْوَافِدُ،
وَفِي الثَّانِي قَالَ سَائِلُهُمْ: إِنَّمَا نَكُونُ
بِأَرْضٍ فَتُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ، وَاللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا
الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
(7/2743)
4262 - وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ،
«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا
نَكُونُ بِأَرْضٍ فَتُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ،
فَمَتَى يَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: " مَا
تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا بِهَا
بَقْلًا، فَشَأْنَكُمْ بِهَا " مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ
تَجِدُوا صَبُوحًا أَوْ غَبُوقًا وَلَمْ تَجِدُوا بَقْلَةً
تَأْكُلُونَهَا حَلَّتْ لَكُمُ الْمَيْتَةُ» . رَوَاهُ
الدَّارِمِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4262 - (وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- (اللَّيْثِيِّ) : صَحَابِيٌّ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ،
مَاتَ بِمَكَّةَ. (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ! إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضٍ فَتُصِيبُنَا بِهَا
الْمَخْمَصَةُ) : أَيِ الْمَجَاعَةُ (فَمَتَى تَحِلُّ
لَنَا الْمَيْتَةُ؟) قَالَ: " مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ
تَغْتَبِقُوا) : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ " أَوْ "
لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ مَا
لَمْ يَجِدُوا أَحَدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ،
أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَلَكِ
حَيْثُ قَالَ: أَيْ لَمْ تَجِدُوا صَبُوحًا وَلَا
غَبُوقًا،
(7/2743)
(أَوْ تَحْتَفِئُوا) : بِهَمْزَةٍ
مَضْمُومَةٍ أَيْ أَوْ لَمْ تَعْتَلِفُوا (بِهَا) : أَيْ
مِنَ الْأَرْضِ (بَقْلًا، فَشَأْنَكُمْ) : بِالنَّصْبِ
أَيِ الْزَمُوا شَأْنَكُمْ (بِهَا) : أَيْ بِالْمَيْتَةِ،
فَإِنَّهَا حَلَّتْ لَكُمْ حِينَئِذٍ. وَفِي النِّهَايَةِ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: صَوَابُهُ مَا لَمْ
يُحْتِفُوا بِغَيْرِ هَمْزٍ مِنْ إِحْفَاءِ الشَّعْرِ،
وَمَنْ قَالَ تَحْتَفِئُوا مَهْمُوزًا مِنَ الْحَفَأِ
وَهُوَ الْبَرْدِيُّ فَبَاطِلٌ، فَإِنَّ الْبَرْدِيَّ
لَيْسَ مِنَ الْبُقُولِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مِنَ
الْحَفَأِ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ وَهُوَ أَصْلُ الْبَرْدِيِّ
الْأَبْيَضِ الرَّطْبِ مِنْهُ، وَقَدْ يُؤْكَلُ
بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ تَعْتَلِفُوا، وَهَذَا بِعَيْنِهِ
فَيَأْكُلُونَهُ، وَيُرْوَى " مَا لَمْ تَحْتَفُّوا "
بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنِ احْتَفَفْتُ الشَّيْءَ إِذَا
أَخَذْتَهُ كُلَّهُ كَمَا تَحُفُّ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا
مِنَ الشَّعْرِ.
وَيُرْوَى مَا لَمْ يَحْتَفُوا بَقْلًا أَيْ: يَقْلَعُوهُ
وَيَرْمُوا بِهِ مِنْ حَفَأَتِ الْقِدْرُ إِذَا رَمَيْتَ
بِمَا يَجْتَمِعُ عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الزَّبَدِ
وَالْوَسَخِ، وَيُرْوَى بِالْخَاءِ يُقَالُ: خَفَيْتُ
الشَّيْءَ إِذَا أَظْهَرْتَهُ وَأَخْفَيْتُهُ إِذَا
سَتَرْتَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: " أَوْ " فِي
الْقَرِينَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى
الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عُذْرًا أَوْ
نُذْرًا} [المرسلات: 6] ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هِيَ
بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخِلَالِ
الثَّلَاثِ حَتَّى يَحِلَّ تَنَاوُلُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ،
وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ،
وَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا عَلَيْهِ
ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ حَيْثُ
قَالَ: إِذَا اصْطَبَحَ الرَّجُلُ أَوْ تَغَدَّى بِطَعَامٍ
لَمْ يَحِلَّ لَهُ نَهَارَهُ ذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةَ،
وَكَذَلِكَ إِذَا تَعَشَّى أَوْ شَرِبَ غَبُوقًا لَمْ
تَحِلَّ لَهُ لَيْلَتَهُ تِلْكَ لِأَنَّهُ يَتَبَلَّغُ
بِتِلْكَ الشَّرْبَةِ اهـ.
وَالِاخْتِلَافُ اللَّاحِقُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ
السَّابِقِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ إِطْلَاقِ
الِاصْطِبَاحِ وَالِاغْتِبَاقِ هُنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ
عَلَى وَجْهِ الشِّبَعِ فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ فِي
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الِاصْطِبَاحِ وَالِاغْتِبَاقِ
الْمُؤَوَّلِ بِالْقَدَحَيْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ
أَنَّهُمَا مِمَّا لَا يُكْتَفَى بِهِمَا فِي دَفْعِ
الْجُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِهِ أَيْضًا يَحْصُلُ
الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَتَدَبَّرْ،
وَيُسْتَفَادُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ
بَعْضِهِمْ إِذَا كَانَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ،
فَإِنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ: فَإِذَا اجْتَمَعَتِ
الْخِلَالُ الثَّلَاثُ لَمْ تَحِلَّ الْمَيْتَةُ وَإِلَّا
حَلَّتْ فَيُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي
حِلِّهَا مَعَ اجْتِمَاعِ الصَّبُوحِ وَالْغَبُوقِ،
وَكَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ " أَوْ " لِأَحَدِ
الْأَمْرَيْنِ أَيْ مَا دَامَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ
الثَّلَاثَةِ أَيْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى حَدِّ
{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:
24] ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى
الْوَاوِ لِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ،
وَالْمَعْنَى فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ أَيْ
بِطَرِيقِ الشِّبَعِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ، ثُمَّ
رَأَيْتُ شَارِحًا لِلْمَصَابِيحِ مِنْ عُلَمَائِنَا
ذَهَبَ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إِلَى
نَحْوِ مَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ فِيمَا حَرَّرْتُهُ فَقَالَ:
وَقِيلَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ "
نَغْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ " أَنَّ غَايَةَ مَا نَتَعَشَّى
بِهِ وَنَتَغَدَّى فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، قَدَحٌ فِي
الْعَشَاءِ، وَقَدَحٌ فِي الْغَدَاءِ، وَيُشْعِرُ بِهِ
قَوْلُهُ: " مَا طَعَامُكُمْ؟ "، فَإِنَّهُ يَدُلُّ
عُرْفًا عَلَى السُّؤَالِ عَمَّا هُوَ الْغَالِبُ
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي أَغْلَبِ
الْأَوْقَاتِ يُفْضِي إِلَى مُكَابَدَةِ الْجُوعِ
وَتَحَلُّلِ الْبَدَنِ وَتَعَطُّلِ الْجَوَارِحِ ; وَلِذَا
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكَ
وَأَبِي الْجُوعُ " وَأَلْحَقَهُمْ بِالْمُضْطَرِّينَ
وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ، وَأَرَادَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ (مَا
لَمْ يَصْطَحِبُوا) . . الَخْ فِي زَمَانِ الْمَخْمَصَةِ
الَّتِي تُصِيبُهُمْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَحَالٍ
دُونَ حَالٍ، أَوْ بِالِاغْتِبَاقِ وَالِاصْطِبَاحِ
تَنَاوَلَ مَا يُشْبِعُهُمْ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ،
فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيهِمْ وَيَحْفَظُ قُوَاهُمْ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَوْلُهُ: " مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا "
" مَا " لِلْمُدَّةِ، وَالْعَامِلُ مَحْذُوفٌ، كَأَنَّهُ
قِيلَ: يَحِلُّ لَكُمْ مُدَّةَ عَدَمِ اصْطِبَاحِكُمْ. .
الَخْ. وَالْفَاءُ فِي " فَشَأْنَكُمْ " جَزَاؤُهُ أَيْ:
مَهْمَا فَقَدْتُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَالْتَزِمُوا
تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا}
[المائدة: 4] ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ مَسْرُوقٌ:
" مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ
الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى
يَمُوتَ دَخَلَ النَّارَ " قَالَ مَعْمَرٌ: وَلَمْ
يُسْمَعْ فِي الْخَمْرِ رُخْصَةٌ ". قُلْتُ: وَقَدْ
صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا أَيْضًا بِمَا سَبَقَ، وَإِذَا
ثَبَتَ جَوَازُ شُرْبِ الدَّمِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ مَعَ
نَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:
145] ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْخَمْرِ، مَعَ
أَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا، فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ،
وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ فِي
الْحَلْقِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ
غَيْرِهَا. (رَوَاهُ الدَّارِمِيِّ) . وَهَذَا الْبَابُ
خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ.
(7/2744)
|