مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ الْأَسَامِي]
(7/2994)
(8) بَابُ الْأَسَامِي
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4750 - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ!
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[8] بَابُ الْأَسَامِي
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، فَإِنَّ
الْأَسْمَاءَ جَمْعُ اسْمٍ، وَكَذَا أَسَامِيُّ وَأَسَامٍ
عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، فَأَسَامِيُّ عَلَى وَزْنِ
أَفَاعِيلَ وَأَسَامٍ عَلَى وَزْنِ أَفَاعِلَ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4750 - (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي السُّوقِ) أَيْ: قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا أَوْ مَارًّا
(فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَالْتَفَتَ
إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَقَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ (إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا)
أَيْ: وَأَشَارَ إِلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: سَمُّوا بِاسْمِي) : يَعْنِي فَإِنَّهُ لَا
يُوجِبُ الِالْتِبَاسَ؛ لِأَنَّكُمْ مَنْهِيُّونَ عَنْ
دُعَائِي بِاسْمِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا
دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ
بَعْضًا} [النور: 63] ، وَلِلتَّعْلِيمِ الْعَقْلِيِّ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ؛ حَيْثُ مَا خَاطَبَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَلَامِهِ إِلَّا
بِيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ
الْأَنْبِيَاءِ؛ حَيْثُ نَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ،
وَقَالَ: يَا آدَمُ! وَيَا إِبْرَاهِيمُ! وَيَا مُوسَى!
وَيَا عِيسَى! (وَلَا تَكْتَنُوا) : مِنْ بَابِ
الِافْتِعَالِ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَا تُكَنُّوا بِضَمِّ
التَّاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنَ التَّكْنِيَةِ مِنْ
بَابِ التَّفْعِيلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَالْكُلُّ لُغَاتٌ. وَفِي رِوَايَةِ
الطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَا تَكَنَّوْا.
(بِكُنْيَتِي) ؛ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ مِنْ بَابِ
التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ، بِخِلَافِ الِاسْمِ
الْمُجَرَّدِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقَعَ
الِالْتِبَاسُ حِينَ مُنَادَاةِ بَعْضِ النَّاسِ، ثُمَّ
اعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا:
الْعَلَمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْعِرًا بِمَدْحٍ أَوْ
ذَمٍّ وَهُوَ اللَّقَبُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ،
فَإِمَّا أَنْ يُصَدَّرَ بِأَبٍ أَوِ ابْنٍ وَهُوَ
الْكُنْيَةُ، أَوْ لَا وَهُوَ الِاسْمُ، فَاسْمُهُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَلَقَبُهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا
كُنِّيَ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(7/2995)
4751 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: " «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا
بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا
أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4751 - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
" «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا» ) : مِنْ بَابِ
الِافْتِعَالِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ وَلَا تَكَنَّوْا،
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا وَأَنْ يَكُونَ
مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ (بِكُنْيَتِي) أَيِ:
الْمَخْصُوصَةِ بِي، قِيلَ: مَذْهَبُ الْعَرَبِ فِي
الْعُدُولِ عَنِ الِاسْمِ إِلَى الْكُنْيَةِ هُوَ
التَّوْقِيرُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْكُنْيَةُ لَفْظًا
يَتَأَذَّى مِنْهُ الْمَدْعُوُّ بِهِ، وَلِمَا كَانَ مِنْ
حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِيمَا يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ أَنْ لَا
يُشَارِكَهُ فِيهِ أَحَدٌ كُرِهَ أَنْ يُكَنَّى أَحَدٌ
بِكُنْيَتِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا
دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ
بَعْضًا} [النور: 63] ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى
قَوْلُهُ: (فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ) :. أَيْ:
جَعَلَنِي اللَّهُ (قَاسِمًا) : وَفِي رِوَايَةِ
الْجَامِعِ: إِنَّمَا بُعِثْتُ قَاسِمًا (لِأَقْسِمَ
بَيْنَكُمْ) أَيِ: الْعِلْمَ وَالْغَنِيمَةَ
وَنَحْوَهُمَا. وَقِيلَ: الْبِشَارَةُ لِلصَّالِحِ
وَالنِّذَارَةُ لِلطَّالِحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ
قِسْمَةُ الدَّرَجَاتِ وَالدَّرَكَاتِ مُفَوَّضَةً
إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا
مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَذْفُ
الْمَفْعُولِ لِتَذْهَبَ أَنْفُسُهُمْ كُلَّ الْمَذْهَبِ،
وَيَشْرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَشْرَبِ،
وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً فِي
حَقِّكُمْ، بَلْ مُجَرَّدُ اسْمٍ لَفْظًا وَصُورَةً فِي
شَأْنِكُمْ وَشَأْنِ أَوْلَادِكُمْ، وَالْحَاصِلُ أَنِّي
لَسْتُ أَبَا الْقَاسِمِ بِمُجَرَّدِ أَنَّ وَلَدِي كَانَ
مُسَمًّى بِقَاسِمٍ، بَلْ لُوحِظَ فِي مَعْنَى
الْقَاسِمِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ
فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ،
فَلَسْتُ كَأَحَدِكُمْ لَا فِي الذَّاتِ، وَلَا فِي
الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَبُو
الْقَاسِمِ نَظِيرَ قَوْلِ الصُّوفِيَّةِ: الصُّوفِيُّ
أَبُو الْوَقْتِ أَيْ: صَاحِبُهُ وَمُلَازِمُهُ الَّذِي
لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، فَمَعْنَى أَبِي الْقَاسِمِ صَاحِبُ
هَذَا الْوَصْفِ، كَمَا يُقَالُ: أَبُو الْفَضْلِ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مُسَمًّى بِالْفَضْلِ،
وَمُجْمَلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْكُنْيَةَ تَرْجِعُ إِلَى
مَعْنَى اللَّقَبِ الْمَحْمُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: النَّهْيُ مَخْصُوصٌ بِحَيَاتِهِ لِئَلَّا
يَلْتَبِسَ خِطَابُهُ بِخِطَابِ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَبَبِ وُرُودِ النَّهْيِ
فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ بِالصَّرِيحِ،
وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ
أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِحَيَاتِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الطِّيبِيُّ:
اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ.
(7/2995)
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَ
اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَوْ أَحَمَدَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
اسْمٌ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ
يَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى،
إِمَّا بِوَحْيٍ إِلَيْهِ وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمُ
الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا فِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ
وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ
يُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَنَعَ أَنْ يُكَنَّى
بِهِ غَيْرُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ. قَالَ الْقَاضِي:
هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، أَمَّا
لَوْ كُنِّيَ بِهِ أَحَدٌ لِلنِّسْبَةِ إِلَى ابْنٍ لَهُ
اسْمُهُ قَاسِمٌ، أَوْ لِلْعَلَمِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ
جَازَتْ وَيَدُلُّكَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ
لِلنَّهْيِ. قُلْتُ: لَكِنْ يَأْبَى عَلَيْكَ مَا سَبَقَ
مِنْ سَبَبِ الْوُرُودِ الْمَسْطُورِ لِلنَّهْيِ. قَالَ:
وَثَانِيهَا: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي بَدْءِ
الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ فَيُبَاحُ التَّكَنِّي الْيَوْمَ
بِأَبِي الْقَاسِمِ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ فِيهِ مِنِ
اسْمِهِ مُحَمَّدٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَعِلَّتُهُ الْتِبَاسُ
خِطَابِهِ بِخِطَابِ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
نَهْيُهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَقِيبَ مَا سَمِعَ
رَجُلًا يَقُولُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَالْتَفَتَ
إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ:
إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا، وَمَا رُوِيَ فِي الْفَصْلِ
الثَّانِي «عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ
وَلَدٌ أُسْمِيهِ مُحَمَّدًا، وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ.
قَالَ: نَعَمْ» . أَقُولُ: دَعْوَى النَّسْخِ مَمْنُوعَةٌ؛
لِأَنَّهَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ
يُقَالَ: يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ،
وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِبَاهُ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ
فِي حَالِ الْحَيَاةِ. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ
السَّلَفِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ.
وَثَالِثُهَا: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَإِنَّمَا
كَانَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ وَالْأَدَبِ لَا
لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَرِيرٍ. قُلْتُ: وَهُوَ
خِلَافُ الْأَصْلِ فِي أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ، لَا
سِيَّمَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى لَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ فِي
بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِنْ حَيَاتِهِ، عَلَى أَنَّهُ
عَلَّلَ النَّهْيَ بِعِلَّةٍ دَالَّةٍ عَلَى اخْتِصَاصِ
الِاسْمِ بِهِ حَالَ وُجُودِهِ قَالَ:
وَرَابِعُهَا: أَنَّ النَّهْيَ لِلْجَمْعِ وَلَا بَأْسَ
بِالْكُنْيَةِ وَحْدَهَا لِمَنْ لَا يُسَمِّي وَاحِدًا
مِنَ الِاسْمَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ
اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: اشْرَبِ
اللَّبَنَ، وَلَا تَأْكُلِ السَّمَكَ أَيْ: حِينَ
شَرِبْتَهُ، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ
بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ.
قُلْتُ: هَذَا مَعَ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثَيْنِ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا مِنْ جَوَازِ التَّسْمِيَةِ،
وَمَنْعُ التَّكْنِيَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ
مُقَارَنًا بِالتَّسْمِيَةِ، أَوْ مُفَارِقًا لَهَا لَا
يُلَائِمُهُ سَبَبُ وُرُودِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ، وَلَا يُنَاسِبُهُ الْعِلَّةُ الْمَسْطُورَةُ
فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، فَتَأَمَّلْ. وَالنَّظِيرُ
لَفْظِيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ
شُرْبِ اللَّبَنِ وَأَكْلِ السَّمَكِ مُضِرٌّ عَلَى قَوْلِ
الْأَطِبَّاءِ، وَأَمَّا هُنَا فَالضَّرَرُ فِي
التَّكْنِيَةِ وَحْدَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُوجَدَ
مَعَهَا اشْتِرَاكُ الِاسْمِ أَمْ لَا. فَالنَّظِيرُ
الْحَقِيقِيُّ هُوَ أَنْ يُقَالَ: خَالِطِ النَّاسَ وَلَا
تُؤْذِ.
قَالَ: وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ التَّكَنِّي
بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا، وَأَرَادَ الْمُقَيَّدَ
وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِالْقَاسِمِ، وَقَدْ
غَيَّرَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ اسْمَ ابْنِهِ حِينَ
بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، فَسَمَّاهُ عَبْدَ الْمَلِكِ،
وَكَانَ اسْمُهُ الْقَاسِمَ، وَكَذَا عَنْ بَعْضِ
الْأَنْصَارِ. قُلْتُ: لَوْ قِيلَ قَوْلٌ سَابِعٌ، وَهُوَ
النَّهْيُ عَنِ التَّكْنِيَةِ بِأَبِي الْقَاسِمِ كَمَا
يَدُلُّ عَلَيْهِ سَبَبُ الْوُرُودِ الْمَذْكُورِ، وَعَنِ
التَّسْمِيَةِ بِالْقَاسِمِ أَيْضًا نَظَرًا إِلَى
التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ
مَعَ التَّقْيِيدِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ تَنْزِيهًا
لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي أَسْمَائِهِ
وَصِفَاتِهِ، وَأَمَّا جَوَازُ إِطْلَاقِ أَبِي الْقَاسِمِ
وَمَنْعُ الْقَاسِمِ فَمَمْنُوعٌ وَلَا لَهُ وَجْهٌ
مَشْرُوعٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْوَانَ غَيَّرَ اسْمَ
ابْنِهِ الْقَاسِمِ لَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ عَنِ
التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ، وَخَافَ أَنْ يُكَنَّى
بِهِ وَيَقَعَ الْمَحْظُورُ، فَغَيَّرَهُ تَخَلُّصًا مِنْ
حُصُولِ الْمَحْذُورِ.
قَالَ: وَسَادِسُهَا: أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِمُحَمَّدٍ
مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
«تُسَمُّونَ أَوْلَادَكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ
تَلْعَنُونَهُمْ» ". قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ
دَلَالَةٌ عَلَى مَنْعِ التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ، بَلْ
فِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا سُمِّيَ وَلَدٌ
بِمُحَمَّدٍ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ بِسَبَبِ هَذَا الِاسْمِ
الشَّرِيفِ، فَلَا يُعَامَلُ مَعَهُ مُعَامَلَةَ سَائِرِ
الْأَسْمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ
أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا " إِذَا سَمَّيْتُمْ مُحَمَّدًا
فَلَا تَضْرِبُوهُ وَلَا تَحْرِمُوهُ ". وَمَا رَوَاهُ
الْخَطِيبُ، عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " إِذَا سَمَّيْتُمُ
الْوَلَدَ مُحَمَّدًا فَأَكْرِمُوهُ وَأَوْسِعُوا لَهُ فِي
الْمَجْلِسِ وَلَا تُقَبِّحُوا لَهُ وَجْهًا ". قَالَ:
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ: لَا تُسَمُّوا أَحَدًا
بِاسْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-؛ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِمُحَمَّدِ
بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا
مُحَمَّدُ، فَدَعَاهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فَقَالَ: أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَبُّ بِكَ، وَاللَّهِ لَا تُدْعَى
مُحَمَّدًا مَا بَقِيتَ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ.
قُلْتُ: فَالنَّهْيُ عَنْهُ لَيْسَ مُطْلَقًا لِذَاتِهِ،
بَلْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَحْصُلَ بِسَبَبِهِ إِهَانَةٌ
لِسَمِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
حَيْثُ إِنَّهُ شَرِيكُهُ فِي اسْمِهِ قَالَ: وَهَذَا
أَكْثَرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ
النَّوَوِيِّ: وَقَالَ أَيْضًا: أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ
التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مَا
قَدَّمْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قُلْتُ:
وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ: وَكَرِهَ
مَالِكٌ التَّسَمِّيَ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ
كَجِبْرِيلَ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَرَادٍ: «سَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا
تُسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ» . (مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) .
(7/2996)
4752 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ أَحَبَّ
أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4752 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ:
عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» ) : قِيلَ: أَيْ:
بَعْدَ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَيْنِ
لَيْسَا بِأَحَبَّ مِنِ اسْمِ مُحَمَّدٍ، فَهُمَا فِي
مَرْتَبَةِ التَّسَاوِي مَعَهُ، أَوْ يَكُونُ اسْمُ
مُحَمَّدٍ أَحَبَّ مِنَ الِاسْمَيْنِ إِمَّا مُطْلَقًا
أَوْ مِنْ وَجْهٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى،
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ
مَرْفُوعًا " إِذَا سَمَّيْتُمْ فَعَبِّدُوا " أَيِ:
انْسِبُوا عُبُودِيَّتَهُمْ إِلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ،
فَيَشْمَلُ عَبْدَ الرَّحِيمِ، وَعَبْدَ الْمَلِكِ
وَغَيْرَهُمَا. وَلَا يَجُوزُ نَحْوُ عَبْدِ الْحَارِثِ
وَلَا عَبْدِ النَّبِيِّ، وَلَا عِبْرَةٌ بِمَا شَاعَ
فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ.
(7/2997)
4753 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تُسَمِّيَنَّ
غُلَامَكَ يَسَارًا، وَلَا رَبَاحًا، وَلَا نَجِيحًا،
وَلَا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَلَا
يَكُونُ، فَيَقُولُ لَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ، قَالَ: " «لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ
رَبَاحًا، وَلَا يَسَارًا وَلَا أَفْلَحَ وَلَا نَافِعًا»
".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4753 - (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُسَمِّينَ) أَيْ: أَلْبَتَّةَ
أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ، بِالْخِطَابِ الْعَامِّ
(غُلَامَكَ) أَيْ: صَبِيَّكَ أَوْ عَبْدَكَ (يَسَارًا) :
مِنَ الْيُسْرِ ضِدَّ الْعُسْرِ (وَلَا رَبَاحًا) :
بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنَ الرِّبْحِ ضِدِّ الْخَسَارَةِ
(وَلَا نَجِيحًا) : مِنَ النُّجْحِ وَهُوَ الظَّفَرُ
(وَلَا أَفْلَحَ) : مِنَ الْفَلَاحِ وَهُوَ الْفَوْزُ
(فَإِنَّكَ تَقُولُ) أَيْ: أَحْيَانًا (أَثَمَّ) :
بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِتَقْدِيرِ
اسْتِفْهَامٍ أَيْ: أَهُنَاكَ (هُوَ؟) أَيِ: الْمُسَمَّى
بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ (فَلَا
يَكُونُ) أَيْ: فَلَا يُوجَدُ هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ
اتِّفَاقًا (فَيَقُولُ) أَيِ: الْمُجِيبُ (لَا) أَيْ:
لَيْسَ هُنَاكَ يَسَارٌ، أَوْ لَا رَبَاحٌ عِنْدَنَا، أَوْ
لَا نَجِيحٌ هُنَاكَ، أَوْ لَا أَفْلَحُ مَوْجُودٌ، فَلَا
يَحْسُنُ مِثْلُ هَذَا فِي التَّفَاؤُلِ، أَوْ فَيُكْرَهُ
لِشَنَاعَةِ الْجَوَابِ: فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَعْنَى
هَذَا: أَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ
التَّفَاؤُلَ بِحُسْنِ أَلْفَاظِهَا أَوْ مَعَانِيهَا،
وَرُبَّمَا يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ مَا قَصَدُوهُ إِلَى
الضِّدِّ إِذَا سَأَلُوا فَقَالُوا: أَثَمَّ يَسَارٌ أَوْ
نَجِيحٌ؟ فَقِيلَ: لَا، فَتَطَيَّرُوا بِنَفْيِهِ
وَأَضْمَرُوا الْيَأْسَ مِنَ الْيُسْرِ وَغَيْرِهِ،
فَنَهَاهُمْ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي يَجْلِبُ سُوءَ
الظَّنِّ وَالْإِيَاسَ مِنَ الْخَيْرِ. قَالَ حُمَيْدُ
بْنُ زَنْجُوَيْهِ: فَإِذَا ابْتُلِيَ رَجُلٌ فِي نَفْسِهِ
أَوْ أَهْلِهِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ
فَلْيُحَوِّلْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ
وَقِيلَ: أَثَمَّ يَسَارٌ أَوْ بَرَكَةٌ؟ فَإِنَّ مِنَ
الْأَدَبِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَا هُنَا يُسْرٌ
وَبَرَكَةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَيُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ
الَّذِي تُرِيدُهُ، وَلَا يُقَالُ لَيْسَ هُنَا وَلَا
خَرَجَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ) : أَيْ: لِمُسْلِمٍ (قَالَ: لَا تُسَمِّ
غُلَامَكَ رَبَاحًا وَلَا يَسَارًا وَلَا نَافِعًا) : فِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، قَالَ أَصْحَابُنَا:
يُكْرَهُ التَّسَمِّي بِالْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي
الْحَدِيثِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَهِيَ كَرَاهَةُ
تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ مَا نَبَّهَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ:
أَثَمَّ هُوَ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَكُرِهَ لِشَنَاعَةِ
الْجَوَابِ.
(7/2997)
4754 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: «أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى
بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَحَ وَبِيَسَارٍ
وَبِنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ. ثُمَّ سَكَتَ بَعْدُ
عَنْهَا، ثُمَّ قُبِضَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4754 - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى) : بِالْفَتْحِ
مُضَارِعُ عَلِيَ فِي الشَّرَفِ بِالْكَسْرِ
(وَبِبَرَكَةَ) : بِعَدَمِ الصَّرْفِ وَكَذَا قَوْلُهُ:
(وَبِأَفْلَحَ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَبِيَسَارٍ) :
فَالْيَاءُ أَصْلِيَّةٌ فَصُرِفَ (وَبِنَافِعٍ وَنَحْوِ
ذَلِكَ) أَيْ: وَبِمَعْنَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَسْمَاءِ
كَمَا سَبَقَ بَعْضُهَا (ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكْتَ بَعْدُ)
: بِالضَّمِّ مَبْنِيًّا، أَيْ: بَعْدَ إِرَادَتِهِ
النَّهْيَ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِمَا ذُكِرَ (عَنْهَا)
أَيْ: سَكَتَ عَنِ الْأَسْمَاءِ الْمَسْطُورَةِ
وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَهْيٍ وَلَا بِجَوَازٍ
(ثُمَّ قُبِضَ) أَيْ: تُوُفِّيَ (وَلَمْ يَنْهَ عَنْ
ذَلِكَ) أَيْ: عَمَّا ذُكِرَ مِنَ الْأَسْمَاءِ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: كَأَنَّهُ رَأَى أَمَارَاتٍ وَسَمِعَ مَا
يُشْعِرُ بِالنَّهْيِ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى النَّهْيِ
صَرِيحًا؛ فَلِذَا قَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَهَاهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ
لِسَمُرَةَ، وَشَهَادَةُ الْإِثْبَاتِ أَثْبَتُ. قُلْتُ:
وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَنَّهُ
أَرَادَ أَنْ يَنْهَى نَهْيَ تَحْرِيمٍ، ثُمَّ سَكَتَ
بَعْدَ ذَلِكَ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ لِعُمُومِ
الْبَلْوَى، وَإِيقَاعِ الْحَرَجِ، لَا سِيَّمَا
وَأَكْثَرُ النَّاسِ مَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ
مِنَ الْقُبْحِ وَالْحُسْنِ، فَالنَّهْيُ الْمَنْفِيُّ
مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالْمُثْبَتُ عَلَى
التَّنْزِيهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ
عَنْ سَمُرَةَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُسَمَّى أَرْبَعَةَ أَسْمَاءٍ:
أَفْلَحَ وَيَسَارًا وَنَافِعًا وَرَبَاحًا» . وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى
أَنْ يُسَمَّى الرَّجُلُ حَرْبًا أَوْ وَلِيدًا أَوْ
مُرَّةَ أَوِ الْحَكَمَ أَوْ أَبَا الْحَكَمِ أَوْ
أَفْلَحَ أَوْ نَجِيحًا أَوْ يَسَارًا» ، وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُسَمَّى كَلْبٌ
أَوْ كُلَيْبٌ»
(7/2997)
4755 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَخْنَى الْأَسْمَاءِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ يُسَمَّى
مَلِكَ الْأَمْلَاكِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي
رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: " «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى
اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ
يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ»
".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4755 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَخْنَى الْأَسْمَاءِ) : بِسُكُونِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ: أَقْبَحُهَا،
وَرُوِيَ أَخْنَعُ أَيْ: أَذَلُّهَا وَأَوْضَعُهَا
بِاعْتِبَارِ مُسَمَّاهُ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ
اللَّهِ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْيَوْمَ عِنْدَ عَامَّةِ
النَّاسِ أَعْظَمَ الْأَسْمَاءِ وَأَكْرَمَهَا (رَجُلٌ)
أَيِ: اسْمُ رَجُلٍ (يُسَمَّى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
مِنَ التَّسْمِيَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ السَّيِّدُ جَمَالُ
الدِّينِ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي النُّسَخِ
الْمُصَحَّحَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ
وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَاضٍ مَعْلُومٌ مِنَ التَّسَمِّي
مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ مِنَ التَّسْمِيَةِ، وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي
أَصْلٍ مُصَحَّحٍ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي
بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنَ التَّسَمِّي
ثُمَّ قَوْلُهُ: (مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) : مَنْصُوبٌ عَلَى
الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْأَمْلَاكُ جَمْعُ مَلِكٍ
كَالْمُلُوكِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: هُوَ شَهَنْشَاهْ
يَعْنِي: شَاهْ شَاهَانْ بِلِسَانِ الْعَجَمِ، وَقَدَّمَ
الْمُضَافَ إِلَيْهِ ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِفَ وَفَتَحَ
الْهَاءَ تَخْفِيفًا وَهُوَ بِالْعَرَبِيِّ سُلْطَانُ
السَّلَاطِينِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ، قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ عُلَيْهِ السَّلَامُ
(أَغْيَظُ رَجُلٍ) : اسْمُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ
أَيْ: أَكْثَرُ مَنْ يُغْضَبُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ،
فَإِنَّ الْغَيْظَ غَضَبُ الْعَاجِزِ عَنِ الِانْتِقَامِ،
وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَكُونُ
كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ كَرَاهَةِ هَذَا الِاسْمِ أَوْ
مَجَازًا عَنْ عُقُوبَتِهِ لِلتَّسَمِّي بِالِاسْمِ
الْآتِي، وَأُضِيفَ إِلَى مُفْرِدٍ بِمَعْنَى الْجَمْعِ
أَيْ: أَشَدُّ أَصْحَابِ الْأَسْمَاءِ الْكَرِيهَةِ
عُقُوبَةً (عَلَى اللَّهِ) : بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ:
بِنَاءً عَلَى حُكْمِهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَأَخْبَثُهُ) أَيْ: حَالًا وَمَقَامًا (رَجُلٌ كَانَ
يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) : وَهُوَ مِنَ
التَّسْمِيَةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي جَمِيعِ
الْأُصُولِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ
أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ؛ حَيْثُ قَالَ أَيْ:
يُسَمِّي نَفْسَهُ بِذَلِكَ فَيَرْضَى أَنَّ اسْمَهُ عَلَى
ذَلِكَ (لَا مَلِكَ) أَيْ: لَا سُلْطَانَ (إِلَّا اللَّهُ)
: وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ تَعْلِيلِ
تَحْرِيمِ التَّسْمِيَةِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَلِكَ
الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ إِلَّا هُوَ، وَمِلْكِيَّةُ غَيْرِهِ
مُسْتَعَارَةٌ، فَمَنْ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ نَازَعَ
اللَّهَ بِرِدَائِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: الْكِبْرِيَاءُ
رِدَائِي وَالْعَظْمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي
فِيهِمَا قَصَمْتُهُ، وَلَمَّا اسْتَنْكَفَ أَنْ يَكُونَ
عَبْدَ اللَّهِ جُعِلَ لَهُ الْخِزْيُ عَلَى رُءُوسِ
الْأَشْهَادِ، وَهَذَا مُجْمَلُ الْكَلَامِ فِي مَقَامِ
الْمَرَامِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلَفْظُهُ: " «أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ
لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ» " اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَمْلَاكَ جَمْعُ الْمَلِكِ
بِالْكَسْرِ، فَيَكُونُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا
مَذْمُومًا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْرَأَ " مَلِكَ
" " مَالِكَ "، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، وَهُوَ مَرْسُومٌ
بِحَذْفِ الْأَلِفِ اتِّفَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ فِي الْحَدِيثِ مِنَ
الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ
بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي
الدُّنْيَا كَذَلِكَ لِلْإِشْعَارِ بِتَرْتِيبِ مَا هُوَ
مُسَبَّبٌ عَنْهُ مِنْ إِنْزَالِ الْهَوَانِ، وَحُلُولِ
الْعِقَابِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ:
أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي
الدِّينِ: سَأَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَبَا عَمْرٍو
عَنْ أَخْنَعُ، فَقَالَ: أَوْضَعُ، وَالْمَعْنَى: أَشَدُّ
ذُلًّا وَصِغَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: رَجُلٌ يُسَمَّى خَبَرُ أَخْنَعُ، وَلَا بُدَّ
مِنَ التَّأْوِيلِ لِيُطَابِقَ الْخَبَرُ الْمُبْتَدَأَ
وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدَّرَ
مُضَافٌ فِي الْخَبَرِ، أَيِ: اسْمُ رَجُلٍ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُرَادَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى
مَجَازًا، أَيْ: أَخْنَى الرِّجَالِ رَجُلٌ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]
، وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ إِذَا قَدَّسَ
اسْمَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِذَاتِهِ، فَكَأَنَّ ذَاتَهُ
بِالتَّقْدِيسِ أَوْلَى، وَهُنَا إِذَا كَانَ الِاسْمُ
مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْهَوَانِ وَالصَّغَارِ، فَكَيْفَ
بِالْمُسَمَّى، فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الِاسْمِ ذَلِكَ،
فَكَيْفَ بِالْمُسَمَّى، وَهَذَا إِذَا كَانَ رَضِيَ
الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ
وَلَمْ يُبَدِّلْهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَبْلَغُ مِنَ
الْأَوَّلِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ:
أَغْيَظُ رَجُلٍ. قَالَ الْقَاضِي أَيْ: أَكْبَرُ مَنْ
يُغْضَبُ عَلَيْهِ غَضَبًا، اسْمُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ
لِلْمَفْعُولِ كَأَلْوَمَ، وَأَضَافَهُ إِلَى الْمُفْرَدِ
عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ. قَالَ
الطِّيبِيُّ: وَعَلَى هُنَا لَيْسَتْ بِصِلَةٍ لِأَغْيَظَ
كَمَا يُقَالُ: اغْتَاظَ عَلَى صَاحِبِهِ وَتَغَيَّظَ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ كَمَا لَا
يَخْفَى، وَلَكِنْ بَيَانٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ:
أَغْيَظُ رَجُلٍ قِيلَ:
(7/2998)
عَلَى مَنْ؟ قِيلَ: عَلَى اللَّهِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] ، فَإِنَّ
لَكَ بَيَانٌ لِاسْمِ الصَّوْتِ. قُلْتُ: التَّقْدِيرُ مَا
أَفَادَ التَّغْيِيرَ لِيَكُونَ دَفْعُ الْفَسَادِ، بَلْ
وَقَعَ فِي عَيْنِ مَا أَرَادَ مِنْهُ الشُّرَّاحُ، ثُمَّ
لِي نَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْآيَةِ، فَإِنَّ
الْغَيْظَ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى فِي أَصْلِ اللُّغَةِ
بِخِلَافِ هَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ أَصْلًا،
بَلْ مَعْنَاهُ أَقْبِلْ وَبَادِرْ أَوْ هَيَّأْتُ،
وَالْكَلِمَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اسْمُ فِعْلٍ بُنِيَ
عَلَى الْفَتْحِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ كَأَيْنَ،
وَاللَّامُ لِلتَّبْيِينِ كَالَّتِي فِي سُقْيًا لَكَ،
فَالْأَوْلَى مَا أَوَّلْنَاهُ أَوَّلًا. وَفِي
النِّهَايَةِ هَذَا مَجَازُ الْكَلَامِ مَعْدُولٌ عَنْ
ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الْغَيْظَ صِفَةٌ تَعْتَرِي
الْمَخْلُوقَ عِنْدَ احْتِدَادِهِ يَتَحَرَّكُ لَهَا،
وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا
هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عُقُوبَتِهِ لِلْمُسَمَّى بِهَذَا
الِاسْمِ أَيْ: إِنَّهُ أَشَدُّ أَصْحَابِ هَذِهِ
الْأَسْمَاءِ عُقُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ الْغَيْظَ وَالْغَضَبَ مِنَ
الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ لَهَا بِدَايَاتٌ
وَغَايَاتٌ، فَإِذَا وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا
يَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْغَايَاتِ مِنَ
الِانْتِقَامِ بِإِنْزَالِ الْهَوَانِ وَحُلُولِ
الْعِقَابِ، لَا عَلَى بِدَايَاتِهَا مِنَ التَّغْيِيرِ
النَّفْسَانِيِّ، فَعَلَى هَذَا فِي عَلَى مَعْنَى
الْوُجُوبِ أَيْ: وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى
سَبِيلِ الْوَعِيدِ أَنْ يُغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَيُنَكِّلَ
بِهِ، وَيُعَذِّبَهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ. قُلْتُ وَهَذَا
غَايَةُ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ
زَادَ فِي مَعْنَى عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ، وَهُوَ لَا
يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ
وَقْعُ مَا أَخْبَرَ بِهِ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ
التَّحَتُّمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] "،
فَحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّهُ يَجِبُ وُقُوعُ عَذَابِ
الْكُفَّارِ، وَإِلَّا يَقَعُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ
تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ
لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ مَا عَدَا
الشِّرْكَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ
يُقَالَ: وَاجِبٌ عَلَيْهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ
الْوَعِيدِ أَنْ يُعَذِّبَهُ فَتَدَبَّرْ وَتَأَمَّلْ،
لِئَلَّا تَقَعَ فِي الْخَلَلِ وَالْخَطَلِ، وَقَدْ
أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَتِي
الْمُسَمَّاةِ بِالْقَوْلِ السَّدِيدِ فِي خُلْفِ
الْوَعِيدِ، هَذَا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ
عِنْدَ قَوْلِهِ: مَلِكَ الْأَمْلَاكِ، زَادَ ابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: «لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ» .
قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهَنْشَاهْ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ شَاهْ
شَاهْ. قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْوَبَ
شَاهْ شَاهَانْ. قُلْتُ: كَذَلِكَ حَتَّى يَصِحَّ
الْإِضَافَةُ أَوْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، فَيُقَالُ: شَاهْ
كُلْ شَاهْ. قَالَ الْقَاضِي: فَلَا يُنْكَرُ مَجِيءُ مَا
جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَجَمِ
مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي
الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ. قُلْتُ: هَذَا إِنَّمَا
يَسْتَقِيمُ فِي شَاهَنْشَاهْ. قَالَ الطِّيبِيُّ:
فَيَتَغَيَّرُ الِاعْتِبَارُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى:
شَاهَانْرَاشَاهْ. قُلْتُ: وَالتَّحْقِيقُ مَا
قَدَّمْنَاهُ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ الرَّاءِ
عَلَى مَا بَيَّنَاهُ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ شَاهْ: مُلُوكٌ، وَشَاهَانِ:
الْمُلُوكُ، وَكَذَا مَا يَقُولُونَ: قَاضِي الْقُضَاةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمِمَّا يُلْحَقُ بِهِ مَلِكُ شَاهْ،
وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ بِاسْمِ مَلِكِ
الْأَمْلَاكِ. أَيْ: تَسَمَّى بَاسِمِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ كَقَوْلِهِ: الرَّحْمَنُ الْجَبَّارُ الْعَزِيزُ.
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: وَالَّذِي قَالَهُ سُفْيَانُ
أَشْبَهُ، وَكُلٌّ لَهُ وَجْهٌ.
(7/2999)
4756 - وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي
سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سُمِّيتُ
بَرَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " «لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللَّهُ
أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ، سَمُّوهَا زَيْنَبَ»
". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4756 - (وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) : وَهِيَ
رَبِيبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- (قَالَتْ: سُمِّيتُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ:
سَمَّانِي أَهْلِي (بَرَّةَ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ
وَرَاءٍ مُشَدِّدَةٍ مُبَالَغَةُ بَارَّةٍ، إِمَّا عَلَى
الْوَصْفِيَّةِ أَوِ الْمَصْدَرِيَّةِ (فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا
تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) أَيْ: كَمَا قَالَ تَعَالَى (
«اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ» ) : قَالَ
ابْنُ الْمَلَكِ: تَزْكِيَةُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ ثَنَاؤُهُ
عَلَيْهَا، وَالْبِرُّ اسْمُ لِكُلِّ فِعْلٍ مَرْضِيٍّ
(سَمَّوْهَا زَيْنَبَ) : فِي الْقَامُوسِ زَنِبَ كَفَرِحَ
سَمُنَ وَالْأَزْنَبُ السَّمِينُ، وَبِهِ سُمِّيَتِ
الْمَرْأَةُ زَيْنَبَ يَعْنِي: إِخْبَارًا أَوْ تَفَاؤُلًا
أَوْ مِنْ زُبَانَى الْعَقْرَبِ لِزُبَانَاهَا، أَوْ مِنَ
الزَّيْنَبِ لِشَجَرٍ حَسَنِ الْمَنْظَرِ طَيِّبِ
الرَّائِحَةِ، أَوْ أَصْلُهَا زَيْنُ أَبٍ. (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «كَانَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَاعِبُ زَيْنَبَ بِنْتَ
أُمِّ سَلَمَةَ وَيَقُولُ: يَا زُوَيْنِبُ يَا زُوَيْنِبُ
مِرَارًا» . رَوَاهُ الضِّيَاءُ عَنْ أَنَسٍ.
(7/2999)
4757 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: " «كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ
اسْمُهَا بَرَّةُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ،
وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ
بَرَّةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4757 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- قَالَ: كَانَ) : وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ (جُوَيْرِيَةُ)
بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ تَصْغِيرُ جَارِيَةٍ، وَهِيَ مِنْ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
(اسْمُهَا بَرَّةُ) أَيْ: قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فِي
عِصْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(7/2999)
(فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَهَا) : يَعْنِي بَرَّةَ
(جُوَيْرِيَةَ) عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: إِلَى
جُوَيْرِيَةَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَوَّلَ بِمَعْنَى
صَيَّرَ، فَيَصِيرُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ
(وَكَانَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ
بَرَّةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ عِنْدِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَخْبَرَهُ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ
قَوْلُ النَّوَوِيِّ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثَيْنِ نَوْعَيْنِ مِنَ
الْعِلَّةِ، وَهُمَا التَّزْكِيَةُ وَخَوْفُ التَّطَيُّرِ.
قُلْتُ: يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَوَّلِ
التَّزْكِيَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّطَيُّرُ مَعَ
أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(7/3000)
4758 - «وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ بِنْتًا كَانَتْ لِعُمَرَ
يُقَالُ لَهَا: عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيلَةً» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4758 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أَنَّ بِنْتًا كَانَتْ لِعُمَرَ يُقَالُ لَهَا: عَاصِيَةُ)
: وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنَ الْعِصْيَانِ، بَلْ مِنَ
الْعِيصِ وَهُوَ بِالْكَسْرِ الشَّجَرُ الْكَثِيفُ
الْمُلْتَفُّ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُنْبَثِّ، وَمِنْهُ
عِيصُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا أُبْدِلَتِ الْيَاءُ
أَلِفًا فُتِحَتِ الْعَيْنُ، وَمِنْهُ الْعَاصُ وَأَبُو
الْعَاصِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مُؤَنَّثُ الْعَاصِ لَا
تَأْنِيثُ الْعَاصِي، لَكِنْ لَمَّا كَانَ يَتَبَادَرُ
مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى غَيَّرَهَا (فَسَمَّاهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيلَةً)
. وَلَعَلَّهُ لَمْ يُسَمِّهَا مُطِيعَةً مَعَ أَنَّهَا
ضِدُّ الْعَاصِيَةِ مَخَافَةَ التَّزْكِيَةِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ التُّورِبِشْتِيَّ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ
ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا
يُسَمُّونَ بِالْعَاصِ وَالْعَاصِيَةِ ذِهَابًا إِلَى
مَعْنَى الْإِبَاءِ عَنْ قَبُولِ النَّقَائِصِ وَالرِّضَا
بِالضَّيْمِ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ
كَرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ مِنَ
الظَّاهِرِ أَنْ يُسَمِّيَ بِمَا يُقَابِلُ اسْمَهَا،
وَالْمُقَابِلُ بَرَّةُ وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ جَائِزٍ
لِلْعِلَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ عَدَلَ
إِلَى جَمِيلَةٍ وَهِيَ مُقَابِلَةٌ لَهَا مِنْ حَيْثُ
الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْجَمِيلَ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ
إِلَّا الْجَمِيلُ وَالْبِرُّ. قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنَ
التَّحْوِيلِ الْمُقَابَلَةُ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُحْتَاجُ
إِلَى مُرَاعَاتِهَا، مَعَ أَنَّ الْمُقَابِلَ
لِلْعَاصِيَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمُطِيعَةُ عَلَى مَا
قَدَّمْنَاهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَمِيلَةَ هُنَا
بِمَعْنَى الْحَسَنَةِ، لَا بِمَعْنَى الْآتِيَةِ
بِالْجَمَالِ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى
التَّزْكِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ النَّوَوِيُّ:
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَغْيِيرِ الِاسْمِ الْقَبِيحِ،
كَمَا يُسْتَحَبُّ تَغْيِيرُ الْأَسَامِي الْمَكْرُوهَةِ
إِلَى حَسَنٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(7/3000)
4759 - «وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ
أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى
فَخِذِهِ فَقَالَ: " مَا اسْمُهُ؟ " قَالَ: فُلَانٌ.
قَالَ: " لَا، لَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4759 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -) أَيِ: السَّاعِدِيِّ الْأَنْصَارِيِّ: وَكَانَ
اسْمُهُ حَزْنًا، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلًا، مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ
مِنَ الصَّحَابَةِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ الْعَبَّاسُ
وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ (قَالَ: أُتِيَ) أَيْ:
جِيءَ (بِالْمُنْذِرِ) : بِالْكَسْرِ (ابْنِ أَبِي
أُسَيْدٍ) :. بِالتَّصْغِيرِ، وَهُوَ السَّاعِدِيُّ
أَيْضًا (إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ) :
بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فِي الْقَامُوسِ: الْفَخِذُ كَكَتِفٍ
مَا بَيْنَ السَّاقِ وَالْوَرِكِ مُؤَنَّثٌ، كَالْفَخْذِ
وَيُكْسَرُ. (فَقَالَ) أَيْ: لِمَنْ أَتَى بِهِ (مَا
اسْمُهُ؟ قَالَ: فُلَانٌ) . لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ
(قَالَ: لَكِنْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: لَا لَكِنْ أَيْ: لَا
أَرْضَى بِذَلِكَ لَكِنْ (اسْمُهُ الْمُنْذِرُ) . قَالَ
الطِّيبِيُّ أَيْ: لَا أَرْضَى بِمَا سَمَّيْتُمُوهُ،
وَلَكِنْ أَرْضَى لَهُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ الْمُنْذِرَ،
وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
تَفَاءَلَ بِهِ وَلَمَّحَ إِلَى مَعْنَى التَّفَقُّهِ فِي
الدِّينِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] .
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(7/3000)
4760 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ
عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ
نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ ". وَلَكِنْ لِيَقُلْ
غُلَامِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي. وَلَا
يَقُلِ الْعَبْدُ: رَبِّي، وَلَكِنْ يَقُلْ: سَيِّدِي» ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " «لِيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَوْلَايَ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " «لَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ:
مَوْلَايَ، فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللَّهُ» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4760 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي ") أَيْ:
يَا عَبْدِي أَوْ عَبْدِي فُلَانٌ؛ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ
الشَّرِكَةِ فِي الْعُبُودِيَّةِ أَوْ فِي حَقِيقَةِ
الْعَبْدِيَّةِ وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَأَمَتِي) فِي
الْإِعْرَابِ، وَالْمَعْنَى: فَإِنَّ الْأَمَةَ هِيَ
الْمَمْلُوكَةُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَلَا مُلْكَ
فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
(كُلُّكُمْ) : اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ، وَالْمَعْنَى:
كُلُّ رِجَالِكُمْ (عُبَيْدُ اللَّهِ) بِقَرِينَةِ
الْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ
اللَّهِ) . وَيُحْتَمَلُ أَنْ
(7/3000)
يَكُونُ الْأَوَّلُ عَامًّا عَلَى وَجْهِ
التَّغْلِيبِ، وَالثَّانِي تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ،
وَيُؤَيِّدُ التَّوْجِيهَ السَّابِقَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ، ( «وَلَكِنْ
لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي» ) أَيْ: بَدَلًا عَنْ
عَبْدِي وَأَمَتِي وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَفَتَايَ
وَفَتَاتِي) . فَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " وَهُمَا
بِمَعْنَى الشَّابِّ أَوِ الشَّابَّةِ بِنَاءً عَلَى
الْغَالِبِ فِي الْخَدَمِ، أَوِ الْقَوِيِّ وَالْقَوِيَّةِ
وَلَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ (وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ:
رَبِّي) أَيْ: بِالنِّدَاءِ أَوِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّ
الْإِنْسَانَ مَرْبُوبٌ مُتَعَبِّدٌ بِإِخْلَاصِ
التَّوْحِيدِ، فَكُرِهَ الْمُضَاهَاةُ بِالِاسْمِ لِئَلَّا
يَدْخُلَ فِي مَعْنَى الشِّرْكِ إِذِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ
فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَلَكِنْ لِيَقُلْ:
سَيِّدِي) ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ السِّيَادَةِ إِلَى مَعْنَى
الرِّيَاسَةِ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ فِي الْمَعِيشَةِ،
وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الزَّوْجُ سَيِّدًا. (وَفِي
رِوَايَةٍ: لِيَقُلْ سَيِّدِي) أَيْ: تَارَةً
(وَمَوْلَايَ) أَيْ: أُخْرَى، لَكِنْ بِمَعْنًى
مُتَصَرِّفٍ. (وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَقُلِ الْعَبْدُ
لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ» ) . أَيْ: بِمَعْنَى النَّاصِرِ
وَالْمُعِينِ، فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ؛ وَلِذَا
يُطْلَقُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُعْتِقِ وَالْمُعْتَقِ،
وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
«مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ". عَلَى مَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ، " «مَوْلَى الرَّجُلِ
أَخُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ» " عَلَى مَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَالْحَاصِلُ
أَنَّ الْمَوْلَى لَهُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا: مَا
يَخْتَصُّ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ
فِي حَقِّ غَيْرِهِ تَعَالَى، وَهُوَ نِعْمَ الْمَوْلَى؛
وَلِذَا قَالَ: (فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللَّهُ) أَيِ:
الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمَعْنَى الْخَاصِّ؛ وَلِذَا قِيلَ
فِي كَرَاهَةِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ هُوَ أَنْ يَقُولَ
ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ
وَالتَّحْقِيرِ لِشَأْنِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَ بِهِ
الْقُرْآنُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ، وَقَالَ:
{عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل:
75] ، وَقَالَ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] ،
وَقَالَ: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:
25] ، وَمَعْنَى هَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ
الْكِبْرِ وَالْتِزَامِ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ، فَلَمْ
يَحْسُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: فُلَانٌ عَبْدِي، بَلْ
يَقُولُ: فَتَايَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَ فَتَاهُ
ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا مِنَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ
فِتْنَةً} [الفرقان: 20] ، عَلَى هَذَا امْتِحَانُ اللَّهِ
تَعَالَى لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ ابْتُلِيَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرِّقِّ، كَذَا فِي شَرْحِ
السُّنَّةِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالُوا:
إِنَّمَا يُكْرَهُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَقُولَ
لِمَالِكِهِ: رَبِّي؛ لِأَنَّ فِيهِ إِيهَامَ
الْمُشَارَكَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا حَدِيثُ:
حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا فِي الضَّالَّةِ فَإِنَّمَا
اسْتُعْمِلَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ فَهِيَ
كَالدَّارِ وَالْمَالِ، لَا كَرَاهَةَ أَنْ يَقُولَ رَبُّ
الْمَالِ وَالدَّارِ، وَأَمَّا قَوْلُ يُوسُفَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] ، وَ
{إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23] ، فَفِيهِ
جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَاطَبَهُ بِمَا
يَعْرِفُهُ وَجَازَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَثَانِيهُمَا:
أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ فِي شَرْعِنَا اهـ.
وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ: {إِنَّهُ
رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23] ، أَنَّ الضَّمِيرَ
لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ: إِنَّهُ خَالِقِي. أَحْسَنَ
مَنْزِلَتِي وَمَأْوَايَ بِأَنْ عَطَّفَ عَلَيَّ
الْقُلُوبَ فَلَا أَعْصِيهِ، وَعَنْ قَوْلِهِ: {اذْكُرْنِي
عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] أَيِ: اذْكُرْ حَالَتِي عِنْدَ
الْمَلِكِ كَيْ يُخَلِّصَنِي {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ
ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42] ، أَيْ: أَنْسَى يُوسُفَ
ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ،
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «رَحِمَ
اللَّهُ أَخِي يُوسُفَ لَوْ لَمْ يَقُلِ اذْكُرْنِي عِنْدَ
رَبِّكَ لَمَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ سَبْعًا بَعْدَ
الْخَمْسِ» " كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ،
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ: لَمَّا قَالَ
لِصَاحِبِ السِّجْنِ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:
42] ، نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ:
اللَّهُ يُقْرِئُكَ السَّلَامُ وَيَقُولُ: مَنْ حَبَّبَكَ
إِلَى أَبِيكَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ؟ وَمَنْ قَيَّضَ
لَكَ السَّيَّارَةَ لِتَخْلِيصِكَ، وَمَنْ طَرَحَ فِي
قَلْبِ مَنِ اشْتَرَاكَ مِنْ مَوَدَّتِكَ حَتَّى قَالَ:
{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21] ، وَمَنْ صَرَفَ عَنْكَ
وَبَالَ الْمَعْصِيَةِ؟ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:
فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي حَفِظْتُكَ فِي هَذِهِ
الْمَوَاضِعِ، أَخَشِيتَ أَنْ أَنْسَاكَ فِي السِّجْنِ
حَتَّى اسْتَعَنْتَ بِغَيْرِي؟ وَقُلْتَ: {اذْكُرْنِي
عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] ، أَمَا كَانَ رَبُّكَ
أَقْرَبَ مِنْكَ وَأَقْدَرَ عَلَى خَلَاصِكَ مِنْ رَبِّ
صَاحِبِ السِّجْنِ؟ لَتَلْبَثَنَّ فِيهِ بِضْعَ سِنِينَ.
قَالَ يُوسُفُ: وَرَبِّي عَنِّي بِرَاضٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لَا أُبَالِي وَلَوْ إِلَى السَّاعَةِ، كَذَا فِي
حَقَائِقِ السُّلَمِيِّ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(7/3001)
4761 - وَعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تَقُولُوا:
الْكَرْمُ، فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4761 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَقُولُوا) أَيْ:
لِلْعِنَبِ (الْكَرْمُ) : بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيُفْتَحُ
عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ
الْمُؤْمِنِ) . قَالَ شَارِحٌ: سَمَّتِ الْعَرَبُ
الْعِنَبَةَ كَرْمًا ذَهَابًا إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ
تُورِثُ شَارِبَهَا كَرَمًا، وَيَلْتَفِتُ إِلَيْهِ قَوْلُ
الْقَائِلِ: فَيَا ابْنَةَ الْكَرْمِ لَا بَلْ يَا ابْنَةَ
الْكَرَمِ
فَلَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ
تَحْقِيرًا لِلْخَمْرِ، وَتَأْكِيدًا لِحُرْمَتِهَا،
وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ هُوَ
الْكَرْمُ؛ لِأَنَّهُ مَعْدِنُ التَّقْوَى لَا الْخَمْرُ
الْمُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَالِ الْعَقْلِ، وَفَسَادِ
الرَّأْيِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ عَلَى وَجْهِ
الصَّوَابِ. وَفِي الْفَائِقِ: أَرَادَ أَنْ يُقَرِّرَ مَا
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، بِطَرِيقٍ مَنِيفٍ
وَمَسْلَكٍ لَطِيفٍ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْكَرَمُ
مُحَرَّكَةٌ ضِدُّ اللُّؤْمِ، وَأَرْضٌ كَرَمٌ مُحَرَّكَةً
أَيْ: طَيِّبَةٌ، وَالْكَرْمُ: الْعِنَبُ، وَالْكَرِيمَانِ
الْحَجُّ وَالْجِهَادُ، وَمِنْهُ: «خَيْرُ النَّاسِ
مُؤْمِنٌ بَيْنَ كَرِيمَيْنِ» . وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا
تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ فَإِنَّ الْكَرْمَ
الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» ". وَلَيْسَ الْغَرَضُ حَقِيقَةَ
النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا، وَلَكِنَّهُ
رَمْزٌ إِلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ غَيْرِ
الْأَنَاسِيِّ الْمُسَمَّى بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنَ
الْكَرَمِ، أَنْتُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ لَا تُؤَهِّلُوهُ
هَذِهِ التَّسْمِيَةَ غَيْرَةً لِلْمُسْلِمِ التَّقِيِّ
أَنْ يُشَارَكَ فِيمَا سَمَّاهُ اللَّهُ، وَخَصَّهُ بِأَنْ
جَعَلَهُ صِفَتَهُ، فَضْلًا أَنْ تُسَمُّوا بِالْكَرِيمِ
مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ تَأَتَّى
لَكُمْ أَنْ لَا تُسَمُّوهُ مَثَلًا بِاسْمِ الْكَرَمِ،
فَلَا تُسَمُّوا بِهِ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ
الْكَرْمَ أَيْ: فَإِنَّمَا الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ
الْمُشْتَقِّ مِنَ الْكَرَمِ الْمُسْلِمُ. وَفِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: رَجُلٌ
كَرَمٌ وَامْرَأَةٌ كَرَمٌ، وَرَجُلَانِ كَرَمٌ، وَرِجَالٌ
كَرَمٌ، وَنِسْوَةٌ كَرَمٌ كُلُّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَإِسْكَانِهَا بِمَعْنَى كَرِيمٍ؛ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ
كَعَدْلٍ وَضَيْفٍ.
(7/3002)
4762 - وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ وَائِلِ
بْنِ حُجْرٍ قَالَ: " «لَا تَقُولُوا: الْكَرْمُ، وَلَكِنْ
قُولُوا: الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ» ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4762 - (وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ: لِمُسْلِمٍ (عَنْ
وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) : بِضَمِّ حَاءٍ وَسُكُونِ جِيمٍ
(لَا تَقُولُوا: الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا: الْعِنَبُ) :
وَهُوَ يُطْلَبُ عَلَى الثَّمَرِ وَالشَّجَرِ،
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشَّجَرُ (وَالْحَبْلَةُ) :
بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَيُسَكَّنُ -
وَهُوَ الْأَصْلُ - مِنْ شَجَرِ الْعِنَبِ.
(7/3002)
4763 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ
الْكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ!
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ". رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4763 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلَا
تَقُولُوا: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ» ) : الْخَيْبَةُ
الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ
الْمُصَدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ، وَكَانُوا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا:
يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ! يُرِيدُونَ سَبَّ الدَّهْرِ،
فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ( «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
الدَّهْرُ» ) أَيْ: هُوَ مَا يُضَافُ إِلَى الدَّهْرِ مِنَ
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، أَوْ فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ
الدَّهْرِ وَمُصَرِّفُهُ وَمُقَلِّبُهُ وَالْمُتَصَرِّفُ
فِيهِ وَالدَّهْرُ مُسَخَّرٌ بِحِكْمَتِهِ. (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ.
(7/3002)
4764 - وَعَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَسُبَّ
أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4764 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - ( «قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَسُبَّ أَحَدُكُمُ
الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ": قَدْ مَرَّ
شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مُفَصَّلًا. (رَوَاهُ
مُسْلِمٌ) .
(7/3002)
4765 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ:
خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي» "
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "
يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ " فِي " بَابِ الْإِيمَانِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4765 - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ) :
بِفَتْحِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَفَتْحِ
مُثَلَّثَةٍ وَتَاءٍ سَاكِنَةٍ (نَفْسِي وَلَكِنْ
لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي) : بِفَتْحِ لَامٍ فَكَسْرِ
قَافٍ، أَيْ: غَثِيَتْ. عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ
أَنَّ اللَّقْسَ الْغَثَيَانُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ خَبُثَتْ
هَرَبًا مِنْ لَفْظِ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ يَعْنِي مِنَ
الِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ مَعَ التَّبَادُرِ إِلَى
الْمَعْنَى الْقَبِيحِ. وَقَالَ شَارِحٌ: لَقِسَتْ
بِالْكَسْرِ وَخَبُثَتْ أَيْ: غَثِيَتْ، وَالْعَرَبُ
تَسْتَعْمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ، فَكَرِهَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
يَضْرِبَ الْمُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ مَثَلَ السَّوْءِ،
وَيُضِيفَ الْخُبْثَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى خَبَاثَةِ
النَّفْسِ وَسُوءِ الْخُلُقِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى
الْغَثَيَانِ إِلَى نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَى
مَنْ لَمْ يَقُمْ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ كَسَلًا
وَتَهَاوُنًا: الْخُبْثُ؛ حَيْثُ قَالَ: أَصْبَحَ خَبِيثَ
النَّفْسِ كَسِلَانَا ذَمًّا وَزَجْرًا لَهُ. وَقَالَ
النَّوَوِيُّ: إِنَّمَا كَرِهَ لَفْظَ الْخُبْثِ
لِشَنَاعَتِهِ، وَعَلَّمَهُمُ الْأَدَبَ فِي الْأَلْفَاظِ،
وَاسْتِعْمَالَ أَحْسَنِهَا، وَهِجْرَانَ قَبِيحِهَا،
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ: "
خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ " وَالْجَوَابُ أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْبِرٌ هُنَاكَ
عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ وَعَنْ شَخْصٍ مُبْهَمٍ مَذْمُومِ
الْحَالِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَكَمِثْلِ ذَلِكَ فِي
السُّنَنِ نَهَى عَنْ لَعْنِ الْمُسْلِمِ أَشَدَّ
النَّهْيِ. ثُمَّ قَالَ: " «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى
غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ
الْأَرْضِ» " وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ الْقَصْدُ
فِيهِ الْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ لَا اللَّعْنُ لِمُسْلِمٍ
بِعَيْنِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: " يُؤْذِينِي ابْنُ
آدَمَ " فِي " بَابِ الْإِيمَانِ ") .
(7/3003)
الْفَصْلُ الثَّانِي
4766 - «عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ،
فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ،
وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ "
قَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ
أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلَا
الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا
لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ " قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ،
وَعَبْدُ اللَّهِ. قَالَ: " فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ " قَالَ:
قُلْتُ: شُرَيْحٌ. قَالَ: " فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» ".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
4766 - (عَنْ شُرَيْحِ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ هَانِئٍ)
: بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ فَهَمْزَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ:
هَانِئِ بْنِ يَزِيدٍ (أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ) أَيْ: جَاءَ
(إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ) أَيْ: سَمِعَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(يُكَنُّونَهُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَعَ ضَمِّ
أَوَّلِهِ، وَتَخْفِيفٍ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ (بِأَبِي
الْحَكَمِ) : الْكُنْيَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْأَوْصَافِ
كَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبَى الْمَعَالِي وَأَبِي
الْحَكَمِ وَأَبِي الْخَيْرِ، وَقَدْ تَكُونُ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلَادِ كَأَبِي سَلَمَةَ،
وَأَبِي شُرَيْحٍ، وَإِلَى مَا لَا يُلَابِسُهُ كَأَبِي
هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَآهُ وَمَعَهُ
هِرَّةٌ فَكَنَّاهُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَكُونُ
لِلْعَلَمِيَّةِ الصِّرْفَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي
عَمْرٍو (فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: طَلَبَ هَانِئًا (فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ) : عَرَّفَ الْخَبَرَ
وَأَتَى بِضَمِيرِ الْفَصْلِ فَدَلَّ عَلَى الْحَصْرِ،
وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مُخْتَصٌّ بِهِ لَا يَتَجَاوَزُ
إِلَى غَيْرِهِ (وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ) أَيْ: مِنْهُ
يُبْتَدَأُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي الْحُكْمُ،
{لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] ،
لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلَا يَخْلُو حُكْمُهُ عَنْ
حِكْمَتِهِ. وَفِي إِطْلَاقِ أَبِي الْحَكَمِ عَلَى
غَيْرِهِ يُوهِمُ الِاشْتِرَاكَ فِي وَصْفِهِ عَلَى
الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ
أَبُو الْحَكَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ
الْوَالِدِيَّةِ وَالْوَلَدِيَّةِ، وَقَدْ غَيَّرَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ عَمْرِو بْنِ
هِشَامٍ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْحَكَمِ بِأَبِي جَهْلٍ.
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْحَكَمُ هُوَ الْحَاكِمُ
الَّذِي إِذَا حَكَمَ لَا يُرَدُّ حُكْمُهُ، وَهَذِهِ
الصِّفَةُ لَا تَلِيقُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ
أَسْمَائِهِ الْحَكَمُ. (فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا
الْحَكَمِ؟) أَيْ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ وَبِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ
أَنْوَاعِ الْكُنْيَةِ تُكَنَّى بِأَبِي الْحَكَمِ؟
(قَالَ: إِنَّ قَوْمِي) : اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (إِذَا
اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ) : وَصَارُوا فِرْقَتَيْنِ
مُخْتَلِفَتَيْنِ وَكَادَ أَنْ يَقْتَتِلَا (أَتَوْنِي
فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ
الْحُكْمِ (فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي)
أَيْ: لِمُرَاعَاتِي الْجَانِبَيْنِ وَالْعَدْلَ بَيْنَ
الْخَصْمَيْنِ، وَحُصُولِ الصُّلْحِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا) أَيِ: الَّذِي ذَكَرْتَهُ
مِنَ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ، أَوْ مِنْ وَجْهِ
التَّكْنِيَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَأَتَى بِصِيغَةِ
التَّعَجُّبِ مُبَالَغَةً فِي حُسْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا
كَانَ فِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ مَا سَبَقَ فِي الْكَلَامِ
أَرَادَ تَحْوِيلَ كُنْيَتِهِ إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ فِي
الْمَرَامِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
(7/3003)
(فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟) : وَأَغْرَبَ
الْمُظْهِرُ فِي قَوْلِهِ: مَا لِلتَّعَجُّبِ، يَعْنِي:
الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ حَسَنٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ
الْكُنْيَةَ غَيْرُ حَسَنَةٍ، وَتَبِعَهُ الطِّيبِيُّ
فَقَالَ: وَلَمَّا لَمْ يُطَابِقْ جَوَابَ أَبِي شُرَيْحٍ
قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
أَلْطَفِ وَجْهٍ وَأَرْشَقِهِ رَدًّا عَلَيْهِ ذَلِكَ: مَا
أَحْسَنَ هَذَا، لَكِنْ أَيْنَ ذَلِكَ مِنْ هَذَا؟
فَاعْدِلْ عَنْهُ إِلَى مَا هُوَ يَلِيقُ بِحَالِكَ مِنَ
التَّكَنِّي بِالْأَبْنَاءِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ
وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَأَلْيَقُ
بِحَالِهِ. (قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ
اللَّهِ) : ظَاهِرُ التَّرْتِيبِ الْمُقْتَضِي لِعَقْلِهِ
أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ، لَكِنَّ
الْوَاوَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَمْعِ كَانَ
غَيْرَ صَرِيحٍ فِي الْمُدَّعَى (قَالَ: " وَمَنْ
أَكْبَرُهُمْ) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ أَنَّ
الْأَوْلَى أَنْ يُكَنَّى الرَّجُلُ بِأَكْبَرِ بَنِيهِ،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ فَبِأَكْبَرِ بَنَاتِهِ،
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ بِأَكْبَرِ بَنِيهَا، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهَا ابْنٌ فَبِأَكْبَرِ بَنَاتِهَا.
(قَالَ) أَيْ: هَانِئٌ (قُلْتُ: شُرَيْحٌ) أَيْ:
أَكْبَرُهُمْ (قَالَ: فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ) أَيْ:
رِعَايَةً لِلْأَكْبَرِ سِنًّا، فَصَارَ بِبَرَكَتِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرَ رُتْبَةٍ،
وَأَكْثَرَ فَضْلًا، فَإِنَّهُ مِنْ أَجِلَّةِ أَصْحَابِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ مُفْتِيًا فِي
زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَيَرُدُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَقَدْ
وَلَّاهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاضِيًا،
وَخَالَفَهُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْحَسَنِ لَهُ
وَالْقَضِيَّةُ مَشْهُورَةٌ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا:
وَأَمَّا التَّابِعِيُّ: فَإِنْ ظَهَرَتْ فَتْوَاهُ فِي
زَمَنِ الصَّحَابَةِ كَشُرَيْحٍ كَانَ مِثْلَهُمْ عِنْدَ
الْبَعْضِ، وَلَعَلَّهُ عُدَّ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ فِي
أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا الْمَعْنَى، أَوْ
لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُخَضْرَمِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .
(7/3004)
4767 - «وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَقِيتُ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ. قَالَ عُمَرُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " الْأَجْدَعُ شَيْطَانٌ» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4767 - (وَعَنْ مَسْرُوقٍ) : هَمَذَانِيٌّ كُوفِيٌّ،
أَسْلَمَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْرَكَ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ
مِنَ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
وَعَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ
أَجْمَعِينَ، وَكَانَ أَحَدَ الْأَعْلَامِ وَالْفُقَهَاءِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ عَامِلًا عَلَى الْبَصْرَةِ
أَهْدَى إِلَى مَسْرُوقٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَهُوَ
يَوْمَئِذٍ مُحْتَاجٌ فَلَمْ يَقْبَلْهَا. يُقَالُ:
إِنَّهُ سُرِقَ صَغِيرًا ثُمَّ وُجِدَ فَسُمِّيَ
مَسْرُوقًا. ( «قَالَ: لَقِيتُ عُمَرَ فَقَالَ: مَنْ
أَنْتَ؟ قُلْتُ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ، قَالَ عُمَرُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " الْأَجْدَعُ شَيْطَانٌ» ") أَيِ:
اسْمُ شَيْطَانٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ. قَالَ الطِّيبِيُّ:
وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ مَقْطُوعِ الْأَطْرَافِ
لِمَقْطُوعِ الْحُجَّةِ اهـ. وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مُطَايَبَةً مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَوْ تَنْبِيهًا عَلَى تَغْيِيرِ هَذَا الِاسْمِ عَنْ
أَبِيهِ إِنْ كَانَ حَيًّا، وَيُقَالُ لَهُ أَبُو
مَسْرُوقٍ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَاحْتِرَاسًا مِنْ أَنْ
يُسَمَّى وَلَدُهُ بَاسِمِ أَبِيهِ، وَيُكَنَّى بِأَبِي
الْأَجْدَعِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَكَذَا أَحْمَدُ
وَالْحَاكِمُ.
(7/3004)
4768 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُدْعَوْنَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ،
فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4768 - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُدْعَوْنَ) : وَفِي رِوَايَةِ
الْجَامِعِ: إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ، وَهُوَ بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ أَيْ: تُنَادَوْنَ أَوْ تُسَمَّوْنَ (يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ،
فَأَحْسِنُوا) أَيْ: أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ (أَسْمَاءَكُمْ
" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ) .
(7/3004)
4769 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ
اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، وَيُسَمَّى مُحَمَّدٌ أَبَا
الْقَاسِمِ» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4769 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ
اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، وَيُسَمَّى» ) : بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ (مُحَمَّدٌ) : بِالرَّفْعِ (أَبَا
الْقَاسِمِ) : بِالنَّصْبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ
النُّسَخِ: نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ اسْمِهِ، عَلَى
(7/3004)
بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ
(أَحَدٌ) . وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يُسَمَّى بِصِيغَةِ
الْفَاعِلِ، وَمُحَمَّدًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ
مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مُحَمَّدٌ
مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ أُقِيمَ مَقَامَ
الْفَاعِلِ، كَذَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَشَرْحِ
السُّنَّةِ وَأَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ،
وَالْمَعْنَى: يُسَمَّى الْمُسَمَّى بِمُحَمَّدٍ أَبَا
الْقَاسِمِ. وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَبَعْضِ نُسَخِ
الْمَصَابِيحِ (مُحَمَّدًا) مَنْصُوبٌ، فَالْفِعْلُ
يَكُونُ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ اهـ. وَلَا يَخْفَى
أَنَّهُ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ يَكُونُ بِفَتْحِ
الْيَاءِ بِالنَّصْبِ الظَّاهِرِيِّ، بِخِلَافِ مَا إِذَا
كَانَ مَفْعُولًا، فَإِنَّ نَصْبَهُ مُقَدَّرٌ عَلَى
الْأَلْفِ، ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ:
وَأَنْ يُسَمِّيَ أَحَدٌ مُحَمَّدًا أَبَا الْقَاسِمِ،
وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَأَنَّ النَّهْيَ فِي
الْحَقِيقَةِ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ كُنْيَتِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ حَيَاتِهِ،
وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ اسْمِ مُحَمَّدٍ لَمَّا كَانَ
الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
(7/3005)
4770 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِذَا سَمَّيْتُمْ بِاسْمِي فَلَا
تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: " «وَمَنْ
تَسَمَّى بِاسْمِي لَا يَكْتَنِ بِكُنْيَتِي، وَمَنْ
تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّ بِاسْمِي» ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4770 - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: إِذَا سَمَّيْتُمْ بِاسْمِي) أَيْ: فَلَا حَرَجَ
عَلَيْكُمْ فِي تَسْمِيَتِهِ (فَلَا تَكْتَنُوا
بِكُنْيَتِي) أَيْ: فِي حَيَاتِي، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فِي
ذَاتِي، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ "
تَسَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي " عَلَى
مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ، وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ
فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ إِفْرَادَ الْكُنْيَةِ جَائِزٌ
فَإِنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهَةٍ مِنَ الْجَمْعِ، إِذْ فِي
الْإِفْرَادِ يُمْكِنُ رَفْعُ اللَّبْسِ بِخِلَافِ
الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الرَّفْعُ إِلَّا
بِكُلْفَةٍ لِكَثْرَةِ الِاشْتِرَاكِ، سَوَاءٌ كَانَ
ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. وَمَا
قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا أَوْلَى. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: «مَنْ
تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي، وَمَنْ
تُكَنَّى بِكُنْيَتِي، فَلَا يَتَسَمَّ بِاسْمِي» ) :
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ ابْنِ الْمَلَكِ،
لَكِنْ تُخَالِفُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ السَّابِقَ،
نَعَمْ يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ
مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِئَلَّا
يُورِثَ الِاشْتِبَاهَ فِي ذِكْرِهِ أَوْ نَسَبِهِ،
وَأَمَّا الْكُنْيَةُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَمَنْهِيَّةٌ
مُطْلَقًا لِمَا سَبَقَ مِنْ سَبَبِ وُرُودِهِ، وَأَمَّا
وَجْهُ الْمَنْعِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ،
فَإِنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْفَرْدِ الْأَكْمَلِ لَا
يَنْبَغِي إِطْلَاقُ الْوَصْفِ عَلَى غَيْرِهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
(7/3005)
4771 - «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
إِنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا،
وَكَنَّيْتُهُ أَبَا الْقَاسِمِ، فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ
تَكْرَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: " مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي
وَحَرَّمَ كُنْيَتِي؟ أَوْ مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي
وَأَحَلَّ اسْمِي؟» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ
مُحْيِي السُّنَّةِ: غَرِيبٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4771 - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهَا - أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
إِنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا) أَيْ: نَفْسَهُ (فَسَمَّيْتُهُ
مُحَمَّدًا، وَكَنَّيْتُهُ أَبَا الْقَاسِمِ) أَيْ:
تَبَرُّكًا بِهِمَا (فَذُكِرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ،
أَيْ: فَذَكَرَ بَعْضٌ (لِي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ)
أَيْ: كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
أَجَابَ (فَقَالَ: " مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ
كُنْيَتِي؟ !) : بِالِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ (أَوْ
مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي؟ !) :
شَكٌّ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ عَلَى
أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ
لِلتَّنْزِيهِ كَمَا سَبَقَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: غَرِيبٌ) أَيْ: مَتْنًا أَوْ
إِسْنَادًا.
(7/3005)
4772 - «وَعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ
الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ
وُلِدَ لِي بَعْدَكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ
وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ» " رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4772 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ) : هُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، يُكَنَّى
أَبَا الْقَاسِمِ، وَأُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ
الْحَنَفِيَّةُ، وَيُقَالُ: بَلْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ
سَبْيِ الْيَمَامَةِ، فَصَارَتْ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: رَأَيْتُ أُمَّ مُحَمَّدِ ابْنِ
الْحَنَفِيَّةِ سَنْدِيَّةً سَوْدَاءَ، وَكَانَتْ أَمَةَ
بَنِي حَنِيفَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ،
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ، وَلَهُ
خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. (عَنْ أَبِيهِ قَالَ) أَيْ:
أَبُوهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ (قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ) أَيْ: أَخْبِرْنِي (إِنْ
وُلِدَ لِي بَعْدَكَ) أَيْ: فَرْضًا وَتَقَدُّرًا (وَلَدٌ)
أَيْ: مِنْ فَاطِمَةَ أَوْ غَيْرِهَا (أُسَمِّيهِ) : وَفِي
نُسْخَةٍ وَأُسَمِّيهِ (بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيهِ) :
بِتَشْدِيدِ النُّونِ (بِكُنْيَتِكَ؟) أَيْ: تَبَرُّكًا
وَتَذَكُّرًا (قَالَ: نَعَمْ) : فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ
مَقْصُورٌ عَلَى زَمَانِهِ، فَيَجُوزُ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ لِرَفْعِ الِالْتِبَاسِ، وَبِهِ
قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ حَقَّقْنَا الْبَحْثَ قَبْلَ ذَلِكَ
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(7/3005)
4773 - «وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: كَنَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقْلَةٍ كُنْتُ
أَجْتَنِيهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا
حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَفِي " الْمَصَابِيحِ ": صَحَّحَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4773 - (وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
قَالَ: كَنَّانِي) : بِتَشْدِيدِ - النُّونِ الْأُولَى
أَيْ: جَعَلَنِي مُكَنًّى بِأَبِي حَمْزَةَ (رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِبَقْلَةٍ) أَيْ: بِسَبَبِ اسْمِ بَقْلَةٍ خَرِيفِيَّةٍ
فِي طَعْمِهَا حُمُوضَةٌ اسْمُهَا حَمْزَةُ بِالْحَاءِ
وَالزَّايِ (كُنْتُ أَجْتَنِيهَا) أَيْ: أَقْلَعُهَا
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيِ: الْحَدِيثُ
غَرِيبٌ، وَالْغَرَابَةُ تَجْتَمِعُ مَعَ الصَّحِيحِ
وَغَيْرِهِ؛ وَلِذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَفِي "
الْمَصَابِيحِ " صَحَّحَهُ) .
(7/3006)
4774 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ
الْقَبِيحَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4774 - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ» ) أَيْ:
غَيْرَ اللَّائِقِ بِضِدِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ
الْأَمْثِلَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ اسْمُهُ
أَسْوَدَ فَسَمَّاهُ - أَبْيَضَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)
.
(7/3006)
4775 - وَعَنْ بَشِيرِ بْنِ مَيْمُونٍ،
عَنْ عَمِّهِ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ، «أَنَّ رَجُلًا
يُقَالُ لَهُ أَصْرَمُ كَانَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ
أُوتُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا اسْمُكَ؟ " قَالَ: أَصْرَمُ
قَالَ: " بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4775 - (وَعَنْ بِشْرِ بْنِ مَيْمُونٍ) : ذَكَرَهُ
الْمُؤَلَّفُ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ: صَدُوقٌ،
رَوَى عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ وَغَيْرُهُ. (عَنْ
عَمِّهِ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ) : بِفَتْحِ هَمْزَةٍ
وَسُكُونِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ دَالٍّ مُهْمَلَةٍ
وَكَسْرِ رَاءٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، لَمْ يَذْكُرْهُ
الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ، وَقِيلَ فِي صُحْبَتِهِ
وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ مَقَالٌ، لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ
فِي تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ (أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ
أَصْرَمُ) : أَفْعَلُ مِنَ الصَّرْمِ (كَانَ فِي النَّفَرِ
الَّذِي) : أُفْرِدَ الْمَوْصُولُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ
النَّفَرِ وَجُمِعَ فِي قَوْلِهِ: (أُوتُوا) : بِحَسَبِ
الْمَعْنَى، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَالَّذِي
خَاضُوا} [التوبة: 69] ، وَفِي نُسْخَةٍ: الَّذِينَ
أَتَوْا (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا اسْمُكَ؟ ، قَالَ: أَصْرَمُ
قَالَ: بَلْ أَنْتَ زُرْعَةٌ» ") : بِضَمِّ زَايٍ
وَسُكُونِ رَاءٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّرْعِ، وَهُوَ
مُسْتَحْسَنٌ بِخِلَافِ أَصْرَمَ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ
مِنَ الصَّرْمِ، وَهُوَ الْقَطْعُ فَبَادَلَهُ بِهِ
وَغَيَّرَهُ لَهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(7/3006)
4776 - وَقَالَ: وَغَيَّرَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ الْعَاصِ،
وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ،
وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَشِهَابٍ، وَقَالَ: تَرَكْتُ
أَسَانِيدَهَا لِلِاخْتِصَارِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4776 - (وَقَالَ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ بِطَرِيقِ
التَّعْلِيقِ (وَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ الْعَاصِ) : قَالَ شَارِحٌ:
لِأَنَّهُ مِنَ الْعِصْيَانِ. وَفِي الْفَائِقِ: كَرِهَ
الْعَاصِيَ؛ لِأَنَّ شِعَارَ الْمُؤْمِنَ الطَّاعَةُ،
لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْقَامُوسِ أَنَّ الْعَاصَ
لَيْسَ مِنْ مَادَّةِ الْعِصْيَانِ؛ حَيْثُ ذُكِرَ فِي
مُعْتَلِّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَاصَ مِنْ قُرَيْشٍ
أَوْلَادُ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأَكْبَرِ،
وَهُمْ: الْعَاصُ، وَأَبُو الْعَاصِ، وَالْعِيصُ، وَأَبُو
الْعِيصِ، قَالَ: وَالْعِيصُ الْمَنْبِتُ، وَعِيصُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ،
فَلَعَلَّ التَّبْدِيلَ الِاسْمِيَّ لِأَجْلِ
الِاشْتِبَاهِ اللَّفْظِيِّ. (وَعَزِيزٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ:
عَبْدُ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَوْصُوفٌ
بِالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ، وَالْعِزَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى،
وَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِحَمِيدٍ، فَإِنَّهُ
مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى وَجْهِ
الْمُبَالَغَةِ، فَلَا يُقَالُ إِلَّا عَبْدُ الْحَمِيدِ،
وَكَذَلِكَ الْكَرِيمُ وَأَمْثَالُهُ. (وَعَتَلَةَ) :
بِفُتُحَاتٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْغِلْظَةُ وَالشِّدَّةُ
مِنْ عَتَلْتُهُ إِذَا جَذَبْتُهُ جَذْبًا عَنِيفًا،
وَالْمُؤْمِنُ مَوْصُوفٌ بِلِينِ الْجَانِبِ وَخَفْضِ
الْجَنَاحِ، وَقِيلَ: الْعَتَلَةُ عَمُودُ حَدِيدٍ
يُهْدَمُ بِهِ الْحِيطَانُ، وَقِيلَ: حَدِيدَةٌ كَبِيرَةٌ
يُقْلَعُ بِهَا الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ. (وَشَيْطَانٍ) ؛
لِأَنَّهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُسَمَّاهُ
يَتَشَاءَمُ بِهِ كُلُّ مَنْ رَآهُ، وَهُوَ بِاعْتِبَارِ
اللُّغَةِ أَيْضًا مَأْخُوذٌ مَنْ شَاطَ احْتَرَقَ أَوْ
هَلَكَ. قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: وَمِنْهُ الشَّيْطَانُ
فِي قَوْلٍ، أَوْ مِنْ شَطَنَ، فَفِي الْقَامُوسِ:
الشَّاطِنُ الْخَبِيثُ وَالشَّيْطَانُ مَعْرُوفٌ، وَكُلُّ
عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جِنٍّ أَوْ دَابَّةٍ،
وَشَيْطَنَ وَتَشَيْطَنَ فَعَلَ فِعْلَهُ، وَالْحَيَّةُ.
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لِأَنَّ اشْتِقَاقَهُ مِنَ
الشَّطَنِ وَهُوَ الْبُعْدُ عَنِ الْخَيْرِ. (وَالْحَكَمِ)
: بِفُتْحَتَيْنِ مُبَالَغَةُ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى هُوَ الْحَاكِمُ وَلَا حُكْمَ إِلَّا لَهُ،
فَإِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(7/3006)
غَيَّرَ أَبَا الْحَكَمِ عَلَى مَا سَبَقَ،
فَالْحَكَمُ بِالْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى (وَغُرَابٍ) :
لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْبُعْدُ؛ وَلِأَنَّهُ أَخْبَثُ
الطُّيُورِ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْجِيَفِ وَبَحْثِهِ عَنِ
النَّجَاسَاتِ. وَقَالَ شَارِحٌ: لِأَنَّ الْغُرَابَ
طَيْرٌ مَذْمُومٌ شَرْعًا، أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الْغُرُوبِ
وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ فِي التَّفَاؤُلِ، يَعْنِي:
وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ
الِاسْمَ الْحَسَنَ وَالْفَأْلَ الْحَسَنَ عَلَى مَا
وَرَدَ كَمَا سَبَقَ. (وَحُبَابٍ) : بِضَمِّ الْحَاءِ
وَمُوَحَّدَتَيْنِ اسْمُ الشَّيْطَانِ، وَيَقَعُ عَلَى
الْحَيَّةِ أَوْ نَوْعٌ مِنْهَا (وَشِهَابٍ) : بِكَسْرِ
الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ
سَاقِطَةٌ، وَالنَّارُ عِقَابُ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّهُ
يُرْجَمُ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا
أُضِيفَ إِلَى الدِّينِ مَثَلًا لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا.
(وَقَالَ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ اعْتِذَارًا عَنْ إِيرَادِ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُعَلِّقًا (تَرَكْتُ أَسَانِيدَهَا
لِلِاخْتِصَارِ) : وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ
تَرَكْتُ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ وَإِعَادَةٌ. قَالَ:
لِطُولِ الْفَصْلِ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي فِي حَلِّ
هَذَا الْمَحَلِّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ:
وَقَالَ: تَرَكْتُ أَسَانِيدَهَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
قَالَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ رَاوِي أَبِي دَاوُدَ،
يَقُولُ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً
بِإِسْنَادِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَفِيهَا: أَنَّهُ غَيَرَّ أَسَامِيَ رِجَالٍ،
ثُمَّ عَطَفَ أَبُو دَاوُدَ قَوْلَهُ: وَغَيَّرَ إِلَخْ
مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ:
مَا ذَكَرْتُهُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ
مُتَفَرِّقَةٍ مُسْنَدَةٍ، وَإِنِّي تَرَكْتُ
أَسَانِيدَهَا اخْتِصَارًا، كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ،
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ
سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ: وَغَيَّرَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ اسْمَ
الْعَاصِ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ اهـ.
كَلَامُ الطِّيبِيِّ فَتَأَمَّلْ.
(7/3007)
4777 - «وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ - أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِي
مَسْعُودٍ -: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي (زَعَمُوا؟)
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " بِئْسَ مَطِيَّةُ
الرَّجُلِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: إِنَّ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ حُذَيْفَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4777 - (وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ)
: وَهُوَ كُنْيَةُ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي
اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ (أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ لِأَبِي مَسْعُودٍ) : الشَّكُّ مِنْ أَحَدِ
الرُّوَاةِ عَنْهُمَا (مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: أَيَّ شَيْءٍ
سَمِعْتَهُ (يَقُولُ فِي: زَعَمُوا) أَيْ: فِي شَأْنِ
هَذِهِ الْكَلِمَةِ، أَوْ فِي حَقِّ هَذَا اللَّفْظِ،
وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ " مَا " نَافِيَةً وَهَمْزَةُ
الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةً. أَيْ: أَمَا سَمِعْتُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْعَنُ وَيَذْكُرُ
الذَّمَّ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهِمْ:
زَعَمُوا وَيَنْسِبُونَ الْأَخْبَارَ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ
الْعِبَارَةِ ظَنًّا وَحُسْبَانًا لَا تَحْقِيقًا
وَإِيقَانًا. (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: بِئْسَ مَطِيَّةُ
الرَّجُلِ) : وَهُوَ بِفَتْحِ مِيمٍ وَكَسْرِ طَاءٍ
مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ أَيْ: مَرْكُوبُهُ،
وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بَارْكِيرْ، يَعْنِي:
إِذَا عَجَزَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ
لِيُخَلِّصَ عُهْدَتَهُ. وَفِي الْقَامُوسِ: مَطَا: جَدَّ
فِي السَّيْرِ، وَالْمَطِيَّةُ الَّتِي تَمْطُو فِي
سَيْرِهَا، وَمَا أَحْسَنَ مُنَاسَبَةِ اشْتِقَاقِهَا
بِالْمَقَامِ، فَإِنَّهُ شُبِّهَ بِهَا الْكَلَامُ الَّذِي
لَمْ يُتَوَقَّفْ فِي تَحْقِيقِهِ، وَيَتَبَادَرْ فِيهِ
إِلَى نَقْلِهِ وَنَشْرِهِ، ثُمَّ الْجُمْلَةُ مَفْعُولُ
يَقُولُ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ
بِهِ أَيْ: بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا، وَلَوْ
رُوِيَتِ الْمَطِيَّةُ مَنْصُوبَةً لَكَانَ فِي بِئْسَ
ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إِلَى زَعَمُوا قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ
النَّهْيَ عَنِ التَّكَلُّمِ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ مِنْ
غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ، أَوْ عَنِ اخْتِرَاعِ
الْقَوْلِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ،
فَيَقُولُ: زَعَمُوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا،
فَيَتَّخِذُ قَوْلَهُ: زَعَمُوا مَطِيَّةً يَقْطَعُ بِهَا
أَوْدِيَةَ الْإِسْهَابِ. وَقِيلَ: سَمَّاهُ مَطِيَّةً؛
لِأَنَّ الرَّجُلَ يَتَوَصَّلُ بِهَذَا الْقَوْلِ إِلَى
مَقْصُودٍ مِنْ إِثْبَاتِ شَيْءٍ، كَمَا أَنَّهُ
يَتَوَصَّلُ إِلَى مَوْضِعٍ بِوَاسِطَةِ الْمَطِيَّةِ،
وَتَوْضِيحُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ: مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ
أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنَ الْمَسِيرِ
إِلَى بَلَدٍ وَالظَّعْنِ فِي حَاجَةٍ، رَكِبَ مَطِيَّةً
وَسَارَ حَتَّى يَقْضِيَ إِرْبَهُ، فَشَبَّهَ مَا
يُقَدِّمُهُ الْمُتَكَلِّمُ أَمَامَ كَلَامِهِ،
وَيَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى غَرَضِهِ مِنْ قَوْلِهِ:
زَعَمُوا كَذَا وَكَذَا بِالْمَطِيَّةِ الَّتِي
يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ:
زَعَمُوا فِي حَدِيثٍ لَا سَنَدَ لَهُ وَلَا ثَبْتَ فِيهِ،
وَإِنَّمَا يُحْكَى عَنِ الْأَلْسُنِ عَلَى سَبِيلِ
الْبَلَاغِ، فَذُمَّ مِنَ الْحَدِيثِ مَا كَانَ هَذَا
سَبِيلَهُ، وَالزَّعْمُ: بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الظَّنُّ
اهـ.
وَفِي الْحَدِيثِ مُبَالَغَةٌ فِي الِاجْتِنَابِ عَنْ
أَخْبَارِ النَّاسِ كَيْلَا يَقَعَ فِي الْكَذِبِ، وَقَدْ
وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «كَفَى بِالْمَرْءِ
إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» " لِأَنَّ
الرَّجُلَ إِذَا كَانَ مَذْمُومًا مَعَ
(7/3007)
قَوْلِهِ: زَعَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا
وَكَذَا حَيْثُ أَسْنَدَ إِلَى النَّاسِ، وَلَمْ
يَجْعَلْهُ إِنْشَاءً مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَا
جَزَمَ بِهِ، بَلْ عَبَّرَ بِالزَّعْمِ الَّذِي بِمَعْنَى
الِادِّعَاءِ وَالِافْتِرَاءِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ
تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ
لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ
مَذْمُومًا إِذَا أَسْنَدَ إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ عَلَى
وَجْهِ التَّحْقِيقِ، أَوْ نَسَبَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ
غَيْرِ إِسْنَادٍ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ كَذَبَ
عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْحَاصِلُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَبْدِيلُ
هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةِ، فَإِمَّا أَنْ
يُحَقِّقَ الْكَلَامَ وَيَنْسُبَهُ إِلَى قَائِلِهِ، أَوْ
يَسْكُتَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» " وَلَعَلَّ وَجْهَ
مُنَاسَبَةِ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْبَابِ
مُجَرَّدُ التَّغْيِيرِ لِلْأَمْرِ الْمَذْمُومِ أَعَمُّ
مِنْ أَنَّ يَكُونَ اسْمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَا
الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي هَذَا وَقَالَ
الطِّيبِيُّ، وَقَوْلُهُ فِي زَعَمُوا أَيْ: فِي شَأْنِ
زَعَمُوا وَأَمْرِهِ، أَيْ: هَلْ كَانَ يَرْضَى بِهِ
قَوْلًا أَمْ لَمْ يَرْضَ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا
التَّأْوِيلِ لِيَدْخُلَ فِي بَابِ تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ
الشَّنِيعَةِ، وَلَمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «بِئْسَ مَطِيَّةُ
الرَّجُلِ» "، يَعْنِي: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْثِرَ
الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ زَعْمَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَيْتَ
وَكَيْتَ، وَيَنْسُبُ الْكَذِبَ إِلَى أَخِيهِ
الْمُسْلِمِ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَ
وَتَيَقَّنَ كَذِبَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَحْتَرِزَ النَّاسُ
عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى: {زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا} [التغابن: 7] ، {بَلْ زَعَمْتُمْ
أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 48] . {أَيْنَ
شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:
22] اهـ. وَلَيْسَ مَسْلَكٌ غَيْرَ مَا شَرَحَهُ
الشُّرَّاحُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ) أَيْ: هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ، وَفِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ
زَعَمُوا، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ
حُذَيْفَةَ. (وَقَالَ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ (إِنَّ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: الْمَذْكُورَ فِي صَدْرِ
الْحَدِيثِ. (هُوَ حُذَيْفَةُ) .
(7/3008)
4778 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «قَالَ: " لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ
وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4778 - (وَعَنْ حُذَيْفَةَ) : لَمْ يَقُلْ وَعَنْهُ
لِئَلَّا يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إِلَى أَبِي مَسْعُودٍ (عَنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
" «لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ» ) :
فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَهُوَ كَائِنٌ أَوْ كَانَ
لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ
عِبَادِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالِاشْتِرَاكِ
(وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ) أَيْ: كَانَ (ثُمَّ
شَاءَ فُلَانٌ) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ مَشِيئَةِ اللَّهِ
شَاءَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَإِنَّمَا
قَدَّرْنَا كَانَ قَبْلَ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ،
لِيَنْدَفِعَ تَوَهُّمُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ
وَلَوْ بِالتَّرَاخِي أَيْضًا فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ
مَسْلَكٌ دَقِيقٌ، وَبِالتَّحْقِيقِ حَقِيقٌ؛ وَحِينَئِذٍ
قَوْلُهُ: ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ،
أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، كَمَا
أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَثُمَّ لِتَرَاخِي الْأَخْبَارِ،
وَهَذَا مُجْمَلُ مَا ظَهَرَ لِي فِي حَلِّ هَذَا
الْمَحَلِّ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لَمَّا كَانَ
الْوَاوُ حَرْفَ الْجَمْعِ وَالتَّشْرِيكِ مَنَعَ مِنْ
عَطْفِ إِحْدَى الْمَشِيئَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى،
وَأَمَرَ بِتَقْدِيمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَأْخِيرِ
مَشِيئَةِ مَنْ سِوَاهُ بِحَرْفِ ثُمَّ الَّذِي هُوَ
لِلتَّرَاخِي. قَالَ الطِّيبِيُّ: ثُمَّ هَاهُنَا
يُحْتَمَلُ التَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ، وَفِي
الرُّتْبَةِ، فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى
أَزَلِيَّةٌ، وَمَشِيئَةَ غَيْرِهِ حَادِثَةٌ تَابِعَةٌ
لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا
تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] ،
وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَشِيئَةُ الْعَبْدِ لَمْ
يَقَعْ أَكْثَرُهَا فَأَيْنَ إِحْدَاهُمَا مِنَ
الْأُخْرَى؟ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
(7/3008)
4779 - وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعًا قَالَ:
" «لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ،
وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» ". رَوَاهُ فِي "
شَرْحِ السُّنَّةِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4779 - (وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعًا) أَيْ: إِسْنَادُهَا
(قَالَ: " «لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ
مُحَمَّدٌ، وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» ")
أَيْ: شَاءَ غَيْرُهُ، أَوْ لَمْ يَشَأْ، وَهُوَ لَا
يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ جَوَازِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ
شَاءَ فُلَانٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
(7/3008)
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ
رَخَّصَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ
فُلَانٌ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: قُولُوا مَا شَاءَ
اللَّهُ وَحْدَهُ. قُلْتُ: فِيهِ جَوَابَانِ. أَحَدُهُمَا:
قَالَ دَفْعًا لِمَظِنَّةِ التُّهْمَةِ فِي قَوْلِهِمْ مَا
شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ تَعْظِيمًا لَهُ
وَرِيَاءً لِسُمْعَتِهِ، وَثَانِيهُمَا: أَنَّهُ رَأْسُ
الْمُوَحِّدِينَ وَمَشِيئَتُهُ مَغْمُورَةٌ فِي مَشِيئَةِ
اللَّهِ تَعَالَى، وَمُضْمَحِلَّةٌ فِيهَا. أَقُولُ:
أَصْلُ السُّؤَالِ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاخِلٌ فِي عُمُومِ فُلَانٍ،
فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ
مُحَمَّدٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ
وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، فَجَوَابُهُ الْأَوَّلُ خَطَأٌ
فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ
وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، لَكَانَ شِرْكًا جَلِيًّا لَا
مَظِنَّةً لِلتُّهْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَجَوَابُهُ
الثَّانِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا
يُفِيدُ جَوَازَ الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ، مَعَ أَنَّ
مَشِيئَةَ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَيْضًا مُضْمَحِلَّةٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى
سُبْحَانَهُ، وَأَيْضًا مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ
اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ لِمُجَرَّدِ الرُّخْصَةِ،
وَلَوْ قَالَ هُنَا قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ
مُحَمَّدٌ، لَكَانَ أَمْرَ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ، وَلَيْسَ
الْأَمْرُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ
الْمُسْنَدَةَ إِلَى فُلَانٍ إِنَّمَا هِيَ مَشِيئَةٌ
جُزْئِيَّةٌ لَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَشِيئَةِ
الْكُلِّيَّةِ، كَمَا رَمَزْنَا إِلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ
مِنَ الْكَلَامِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
بِالْمَرَامِ. (رَوَاهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ
الرِّوَايَةِ الْمَقْطُوعَةِ الْإِسْنَادِ (فِي شَرْحِ
السُّنَّةِ) : فَقَوْلُهُ فِي الْمَصَابِيحِ: وَفِي
رِوَايَةٍ، مَعْنَاهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِغَيْرِ
أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ خِلَافًا لِمَا هُوَ
الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْإِطْلَاقِ.
(7/3009)
4780 - وَعَنْهُ، «عَنِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا
تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ
سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ» ". رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4780 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ حُذَيْفَةَ وَفِي بَعْضِ
الْحَوَاشِي عَنْ بُرَيْدَةَ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي
وَجْهُ صِحَّتِهِ. (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ
سَيِّدٌ» ) : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ
لِلْمُؤْمِنِ: سَيِّدٌ، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الشِّخِّيرِ مَرْفُوعًا " «السَّيِّدُ اللَّهُ» "؛ لِأَنَّ
فِي الْحَقِيقَةِ لَا سِيَادَةَ إِلَّا لَهُ وَمَا سِوَاهُ
مَمْلُوكُهُ. (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ أَوِ
الْمُنَافِقَ (إِنْ يَكُ سَيِّدًا) أَيْ: سَيِّدَ قَوْمٍ
أَوْ صَاحِبَ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَأَمْوَالٍ (أَسْخَطْتُمْ
رَبَّكُمْ) أَيْ: أَغْضَبْتُمُوهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ
تَعْظِيمًا لَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ
التَّعْظِيمَ، فَكَيْفَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدًا
بِأَحَدٍ مِنَ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ
كَذِبًا وَنِفَاقًا وِفَاقًا. وَفِي النِّهَايَةِ:
فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ سَيِّدَكُمْ وَهُوَ مُنَافِقٌ،
فَحَالُكُمْ دُونَ حَالِهِ وَاللَّهُ لَا يَرْضَى لَكُمْ
ذَلِكَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: إِنْ يَكُ سَيِّدًا لَكُمْ
فَتَجِبُ عَلَيْكُمْ طَاعَتُهُ، فَإِذَا أَطَعْتُمُوهُ
فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ، أَوْ لَا تَقُولُوا
لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ
فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ، فَوَضَعَ الْكَوْنَ
مَوْضِعَ الْقَوْلِ تَحْقِيقًا لَهُ. قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ
قَوْلَ النَّاسِ لِغَيْرِ الْمِلَّةِ كَالْحُكَمَاءِ
وَالْأَطِبَّاءِ مَوْلَانَا دَاخِلٌ فِي هَذَا النَّهْيِ
وَالْوَعِيدِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّ؛ لِوُرُودِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: مَوْلَانَا فِي التَّنْزِيلِ دُونَ السَّيِّدِ.
قُلْتُ: إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ تَعْظِيمُهُ، فَلَا
شَكَّ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ
أَحَدُ مَعَانِي الْمَوْلَى مِمَّا سَبَقَ فَلَا يَبْعُدُ
جَوَازُهُ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ
وَالضَّرُورَةِ، وَالْمَخْلَصُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ
التَّوْرِيَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي تَجْوِيزِ
إِطْلَاقِ الْمَوْلَى عَلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ {فَإِنْ
لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}
[الأحزاب: 5] ، أَيْ: فِي الْمُسْلِمِينَ وَمَوَالِيكُمْ
فِي غَيْرِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْلَى
وَالسَّيِّدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ، وَجَوَازُ إِطْلَاقِهِ وَعَدَمِهِ عَلَى
غَيْرِهِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنَ الشَّارِعِ، وَلَمْ
يَرِدْ نَهْيٌ عَنْ إِطْلَاقِ الْمَوْلَى عَلَى غَيْرِهِ
سُبْحَانَهُ، فَيَجُوزُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ
الْمُتَعَارَفُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، «وَمَا
رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ
حَسَنٌ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ: «إِذَا قَالَ
الرَّجُلُ لِلْمُنَافِقِ: يَا سَيِّدًا فَقَدْ أَغْضَبَ
رَبَّهُ» ، وَلَعَلَّ هَذَا مَنْشَأُ وَهَمِ الْمُحَشِّي
فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ
الْحَدِيثِ.
(7/3009)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
4781 - «وَعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ
شَيْبَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: " مَا اسْمُكَ؟ " قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: "
بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ " قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا
سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا
زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ» . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
4781 - (عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ
شَيْبَةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: حَجَبِيٌّ، رَوَى عَنْ
عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْهُ ابْنُ
جُرَيْجٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ (قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) : - بِتَشْدِيدِ
التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ، وَهُوَ
مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ
(فَحَدَّثَنِي أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا) : بِفَتْحِ حَاءٍ
وَسُكُونِ زَايٍ (قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَا اسْمُكَ؟ "
فَقَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: " بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ)
أَيْ: فَإِنَّ الْحَزْنَ ضِدُّ السَّهْلِ، وَقَدْ وَرَدَ:
«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّهْلَ الطَّلِيقَ» ،
عَلَى مِمَّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا
جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلًا
إِذَا شِئْتَ» "، وَفِي الْقَامُوسِ: الْحَزْنُ مَا غَلُظَ
مِنَ الْأَرْضِ، وَالسَّهْلُ: مِنَ الْأَرْضِ ضِدُّ
الْحَزْنِ. (قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيَّرٍ اسْمًا
سَمَّانِيهِ أَبِي) : وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ؛
لِأَنَّ السَّهْلَ يُوطَأُ وَيُمْتَهَنُ أَيْ: لَا
أُغَيِّرُ اسْمِي؛ لِأَنَّ السَّهْلَ يُوطَأُ وَيُهَانُ
أَيْ: يُدَاسُ بِالْأَقْدَامِ، وَفِيهِ نَوْعُ نَزْغَةٍ
مِنْ نَزَغَاتِ إِبْلِيسَ وَقِيَاسَاتِهِ مِنَ
التَّلْبِيسِ، حَيْثُ لَمْ يَدْرِ أَنَّ مَنْ تَوَاضَعَ
لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَأَنَّ الْمَرْءَ عِنْدَ
الِامْتِحَانِ يُكْرَمُ أَوْ يُهَانُ، وَالْحَاصِلُ
أَنَّهُ - كَمَا قِيلَ: الْأَسْمَاءُ تَنْزِلُ مِنَ
السَّمَاءِ - يُوَافِقُ اسْمُهُ حُزْنَهُ الْجِبِلِيَّةِ
مُطَابِقًا لِلْحَزْنِ الْجِبِلِّيِّ، وَمَا أَفَادَهُ
قَوْلُ الْحَكِيمِ الْإِلَهِيِّ، وَأَبْعَدَ الطِّيبِيُّ
فِي قَوْلِهِ: بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ أَيْ: هَذَا الِاسْمُ
غَيْرُ مُنَاسِبٍ لَكَ؛ لِأَنَّكَ حَلِيمٌ لَيِّنُ
الْجَانِبِ يَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى سَهْلًا، فَإِنَّهُ
لَوْ كَانَ حَلِيمًا لَيِّنَ الْجَانِبِ لَرَاعَى أَدَبَ
جَانِبِ النُّبُوَّةِ، وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى أَخْلَاقِ
الْفُتُوَّةِ، وَلَوْ بَدَّلَ اسْمَهُ السَّهْلَ
بِالْحَزْنِ، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ
أَبَاهُ حَتَّى سَرَى هَذَا الطَّبْعُ فِي ذُرِّيَّتِهِ؟
(قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا) أَيْ:
مَعْشَرِ أَوْلَادِهِ (الْحُزُونَةُ) أَيْ: صُعُوبَةُ
الْخُلُقِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ (بَعْدُ)
أَيْ: بَعْدَ إِبَاءِ أَبِي اسْمَ السَّهْلِ مِنَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
(7/3010)
4782 - وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَمُّوا أَسْمَاءَ
الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ:
عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا
حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4782 - (وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ) : بِضَمِّ
جِيمٍ وَفَتْحِ شِينٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ:
اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَلَهُ صُحْبَةٌ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «تَسَمُّوا
بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ» ) أَيْ: دُونَ الْمَلَائِكَةِ
لِمَا سَبَقَ، وَلَا بِأَسْمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ
كَلْبٍ وَحِمَارٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ وَنَحْوِهَا. (
«وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» ) أَيْ: وَنَحْوُهُمَا مِنْ عَبْدِ
الرَّحِيمِ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ وَأَمْثَالِهِمَا.
(وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ) : فَإِنَّ الْأَوَّلَ
بِمَعْنَى الْكَاسِبِ، وَالثَّانِي: فَعَّالٌ مِنْ هَمَّ
يَهِمُّ، فَلَا يَخْلُو إِنْسَانٌ عَنْ كَسْبٍ، وَهَمٍّ
بَلْ عَنْ هُمُومٍ. (وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) :
لِأَنَّ الْحَرْبَ يُتَطَيَّرُ بِهَا وَتُكْرَهُ لِمَا
فِيهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَذَى، وَأَمَّا مُرَّةُ؛
فَلِأَنَّ الْمُرَّ كَرِيهٌ؛ وَلِأَنَّ كُنْيَةَ إِبْلِيسٍ
أَبُو مُرَّةَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا
النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي
تَارِيخِهِ.
(7/3010)
|