التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر ترجمة الإمام
السخاوي:
اسمه ونسبه ولقبه:
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد،
السخاوي نسبة إلى سخا بلد غربي الفسطاط، القاهري المولد
الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين الملقب بشمس الدين أبو
الخير، وأبو عبد الله بن الزين، أو الجلال أبي الفضل وأبي
محمد.
مولده:
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، بحارة بهاء
الدين علو الدرب، المجاور لمدرسة شيخ الإسلام البلقيني، محل
أبيه وجده، ثم تحول منه حين دخل في الرابعة مع أبويه لملك
اشتراه أبوه، مجاور لسكن شيخه ابن حجر.
رحلاته:
رحل وجاب ودخل الآفاق والبلدان، فكان صاحب رحلة واسعة، فمن تلك
البلدان: حلب ودمشق وقطيا وغزة وبيت المقدس والخليل ونابلس
ودمياط ومكة المكرمة والمدينة المنورة، والزبداني وبعلبك وحمص
وحماة وسرين وجبرين وطرابلس وغيرها كثير.
شيوخه:
رحلة السخاوي الواسعة لقي في خلالها أئمة العصر من كل بلد
ومصر، فقرأ وسمع وأجيز، وقد زادوا على الأربعمائة شيخ فمنهم
البرهان ابن خضر، والشهاب أبي العباس الحناوي، تضلع على هذين
في صناعة
(1/13)
الإعراب، وكذا أخذ عن حفيد سيبويه النحوي
الشهير الجمال ابن هشام الحنبلي، وأخذ أيضًا عن صالح البلقيني،
والشمني الحنفي، وقاسم بن قطلوبغا، والجلال المحلي، ولازم
وأكثر عن شيخه شيخ الحفاظ ابن حجر العسقلاني، وهو أجلّ شيوخه
وأعظمهم أثرًا فيه، وغيرهم كثير، جمعهم بنفسه في كتاب له أسماه
"بغية الراوي فيمن أخذ عنه السخاوي" أو "الامتنان بمشايخ محمد
بن عبد الرحمن".
انظرهم في الضوء "8/ 3 وما بعدها".
ثناء العلماء عليه:
اشتهر السخاوي بنباهته وفطنته وحرصه، حتى فاق أقرانه وشهد له
بذلك شيخ عصره وأستاذ مصره حافظة الزمان الإمام الهمام ابن حجر
-رحمه الله-، بل كان ينوه بذكره. قال الزين قاسم الحنفي: "وقد
كان هذا المصنف -يعني السخاوي- بالرتبة المنيفة في حياة حافظ
العصر وأستاذ الزمان، حتى شافهني -أي ابن حجر- بأنه أنبه طلبتي
الآن، وقال أيضًا: حتى كان ينوه بذكره ويعرف بعلو فخره ويرجحه
على سائر جماعته المنسوبين إلى الحديث وصناعته كما سمعته منه
وأثبته بخطي قبل عنه".
وقال الحافظ التقي بن فهد الهاشمي: "زين الحفاظ وعمدة الأئمة
الأيقاظ شمس الدنيا والدين ممن اعتنى بخدمة حديث سيد المرسلين
واشتهر بذلك في العالمين على طريقة أهل الدين والتقوى فبلغ فيه
الغاية القصوى.
وأثنى عليه آخرون كثيرون منهم تلميذه الحافظ عمر بن فهد
الهاشمي المكي، وأبو ذر ابن البرهان الحلبي، والبرهان البقاعي،
والتقي القلقشندي، والعز الحنبلي والبلقيني، والشاب أحمد بن
محمد بن علي الحجازي، والبدر العيني، والتقي الشمني، وصديق حسن
خان،
(1/14)
والشوكاني وغيرهم كثير.
مصنفاته:
شرع الحافظ السخاوي في التصنيف قبل وفاة شيخه الحافظ ابن حجر،
حيث قال في "الضوء" "8/ 15": "إنه شرع في التصنيف والتخريج قبل
الخمسين" أي قبل الخمسين وثمانمئة، وهذا النبوغ المبكر أفاده
جدًّا من حيث البراعة في أكثر الفنون، كالفقه والعربية
والقراءات والحديث والتاريخ، وله مشاركات في الفرائض وأصول
الفقه والتفسير وغيرها.
فهذه البراعة ساعده في التصنيف والتأليف، وقد ذكر البلوي في
"ثبته" ص "375" أن علي بن عياد البكري الفيلالي أخبره أن
السخاوي كتب له إجازة عامة، وأحاله على فهرسته، وأخبره أن له
مائة وستين تأليفا، وأن بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-
عشرة رجال في الحديث.
والذي يبدو أن السخاوي لم يقتصر على هذا العدد من المصنفات
والمؤلفات، بل تعدت هذا العدد بكثير، فقد ذكر الكتاني في "فهرس
الفهارس" "2/ 989" عن ابن روزبهان قوله: " ... وله تصانيف تنيف
على أربعمائة مجلد، كما ذكر وفصل في كثير من إجازاته، وكان له
مائة وعشرون شيخًا في صحيح البخاري".
وقال الزركلي في "الأعلام" "6/ 194": " ... وصنف زهاء مئتي
كتاب ... ".
ومن تلك المؤلفات والمصنفات:
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع و"الإعلان بالتوبيخ لمن ذم
التاريخ"، والمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة
على الألسنة، وفتح المغيث شرح ألفية الحديث، والتحفة اللطيفة
في أخبار
(1/15)
المدينة الشريفة، وتخريج أحاديث العادلين،
وتحرير الجواب عن ضرب الدواب، ورجحان الكفة في ذكر نبذة عن حال
أهل الصفة، والجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر،
والغاية شرح الهداية. وغيرها كثير جدًّا.
وفاته:
توفي -رحمه الله- بالمدينة النبوية سنة "902هـ" وأسف الناس على
موته أشد الأسف، ف-رحمه الله- رحمة واسعة آمين.
مصادر ترجمته:
جرت عادة الحفاظ في عصره أن يترجم المرء لنفسه في بعض مؤلفاته،
وكان من أولئك الحفاظ الإمام السخاوي -رحمه الله- حيث ترجم
لنفسه في كتابه الضوء اللامع "8/ 2-32"، والتحفة اللطيفة "3/
630"، وانظر أيضًا لترجمته: شذرات الذهب "8/ 15-17"، والبدر
الطالع "2/ 184-187"، فهرس الفهارس للكتاني "2/ 989-993"، وثبت
البلوي "ص375"، والتاج المكلل "ص449" وهدية العارفين للبغدادي
"2/ 219-221"، ومعجم المؤلفين لكحالة "10/ 150"، والمستدرك على
معجم المؤلفين "ص678-679"، والأعلام "6/ 194-195" وغيرها.
(1/16)
نسخ الكتاب:
وقفت -حسب علمي- على نسختين للكتاب.
الأولى:
مصدرها دار الكتب المصرية، وهي مصورة بمكتبة المخطوطات
بالجامعة الإسلامية -بالمدينة النبوية- فلم.
رقمها: "982".
عدد أوراقها:
"10" أوراق ذات وجهين، عدا الورقة الأولى.
ناسخها: العلامة الحافظ الشيخ عبد العزيز بن عمر بن محمد بن
فهد المكي الهاشمي.
إمام محدث ثقة بارع، له مصنفات عدة، لازم الإمام السخاوي، وقرأ
عليه الكثير من كتبه توفي سنة "921هـ".
له ترجمة في "الضوء اللامع" "4/ 224"، و"شذرات الذهب" "8/
100"، والكتاني في "فهرس الفهارس" "2/ 754" وانظر مقدمة تحقيق
كتاب "غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام" لابن فهد "1/
15-17"، و"الأعلام" "4/ 24".
تاريخها:
نسخت هذه النسخة في حياة المؤلف -رحمه الله- في يوم الأحد 3/
6/ 900هـ وعليها سماعات بخط المصنف -رحمه الله- اعتمدت على هذه
النسخة وجعلتها أصلًا، لتقدمها عن الأخرى، ولأن ناسخها من
الحفاظ المتقنين، ومن الملازمين للإمام السخاوي ولندرة الأخطاء
فيها.
والذي يبدو من صنيع الناسخ في المخطوطة هذه أنه كان يكتب
"التذكرة" لابن الملقن، بخط مغاير للخط الذي نسخ به التوضيح،
وهذا واضح جدًّا في المخطوط، فنجد "التذكرة" بخط فاتح يصل
أحيانًا إلى عدم الوضوح، والتوضيح بخط غامق داكن مميز.
(1/17)
وكذا تتميز النسخة هذه بخطها الجميل
المرتب، ورمزت لها بـ "أ".
الثانية: هي كذلك من محفوظات دار الكتب المصرية، منها صورة في
مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية -بالمدينة النبوية- فلم.
رقمها:
"983".
عدد الأوراق:
"10" ورقات كل ورقة ذات وجهين عدا الورقة الولى والأخيرة،
ناسخها: عبد المعطي بن أحمد بن محمد السخاوي. ولم أقف له على
ترجمة، وليس هو حفيد السخاوي كما يظن من أول هلة؛ لأن ابن
السخاوي أحمد ولد سنة "855هـ" وتوفي بالطاعون سنة "864 هـ"
فيكون عمره تسع سنوات، ولم يذكر في ترجمته أنه تزوج أو عقب.
ينظر الضوء اللامع "2/ 120".
تاريخها:
نسخت هذه النسخة أيضًا في حياة المصنف ولكن في آخر حياته، بل
قبل وفاته بتسعة أيام -البدر الطالع "2/ 186- وكانت في يوم
الأحد "5/ 8/ 902هـ".
وعلى هذه النسخة تعليقات كثيرة لعلي الأنصاري، وهي من كتبه،
وعليها تملكه، وكذا عليها سماعات تثبت صحتها.
وخطها مقروء لا بأس به، والنسخة مقروءة على المؤلف أو مقابلة
على أصل له يدل على ذلك ما جاء في حواشي المخطوطة من تكرار
كلمة "بلغ" أو "ثم بلغ" أو قوله "بلغ مقابلة على مؤلفه" كما في
"ل/ 7/ أ" وقوله "بلغ مقابلة بحضرة مؤلفه" "ل/ 11/ أ" ورمزت
لها بـ "ب".
ومع هذا فإنه لا يوجد هناك فرق يذكر بين النسختين "أ" و"ب" لأن
النسختين معروضتان على المؤلف فنتج عن هذا قلة الأخطاء.
ومما يجب الإشارة إليه أن "التوضيح" طبع بتحقيق وتعليق/ حسن
(1/18)
إسماعيل الجمل، نشر دار التقوى، واعتمد
المحقق على نسخة واحدة محفوظة بدار الكتب المصرية إلا أنها
نسخة مغايرة للنسختين اللتين اعتمدتهما، فجاء عمله مشوبًا
بالنقص خاصة في قراءة المخطوط، وحتى لا يقال أن هذا القول خالٍ
من التدليل، سأذكر مثالين على سبيل التدليل لا الحصر:
جاء في المطبوع من "التوضيح" "ص26": " ... وقت واحد لغيره
المتوصل به ... ".
مع أن الصواب والوارد في النسختين قوله: " ... واحد لعزة
-بالزاي والتاء المربوطة- التوصل -بدون ميم- به ... ". وانظر
فتح المغيث "3/ 356".
وأيضًا في الصفحة نفسها أخطأ في قراءة كلمة من تعريف المصحف
حيث قال: " ... والمصحف زيادة ... ". بالزاي هكذا- والصواب كما
في النسختين والموافق لتعريف المصحف والمصطلح عليه عند أهل
الفن "تارة" بالتاء والراء ثم التاء المربوطة.
ولعله لا يسعني في هذا المقام إلا أن أشكره على عمله ونسأل
الله له التوفيق.
وأقول للقارئ الكريم قارن بين التحقيقين والتعليقين ثم احكم.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(1/19)
|