الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح رحمه الله تعالى النوع الرابع
والثلاثون
معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه
هذا "فن"1 مهم مستصعب. روينا عن "الزهري" أنه قال: "أعيا
الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم من منسوخه ".
وكان للشافعي رضي الله عنه فيه "يد" طولى وسابقة أولى.
روينا عن "محمد بن مسلم بن وارة" أحد أئمة الحديث أن أحمد بن
حنبل قال له وقد قدم من مصر "كتبت كتب الشافعي؟ "فقال"2: لا.
قال: فرطت ما علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم من منسوخه حتى جالسنا الشافعي".
وفيمن عاناه من أهل الحديث من أدخل فيه ما ليس منه لخفاء معنى
النسخ وشرطه وهو عبارة عن رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه
متأخر وهذا حد وقع لنا سالم من اعتراضات وردت على غيره.
ثم إن ناسخ الحديث ومنسوخه ينقسم أقساما:
فمنها: ما يعرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم به كحديث
بريدة الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" في أشباه
لذلك.
ومنها: ما يعرف بقول الصحابي كما رواه الترمذي وغيره عن أبي بن
كعب أنه قال: "كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي
عنه" وكما خرجه النسائي عن جابر بن عبد الله قال: "كان آخر
الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست
النار" في أشباه لذلك.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "في".
2 من خط وع، وفي ش: "قال".
(2/460)
ومنها: ما عرف بالتاريخ كحديث "شداد بن
أوس" وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم
والمحجوم" وحديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
احتجم وهو صائم".
"بين"1 الشافعي أن الثاني ناسخ للأول من حيث أنه روي في حديث
شداد أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح فرأى
رجلا يحتجم في شهر رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم" وروي في
حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم
فبان بذلك أن الأول كان "في"2 زمن الفتح في سنة ثمان والثاني
في حجة الوداع في سنة عشر.
ومنها: ما يعرف بالإجماع كحديث قتل شارب الخمر في المرة
الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بانعقاد الإجماع على ترك العمل به
والإجماع "لا ينسخ ولا ينسخ"3 ولكن يدل على وجود ناسخ غيره
انتهى.
النسخ في اللغة يطلق على الإزالة وعلى التحويل وأما نسخ
الأحكام الشرعية وهو المحدود "ها هنا"4 فهو عبارة عن رفع
الشارع حكما من أحكامه سابقا بحكم من أحكامه لاحق والمراد برفع
الحكم قطع تعلقه عن المكلف.
واحترز "بالرفع" عن: بيان المجمل فإنه ليس برفع.
وبالشارع عن: إخبار من شاهد النسخ من الصحابة وأخبر به غيره.
وبرفع الحكم عن: رفع الإباحة الأصلية فإنه لا يسمى نسخا.
وبالسابق عن: التخصيص المتصل بالتكليف كالاستثناء ونحوه.
و"بحكم من أحكامه" عن: رفع الحكم لموت المكلف أو زوال التكليف
بجنون أو نحوه.
و"باللاحق" عن: انتهاء الحكم بانتهاء الوقت كقوله صلى الله
عليه وسلم "إنكم "لاقوا"5 العدو غدا والفطر أقوى لكم فأفطروا".
__________
1خط وع، وفي ش: "فبين".
2 من خط، وليس في ش وع.
3 ضبطهما في خط: بفتح المثناة في الأولى والضم في الثانية.
4 من خط، وفي ل: "هذا".
5 هكذا في خط ول، وهو عند مسلم "1120"، وأبي داود "2406"،
وكذلك أحمد "3/35" بلفظ اخر من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه، فراجعه.
(2/461)
فالصوم بعد ذلك ليس لنسخ متأخر.
والمصنف تبع في حده القاضي أبا بكر الباقلاني فإنه حده برفع
الحكم واختاره الآمدي وابن الحاجب1
"واعترض" عليه بأن الحكم قديم لا يرتفع "وربما تقدم"2 أن
المراد برفع الحكم قطع تعلقه عن المكلف"1".
ويعرف النسخ بأربعة أمور: بنص الشارع عليه أو بنص صحابي أو
بمعرفة التاريخ أو بالإجماع.
فالأول: كقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما
بدا لكم وكنت نهيتكم عن الظروف" الحديث.
أخرجه: مسلم والترمذي وصححه من حديث بريدة بن الحصيب.
والثاني: كقول جابر: "كان آخر الأمرين".. إلى آخره3.
"واعترض" "على"4 المصنف في جعله قول الصحابي يكون ناسخا
والصحيح عن الأصوليين كالإمام والآمدي وابن الحاجب أنه لا
يكتفى بقوله هذا منسوخ بل لا بد من التصريح بقوله: "هذا متأخر
عن هذا" ولا يكفي قوله: "هذا منسوخ" لاحتمال أن يقوله عن
اجتهاد "أو يراه"5
نعم حكي في المحصول عن الكرخي أنه يكفي ويعضده ما حكاه البيهقي
في المدخل "بإسناده"6 إلى الشافعي وعبارته: "ولا يستدل على
الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر أو "بقول"7 من سمع الحديث أو
العامة"
فذكر الأربعة وجعل منها: "قول من سمع الحديث" وهو الصحابي وما
قاله
__________
1 راجع: "التقيد".
2 هذا الاحتمال من الأبناسي، ولم يرد في "ع" وقد سبقت الإشارة
إلى هذا "المراد" قريبا.
3 راحع: "التقييد" و"الشرح".
4 في خط: "عليه" والصواب ما أثبته، وراجع: "التقيد"
5 كذا في خط، وفي ع: "ونحن لانرى مايراه"، فالطاهر أنه سقط شيء
على الناسخ، ولم نقل: "لعل "أو" مقحمة" وبذلك يستقيم السياق،
لأنه ليس من عادة الناسخ أن يقحم شيئا، وان أسقط أشياء.
6 من ع، وفي خط: "إسناده".
7 من ع، وفي خط: "يقول".
(2/462)
الشافعي والمحدثون أوضح وأشهر إذ لا يصار
إلى النسخ بالاجتهاد والرأي وإنما يصار إليه عند معرفة التاريخ
والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير
أن يعرف تأخر الناسخ عنه.
والثالث: كحديث شداد بن أوس1 رواه أبو داود والنسائي وابن
ماجه. قال الشافعي: هو منسوخ بحديث ابن عباس: "أنه صلى الله
عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم". أخرجه: مسلم فإن ابن عباس
إنما صحبه محرما في "حجة الوداع" سنة عشر.
قال ابن كثير2: وإنما أسلم مع أبيه في "الفتح"3.
والرابع: كحديث معاوية4: "من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في
الرابعة فاقتلوه". رواه: أصحاب السنن.
ورواه: أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن شرحبيل بن
أوس ورواه الطبراني من حديث جرير بن عبد الله والشريد بن أوس5
"واعترض" على المصنف بأن هذا الحديث نسخ بنص الشارع لا
بالإجماع6.
روى البزار في مسنده من رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن
المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه".
قال: فأتي بالنعيمان قد شرب الرابعة فجلده ولم يقتله فكان ذلك
نسخا للقتل.
قال البزار: لا نعلم أحدا حدث به إلا ابن إسحاق.
__________
1 حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" كما في ل، وقد سبق عند ابن
الصلاح.
2 راجع: "الشرح".
3 كذا قرر ابن كثير رحمه الله، وتبعه الأبناسي، ولم يتعرض محقق
"الباعث" لذلك – تبعا للشيخ شاكر رحمه الله – وفيه نظر، فقد
أسلم العباس قبل "الفتح"، وكان ابن عباس وأمه من "المستضعفين"
وممن عذرهم الله عز وجل، كماذكر ابن عباس في تفسير قوله تعالى:
{ِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَالْوِلْدَانِ....} "النساء:98". وأورد حديثه هذا البخاري في
"صحيحه" في تفسير الاية المذكورة من سورة "النساء".والله أعلم
4 في ع ول: "..معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم..".
5 راجع: "الشرح" و "التقييد"
6 راجع: "ص/345" "التقييد" و "الشرح".
(2/463)
"وذكره"1 الترمذي تعليقا من حديث ابن إسحاق
ثم قال: وكذلك "روى الزهري"2 عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى
الله عليه وسلم نحو هذا. قال3: فرفع القتل وكانت رخصة.
وقبيصة: ذكره ابن عبد البر في "الصحابة" وقال: ولد في أول سنة
من الهجرة وقيل: ولد عام الفتح وهو الصحيح4.
"واعترض" أيضا بأنه كيف يدعي الإجماع والخلاف موجود؟ وكأنه قلد
الترمذي في ذلك حيث قال في آخر الجامع جميع ما في هذا الكتاب
معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين:
- حديث: ابن عباس في الجمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب
والعشاء من غير خوف ولا سفر5.
- وحديث: إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن "عاد الرابعة"6 فاقتلوه.
قال النووي في "شرح مسلم": وهذا في حديث شارب الخمر هو كما
قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه.
قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به.
فأقر النووي الترمذي على أن الإجماع نسخه وفيه نظر. فقد قال
بقتله ابن حزم.
فإن قيل: خلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع وسلمناه فقد حكي
ذلك عن الحسن البصري.
ورواه أيضا أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو أنه قال: ائتوني
برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله.
__________
1 من ع، وفي خط: "وذكر".
2 من خط و "الترمذي" "1444"، وفي ع: "روي عن الزهري".
3 يعني: الترمذي.
4 راجع: "التقييد".
5 راجع: "شرح العلل" لابن رجب "1/323-324-ط: همام سعيد".
6 هكذا في خط، وفي ع والجامع للترمذي: "عاد في الرابعة".
(2/464)
وإذا ثبت الخلاف في هذا فالأولى أن يمثل له
بحديث رواه الترمذي1 من حديث جابر قال: كنا إذا حججنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان.
قال الترمذي: "حديث غريب"2 لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال:
وقد أجمع أهل العلم عن أن المرأة لا يلبي عنها غيرها هي تلبي
عن نفسها.
فهذا حديث قد أجمعوا على ترك العمل به فكان ينبغي للترمذي أن
يستثنيه مع الحديثين السابقين.
والجواب عن الترمذي من "وجهين"3:
أحدهما: ما أجاب به الشيخ محب الدين الطبري في كتاب القرى أن
المراد أن المرأة لا ترفع صوتها ويجزىء عن رفع صوتها رفع صوت
الرجال لا أنها لا تلبي مطلقا وأن فيه استعمال المجاز بجعله عن
النساء للاجتزاء "بجهر"4 الرجال بالتلبية عن استحبابه في حق
النساء وكأن الرجال قاموا عن النساء بهذه السنة وفيه تكلف.
والثاني: أن هذا الحديث قد اختلف في لفظه على "ابن نمير"5
فرواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل الواسطي عنه هكذا.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن نمير بلفظ: "حججنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن
الصبيان "ورمينا"6 عنهم. هكذا رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"
ومن طريقه رواه ابن ماجه في "سننه".
قال ابن القطان: وهذا أولى بالصواب وأشبه به.
وإذا اضطربت رواية الترمذي7 فلا يحكم على الحديث بالنسخ عند
ترك العمل به إجماعا إلا إذا علمنا صحته
وقد أشار إلى ذلك الفقيه أبو بكر الصيرفي في كتاب "الدلائل"
عند الكلام
__________
1 راجع: "التقييد".
2 هكذا في خط، وفي ع: "حديث حسن غريب".
3 هكذا في خط، وفي ع: "ثلاثة أوجه"
4 من ع، وفي خط: "لجهر" باللام.
5 ضبط خط.
6 من خط، وفي ع: "وروينا".
7 راجع: "التقييد".
(2/465)
على تعارض حديثين فقال: فإن أجمع على إبطال
حكم أحدهما، فأحدهما منسوخ أو غلط، والآخر ثابت.فيمكن حمل
"كلام الصيرفي" على ما إذا لم يثبت الحديث الذي أجمع على ترك
العمل به فإن الحكم عليه بالنسخ فرع عن ثبوته.
ويمكن حمل كلامه على ما إذا كان صحيحا أيضا وهو خبر آحاد
وأجمعوا على ترك العمل به "ولا"1 يتعين المصير إلى النسخ
لاحتمال وجود الغلط من رواته فهو "كما قال"2 منسوخ أو غلط.
وأما من أجاب3 بأن هذا الحديث قد قال ببعضه بعض أهل العلم وهو
الرمي عن الصبيان فلم يجمع على ترك العمل بجميع الحديث ففيه
نظر.
__________
1 من ع، وفي خط: "فلا".
2 من ع، وفي خط: "كمال".
3 هذا هو الجواب الأول من الثلاثه لدى العراقي.
(2/466)
النوع الخامس
والثلاثون
معرفة المصحف من أسانيد الأحاديث ومتونها
هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ و"الدارقطني"
منهم وله فيه تصنيف مفيد.
وروينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال ومن
يعرى من الخطأ والتصحيف؟.
فمثال التصحيف في الإسناد حديث شعبة عن العوام بن مراجم عن أبي
عثمان النهدي عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها" ... الحديث.
صحف فيه يحيى بن معين فقال ابن مزاحم بالزاي والحاء فرد عليه
وإنما هو ابن مراجم بالراء المهملة والجيم.
ومنه: ما رويناه عن أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر1 قال:
"ثنا"2 شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن عائشة "أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت" وقال أحمد صحف
شعبة فيه وإنما هو خالد بن علقمة وقد رواه زائدة بن قدامة
وغيره على ما قاله أحمد.
وبلغنا عن الدارقطني أن ابن جرير الطبري قال فيمن روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم من بني سليم ومنهم عتبة بن "البذر"3 قاله
بالباء والذال المعجمة وروى له حديثا وإنما هو ابن الندر
بالنون والدال غير المعجمة.
__________
1 من ع، وفي خط: "حدثنا محمد بن حفص" وفي ش: "أخبرنا محمد بن
جعفر".
2 من خط، وفي ش وع: "حدثنا".
3 ضبط خط.
(2/467)
ومثال التصحيف في المتن ما رواه ابن لهيعة
عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده عن "زيد"1 بن ثابت أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد وإنما هو بالراء
"احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فيها" فصحفه ابن لهيعة
لكونه أخذه من كتاب بغير سماع ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز
له.
وبلغنا عن الدارقطني في حديث أبي سفيان عن جابر قال: "رمي أبي
يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أن
غندرا قال فيه أبي وإنما هو أبي بن كعب
وفي حديث أنس ""ثم"2 يخرج من النار من قال لا إله إلا الله
وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة" قال فيه شعبة ذرة بالضم
والتخفيف ونسب فيه إلى التصحيف
وفي حديث أبي ذر تعين الصانع قال فيه هشام بن عروة بالضاد
المعجمة وهو تصحيف والصواب ما رواه الزهري الصانع بالصاد
المهملة ضد الأخرق
وبلغنا عن أبي زرعة الرازي أن يحيى بن سلام هو المفسر "حدث"3
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ
دَارَ الْفَاسِقِينَ} قال: "مصر"4 واستعظم أبو زرعة هذا
واستقبحه وذكر أنه في تفسيره عن قتادة مصيرهم.
وبلغنا عن الدارقطني أن محمد بن المثنى أبا موسى العنزي حدث
بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "لا يأتي أحدكم يوم القيامة
ببقرة لها خوار" فقال فيه "أو شاة تنعر بالنون وإنما هو تيعر
بالياء المثناة من تحت وأنه قال لهم يوما: "نحن"5 قوم لنا شرف
نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا يريد ما
روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة" "توهم6 أنه
صلى إلى قبيلتهم وإنما العنزة ها هنا حربة نصبت بين يديه فصلى
إليها.
وأظرف من هذا ما رويناه عن الحاكم أبي عبد الله عن أعرابي زعم
أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة "أي
صحفها عنزة"7 بإسكان النون.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "يزي
2 من ش وع، وليس في خط.
3 من ش وع، وفي خط "حديث".
4 ضبط خط.
5 من ش وع، وفي خط: "نحر"
6 من ش، وفي ع: "يوهم"، وفي خط: "فوهم".
7 من خط وع، وفي ش: "أي عنزة صحفها".
(2/468)
وعن الدارقطني أيضا أن أبا بكر الصولي أملى
في الجامع حديث أبي أيوب من "صام رمضان وأتبعه ستا من شوال"
فقال فيه: شيئا بالشين والياء.
وأن "أبا بكر الإسماعيلي الإمام" كان فيما بلغهم عنه يقول في
حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكهان: قر الزجاجة
بالزاي وإنما هو "قد"1 الدجاجة بالدال.
في حديث يروى عن معاوية بن أبي سفيان قال "لعن رسول الله صلى
الله عليه وسلم الذين يشققون "الخطب"2 تشقيق الشعر"
"و"3 ذكر الدارقطني عن وكيع أنه قاله مرة بالحاء المهملة وأبو
نعيم شاهد فرده "عليه"4 بالخاء المعجمة "المضمومة"5
وقرأت بخط مصنف أن ابن شاهين قال في جامع المنصور في الحديث إن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تشقيق الحطب فقال بعض
الملاحين يا قوم فكيف نعمل والحاجة ماسة؟
قلت: فقد انقسم التصحيف إلى قسمين: أحدهما في المتن والثاني في
الإسناد.
وينقسم قسمة أخرى إلى قسمين أحدهما تصحيف البصر كما سبق عن ابن
لهيعة وذلك هو الأكثر والثاني تصحيف السمع نحو حديث لعاصم
الأحول رواه بعضهم فقال عن واصل الأحدب فذكر الدارقطني أنه من
تصحيف السمع لا من تصحيف البصر كأنه ذهب والله أعلم إلى أن ذلك
مما "لا"6 يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه.
وينقسم قسمة ثالثة إلى تصحيف اللفظ وهو الأكثر وإلى تصحيف
يتعلق بالمعنى دون اللفظ كمثل ما سبق عن "محمد بن المثنى" في
الصلاة إلى عنزة.
وتسمية بعض ما ذكرناه تصحيفا مجاز والله أعلم.
__________
1 من خط وع، وليس في ش.
2 من ش وع، بالخاء المعجمة، وفي خط: "الحطب" بالمهملة.
3 من خط، وليس في ش وع، ولعلها كانت في الأصل: "فذكر" فصحفها
الناسخ.
4 من ش وع، وليس في خط.
5 من خط وش، ووقع في ع: "الحاء المعجمة المضمونة".
6 من ش وع، وليس في خط.
(2/469)
وكثير من التصحيف المنقول عن الأكابر الجلة
لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوه". ونسأل الله التوفيق "والعصمة
وهو أعلم"1 انتهى.
"قوله": وله فيه تصنيف أي: الدارقطني وكذلك صنف فيه أبو محمد
العسكري كتابه المشهور في ذلك مجلدا كبيرا.
قال ابن كثير: وما ينقله كثير من الناس عن عثمان بن أبي شيبة
أنه كان يصحف في قراءة القرآن فغريب جدا لأن له كتابا في
التفسير وقد نقل عنه أشياء ولا "تصدر"2 عن صبيان المكاتب.
وأما ما وقع لبعض المحدثين من ذلك "فمنه"3 ما يكاد اللبيب يضحك
منه كما حكي عن بعضهم أنه جمع طرق حديث "يا أبا عمير ما فعل
النغير؟ " ثم أملاه في مجلسه على من حضره من الناس فجعل يقول
"يا أبا "عمير"4 ما فعل البعير" فافتضح عندهم وأرخوها عنه.
وكذا اتفق لبعض مدرسي النظامية ببغداد أنه "أول"5 يوم إجلاسه
أورد "حديث"6: "صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين" فقال: "كنار
كنار في غلس" فلم يفهم الحاضرون ما يقول حتى "أخبرهم"7 بعضهم
بأنه تصحف عليه من "كتاب في عليين".
ثم "قال":8 "وكان"9 شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج
المزي من أبعد الناس عن هذا بل لم يكن على وجه الأرض مثله فيما
نعلم10 انتهى.
ومن أمثلة تصحيف المعنى: ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في
الحديث أنه لما روى" حديث "النهي"11 عن التحليق يوم الجمعة قبل
الصلاة" قال: "ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة".
فهم منه تحليق "الرأس"12 وإنما المراد تحليق الناس حلقا.
__________
1 من خط. وفي ش: "..والعصمة، هو أعلم" وفي ع: "..والعصمة،
والله أعلم".
2 من "اختصار علوم الحديث"، وفي خط: "يعتذر".
3 من ابن كثير، وليس في خط.
4 ضبط خط، بفتح العين المهملة.
5 من ابن كثير، وليس في خط.
6 من ابن كثير، وليس في خط.
7 من ابن كثير، وفي خط: "أخبر".
8 يعني: ابن كثير.
9 من خط، وعند لبن كثير: "وقد كان".
10 راجع: ابن كثير.
11 من ل، وفي خط: " المنهي".
12 من خط، وفي ل: "الرؤوس" بالجمع.
(2/470)
|