الشرح المختصر لنخبة الفكر لابن حجر العسقلاني الشرح المختصر لنخبة الفكر
للإمام المحدث الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني
المتوفى سنة 852 هجرية
تأليف الفقير إلى عفو ربه الغني:
أبي المنذر: محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي
عفا الله عنه.
الطبعة الأولى
1432 هـ/2011 م
المكتبة الشاملة
(1/1)
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1432 هـ / 2011 م
رقم الإيداع بالمكتبة الشاملة 3/ 2011
(1/2)
الشرح المختصر لنخبة الفكر
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد ...
فهذا شرح مختصر لنخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني ضمن
فعاليات الدورة المكثفة، والله أسأل الإعانة والقبول والسداد.
ومنهجي في شرح النخبة توضيح وتحليل عباراتها في صورة مسائل
وحواشي، وإن كان هناك ثمَّ اعتراض على الحافظ من بعض تلامذته
فإنني أذكره وأذكر الجواب عنه إن كان غير وجيه، وفي ذلك فائدة
كبيرة بتثبيت المعاني، وشحذ الأذهان.
ولما كانت طبيعة هذه الدورات المكثفة - والتي تتطلب الانتهاء
من المتون موضع الدراسة في فترة وجيزة - تتطلب عدم التوسع بذكر
المتعلقات الخارجة عن صلب المتن فقد التزمت بذلك إلا فيما لابد
منه مما يخدم المتن.
والله أسأل أن يتقبل هذا العلم وأن يدخر لي أجره، وأن ينفع به،
إنه ولي ذلك وهو القادر عليه.
التعريف بالماتن (1):
صاحب المتن هو: أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود
بن حجر الكناني الشافعي ولقب بالعسقلاني نسبة إلى عسقلان (من
مدن فلسطين) وابن حجر لقب لبعض آبائه. برع في علوم الحديث
بجميع فنونه، وتصدى لنشر الحديث ونظرا لإتقان حفظه صار يعرف
بالحافظ. ومن أهم مصنفاته: الإصابة في أسماء الصحابة، تهذيب
التهذيب، التقريب، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بلوغ المرام،
تعجيل المنفعة،
__________
(1) وسوف يأتي التعريف بالمتن ضمن كلام الماتن قريبا بإذن
الله.
(1/3)
تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي
الكبير، إتحاف المهرة وله ديوان شعر وديوان خطب ونخبة الفكر
وهي موضوع دراستنا. مولده:773هـ بالقاهرة (مصر القديمة).
ووفاته:852هـ ودفن بالقاهرة، وقد ترجم له تلميذه السخاوي ترجمة
حافلة في مجلد ضخم، وقد طبع في ثلاث مجلدات بدار ابن حزم
بعنوان (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر).
مقدمة الماتن (1):
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- رحمه الله
تعالى-: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي لم يزل
عليماً قديراً وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس
كافةً بشيراً ونذيراً، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليماً
كثيراً).
فيه مسائل ومنها:
الأولى - بدأ الماتن كغيره من المصنفين بالبسملة لأمور منها:-
التأسي بفعل الصحابة
رضي الله عنهم في افتتاحهم المصحف الإمام بالتسمية وتبعهم جميع
من كتب المصحف
بعدهم في جميع الأمصار، سواء من يقول بأن البسملة آية من
الفاتحة، ومن لا يقول ذلك.
ومنها - الإقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكاتباته
إلى الملوك وغيرهم، كما في رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى
هرقل، في الحديث المتفق عليه.
ومنها - العمل بحديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله
الرحمن الرحيم فهو أبتر)، أي ذاهب البركة، والحديث لا يثبت،
وقد نقل السخاوي، والسيوطي، وغيرهما عن الحافظ ابن حجر صراحة
أنه يجوز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال بشروط.
الثانية - بدأ بالحمدلة وفيها نحو الوجوه الثلاث السابقة فقد
ابتدأ الصحابة كتابة المصحف الإمام بالفاتحة، وهي تبدأ بالحمد
بعد البسملة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبدأ خطبته
بالحمد، وأيضاً قد ورد في ذلك حديث مرسل لا يثبت، رواه أبو
داود (4840) (4/ 262) وقال: (رواه يونس، وعقيل، وشعيب وسعيد بن
عبدالعزيز عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً)،
وكذا صوب الدارقطني الإرسال في الحديث في سننه (1/ 229) ولفظه:
(كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع)، وقد اشتهر
الكلام على هذا الحديث وانظر الإرواء (2) (1/ 32) وعلى فرض
ثبوت الحديثين فالأولية في البدء بالبسملة أولية حقيقية مطلقة،
وأما الأولية في البدء بالحمدلة
__________
(1) وهذه العناوين من وضعي.
(1/4)
فهي أولية نسبية، أي بالنسبة لما يأتي
بعدها.
الثالثة- وزاد في الشرح بعد قوله: (عليما قديرا) قوله: (حيا
قيوما مريدا سميعا بصيرا).
والصفات السبع الثبوتية عند الأشاعرة هي قسمان:
الصفات العقلية، وضابطها: ما تتوقف عليه المعجزة من الصفات وهي
(القدرة والإرادة والعلم والحياة).
والصفات السمعية، وضابطها: ما لا تتوقف عليه المعجزة من الصفات
وهي: (السمع والبصر والكلام). وطريقة إثباتهم لهذه الصفات
تختلف عن طريقة السلف الصالح في إثباتها، بيان الفرق بين
الطريقتين مما لا يتسع المجال لذكره الآن.
والأشاعرة لا ينفون بقية الصفات لكنهم يقولون بأنه لا يلزم
المسلم أن يثبت سوى هذه الصفات السبع. أما غيرها فهو غير ملزم
بإثباتها لأنها تابعة لهذه الصفات السبع. ولكن حقيقة مذهبهم هو
إثباتها مجازاً فقط لا حقيقة.
وأما بالنسبة لصفة القيومية فهي ليست عندهم من الصفات المعنوية
السبع التي يثبتونها، بل هي من الصفات النفسية أو الذاتية
عندهم. والصفات النفسية عندهم هي: الوجود والقدم والبقاء
والوحدانية والقيام بالذات والمخالفة للحوادث.
وبالنظر لعبارة ابن حجر في النزهة نجد أنه قد أثبت ستا من
الصفات السبع الثبوتية وهي: (العلم والقدرة والحياة والإرادة
والسمع والبصر) ولم يثبت صفة الكلام، وأضاف صفة القيومية.
وهذا مما دفع الكثيرين إلى إثبات تأثر ابن حجر بالأشاعرة
واضطرابه في مسألة الأسماء والصفات.
قال د. سفر الحوالي في كتابه منهج الأشاعرة في العقيدة: (والذي
أراه أن الحافظ رحمه الله أقرب شيء إلى عقيدة مفوضة الحنابلة
كأبي يعلى ونحوه ممن ذكرهم شيخ الإسلام في درء تعارض العقل
والنقل ووصفهم بمحبة الآثار والتمسك بها لكنهم وافقوا بعض أصول
المتكلمين وتابعوهم ظانين صحتها عن حسن نية. ولو قيل إن الحافظ
رحمه الله كان متذبذبا في عقيدته لكان ذلك أقرب الى الصواب كما
يدل عليه شرحه لكتاب التوحيد والله اعلم).
ويقول الشيخ أبو عبد الله ربيع بن محمد السعودي في مقدمة
تحقيقه لكتاب اليواقيت والدرر شرح نخبة الفكر للمناوي عندما
ترجم للحافظ ابن حجر: (لا يختلف اثنان في
(1/5)
مكانة ابن حجر وعلمه غير أن الكمال المطلق
لله عز وجل وحده ولم تخل حياة ابن حجر من بعض الهنات. والذي
يهمنا أن ننبه عليه أن ابن حجر كان يميل إلى تأويل الصفات
ولاشك أن ذلك يخلف منهج السلف الذين كانوا يأخذون الصفات على
ظاهرها من غير تأويل ولا تعطيل وقد تكون هذه سمة العصر الذي
نشأ فيه ابن حجر ولعل عتب العلماء عليه كحافظ ثاقب الفهم واسع
المعرفة متمكن في اخص العلوم ونسأل الله أن يتجاوز عنه وأن
يغفر لنا وله).
وقد ألفت بعض الكتب التي تناولت المخالفات العقدية للحافظ في
فتح الباري ومنها:
رسالة جامعية بعنوان: (منهج ابن حجر في العقيدة من خلال كتابه
فتح الباري) في ثلاث مجلدات.
ومنها: المخالفات العقدية في الفتح للشيخ البراك.
ومنها: التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري للشيخ علي
الشبل.
سبب تأليف الرسالة:
قال - رحمه الله -: -[(أما بعد فان التصانيفَ في اصطلاح أهل
الحديثِ قد كثرتْ وبُسطتْ واخْتُصرتْ فسألني بعضُ الإخوانِ أن
ألخصَ له المُهِمَّ من ذلك فأجبتُه إلى سؤالِهِ؛ رجاءَ
الاندراجِ في تلكَ المسالِكِ)]-.
فيه مسائل ومنها:
الأولى - قوله: (فسألني بعضُ الإخوانِ) قال على القاري في "شرح
النخبة" (ص:148): (قيل: هو عز الدين بن جماعة. وقيل: هو الشيخ
شمس الدين محمد بن محمد الزركشي)،وجزم السخاوي في "الضوء
اللامع" بأن الزركشي في الذي أبهمه الشيخ هنا.
الثانية - مميزات النخبة (1):
- الاختصار، قال ابن حجر في النزهة (ص/35): (لخصته في أوراق
لطيفة، سميتها: "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" على ترتيب
ابتكرته، وسبيل انتهجته، مع ما ضممت إليه من شوارد الفرائد،
وزوائد الفوائد).
- التحرير، وهذا ظاهر من اسمها فنخبة الشيء ما ينتخب منه
ويختار، والفكر جمع
فكرة والفكرة هي النشاط الذهني من تحليل وتركيب وتنسيق.
- جودة الترتيب الميسر للفهم والحفظ، كما قال أنه رتبها على
ترتيب ابتكره، وسبيل
__________
(1) انظر مقدمة الشيخ نور الدين عتر لشرح النخبة (ص/22).
(1/6)
انتهجه.
- الشمول، قال الحافظ في "النزهة" (ص/39) بعد أن ذكر طائفة من
كتب المتقدمين والمحدثين في هذا العلم: (إلى أن جاء الحافظ
الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن
الشهرزوري نزيل دمشق، فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة
الأشرفية - كتابه المشهور، فهذب فنونه، وأملاه شيئا بعد شيء،
فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب، واعتنى بتصانيف
الخطيب المتفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب
فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس
عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه
ومقتصر، ومعارض له ومنتصر)، وقال السخاوي في "الجواهر والدرر"
(2/ 677): (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، كراسة فيها مقاصد
الأنواع لابن الصلاح وزيادة أنواع لم يذكرها، فاحتوت على أكثر
من مائة نوع من أنواع علوم الحديث).
- أنها خلاصة علم هذا العلم في علم أصول الحديث، وقد قال
السخاوي في " الجواهر" (2/ 659): (سمعته يقول: لست راضيا عن
شيء من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الأمر. ثم لم يتهيأ لي
من يحررها معي سوى شرح البخاري ومقدمته والمشتبه والتهذيب
ولسان الميزان. بل كان يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم
أتقيد بالذهبي، ولجعلته كتابا مبتكرا، بل رأيته في مواضع أثنى
على شرح البخاري, والتغليق والنخبة).
وقد انتهي ابن حجر في تأليفها علم 818 هـ أي وهو ابن خمس
وأربعين سنة، وقد أقرأ هذا الكتاب قراءة بحث ودرس قبل وفاته
بسنة واحدة أي عام (851 هـ) وقرأها عليه أحد علماء دمشق وهو
ابن الأخصاصي ونسخته عليها توقيع ابن حجر. |