النكت على كتاب ابن الصلاح الفصل الرابع: في
تعقباتي على الحافظ
...
الفصل الرابع: في تعقيباتي على الحافظ
هناك مناقشات وتعقبات يسيرة على الحافظ ابن حجر لاحظتها خلال
عملي ودراستي لكتابه النكت، رأيت أن أقدم بعضها للقارئ، وإن
كنت وأمثالي في بادئ الرأي في مستوى لا يؤهل لتعقب أمثاله،
ولكن الإسلام الذي يقدس الحق ويعلي شأنه ويرفعه فوق كل
الاعتبارات، وتاريخنا الإسلامي حافل بمناقشات الصغار للكبار
ولفت أنظارهم إلى الصواب وإذعان الكبار للحق ورجوعهم عما كانوا
عليه، ومنهج أهل الحديث في نقد اللاحق للسابق، بل لماذا أذهب
بعيدا ولدينا الحافظ ابن حجر وكتبه حافلة بالنقد ومنها كتابه
هذا.
كل ذلك شجعني أن أقدم للقراء الكرام بعض هذه الملاحظات في حدود
إدراكي، ولا أدعي أني على الصواب فيها بل أرجو ممن يقف عليها
ويتبين له فيها أو بعضها خطأ أن يبين لي وجه الصواب، فمن تلكم
التعقبات:
أنه في كثير من المواضع التي ينكت فيها على ابن الصلاح
والعراقي يأتي إلى كلام مترابط فيأخذ قطعة منه ويقول: قوله كذا
ويكون فهم المراد منها متوقفا على ما قبلها أو على ما بعدها
وهذا التصرف من الحافظ لا يصلح إلا إذا كان كتابه هذا هامش على
الكتابين لكي يرجع القارئ عند الحاجة والاستشكال إلى الأصل عن
كثب.
لكن الحافظ - رحمه الله - قد فصل كتابه عن أصليه وجعله كتابا
مستقلا ومن هنا نشأت الإشكالات.
(1/179)
لذا اضطررت إلى أن أسوق ما يتوقف عليه فهم
الكلام من كلام ابن الصلاح والعراقي، سواء كان ذلك الكلام
سابقا أو لاحقا حتى يفهم القارئ كل مواضع النقد، ومواضع الأخذ
والرد.
وكان عمل العراقي أفضل وأسلم من هذه الناحية، وكتابه يصلح أن
يكون مستقلا عن أصله (كتاب ابن الصلاح) وذلك أنه يسوق النص
الذي يريده كاملا ثم يبدي ما يراه من تعقب أو دفاع.
هذا ما رأيته فيما يتعلق بوضع الكتاب وتأليفه بصفة عامة وهناك
تعقبات تتعلق بمسائل الكتاب، فمنها:
1-قال الحافظ - رحمه الله - في خلال كلامه على مفردات مقدمة
كتاب ابن الصلاح متعقبا عليه: "ولم أر في جمع رذل رذالة، وإنما
ذكروا أرذال ورذول ورذلاء وأرذلون ورذال".
ولكني وجدت في لسان العرب 1/ 1158 وفي القاموس المحيط 3/ 384
"وهم رذالة الناس ورذالتهم" فابن الصلاح إذن كان على الصواب.
2- قال الحافظ قوله ص: "وسفلتهم - بفتح السين وكسر الفاء وفتح
اللام - وزن فرحة جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء - وفيه
نظر فإن في القاموس 3/396 وفي لسان العرب 2/159 وسفلة الناس
وكفرحة أسلافهم وغوغائهم". فأنت ترى أنهما اعتبرا اللفظين
بمعنى واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا، واعتبرهما في أساس
البلاغة ص299 جمعا لسفيل كعلية جمع لعلي.
3- قال الحافظ في التنبيه الأول التابع للنكتة السابعة عشرة:
مراده (يعني ابن الصلاح) بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو
أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي، لا مطلق تفرد الثقة كما
فسره الخليلي.
وفيه أمران:
الأول: أن ابن الصلاح ذكر أن الشاذ المردود قسمان:
(1/180)
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا
لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.
الثاني: أن الخليلي لم يفسر الشاذ بمطلق تفرد الثقة وإنما هذا
تفسير الحاكم للشاذ. أما الخليلي فقال: "الذي عليه حفاظ الحديث
أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو
غير ثقة. فما كان غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة
يتوقف فيه ولا يحتج به" ولعل الحافظ أراد مطلق التفرد.
4- ذكر الحافظ مثالا للتعليق الممرض الذي يصح إسناده ولا يبلغ
شرط البخاري لكونه لم يخرج لبعض رجاله.
والمثال هو: قال البخاري: ويذكر عن عبد الله بن السائب رضي
الله عنه قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة
الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذته سعلة
فركع.
(قال الحافظ هو حديث صحيح رواه مسلم وذكر إسناده) .
ثم قال الحافظ: "ولم يخرج البخاري بهذا الإسناد شيئا سوى ما لم
يبلغ شرطه لكونه معللا".
ثم إن ما أشار إليه الحافظ هنا من كونه معللا قد بينه في الفتح
2/256 بقوله: "واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة
عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجة.
وقال أبو عاصم النبيل عنه - يعني ابن جريج - عن محمد بن عباد
عن أبي سلمة ابن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة. وكان البخاري
علقه بصيغة "ويذكر لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم به
الحجة".
أقول: "الظاهر أن البخاري ما علق هذا الحديث إلا لأنه ليس
(1/181)
على شرطه لكونه لم يخرج لبعض رجاله كأبي
سلمة ابن سفيان، لا من أجل الاختلاف على ابن جريج؛ لأن
الاختلاف ليس محصورا بين ابن عيينة وأبي عاصم كما صوره الحافظ
إذ قد وافق أبا عاصم ثلاثة من الأئمة الحفاظ" وهم:
1- خالد بن الحارث ثقة ثبت روايته في س.
2- وحجاج بن محمد المصيصي ثقة ثبت وروايته في حم.
3- وعبد الرزاق في مصنفه.
فهؤلاء الربعة من الأئمة الحفاظ خلفوا ابن عيينة وإن كان إماما
حافظا لكن مخالفته لكثرة من الحفاظ تجعل روايته شاذة كما هو
معلوم من علوم الحديث من أن الشاذ هو أن يخلف الثقة من هو أوثق
منه أو أكثر، وإذا - والله أعلم - إنه ليس سبب تعليق البخاري
لهذا الحديث هو الاختلاف على ابن جريج، وإنما هو قصور بعض رجال
الإسناد عن شرطه، إذ لو كان الإسناد كله على شرطه لما صده هذا
الاختلاف إخراجه من الجانب الراجح عن أبي عاصم أو حجاج أو
غيرهما؛ لأنه قد خرج أحاديث في صحيحه مع وجود الاختلاف في
أسانيدها، وقد يكون الاختلاف فيها شديدا كحديث أبي إسحاق
السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود
قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة ... "
الحديث في خ رقم 156 مع الاختلاف الشديد فيه أخرجه من الطريق
الراجحة في نظره وله نظائر.
5- قال الحافظ: "سمى الدمياطي ما علقه البخاري عن شيوخه حوالة،
فقال في كلامه على حديث أبي أيوب في الذكر:
أخرجه البخاري حوالة فقال: قال موسى بن إسماعيل:
ثنا وهيب عن داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب وفيما
قاله الحافظ نظر، لأن الدمياطي إنما سماه حوالة لأن البخاري
ذكره أولا من حديث
(1/182)
أبي هريرة، ثم عقبه بأسانيد مرجعها أبو
أيوب، ولم يذكر متن تلك الأسانيد إلى أبي أيوب ركونا إلى ما
سبق ذكره عن أبي هريرة، فهو حوالة حقيقية وعلى هذا الأساس سماه
الدمياطي حوالة، لا لأنه جاء معلقا.
6- ذكر العراقي: أن الأحاديث المعلقة في (صحيح مسلم) تبلغ
أربعة عشر.
فتعقبه الحافظ بأنها لا تبلغ إلا ثلاثة عشر، بل الواقع أنها
اثنتا عشر، وأن الذي أوقع العراقي في الوهم في عدد هذه
الأحاديث متابعته للجياني والمازري، وذلك أن الجياني ذكر أنها
أربعة عشر، ولكن لما سردها أورد منها حديثا مكررا وهو حديث ابن
عمر: "أرأيتكم ليلتكم هذه" ثم عد الحافظ الأحاديث المذكورة
ووقع في وهمين:
الأول: أنه أسقط حديث ابن عمر سهوا فلم يعده في هذه الأحاديث.
والثاني: أنه كرر واحدا من هذه الأحاديث التي عدها وهو حديث
أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز في اعترافه بالزنا، فعلى
هذا ما عده الحافظ لا يزيد على أحد عشر موضعا، ولا يبلغ اثني
عشر إلا بحديث ابن عمر الذي كرره غيره وأسقطه هو سهوا.
7- ذكر الحافظ أن الأحاديث المنتقدة من الصحيحين يتعين
استثناؤها ما تلقته الأمة بالقبول المفيد للعلم النظري. وفيما
قاله نظر، والصواب في نظري فيه التفصيل، فإذا كان الحديث
المنتقد من الكتابين ليس له إلا إسناد واحد، وتوجه إليه النقد،
فإنه والحالة هذه يستثنى مما تلقي بالقبول ولا يفيد العلم
النظري، وإن كان له طريق أو طرق أخرى في الصحيحين أو أحدهما
وسلمت من الانتقاد فإنه والحالة هذه داخل فيما تلقي بالقبول
والعلم النظري حاصل به كسائر أحاديث الصحيحين المتلقاة بقبول
سواء بسواء.
(1/183)
8- ذكر الحافظ أمثلة لما يصفه الترمذي
بالحسن وهو حديث المستور والضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوف
بالغلط والخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن،
وما في إسناده انقطاع خفيف قال: فكل ذلك عنده من قبيل الحسن
بالشروط الثلاثة وهي:
1- أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب.
2- وأن لا يكون الإسناد شاذا.
3- وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا.
وقد درست هذه الأمثلة التي مثل بها الحافظ فوجدت فيها مجالا
للنظر، ولا يصح أن يؤخذ منها قاعدة في اصطلاح الترمذي في هذا
اللفظ، وذلك أن من هذه الأمثلة ما قال فيه الحافظ إن الترمذي
وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه فوجدت أن الترمذي وصفه بأنه حسن
صحيح واتفقت فيه كل النسخ الموجودة لجامع الترمذي.
ومنها: ما قال الحافظ أن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير
وجه، فوجدت - أيضا - أن الترمذي قد وصفه بأنه حسن صحيح في معظم
النسخ وفي بعضها موجود وصف الحسن فقط، ولكن الأدلة قائمة على
أن الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث إنما هو حسن صحيح.
من تلك الأدلة أن يكون الحديث خرجه مسلم في صحيحه، ويكون
الترمذي قد أورده في موضع آخر من جامعه وقال إنه حديث صحيح.
ومنها: ما قال الحافظ: "أن الترمذي وصفه بالحسن ثم وجدت أن نسخ
الترمذي قد اختلفت فيه ... "
فمنها: ما فيه حسن وغريب ومنها: ما فيه غريب فقط، ومع أن كلا
من الحكمين مخالف لما قاله الحافظ فإن الذي يترجح إنما هو
الحكم عليه بأنه غريب، وذلك بأن يكون الحافظ نفسه قد حكم عليه
في موضع آخر بأنه غريب ثم
(1/184)
يشاركه غيره من العلماء في هذا الحكم على
الحديث، وللتأكيد واستيفاء البحث في هذا الموضوع يرجع إلى ما
علقته على هذه الأمثلة في موضعه من الرسالة. من ص183- 197.
9- ذكر الحافظ مثالا للحسن لذاته وهو حديث أبي بكرة في توقيت
المسح على الخفين رواه ابن ماجة من طريق المهاجر أبي مخلد، وقد
قال فيه في التقريب: مقبول، وقد قرر في التقريب أن من يصفه
بهذا اللفظ فذلك حيث يتابع وإلا فهو لين. ومن هذا حاله
فبالمتابعة يكون حديثه حسنا لغيره لا لذاته.
10- دافع الحافظ ابن حجر عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "
... سدوا الأبواب إلا باب علي" الذي رواه الإمام أحمد في
المسند وأورد له شواهد تؤيده في نظره، ورد على ابن الجوزي الذي
أوردها في (الموضوعات) ثم قال في النهاية: "وإذا تقرر ذلك فهذا
هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي
سعيد لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر"
المخرج في الصحيحين ممنوعة. وبيانه أن الجمع ممكن لأن أحدهما
فيما يتعلق بالأبواب وقد بينا سببه (يعني أنه ليس له طريق
غيره) والأخر فيما يتعلق بالخوخ ولا سبب له إلا الاختصاص
المحض، فلا تعارض ولا وضع، ولو فتح الناس هذا الباب لرد
الأحاديث لادعي في كثير من أحاديث الصحيحين البطلان، ولكن يأبى
الله تعالى ذلك والمؤمنون.
فتعقبت الحافظ بقولي: "إن نقض هذه الأحاديث ليس قائما على دعوى
التعارض فحسب بل هو قائم على مطاعن وقوادح في الرواة الذين
جاءت هذه الأحاديث عن طريقهم فهم رواة قد أنهكهم التشيع الغالي
ففضحهم، وكشف عوراتهم لا يضر بأحاديث الصحيحين لا من قريب ولا
من بعيد وهذا العمل إنما هو من باب النصيحة في الدين والقيام
بالواجب وعلي رضي الله عنه قد ثبت له من الفضائل والمناقب ما
يغنيه عن مثل هذه الأحاديث الواهية. ثم عن الجمع الذي رآه
الحافظ غير سليم لأن الأحاديث التي دار الكلام حولها إنما هي
إثبات خصوصية لعلي رضي الله عنه، انظر الحديث المنسوب إلى
(1/185)
ابن عمر رضي الله عنه" حيث يقول فيه: "ولقد
أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي
من حمر النعم ... " وإحداهن سد الأبواب إلا بابه ألا ترى
الخصوصية فيها واضحة وقد خرجت في خصائص علي ومناقبه.
11- ذكر الحافظ عن شيخه العراقي أن البيهقي يجعل ما رواه
التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا. فأقر الحافظ قول شيخه
وضرب لذلك مثالا من تصرف البيهقي حيث قال في حديث حميد بن عبد
الرحمن الحميري حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
هذا حديث مرسل.
قال الحافظ: " ... لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك، ولو كان
له علة غير هذه لبينها لأنه في مقام البيان".
أقول أن البيهقي قد علله بعلتين أخريين:
1- بمخالفته للأحاديث الثابتة.
2- وبكون داود الأودي أحد رجال إسناد هذا الحديث لم يحتج به
الشيخان.
12- حكم الحافظ على رواية النعمان بن عبد السلام لحديث لا نكاح
إلا بولي موصولا بالشذوذ لأنه في نظره خالف الثقات الأثبات من
أصحاب شعبة وسفيان وفي حكمه هذا نظر. فإن الحاكم روى هذا
الحديث في المستدرك من طريق النعمان وقال عقبه: "قد جمع
النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث
ووصله عنهما. وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة وعن
شعبة على حدة فوصلوه، وكل ذلك مخرج في الباب الذي سمعه مني
أصحابي ... " وأقره الذهبي.
13- قال الحافظ: "روينا من طريق يحيى القطان عنه - يعني
(1/186)
شعبة - أنه كان يقول: كنت أنظر إلى فم
قتادة فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته، وإذا قال عن فلان تركته،
رويناه في المعرفة للبيهقي".
فرجعت إلى كتاب المعرفة للبيهقي فإذا بالبيهقي يروي هذا الكلام
بدون إسناد، ثم رجعت على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فإذا به
يرويه في ثلاثة مواضع من كتابه كلها من طريق عبد الرحمن بن
المهدي عن شعبة، ولم أجده من رواية يحيى القطان عن شعبة ولعل
ذكر يحيى القطان سبق قلم من الحافظ.
14- رتب الحافظ المدلسين في كتابه النكت على طبقات بناء على
قواعد تتفق مع القواعد التي وضعها لكتابه طبقات المدلسين، لكنه
عندما وزع أسماءهم وقع في الوهم في نظري في أمرين:
أ- وذلك أنه لما ذكر أهل المرتبة الثالثة في كتاب النكت وعددهم
خمسة وثلاثون رجلا وقع في شيء من المخالفة لما في كتابه
الطبقات حيث أوردهم من طبقات مختلفة فبعضهم من الثالثة، نفسها
وبعضهم من الرابعة، وبعضهم من الثانية، وبعضهم من الخامسة.
ب- أفرد الحافظ المدلسين من رجال الصحيحين في ثلاث مراتب سواء
أخرج لهم الشيخان أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا، وفاته
ثلاثة منهم فلم يذكرهم في هذه المراتب الخاصة بهم بل ذكرهم في
غيرها وهم:
(أ) شباك الضبي/ م د س ق.
(ب) الحسن بن عمارة/ خت ت ق.
(ج) يزيد بن أبي زياد/ م.
15- ذكر الحافظ اختلاف العلماء وآراءهم في تعارض الوصل
والإرسال والرفع والوقف، ثم اختار أن اختلافهم إنما يجري فيما
إذا كان للمتن إسناد واحد أما إذا كان للمتن إسنادان فلا يجري،
فيه هذا الخلاف، وضرب لذلك مثلا وهو أن البخاري روى في صحيحه
من طريق ابن جريج عن موسى بن
(1/187)
عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلطوا فإنما هو التكبير
والإشارة بالرأس ... " الحديث وعن ابن جريج عن ابن كثير عن
مجاهد موقوفا.
وقال: فلم يتعارض الوقف هنا والرفع لاختلاف الإسنادين فتعقبته
بأن البخاري لم يرو مسندا إلا حديث ابن عمر.
وأما أثر مجاهد فلم يروه البخاري بالإسناد الذي ذكره الحافظ.
وقال الحافظ نفسه في الفتح 2/432 في الكلام على حديث ابن عمر:
"هكذا أورده البخاري مختصرا، وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره
هنا ولا في موضع آخر من كتابه فأشكل الأمر فيه ... ".
ثم ذكر أن الإسماعيلي قد أخرج أثر مجاهد الموقوف.
16- ذكر الحافظ في النكت حديث الشافعي عن مالك عن عبد الله بن
دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما: "الشهر تسع وعشرون" وفيه
"فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
قال الحافظ: "أشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن
مالك، فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال: حدثنا
عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن
ابن عمر رضي الله عنهما فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء،
فهذه متابعة تامة للشافعي، والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه.
أقول إن تعجب الحافظ في غير محله، ولم تخف هذه المتابعة على
البيهقي بل عرفها ورواها في سننه الكبرى 4/204- 206.
فقال بعد أن روى الحديث المذكور من طرق مدارها على نافع وسالم:
"ورواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك إلا أنه قال:
"فأكملوا العدة ثلاثين".
(1/188)
ثم رواه من طريق الشافعي عن مالك به، وفيه
"فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
ثم قال: "ورواية الجماعة عن مالك على اللفظ الأول - يعني:
(فاقدروا له) - ثم قال: "وإن كانت رواية الشافعي والقعنبي من
جهة البخاري محفوظة فيحتمل أن يكون مالك رواه على اللفظين
جميعا".
ومن هنا يظهر لنا أن رواية القعنبي في البخاري لم تخف على
البيهقي ولا سيما وقد ساق لروايتي الشافعي والقعنبي متابعات
وشواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر وأبي بكر وعائشة.
17- ذكر الحافظ مثالا للحديث الضعيف الذي يتكلم عليه أبو داود
خارج السنن ويسكت عليه فيها بحديث نافع عن ابن عمر في الرجل
الذي سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى
تيمم والواقع أن أبا داود تكلم عليه في السنن.
قال أبو داود: سمعت أحمد ابن حنبل يقول روى محمد بن ثابت حديثا
منكرا في التيمم وقال ابن داسة قال أبو داود لم يتابع محمد بن
ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم
ورووه من فعل ابن عمر انظر د: 1- كتاب الطهارة ... حديث 330.
18- نقل الحافظ عن المنذري اختلاف العلماء في قول الصحابي (كما
يقال: كذا) وأن الجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى
الله عليه وسلم يكون مرفوعا. ثم قال الحافظ: ومما يؤيد أن حكها
الرفع مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي
الله عنه قال: "كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في
الحضر" فإن ابن ماجه رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي
بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدل على أنها عندهم
من صيغ الرفع - والله أعلم".
(1/189)
فرجعت إلى الحديث في النسائي وابن ماجه
فوجدت أن مداره على الزهري، وقد اختلف عليه ابن أبي ذئب وأسامة
بن زيد، أما ابن أبي ذئب فرواه عن الزهري عن أبي سلمة ثم عن
حميد بن عبد الرحمن عن أبيهما عبد الرحمن بن عوف موقوفا عليه
من قوله.
وأما أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن أبيه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي رواية ابن
ماجه، وأسامة بن زيد متفق على ضعفه وقد خالف ابن أبي ذئب وهو
ثقة ضابط، فرواية أسامة على هذا تعتبر منكرة ومنه يتضح أن
الرفع في روايته لم يأت بناء على هذه الصيغة (كان يقال كذا) من
صيغ الرفع كما فهم الحافظ وإنما سبب ذلك وهم وخطأ أسامة بن زيد
حيث رفع رواية المحفوظ فيها عن الزهري الوقف على عبد الرحمن بن
عوف ثم إنها بعد هذا لا تصلح لأن يحتج بها ولو سلمت من هذه
العلة؛ لأنها رواية منقطعة لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يدرك
أباه، والعجب كيف غاب كل هذا عن ذهن الحافظ وهو يقرر هذه
القاعدة.
وهناك مناقشات أخر كتضعيف حديث حسنه أو تحسين حديث صححه وغير
ذلك من المناقشات مما يراه القارئ في التعليقات على نص الكتاب.
(1/190)
|