النكت على كتاب ابن الصلاح

النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
108- قوله (ص) : "الأفراد منقسمة إلى هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة"1، انتهى.
[اعتراض مغلطاي على ابن الصلاح:]
اعترض عليه العلامة مغلطاي بأنه ذكر أنه تبع الحاكم في ذكره هذا النوع (قال) 2: فكان ينبغي له أن يتبعه في تقسيمه فإنه قسمه إلى ثلاثة أقسام.
قلت: وهو اعتراض عجيب، فإن الأقسام الثلاثة التي ذكرها الحاكم داخلة في القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح، ولا سبيل إلى الإتيان بالثالث: لأن الفرد إما مطلق وإما نسبي وغاية ما في الباب أن المطلق ينقسم إلى نوعين:
أحدهما: تفرد3 شخص من الرواة بالحديث.
والثاني: تفرد أهل البلد بالحديث دون غيرهم.
(والأول ينقسم أيضا إلى نوعين) 4:
أحدهما: يفيد كون المنفرد ثقة، والثاني لا يفيد5.
وأما أمثلة الأول فكثيرة، وقد ذكرنا شيخنا في منظومة6 له حديث
__________
1 مقدمة ابن الصلاح ص 80
2 كلمة قال ليست في (?) .
3 في (ر) "ما تفرد".
4 ما بين القوسين من (ب) وفي باقي النسخ "والأول ينقسم أيضا دون غيره قسمين".
5 كلمة "لا" سقطت من (ب) .
6 حيث قال في الألفية: "لم يروه الثقة إلا ضمرة ... ".
وقال في الشرح 1/219: "مثال تقيد الانفراد بالثقة حديث: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة" رواه مسلم وأصحاب السنن من رواية ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

(2/703)


ضمرة بن سعيد1 عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد2 "في القراءة في الأضحى".
قال شيخنا: "لم يروه أحد من الثقات إلا ضمرة بن سعيد، وله طريق أخرى من حديث عائشة - رضي الله عنها - سندها ضعيف".
وأما أمثلة الثاني، فكثيرة جدا ومنها في الصحيحين3 حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار، وعن أبي العباس 4 عن/ (ي 221) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو، وعمرو عن أبي العباس5 وأبو العباس عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كذلك.
ومثال النوع الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - "في صلاة النبي
__________
1 ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2 أبو واقد الليثي صحابي عنه ابناه وابن المسيب وعروة مات سنة 68/بخ.
الكاشف 3/387 التقريب 2/446 وقال: اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف ولم يرمز له الذهبي والرمز للحافظ.
3 لأن في سنده ابن لهيعة، انظر السنن للدارقطني 2/46 حيث قال:.....ثنا ابن لهيعة ثنا خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة ثم ساق الحديث مرفوعا.
4 خ 64- كتاب المغازي 56- باب غزوة الطائف حديث 4325، 78- كتاب الأدب 68- باب التبسم والضحك حديث 6086، م 32 - كتاب الجهاد والسير 19- باب غزوة الطائف حديث 82، حم 2/11 ولكنه في م عن عبد الله بن عمرو وقد رجح الحافظ في الفتح 8/44. والمزي في تحفة الأشراف 5/418 أنه عبد الله بن عمر بن الخطاب.
5 هو السائب بن فروخ - بفتح فضم مع التشديد - المكي الشاعر الأعمى ثقة من الثالثة / ع. تقريب 1/282، الكاشف 1/347. هذا وفي (?) ابن عباس وهو خطأ ثم أسقط ابن عمر وهو خطأ أيضا.

(2/704)


- صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء - رضي الله عنه -" له طريقان 1 عنها رواتها كلهم مدنيون.
قال الحاكم: "تفرد أهل المدينة بهذه السنة"2.
وأما النسبي فيتنوع - أيضا - أنواعا:
أحدهما: تفرد شخص عن شخص.
ثاتيها: تفرد أهل بلد عن شخص.
ثالثها: تفرد شخص عن أهل بلد.
رابعها: تفرد أهل البلد عن أهل بلد أخرى.
مثال الأول: حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر - رضي الله عنه - في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق.
__________
1 إحداهما في م 11- كتاب الجنائز 34 - باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 99، 100 من طريق عبد الواحد بن حمزة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة: "....ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد". وفي لفظ: "على ابني البيضاء" وفي د 15- كتاب الجنائز 54- باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 3189، ت 8- كتاب الجنائز 44- باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد حديث 1033، ن 4/55، جه 6- كتاب الجنائز 29- باب ما جاء في الصلاة على لجنازة في المسجد، والطحاوي شرح معاني الآثار 1/492، والبيهقي في السنن الكبرى 4/51، والإحسان ترتيب صحيح ابن حبان 5/ل 23/2 كلهم من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة مرفوعا.
وثانية الطريقين في م11 كتاب الجنائز 34- باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 101، د 15 - كتاب الجنائز 54- باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 3190. والبيهقي في السنن الكبرى 4/51 الطحاوي شرح معاني الآثار 1/492، شرح السنة للبغوي 5/3519 معرفة علوم الحديث للحاكم ص97 كلهم من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة وهذا الطريق أعله الدارقطني بمخالفة الضحاك لمالك والماجشون حيث روياه منقطعا ورواه متصلا.
2 معرفة علوم الحديث ص97.

(2/705)


أخرجه البخاري1، وقد تفرد به عبد الواحد عن أبيه. وقد روي من غير حديث جابر - رضي الله عنه -.
وأمثلة ذلك في كتاب الترمذي كثيرة جدا، بل ادعى بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من الغرائب من هذا القبيل.
وليس كما قال لتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق.
ومثال الثاني: حديث "القضاة ثلاثة"2.
تفرد به أهل مرو، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - وقد جمعت طرقه في جزء.
وكذا حديث يزيد مولى المنبعث3، عن زيد بن خالد الجهني في "اللقطة"4. تفرد به أهل المدينة. عنه
__________
1 64- المغازي 29- باب غزوة الخندق حديث 4101، د ي 1/26 حديث 43.
2 د 18 - كتاب الأقضية 2 - باب في القاضي يخطئ حديث 5373 ت 13 - كتاب الأحكام حديث 1322، جه في 13 - كتاب الأحكام 3 - باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق حديث 2315، معرفة علوم الحديث للحاكم ص99.
3 يزيد مولى المنبعث- بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة- مدني صدوق من الثالثة \ع. تقريب 2/373، الكاشف 3/288.
4 حديث زيد بن خالد في اللقطة في خ 45- كتاب اللقطة 2- باب ضالة الإبل حديث 2427، 2428، 78 - كتاب الأدب حديث 6112، م 31 - كتاب اللقطة حديث 1، 2، 3، 4، 5، 6 من طريق يزيد مولى المنبعث، 7، 8 من طريق بسر بن سعيد كلاهما عن زيد بن خالد مرفوعا، د4 - كتاب اللقطة حديث 1704، 5، 6، 7، ت 13 - الأحكام 35 - باب ما جاء في اللقطة حديث 1372، 1373، جه 18 -اللقطة حديث 2504 كلاهما من طريق يزيد عن زيد بن خالد- رضي الله عنه - واللفظ للبخاري قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها". الحديث، والعفاص الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك. النهاية 3/263.

(2/706)


ومثال الثالث: وهو عكس الذي قبله، فهو قليل جدا وصورته أن ينفرد شخص عن جماعة بحديث تفردوا به.
ومثال الرابع: ما رواه أبو دواد1 من حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة المشجوج: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويصعب على جرحه خرقة".
قال ابن أبي داود: فيما حكاه الدارقطني في "السنن"2: "هذه سنة/ (ر118/أ) تفرد بها أهل مكة، وحملها عنهم أهل الجزير".
وقول ابن الصلاح: "إلا أن يطلق قائل قوله: تفرد به أهل مكة على ما لم يروه إلا واحد من أهلها"3.
قلت: وهذا الإطلاق هو الأكثر، فجميع الأمثلة التي/ (ي 222/أ) مثل بها الحاكم4 كذلك، كحديث خالد الحذاء، عن سعيد بن عمرو، عن الشعبي عن داود عن المغيرة/ (132/أ) بن شعبة في النهي عن قيل وقال: تفرد به البصريون عن الكوفين وإنما تفرد به خالد الحذاء وهو واحد.
وحديث الحسين بن داود5 عن الفضيل ب 265 بن عياض، وعن منصور، عن
__________
1 في الطهارة 127- باب المجروح يتيمم حديث 336
2 1/190 ثم قال: - بعد قوله حملها عنهم أهل الجزيرة -: "لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي، فرواه عن عطاء عن ابن عباس، واختلف على الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء وقيل عنه بلغني عن عطاء، وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصواب".
3 مقدمة ابن الصلاح ص80.
4 انظر معرفة علوم الحديث ص100-102 حيث قال: "فأما النوع الثالث، فإنه أحاديث لأهل المدينة تفرد بها عنهم أهل مكة مثلا، وأحاديث لأهل مكة يتفرد بها عنهم أهل المدينة وأحاديث ينفرد بها الخراسانيون عن أهل الحرمين مثلا"، ثم مثل بحديث خالد الحذاء البصري الذي رواه عن الكوفيين وحديث حسين بن داود وهو الخراساني عن فضيل بن عياض وعدداه في المكيين، وغير ذلك من الأمثلة التي ذكرها الحاكم.
5 الحسين بن داود أبو علي البلخي عن الفضيل بن عياض وعبد الرزاق قال الخطيب: ليس بثقة حديثه موضوع. لسان الميزان 1/534.

(2/707)


إبراهيم 1 عن علقمة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول تبارك وتعالى: "يا دنيا اخدمي من خدمني"2.
قال: تفرد به الخراسانيون عن المكيين، وإنما انفرد به الحسين3 ولم يروه غيره، وهو معدود في مناكيره.
وكذلك غالب ما أطلقه أبو داود في كتاب التفرد4 وكذا ابنه أبو بكر بن أبي داود. - والله أعلم -.
وقد يطلقون تفرد الشخص بالحديث ومرادهم بذلك تفرده بالسياق لا بأصل الحديث.
وفي مسند البزار من ذلك جملة نبه عليها.
تنبيه:
من مظان الأحاديث الأفاد مسند أبي بكر البزار، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في "المعجم الأوسط" ثم الدارقطني في "كتاب الأفراد"5. وهو ينبئ على6 اطلاع بالغ ويقع عليهم التعقب فيه كثيرا بحسب اتساع7 الباع وضيقه أو الاستحضار وعدمه.
وأعجب من ذلك أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه فقد تتبع العلامة مغلطاي على الطبراني ذلك في جزء مفرد/ (ر118/ب) .
__________
1 كلمة إبراهيم سقطت من (ب) .
2 معرفة علوم الحديث 101.
3 من (ي) وفي باقي النسخ أبو الحسين وهو خطأ فإنه الحسين بن داود السابق ذكره.
4 لا يدرى أين يوجد هذا الكتاب.
5 مخطوط أجزاء منه في المكتبة الظاهرية بدمشق.
6 في (ي) "عن".
7 في (?) و (ب) "امتناع".

(2/708)


وإنما يسحن الجزم بالإيراد عليهم حيث لا يختلف السياق أو حيث يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال أن يريدوا شيئا من ذلك بإطلاقهم، والذي يرد على الطبراني، ثم الدارقطني/ (132/ب) من ذلك أقوى مما يرد على البزار (لأن البزار) 1 حيث يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول:
"لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث 2 فلان".
وأما غيره، فيعبر بقوله3: "لم يروه عن فلان إلا فلان". وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر4 من الإطلاق خلافه- والله أعلم -.
__________
1 ما بين القوسين سقط من (ب) .
2 من (ي) وهامش (ر/أ) وفي باقي النسخ "من حيث" وهو خطأ.
3 في (ر/ أ) بقول.
4 من (ي) وفي باقي النسخ "الظاهر" بدون فاء.

(2/709)