النكت على مقدمة ابن الصلاح

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [وَبِه أستعين] (1) [وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ] (2) [وَسلم] (3)

[قَالَ شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن بهادر (4) بن عبد الله الزَّرْكَشِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ تغمده الله تَعَالَى برحمته] (5)
الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى (6) منار الْإِسْلَام بِالسنةِ وَرفع بهَا عَن الْقُلُوب الأكنة (7) وحرس سَمَّاهَا بجهابذة (8) الْحفاظ من الأمراد (9) (10) الْجنَّة (11) وَالصَّلَاة وَالسَّلَام

(1/7)


على سيدنَا مُحَمَّد أشرف الْخلق وَقَائِدهمْ إِلَى الْجنَّة وعَلى آله وَصَحبه الَّذين جعلهم الله أَمَنَة (1) للنَّاس ومنة أما بعد
فَلَمَّا كَانَت السّنة الْوَحْي الثَّانِي بعد الْمُتَشَابه المثاني (2) وَجب على كل ذِي [لب حفظهَا وَذكرهَا وَتَعْلِيمهَا ونشرها وَمن الْمعِين على ذَلِك] (3) معرفَة أوضاع أصطلح عَلَيْهَا حملتها ورسوم بَينهَا نقلتها [وَقد] (4) انتدبت (5) لجمع ذَلِك جمَاعَة وأجمعهم لَهُ (6) أَبُو عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي (7) وَأَبُو بكر

(1/8)


[ابْن] (1) الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ (2) (3) وَأَبُو (مُحَمَّد) (4) الرامَهُرْمُزِي (5) (6) وَجَاء بعدهمْ الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح فَجمع مفرقهم وحقق طرقهم وأجلب بِكِتَابَة بَدَائِع الْعجب وأتى بالنكت (7) والنخب حَتَّى اسْتوْجبَ أَن يكْتب

(1/9)


بذوب الذَّهَب وَالنَّاس كالمجمعين على أَنه لَا يُمكن وضع مثله وقصارى أَمرهم اختصاره من أَصله وَأَخْبرنِي شَيخنَا الْعَلامَة مغلطاي - رَحمَه الله تَعَالَى - أَن بعض طلبة الْعلم من المغاربة كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ذكر لَهُ أَن الشَّيْخ شمس الدّين بن اللبان وضع عَلَيْهِ تأليفا سَمَّاهُ إصْلَاح كتاب ابْن الصّلاح وَأَنه تطلب ذَلِك دهره فَلم يجده ثمَّ شرع الشَّيْخ عَلَاء الدّين فِي التنكيت وَسَماهُ بِالِاسْمِ الْمَذْكُور لكنه لَا يشفي الغليل وَإِنَّمَا تكلم على الْقَلِيل فاستخرت الله تَعَالَى فِي تَعْلِيق عَلَيْهِ

(1/10)


فائق الْجمع شائق السّمع يكون لمستغلقه كالفتح ولمستبهمه كالشرح وَهُوَ يشْتَمل على أَنْوَاع
الأول [بَيَان] مَا أشكل ضَبطه فِيهِ من الْأَسْمَاء والأنساب واللغات
الثَّانِي حل مَا يعْقد فهمه
الثَّالِث بَيَان قيوده واحترازاته فِي الرسوم والضوابط
الرَّابِع التَّعَرُّض لتتمات أُمُور مهمة أغفلها
الْخَامِس التَّنْبِيه على أَوْهَام وَقعت لَهُ فِي النَّقْل
السَّادِس اعتراضات وأسئلة لَا بُد مِنْهَا
السَّابِع مَا هُوَ الْأَصَح فِي أُمُور أطلقها
الثَّامِن أُمُور مُسْتَقلَّة هِيَ بِالذكر أهم مِمَّا ذكره
وقصدت بذلك الرُّجُوع إِلَيْهِ عِنْد أَوْقَات درسي ومراجعتي لنَفْسي

(1/11)


وَالله أسأَل أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مقرنا بالفوز لجنات النَّعيم بمنه وَكَرمه

(1/12)


الصَّلَاة على ديباجة (1) الْكتاب

1 - (قَوْله) وَآل كل
وَلم يقل وآلهم تَحَرُّزًا من خلاف من منع إِضَافَته إِلَى الْمُضمر (2)
2 - (قَوْله) هَذَا (3 للدخول فِي غَرَض آخر وَنَظِيره فِي التَّخَلُّص قَوْله تَعَالَى {هَذَا وَإِن للطاغين لشر مآب} (3)

(1/13)


وَلَعَلَّ هَذَا السَّبَب فِي أَن المُصَنّف لم يذكر أما بعد وَإِن ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولهَا فِي خطْبَة (1)
- (قَوْله) يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال وفحلوتهم (3 عَن الزُّهْرِيّ (2) روينَاهُ من طَرِيق

(1/14)


الدينَوَرِي فِي كتاب المجالسة فَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة ثَنَا الرياشي عَن أبي يَعْقُوب الْخطابِيّ عَن عَمه قَالَ قَالَ ابْن شهَاب

(1/15)


الزُّهْرِيّ والْحَدِيث ذكر يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال ويكرهه مؤنثوهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد أَرَادَ الزُّهْرِيّ أَن الحَدِيث أرفع الْعلم وأجله خطرا كَمَا أَن الذُّكُور أفضل من الْإِنَاث (وَإِلَيْهِ يمِيل الرِّجَال) وَأهل التَّمْيِيز مِنْهُم يحبونه وَلَيْسَ كالرأي السخيف الَّذِي يُحِبهُ سخفاء [الرِّجَال] فَضرب التَّذْكِير فِي التَّأْنِيث لذَلِك مثلا
وَكَذَلِكَ شبه ابْن مَسْعُود فَقَالَ هُوَ ذكر فذكروه أَي جليل خطير فأجلوه

(1/16)


بالتذكير وَنَحْوه الْقُرْآن فخم ففخموه انْتهى
وَأنْشد الإِمَام أَبُو الْحسن سعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ فِي كتاب شرف أَصْحَاب الحَدِيث لبَعْضهِم
(رحلت أطلب [أصل] الْعلم مُجْتَهدا ... وزينة الْمَرْء فِي الدُّنْيَا الْأَحَادِيث)
(لَا يطْلب الْعلم إِلَّا بازل ذكر ... وَلَيْسَ يبغضه إِلَّا المخانيث)
وَرَأَيْت بَعضهم ذكر فِي قَوْله الزُّهْرِيّ ذكر أَنه يرْوى بِكَسْر الذَّال وتسكين الْكَاف (ع 2) [ويروى بِفَتْحِهَا وَالْأول غَرِيب غير لَائِق بِاللَّفْظِ

(1/17)


وَفِي قَول المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - من أفضل الْعُلُوم مَا يشْعر بِأَن غَيره يُشَارِكهُ فِي الْأَفْضَلِيَّة وَقد أطلق غَيره أَفضَلِيَّة علم الحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي أول النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين
وَقَالَ حَفْص بن غياث وَقد قيل لَهُ أَلا تنظر إِلَى أَصْحَاب الحَدِيث وَمَا هم فِيهِ فَقَالَ هم خير أهل الدُّنْيَا وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش إِنِّي لأرجو أَن يكون أَصْحَاب الحَدِيث خير النَّاس قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ صدقا جَمِيعًا كَيفَ [لَا] يكون كَذَلِك وَقد نبذوا الدُّنْيَا بأسرها وَرَاءَهُمْ وَجعلُوا

(1/18)


غذاءهم الْكِتَابَة وسمرهم الْمُعَارضَة واسترواحهم المذاكرة وخلوقهم المداد ونومهم السهاد فعقولهم بلذاذة السّنة غامرة وَقُلُوبهمْ بِالرِّضَا فِي الْأَحْوَال عامرة
وَقَالَ فِي الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ وَقد ذكر حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي زَكَاة الْغنم - وَقد كَانَ إمامنا شُعْبَة يَقُول فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر فِي الْوضُوء لِأَن يَصح لي مثل هَذَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ من نَفسِي وَمَالِي قَالَ (أ 2)

(1/19)


الْحَاكِم وَذَاكَ حَدِيث فِي صَلَاة التَّطَوُّع فَكيف بِهَذِهِ السّنَن الَّتِي (هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام) وَقَالَ الرّبيع سَمِعت الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول طلب الْعلم أفضل من صَلَاة النَّافِلَة قَالَ الرَّافِعِيّ

(1/20)


فِي شرح الْمسند كَأَن المُرَاد طلب علم الْآثَار ليؤخذ بهَا وتتبع وَقد اشْتهر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علمك يتعداك وعملك لَا يتعداك
4 - (قَوْله) ويعنى بِهِ
قلت يعْنى من الْأَفْعَال اللَّازِمَة لبِنَاء الْمَفْعُول مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْمَاضِي قَالَ فِي الْمُحكم يُقَال عناه الْأَمر واعتنى بِالْأَمر وعني قَالَ والعناية مَا يهم بِهِ الرجل هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وعَلى هَذَا فَلَا يُؤْتى مِنْهُ بِصِيغَة أفعل (د 3) قَالَ

(1/21)


الْجَوْهَرِي وَإِذا أمرت [مِنْهُ] قلت لتعن بحاجتي وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا لُغَتَانِ عني وعني وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحب الغريبين قَالَ يُقَال عنيت بِأَمْرك فَأَنا معني لَك وعنيت بِأَمْرك أَيْضا فَأَنا عان وَقَالَ المطرزي فِي اليواقيت يُقَال

(1/22)


عنيت بحاجتك وعنيت بحاجتك على بنية الْفَاعِل وهما لُغَتَانِ فصيحتان قَالَ وعنيت المبنية للْمَفْعُول أصح وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ لرجل لقد عني الله بك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَي حفظ دينك
5 - (قَوْله) إِلَّا رذالتهم وسفلتهم
الرذالة بِضَم الرَّاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ الرَّدِيء والرذل الدون الخسيس قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة رجل رذل ومرذول وَهُوَ الدون فِي

(1/23)


منظره وحالاته وَقد رذل رذولة ورذالة ورذل ورذل وَقوم أرذال والسفلة - بِفَتْح السِّين وَكسر الْفَاء - هم السقاط من النَّاس قَالَ الْجَوْهَرِي وَلَا يُقَال هُوَ سفلَة لِأَنَّهَا جمع والعامة تَقول رجل سفلَة من قوم سفل قَالَ ابْن السّكيت وَبَعض يُخَفف فَيَقُول سفلَة فينقل كسرة الْفَاء إِلَى السِّين وَكسر الْفَاء وَهُوَ اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه

(1/24)


6 - (قَوْله) لَا سِيمَا
قَالَ ثَعْلَب يلحنون فِيهِ لحنات يحذفون الْوَاو مِنْهُ وحرف النَّفْي ويحققون تاءه وَلَا يجوز اسْتِعْمَاله إِلَّا كَمَا جَاءَ فِي قَوْله وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل

(1/25)


لَكِن ذكر غَيره أَنَّهَا تخفف وتحذف الْوَاو كَقَوْلِه
( [فه] بِالْعُقُودِ وبالأيمان لَا سِيمَا ... عقد (وَفَاء بِهِ) من أعظم القر)
بل قَالَ السخاوي يجوز حذف النَّفْي مِنْهُ قِيَاسا على قَوْله تَعَالَى {تالله تفتأ} أَي لَا تفتؤ
وَيجوز فِي قَول المُصَنّف لَا سِيمَا الْفِقْه جر الْفِقْه على الْإِضَافَة وَمَا زَائِدَة وَرَفعه على أَنه خبر لمضمر مَحْذُوف وَمَا مَوْصُولَة أَي وَلَا مثل الَّذِي هُوَ الْفِقْه وَلَا يجوز النصب إِمَّا حَال أَو تَمْيِيز وَلَا يكونَانِ إِلَّا فِي النكرَة وَهُوَ هُنَا معرفَة

(1/26)


وَبِالثَّلَاثَةِ رُوِيَ الْبَيْت السَّابِق لِأَن مَا بعْدهَا نكرَة
7 -[ (قَوْله) عَظِيما عَظِيمَة جموع طلبته]
أما عَظِيما فنصبه لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَأما عَظِيمَة فَفِي نَصبه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه خبر ثَان لَكَانَ ثَانِيهمَا أَنه بدل مِمَّا قبله وساغ ذَلِك وَإِن كَانَ عَظِيمَة مؤنثا لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مُذَكّر] واكتسب التَّأْنِيث مِمَّا بعده أَو لِأَنَّهُ جرى على غير من هُوَ لَهُ وجموع مَرْفُوع بعظيمة لِأَنَّهُ صفة مشبهة فَيعْمل عمل الْفِعْل وَأَصله مُعظم جموع حَملته وَلَقَد كَانَ شَأْن الحَدِيث فِيمَا مضى عَظِيما عَظِيمَة جموع طلبته رفيعة مقادير حفاظه وَحَمَلته
قلت وَهَذَا شَيْء كالمتواتر عِنْد من نظر تراجمهم وأحوالهم قَالَ أَبُو سعد

(1/27)


السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء
حَدثنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الطاهري بِبَغْدَاد أَنا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الْحَافِظ ثَنَا أَبُو مُحَمَّد الْخلال قَالَ ذكر أَبُو الْقَاسِم مَنْصُور ابْن جَعْفَر بن ملاعب أَن إِسْمَاعِيل بن عَليّ العاصمي حَدثهمْ ثَنَا

(1/28)


عمر بن حَفْص قَالَ وَجه المعتصم من يحزر مجْلِس عَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم فِي رحبة النّخل الَّتِي فِي جَامع الرصافة قَالَ وَكَانَ عَاصِم بن عَليّ

(1/29)


يجلس على سطح المسقطات وينتشر النَّاس فِي الرحبة وَمَا يَليهَا فيعظم الْجمع جدا حَتَّى سمعته يَوْمًا يَقُول ثَنَا اللَّيْث بن سعد ويستعاد فَأَعَادَ أَربع عشرَة مرّة وَالنَّاس لَا يسمعُونَ قَالَ وَكَانَ هَارُون الْمُسْتَمْلِي يركب نَخْلَة معوجة ويستملي عَلَيْهَا فَبلغ المعتصم كَثْرَة الْجمع فَأمر من يحزرهم فَوجه بقطاعي الْغنم فحزروا الْمجْلس عشْرين ألفا وَمِائَة ألف ثمَّ روى أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ كَانَ

(1/30)


يجلس بِبَغْدَاد ويجتمع فِي مَجْلِسه أَكثر من عشْرين ألفا وَقَالَ ابْن عدي كُنَّا نشْهد مجْلِس الْفرْيَابِيّ وَفِيه عشرَة آلَاف وَأكْثر قَالَ وبخط وَالِدي عد فِي مجْلِس السَّيِّد أبي الْحسن الْعلوِي ألف محبرة قَالَ فرحم الله تَعَالَى السّلف

(1/31)


الماضين كَانَ الْعلم مَطْلُوبا فِي زمانهم والرغبات متوافرة والجموع متكاثرة والآن خمدت ناره وَقل شراره وكسد سوقه حَتَّى سَمِعت أَبَا حَفْص عمر بن ظفر المغازلي - مذاكرة - يَقُول (أ 3) فَرغْنَا من إملاء الشَّيْخ أبي الْفضل بن يُوسُف فطلبنا محبرة نكتب مِنْهَا أسامي من حضر فَمَا وجدنَا انْتهى قلت فزماننا هَذَا الَّذِي كسد فِيهِ الْعلم وبار وَوَلَّتْ عساكره الأدبار فَكَأَنَّهُ برق تألق بالحمى ثمَّ انطوى مَكَانَهُ لم يلمع
وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف من تَعْظِيم حَملته فَهُوَ أشهر من أَن يذكر قَالَ عَبْثَر بن

(1/32)


الْقَاسِم أشرفت أم ولد هَارُون الرشيد بالرقة ذَات يَوْم من الْقصر فرأت الغبرة قد ارْتَفَعت وَالنعال قد انْقَطَعت وانجفل النَّاس فَقَالَت مَا هَذَا قَالُوا عَالم من خُرَاسَان يُقَال لَهُ عبد الله بن الْمُبَارك قَالَت هَذَا وَالله الْملك لَا ملك هَارُون الَّذِي لَا يجمع النَّاس إِلَّا بِالسَّوْطِ والخشب
وروينا عَن الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه

(1/33)


بِإِسْنَادِهِ إِلَى يحيى بن أَكْثَم قَالَ لي الرشيد مَا أنبل الْمَرَاتِب قلت مَا أَنْت فِيهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أفتعرف أجل مني قلت لَا قَالَ لكني أعرف رجلا فِي حَلقَة يَقُول حَدثنَا فلَان عَن فلَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا خير مِنْك وَأَنت ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَولي عهد الْمُسلمين قَالَ نعم وَيلك هَذَا خير مني لِأَن اسْمه مقترن باسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَمُوت أبدا وَنحن نموت ونفنى وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر
وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس

(1/34)


سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن العميد يَقُول مَا كنت أَظن أَن فِي الدُّنْيَا حلاوة ألذ من الرِّئَاسَة والوزارة الَّتِي أَنا فِيهَا حَتَّى شاهدت مذاكرة سُلَيْمَان بن أَحْمد الطَّبَرَانِيّ وَأبي بكر بن الجعابي بحضرتي فَكَانَ الطَّبَرَانِيّ يغلب ابْن الجعابي بِكَثْرَة حفظه (د 4) وَأَبُو بكر الجعابي يغلب الطَّبَرَانِيّ بفطنته وذكائه حَتَّى ارْتَفَعت أصواتهما وَلَا يكَاد أَحدهمَا يغلب صَاحبه فَقَالَ ابْن الجعابي عِنْدِي حَدِيث لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عِنْدِي فَقَالَ هاته فَقَالَ حَدثنَا أَبُو خَليفَة ثَنَا سُلَيْمَان

(1/35)


ابْن أَيُّوب فَحدث بِالْحَدِيثِ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ أَنا سُلَيْمَان بن أَيُّوب ومني سمع أَبُو خَليفَة فاسمع مني حَتَّى يَعْلُو إسنادك فَإنَّك تروي عَن أبي خَليفَة عني فَخَجِلَ ابْن الجعابي وغلبه الطَّبَرَانِيّ [فوددت أَن الوزارة لم تكن وَكنت أَنا الطَّبَرَانِيّ] وفرحت مثل الَّذِي فَرح الطَّبَرَانِيّ (ع 3) قلت رَوَاهُ الْخَطِيب قَالَ حَدثنِي أَبُو النجيب عبد الْغفار بن عبد الْوَاحِد الأرموي سَمِعت الْحسن بن عَليّ الْمُقْرِئ

(1/36)


سَمِعت ابْن فَارس فَذكره قَالَ وَأَنا بِالْحَدِيثِ أَبُو نعيم الْحَافِظ حَدثنِي أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن مُوسَى الملحمي أَنا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب ثَنَا سُلَيْمَان ابْن أَحْمد بن أَيُّوب اللَّخْمِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر نَا عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثَنَا وهب ابْن جرير عَن أَبِيه

(1/37)


عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ لما توفّي أَبُو طَالب خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاشِيا على قَدَمَيْهِ إِلَى الطَّائِف فَدَعَاهُمْ إِلَى الله فَلم يُجِيبُوهُ فَأتى ظلّ شَجَرَة فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ضعف قوتي الحَدِيث
8 - (قَوْله) وأفنان فنونه ببقائهم غضة
الأفنان جمع فنن والأفانين جمع الْجمع قَالَ فِي الصِّحَاح وَهِي أَجنَاس

(1/38)


الْكَلَام وطرقه والفنون جمع فن وَهُوَ النَّوْع وأفنت الشَّجَرَة صَارَت ذَات أفنان أَي أَغْصَان
9 - (قَوْله) ومغانية بأَهْله آهلة
المغاني - بالغين الْمُعْجَمَة - كَذَا الرِّوَايَة عَن خطّ الْمُؤلف وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ بهَا أهلوها وأحدها مُغنِي كَذَا قَالَه فِي الصِّحَاح وعَلى هَذَا فاستعمال المُصَنّف فِيهِ تجوز بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ
10 - (قَوْله) إِنَّمَا هم شرذمة
بإعجام الذَّال (أ 4) وَيجوز إهمالها قَالَه ابْن دحْيَة

(1/39)


11 - (قَوْله) لَا تعنى على الْأَغْلَب فِي تحمله بِأَكْثَرَ من سَمَاعه غفلا وَلَا تتعنى فِي تَقْيِيده بِأَكْثَرَ من كِتَابَته عطلا
قلت الظَّاهِر أَن غفلا وعطلا حالان من الْفَاعِل وَهُوَ إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَا جمعين بِتَأْوِيل غافلين وعاطلين وَلَيْسَ كَذَلِك بل هما من صِفَات الْمُفْرد وَيجمع غفل على أغفال كقفل وأقفال هَذَا هُوَ الْمَنْقُول فِي اللُّغَة وَفِي الصِّحَاح أَرض غفل لَا علم بهَا وَلَا أثر عمَارَة وَقَالَ الْكسَائي أَرض غفل لم تمطر وَرجل غفل لم يجرب الْأُمُور وَيحْتَمل أَن ينزل كَلَام المُصَنّف على أَنَّهُمَا حالان من الْمَفْعُول وَهُوَ المسموع أَي خاليتين
وعطل - بِضَمَّتَيْنِ - وَيجوز إسكان الطَّاء وَمَعْنَاهُ الْخُلُو من الشَّيْء وأصل

(1/40)


اسْتِعْمَاله فِي الخلي وَيُقَال عطل من المَال وَالْأَدب فَهُوَ عطل
وَأَشَارَ المُصَنّف بذلك إِلَى أَن الإقتصار على السماع وَالْكِتَابَة أدنى درجاته وَقد بَين [الإِمَام] الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو شامة الْمَقْدِسِي مَا المُرَاد بِعلم الحَدِيث فَقَالَ فِي كِتَابه المقتفى فِي مبعث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُلُوم الحَدِيث الْآن ثَلَاثَة أشرفها حفظ متونه وَمَعْرِفَة غريبها وفقهها
وَالثَّانِي حفظ أسانيدها وَمَعْرِفَة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها
وَهَذَا كَانَ مهما وَقد كفيه المشتغل بِالْعلمِ بِمَا صنف وَألف من

(1/41)


الْكتب فَلَا فَائِدَة تَدْعُو إِلَى تَحْصِيل مَا هُوَ حَاصِل
وَالثَّالِث جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وَطلب الْعُلُوّ فِيهِ والرحلة إِلَى الْبلدَانِ والمشتغل بِهَذَا مشتغل عَمَّا هُوَ الأهم من علومه النافعة فضلا عَن الْعَمَل بِهِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب الأول قَالَ تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} إِلَّا أَن هَذَا لَا بَأْس بِهِ للبطالين لما فِيهِ من إبْقَاء سلسلة العنعنة الْمُتَّصِلَة بأشرف الْبشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَمِمَّا يزهد فِي ذَلِك أَن فِيهِ يتشارك الصَّغِير وَالْكَبِير والبليد

(1/42)


والفاهم وَالْجَاهِل والعالم وَقد قَالَ الْأَعْمَش [حَدِيث يتداوله الْفُقَهَاء أحب إِلَيّ من] حَدِيث يتداوله الشُّيُوخ وَلَام إِنْسَان أَحْمد - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - فِي حُضُور مجْلِس الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَتَركه مجْلِس سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقَالَ لَهُ أَحْمد - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - اسْكُتْ فَإِن فاتك حَدِيث بعلو تَجدهُ بنزول وَلَا يَضرك وَإِن فاتك عقل هَذَا الْفَتى أَخَاف أَلا تَجدهُ

(1/43)


وَسُئِلَ الجعابي أَكَانَ ابْن صاعد يحفظ فَقَالَ لَا يُقَال لأبي مُحَمَّد كَانَ يحفظ كَانَ يدْرِي انْتهى وَقَالَ ابْن يُونُس فِي شرح التَّعْجِيز إِذا أوصِي للمحدث تنَاول من علم طرق إِثْبَات الحَدِيث وعدالة رِجَالهمْ لِأَن من اقْتصر على السماع فَقَط لَيْسَ بعالم

(1/44)


وَقَالَ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان - وَكَانَ من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن رِوَايَة ودراية - (ع 4) وَلَقَد سلك أهل هَذِه الْبِلَاد فِي سَماع الحَدِيث طَرِيقا غير الطَّرِيق الَّتِي سلكها أهل الأندلس من سماعهم على الْعَوام الْجَاهِلين مَا يقْرَأ عَلَيْهِم وعَلى الْفُسَّاق والمتظاهرين بِالْفِسْقِ ويسمعون بِقِرَاءَة اللحانين الَّذين لَا يُقِيمُونَ الْإِعْرَاب فَيدْخلُونَ فِي حَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

(1/45)


وَأما نَحن فِي بِلَادنَا فَلَا نسْمع الحَدِيث وَلَا نرويه إِلَّا عَن أهل الْعلم وَالْعَدَالَة وبقراءة المعربين وَلَا يحضر الْأَطْفَال السماع حَتَّى يكون الشَّخْص مِنْهُم يعقل مَا يسمع وَيفهم أَكْثَره وكل مشتغل بِعلم من الْعُلُوم فَلَا بُد أَن يتَحَقَّق بِهِ أَو يكثر مِنْهُ إِلَّا أهل الحَدِيث فَإِن أَكْثَرهم عوام وَلم يمثل أحد مِنْهُم بَين يَدي عَالم وَلَا مقرئ وَلَا نحوي وَلَا لغَوِيّ وَلَا أديب وَلَا عروضي وَلَا فَقِيه وَلَا أصولي إِنَّمَا ينشأ الْوَاحِد مِنْهُم وَقد علم الْخط من الْكتاب فيعلقه عَامي مثله بِسَمَاع الحَدِيث وتطول قِرَاءَته [بِحَيْثُ] يحصل لَهُ أَنه إِذا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله بِالرَّفْع وَإِذا قَالَ إِن فَيَقُول رَسُول الله بِالنّصب من كَثْرَة مَا يرد لَهُ (أ 5) ذَلِك فِي قِرَاءَة

(1/46)


الحَدِيث فَإِذا أَكثر من السماع لحقه من الزهو وَالْكبر مَا جعله يَعْلُو بِهِ (د 5) على الأفاضل وَالْعُلَمَاء وَصَارَ لَهُ تَمْيِيز عَليّ الصّبيان الَّذين يسمعهم وَأكْثر علمه أَن يعرف أَن الْجُزْء الْفُلَانِيّ يرويهِ الشَّيْخ الْعَاميّ فلَان وَأَن موفقيه مثلا انْفَرَدت بِالسَّمَاعِ عَن الثِّقَات وَابْن دِينَار وَأَن فَخر الدّين بن البُخَارِيّ آخر من حدث بِالْإِجَازَةِ عَن أبي طَالب الخشوعي وَنَحْو ذَلِك من غير حفظ لإسناد وَلَا متن

(1/47)


وَلَا بحث فِي مُشكل والفاضل مِنْهُم الْكَبِير الْقدر هُوَ الَّذِي يفرق بَين بعض مَا يشكل كعيينة وعتيبة وبريد وَيزِيد وهيهات لَيْسَ علم الحَدِيث هَذَا فَقَط أَلا ترى إِلَى محدثي الصَّدْر الأول كَيفَ كَانُوا فِي مفاوتهم كسفيان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَيحيى بن معِين وأنظارهم وَبعد هَذَا كُله

(1/48)


فَإنَّا لما وردنا مصر وجدناهم يروون عَن كل من دب ودرج فسلكنا مسلكهم وانتظمنا فِي سلكهم فسمعنا على من سمعُوا وروينا عَمَّن رووا وَيُقَال إِذا كنت فِي قوم عور فغمض عَيْنك حَتَّى تعد أَعور وَقد أَنْشدني أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم السيحاني لنَفسِهِ
(إِن الَّذِي يروي وَلكنه ... يجهل مَا يروي وَمَا يكْتب)
(كصخرة تنبع أمواهها ... تَسْقِي الْأَرَاضِي وَهِي لَا تشرب)
هَذَا آخر كَلَام الشَّيْخ
وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي تذكرة الْحفاظ قَالَ سُفْيَان

(1/49)


(الثَّوْريّ) لَيْسَ طلب الحَدِيث من عدَّة الْمَوْت لكنه علم يتشاغل بِهِ الرِّجَال صدق فِيمَا قَالَ لِأَن طلب الحَدِيث شَيْء غير الحَدِيث فَطلب الحَدِيث اسْم عرفي لأمور [زَائِدَة على] تَحْصِيل مَاهِيَّة الحَدِيث وَكثير مِنْهَا مراقي إِلَى الْعلم وأكثرها أُمُور شغف بهَا الْمُحدث من تَحْصِيل النّسخ المليحة وتطلب [الْإِسْنَاد] العالي وتكثير الشُّيُوخ والفرح بِالْأَلْقَابِ (وَالثنَاء) وتمني الْعُمر الطَّوِيل ليروي وَحب التفرد إِلَى أُمُور عديدة لَازِمَة للأغراض النفسانية لَا للأعمال الربانية فَإِذا كَانَ طَلَبك للْحَدِيث النَّبَوِيّ محفوفا بِهَذِهِ الْآفَات فَمَتَى خلاصك مِنْهَا إِلَى الْإِخْلَاص وَإِذا كَانَ [طلب]

(1/50)


علم الْآثَار مَدْخُولا فَمَا ظَنك (بِعلم الْمنطق والجدل وَحِكْمَة الْأَوَائِل) الَّتِي تنكث الْإِيمَان وتورث الشكوك الَّتِي لم تكن - وَالله - فِي عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بل كَانَت علومهم الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه انْتهى
وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء أَنا أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن بنت منيع قَالَ سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل أَن يكْتب [كتابا إِلَى سُوَيْد بن سعيد الحدثاني فَكتب هَذَا رجل يكْتب] الحَدِيث فَقلت يَا أَبَا عبد الله لَو كتبت

(1/51)


من أهل الحَدِيث فَقَالَ أهل الحَدِيث عندنَا من يسْتَعْمل الحَدِيث وَقَالَ عَمْرو بن قيس الْملَائي (ع 5) إِذا بلغك شَيْء من الحَدِيث فاعمل بِهِ وَلَو مرّة تكن من أَهله
وَقَالَ وَكِيع إِذا أردْت أَن تحفظ الحَدِيث فاعمل بِهِ وَقَالَ بشر بن الْحَارِث الحافي

(1/52)


يَا اصحاب الحَدِيث أَدّوا زَكَاة [هَذَا] الحَدِيث اعْمَلُوا من كل مِائَتي حَدِيث بِخَمْسَة أَحَادِيث
وَسُئِلَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح بن سيد النَّاس عَن حد الْمُحدث والحافظ فَأجَاب بِأَن الْمُحدث فِي عصرنا هُوَ من اشْتغل بِالْحَدِيثِ رِوَايَة ودراية وَكِتَابَة واطلع على كثير من الروَاة وَالرِّوَايَات فِي عصره وتبصر بذلك حَتَّى حفظه واشتهر فِيهِ ضَبطه فَإِن انبسط فِي ذَلِك وَعرف أَحْوَال من تقدم شُيُوخه وشيوخ شيوخهم طبقَة طبقَة بِحَيْثُ تكون السَّلامَة من الْوَهم فِي الْمَشْهُورين غالبة وَيكون مَا يُعلمهُ من أَحْوَال الروَاة كل طبقَة أَكثر مِمَّا يجهله فَهَذَا حَافظ وَأما مَا نقل عَن الْمُتَقَدِّمين فِي ذَلِك من سَعَة الْحِفْظ فِيمَن (أ 6) يُسمى حَافِظًا والدأب فِي الطّلب الَّذِي لَا يسْتَحق الطَّالِب أَن

(1/53)


يُطلق عَلَيْهِ مُحدث إِلَّا بِهِ كَمَا قَالَ بَعضهم كُنَّا لَا نعد صَاحب حَدِيث من لم يكْتب عشْرين ألف حَدِيث إملاء [فَذَلِك بِحَسب أزمنتهم]
قلت وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي نصر الْحُسَيْن بن عبد الْوَاحِد الشِّيرَازِيّ قَالَ الْعَالم الَّذِي يعرف الْمَتْن والإسناد جَمِيعًا والفقيه الَّذِي يعرف الْمَتْن وَلَا يعرف الْإِسْنَاد والحافظ الَّذِي يعرف الْإِسْنَاد [وَلَا يعرف الْمَتْن والراوي الَّذِي لَا يعرف الْمَتْن وَلَا يعرف الْإِسْنَاد] وَلَعَلَّ هَذَا اصْطِلَاح خَاص وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه الْجَامِع الْوَصْف بِالْحِفْظِ على الْإِطْلَاق ينْصَرف إِلَى أهل الحَدِيث خَاصَّة وَهُوَ سمة لَهُم لَا يتعداهم وَلَا يُوصف بهَا أحد سواهُم لِأَن الرَّاوِي يَقُول حَدثنَا فلَان الْحَافِظ فَيحسن مِنْهُ إِطْلَاق ذَلِك إِذا كَانَ مُسْتَعْملا عِنْدهم يُوصف [بِهِ] عُلَمَاء أهل النَّقْل ونقادهم وَلَا يَقُول الْقَارئ لَقَّنَنِي فلَان الْحَافِظ وَلَا يَقُول الْفَقِيه درسني فلَان الْحَافِظ وَلَا يَقُول النَّحْوِيّ عَلمنِي فلَان

(1/54)


الْحَافِظ فَهِيَ أَعلَى صِفَات الْمُحدثين وأسمى دَرَجَات الناقلين من وجدت فِيهِ قبلت اقاويله وَسلم لَهُ تَصْحِيح الحَدِيث وتعليله غير أَن الْمُسْتَحقّين لَهَا يقل معدودهم ويعز بل يتَعَذَّر وجودهم [فهم] فِي قلتهم بَين المنتسبين إِلَى مقالتهم أعز من مَذْهَب السّنة بَين سَائِر الأراء والنحل [و] أقل من عدد الْمُسلمين فِي مُقَابلَة جَمِيع أهل الْملَل
12 - (قَوْله) وَهَذِه فهرست أَنْوَاعه
قلت يَقُولُونَ فهرست - بِفَتْح السِّين - وَجعل التَّاء فِيهِ للتأنيث ويقفون عَلَيْهَا بِالْهَاءِ وَالصَّوَاب كَمَا قَالَه ابْن مكي فِي تثقيف اللِّسَان فهرست - بِإِسْكَان السِّين - وَالتَّاء فِيهِ أَصْلِيَّة وَمَعْنَاهَا [فِي اللُّغَة] جملَة الْعدَد [للكتب] لَفْظَة

(1/55)


فارسية وَاسْتعْمل النَّاس فِيهَا فهرس الْكتب يفهرسها فهرسة مثل دحرج وَإِنَّمَا الفهرست اسْم جملَة الْمَعْدُود والفهرسة الْمصدر كالفدلكة يُقَال فدلكت الْحساب إِذا وقفت على جملَته
وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَنْوَاع خَمْسَة وَسِتُّونَ ثمَّ قَالَ إِنَّه يقبل التنويع لأكْثر من ذَلِك
وَفِيه أُمُور
أَحدهَا أَنه قد يدعى رُجُوع بَعْضهَا إِلَى بعض فَيحصل التَّدَاخُل فَيدْخل تَحت الصَّحِيح الْمُتَّصِل والمسند وَالْمَرْفُوع والمعلل والشاذ وَالْمُنكر وَكَذَلِكَ الْمَرَاسِيل الْخَفي إرسالها - نوع من الْمُرْسل - وَكَذَلِكَ المدرج - وَهُوَ نوع من التَّدْلِيس - وَكَذَلِكَ الْأَفْرَاد ترجع إِلَى الشاذ وَزِيَادَة الثِّقَة

(1/56)


وَيُجَاب بِأَنَّهُ لما كَانَ فِي مقَام تَعْرِيف الجزئيات انْتَفَى التَّدَاخُل لاخْتِلَاف حقائقها فِي أَنْفسهَا بِالنِّسْبَةِ (د 6) إِلَى الِاصْطِلَاح وَإِن كَانَت ترجع إِلَى قدر مُشْتَرك
الثَّانِي أَنه لم يرتب الْجَمِيع على نسق وَاحِد فِي الْمُنَاسبَة فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر بعد الْمسند الْمُنْقَطع والمرسل والمعضل وَيذكر الْمَشْهُور والغريب والعزيز قبل أَحْوَال الروَاة وَغير ذَلِك
الثَّالِث أَنه أهل أنواعا أخر قَالَ الْحَازِمِي

(1/57)


فِي كتاب العجالة [اعْلَم] أَن علم الحَدِيث (ع 6) يشْتَمل على أَنْوَاع كَثِيرَة تقرب من مائَة نوع وكل نوع مِنْهَا علم مُسْتَقل لَو أنْفق الطَّالِب فِيهِ عمره لما أدْرك نهايته لَكِن الْمُبْتَدِئ يحْتَاج أَن يستطرف من كل نوع لِأَنَّهَا أصُول الحَدِيث انْتهى وَأَقُول
الأول من لم يرو إِلَّا عَن شخص وَاحِد وَهَذَا اظرف من عَكسه الَّذِي ذكره وأندر وَمن ذَلِك عبد الحميد بن أبي الْعشْرين عَن الْأَوْزَاعِيّ

(1/58)


وَمِنْه عَاصِم بن ضَمرَة قَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنده لَا نعلمهُ روى إِلَّا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ صَالح الحَدِيث
وَمِنْه صَيْفِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ يروي عَن أبي السَّائِب فِي قتل الْحَيَّة

(1/59)


قَالَ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة (أ 7) إِلَّا عَن أبي السَّائِب قلت قد روى عَن أبي الْيُسْر السّلمِيّ خرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد

(1/60)


وَالنَّسَائِيّ فِي الدُّعَاء وَمِنْه عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثَوْر يروي عَن ابْن عَبَّاس وَعنهُ الزُّهْرِيّ من رجال الصَّحِيحَيْنِ
قَالَ الْخَطِيب فِي مكمله لَا أعلم روى عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ وَلَا أعلمهُ حدث عَن غير ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا

(1/61)


الثَّانِي رِوَايَة الصَّحَابَة بَعضهم عَن بعض وَقد أدرجه المُصَنّف فِي المدبج ثمَّ هُوَ على قسمَيْنِ
أَحدهمَا أَن يُنَبه عَلَيْهِ عِنْد رِوَايَته وَهُوَ كثير
الثَّانِي أَن لَا يُنَبه حِينَئِذٍ وَلَكِن إِذا سُئِلَ عَنهُ ذكره كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيمَن أصبح جنبا فَلَا صَوْم لَهُ لما سُئِلَ عَنهُ أَحَالهُ على الْفضل بن عَبَّاس

(1/62)


وكحديث ابْن عَبَّاس إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة (1) لما سُئِلَ عَنهُ أَحَالهُ على أُسَامَة ابْن زيد (2)
وَفَائِدَة معرفَة هَذَا النَّوْع دفع توهم من لَا معرفَة لَهُ كَون الرَّاوِي عَن الصَّحَابِيّ تابعيا (3) وَقد يكون فِي السَّنَد ثَلَاثَة من الصَّحَابَة يروي بَعضهم عَن بعض كَرِوَايَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان عَن مَالك بن يخَامر
- وَقد أثبت لَهُ جمَاعَة الصُّحْبَة - عَن معَاذ بن جبل حَدِيث لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي الحَدِيث وَهُوَ فِي

(1/63)


الصَّحِيح وَقد يكون فِي السَّنَد أَرْبَعَة كالحديث الَّذِي أخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد عَن حويطب بن عبد الْعُزَّى عَن [عبد الله] بن السَّعْدِيّ

(1/64)


عَن عمر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا آتاك الله من هَذَا المَال من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فاقبله ثمَّ قَالَ وَفِي هَذَا الحَدِيث أَرْبَعَة من الصَّحَابَة روى بَعضهم عَن بعض بِإِسْنَاد صَحِيح وَلَا نعلمهُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث انْتهى
والْحَدِيث فِي الصَّحِيح ويضاف إِلَيْهِ حَدِيث ويل للْعَرَب من شَرّ قد اقْترب فَإِنَّهُ من رِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة

(1/65)


قَالَ أَبُو عَليّ الغساني فِي تَقْيِيد المهمل وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح رِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة غَيرهَا وللحافظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد جُزْء فِيمَن اجْتمع فِيهِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة وَأما خَمْسَة فَلم يُوجد غير حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ عَمْرو بن الْعَاصِ عَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن عمر بن الْخطاب عَن أبي بكر الصّديق عَن بِلَال - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَوْت كَفَّارَة لكل مُسلم

(1/66)


وَفِيه رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَفِيه رِوَايَة ثَلَاثَة من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين
الثَّالِث رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين وَقد أدرجه المُصَنّف فِي رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَقد صنف الْخَطِيب فِيهِ كتابا وَبلغ عَددهمْ نَحْو الْعشْرين وَمن مَشْهُور ذَلِك مَا أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - عَن أم كُلْثُوم بنت أبي بكر عَن عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - أَن رجلا سَأَلَ

(1/67)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [عَن الرجل يُجَامع أَهله ثمَّ يكسل - وَعَائِشَة جالسة - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأَفْعَل ذَلِك أَنا وَهَذِه ثمَّ نغتسل] وَأم كُلْثُوم تابعية ولدت بعد موت أَبِيهَا - رَضِي الله عَنْهُمَا
الرَّابِع رِوَايَة التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَهَذَا النَّوْع لَيْسَ مَا يَقُول فِيهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَة ويذكره وَمِنْه حَدِيث من يرد هوان قُرَيْش أهانه الله أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب (ع 7) بِإِسْنَاد فِيهِ خَمْسَة من

(1/68)


التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض
الْخَامِس معرفَة من أشترك من رجال الْإِسْنَاد فِي فقه أَو بلد أَو إقليم وَهَذَا النَّوْع نَافِع فِي التَّرْجِيح عِنْد التَّعَارُض فَإِن رِوَايَة أهل الْبَلَد بَعضهم عَن بعض أولى (أ 8) من رِوَايَة أهل الْبَلَد عَن غَيرهم وَمن ثمَّ كَانَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حجَّة فِي الشاميين لأَنهم أهل بَلَده دون الْحِجَازِيِّينَ وَرجح الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه حَدِيثا فِي

(1/69)


التَّيَمُّم بذلك
السَّادِس معرفَة أَسبَاب الحَدِيث قيل وَقد صنف ابْن الْجَوْزِيّ فِيهِ تصنيفا وَلم يكمله كنظير أَسبَاب نزُول الْقُرْآن الْكَرِيم وَهُوَ من أهم أَنْوَاع علم الحَدِيث

(1/70)


وَإِنَّمَا زل كثير من الروَاة ووهموا لما لم يقفوا على ذَلِك وَقد ردَّتْ عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - على الأكابر من الصَّحَابَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - بِسَبَب إغفالهم سَبَب الحَدِيث فَإِن قيل أَي فَائِدَة لهَذَا النَّوْع من أَن الْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب قيل فَائِدَته عدم تَخْصِيص مَحل السَّبَب أَو فهم الْمَعْنى من السِّيَاق كَمَا فِي حَدِيث ولد الزِّنَا شَرّ الثَّلَاثَة أَو غير ذَلِك

(1/71)


وَمِنْه حَدِيث اتِّخَاذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا من فضَّة وَجعل نقشه مُحَمَّد رَسُول الله لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتابا أَو أَرَادَ أَن يكْتب فَقيل لَهُ إِنَّهُم لَا يعْرفُونَ كتابا إِلَّا مَخْتُومًا فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة نقشه مُحَمَّد رَسُول الله كَأَنِّي أنظر إِلَى بياضه
ثمَّ السَّبَب قد ينْقل فِي الحَدِيث كَمَا فِي حَدِيث سُؤال جِبْرِيل عَن الْإِيمَان وَحَدِيث الْقلَّتَيْنِ

(1/72)


وَقد لَا ينْقل فَهُوَ الَّذِي يجب الاعتناء بِهِ كَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة أَخْرجَاهُ من جِهَة زيد بن ثَابت وَهُوَ على سَبَب أخرجه ابْن مَاجَه عَن عبد الله (د 7) بن سعد قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا أفضل الصَّلَاة فِي بَيْتِي أَو الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد قَالَ أَلا ترى إِلَى بَيْتِي مَا أقربه من الْمَسْجِد فَلِأَن أُصَلِّي فِي بَيْتِي أحب إِلَيّ من أَن أُصَلِّي فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن تكون صَلَاة

(1/73)


مَكْتُوبَة
السَّابِع معرفَة التَّارِيخ الْمُتَعَلّق بِالْمَتْنِ وَهُوَ نَافِع فِي أَمر النَّاسِخ والمنسوخ كَمَا فِي حَدِيث حجامة الصَّائِم وَنَحْوهَا
وَمن فَوَائده معرفَة ابْتِدَاء مَشْرُوعِيَّة الحكم فَيظْهر بذلك حَال مَا قبله وَقد جعلُوا أَسمَاء الرِّجَال المبهمة فِي الْأَسَانِيد والمتون من فنون الحَدِيث وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا فَنًّا آخر يجمع إِلَيْهِ أَمْثَاله من المبهمات الَّتِي لَيست فِي أَسمَاء الرِّجَال كَمَا فِي

(1/74)


سفر عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - وَانْقِطَاع عقدهَا فَإِنَّهُ ورد مُبْهما وَبَين فِي كتب التواريخ
وكما فِي سفر جَابر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الْجمل فَإِنَّهُ جَاءَ مُبْهما وَجَاء فِي رِوَايَة أَقبلنَا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة
وَيَنْبَغِي الاعتناء بِهَذَا النَّوْع لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ فَوَائِد علمية فِي بعض الْأَحَادِيث
الثَّامِن معرفَة تفَاوت الروَاة لقَولهم هُوَ دون فلَان وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي مثل فلَان وَغير ذَلِك مِمَّا يدل على نَقصه بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره
وَهَذَا الْفَنّ يحْتَاج إِلَيْهِ فِي بَاب التَّرْجِيح عِنْد اخْتِلَاف الرِّوَايَة وَلَيْسَ من

(1/75)


الْقدح فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم تتعارض فِي شَيْء
قَالَ الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام وَهَذَا النَّوْع من الحَدِيث يَنْبَغِي أَن يعْقد لَهُ بَاب أَو يفرد لَهُ تصنيف ويعد فِي عُلُوم الحَدِيث بل هُوَ من أجلهَا للْحَاجة إِلَيْهِ فِي التَّرْجِيح وَلست أذكر الْآن أَنه فعل ذَلِك انْتهى
وَقد يُقَال بِرُجُوعِهِ إِلَى معرفَة طَبَقَات الروَاة وَقد أفردوه
التَّاسِع معرفَة الْأَوَائِل والأواخر كَقَوْلِه أول مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصادقة

(1/76)


وَقد صنف فِيهِ الطَّبَرَانِيّ والعسكري وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة جملَة من ذَلِك
الْعَاشِر معرفَة الْأَصَح وَهُوَ يعْتَبر بمعنيين
أَحدهمَا أَن يكون رَوَاهُ الْعَالم الثِّقَة عَن الْعَالم الثِّقَة لِأَنَّهُ (ع 8) قد يشْتَهر بالتوثيق من لَيْسَ بعالم
الثَّانِي أَن يكون مُعْتَبرا بِمَا ورد فِي ذَلِك الْمَعْنى من الْأَحَادِيث فِي الطَّهَارَة مثلا

(1/77)


أَبُو البيع أَو النِّكَاح مِمَّا يجمعها بَاب وَاحِد فَيكون هُوَ أصح من غَيره فِي ذَلِك الْبَاب خَاصَّة وينفع هَذَا فِي بَاب التراجم
الْحَادِي عشر الْجمع بَين معنى الحَدِيث وَمعنى الْقُرْآن وانتزاع مَعَاني الحَدِيث من الْقُرْآن وَذكر الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام أَن بعض أكَابِر صوفية الْمغرب اعتنى بذلك [وَجمعه] مثل مَا قَالَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكَبَائِر شتم الرجل وَالِده قَالُوا يَا رَسُول الله هَل يشْتم الرجل وَالِديهِ قَالَ نعم يسب أَبَا الرجل فيسب أَبَاهُ ويسب أمه فيسب أمه
قَالَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله فيسبوا الله عدوا بِغَيْر علم} وَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَمن قتل نَفسه بحديدة الحَدِيث قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {هَل تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}

(1/78)


) وَقَوله تَعَالَى {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى الَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ}
وَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعطي الرجل وَغَيره أحب إِلَيّ مِنْهُ
قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة} الْآيَة

(1/79)


وَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن يَأْكُل فِي معاء وَاحِد وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا يتمتعون ويأكلون كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام} وَقَوله {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا}
الثَّانِي عشر الْكَلِمَات المفردة الَّتِي اخترعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَقَوْلِه فِي غَزْوَة أَوْطَاس الْآن حمى الْوَطِيس وَذَلِكَ حِين اسعرت الْحَرْب والوطيس نقرة فِي

(1/80)


حجر توقد حوله النَّار فيطبخ بِهِ اللَّحْم والوطيس التَّنور أَيْضا
وَقَوله مَاتَ حتف أَنفه قَالَهَا فِي فضل من مَاتَ فِي سَبِيل الله رَوَاهُ عَنهُ عبد الله بن عتِيك قَالَ وَمَا سَمِعت هَذِه الْكَلِمَة من أحد من الْعَرَب قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمِنْهَا لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ قَالَهَا لأبي عزة

(1/81)


الجُمَحِي يَوْم أحد
وَمِنْهَا لَا ينتطح فِيهَا عنزان

(1/82)


قَالَه حِين قتلت العصمي بنت مَرْوَان قَتلهَا بَعْلهَا لِأَنَّهَا كَانَت تسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشهد أَن دَمهَا هدر
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَمن هَا هُنَا يستنبط اصل التسجيل فِي الْفِقْه لِأَنَّهُ قد أشهد

(1/83)


على نَفسه [الشَّرِيفَة] صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإمضاء الحكم
الثَّالِث عشر معرفَة الْأَمَاكِن واختلافها وَضبط أسمائها وَقد تصدى الْحَازِمِي لإفراد ذَلِك بمصنف حافل
وَمِمَّا يبْعَث على معرفَة ذَلِك أَن الْمُزنِيّ - من أَصْحَاب الشَّافِعِي - احْتج على من أصبح صَائِما مُقيما ثمَّ سَافر جَازَ لَهُ الْفطر بِحَدِيث جَابر - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَام الْفَتْح إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان فصَام حَتَّى بلغ كرَاع الغميم فصَام النَّاس ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فشربه أخرجه مُسلم

(1/84)


قَالُوا وَهَذَا من الْمُزنِيّ وهم ظن أَن كرَاع الغميم خَارج الْمَدِينَة قَرِيبا وَلَيْسَ كَذَلِك بل بَين الْمَدِينَة وَبَينه مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام
وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنه صَامَ أَيَّامًا فِي سَفَره ثمَّ أفطر وَمن العجيب فِي ذَلِك مَا وَقع لصَاحب الْإِحْيَاء حَيْثُ اسْتحبَّ الْإِجَابَة لدَعْوَة الطَّعَام وَإِن بعد الْمَكَان قَالَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو دعيت إِلَى كرَاع الغميم لَأَجَبْت وَالَّذِي فِي الصَّحِيح وَلَو دعيت إِلَى كرَاع لَأَجَبْت من غير تَقْيِيد بالغميم وَالْمرَاد كرَاع الشَّاة الَّذِي يسمونه النَّاس بالكارع بِدَلِيل قَوْله قبله لَو أهدي إِلَيّ ذِرَاع لقبلت

(1/85)


فَائِدَة

أول مَا يَنْبَغِي أَن يتَكَلَّم فِي الحَدِيث كَمَا قَالَه ابْن دحْيَة على النَّاقِل وتعديله ثمَّ فِي مَتنه وتأويله وَإِذا تكلم فِي النَّاقِل فَلَا بُد من بَيَان اسْمه وَاسم أَبِيه وَنسبه لِئَلَّا (ع 9) يشْتَبه الروَاة وَقد تتفق الْأَسْمَاء وتختلف النّسَب فَيَقَع التباين باختلافهما كطلحة بن يحيى وَطَلْحَة بن يحيى أَحدهمَا قرشي وَالْآخر أَنْصَارِي زرقي وَمَا أقبح بِالرجلِ أَن يَقُول عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارئ - مَهْمُوز - فينسبه إِلَى الْقِرَاءَة وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَى القارة وَإِذا علم

(1/86)


الْمُحدث الْأَنْسَاب كَانَ متحرزا من تغييرها متثبتا لَدَى (د 8) تكريرها وَحدث رجل عَن ابْن عَائِشَة عَن سعيد الْجريرِي فَقيل لَهُ فَقَالَ بقلة دينه كَانَ يَبِيع الجرار ثمَّ صَار يَبِيع الْجَرِير فَقيل لَهُ هَذَا رجل من الْعَرَب من بني جرير فَقَالَ فعل الله بالعرب مَا أقبح أسماءها
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عَليّ الغساني فِي كتاب شرف الْمُحدثين وَقد خص الله تَعَالَى هَذِه الْأمة بِثَلَاثَة اشياء لم يُعْطهَا من قبلهَا
الْإِسْنَاد وَالْإِعْرَاب والأنساب

(1/87)