اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر معرفَة الْأَنْسَاب
وَكَذَا الْأَنْسَاب: وَهِي تَارَة تقع إِلَى الْقَبَائِل
وَهُوَ فِي الْمُتَقَدِّمين أكثري / بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْمُتَأَخِّرين. قَالَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى -:
(لِأَن الْمُتَقَدِّمين) كَانُوا يعتنون بِحِفْظ أنسابهم،
وَلَا يسكنون المدن والقرى غَالِبا بِخِلَاف الْمُتَأَخِّرين.
وَتارَة إِلَى الأوطان، وَهَذَا فِي الْمُتَأَخِّرين أكثري
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَقَدِّمين، لما ذكر (وَالنِّسْبَة
إِلَى) الوطن أَعم من أَن يكون بلادا أَو ضيَاعًا، أَو سككا،
أَو مجاورة، وَتَقَع إِلَى الصَّنَائِع كالخياط والحرف
كالبزار، وَيَقَع فِيهَا الِاشْتِبَاه والاتفاق كالأسماء.
وَلابْن السَّمْعَانِيّ كتاب عَظِيم فِي ذَلِك فِي مجلدات،
وَألف فِيهِ قبله
(2/416)
الرشاطي وَاخْتصرَ ابْن الْأَثِير كتاب
ابْن السَّمْعَانِيّ وَزَاد عَلَيْهِ شَيْئا قَلِيلا فِي كتاب
سَمَّاهُ " اللّبَاب فِي معرفَة الْأَنْسَاب "، (وَاخْتَصَرَهُ
السُّيُوطِيّ فِي كتاب سَمَّاهُ " لب اللّبَاب فِي معرفَة
الْأَنْسَاب ") . وَقد تقع الْأَنْسَاب ألقابا كخالد مخلد بن
الْقَطوَانِي بِفَتْح الْقَاف والطاء وَالْوَاو كَانَ كوفيا،
ويلقب الْقَطوَانِي وَكَانَ يغْضب مِنْهَا إِذا لقب بهَا.
وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة أَسبَاب ذَلِك - أَي الألقاب
وَالنّسب - بِكَسْر النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة، جمع
نِسْبَة بِكَسْر فَسُكُون. الَّتِي بَاطِنهَا على خلاف
ظَاهرهَا.
(2/417)
معرفَة الموَالِي
وَمَعْرِفَة الموَالِي من أَعلَى وَهُوَ الَّذِي معتقيه
(سائبة) من الْعَرَب وَمن أَسْفَل وَهُوَ الَّذِي مُعْتقه
عَتيق الآخر فَإِنَّهُ قد ينْسب إِلَى الْقَبِيلَة مولى
مَوْلَاهَا وَالظَّاهِر أَن الْأَعْلَى والأسفل خَاص بِالرّقِّ
كَمَا هُوَ صَرِيح صَنِيع التقي / الشمني فِي " شَرحه لنظم
النخبة "
بِالرّقِّ، أَو بِالْحلف بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
اللَّام، أَو بِالْإِسْلَامِ لِأَن كل ذَلِك يُطلق عَلَيْهِ
مولى، وَلَا يعرف تَمْيِيزه إِلَّا بالتنصيص عَلَيْهِ.
(2/418)
معرفَة الْأُخوة وَالْأَخَوَات
وَمَعْرِفَة الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْعلمَاء، والرواة
كَذَلِك وَقد صنف فِيهِ القدماء كعلي بن الْمَدِينِيّ، وَمُسلم
بن لحجاج وَمِثَال ذَلِك فِي الصحافة: عمر وَزيد ابْنا الْخطاب
وَعبد الله وَعتبَة ابْنا مَسْعُود.
وَمن لطيفه أَن ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة وَقَعُوا فِي إِسْنَاد
وَاحِد، فَفِي " الْعِلَل " للدارقطني من طَرِيق هِشَام بن
حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أَخِيه يحيى بن سِيرِين عَن
أَخِيه أنس بن سِيرِين عَن مَوْلَاهُ
(2/419)
أنس بن مَالك أَن رَسُول الله قَالَ: لبيْك
حجَّة حَقًا تعبدا وَرقا.
وَذكر ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي: أَن مُحَمَّد بن سِيرِين
رَوَاهُ عَن أَخِيه (يحيى عَن أَخِيه) معبد عَن أَخِيه أنس.
(2/420)
معرفَة آدَاب الشَّيْخ والطالب
وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة آدَاب الشَّيْخ والطالب وَقد
جَعلهمَا المحدثون على مَرَاتِب:
1 - أَولهَا الطَّالِب: وَهُوَ الْمُبْتَدِئ.
2 - ثمَّ الْمُحدث: وَهُوَ من تحمل رِوَايَته واعتنى بدرايته.
3 - ثمَّ الْحَافِظ: وَهُوَ من حفظ مائَة ألف حَدِيث متْنا
وإسنادا، وَلَو بِتَعَدُّد الطّرق والأسانيد. أَو من روى ووعى
مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
4 - ثمَّ الْحجَّة: وَهُوَ من أحَاط / بثلاثمائة ألف حَدِيث
كَذَلِك.
5 - ثمَّ الْحَاكِم: وَهُوَ من أحَاط بِجَمِيعِ الْأَحَادِيث
المروية. ذكره المطري. ويشتركان فِي تَصْحِيح النِّيَّة لِأَن
أصل كل عمل (وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين)
قَالُوا: الْإِخْلَاص هُوَ النِّيَّة وَخبر " إِنَّمَا
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ".
فَيَنْبَغِي أَن يبْدَأ كل مِنْهُمَا بتصحيح نِيَّته فِي
الإفادة والطلب، خَالِصا
(2/421)
لله لَا لغَرَض من الْأَغْرَاض. .
الدُّنْيَوِيَّة، قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة: من طلب الحَدِيث
لغير الله مكر بِهِ.
والتطهير من أغراض الدُّنْيَا فَإِن قصد التَّوَصُّل بِهِ
إِلَيْهَا مَحْظُور عَظِيم.
وتحسين الْخلق بِضَمَّتَيْنِ أَي أَخذ النَّفس بالأداب
السّنيَّة الفاضلة، والابتهال إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى
فِي حُصُول التَّوْفِيق والتيسير، وَصدق اللهجة، وَهُوَ أساس
هَذَا الْعلم.
وينفرد الشَّيْخ بِأَن يسمع بِضَم أَوله وَكسر ثالثه إِذا
احْتِيجَ إِلَيْهِ وَإِن لم يكن فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث
وَهُوَ من خمسين سنة إِلَى ثَمَانِينَ، فمدار الإسماع فِي
الْحَقِيقَة على الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ وَإِن لم يبلغ عشْرين
سنة، فقد حدث البُخَارِيّ وَمَا فِي وَجهه شَعْرَة.
وَلَا يحدث بِبَلَد فِيهِ من هُوَ أولى مِنْهُ بِالتَّحْدِيثِ
بل يرشد إِلَيْهِ أَي إِلَى من هُوَ أولى مِنْهُ.
(2/422)
وَلَا يتْرك إسماع أحد لنِيَّة فَاسِدَة،
وَأَن يتَطَهَّر وَيجْلس بوقار / وَلَا يحدث قَائِما وَلَا
عجلا، وَلَا فِي الطَّرِيق إِلَّا إِن اضْطر إِلَى ذَلِك وَأَن
يمسك عَن التحديث إِذا خشِي التَّغَيُّر أَو النسْيَان أَو
لمَرض، أَو هرم، وَإِذا اتخذ مجْلِس الْإِمْلَاء أَن يكون لَهُ
مستملي يقظ وَعَلِيهِ أَن يتبع السّنة الصَّحِيحَة
الصَّرِيحَة، وَلَا يتعصب لإمامه، ويورد الحَدِيث بِصَوْت حسن
فصيح.
وينفرد الطَّالِب بِأَن يوقر الشَّيْخ وَلَا يضجره، ويرشد
غَيره لما سَمعه، وَلَا يدع الاستفادة لحياء، أَو تكبر وَيكْتب
مَا سَمعه من الحَدِيث تَاما، ويعتني بالتقييد والضبط لألفاظ
الحَدِيث ويذاكر بمحفوظة غَيره ليرسخ فِي ذهنه.
وَيسمع مَا عِنْد أجل شُيُوخ بَلَده إِسْنَادًا وعلما، ودينا
وشهرة وَيقدم الْأَعْلَى فالأعلى من الحَدِيث كَمَا تقدم.
(2/423)
معرفَة سنّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء
وَمن المهم معرفَة وَقت سنّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء وَالأَصَح
اعْتِبَارا سنّ التَّحَمُّل بالتمييز وَيحصل غَالِبا باستكمال
خمس سِنِين، وَمَا دونهَا فَهُوَ حُضُور، وهم كالمجمعين على
صِحَّته هَذَا فِي السماع.
وَقد جرت عَادَة الْمُحدثين بإحضارهم الْأَطْفَال مجَالِس
الحَدِيث ويكتبون لَهُم أَنهم حَضَرُوا سَوَاء كَانَ الصَّغِير
ابْن يَوْم، أَو ابْن سنة، أَو أَكثر إِلَى أَن يبلغ سنّ
السماع، وَلَا بُد فِي مثل ذَلِك من إجَازَة المسمع.
وَالأَصَح فِي سنّ الطّلب بِنَفسِهِ أَن يتأهل / لذَلِك قَالَ
الشَّيْخ قَاسم: أَشَارَ بقوله بِنَفسِهِ إِلَى أَن الطَّالِب
تَارَة يكون بِنَفسِهِ وَتارَة يكون بِغَيْرِهِ كالأطفال،
ويحضرونهم الْمجَالِس. اه.
وَاخْتلف فِي الزَّمن الَّذِي يَصح فِيهِ سَماع الصَّبِي
فَقَالَ عِيَاض حدد أهل الصَّنْعَة فِيهِ خمس سِنِين وَهُوَ
سنّ مَحْمُود بن الرّبيع
(2/424)
الَّذِي ترْجم البُخَارِيّ فِيهِ بَاب مَتى
يَصح سَماع الصَّغِير. وَقيل: كَانَ ابْن أَربع أَو خمس. قَالَ
الشمني: وَهَذَا وَإِن كَانَ هُوَ المستقر عَلَيْهِ الْعَمَل -
أَعنِي التسميع لِابْنِ خمس - وَالأَصَح إِنَّه يعْتَبر كل
صَغِير بِحَالهِ، فَمَتَى كَانَ فهما للخطاب ورد الْجَواب
صححنا سَمَاعه وَإِن كَانَ لَهُ دون خمس، وَإِن لم يكن كَذَلِك
لم يَصح وَإِن كَانَ ابْن خمسين، وَحَدِيث مَحْمُود لَا
يُنَافِيهِ لكَونه يدل على ثُبُوته لمن هُوَ مثله لَا على
نَفْيه عَمَّن هُوَ دونه مَعَ جودة التَّمْيِيز أَو ثُبُوته
لمن هُوَ فِي سنه أَو فَوْقه وَلم يُمَيّز تَمْيِيزه. انْتهى.
(2/425)
تحمل الْكَافِر وَالْفَاسِق
وَيصِح تحمل الْكَافِر - أَيْضا - إِذا أَدَّاهُ بعد إِسْلَامه
وَكَذَا الْفَاسِق من بَاب أولى بِلَا خلاف إِذا أَدَّاهُ بعد
تَوْبَته وَثُبُوت عَدَالَته. وَيدل لذَلِك مَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ أَن جُبَير بن مطعم لما قدم فِي أُسَارَى بدر
يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ فأداه بعد إِسْلَامه.
(2/426)
زمن الْأَدَاء
وَأما الْأَدَاء فقد تقدم أَنه / لَا اخْتِصَاص لَهُ بِزَمن
معِين بل يُفِيد بالاحتياج إِلَى ذَلِك والتأهل لذَلِك قَالَ
الشَّيْخ قَاسم: هَذِه زِيَادَة على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ
فِي " التَّقْرِيب والتيسير " حَيْثُ قَالَ: إِنَّه مَتى
احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْده جلس لَهُ.
وَهُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال.
وَقَالَ ابْن خَلاد بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام
إِذا بلغ الْخمسين سنة، وَلَا يُنكر عِنْد الْأَرْبَعين.
وَتعقب بِمن حدث قبلهَا كمالك.
قَالَ المُصَنّف فِي " تَقْرِيره ": وَأجِيب عَنهُ بِأَن
مُرَاده إِذا لم يكن هُنَاكَ أَمر يَقْتَضِي التحديث كَأَن لم
يكن هُنَاكَ أمثل مِنْهُ، وَكَأن يكون قد صنف كتابا وَأُرِيد
سَمَاعه. انْتهى.
(2/427)
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: فَإِذا لم يكن
هُنَاكَ مَا يُوجب التحديث مِمَّا ذكر فالسن مَظَنَّة التأهل
عِنْده.
قَالَ الْمَنَاوِيّ هَذَا خصوه بِغَيْر (البارع الْمَطْلُوب
مِنْهُ مُجَرّد الْإِسْنَاد، أما البارع فَلَا، فقد حدث مَالك
وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة وشيوخه أَحيَاء، وَكَذَا الإِمَام
الشَّافِعِي، وَحدث البُخَارِيّ وَمَا بِوَجْهِهِ شَعْرَة.
انْتهى.
(2/428)
صفة كِتَابَة الحَدِيث
وَمن المهم - أَيْضا - كِتَابَة الحَدِيث، وَهُوَ أَن
يَكْتُبهُ مُبينًا مُفَسرًا، وَيشكل الْمُشكل (مِنْهُ)
بِخِلَاف الْوَاضِح، قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالصَّوَاب أَنه
يشكل الْجَمِيع لخفائه على الْمُبْتَدِئ وَغير الْعَرَبِيّ،
أَلا تراهم اخْتلفُوا فِي رفع / " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه
" ونصبه، وَكَذَا " لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة ".
(2/429)
وَيَنْبَغِي أَن يكون اعتناؤه بضبط اللّبْس
من الْأَسْمَاء أَكثر، لِأَنَّهُ نقل مَحْض لَا مدْخل للإفهام
فِيهِ، مثل: بريد بِضَم الْمُوَحدَة فَإِنَّهُ يشْتَبه ببريد،
وَلذَا قيل: أولى الْأَشْيَاء بالضبط أَسمَاء النَّاس
لِأَنَّهُ لم يكن قبله وَلَا بعده مَا يدل عَلَيْهِ، وَلَا
مدْخل للْقِيَاس فِيهِ. وينقطه، وَيكْتب السَّاقِط فِي
الْحَاشِيَة الْيَمين مَا دَامَ فِي السطر بَقِيَّة. قَالَ
بَعضهم: يَبْغِي أَن يكون مَحل ذَلِك إِذا كَانَ فِي الصفحة
الْيَمين
(2/430)
(وَإِلَّا فَإِن كَانَ فِي الصفحة
الْيُسْرَى) يَنْبَغِي أَن يكْتب فِي الْحَاشِيَة الْيُسْرَى
إِلَّا أَن يكون الحاشيتان سَوَاء.
وَإِلَّا بِأَن لم يبْق فِي السطر شَيْء فَفِي الْيُسْرَى
يكْتب ذَلِك.
وَصفَة عرضه وَهُوَ مُقَابلَته مَعَ الشَّيْخ المسمع، أَو مَعَ
ثِقَة غَيره، أَو مَعَ نَفسه شَيْئا فَشَيْئًا.
وَصفَة سَمَاعه بِأَن لَا يتشاغل بِمَا يخل بِهِ من نسخ أَو
حَدِيث أَو نُعَاس. بِحَيْثُ لَا يفهمهُ.
وَصفَة إسماعه كَذَلِك، وَأَن يكون ذَلِك من أَصله الَّذِي سمع
فِيهِ، أَو من فرع قوبل على أَصله فَإِن تعذر فليخبره
بِالْإِجَازَةِ لما خَالف إِن خَالف. وَسَوَاء كَأَن الأَصْل
أَو الْفَرْع بيد الشَّيْخ أَو الْقَارئ أَو غَيرهمَا من
الثِّقَات، فَإِن كَانَ بيد غير ثِقَة لم يَصح، أَو كَانَ
الأَصْل غير تَامّ
(2/431)
الوثوق بِهِ فليخبره / بِالْإِجَازَةِ لما
خَالف مَا لم تكْثر الْمُخَالفَة، هَذَا إِذا لم يكن الشَّيْخ
حَافِظًا لما قرئَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِن كَانَ
السَّامع أَو المستمع ينْسَخ حَال الْقِرَاءَة فَابْن
الْمُبَارك، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَآخَرُونَ على
صِحَّته.
وَمنعه أَبُو إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق
الإِسْفِرَايِينِيّ قَالَ ابْن الْجَزرِي: وَالأَصَح أَنه إِن
منع النّسخ وَنَحْوه فهمه للمقروء لم يَصح، وَإِلَّا صَحَّ،
وَقد حضر الدَّارَقُطْنِيّ فِي حداثته إملاء وَهُوَ ينْسَخ
فَقيل لَهُ: لَا يَصح سماعك. فَيرد لَهُم جَمِيع مَا أملاه
الشَّيْخ عَن ظهر قلب، فعجبوا مِنْهُ.
وَكَانَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - يكْتب حَال
الإسماع ويطالع مَعَ رده على الْقَارئ.
(2/432)
وَكَانَ الْمزي يكْتب فِي السماع (وينعس)
وَيرد مَعَ ذَلِك ردا جيدا.
(2/433)
صفة الرحلة فِي طلب الحَدِيث
وَصفَة الرحلة فِيهِ حَيْثُ يَبْتَدِئ بِحَدِيث أهل بَلَده
فيستوعبه ثمَّ يرحل اسْتِحْبَابا وَهِي شدّ الرحل فَيحصل فِي
الرحلة مَا لَيْسَ عِنْده من الْأَسَانِيد وَيكون اعْتِبَاره
بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشُّيُوخ. قَالَ
الشمني: وَأما من اقْتصر على تَكْثِير الشُّيُوخ دون المسموع
وَهُوَ صَنِيع جلّ أَصْحَابنَا محتجا بِمَا قيل: ضيع ورقة
وَلَا تضيع شَيخا فقد ضيع الأَصْل، وَالْأولَى خِلَافه.
انْتهى.
ويبادر بِسَمَاع أصُول / الْإِسْلَام وَهِي الْكتب السِّتَّة،
وَيقدم البُخَارِيّ مِنْهَا لأرجحيته على غَيره - كَمَا مر -
واختصاص صَحِيحه
(2/434)
بمزيد الصِّفَات.
فَمُسلم لجمعه الطّرق فِي مَكَان وَاحِد على كَيْفيَّة حَسَنَة
فَأَبُو دَاوُد لِكَثْرَة أَحْكَامه، وَمن ثمَّ قَالُوا
يَكْفِي الْفَقِيه فَالتِّرْمِذِي لبيانه للمذاهب وإشارته لما
فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث، وَالْحكم عَلَيْهَا.
فالنسائي السّنَن الصُّغْرَى لإشارته للعلل، وَحسن إِيرَاده،
وَقد توقف بَعضهم فِي إِلْحَاق ابْن مَاجَه بهم لِكَثْرَة مَا
فِيهِ من الضعْف بل الْمَوْضُوع.
(2/435)
صفة تصنيف الحَدِيث
وَصفَة تصنيفه بِأَن يتَصَدَّى لَهُ إِذا تأهل وَذَلِكَ يعْنى
ترتيبه إِمَّا على المسانيد: بِأَن يجمع مُسْند كل صَحَابِيّ
على حِدة، فَإِن شَاءَ رتبه على سوابقهم، وَإِن شَاءَ على
حُرُوف المعجم وَهُوَ أسهل تناولا.
أَو تصنيفه على الْأَبْوَاب الْفِقْهِيَّة أَو غَيرهَا بِأَن
يجمع فِي كل بَاب مَا ورد فِيهِ مِمَّا يدل على حكمه
إِثْبَاتًا أَو نفيا، وَالْأولَى أَن يقْتَصر على مَا صَحَّ
أَو حسن، فَإِن جمع الْجَمِيع فليبين عِلّة الضعْف.
قَالَ الشَّيْخ قَاسم:. . الِانْقِطَاع وَالْوَقْف
وَنَحْوهمَا، فَقَالَ بعض من يدعى علم هَذَا الْفَنّ: ويبوب
عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ هَذَا من تَقْرِير مَا ذكر.
(2/436)
أَو تصنيفه على / الْعِلَل فيذكر الْمَتْن
وطرقه وَبَيَان اخْتِلَاف نقلته، وَالْأَحْسَن أَن يرتبها على
الْأَبْوَاب ليسهل تنَاولهَا.
أَو تجميعه على الْأَطْرَاف، فيذكر طرف الحَدِيث الدَّال على
بَقِيَّته، وَيجمع أسانيده إِمَّا مستوعبا وَإِمَّا متقيدا
بكتب مَخْصُوصَة.
(2/437)
معرفَة سَبَب الحَدِيث
وَمن المهم معرفَة سَبَب الحَدِيث يَعْنِي السَّبَب الَّذِي
لأَجله حدث النَّبِي بذلك الحَدِيث كَمَا فِي سَبَب نزُول
الْقُرْآن الْكَرِيم.
وَقد صنف فِيهِ بعض شُيُوخ القَاضِي أبي يعلى ابْن الْفراء
الْحَنْبَلِيّ وَهُوَ أَبُو حَفْص العكبري بِضَم فَسُكُون
وَفتح الْمُوَحدَة وَرَاء، نِسْبَة إِلَى عكبراء بلد على دجلة
فَوق بَغْدَاد وَقد ذكر تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي
أَوَائِل شرح الْعُمْدَة آخر الْكَلَام على حَدِيث " إِنَّمَا
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " أَن أهل عصره شرع فِي جمع ذَلِك،
وَكَأَنَّهُ مَا رأى تصنيف العكبري الْمَذْكُور. عبارَة ابْن
دَقِيق الْعِيد: شرع ... . بعض الْمُتَأَخِّرين من أهل
الحَدِيث هُوَ لَا يُنَافِي أَنه لم يكن اطلع على تصنيف
العكبري.
(2/438)
لَا يُقَال: قَوْله شرع ظَاهر فِي ذَلِك.
لأ (نَا) نقُول: يحمل أَن مُرَاده أَن بعض الْمُتَأَخِّرين
مِمَّن تقدمه شرع فِي تصنيف وَلم يتمه فَلَا دلَالَة فِي ذَلِك
على أَنه من أهل عصره.
وصنفوا فِي / غَالب هَذِه الْأَنْوَاع على مَا أَشَرنَا
إِلَيْهِ فِيمَا تقدم فِي هَذَا الْكتاب غَالِبا أَشَارَ بِهِ
إِلَى أَنه ترك الْإِشَارَة إِلَى بعض تِلْكَ الْأَنْوَاع
وَهُوَ كَذَلِك، كَمَا تقدم بعض ذَلِك مَضْمُونا لكَلَامه.
وَهِي أَي هَذِه الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الخاتمة
نقل مَحْض بل وَكثير مِمَّا قبلهَا (نقل مَحْض) ظَاهِرَة
التَّعْرِيف مستغنية عَن التَّمْثِيل، وحصرها متعسر أَو
مُتَعَذر إِذْ لَا ضَابِط لَهَا تدخل تَحْتَهُ فَليُرَاجع
لَهَا مبسوطاتها الْمشَار إِلَى كثير مِنْهَا فِيمَا تقدم
ليحصل الْوُقُوف على حقائقها. وَالله الْمُوفق الْهَادِي إِلَى
الصَّوَاب لَا غَيره لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ توكلت
وَإِلَيْهِ أنيب أَي ارْجع بِالتَّوْبَةِ وحسبنا الله وَنعم
الْوَكِيل.
(2/439)
ثمَّ قَالَ مُؤَلفه - متعنَا الله بحياته:
وَقد انْتهى شرح شرح النخبة مَعَ انْتِهَاء شهر شعْبَان
الْمُعظم قدره سنة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ بعد الْألف. ونسأل سر
الْفَاتِحَة حسن الخاتمة، وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله
على من لَا نَبِي قبله وَلَا بعده.
وَقد تمّ نسخه لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الْمُبَارك خلال سِتَّة
أَيَّام من غرَّة ربيع
(2/440)
الأول سنة ألف وَمِائَة وَسَبْعَة عشر بعد
الْألف على يَد أَضْعَف الْعباد: مصطفى بن مرتضى غفر الله لَهُ
ولوالديه وللمسلمين. آمين /.
(2/441)
|