تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ط الكتب الحديثة

ج / 1 ص -63-    الأول: الصحيح وفيه مسائل
الأولى في حده وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة
----------------------------------
سبق الخطابي إلى تقسيمه المذكور وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام الشافعي والبخاري وجماعة ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه ابن الصلاح قال شيخ الإسلام ابن حجر والظاهر أن قوله عند أهل الحديث من العام الذي أريد به الخصوص أي الأكثر أو الذي استقر اتفاقهم عليه بعد الاختلاف تنبيه قال ابن كثير هذا التقسيم إن كان بالنسبة لما في نفس الأمر فليس إلا صحيح وكذب أو إلى اصطلاح المحدثين فهو ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك وجوابه أن المراد الثاني والكل راجع إلى هذه الثلاثة الأول الصحيح وهو فعيل بمعنى فاعل من الصحة وهي حقيقة في الأجسام واستعمالها هنا مجاز واستعارة تبعية وفيه مسائل الأولى في حده وهو ما اتصل إسناده عدل من قول ابن الصلاح المسند الذي يتصل إسناده لأنه أخصر وأشمل للمرفوع والموقوف بالعدول الضابطين جمع باعتبار سلسلة السند أي بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه كما عبر به ابن الصلاح وهو أوضح من عبارة المصنف إذ توهم أن يرويه جماعة ضابطون عن جماعة ضابطين وليس مرادا قيل كان الأخضر أن يقول بنقل الثقة لأنه من جمع العدالة والضبط والتعاريف تصان عن الإسهاب من غير شذوذ ولا علة فخرج بالقيد الأول المنقطع والمعضل والمعلق والمدلس والمرسل على رأي

 

ج / 1 ص -64-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------------------------------
من لا يقبله وبالثاني ما نقله مجهول عينا أو حالا أو معروف بالضعف وبالثالث ما نقله مغفل كثير الخطأ وبالرابع والخامس الشاذ والمعلل
تنبيهات
(الأول)
حد الخطابي الصحيح بأنه ما اتصل سنده وعدلت نقلته قال العراقي فلم يشترط ضبط الراوي ولا السلامة من الشذوذ والعلة قال ولا شك أن ضبطه لا بد منه لأن من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك
قلت الذي يظهر لي أن ذلك داخل في عبارته وأن بين قولنا العدل وعدلوه فرقا لأن المغفل المستحق للترك لا يصح أن يقال في حقه عدله أصحاب الحديث وإن كان عدلا في دينه فتأمل ثم رأيت شيخ الإسلام ذكر في نكته معنى ذلك فقال إن اشتراط العدالة يستدعي صدق الراوي وعدم غفلته وعدم تساهله عند التحمل والأداء وقيل إن اشتراط نفي الشذوذ يغني عن اشتراط الضبط لأن الشاذ إذا كان هو الفرد المخالف وكان شرط الصحيح أن ينتفي كان من كثرت منه المخالفة وهو غير الضابط أولى وأجيب بأنه في مقام التبيين فأراد التنصيص ولم يكتف بالإشارة.
قال العراقي: وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد في الاقتراح إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح قال وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري

 

ج / 1 ص -65-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------------------------------
على أصول الفقهاء قال العراقي المرسل أن من يصنف في علم الحديث إنما يذكر أحد عند أهله لا عند غيرهم من أهل علم آخر وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون في الصحيح هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما ولذا قال ابن الصلاح بعد الحد فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعضها كما في المرسل
(الثاني) قيل: بقي عليه أن يقول ولا إنكار ورد بأن المنكر عند المصنف وابن الصلاح هو والشاذ سيان فذكره معه تكرير وعند غيرهما أسوأ حالا من الشاذ فاشتراط نفي الشذوذ يقتضي اشتراط نفيه بطريق الأولى
(الثالث) قيل: لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال أحدها مخالفة الثقة لأرجح منه والثاني تفرد الثقة مطلقا والثالث تفرد الراوي مطلقا ورد الأخيرين فالظاهر أنه أراد هنا الأول قال شيخ الإسلام وهو مشكل لأن الإسناد إذا كان متصلا ورواته كلهم عدولا ضابطين فقد انتفت عنه العلل الظاهرة ثم إذا انتفى كونه معلولا فما المانع من الحكم بصحته فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا لا يستلزم الضعف بل يكون من باب صحيح وأصح قال ولم يرو مع ذلك عن أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة وإنما الموجود من تصرفاتهم تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة

 

ج / 1 ص -66-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------------
وأمثلة ذلك موجودة في الصحيحين وغيرهما فمن ذلك أنهما أخرجا قصة جمل جابر من طرق وفيها اختلاف كثير في مقدار الثمن وفي اشتراط ركوبه وقد رجح البخاري الطرق التي فيها الاشتراط على غيرها مع تخريج الأمرين ورجح أيضا كون الثمن أوقية مع تخريجه ما يخالف ذلك ومن ذلك أن مسلما أخرج فيه حديث مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة في الاضطجاع قبل ركعتي الفجر وقد خالفه عامة أصحاب الزهري كمعمر ويونس وعمرو بن الحارث والأوزاعي وابن أبي ذئب وشعيب وغيرهم عن الزهري فذكروا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح ورجح جمع من الحفاظ روايتهم على رواية مالك ومع ذلك فلم يتأخر أصحاب الصحيح عن إخراج حديث مالك في كتبهم.
وأمثلة ذلك كثيرة ثم قال فإن قيل يلزم أن يسمى الحديث صحيحا ولا يعمل به قلت لا مانع من ذلك ليس كل صحيح يعمل به بدليل المنسوخ قال وعلى تقدير التسليم إن المخالف المرجوح لا يسمى صحيحا ففي جعل انتفائه شرطا في الحكم للحديث بالصحة نظر بل إذا وجدت الشروط المذكورة أولا حكم للحديث بالصحة مالم يظهر بعد ذلك أن فيه شذوذا لأن الأصل عدم الشذوذ وكون ذلك أصلا مأخوذ من عدالة الراوي وضبطه فإذا ثبت عدالته وضبطه كان الأصل أنه حفظ ما روي حتى يتبين خلافه
(الرابع) عبارة ابن الصلاح: ولا يكون شاذا ولا معللا فاعترض بأنه لا بد أن يقول بعلة قادحة وأجيب بأن ذلك يؤخذ من تعريف المعلول حيث ذكر في موضعه

 

ج / 1 ص -67-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------------------------
 قال شيخ الإسلام لكن من غير عبارة ابن الصلاح فقال من غير شذوذ ولا علة احتاج أن يصف العلة بكونها قادحة وبكونها خفية وقد ذكر العراقي في منظومته الوصف الأول وأهمل الثاني ولا بد منه وأهمل المصنف وبدر الدين ابن جماعة الاثنين فبقي الاعتراض من وجهين قال شيخ الإسلام ولم يصب من قال لا حاجة إلى ذلك لأن لفظ العلة لا يطلق إلا على ما كان قادحا فلفظ العلة أعم من ذلك
(الخامس) أورد على هذا التعريف ما سيأتي: إن الحسن إذا روي من غير وجه ارتقى من درجة الحسن إلى منزلة الصحة وهو غير داخل في هذا الحد وكذا ما اعتضد بتلقي العلماء له بالقبول قال بعضهم يحكم للحديث بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وإن لم يكن له إسناد صحيح قال ابن عبد البر في الاستذكار لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر
"هو الطهور ماؤه" وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول وقال في التمهيد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم الدينار أربعة وعشرون قيراطا قال وفي قول جماعة العلماء وإجماع الناس على معناه غنى عن الإسناد فيه وقال الأستاذ أبو إسحق الإسفرايني تعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم

 

ج / 1 ص -68-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------------------------
وقال نحوه ابن فورك وزاد بأن مثل ذلك بحديث في الرقة ربع العشر وفي مائتي درهم خمسة دنبينام وقال أبو الحسن ابن الحصار في تقريب المدارك على موطأ مالك قد يعلم الفقيه صحة الحديث إذا لم يكن في سنده كذاب بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به وأجيب عن ذلك بأن المراد بالحد الصحيح لذاته لا لغيره وما أورد من قبيل الثاني
(السادس) أورد أيضا: المتواتر فإنه صحيح قطعا ولا يشترط فيه مجموع هذه الشروط قال شيخ الإسلام ولكن يمكن أن يقال هل يوجد حديث متواتر لم تجمع فيه هذه الشروط
(السابع) قال ابن حجر: قد اعتنى ابن الصلاح والمصنف بجعل الحسن قسمين أحدهما لذاته والآخر باعتضاده فكان ينبغي أن يعتني بالصحيح أيضا وينبه على أن له قسمين كذلك وإلا فإن اقتصر على تعريف الصحيح لغيره في نوع الحسن لأنه أصله فكان ينبغي أن يقتصر على تعريف الحسن لذاته في بابه ويذكر الحسن لغيره في نوع الضعيف لأنه أصله فائدتان الأولى قال ابن حجر كلام ابن الصلاح في شرح مسلم له يدل على

 

ج / 1 ص -69-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
----------------------------------------------
أنه أخذ الحد المذكور هنا من كلام مسلم فإنه قال شرط مسلم في صحيحه أن يكون متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه من غير شاذ ولا معلل وهذا هو الحد الصحيح في نفس الأمر قال شيخ الإسلام ولم يتبين لي أخذه انتفاء الشذوذ من كلام مسلم فإن كان وقف عليه من كلامه في غير مقدمة صحيحه فذاك وإلا فالنظر السابق في السلامة من الشذوذ باق قال ثم ظهر لي مأخذ ابن الصلاح وهو أنه يرى أن الشاذ والمنكر اسمان لمسمى واحد وقد صرح مسلم بأن علامة المنكر أن يروي الراوي عن شيخ كثير الحديث والرواة شيئا ينفرد به عنهم فيكون الشاذ كذلك فيشترط انتفاؤه
(الثانية) بقي للصحيح شروط مختلف فيها منها ما ذكره الحاكم من علوم الحديث أن يكون راويه مشهورا بالطلب وليس مراده الشهرة المخرجة عن الجهالة بل قدر زائد على ذلك قال عبد الله بن عون لا يؤخذ العلم إلا على من شهد له بالطلب وعن مالك نحوه وفي مقدمة مسلم عن أبي الزناد أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله قال شيخ الإسلام والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك إلا إذا الغرماء مخارج الحديث فيستغنيان عن اعتبار ذلك كما يستغني بكثرة الطرق عن اعتبار الضبط التام قال شيخ الإسلام ويمكن أن يقال اشتراط الضبط يغني عن ذلك

 

ج / 1 ص -70-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
----------------------------------
إذ المقصود بالشهرة بالطلب أن يكون له مزيد اعتناء بالرواية لتركن النفس إلى كونه ضبط ما روي ومنها ما ذكره السمعاني في القواطع أن الصحيح لا يعرف برواية الثقات فقط وإنما يعرف بالفهم والمعرفة وكثرة السماع والمذاكرة قال شيخ الإسلام هذا يؤخذ من اشتراط انتفاء كونه معلولا لأن الاطلاع على ذلك إنما يحصل بما ذكر من الفهم والمذاكرة وغيرهما ومنها أن بعضهم اشترط علمه بمعاني الحديث حيث يروي بالمعنى وهو شرط لا بد منه لكنه داخل في الضبط كما سيأتي في معرفة من تقبل روايته ومنها أن أبا حنيفة اشترط فقه الراوي
قال شيخ الإسلام والظاهر أن ذلك إنما يشترط عند المخالفة أو عند التفرد بما تعم به البلوى ومنها اشتراط البخاري ثبوت السماع لكل راو من شيخه ولم يكتف بإمكان اللقاء والمعاصرة كما سيأتي وقيل إن ذلك لم يذهب أحد إلى أنه شرط الصحيح بل للأصحية ومنها أن بعضهم اشترط العدد في الرواية كالشهادة قال العراقي حكاه الحازمي في شروط الأئمة عن بعض متأخري المعتزلة وحكى أيضا عن بعض أصحاب الحديث

 

ج / 1 ص -71-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------------------------
قال شيخ الإسلام وقد فهم بعضهم ذلك من خلال كلام الحاكم في علوم الحديث وفي المدخل كما سيأتي في شرط البخاري ومسلم وبذلك جزم ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول وغيره وأعجب من ذلك ما ذكره الميانجي في كتاب مالا يسع المحدث جهله شرط الشيخين في صحيحهما أن لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما وذلك ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان فصاعدا وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة انتهى قال شيخ الإسلام وهو كلام من لم يمارس الصحيحين أدنى ممارسة فلو قال قائل ليس في الكتابين حديث واحد بهذه الصفة لما أبعد
وقال ابن العربي في شرح الموطأ كان مذهب الشيخين أن الحديث لا يثبت حتى يرويه اثنان قال وهو مذهب باطل بل رواية الواحد عن الواحد صحيحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في شرح البخاري عند حديث الأعمال انفرد به عمر وقد جاء من طريق أبي سعيد رواه البزار بإسناد ضعيف قال وحديث عمر وإن كان طريقه واحدا وإنما بنى البخاري كتابه على حديث يرويه أكثر من واحد فهذا الحديث ليس من ذلك الفن لأن عمر قاله على المنبر بمحضر الأعيان من الصحابة فصار كالمجمع عليه فكأن عمر ذكرهم لا أخبرهم

 

ج / 1 ص -72-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------------
قال ابن رشيد وقد ذكر ابن حبان في أول صحيحه أن ما ادعاه ابن العربي وغيره من أن شرط الشيخين ذلك مستحيل الوجود قال والعجب منه كيف يدعى عليهما ذلك ثم يزعم أنه مذهب باطل فليت شعري من أعلمه بأنهما اشترطا ذلك إن كان منقولا فليبين طريقه لينظر فيها وإن كان عرفه بالاستقراء فقد وهم في ذلك فلقد كان يكفيه في ذلك أول حديث في البخاري وما اعتذر به عنه فيه تقصير لأن عمر لم ينفرد به وحده بل انفرد به علقمة عنه وانفرد به محمد بن إبراهيم عن علقمة وانفرد به يحيى بن سعيد عن محمد وعن يحيى تعددت رواته وأيضا فكون عمر قاله على المنبر لا يستلزم أن يكون ذكر السامعين بما هو عندهم بل هو محتمل للأمرين وإنما لم ينكروه لأنه عندهم ثقة فلو حدثهم بما لم يسمعوه قط لم ينكروا عليه وقد قال باشتراط رجلين عن رجلين في شرط القبول إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من الفقهاء المحدثين إلا أنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلى الاعتزال وقد كان الشافعي يرد عليه ويحذر منه

 

ج / 1 ص -73-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------------------------------
وقال أبو علي الجبائي من المعتزلة لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر أو عضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر أو يكون منتشرا بين الصحابة أو عمل به بعضهم حكاه أبو الحسن البصري في المعتمد وأطلق الأستاذ أبو نصر التميمي عن أبي علي أنه لا يقبل إلا إذا رواه أربعة وللمعتزلة في رد الخبر الواحد حجج منها قصة ذي اليدين وكون النبي صلى الله عليه وسلم توقف في خبره حتى تابعه عليه غيره وقصة أبي بكر حين توقف في خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة وقصة عمر حين توقف عن خبر أبي موسى في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد وأجيب عن ذلك كله فأما قصة ذي اليدين فإنما حصل التوقف في خبره لأنه أخبره عن فعله صلى الله عليه وسلم وأمر الصلاة لا يرجع المصلى فيه إلى خبر غيره بل ولو بلغوا حد التواتر فلعله إنما تذكر عند إخبار غيره وقد بعث صلى الله عليه وسلم رسله واحدا واحدا إلى الملوك ووفد عليه الآحاد من القبائل فأرسله إلى قبائلهم وكانت الحجة قائمة بإخبارهم عنه مع عدم اشتراط التعدد وأما قصة أبي بكر فإنما توقف إرادة الزيادة في التوثق وقد قبل خبر عائشة وحدها في قدر كفن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قصة عمر فإن أبا موسى أخبره بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه فأراد التثبت من ذلك وقد قبل خبر ابن عوف وحده في أخذ الجزية من

 

ج / 1 ص -74-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------------------
المجوس وفي الرجوع عن البلد الذي فيها الطاعون وخبر الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم قلت وقد استدل البيهقي في المدخل على ثبوت الخبر بالواحد بحديث
"نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها فأداها وفي لفظ سمع منا حديثا فبلغه غيره" وبحديث الصحيحين "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله عليه الليلة قرآنا وقد أمر أن تستقبلوا الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" قال الشافعي فقد تركوا قبلة كانوا عليها بخبر واحد ولم ينكر ذلك عليهم صلى الله عليه وسلم وبحديث الصحيحين عن أنس إني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ دخل رجل فقال هل بلغكم الخبر قلنا وما ذاك قال أهرق هذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وبحديث إرساله عليا إلى الموقف بأول سورة براءة وبحديث يزيد بن شيبان كنا بعرفة فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: "إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم" هذه وبحديث الصحيحين عن سلمة بن الأكوع "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء رجلا من أسلم ينادي في الناس إن اليوم يوم عاشوراء فمن كان أكل فلا يأكل شيئ"ا الحديث وغير ذلك وقد ادعى ابن حبان نقيض هذه

 

ج / 1 ص -75-   
وإذا قيل صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به وإذا قيل غير صحيح
-------------------------
الدعوى فقال إن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلا وسيأتي تقرير ذلك في الكلام على العزيز ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي أن بعضهم اشترط في قبول الخبر أن يرويه ثلاثة إلى منتهاه واشترط بعضهم أربعة عن أربعة وبعضهم خمسة عن خمسة وبعضهم سبعة عن سبعة وإذا قيل هذا حديث صحيح فهذا معناه أي ما اتصل سنده مع الأوصاف المذكورة فقبلناه عملا بظاهر الإسناد لا أنه مقطوع به في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة خلافا لمن قال إن خبر الواحد يوجب القطع حكاه ابن الصباغ عن قوم من أهل الحديث وعزاه الباجي لأحمد وابن خويز منداد لمالك وإن نازعه فيه المازري بعدم وجود نص له فيه وحكاه ابن عبد البر عن حسين الكرابيسي وابن حزم عن داود وحكى السهيلي عن بعض الشافعية ذلك بشرط أن يكون في إسناده إمام مثل مالك وأحمد وسفيان وإلا فلا يوجبه وحكى الشيخ أبو إسحق في التبصرة عن بعض المحدثين ذلك في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وشبهه أما ما أخرجه الشيخان أو أحدهما فسيأتي الكلام فيه وإذا قيل هذا حديث غير صحيح

 

ج / 1 ص -76-    فمعناه لم يصح إسناده والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا
--------------------------
لو قال ضعيف لكان أخصر وأسلم من دخول الحسن فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور لا أنه كذب في نفس الأمر لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل واحد واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحدة ولهذا اضطرب من خاض في ذلك إذ لم يكن عندهم استقراء تام وإنما رجح كل منهم بحسب ما قوي عنده خصوصا إسناد بلده لكثرة اعتنائه به كما روى الخطيب في الجامع من طريق أحمد بن سعيد الدارمي سمعت محمود بن غيلان يقول قيل لوكيع بن الجراح هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة وسفيان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أيهم أحب إليك قال لا نعدل بأهل بلدنا أحدا قال أحمد بن سعيد فأما أنا فأقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أحب إلي هكذا رأيت أصحابنا يقدمون فالحكم حينئذ على إسناد معين بأنه أصح على الإطلاق مع عدم اتفاقهم ترجيح بغير مرجح قال شيخ الإسلام مع أنه يمكن للناظر المتقن ترجيح بعضها على بعض من حيث حفظ الإمام الذي رجح وإتقانه وإن لم يتهيأ ذلك على الإطلاق فلا يخلو النظر فيه من فائدة لأن مجموع ما نقل عن الأئمة من ذلك يفيد ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم
تنبيه:عبارة ابن الصلاح ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث

 

ج / 1 ص -77-    وقيل أصحها الزهري عن سالم عن أبيه وقيل ابن سيرين عن عبيدة عن علي وقيل الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن
---------------------------
بأنه أصح على الإطلاق قال العلائي أما الإسناد فقد صرح جماعة بذلك وأما الحديث فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن كذلك فلأجل ذلك ما خاض الأئمة إلا في الحكم على الإسناد وكأن المصنف حذفه لذلك لكن قال شيخ الإسلام سيأتي أن من لازم ما قاله بعضهم إن أصح الأسانيد ما رواه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن يكون أصح الأحاديث الحديث الذي رواه أحمد بهذا الإسناد فإنه لم يرو في مسنده به غيره فيكون أصح الأحاديث على رأي من ذهب إلى ذلك قلت قد جزم بذلك العلائي نفسه في عوالي مالك فقال في الحديث المذكور إنه أصح حديث في الدنيا وقيل أصحها مطلقا ما رواه أبو بكر محمد ابن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وهذا مذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن نبيناويه صرح بذلك ابن الصلاح وقيل أصحها محمد ابن سيرين عن عبيدة السلماني بفتح العين عن علي بن أبي طالب وهو مذهب ابن المديني والفلاس وسليمان بن حرب إلا أن سليمان قال أجودها أيوب السختياني عن ابن سيرين وابن المديني عبد الله بن عون عن ابن سيرين حكاه ابن الصلاح وقيل أصحها سليمان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس عن

 

ج / 1 ص -78-   
ابن مسعود وقيل الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي وقيل مالك عن ابن عمر فعلى هذا قيل الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر
---------------------------
عبد الله بن مسعود وهو مذهب ابن معين صرح به ابن الصلاح وقيل أصحها الزهري عن زين العابدين علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب حكاه ابن الصلاح عن أبي بكر بن أبي شيبة والعراقي عن عبد الرزاق وقيل أصحها مالك بن أنس عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر وهذا قول البخاري وصدر العراقي به كلامه وهو أمر تميل إليه النفوس وتنجذب إليه القلوب روى الخطيب في الكفاية عن يحيى بن بكر أنه قال لأبي زرعة الرازي يا أبا زرعة ليس ذا زعزعة عن زوبعة إنما ترفع الستر فتنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر فعلى هذا قيل عبارة ابن الصلاح وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أهل الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي وبنى بعض المتأخرين على ذلك أن أجلها رواية أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك لاتفاق أهل الحديث على أن أجل من أخذ عن الشافعي من أهل الحديث الإمام أحمد وتسمى هذه الترجمة سلسلة الذهب وليس في مسنده على كبره بهذه الترجمة سوى حديث واحد وهو في الواقع أربعة أحاديث جمعها وساقها مساق الحديث الواحد بل لم يقع لنا على هذه الشريطة غيرها

 

ج / 1 ص -79-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
ولا خارج المسند أخبرني شيخنا الإمام تقي الدين الشمني رحمه الله بقراءتي عليه أنا عبد الله بن أحمد الحنبلي أنا أبو الحسن العرضي أخبرتنا زينب بنت مكى ح وأخبرني عاليا مسند الدنيا على الإطلاق أبو عبد الله محمد بن مقبل الحلبي مكاتبة منها عن الصلاح بن أبي عمر المقدسي وهو آخر من روى عنه أنا أبو الحسن بن البخاري وهو آخر من حدث عنه قالا أنا أبو علي الرصافي أنا هبة الله بن محمد أنبأنا أبو علي التميمي أنا أبو بكر القطيعي أنبأنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي أنبأنا محمد بن إدريس الشافعي أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا" أخرجه البخاري مفرقا من حديث مالك وأخرجها مسلم من حديث مالك إلا النهي عن حبل الحبلة فأخرجه من وجه آخر
تنبيهات الأول اعترض مغلطاي على التميمي في ذكره الشافعي برواية أبي حنيفة عن مالك إن نظرنا إلى الجلالة وبابن وهب والقعنبي إن نظرنا إلى الإتقان قال البلقيني في محاسن الاصطلاح فأما أبو حنيفة فهو وإن

 

ج / 1 ص -80-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
روى عن مالك كما ذكره الدارقطني لكن لم تشتهر روايته عنه كاشتهار رواية الشافعي وأما القعنبي وابن وهب فأين تقع رتبتهما من رتبة الشافعي وقال العراقي فيما رأيته بخطه رواية أبي حنيفة عن مالك فيما ذكره الدارقطني في غرائبه وفي المدبج ليست من روايته عن ابن عمر والمسألة مفروضة في ذلك قال نعم ذكر الخطيب حديثا كذلك في الرواية عن مالك وقال شيخ الإسلام أما اعتراضه بأبي حنيفة فلا يحسن لأن أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك وإنما أوردها الدارقطني عند الخطيب لروايتين وقعتالهما عنه بإسنادين فيهما مقال وأيضا فإن رواية أبي حنيفة عن مالك إنما هي فيما ذكره في المذاكرة ولم يقصد الرواية عنه كالشافعي الذي لازمه مدة طويلة وقرأ عليه الموطأ بنفسه وأما اعتراضه بابن وهب والقعنبي فقد قال الإمام أحمد إنه سمع الموطأ من الشافعي بعد سماعه له من ابن مهدي الراوي عن مالك بكثرة قال لأني رأيته فيه ثبتا فعلل إعادته لسماعه وتخصيصها بالشافعي بأمر يرجع إلى التثبت ولا شك أن الشافعي أعلم بالحديث منهما قال نعم أطلق ابن المديني أن القعنبي أثبت الناس في الموطأ والظاهر أن ذلك بالنسبة إلى الموجودين عند إطلاق تلك المقالة فإن القعنبي عاش بعد الشافعي مدة ويؤيد ذلك معارضة هذه المقالة بمثلها فقد قال ابن معين مثل ذلك في عبد الله بن يوسف التنيسي

 

ج / 1 ص -81-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قال ويحتمل أن يكون وجه التقديم من جهة من سمع كثيرا من الموطأ من لفظ مالك بناء على أن السماع من لفظ الشيخ أتقن من القراءة عليه وأما ابن وهب فقد قال غير واحد كأنه غير جيد التحمل فيحتاج إلى صحة النقل عن أهل الحديث أنه كان أتقن الرواة عن مالك نعم كان كثير اللزوم له قال والعجب من ترديد المعترض من الأجلية والأتقنية وأبو منصور إنما عبر بأجل ولا يشك أحد أن الشافعي أجل من هؤلاء لما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه وأيضا فزيادة إتقانه لا يشك فيها من له علم بأخبار الناس فقد كان أكابر المحدثين يأتونه فيذاكرونه بأحاديث أشكلت عليهم فيبين لهم ما أشكل ويوقفهم على علل غامضة فيقومون وهم يتعجبون وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل قال لكن إيراد كلام أبي منصور في هذا الفصل فيه نظر لأن المراد بترجيح ترجمة مالك عن نافع عن ابن عمر على غيرها إن كان المراد به ما وقع في الموطأ فرواته فيه سواء من حيث الاشتراك في رواية تلك الأحاديث ويتم ما عبر به أبو منصور من أن الشافعي أجلهم وإن كان المراد به أعم من ذلك فلا شك أن عند كثير من أصحاب مالك من حديثه خارج الموطأ ما ليس عند الشافعي فالمقام على هذا مقام تأمل وقد نوزع في أحمد بمثل ما نوزع في الشافعي من زيادة الممارسة والملازمة لغيره كالربيع مثلا ويجاب بمثل ما تقدم
الثاني: ذكر المصنف تبعا لابن الصلاح في هذه المسألة خمسة أقوال وبقي أقوال أخر فقال حجاج بن الشاعر أصح الأسانيد شعبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب يعني عن شيوخه هذه عبارة شيخ الإسلام في نكته وعبارة

 

ج / 1 ص -82-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
الحاكم قال حجاج اجتمع أحمد بن حنبل وابن معين وابن المديني في جماعة فتذاكروا أجود الأسانيد فقال رجل منهم أجود الأسانيد شعبة عن قتادة عن سعيد عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة ثم نقل عن ابن معين وأحمد ما سبق عنهما وقال ابن معين عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ليس إسناد أثبت من هذا أسنده الخطيب في الكفاية قال شيخ الإسلام ابن حجر فعلى هذا لابن معين قولان وقال سليمان بن داود الشاذ كوني أصح الأسانيد يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن خلف بن هشام البزاز قال سألت أحمد بن حنبل أي الأسانيد أثبت قال أيوب عن نافع عن ابن عمر فإن كان من رواية حماد بن زيد عن أيوب فيالك قال ابن حجر فلأحمد قولان وروى الحاكم في مستدركه عن إسحاق بن نبيناويه قال إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر وهذا مشعر بجلالة إسناد أيوب عن نافع عنده وروى الخطيب في الكفاية عن وكيع قال لا أعلم في الحديث شيئا أحسن إسنادا من هذا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن أبي موسى الأشعري وقال ابن المبارك والعجلي أرجح الأسانيد وأحسنها سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود وكذلك رجحها النسائي وقال النسائي أقوى الأسانيد التي تروى فذكر منها الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر ورجح أبو حاتم الرازي ترجمة يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وكذا رجح أحمد رواية عبيد الله

 

ج / 1 ص -83-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
عن نافع على رواية مالك عن نافع ورجح ابن معين ترجمة يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة
الثالث: قال الحاكم ينبغي تخصيص القول في أصح الأسانيد بصحابي أو بلد مخصوص بأن يقال أصح إسناد فلان أو الفلانيين كذا ولا يعمم قال فأصح أسانيد الصديق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه وأصح أسانيد عمر الزهري عن سالم عن أبيه عن جده وقال ابن حزم أصح طريق يروى في الدنيا عن عمر الزهري عن السائب ابن يزيد عنه قال الحاكم وأصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة هذه عبارة الحاكم ووافقه من نقلها وفيها نظر فإن الضمير في جده إن عاد إلى جعفر فجده علي لم يسمع من علي بن أبي طالب أو إلى محمد فهو لم يسمع من الحسين وحكى الترمذي في الدعوات عن سليمان بن داود أنه قال في رواية الأعرج عن عبيد الله ابن أبي رافع عن علي هذا الإسناد مثل الزهري عن سالم عن أبيه ثم قال الحاكم وأصح أسانيد أبي هريرة الزهري عن سعيد بن المسيب عنه وروى قبل عن البخاري أبو الزناد عن الأعرج عنه وحكى غيره عن ابن المديني من أصح الأسانيد حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال وأصح أسانيد ابن عمر مالك عن نافع عنه وأصح أسانيد عائشة عبيد الله بن عمر عن القاسم عنها قال ابن معين هذه ترجمة شبكة الذهب قال ومن أصح الأسانيد أيضا الزهري عن عروة بن الزبير عنها وقد تقدم

 

ج / 1 ص -84-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
عن الدارمي قول آخر وأصح أسانيد ابن مسعود سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه وأصح أسانيد أنس مالك عن الزهري عنه قال شيخ الإسلام وهذا مما ينازع فيه فإن قتادة وثابتا البناني أعرف بحديث أنس عن الزهري ولهما من الرواة جماعة فأثبت أصحاب ثابت حماد بن زيد وقيل حماد بن سلمة وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل هشام الدستوائي وقال البزار رواية علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص أصح إسناد يروى عن سعد وقال أحمد بن صالح المصري أثبت أسانيد أهل المدينة إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة قال الحاكم وأصح أسانيد المكيين سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر وأصح أسانيد اليمانيين معمر عن همام عن أبي هريرة وأثبت أسانيد المصريين الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر وأثبت أسانيد الخراسانيين الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأثبت أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة.

 

ج / 1 ص -85-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قال شيخ الإسلام ابن حجر ورجح بعض أئمتهم رواية سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ليس بالكوفة أصح من هذا الإسناد يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن الحارث بن سويد عن علي وكان جماعة لا يقدمون على حديث الحجاز شيئا حتى قال مالك إذا خرج الحديث عن الحجاز انقطع نخاعه وقال الشافعي إذا لم يوجد للحديث من الحجاز أصل ذهب نخاعه حكاه الأنصاري في كتاب ذم الكلام وعنه أيضا كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله وإن كان صحيحا ما أريد إلا نصيحتك وقال مسعر قلت لحبيب بن أبي ثابت أيما أعلم بالسنة أهل الحجاز أم أهل العراق فقال بل أهل الحجاز وقال الزهري إذا سمعت بالحديث العراقي فأرود به ثم أرود به وقال طاوس إذا حدثك العراقي مائة حديث فاطرح تسعة وتسعين وقال هشام بن عروة إذا حدثك العراقي بألف حديث فألق تسعمائة وتسعين وكن من الباقي في شك وقال الزهري إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا وقال ابن المبارك حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب وقال الخطيب أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة فإن التدليس عنهم قليل والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز ولأهل اليمن

 

ج / 1 ص -86-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
روايات جيدة وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضا ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم والكوفيون مثلهم في الكثرة أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة مع العلل وحديث الشاميين أكثره مراسيل ومقاطيع وما اتصل منه مما أسنده الثقات فإنه صالح والغالب عليه ما يتعلق بالمواعظ وقال ابن تيمية اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم أهل الشام
الرابع:قال أبو بكر البرديجي أجمع أهل النقل على صحة أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة من رواية مالك وابن عيينة ومعمر ويونس وعقيل ما لم يختلفوا فإذا اختلفوا توقف فيه قال شيخ الإسلام وقضية ذلك أن يجري هذا الشرط في جميع ما تقدم فيقال إنما يوصف بالأصحية حيث لا يكون ثمت مانع من اضطراب أو شذوذ

 

ج / 1 ص -87-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
فوائد:
الأولى: تقدم عن أحمد أنه سمع الموطأ من الشافعي وفيه من روايته عن نافع عن ابن عمر العدد الكثير ولم يتصل لنا منه إلا ما تقدم قال شيخ الإسلام في أماليه لعله لم يحدث به أو حدث به وانقطع
الثانية: جمع الحافظ أبو الفضل العراقي في الأحاديث التي وقعت في المسند لأحمد والموطأ بالتراجم الخمسة التي حكاها المصنف وهي المطلقة وبالتراجم التي حكاها المصنف وهي المطلقة وبالتراجم التي حكاها الحاكم وهي المقيدة ورتبها على أبواب الفقه وسماها تقريب الأسانيد قال شيخ الإسلام وقد أخلى كثيرا من الأبواب لكونه لم يجد فيها تلك الشريطة وفاته أيضا جملة من الأحاديث على شرطه لكونه تقيد بالكتابين للغرض الذي أراده من كون الأحاديث المذكورة تصير متصلة الأسانيد مع الاختصار البالغ قال ولو قدر أن يتفرغ عارف لجمع الأحاديث الواردة بجميع التراجم المذكورة من غير تقييد بكتاب ويضم إليها التراجم المزيدة عليه لجاء كتابا حافلا حاويا لأصح الصحيح الثالثة مما يناسب هذه المسألة اصح الأحاديث المقيدة كقولهم أصح شيء في الباب كذا وهذا يوجد في الجامع الترمذي كثيرا وفي تاريخ البخاري وغيرهما وقال المصنف في الأذكار لا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث فإنهم

 

ج / 1 ص -88-    الثانية: أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري
--------------------------
 يقولون هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفا ومرادهم أرجحه أو أقله ضعفا ذكر ذلك عقب قول الدارقطني أصح شيء في فضائل السور فضل قل هو الله أحد وأصح شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسابيح ومن ذلك أصح مسلسل وسيأتي في نوع المسلسل
الرابعة: ذكر الحاكم هنا والبلقيني في محاسن الاصطلاح أوهى الأسانيد مقابلة لأصح الأسانيد وذكره في نوع الضعيف أليق وسيأتي إن شاء الله تعالى
(الثانية) من مسائل الصحيح أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري والسبب في ذلك ما رواه عنه إبراهيم بن معقل النسفي قال كنا عند إسحاق بن نبيناويه فقال لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح
وعنه أيضا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح قال وألفته في بضع عشرة سنة
وقد كانت الكتب قبله مجموعة ممزوجا فيها الصحيح بغيره وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار مدونة ولا مرتبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولأنهم كانوا نهوا أولا عن كتابتها كما ثبت في صحيح مسلم خشية اختلاطها بالقرآن ولأن أكثرهم كان لا يحسن الكتابة فلما انتشر العلماء في

 

ج / 1 ص -89-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض دونت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وغيرهم فأول من جمع ذلك ابن جريج بمكة وابن إسحاق أو مالك بالمدينة والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة وسفيان الثوري بالكوفة والأوزاعي بالشام وهشيم بواسط ومعمر ظاهرا وجرير بن عبد الحميد بالري وابن المبارك بخراسان قال العراقي وابن حجر وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم أسبق
وقد صنف ابن أبي ذئب بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك حتى قيل لمالك ما الفائدة في تصنيفك قال ما كان لله بقى
قال شيخ الإسلام وهذا بالنسبة إلى الجمع للأبواب أما جمع الحديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روي عنه أنه قال هذا باب من الطلاق جسيم وساق فيه أحاديث ثم تلا المذكورين كثير من أهل عصرهم إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي المصري مسندا ثم اقتفى الأئمة آثارهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كأحمد بن حنبل وإسحاق بن نبيناويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم.اهـ.

 

ج / 1 ص -90-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قلت: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع كلهم في أثناء الثانية وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره ففي صحيح البخاري في أبواب العلم وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ كتب عمر ابن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجمعوه قال في فتح الباري يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي ثم أفاد أن أول من دونه بأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب الزهري
تنبيه: قول المصنف المجرد زيادة على ابن الصلاح احترز بها عما اعترض عليه به من أن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمي قال العراقي المرسل أن مالكا لم يفرد الصحيح بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن عبد البر فلم يفرد الصحيح إذن وقال مغلطاي لا يحسن هذا جوابا لوجود مثل ذلك في كتاب البخاري
وقال شيخ الإسلام كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه

 

ج / 1 ص -91-    ثم مسلم وهما أصح الكتب بعد القرآن والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد وقيل مسلم أصح والصواب الأول
---------------------------
نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما لا على الشرط الذي تقدم التعريف به قال والفرق بين ما فيه من المنقطع وبين ما في البخاري أن الذي في الموطأ هو كذلك مسموع لمالك غالبا وهو حجة عنده والذي في البخاري قد حذف إسناده عمدا لقصد التخفيف إن كان ذكره في موضع آخر موصولا أو لقصد التنويع إن كان على غير شرطه ليخرجه عن موضوع كتابه وإنما يذكر ما يذكر من ذلك تنبيها واستشهادا واستئناسا وتفسيرا لبعض آيات وغير ذلك مما سيأتي عند الكلام على التعليق فظهر بهذا أن الذي في البخاري لا يخرجه عن كونه جرد فيه الصحيح بخلاف الموطأ وأما ما يتعلق بمسند أحمد والدارمي فسيأتي الكلام فيه في نوع الحسن عند ذكر المسانيد عند أصحهما البخاري في تصنيف الصحيح مسلم من الحجاج تلميذه قال العراقي وقد اعترض هذا بقول أبي الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم بن الحجاج في تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين وهذا تصحيف إنما هو خمسين بزيادة الياء والنون لأن في سنة خمس كان عمر مسلم سنة بل لم يكن البخاري صنف إذ ذاك فإن مولده سنة أربع وتسعين ومائة وهما أصح الكتب بعد القرآن العزيز قال ابن الصلاح وأما ما رويناه عن الشافعي من أنه قال ما أعلم في الأرض كتابا أكثر صوابا من كتاب مالك وفي لفظ عنه ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك فذلك قبل وجود الكتابين والبخاري أصحهما أي المتصل فيه دون التعليق والتراجم وأكثرهما فوائد لما فيه من الاستنباطات الفقهية والنكت الحكمية وغير ذلك وقيل مسلم أصح والصواب الأول وعليه الجمهور

 

ج / 1 ص -92-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
لأنه أشد اتصالا وأتقن رجالا وبيان ذلك من وجوه أحدها أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلا المتكلم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلا والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه إن لم يكن ذلك الكلام قادحا
ثانيها: إن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم وليس لواحد منهم نسخة كثيرة أخرجها كلها أو أكثرها إلا ترجمة عكرمة عن ابن عباس بخلاف مسلم فإنه أخرج أكثر تلك النسخ كأبي الزبير عن جابر وسهيل عن أبيه والعلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه وحماد بن سلمة عن ثابت وغير ذلك ثالثها إن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيهم أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم وعرف جيدها من غيره بخلاف مسلم فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه ممن تقدم عن عصره من التابعين فمن بعدهم ولا شك أن المحدث أعرف بحديث شيوخه ممن تقدم عنهم
رابعها: إن البخاري يخرج عن الطبقة الأولى البالغة في الحفظ والاتقان ويخرج عن طبقة تليها في التثبت وطول الملازمة اتصالا وتعليقا ومسلم يخرج عن هذه الطبقة أصولا كما قرره الحازمي
خامسها: إن مسلما يرى أن للمعنعن

 

ج / 1 ص -93-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
حكم الاتصال إذا تعاصرا وإن لم يثبت اللقى والبخاري لا يرى ذلك حتى يثبت كما سيأتي وربما أخرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب أصلا إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه أخرج له قبل ذلك معنعنا
سادسها إن الأحاديث التي انتقدت عليهما نحو مائتي حديث وعشرة أحاديث كما سيأتي أيضا اختص البخاري منها بأقل من ثمانين ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر وقال المصنف في شرح البخاري من أخص ما يرجح به كتاب البخاري اتفاق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم وأصدق بمعرفة الحديث ودقائقه وقد انتخب علمه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب وقال شيخ الإسلام اتفق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث وأن مسلما تلميذه وخريجه ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره حتى قال الدارقطني لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء
تنبيه: عبارة ابن الصلاح وروينا عن أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم أنه قال ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري فهذا لا بأس به ولا يلزم منه إن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح وإن كان المراد أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهو مردود على من يقوله قال شيخ الإسلام ابن حجر قول أبي علي ليس فيه ما يقتضي تصريحه بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري خلاف ما يقتضيه إطلاق الشيخ محيي

 

ج / 1 ص -94-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
الدين في مختصره وفي مقدمة شرح البخاري له وإنما يقتضي نفي الأصحية عن غير كتاب مسلم عليه أما إثباتها له فلا لأن إطلاقه يحتمل أنه يريد المساواة كما في حديث ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر فهذا لا يقتضي أنه أصدق من جميع الصحابة ولا الصديق بل نفى أن يكون فيهم أصدق منه فيكون فيهم من يساويه ومما يدل على أن عرفهم في ذلك الزمان ماش على قانون اللغة أن أحمد بن حنبل قال ما بالبصرة أعلم أو قال أثبت من بشر بن المفضل أما مثله فعسى قال ومع احتمال كلامه ذلك فهو منفرد سواء قصد الأول أو الثاني قال وقد رأيت في كلام الحافظ أبي سعيد العلائي ما يشعر بأن أبا علي لم يقف على صحيح البخاري قال وهذا عندي بعيد فقد صح عن بلديه وشيخه أبي بكر بن خزيمة أنه قال ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل وصح عن بلديه ورفيقه أبي عبد الله بن الأخرم أنه قال قلما يفوت البخاري ومسلما من الصحيح قال والذي يظهر لي من كلام أبي على أنه قدم صحيح مسلم لمعنى أخر غير ما يرجع إلى ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق بخلاف البخاري فربما كتب الحديث من حفظه ولم يميز ألفاظ

 

ج / 1 ص -95-    واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان
-------------------------
رواية ولهذا ربما يعرض له الشك وقد صح عنه أنه قال رب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بالشام ولم يتصد مسلم لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام وتقطيع الأحاديث ولم يخرج الموقوفات قال وأما ما نقله عن بعض شيوخ المغاربة فلا يحفظ عن أحد منهم تقييد الأفضلية بالأصحية بل أطلق بعضهم الأفضلية فحكى القاضي عياض عن أبي مروان الطبني بضم المهملة وسكون الموحدة ثم نون قال كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري قال وأظنه عنى ابن حزم فقد حكى القاسم التجيبي في فهرسته عنه ذلك قال لأنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد وقال مسلمة بن قاسم القرطبي من أقران الدارقطني لم يصنع أحد مثل صحيح مسلم وهذا في حسن الوضع وجودة الترتيب لا في الصحة ولهذا أشار المصنف حيث قال من زيادته على ابن الصلاح واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فسهل تناوله بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب بسبب استنباطه الأحكام منها وأورد كثيرا منها في مظنته قال شيخ الإسلام ولهذا نرى كثيرا ممن صنف في الأحكام من المغاربة يعتمد على كتاب مسلم في السياق المتون دون البخاري لتقطيعه لها قال وإذا امتاز مسلم بهذا فللبخاري في مقابلته من الفضل ما ضمنه في أبوابه

 

ج / 1 ص -96-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
من التراجم التي حيرت الأفكار وما ذكره الإمام أبو محمد بن أبي جمرة عن بعض السادة قال ما قرئ صحيح البخاري في شدة إلا فرجت ولا ركب به في مركب فغرق
فوائد:
الأولى: قال ابن الملقن رأيت بعض المتأخرين قال إن الكتابين سواء فهذا قول ثالث وحكاه الطوفي في شرح الأربعين ومال إليه القرطبي
الثانية: قدم المصنف هذه المسألة وأخر مسألة إمكان التصحيح في هذه الأعصار عكس ما صنع ابن الصلاح لمناسبة حسنة وذلك أنه لما كان الكلام في الصحيح ناسب أن يذكر الأصح فبدأ بأصح الأسانيد ثم انتقل إلى أخص منه وهو أصح الكتب
الثالثة: ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون والمتوسطون في الحفظ والإتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بذلك فقال الحاكم والبيهقي إن المنية اخترمت مسلما قبل إخراج القسم الثاني وأنه إنما ذكر القسم الأول قال القاضي عياض وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه قال وليس الأمر كذلك بل ذكر حديث الطبقة الأولى وأتى بحديث الثانية

 

ج / 1 ص -97-    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
على طريق المتابعة والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب من حديث الأول شيئا وأتى بأحاديث طبقة ثالثة وهم أقوام تكلم فيهم أقوام وزكاهم آخرون ممن ضعف أو اتهم ببدعة وطرح الرابعة كما نص عليه قال والحاكم تأول أن مراده أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة وليس ذلك مراده قال وكذلك علل الحديث التي ذكر أنه يأتي بها قد وفى بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وتصاحيف المصحفين قال ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم إن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات أحدها هذا الذي قنبينا على الناس والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحق وأمثالهما والثالث يدخل فيه من الضعفاء فإن ذلك لا يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكره مسلم في صدر كتابه
قال المصنف وما قاله عياض ظاهر جدا-
الرابعة- قال ابن الصلاح قد عيب على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح وجوابه من وجوه أحدها أن ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده والثاني أن ذلك واقع في المتابعات والشواهد لا في الأصول فيذكر الحديث أولا بإسناد نظيف ويجعله أصلا ثم يتبعه بإسناد أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد والمبالغة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه.                                    الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي اعتد به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط كأحمد بن عبد الرحمن ابن أخي عبد الله بن وهب اختلط بعد الخمسين ومائتين

 

ج / 1 ص -98-    ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه.
--------------------------
بعد خروج مسلم من مصر الرابع أن يعلو بالضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل الشأن ذلك فقد روينا أن أبا زرعة أنكر عليه روايته عن أسباط بن نصر وقطن وأحمد بن عيسى المصري فقال إنما أدخلت من حديثهم ما رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول فأقتصر على ذلك ولامه أيضا على التخريج عن سويد فقال من أين كنت آتي بنسخة حفص عن ميسرة بعلو ولم يستوعبا الصحيح في كتابيهما ولا التزماه أي استيعابه فقد قال البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح مخافة الطول وقال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ما أجمعوا عليه يريد ما وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم قاله ابن الصلاح ورجح المصنف في شرح مسلم أن المراد ما لم تختلف الثقات فيه في نفس الحديث متنا وإسنادا لاما لم يختلف في توثيق رواته قال ودليل ذلك أنه سئل عن حديث أبي هريرة فإذا قرأ فأنصتوا هل هو صحيح فقال عندي هو صحيح فقيل: لم لم تضعه هنا ؟ فأجاب بذلك قال ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في متنها أو إسنادها وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر وقال البلقيني أراد مسلم إجماع أربعة أحمد ابن حنبل وابن معين وعثمان بن أبي شيبة وسعيد بن منصور الخراساني قال المصنف في شرح مسلم وقد الزمهما الدارقطني وغيره إخراج أحاديث على شرطهما لم يخرجاها وليس بلازم لهما لعدم التزامهما ذلك قال وكذلك قال البيهقي

 

ج / 1 ص -99-    قيل ولم يفتهما إلا القليل وأنكر هذا والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي
---------------------------
وقد اتفقا على أحاديث من صحيفة همام وانفرد كل واحد منهما بأحاديث منها مع أن الإسناد واحد قال المصنف لكن إذا كان الحديث الذي تركاه أو أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه فالظاهر أنهما ما اطلعا فيه على علة ويحتمل أنهما نسياه أو تركاه خشية الإطالة أو رأيا أن غيره يسد مسده
(قيل) أي قال الحافظ أبو عبد الله بن الأخرم ولم يفتهما إلا القليل وأنكر هذا القول البخاري فيما نقله الحازمي والإسماعيلي وما تركت من الصحاح أكثر
قال ابن الصلاح والمستدرك للحاكم كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير قال المصنف زيادة عليه والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي قال العراقي في هذا الكلام نظر لقول البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح قال ولعل البخاري أراد بالأحاديث المكررة الأسانيد والموقوفات فربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين زاد ابن جماعة في المنهل الروي أو أراد المبالغة في الكثرة قال

 

ج / 1 ص -100-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
والأول أولى قيل ويؤيد أن هذا هو المراد أن الأحاديث الصحاح التي بين أظهرنا بل وغير الصحاح لو تتبعت من المسانيد والجوامع والسنن والأجزاء وغيرها لما بلغت مائة ألف بلا تكرار بل ولا خمسين ألفا ويبعد كل البعد أن يكون رجل واحد حفظ ما فات الأمة جميعه فإنه إنما حفظه من أصول مشايخه وهي موجودة
وقال ابن الجوزي حصر الأحاديث يبعد إمكانه غير أن جماعة بالغوا في تتبعها وحصرها قال الإمام أحمد صح سبعمائة ألف وكسر وقال جمعت في المسند أحاديث انتخبتها من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا قال شيخ الإسلام ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلا لو أراد الله تعالى ذلك بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها فيكون كالدليل عليه وكذا من بعده فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن
قلت قد صنع المتأخرون ما يقرب من ذلك فجمع بعض المحدثين عمن كان في عصر شيخ الإسلام زوائد سنن ابن ماجه على الأصول الخمسة وجمع الحافط أبو الحسن الهيثمي زوائد مسند أحمد على الكتب الستة المذكورة في مجلدين وزوائد مسند البزار في مجلد ضخم وزوائد معجم الطبراني الكبير في ثلاثة وزوائد المعجمين الأوسط والصغير في مجلدين وزوائد أبي يعلى في مجلد ثم جمع

 

 

ج / 1 ص -101-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
هذه الزوائد كلها محذوف الأسانيد وتكلم على الأحاديث ويوجد فيها صحيح كثير وجمع زوائد الحلية لأبي نعيم في مجلد ضخم وزوائد فوائد تمام وغير ذلك وجمع شيخ الإسلام زوائد مسانيد إسحاق وابن أبي عمر ومسدد وابن أبي شيبة والحميدي وعبد بن حميد واحمد بن منيع والطيالسي في مجلدين وزوائد مسند الفردوس في مجلد وجمع صاحبنا الشيخ زين الدين قاسم الحنفي زوائد سنن الدارقطني في مجلد وجمعت زوائد شعب الإيمان للبيهقي في مجلد وكتب الحديث الموجودة سواها كثيرة جدا وفيها الزوائد بكثرة فبلوغها العدد السابق لا يبعد والله أعلم
تنبيهات:
أحدها: ذكر الحاكم في المدخل أن الصحيح عشرة أقسام وسيأتي نقلها عنه وذكر منها في القسم الأول الذي هو الدرجة الأولى واختيار الشيخين أن يرويه الصحابي المشهور بالرواية وله راويان ثقتان إلى آخر كلامه الآتي عنه ثم قال والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث انتهى وحينئذ يعرف من هذا الجواب عن قول ابن الأخرم فكأنه أراد لم يفتهما من أصح الصحيح الذي هو الدرجة الأولى وبهذا الشرط إلا القليل والأمر كذلك

 

ج / 1 ص -102-     وجملة ما في البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالمكررة وبحذف المكررة أربعة آلاف
--------------------------
الثاني: لم يدخل المصنف سنن ابن ماجة في الأصول وقد اشتهر في عصر المصنف وبعده جعل الأصول ستة بإدخاله فيها قيل وأول من ضمه إليها ابن طاهر المقدسي فتابعه أصحاب الأطراف والرجال والناس وقال المزي كل ما انفرد به عن الخمسة فهو ضعيف قال الحسيني يعني من الأحاديث وتعقبه شيخ الإسلام بأنه انفرد بأحاديث كثيرة وهي صحيحة قال فالأولى حمله على الرجال
الثالث: سنن النسائي الذي هو أحد الكتب الستة أو الخمسة هي الصغرى دون الكبرى صرح بذلك التاج ابن السكبي قال وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال وإن كان شيخه المزي ضم إليها الكبرى و صرح ابن الملقن بأنها الكبرى وفيه نظر ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنف الكبرى أهداها لأمير الرملة فقال له كل ما فيها صحيح فقال لا فقال ميز لي الصحيح من غيره فصنف له الصغرى وجملة ما في صحيح البخاري قال المصنف في شرحه من الأحاديث المسندة سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالمكررة وبحذف المكررة أربعة آلاف

 

ج / 1 ص -103-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
قال العراقي: هذا مسلم في رواية الفربري وأما رواية حماد بن شاكر فهي دون رواية الفربري بمائتي حديث ورواية إبراهيم بن معقل دونهما بثلاثمائة
قال شيخ الإسلام: وهذا قالوه تقليدا للحموي فإنه كتب البخاري عنه وعد كل باب منه ثم جمع الجملة وقلده كل من جاء بعده نظرا إلى أنه راوي الكتاب وله به العناية التامة قال ولقد عددتها وحررتها فبلغت بالمكررة سوى المعلقات والمتابعات ستة آلاف وثلثمائة وسبعة وتسعين حديثا وبدون المكررة ألفين وخمسمائة وثلاثة عشر حديثا وفيه من التعاليق ألف وثلثمائة وأحد وأربعون وأكثرها مخرج في أصول متونه والذي لم يخرجه مائة وستون وفيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وثمانون هكذا وقع في شرح البخاري ونقل عنه ما يخالف هذا يسيرا قال وهذا خارج عن الموقوفات والمقاطيع

 

ج / 1 ص -104-     ومسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف ثم أن الزيادة في الصحيح
------------------------==
فائدتان:
الأولى:
ساق المصنف هذا الكلام مساق فائدة زائدة.
قال شيخ الإسلام: وليس ذلك مراد ابن الصلاح بل هو تتمة قدحه في كلام ابن الأخرم أي أن البخاري قال أحفظ مائة ألف حديث صحيح وليس في كتابه إلا هذا القدر وهو بالنسبة إلى المائة ألف يسير .
الثانية: وافق مسلم البخاري على تخريج ما فيه إلا ثمانمائة وعشرين حديثا
و جملة ما في صحيح مسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف هذا مزيد على ابن الصلاح قال العراقي وهو يزيد على البخاري بالمكرر لكثرة طرقه قال وقد رأيت عن أبي الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث وقال الميانجي ثمانية آلاف والله أعلم قال ابن حجر وعندي في هذا نظر ثم إن الزيادة في الصحيح عليهما

 

ج / 1 ص -105-     تعرف من السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرها منصوصا على صحته ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما وهو متساهل
---------------------------
تعرف من كتب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرها منصوصا على صحته فيها ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات
قال العراقي وكذا لو نص على صحته أحد منهم ونقل عنه ذلك بإسناد صحيح كما في سؤالات أحمد بن حنبل وسؤالات ابن معين وغيرهما
قال وإنما أهمله ابن الصلاح بناء على اختياره أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار فلا يكفي وجود التصحيح بإسناد صحيح كما لا يكفي وجود أصل الحديث بإسناد صحيح
واعتنى الحافظ أبو عبد الله الحاكم في المستدرك بضبط الزائد عليهما مما هو على شرطهما أو على شرط أحدهما أو صحيح وإن لم يوجد شرط أحدهما معبرا عن الأول بقوله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين أو على شرط البخاري أو مسلم وعن الثاني بقوله هذا حديث صحيح الإسناد وربما أورد فيه ما هو في الصحيحين وربما أورد فيه ما لم يصح عنده منبها على ذلك وهو متساهل في التصحيح

 

ج / 1 ص -106-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قال المصنف في شرح المهذب: اتفق الحفاظ على أن تلميذه البيهقي أشد تحريا منه وقد لخص الذهبي مستدركه وتعقب كثيرا منه بالضعف والنكارة وجمع جزءا فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة فذكر نحو مائة حديث وقال أبو سعيد الماليني طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثا على شرطهما قال الذهبي وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء أوله علة وما بقي وهو نحو الربع فهو منا كير أو واهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات.
قال شيخ الإسلام: وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سود الكتاب لينقحه فأعجلته المنية قال وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ثم قال وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة فمن أكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمة البيهقي وهو إذا ساق عنه في غير المملى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة قال:

 

ج / 1 ص -107-     فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه
--------------------------
والتساهل في القدر المملى قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه قال البدر بن جماعة والصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف ووافقه العراقي وقال إن حكمه عليه بالحسن فقط تحكم قال إلا أن ابن الصلاح قال ذلك بناء على رأيه أنه قد انقطع التصحيح في هذه الأعصار فليس لأحد أن يصححه فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه والعجب من المصنف كيف وافقه هنا مع مخالفته له في المسألة المبني عليها كما سيأتي وقوله فما صححه احتراز مما خرجه في الكتاب ولم يصرح بتصحيحه

 

ج / 1 ص -108-     ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان
---------------------------
فلا يعتمد عليه ويقاربه أي صحيح الحاكم في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان قيل إن هذا يفهم ترجيح كتاب الحاكم عليه والواقع خلاف ذلك قال العراقي وليس كذلك وإنما المراد أنه يقاربه في التساهل فالحاكم أشد تساهلا منه قال الحازمي ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم قيل وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح فإن غايته أنه يسمي الحسن صحيحا فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحة في الاصطلاح وإن كانت باعتبار خفة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأته بحديث منكر فهو عنده ثقة وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك وهذا دون شرط الحاكم حيث شرط أن يخرج عن رواة أخرج لمثلهم الشيخان في الصحيح فالحاصل أن ابن حبان وفى بالتزام شروطه ولم يوف الحاكم

 

ج / 1 ص -109-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
فوائد:
الأولى: صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد ولهذا سماه التقاسيم والأنواع وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنحو والفلسفة ولهذا تكلم فيه ونسب إلى الزندقة وكادوا يحكمون بقتله ثم نفي من سجستان إلى سمرقند والكشف من كتابه عسر جدا وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائده على الصحيحين في مجلد
الثانية: صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في تصحيحه لأدنى كلام في الإسناد فيقول إن صح الخبر أو إن ثبت كذا ونحو ذلك ومما صنف في الصحيح أيضا غير المستخرجات الآتي ذكرها السنن الصحاح لسعيد بن السكن
الثالثة: صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على كل كتاب من الجوامع والمسانيد فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم وهو روايات كثيرة وأكبرها رواية القعنبي وقال العلائي روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ومن أكبرها وأكثرها

 

ج / 1 ص -110-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
زيادات رواية أبي مصعب قال ابن حزم في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث وأما ابن حزم فإنه قال أولى الكتب الصحيحان ثم صحيح ابن السكن والمنتقى لابن الجارود والمنتقى لقاسم بن أصبغ ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود وكتاب النسائي ومصنف قاسم بن أصبغ ومصنف الطحاوي ومسانيد أحمد والبزار وابني أبي شيبة أبي بكر وعثمان وابن نبيناويه والطيالسي والحسن بن سفيان والمسندي وابن سنجر ويعقوب بن شيبة وعلي بن المديني وابن أبي غرزة وما جرى مجنبيناا التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفا ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره ثم ما كان فيه الصحيح فهو أجل مثل مصنف عبد الرزاق ومصنف أبن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد وكتاب محمد بن نصر المرزوي وكتاب ابن المنذر ثم مصنف حماد بن سلمة ومصنف سعيد بن منصور ومصنف وكيع ومصنف الفريابي وموطأ مالك وموطأ ابن أبي ذئب وموطأ ابن وهب ومسائل ابن حنبل وفقه أبي عبيد وفقه أبي ثور وما كان من هذا النمط مشهورا كحديث شعبة وسفيان والليث والأوزاعي والحميدي وابن مهدي ومسدد وما جرى مجنبيناا فهذه طبقة موطأ مالك بعضها أجمع للصحيح منه وبعضها

 

ج / 1 ص -111-     الثالثة: الكتب المخرجة على الصحيحين
--------------------------
 مثله وبعضها دونه ولقد أحصيت ما في حديث شعبة من الصحيح فوجدته ثمانمائة حديث ونيفا مسندة ومرسلا يزيد على المائتين وأحصيت ما في موطأ مالك وما في حديث سفيان بن عيينة فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيفا مسندا وثلاثمائة مرسلا ونيفا وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها وفيها أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء انتهى ملخصا من كتابه مراتب الديانة
(الثالثة) من مسائل الصحيح الكتب المخرجة على الصحيحين كالمستخرج للإسماعيلي وللبرقاني ولأبي أحمد الغطريفي ولأبي عبد الله بن أبي ذهل ولأبي بكر بن مردويه على البخاري ولأبي عوانه الاسفراييني ولأبي جعفر بن حمدان ولأبي بكر محمد رجاء النيسابوري ولأبي بكر الجوزقي ولأبي حامد الشاركي ولأبي الوليد حسان بن محمد القرشي ولأبي عمران موسى بن العباس الجويني ولأبي النصر الطوسي ولأبي سعيد بن أبي عثمان الحيري على مسلم ولأبي نعيم الأصبهاني وأبي عبد الله بن الأخرم وأبي ذر الهروي وأبي محمد الخلال وأبي علي الماسرجي وأبي مسعود سليمان بن إبراهيم الأصبهاني وأبي بكر اليزدي على كل منهما ولأبي بكر بن عبدان الشيرازي عليهما في مؤلف واحد

 

ج / 1 ص -112-     لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى وكذا ما رواه البيهقي والبغوي وشبههما قائلين رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى فمرادهم أنهما رويا أصله فلا يجوز أن تنقل منها
---------------------------
وموضوع المستخرج كما قال العراقي أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه قال شيخ الإسلام وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة قال ولذلك يقول أبو عوانة في مستخرجه على مسلم بعد أن يسوق طرق مسلم كلها من هنا لمخرجه ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمن فوق ذلك وربما قال من هنا لم يخرجاه قال ولا يظن أنه يعني البخاري ومسلما فإني استقريت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلما وأبا الفضل أحمد بن سلمة فإنه كان قرين مسلم وصنف مثل مسلم وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد لها بها سندا يرتضيه وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب ثم إن المستخرجات المذكورة لم يلتزم فيها موافقتها أي الصحيحين في الألفاظ لأنهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم فحصل فيها تفاوت قليل في اللفظ و في المعنى أقل وكذا ما رواه البيهقي في السنن والمعرفة وغيرهما والبغوي في شرح السنة وشبههما قائلين رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه أيضا تفاوت في المعنى وفي الألفاظ فمرادهم بقولهم ذلك أنهما رويا أصله أي أصل الحديث دون اللفظ الذي أوردوه وحينئذ فلا يجوز لك أن تنقل منهما أي من الكتب

 

ج / 1 ص -113-     حديثا وتقول هو كذا فيها إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما
---------------------------
المذكورة من المستخرجات وما ذكر حديثا وتقول فيه هو كذا فيهما أي الصحيحين إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما من غير زيادة ولا تغيير فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك للصحيح ولو بلفظ وكذا الجمع بين الصحيحين لعبد الحق أما الجمع لأبي عبد الله الحميدي الأندلسي ففيه زيادة ألفاظ وتتمات على الصحيحين بلا تمييز قال ابن الصلاح وذلك موجود فيه كثيرا فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيح وهو مخطئ لكونه زيادة ليست فيه قال العراقي وهذا مما أنكر على الحميدي لأنه جمع بين كتابين فمن أين تأتي الزيادة قال واقتضى كلام ابن الصلاح أن الزيادات التي تقع في كتاب الحميدي لها حكم صحيح وليس كذلك لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا واشترط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك قلت هذا الذي نقله عن ابن الصلاح وقع له في الفائدة الرابعة فإنه قال ويكفي وجوده في كتاب من اشترط الصحيح وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح وكثير من هذا موجود في الجمع للحميدي انتهى وهذا الكلام قابل للتأويل فتأول ثم رأيت عن شيخ الإسلام قال قد أشار الحميدي إجمالا وتفصيلا إلى ما يبطل ما اعترض به عليه أما إجمالا فقال في خطبة الجمع وربما زدت زيادات

 

ج / 1 ص -114-     وللكتب المخرجة عليهما فائدتان: علو الإسناد
---------------------------
من تتمات وشرح لبعض ألفاظ الحديث ونحو ذلك وقفت عليها في كتب من اعتنى بالصحيح كالإسماعيلي والبرقاني وأما تفصيلا فعلى قسمين جلي وخفي أما الجلي فيسوق الحديث ثم يقول في أثنائه إلى هنا انتهت رواية البخاري ومن هنا زاده البرقاني وأما الخفي فإنه يسوق الحديث كاملا أصلا وزيادة ثم يقول أما من أوله إلى موضع كذا فرواه فلان وما عداه زاده فلان أو يقول لفظة كذا زادها فلان ونحو ذلك وإلى هذا أشار ابن الصلاح بقوله فربما نقل من لا يميز وحينئذ فلزيادته حكم الصحة لنقله لها عمن اعتنى بالصحيح
مهمة: ما تقدم عن البيهقي ونحوه من عزو الحديث إلى الصحيح والمراد أصله لاشك أن الأحسن خلافه والاعتناء بالبيان حذرا من إيقاع من لا يعرف الاصطلاح في اللبس ولابن دقيق العيد في ذلك تفصيل حسن وهو أنك إذا كنت في مقام الرواية فلك العزو ولو خالف لأنه عرف أن أجل قصد المحدث السند والعثور على أصل الحديث دون ما إذا كنت في مقام الاحتجاج فمن روى في المعاجم والمشيخات ونحوها فلا حرج عليه في الإطلاق بخلاف من أورد ذلك في الكتب المبوبة لاسيما إن كان الصالح للترجمة قطعة زائدة على ما في الصحيح وللكتب المخرجة عليهما فائدتان
إحداهما علو الإسناد لأن مصنف المستخرج لو روى حديثا مثلا من طريق البخاري لوقع أنزل من الطريق الذي

 

ج / 1 ص -115-     وزيادة الصحيح فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما
---------------------------
رواه به في المستخرج مثاله أن أبا نعيم لو روى حديثا عن عبد الرزق من طريق البخاري أو مسلم لم يصل إليه إلا بأربعة وإذا رواه عن الطبراني عن الدبري بفتح الموحدة عنه وصل باثنين وكذا لو روى حديثا في مسند الطيالسي من طريق مسلم كان بينه وبينه أربعة شيخان بينه وبين مسلم ومسلم وشيخه وإذا رواه عن ابن فارس عن يونس بن حبيب عنه وصل باثنين و الأخرى زيادة الصحيح فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما
قال شيخ الإسلام هذا مسلم في الرجل الذي التقى فيه إسناد المستخرج وإسناد مصنف الأصل وفيمن بعده وأما من بين المستخرج وبين الرجل فيحتاج إلى نقد لأن المستخرج لم يلتزم الصحة في ذلك وإنما جل قصده العلو فإن حصل وقع على غرضه فإن كان مع ذلك صحيحا أو فيه زيادة حسن حصلت اتفاقا وإلا فليس ذلك همته قال قد وقع ابن الصلاح هنا فيما فر منه في عدم التصحيح في هذا الزمان لأنه أطلق تصحيح هذه الزيادات ثم عللها بتعليل أخص من دعواه وهو كونها بذلك الإسناد وذلك إنما هو من ملتقى الإسناد إلى منتهاه
تنبيه:
لم يذكر المصنف تبعا لابن الصلاح للمستخرج سوى هاتين الفائدتين وبقي له فوائد أخر منها القوة بكثرة الطرق للترجيح عند المعارضة ذكره ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم وذلك بأن يضم المستخرج شخصا آخر فأكثر مع الذي

 

ج / 1 ص -116-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
حدث مصنف الصحيح عنه وربما ساق له طرقا أخرى إلى الصحابي بعد فراغه من استخراجه كما يصنع أبو عوانة ومنها أن يكون مصنف الصحيح روى عمن اختلط ولم يبين هل سماع ذلك الحديث في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده فيبينه المستخرج إما تصريحا أو بأن يرويه عنه من طريق من لم يسمع منه إلا قبل الاختلاط ومنها أن يروى في الصحيح عن مدلس بالعنعنة فيرويه المستخرج بالتصريح بالسماع فهاتان فائدتان جليلتان وإن كنا لا نتوقف في صحة ما روى في الصحيح من ذلك غير مبين ونقول لو لم يطلع مصنفه على أنه روى عنه قبل الاختلاط وأن المدلس سمع لم يخرجه فقد سأل السبكي المزي هل وجد لكل ما رواه بالعنعنة طرق مصرح فيها بالتحديث فقال كثير من ذلك لم يوجد وما يسعنا إلا تحسين الظن ومنها أن يروى عن مبهم كحدثنا فلان أو رجل أو فلان وغيره أو غير واحد فيعينه المستخرج ومنها أن يروى عن مهمل كمحمد من غير ذكر ما يميزه عن غيره من المحمدين ويكون في مشايخ من رواه كذلك من يشاركه في الاسم فيميزه المستخرج
قال شيخ الإسلام وكل علة أعل بها حديث في أحد الصحيحين جاءت رواية المستخرج سالمة منها فهي من فوائده وذلك كثير جدا
فوائد:
لا يختص المستخرج بالصحيحين فقد استخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن

 

ج / 1 ص -117-     الرابعة: ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فما كان منه بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر وروى فهو حكم بصحته عن المضاف إليه
-------------------------
على سنن أبي داود وأبو علي الطوسي على الترمذي وأبو نعيم على التوحيد لابن خزيمة وأملى الحافظ أبو الفضل العراقي على المستدرك مستخرجا لم يكمل
(الرابعة) من مسائل الصحيح ما روياه أي الشيخان بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وهو المعلق وهو في البخاري كثير جدا كما تقدم عدده وفي مسلم في موضع واحد في التميم حيث قال
وروى الليث بن سعد فذكر حديث أبي الجهم بن الحرث بن الصمة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل الحديث وفيه أيضا موضعان في الحدود والبيوع رواهما بالتعليق عن الليث بعد روايتهما بالاتصال وفيه بعد ذلك أربعة عشر موضعا كل حديث منها رواه متصلا ثم عقبه بقوله ورواه فلان وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار والذي لم يوصله في موضع آخر مائة وستون حديثا وصلها شيخ الإسلام في تأليف لطيف سماه التوفيق وله في جميع التعليق والمتابعات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سماه تغليق التعليق واختصره بلا أسانيد في آخر سماه التشويق إلى وصل المهم من التعليق فما كان منه بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر وروى وذكر فلان فهو حكم بصحته عن المضاف إليه لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح

 

ج / 1 ص -118-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
عنده عنه لكن لا يحكم بصحة الحديث مطلقا بل يتوقف على النظر فيمن أبرز من رجاله وذلك أقسام
أحدها: ما يلتحق بشرطه والسبب في عدم إيصاله إما الاستغناء بغيره عنه مع إفادة الإشارة إليه وعدم إهماله بإيراده معلقا اختصارا وإما كونه لم يسمعه من شيخه أو سمعه مذاكرة أو شك في سماعه فما رأى أنه يسوقه مساق الأصول
ومن أمثلة ذلك قوله في الوكالة قال عثمان بن الهيثم حدثنا عون حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة رمضان الحديث وأورده في فضائل القرآن وذكر إبليس ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان فالظاهر عدم سماعه له منه قال شيخ الإسلام وقد استعمل هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث فيوردها منهم بصيغة قال فلان ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم كما قال في التاريخ قال إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف فذكر حديثا ثم يقول حدثوني بهذا عن إبراهيم قال ولكن ليس ذلك مطردا في كل ما أورده بهذه الصيغة لكن مع هذا الاحتمال لا يحمل حمل ما أورده بهذه الصيغة على أنه سمعه من شيوخه وبهذا القول يندفع اعتراض العراقي على ابن الصلاح في تمثيله بقوله قال عفان وقال القعنبي كونهما من شيوخه وأن الرواية عنهم ولو بصيغة لا تصرح بالسماع محمولة على الاتصال كما سيأتي في فروع عقب المعضل ثم قولنا

 

ج / 1 ص -119-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
في هذا التقسيم ما يلتحق بشرطه ولم يقل أنه على شرطه لأنه وإن صح فليس من نمط الصحيح المسند فيه نبه عليه ابن كثير
القسم الثاني: ما لا يلتحق بشرطه ولكنه صحيح على شرط غيره كقوله في الطهارة وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه أخرجه مسلم في صحيحه
الثالث: ما هو حسن صالح للحجة كقوله فيه وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده الله أحق أن يستحيى منه وهو حديث حسن مشهور أخرجه أصحاب السنن
الرابع: ما هو ضعيف لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده قال الإسماعيلي قد يصنع البخاري ذلك إما لأنه سمعه من ذلك الشيخ بواسطة من يثق به عنه وهو معروف مشهور عن ذلك الشيخ أو لأنه سمعه ممن ليس من شرط الكتاب فنبه على ذلك الحديث بتسمية من حدث به لا على التحديث به عنه كقوله في الزكاة وقال طاوس قال معاذ بن جبل لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب الحديث فإسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ وأما ما اعترض به بعض المتأخرين من نقض هذا الحكم بكونه جزم في معلق وليس بصحيح وذلك قوله في التوحيد وقال الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تفاضلوا بين الأنبياء الحديث فإن أبا مسعود الدمشقي جزم بأن هذا ليس بصحيح لأن عبد الله بن الفضل إنما رواه عن الأعرج عن أبي هريرة

 

ج / 1 ص -120-     وما ليس فيه جزم كيروى ويذكر ويحكى ويقال وروي وذكر وحكي عن فلان كذا فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه
---------------------------
لا عن أبي سلمة وقوى ذلك بأنه أخرجه في موضع آخر كذلك فهو اعتراض مردود ولا ينقض القاعدة ولا مانع من أن يكون لعبد الله بن الفضل شيخان وكذلك أورده عن أبي سلمة الطيالسي في مسنده فبطل ما ادعاه وما ليس فيه جزم كيروى ويذكر ويحكى ويقال وروى وحكى عن فلان كذا قال ابن الصلاح أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه
قال ابن الصلاح لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا فأشار بقوله أيضا إلى أنه ربما يورد ذلك فيما هو صحيح إما لكونه رواه بالمعنى كقوله في الطب:ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر بلفظ أن نفرا من الصحابة مروا بحي فيه لديغ فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب وفيه إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله أو ليس على شرطه كقوله في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع وهو صحيح أخرجه مسلم إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته أو لكونه ضم إليه ما لم يصح فأتى بصيغة تستعمل فيهما كقوله في الطلاق ويذكر عن علي بن أبي طالب وابن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا

 

ج / 1 ص -121-     وليس بواه لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح
---------------------------
وقد يورده أيضا في الحسن كقوله في البيوع ويذكر عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل هذا الحديث رواه الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة وهو صدوق عن منقذ مولى عثمان وقد وثق عن عثمان وتابعه سعيد بن المسيب ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند إلا أن في إسناده ابن لهيعة ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع والحديث حسن لما عضده من ذلك ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف قوله في الوصايا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدين قبل الوصية وقد رواه الترمذي موصولا من طريق الحارث عن علي والحارث ضعيف وقوله في الصلاة ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوع الإمام في مكانه وقال عقبه ولم يصح وهذه عادته في ضعيف لا عاضد له من موافقة إجماع أو نحوه على أنه فيه قليل جدا والحديث أخرجه أبو داود من طريق الليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة وليث ضعيف وإبراهيم لا يعرف وقد اختلف عليه فيه
و ما أورده البخاري في الصحيح مما عبر عنه بصيغة التمريض وقلنا لا يحكم بصحته ليس بواه أي ساقط جدا لإدخاله إياه في الكتاب الموسوم بالصحيح وعبارة ابن الصلاح ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه

 

ج / 1 ص -122-     الخامسة: الصحيح أقسام
 أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري
---------------------------
قلت ولهذا رددت على ابن الجوزي حيث أورد في الموضوعات حديث ابن عباس مرفوعا إذا أتى أحدكم بهدية فجلساؤه شركاؤه فيها أورده من طريقين عنه ومن طريق عن عائشة ولم يصب فإن البخاري أورده في الصحيح فقال ويذكر عن ابن عباس وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي رويناه في فوائد أبي بكر الشافعي وقد بينت ذلك في مختصر الموضوعات ثم في كتابي القول الحسن في الذب عن السنن.
فائدة:
قال ابن الصلاح: إذا تقرر حكم التعاليق المذكورة فقول البخاري ما أدخلت في كتابي إلا ما صح وقول الحافظ أبي نصر السجزي أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك فيه لم يحنث محمول على مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب المسندة دون التراجم ونحوها وسيأتي في المسألة مزيد كلام قريبا ويأتي تحرير الكلام في حقيقة التعليق حيث ذكره المصنف عقب المعضل إن شاء الله تعالى
(الخامسة: الصحيح أقسام) متفاوتة بحسب تمكنه من شروط الصحة وعدمه أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري ووجه تأخره

 

ج / 1 ص -123-     ثم مسلم ثم على شرطهما ثم على شرط البخاري ثم مسلم ثم صحيح عند غيرهما
--------------------------
عما اتفقا عليه اختلاف العلماء أيهما أرجح ثم ما انفرد به مسلم ثم صحيح على شرطهما ولم يخرجه واحد منهما ووجه تأخره عما أخرجه أحدهما تلقى الأمة بالقبول له ثم صحيح على شرط البخاري ثم صحيح على شرط مسلم ثم صحيح عند غيرهما مستوفى فيه الشروط السابقة
تنبيهات
الأول: أورد على هذا أقسام
أحدها: المتواتر وأجيب بأنه لا يعتبر فيه عدالة والكلام في الصحيح بالتعريف السابق.
الثاني: المشهور قال شيخ الإسلام وهو وارد قطعا قال وأنا متوقف في رتبته هل هي قبل المتفق عليه أم بعده
الثالث: ما أخرجه الستة وأجيب بأن من لم يشترط الصحيح في كتابه لا يزيد تخريجه للحديث قوة
قال الزركشي ويمنع بأن الفقهاء قد يرجحون بما لا مدخل له في ذلك الشيء كتقديم ابن العم الشقيق على ابن العم للأب وإن كان ابن العم للأم لا يرث قال العراقي نعم ما اتفق السته على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان.
الرابع: ما فقد شرطا كالاتصال عند من يعده صحيحا
الخامس: ما فقد تمام الضبط ونحوه مما ينزل إلى رتبة الحسن عند من يسميه

 

ج / 1 ص -124-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
صحيحا قال شيخ الإسلام وعلى ذلك يقال ما أخرجه الستة إلا واحدا منهم وكذا ما أخرجه الأئمة الذين التزموا الصحة ونحو هذا إلى أن تنتشر الأقسام فتكثر حتى يعسر حصرها
التنبيه الثاني:
قد علم مما تقرر أن أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم فينبغي أن يقال أصحها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة ثم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ثم ابن حبان والحاكم ثم ابن خزيمة فقط ثم ابن حبان فقط ثم الحاكم فقط إن لم يكن الحديث على شرط أحد الشيخين ولم أر من تعرض لذلك فليتأمل
التنبيه الثالث:
قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا كأن يتفقا على إخراج حديث غريب ويخرج مسلم أو غيره حديثا مشهورا أو مما وصفت ترجمته بكونها أصح الأسانيد ولا يقدح ذلك فيما تقدم لأن ذلك باعتبار الإجمال قال الزركشي ومن هنا يعلم أن ترجيح كتاب البخاري على مسلم إنما المراد به ترجيح الجملة لا كل فرد من أحاديثه على كل فرد من أحاديث الآخر
التنبيه الرابع:
فائدة التقسيم المذكور تظهر عند التعارض والترجيح
التنبيه الخامس:
في تحقيق شرط البخاري ومسلم قال ابن طاهر شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة رجاله إلى الصحابي المشهور

 

ج / 1 ص -125-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
 -----------------------
قال العراقي وليس ما قاله بجيد لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهم الشيخان أو أحدهما وأجيب بأنهما أخرجا من أجمع على ثقته إلى حين تصنيفهما ولا يقدح في ذلك تضعيف النسائي بعد وجود الكتابين وقال شيخ الإسلام تضعيف النسائي إن كان باجتهاده أو نقله عن معاصر فالجواب ذلك وإن نقله عن متقدم فلا قال ويمكن أن يجاب بأن ما قاله ابن طاهر هو الأصل الذي بينا عليه أمرهما وقد يخرجان عنه لمرجح يقوم مقامه وقال الحاكم في علوم الحديث وصف الحديث الصحيح أن يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله علي وسلم وله راويان ثقتان ثم يرويه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور بالرواية وله رواة ثقات وقال في المدخل الدرجة الأولى من الصحيح اختبار البخاري ومسلم وهو أن يروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي زائل عنه اسم الجهالة بأن يروى عنه تابعيان عدلان ثم يروي عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا مشهورا بالعدالة في روايته ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة فعمم في علوم الحديث شرط الصحيح من حيث هو وخصص ذلك في المدخل بشرط الشيخين وقد نقض عليه الحازمي ما ادعى أنه شرط الشيخين بما في الصحيح من الغرائب التي تفرد بها بعض الرواة وأجيب بأنه إنما أراد أن كل راو في الكتابين يشترط أن يكون له راويان لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه

 

ج / 1 ص -126-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قال أبو علي الغساني ونقله عياض عنه ليس المراد أن يكون كل خبر روياه يجتمع فيه راويان عن صحابيه ثم عن تابعيه فمن بعده فإن ذلك يعز وجوده وإنما المراد أن هذا الصحابي وهذا التابعي قد روى عنه رجلان خرج بهما عن حد الجهالة
قال شيخ الإسلام وكأن الحازمي فهم ذلك من قول الحاكم كالشهادة على الشهادة لأن الشهادة يشترط فيها التعدد وأجيب باحتمال أن يريد بالتشبيه بعض الوجوه لا كلها كالاتصال واللقاء وغيرهما وقال أبو عبد الله المواق ما حمل الغساني عليه كلام الحاكم وتبعه عليه عياض وغيره ليس بالبين ولا أعلم أحدا روى عنهما أنهما صرحا بذلك ولا وجود له في كتابيهما ولا خارجا عنهما فإن كان قائل ذلك عرفه من مذهبهما بالتصفح لتصرفهما في كتابيهما فلم يصب لأن الأمرين معا في كتابيهما وإن كان أخذه من كون ذلك أكثريا في كتابيهما فلا دليل فيه على كونهما اشترطاه ولعل وجود ذلك أكثريا إنما هو لأن من روى عنه أكثر من واحد أكثر ممن لم يرو عنه إلا واحد من الرواة مطلقا لا بالنسبة إلى ما خرج له منهم في الصحيحين وليس من الإنصاف التزامهما هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به لأنهما إذا صح عنهما اشتراط ذلك كان في إخلالهما به درك عليهما
قال شيخ الإسلام وهذا كلام مقبول وبحث قوى وقال في مقدمة شرح البخاري ما ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق

 

ج / 1 ص -127-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
بعض الصحابة الذين أخرج لهم إلا أنه معتبر في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد فقط وقال الحازمي ما حاصله شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه ملازمة طويلة وأنه قد يخرج أحيانا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلزموه إلا ملازمة يسيرة وشرط مسلم أن يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه كحماد بن سلمة في ثابت البناني وأيوب وقال المصنف إن المراد بقولهم على شرطهما أن يكون رجال إسناده في كتابيهما لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما
قال العراقي وهذا الكلام قد أخذه ابن الصلاح حيث قال في المستدرك أودعه ما نبينا على شرط الشيخين وقد أخرجا عن روايته في كتابيهما
قال وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري مثلا ثم يعترض عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخاري وكذا فعل الذهبي في مختصر المستدرك
قال وليس ذلك منهم بجيد فإن الحاكم صرح في خطبة المستدرك بخلاف ما فهموه عنه فقال وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما فقوله بمثلها أي بمثل رواتها لا بهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها وفيه نظر

 

ج / 1 ص -128-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قال وتحقيق المثلية أن يكون بعض من لم يخرج عنه في الصحيح مثل من خرج عنه فيه أو أعلى منه عند الشيخين وتعرف المثلية عندهما إما بنصهما على أن فلانا مثل فلان أو أرفع منه وقلما يوجد ذلك وإما بالألفاظ الدالة على مراتب التعديل كأن يقولا في بعض من احتجا به ثقة أو ثبت أو صدوق أو لا بأس به أو غير ذلك من ألفاظ التعديل ثم يوجد عنهما أنهما قالا ذلك أو أعلى منه في بعض من لا يحتجان به في كتابيهما فيستدل بذلك عل أنه عندهما في رتبة من احتجا به لأن مراتب الرواة معيار معرفتها ألفاظ الجرح والتعديل قال ولكن هنا أمر فيه غموض لا بد من الإشارة إليه وذلك أنهم لا يكتفون في التصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتصال من غير نظر إلى غيره بل ينظرون في حاله مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها أو كونه في بلده ممارسا لحديثه أو غريبا من بلد من أخذ عنه وهذه أمور تظهر بتصفح كلامهم وعملهم في ذلك ا ه كلامه وقال شيخ الإسلام ما اعترض به شيخنا على ابن دقيق العيد والذهبي ليس بجيد لأن الحاكم استعمل لفظة مثل في أعم من الحقيقة والمجاز في الأسانيد والمتون دل على ذلك صنعه فإنه تارة يقول على شرطهما وتارة على شرط البخاري وتارة على شرط مسلم وتارة صحيح الإسناد ولا يعزوه لأحدهما وأيضا فلو قصد بكلمة مثل معناها الحقيقي حتى يكون المراد احتج بغيرها ممن فيهم من الصفات مثل ما في الرواة الذين خرجا عنهم لم يقل قط على شرط البخاري فإن شرط مسلم دونه فما كان على شرطه فهو على شرطهما لأنه

 

ج / 1 ص -129-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
حوى شرط مسلم وزاد قال ووراء ذلك كله أن يروي إسناد ملفق من رجالهما كسماك عن عكرمة عن ابن عباس فسماك على شرط مسلم فقط وعكرمة انفرد به البخاري والحق أن هذا ليس على شرط واحد منهما وأدق من هذا أن يرويا عن أناس ثقات ضعفوا في أناس مخصوصين من غير حديث الذين ضعفوا فيهم فيجيء عنهم حديث من طريق من ضعفوا فيه برجال كلهم في الكتابين أو أحدهما فنسبته أنه على شرط من خرج له غلط كأن يقال في هشيم عن الزهري كل من هشيم والزهري أخرجا له فهو على شرطهما فيقال بل ليس على شرط واحد منهما لأنهما إنما أخرجا لهشيم حديث الزهري فإنه ضعف فيه لأنه كان دخل إليه فأخذ منه عشرين حديثا فلقيه صاحب له وهو راجع فسأله روايته وكان ثم ريح شديدة فذهبت بالأوراق من الرجل فصار هشيم يحدث بما علق منها بذهنه ولم يكن أتقن حفظها فوهم في أشياء منها ضعف في الزهري بسببها وكذا همام ضعيف في ابن جريج مع ان كلا منهما أخرجا له لكن لم يخرجا له عن ابن جريج شيئا فعلى من يعزو إلى شرطهما أو شرط واحد منهما ان يسوق ذلك السند بنسق رواية من نسب إلى شرطه ولو في موضع من كتابه وكذا قال ابن الصلاح في شرح مسلم من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح فقد غفل وأخطأ بل ذلك متوقف على النظر في كيفية رواية مسلم عنه وعلى أي وجه اعتمد عليه

 

ج / 1 ص -130-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
تتمة:
ألف الحازمي كتابا في شروط الأئمة ذكر فيه شرط الشيخين وغيرهما فقال مذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضا وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزمه إخراجه وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلا في الشواهد والمتابعات وهذا باب فيه غموض وطريقه معرفة طباق الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم ولنوضح ذلك بمثال وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزية على التي تليها وتفاوت ممن كان في الطبقة الأولى فهي الغاية في الصحة وهو غاية قصد البخاري كمالك وابن عيينة ويونس وعقيل الأيليين وجماعة والثانية شاركت الأولى في العدالة غيرأن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري بحيث كان منهم من يلازمه في السفر ويلازمه في الحضر كالليث بن سعد والأوزاعي والنعمان بن راشد
والثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى كجعفر بن برقان وسفيان بن حسين السلمي وزمعة بن صالح المكى وهم شرط مسلم.

 

ج / 1 ص -131-     وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين وذكر الشيخ أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه
---------------------------
والثالثة جماعة لزموا الزهري مثل أهل الطبقة الأولى غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح فهم بين الرد والقبول كمعاوية بن يحيى الصدفي وإسحق بن يحيى الكلبي والمثنى بن الصباح وهم شرط أبي داود والنسائي
والرابعة:قوم شاركوا الثالثة في الجرح والتعديل وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري لأنهم لم يلازموه كثيرا وهم شرط الترمذي
والخامسة:نفر من الضعفاء والمجهولين لا يجوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أن يخرج حديثهم إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه فأما عند الشيخين فلا وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين لا اتفاق الأمة قال ابن الصلاح لكن يلزم من اتفاقهما اتفاق الأمة عليه لتلقيهم له بالقبول وذكر الشيخ يعني ابن الصلاح أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه قال خلافا لمن نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ قال وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويما ثم بان لي أن الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها وقد قال إمام الحرمين لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في

 

ج / 1 ص -132-     وخالفه المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر
--------
الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق لإجماع علماء المسلمين على صحته قال وإن قال قائل إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها للشك في الحنث فإنه لو حلف بذلك في حديث ليس هذه صفته لم يحنث وإن كان رواته فساقا فالجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا حتى تستحب الرجعة قال المصنف وخالفه المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر قال في شرح مسلم لأن ذلك شأن الآحاد ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما وتلقى الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم قال وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بما قاله الشيخ وبالغ في تغليطه اهـ وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول وقال إن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب رديء وقال البلقيني ما قاله النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح عن جماعة من الشافعية كأبي إسحق وأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحق

 

ج / 1 ص -133-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------
الشيرازي وعن السرخسي من الحنفية والقاضي عبد الوهاب من المالكية وأبي يعلى وأبي الخطاب وابن الزاغواني من الحنابلة وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعرية وأهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صفة التصوف فألحق به ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه وقال شيخ الإسلام ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين أما المحققون فلا فقد وافق ابن الصلاح أيضا محققون وقال في شرح النخبة الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك قال وهو أنواع منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فإنه احتف به قرائن منها جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته قال وما قيل من أنهم إنما اتفقوا على جواب العمل به لا على صحته ممنوع لأنهم اتفقوا على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجاه فلم يبق للصحيحين في هذا مزية والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة قال ويحتمل أن يقال المزية المذكورة كون أحاديثهم أصح الصحيح قال ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل وممن صرح بإفادته العلم الأستاذ

 

ج / 1 ص -134-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
أبو منصور البغدادي قال ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبا كحديث يرويه أحمد مثلا ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك فإنه يفيد العلم عند سماعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته قال وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم فيها إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل وكون غيره لا يحصل له العلم لقصوره عن الأوصاف المذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور اهـ وقال ابن كثير وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه قلت وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه نعم يبقى الكلام في التوفيق بينه وبين ما ذكره أولا من أن المراد بقولهم هذا حديث صحيح أنه وجدت فيه شروط الصحة لا أنه مقطوع به في نفس الأمر فإنه مخالف لما هنا فلينظر في الجمع بينهما فإنه عسر ولم أر من تنبه له
تنبيه:
استثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته فيهما ما تكلم فيه من أحاديثهما فقال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره قال شيخ الإسلام وعدة ذلك مائتان وعشرون حديثا اشتركا في اثنين وثلاثين واختص البخاري بثمانين إلا اثنين ومسلم بمائة فقال المصنف في شرح البخاري ما ضعف من أحاديثهما مبني على علل ليست بقادحة.
وقال شيخ الإسلام: فكأنه مال بهذا إلى أنه ليس فيهما ضعيف وكلامه في شرح مسلم يقتضي تقرير قول من ضعف فكان هذا بالنسبة إلى مقامهما وأنه يدفع عن البخاري ويقرر على مسلم قال العراقي: وقد أفردت كتابا

 

ج / 1 ص -135-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
----------------
لما تكلم فيه في الصحيحين أو أحدهما مع الجواب عنه قال شيخ الإسلام ولم يبيض هذا الكتاب وعدمت مسودته وقد سرد شيخ الإسلام ما في البخاري من الأحاديث المتكلم فيها في مقدمة شرحه وأجاب عنها حديثا حديثا ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفا مخصوصا فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتابا في الرد عليه وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح بعضها أبهم راويه وبعضها فيه إرسال وانقطاع وبعضها فيه وجادة وهي في حكم الانقطاع وبعضها بالمكاتبة وقد ألف الرشيد العطار كتابا في الرد عليه المرسل عنها حديثا حديثا وقد وقفت عليه وسيأتي نقل ما فيه ملخصا مفرقا في المواضع اللائقة به إن شاء الله تعالى ونعجل هنا بجواب شامل لا يختص بحديث دون حديث.
قال شيخ الإسلام: في مقدمة شرح البخاري الجواب من حيث الإجمال عما انتقد عليهما أنه لا ريب في تقدم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والعلل فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول ما رأى مثل نفسه وكان محمد ابن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد ذلك منه الشيخان جميعا

 

ج / 1 ص -136-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------
وقال مسلم: عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته فإذا عرف ذلك وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له غير مؤثرة عندهما فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما ستة أقسام:
الأول: ما يختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع ضعيف والضعيف لا يعل الصحيح ومن أمثلة ذلك ما أخرجاه من طريق الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين قال الدارقطني في انتقاده قد خالف منصور فقال عن مجاهد عن ابن عباس وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس قال وحديث الأعمش أصح.
قال شيخ الإسلام: وهذا في التحقيق ليس بعلة فإن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وقد صح سماعه من ابن عباس ومنصور عندهم أتقن من الأعمش والأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالمزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع

 

ج / 1 ص -137-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------
فيما صححه المصنف فينظر إن كان الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع إن كان مدلسا من طريق أخرى فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهرا فمحصل الجواب أنه إنما أخرج مثل ذلك حيث له سائغ وعاضد وحفته قرينة في الجملة تقويه ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع مثاله ما رواه البخاري من حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون الحديث قال الدارقطني هذا منقطع وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ووصله مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة كذلك.
قال شيخ الإسلام: حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان وقد وقع في رواية الأصيلي عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصولا وعليها اعتمد المزي في الأطراف ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب.
قال أبو علي الجياني: وهو صحيح وكذا أخرجه الإسماعيلي بإسقاطها

 

ج / 1 ص -138-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
من حديث عبدة بن سليمان ومحاضر وحسان بن إبراهيم كلهم عن هشام وهو المحفوظ من حديثه وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها حاكيا للخلاف فيه على عروة كعادته مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بالمستبعد.
قال: وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعى فيها الانقطاع لكونها مروية بالمكاتبة والإجازة وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ ذلك بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحته عنده.
القسم الثاني: ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد المرسل عنه أنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد أو متفاوتين فيخرج الطريقة الراجحة ويعرض عن المرجوحة أو يشير إليها فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف.
الثالث: ما تفرد فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه أو أضبط وهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع وإلا فهي كالحديث المستقل إلا إن وضح بالدليل القوي أنها مدرجة من كلام بعض رواته فهو مؤثر وسيأتي مثاله في المدرج.
الرابع: ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف وليس في الصحيح من هذا القبيل غير حديثين تبين أن كلا منهما قد توبع

 

ج / 1 ص -139-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------------
أحدهما: حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى الحديث بطوله قال الدارقطني إسماعيل ضعيف.
قال شيخ الإسلام: ولم ينفرد به بل تابعه معن بن عيسى عن مالك ثم إن إسماعيل ضعفه النسائي وغيره وقال أحمد وابن معين في رواية لا بأس به وقال أبو حاتم محله الصدق وإن كان مغفلا وقد صح أنه أخرج البخاري أصوله وأذن له أن ينتقي منها وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله وأخرج له مسلم أقل مما أخرج له البخاري.
ثانيهما: حديث أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف قال الدارقطني أبي ضعيف.
قال شيخ الإسلام تابعه عليه أخوه عبد المهيمن.
القسم الخامس: ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم فمنه مالا يؤثر قدحا ومنه ما يؤثر.

 

ج / 1 ص -140-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------
السادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع أو الترجيح انتهى.
فائدة تتعلق بالمتفق عليه:
قال الحاكم: الحديث الصحيح ينقسم عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فالأول من المتفق عليها اختيار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور إلى آخر كلامه السابق وقد تقدم ما فيه.
الثاني: مثل الأول إلا أنه ليس لراويه الصحابي إلا راو واحد مثاله حديث عروة بن مضرس لا راوي له غير الشعبي وذكر أمثلة أخرى ولم يخرجا هذا النوع في الصحيح.
قال شيخ الإسلام: بل فيهما جملة من الأحاديث عن جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد وقد تعرض المصنف لذلك في نوع الوحدان وسيأتي فيه مزيد كلام.
الثالث: مثل الأول إلا أن راويه من التابعين ليس له إلا راو واحد مثل محمد بن جبير وعبد الرحمن بن فروخ وليس في الصحيح من هذه الروايات شيء وكلها صحيحة.
قال شيخ الإسلام في نكته بل فيهما القليل من ذلك كعبد الله بن وديعة وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم وربيعة بن عطاء.

 

ج / 1 ص -141-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------
الرابع: الأحاديث الأفراد الغرائب التي ينفرد بها ثقة من الثقات كحديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم إذا انتصف شعبان تركه مسلم لتفرد العلاء به وقد أخرج بهذه النسخة أحاديث كثيرة.
قال شيخ الإسلام: بل فيهما كثير منه لعله يزيد على مائتي حديث وقد أفردها الحافظ ضياء الدين المقدسي وهي المعروفة بغرائب الصحيح.
الخامس: أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم لم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وإياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده أجدادهم صحابة وأحفادهم ثقات فهذه أيضا يحتج بها مخرجة في كتب الأئمة دون الصحيحين.
قال شيخ الإسلام: ليس المانع من إخراج هذا القسم في الصحيحين كون الرواية وقعت عن الأب عن الجد بل لكون الراوي أو أبيه ليس على شرطهما وإلا ففيهما أو في أحدهما من ذلك رواية علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده ورواية محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده. ورواية أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده.ورواية إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه عن جده ورواية الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن جدهما ورواية حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده وغير ذلك.
قال: وأما الأقسام المختلف فيها فهي: المرسل وأحاديث المدلسين إذا لم

 

ج / 1 ص -142-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------
يذكروا سماعهم وما أسنده ثقة وأرسله ثقات وروايات الثقات غير الحفاظ العارفين وروايات المبتدعة إذا كانوا صادقين.
قال شيخ الإسلام: أما الأول والثاني فكما قال وأما الثالث فقد اعترض عليه العلائي بأن في الصحيحين عدة أحاديث اختلف في وصلها وإرسالها.
قال شيخ الإسلام: ولا يرد عليه لأن كلامه فيما هو أعم من الصحيحين وأما الرابع فقال العلائي هو متفق على قبوله والاحتجاج به إذا وجدت فيه شرائط القبول وليس من المختلف فيه البتة ولا يبلغ الحفاظ العارفون نصف رواة الصحيحين وليس كونه حافظا شرطا وإلا لما احتج بغالب الرواة.
قال شيخ الإسلام: إنما فرض الخلاف فيه بين أكثر أهل الحديث وبين أبي حنيفة ومالك.
قال:وأما الخامس فكما ذكر من الاختلاف فيه لكن في الصحيحين أحاديث عن جماعة من المبتدعة عرف صدقهم واشتهرت معرفتهم بالحديث فلم يطرحوا للبدعة قال وقد بقي عليه من الأقسام المختلف فيها رواية مجهول العدالة وكذا قال المصنف في شرح مسلم وقال أبو علي الحسين بن محمد الجياني فيما حكاه المصنف الناقلون سبع طبقات ثلاث مقبولة وثلاث مردودة والسابعة مختلف فيها فالأولى من المقبولة أئمة الحديث وحفاظهم يقبل تفردهم وهم الحجة على من خالفهم والثانية دونهم في الحفظ والضبط لحقهم بعض وهم والثالثة قوم ثبت صدقهم ومعرفتهم لكن جنحوا إلى مذاهب الأهواء من غير أن يكونوا غلاة ولا دعاة.
فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم وعليهم يدور نقل

 

ج / 1 ص -143-     السادسة: من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد قال الشيخ لا يحكم بصحته لضعف أهلية أهل هذه الأزمان والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته
---------
الحديث والأولى من المردودة من وسم بالكذب ووضع الحديث والثانية من غلب عليه الوهم والغلط والثالثة قوم غلوا في البدعة ودعوا إليها فحرفوا الروايات ليحتجوا بها وأما السابع المختلف فيه فقوم مجهولون انفردوا بروايات فقبلهم قوم وردهم آخرون قال العلائي وهذه الأقسام التي ذكرها ظاهرة لكنها في الرواة: انتهى.
السادسة: من مسائل الصحيح من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد في شيء من المصنفات المشهورة.
قال الشيخ ابن الصلاح: لا يحكم بصحته لضعف أهلية هذه الأزمان قال لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والإتقان: قال في المنهل الروي: مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة لشدة فحصهم واجتهادهم: قال المصنف والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته قال العراقي: وهو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان صاحب كتاب الوهم والإيهام صحح

 

ج / 1 ص -144-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
----------------------
فيه حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أخرجه البزار وحديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة أخرجه قاسم بن أصبغ.
ومنهم الحافظ ضياء الدين محمد بن الواحد المقدسي جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها وصحح الحافظ زكي الدين المنذري حديث بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن

 

ج / 1 ص -145-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة في غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ثم صحح الطبقة التي تلي هذه فصحح الحافظ شرف الدين الدمياطي حديث جابر ماء زمزم لما شرب له.
ثم صحح طبقة بعد هذه فصحح الشيخ تقي الدين السبكي حديث ابن عمر في الزيارة.
قال: ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذلك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذلك منهم وكذا كان المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه.
وقال شيخ الإسلام: قد اعترض على ابن الصلاح كل ما اختصر كلامه وكلهم دفع في صدر كلامه من غير إقامة دليل ولا بيان تعليل ومنهم من احتج بمخالفة أهل عصره ومن بعده له في ذلك كابن القطان والضياء المقدسي والزكي المنذري ومن بعدهم كابن المواق والدمياطي

 

ج / 1 ص -146-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
والمزي ونحوهم وليس بوارد لأنه لا حجة على ابن الصلاح بعمل غيره وإنما يحتج عليه بإبطال دليل أو معارضته بما هو أقوى منه ومنهم من قال لا سلف له في ذلك ولعله بناه على جواز خلو العصر من المجتهد وهذا إذا انضم إلى ما قبله من أنه لا سلف له فيما ادعاه وعمل أهل عصره ومن بعدهم على خلاف ما قال انتهض دليلا للرد عليه.
قال: ثم إن في عبارته مناقشات منها قوله فإنا لا نتجاسر ظاهره أن الأولى ترك التعرض له لما فيه من التعب والمشقة وإن لم ينهض إلى درجة التعذر فلا يحسن قوله بعد تعذر ومنها أنه ذكر مع الضبط الحفظ والإتقان وليست متغايرة ومنها أنه قابل بعدم الحفظ وجود الكتاب فأفهم أنه يعيب من حدث من كتابه ويصوب من حدث عن ظهر قلبه والمعروف من أئمة الحديث خلاف ذلك وحينئذ فإذا كان الراوي عدلا لكن لا يحفظ ما سمعه عن ظهر قلب واعتمد ما في كتابه فحدث منه فقد فعل اللازم له فحديثه على هذه الصورة صحيح. قال: وفي الجملة ما استدل به ابن الصلاح من كون الأسانيد ما منها إلا

 

ج / 1 ص -147-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
وفيه من لم يبلغ درجة الضبط المشترطة في الصحيح إن أراد أن جميع الإسناد كذلك فهو ممنوع لأن من جملته من يكون من رجال الصحيح وقل أن يخلو إسناد عن ذلك وإن أراد بعض الإسناد كذلك فمسلم لكن لا ينهض دليلا على التعذر إلا في جزء ينفرد بروايته من وصف بذلك.
أما الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه كالمسانيد والسنن ما لا يحتاج في صحة نسبتها إلى مؤلفها إلى اعتبار إسناد معين فإن المصنف منهم إذا روى حديثا ووجدت الشرائط فيه مجموعة ولم يطلع المحدث المتقن المطلع فيه على علة لم يمتنع الحكم بصحته ولو لم ينص عليها أحد من المتقدمين، قال: ثم ما اقتضاه كلامه من قبول تصحيح من المتقدمين ورده من المتأخرين قد يستلزم رد ما هو صحيح وقبول ما ليس بصحيح فكم من حديث حكم بصحته إمام متقدم اطلع المتأخر فيه على علة قادحة تمنع من الحكم بصحته ولا سيما إن كان ذلك المتقدم ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن كابن خزيمة وابن حبان ، قال: والعجب منه كيف يدعي تعميم الخلل في جمع الأسانيد المتأخرة ثم يقبل تصحيح المتقدم وذلك التصحيح إنما يتصل للمتأخر بالإسناد الذي يدعي فيه الخلل فإن كان ذلك الخلل مانعا من الحكم بصحة الإسناد فهو مانع من الحكم بقبول ذلك التصحيح وإن كان لا يؤثر في الإسناد في مثل ذلك لشهرة الكتاب كما يرشد إليه كلامه فكذلك لا يؤثر في الإسناد المعين الذي يتصل به رواية ذلك الكتاب إلى مؤلفه وينحصر النظر في مثل أسانيد ذلك المصنف منه فصاعدا لكن قد يقوى ما ذهب إليه ابن الصلاح بوجه آخر وهو ضعف نظر المتأخرين بالنسبة إلى المتقدمين وقيل إن الحامل لابن الصلاح على ذلك، أن المستدرك

 

ج / 1 ص -148-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير وهو مع حرصه على جمع الصحيح غزير الحفظ كثير الاطلاع واسع الرواية فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرائط الصحة لم يخرجه وهذا قد يقبل لكنه لا ينهض دليلا على التعذر قلت والأحوط في مثل ذلك أن يعبر عنه بصحيح الإسناد ولا يطلق التصحيح لاحتمال علة للحديث خفيت عليه وقد رأيت من يعبر خشية من ذلك بقوله صحيح إن شاء الله.
وكثيرا ما يكون الحديث ضعيفا أو واهيا والإسناد صحيح مركب عليه فقد روى ابن عساكر في تاريخه من طريق علي بن فارس ثنا مكي بن بندار ثنا الحسن بن عبد الواحد القزويني ثنا هشام بن عمار ثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا خلق الله الورد الأحمر من عرق جبريل ليلة المعراج وخلق الورد الأبيض من عرقي وخلق الورد الأصفر من عرق البراق قال ابن عساكر هذا حديث موضوع وضعه من لا علم له وركبه على هذا الإسناد الصحيح.
تنبيه:
لم يتعرض المصنف ومن بعده كابن جماعة وغيره ممن اختصر ابن الصلاح،

 

ج / 1 ص -149-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة،
------------------------
والعراقي في الألفية والبلقيني وأصحاب النكت إلا للتصحيح فقط وسكتوا عن التحسين وقد ظهر لي أن يقال فيه إن من جوز التصحيح فالتحسين أولى ومن منع فيحتمل أن يجوزه وقد حسن المزي حديث طلب العلم فريضة مع تصريح الحفاظ بتضعيفه وحسن جماعة كثيرون أحاديث صرح الحفاظ بتضعيفها ثم تأملت كلام ابن الصلاح فرأيته سوى بينه وبين التصحيح حيث قال فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في كتبهم إلى آخره وقد منع فيما سيأتي ووافقه عليه المصنف وغيره أن يجزم بتضعيف الحديث اعتمادا على ضعف إسناده لاحتمال أن يكون له إسناد صحيح غيره فالحاصل أن ابن الصلاح سد باب التصحيح والتحسين والتضعيف على أهل هذه الأزمان لضعف أهليتهم وإن لم يوافق على الأول ولا شك أن الحكم بالوضع أولى بالمنع قطعا إلا حيث لا يخفى كالأحاديث الطوال الركيكة التي وضعها القصاص أو ما فيه مخالفة للعقل أو الإجماع.
وأما الحكم للحديث بالتواتر أو الشهرة فلا يمتنع إذا وجدت الطرق المعتبرة في ذلك وينبغي التوقف عن الحكم بالفردية والغرابة وعن العزة أكثر ومن أراد العمل أو الاحتجاج بحديث من كتاب من الكتب المعتمدة.
قال: ابن الصلاح حيث ساغ له ذلك فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة.

 

ج / 1 ص -150-     فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه
---------------
قال ابن الصلاح ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول وفهم جماعة من هذا الكلام الاشتراط وليس فيه ما يصرح بذلك ولا يقتضيه مع تصريح ابن الصلاح باستحباب ذلك في قسم الحسن حيث قال في الترمذي فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول فأشار بينبغي إلى الاستحباب ولذلك قال المصنف زيادة عليه فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه ولم يورد ذلك مورد الاعتراض كما صنع في مسألة التصحيح قبله وفي مسألة القطع بما في الصحيحين وصرح أيضا في شرح مسلم بأن كلام ابن الصلاح محمول على الاستظهار والاستحباب دون الوجوب وكذا في المنهل الروي
خاتمة:
زاد العراقي في ألفيته هنا لأجل قول ابن الصلاح حيث ساغ له ذلك أن الحافظ أبا بكر محمد بن خير بن عمر الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي خال أبي القاسم السهيلي قال في برنامجه اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول

 

ج / 1 ص -151-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لحديث من كذب على اهـ
ولم يتعقبه العراقي وقد تعقبه الزركشي في جزء له فقال فيما قرأته بخطه نقل الإجماع عجيب وإنما حكى ذلك عن بعض المحدثين ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز فقال في الأوسط ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صح عنده النسخة جاز العمل بها وإن لم يسمع وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شامل لكتب الحديث والفقه.
وقال الكيا الطبري في تعليقه: من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه وهذا غلط وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين وقال هم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث.

 

ج / 1 ص -152-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد ابن عبد الحميد وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد والإسناد إليها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ولو لا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلا عن قوم كفار ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار لبعد التدليس اهـ.
قال: وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها فمن قال إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ويتكلم على علته وغريبه وفقهه. قال: وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة قال بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه فليت شعري أي إجماع بعد ذلك قال واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب.