توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار

مسألة:35 [في بيان التدليس]
"التدليس" قال الحافظ ابن حجر إنه مشتق من الدلس وهو الظلام قاله ابن السيد وكأنه أظلم أمره على الناظر لتغطيته وجه الصواب وقال البقاعي إنه مأخوذ من الدلس بالتحريك وهو اختلاط الظلام الذي هو سبب لتغطية الأشياء عن البصر ومنه التدليس في البيع يقال دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذيي في متاعه كأنه أظلم عليه الأمر.
"قال في الجوهرة قد تعورف عنه العييب معناه الأصلي وهو أن يروى" الراوي "عن شيخ شيخه موهما أنه سمعه منه".
زاد النصف في العواصم من غير أن يكذب فيقول حديثي فلان "والذي عليه علماء الزيدية أن المدلس مقبول لأن التدليس ضرب من الإرسال وقد تقدم دليل قبول المراسل ولا كلام أنه ينطبق دليل قبول المراسيل" على قبول المدلس وقل من سلم من التدليس وقد روى أن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أحاديث يسيرة قال بعضهم أربعة أحاديث وبقية أحاديثه سمعها عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وهو لا يكاد يذكر من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره المصنف في العواصم "هكذا ذكره الإمام المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة وهو قول عامة الزيدية والمعتزلة فيما أعلم قلت: وهو" أي الحديث المدلس "أولى بالقبول من المرسل لأنه إذا كان في الإسناد من لا يقبل فالحديث مردود" لوجود من لا يقبل في روايته "وإن كان عن ثقات عنده" عند المدلس لا عند غيره "فقد أوهم المدلس أنه صحيح" لطيه ذكر شيخه مثلا "وقصد إبهام ذلك" إذ لولا القصد لما دلس.

(1/315)


"بخلاف المرسل فهو وإن أوهم الصحة فلم تظهر منه قرينة تدل على أنه قصد الإيهام لكنه يحتمل صحته عنده فإن كان يعرف شرطه في الصحة" أي شرط المدلس للصحة "قبل أيضا" أي حديث المدلس كما يقبل المرسل "على مقتضى قواعد المحدثين المتأخرين كما مر في المرسل وإن لم يعرف" شرطه في الصحة "كان" الحديث المدلس "كالمرسل وإن جاء بعن لأنه" قد "قصد إيهام الصحة".
وحاصله أن المدلس أوهم الصحة وأتى بقرينة دالة على قصدها بخلاف المرسل فإنه أوهم الصحة ولم يقم قرينة تدل على قصدها فكان قبول المدلس أولى من قبيل المرسل وفي كلامه نظر.
"ولا يكفي في جرح المدلس" أي في جرحنا بالتدليس لمن عرف به "أنه دلس حديث" راو "ضعيف" بغير الكذب بإسقاطه "أو" راو "كذاب حتى يعرف أن الكذاب" الذي أسقطه من السند "متعمد" للكذب "لا مخطئ" بأن يكون واهما "و" حتى يعرف "أن المدلس قد عرف عتمده الكذب في الحديث و" حتى "يكون ما دلسه" من الحديث "في الحلال والحرام" قلت: أو المندوب أو المكروه إذ الكل أحكام شرعية وإنما اشتهر عن المحدثين أه يقبل الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب فكأنه لذلك قيده المصنف "و" حتى "لا يكون يرويه من غير تلك الطريق هذه أربعة شروط" ثلاثة وجودية وشرط عدمي "يعز وجود واحد منها ولا يغرنك قول المحدثين فلان كذاب فقد يطلقون ذلك على من يكذب مخطئا لا متعمدا لأن الحقيقة اللغوية" لمسمي الكذب تقتضي أنه كذاب إذ الكذب لغة الأخبار بخلاف الواقع ولا يشترط فيه العمدية نعم العمدية شرط في الإثم على أنه لا يخفى أن الأصل في إطلاق المحدثين للكذب فيمن يصفونه به هو الكذب حقيقة الصادر عن عمد يعرف ذلك من تصرفاتهم وإذا كان هو الأصل فلا بد من قرينة على أنهم أرادوا به الوهم كما أفاده قوله "ولهذا وصفوا بذلك خلفا من أهل الصدق إذا وهموا" فأن القرينة كونهم وصفوا بذلك من يعرف بالصدق.
"والصواب أنه لا يسمى من وهم كذابا لأن العرف في الكذاب أنه المتعمد كما قاله الجاحظ" فإنه يقول الكذب عدم المطابقة مع الاعتماد كما عرف في الأصول وعلم البيان من حقيقة مذهبه وقد رد أئمة الأصول والبيان ما ذهب إليه وأن التعمد أمر قلبي لا يطلع عليه فالأصل هو العمد.

(1/316)


"ولهذا" أي لأجل أن الكذب في عرف اللغة إنما هو للمتعمد "قالت عائشة في ابن عمر ما كذب ولكنه وهم وهو" أي اللفظ الذي قالته عائشة "ثابت في الصحيح وهي من أهل اللسان" فإنه أخرج مسلم بألفاظ كثيرة من طرق عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها قلت: ولا يخفى أن عائشة رضي الله عنها لم تطلق الكذب على الوهم ولا الكذاب على الواهم الذي بحث المصنف فيه فما في كلامها حجة له فإنها نفت الكذب عن ابن عمر رضي الله عنهما وأثبتت له الوهم مع أنه قال المصنف إن الحقيقة اللغوية إطلاق الكذب على المخطيء غير المتعمد وابن عمر هنا عند عائشة مخط ونفت عنه الكذب وهي كما قال من أهل اللسان أي اللغة قبل هذا العرف الذي خصصه بالمتعمد فتأمل.
"فلمثل هذا لم يجرح أئمتنا من دلس على الإطلاق ولم يستثنوا من دلس عمن تكلم فيه لأنه لا يكون مجروحا إلا بتلك الشروط".
قلت: لا خفاء أن من قال فيه الأئمة إنه كذاب فالأصل في الإطلاق الحقيقة العرفية وقدم المصنف أنها الكذب عن عمد فأقل أحوال من قيل فيه ذلك الوقوف عن قبول روايته ورواية من دلس عنه وإلا كان قبولا مع الريبة وعملا مع الشك.
"وقد نهى" مبني للمعلوم سفيان "الثوري عن الرواية عن محمد بن السائب الكلبي" هو أبو نصر الكوفي المفسر الأخباري روى عن الشعبي وجماعة قال الذهبي في الميزان قال الكلبي حفظت ما لم يحفظه أحد حفظت القرآن في ستة أو سبعة أيام ونسيت ما لم ينسه أحد فبضت على لحيتي لأخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة وذكر له أحاديث وذكر من يرتضي روايته ثم ذكر عن ابن معين أن الكلبي ليس ثقة وعن الجوزجاني وغيره وقال الدارقطني متروك وقال ابن حبان مذهبه في الدين ووضوح الكذب أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه "فقيل له" لسفيان الثوري بعد نهيه عن الرواية عنه "فلم تروى عنه قال لأني أعرف صجقه من كذبه قلت" في بيان معرفته لصدقه من كذبه "مثل أن يتذكر بروايته أو بما في كتابه ما كان حافظا له أو يرى معه خط ثقة يعرفه مع قرائن ضرورية".

(1/317)


"وقال زين الدين: التدليس على ثلاثة أقسام" قال عليه البقاعي إن أراد أصل التدليس فليس إلا ما ذكر ابن الصلاح من كونهما اثنين باعتبار إسقاط الراوي أو ذكره وتعمية وصفه وإن أراد الأنواع فهي أكثر من ثلاثة بما يأتي من تدليس القطع وتدليس الضعف قال زين الدين: مشيرا إليه "ذكر ابن الصلاح منها قسمين:
القسم الأول: تدليس الإسناد وهو أن يسقط" الراوي المدلس "شيخه ويروي عن شيخ شيخه" يعني بالنسبة إلى هذا الحديث المدلس بعينه وإلا فشرط هذا الذي سماه شيخ شيخه أن يكون شيخه نفسه حتى تحصل الإيهام فالأحسن في العبارة أن يقال تدليس الإسناد أن يسند عمن لقيه ما لم يسمع منه بلفظ موهم أفاده البقاعي قلت: وهو رسم قد اشتمل على الشرطين اللذين ذكرهما المصنف لولا أنه أتى بالقاء عوضا عن المعاصرة وذلك يجري على رأي من يشترطه ولا يكتفي بها وقد أفاد كونه شيخا للمدلس قول المصنف إيهام أنه سمع فإنه إذا كان شيخا له وقع الإيهام وإلا فلا.
"وله" أي لتدليس الإسناد "شرطان أحدهما أن يأتي بلفظ محتمل غير كذب مثل عن فلان ونحوه وثانيهما أن يكون عاصره لأن شرط التدليس إيهام أنه سمع منه" ولا يتم إلا بالمعاصرة واللقاء عند شرطه "وإذا لم يعاصره زال التدليس" وصار كذابا أو مرسلا محضا "هذا هو الصحيح المشهور وروى ابن عبد البر" في التمهيد "عن بعضهم أنهلا يشترط ذلك" قال فجعل التدليس أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع وإلا لكان كذبا.
"قال ابن عبد البر فعلى هذا ما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره ومثله" أي مثل التدليس في حكمه وذكره الشيخ وحذف الآلة أيضا من التدليس في الرواية "أن يسقط" أي الراوي "أداة الرواية" من حدثنا ونحوه "ويسمى الشيخ فقط فيقول فلان" فيكون فاعلا لفعل محذوف لا قرينة على تعيينه أو مبتدأ لا قرينة على تعيين خبره وهل هو قال أو حدث أو نحوه.
"وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا قال علي بن خشرم" بمعجمتين بزنة جعفر ثقة "كنا عند ابن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عم معمر عن الزهري" فيقدر في مثل هذا قال الزهري "وقد مثل ابن الصلاح القسم الأول بهذا المثال" فدل على أنه أراد بقوله شيخه مثلا فيشمل

(1/318)


شيخ شيخه كما في المثال.
"ثم حكى" ابن الصلاح "الخلاف فيمن عرف بهذا هل يرد حديثه مطلقا أو ما لم يصرح فيه بالاتصال وفيه أقوال" ثلاثة:
"أحدها: أنه يرد مطلقا وإن صرح بالسماع لأنه مجروح حكاه ابن الصلاح عن فريق من أهل الحديث والفقهاء" وحكاه عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح ومن ثبت أنه يدلس لا يقبل حديثه مطلقا قال وهو الظاهر على أصول مالك.
"و" ثانيها: "قيل: إن صرح بالسماع قبل" كقوله سمعت وحدثنا وأنبأنا قيل "وهو الصحيح وإن لم يصرح به فعن النووي لا يقبل اتفاقا قال الزين" وقد حكاه البيهقي في المدخل عن الشافعي وسائر أهل العلم بالحديث وحكاية الاتفاق هنا غلط "وهو محمول على اتفاق من لا يقبل المرسل" انتهى.
فقول المصنف قال زين الدين: وهو محمول على اتفاق لا يقبل المرسل هو أحد الاحتمالين في كلام الزين ثم "قال الزين واعلم أن ابن عبد البر قد حكى عن أئمة الحديث" كأن المراد بهم غير الفريق الذين ردوه مطلقا "أنهم قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريح ومعمر ونظرائهما وهذا ما رجحه ابن حبان وقال هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن" ولذا قيل أما الإمام ابن عيينة فقد اغتفروا تدليسه من غير رد "ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل بقية" بالموحدة والقاف وتحتية وهكذا في شرح الزين على الألفية وهو بقية بن الوليد ولست أدري ما مراد ابن حبان إن كان هذا لفظه هل هو مثال للثقة المدلس عنه كما هو ظاهر السياق بل لا يحتمل سواه فإن كان كذلك فبقية هو بن الوليد أبو محمد الحميري الحافظ أحد الأعلام قال ابن المبارك صدوق لكن يكتب عمن أقبل وأدبر وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال بعضهم كان مدلسا فإذا قال عن فليس بحجة وقال ابن حبان سمع عن مالك وشعبة أحاديث مستقيمة ثم سمع عن أقوام كاذبين عن شعبة ومالك فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت: هذا كلام أبي حاتم وأبن حبان فيه فكيف يتم هاهنا مثالا للثقة والحجة وقال أبو مسهر أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية وأطال الذهبي في ترجمته بمثل هذا فكيف يجعل مثالا للثقة والعجب من الزين نقل كلام ابن حبان

(1/319)


ولم يبين مراده وتبعه المصنف وظني والله أعلم أن في كلام ابن حبان سقطا وأن أصل عبارته وليسس مثل بقية أي ليس سفيان مثل بقية يدلس عن الكذابين والله أعلم.
"ثم مثل ذلك" أي شبه ابن حبان تدليس ابن عيينة "بمراسيل كبار الصحابة فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي" كما قد عرفت أن هذا هو الأغلب في مراسيلهم "ونص أبو بكر البزار والحافظ أبو الفتح الأزدي وأبو بكر الصيرفي من الشافعية على قبول من عرف بالتدليس عن الثقات قال زين الدين: بعد حكاية قول من رد المدلس مطلقا" دلس عن ثقة أو عن غير ثقة.
"والصحيح كما قال ابن الصلاح: التفصيل فإن صرح بالسماع قبل" يريد لو أنه قال مثلا في مجلس حدثني زيد وقد قال عمرو وفي مجلس آخر قال في ذلك بعينه عن عمرو فقد دلسه في هذا المجلس لكن تصريحه بسماعه عن شيخه وروايته عنه بالسماع دلت على أنه إنما رواه باختصار فدلسه ولا يضره تدليسه "وإن لم يصرح بالسماع فحكمه حكم المرسل قال الزين وإلى هذا ذهب الأكثرون وممن رواه عن جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول شيخنا أبو سعيد العلائي في كتاب المراسيل وهو قول عن الشافعي وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم قال الخطيب جمهور من يحتج بالمرسل يقبل التدليس" لما تقدم من استدلال المصنف من أنه أولى بالقبول.
"قال الزين ومنهم من لا يقبل المدلس إذا روى بالعنعنة" لأن شرط المرسل أن يروي بصيغة الجزم والعنعنة ليست بصيغة جزم وإنما نحكم لها بالاتصال إذا صدرت عن غير المدلس.
"قلت: وهو قياس قول أئمتنا وعلمائنا لأنهم مثلوا المرسل بقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجد فيهم" أي في أئمة الزيدية وعلمائهم "من ذكر العنعنة من المرسل ويحتمل أن يقبلوا المدلس بعن وإن لم يقبلوا ذلك من المرسل لأن المدلس قد ظهر منه قصد إيهام الصحة" من جهتين كما قاله المصنف قريبا "بخلاف المرسل فإنه إن أوهم لم يظهر منه قصد الإيهام كما تقدم وظاهر إطلاقهم" أي الأئمة من علماء المذهب "في قبوله يعم العنعنة والله أعلم".
"إذا عرفت هذا القسم الأول" وهو تدليس الإسناد "فاعلم أن في رواة الصحيحين

(1/320)


جماعة من المشاهير بالتدليس كالأعمش" وهو سليمان بن مهران الكوفي أحد الأعلام معدود في صغار التابعين ما نقموا منه إلا التدليس كما في الميزان فالأعمش عدل صادق ثبت صاحب سنة ولكنه يحسن الظن بمن حدثه ويروى عنه ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذيي يدلسه فإن هذا حرام قال الذهبي ربما دلس عن ضعيف فلا يدري فمتى قال حدثنا فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فروايته عنهم تحمل على الاتصال.
"وهشيم بن بشير" السلمي أبو معاوية الواسطي الحافظ أحد الأعلام سمع الزهري وعمرو بن دينار أيام الحج وكان مدلسا وهو لين في الزهري وقال الجوزجاني هشيم ما شئت من رجل غير أنه كان يروى عن قوم لم يلقهم عبد الرزاق عن ابن المبارك قلت: لهشيم لم تدلس وأنت كثير الحديث قال إن كثيرين قد دلسوا منهم الأعمش وسفيان.
"وقتادة" هو ابن دعامة الدوسي حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس ورمى بالقدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أرباب الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا.
"والثوري" هو سفيان بن سعيد الثوري في الميزان الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء لكن له نقدا وذوقا ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين.
"وابن عيينة" هو سفيان بن عيينة الهلالي في الميزان أحد الثقات الأعلام أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود منه أن لا يدلس إلا عن ثقة.
"والحسن البصري" في الميزان ثقة لكنه يدلس عن أبي هريرة فإذا قال حدثنا فهو حجة بلا نزاع.
"وعبد الرزاق" بن همام الصنعني في الميزان أحد الأعلام الثقات وساق من كلام الناس فيه ولم يذكره بالتدليس إلا أنه ساق من رواياته ما يدل على تدليسه.
"والوليد بن مسلم" هو أبو العباس الدمشقي مولى بني أمية في الميزان أحد الأعلام وعالم أهل الشام ثم قال أبو مسهر الوليد مدلس وربما دلس عن الكذابين ثم قال قلت: إذا قال الوليد عن ابن جريج أو عن الأوزاعي فليس يعتمد

(1/321)


لأنه يدلس عن الكذابين وإذا قال حدثنا فهو حجة.
قلت: يقال عليه إن كان يعلم أن من دلس عنه كذاب أي من أسقطه وانتقل إلى شيخه الصدوق فهذا خيانة منه فلا يقبل إذا قال حدثني فضلا عن أن يكون حجة وإن كان لا يعلم أن من أسقطه كذاب وإنما علمه غيره فلا تحل بروايته تدليسه.
"وغيرهم ولكن قال النووي إن ما فيهما" أي في الصحيحين "وفي غيرهما من الكتب الصحيحة" التي التزم مصنفوها الصحة "من المدلسين بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى".
قلت: قال الإمام صدر الدين بن المرجل في كتاب الإنصاف في النفس من هذا الاستثناء غصة لأنها دعوى لا دليل عليها لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها وكذلك استشكل ذلك قبله المحقق ابن دقيق العيد فقال لا بد من الثبوت على طريقة واحدة إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما توجه به أحد أمرين إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها قال وهذا إحلة على جعاله وإثبات أمر مجرد الاحتمال وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الصحيحين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على هذا الخطأ وهو ممتنع قال لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه قال وهذا فيه عسر قال ويلزم على هذا ألا يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا نقول هذا على شرط مسلم مثلا لأن الإجماع المدعي ليس موجودا في الخارج انتهى.
قلت: على أنا قد قدمنا لك ما في الجماع من نظر هذا وفي الأسئلة الإمام تقي الدين السبكى للحافظ أبى الحجاج المزى وسألت عما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول إنهما اطلعا على اتصالها قال كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما يوجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط وأما ما

(1/322)


كان في المتابعات فيحتمل التسامح في تخريجها كغيرها.
ويأتي للمصنف وجه حمل روايات الشيخين على ما ذكر ثم إذا عرفت ما نقلناه عرفت ما في كلام الزين الماضي وما في كلام المصنف الآى من قوله "وقال الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبي في كتاب القدح المعلى قال أكثر العلماء إن المعنعنات التي هي في الصحيحين منزلة منزلة السماع" يقال هذه دعوى فأين دليلها "قلت: ويحتمل أنهما" أي الشيخين "لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه" كما ادعاه لهما النووي "لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدل على صحته مما لو ذكراه لطال" قلت: وعلى هذا يكون الصحيح الذي فيهما من هذا النوع صحيحا لغيره "فاختارا" أي الشيخان "إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه ولم يكن في التابعين الثقات الذي تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلا وشهرة مثل أن يكون مدلس الحديث سفيان الثوري والحسن البصري أو نحوهما ويتابعه على روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه" بالسماع "من هو دونه من أهل الصدق ممن" هو ليس بمدلس.
حاصل هذا الوجه أن الشيخين رويا عن المدلس ما هو ثابت عندهما من طريق غيره بالسماع إلا أنهما آثرا الإتيان برواية المدلس لجلالته وأمانته وإن كان الأتيان منهما بالأدنى دون الأعلى في الرواية ثم هذه دعوى لهما كدعوى النووي وصاحب القدح المعلي وفيهما ما سلف من الإشكال.
والمصنف قد أراد الجواب عنه بقوله "فأن قلت: فلم حملوا" أي أئمة الحديث "صاحبي الصحيح ونحوهما من أئمة الحديث على ذلك" أي مع أنه لا دليل عليه "قلت: لأنه إذا ثبت عن الثقة البصير بالفن الفارس فيه" كالشيخين "أنه لا يقبل المدلس بعن وأن التدليس عنده مذموم ثم رأيناه يروى أحاديث على هذه الصفة" أي مدلسة بعن "ويحكم صحتها كان نصه على عدم قبولها" الذي فرضناه "يدل على أنه قد عرف اتصالها من غير تلك الطريق" فهذا حكم لأئمة الصحيح بأن مارووه عن المدلسين فانه صحيح ومستند هذا الحكم إحسان الظن بهم لما عرف من قاعدتهم.
قلت: إلا أنه قد يقال يلزم من هذا أن ما وجدناه ضعيفا من الرواة في كتاب الشيخين ونحوهما أن نحكم له بالصحة لما علم من أنهما قد التزما الصحة وقد عرفت أنه انتقد عليهما جماعة رويا عنهم وأقر الحافظ ذلك الانتقاد "بخلاف من لم

(1/323)


يعرف مذهبه في المدلسين" فإنا لا نحكم له بهذا الحكم فيما دلسه "وهذا الكلام ينزل منزلتين:
إحداهما: أن يكون البخاري ومسلم ونحوهما ممن صحح حديث المدلسين قد نص على أن عنعنة المدلس غير صحيحة وأن يكون قد نص على أن ذلك المدلس مدلس عنده إذ من الجائز أنه لم يعرف أنه مدلس وقبل عنعنته بناء على عدالته".
فقد عرفت من مجموع ما سلف من كلام المصنف وكلامنا أن بين الشيخين في الحديث المعنعن خلافا فالبخاري يشترط اللقاء بين الراوي ومن عنعن عنه ومسلم يكتفي بإمكانه وكل من الشيخين يرى المعنعن الذي على شرطه متصلا وحينئذ فما رواه كل واحد منهما بالعنعنة في كتابه فهو متصل على أصله وحجة يجب العمل بها عنده وأما عنعنة المدلس فهي نوع من مطلقها وليس لهما كلام خاص فيها وكأنه لذلك تردد المصنف في ذلك وفي قوله بناء على عدالته تأمل لأنهم لم يجعلوا التدليس قادحا في الراوي كما عرفت.
"وفي هذه المنزلة يقوى حمل أئمة الحديث على ذلك" أي على أنهم قد عرفوا اتصال ما رووه عن المدلسين من غير تلك الطريق "قوة" مصدر تأكيدي بعد وصفه بقوله تطمئن إلخ صار نوعيا "تطمئن بها النفس" إلا أنه من البعيد أن يجهل الشيخان مثلا المدلسين من الرواة غاية البعد.
"المنزلة الثانية أن لا يثبت نصهم على شيء من ذلك" أي لا على أن عنعنة المدلس غير صحيحة ولا على أن ذلك المدلس مدلس "أو يثبت" نصهم "على بعض ذلك" كعدم صحة حديث المدلس "دون بعض ولكن يغلب على الظن" أي ظن الناظر المجهتد "مع شهرة أولئك بالتدليس ومع معرفة أئمة الحديث لأحوال الرجال" يغلب في الظن "أنهم يعرفون تدليسهم ويغلب أيضا على الظن أنهم لا يقبلون عنعنة المدلسين" والأمارة التي تثير هذا الظن هي قوله "لأن حفاظ الحديث" ونقلة مذاهب أئمته في الرواة "ما نقلوا ذلك" أي قبول عنعنة المدلسين "عنهم" عن رأي أئمتهم "والعادة" المعزوفة لنقلة الحديث ومذاهب أئمته تقضي "بنقل مثله عن مثلهم فهذه المنزلة دون تلك في القوة بكثير" أي في الدلالة على أن أئمة الصحيح قد عرفوا اتصال ما رووه بالعنعنة عن المدلسين من غير تلك الطريق.
"ومن ظن صحتها وترجحت له" بظن اتصالها "كان له أن يعمل بها" أي وجوبا كما

(1/324)


يأتي "ومن لم يحصل له ظن فله أن لا يعمل بها" إذ مدار العمل على العلم أو الظن والأول قد تعذر فلم يبق إلا الظن إلا أن كلامه ظاهر في عدم وجوب العمل بها عند حصول الظن والظاهر أنه يجب إذا لم يجد غيرها وقوله فله أن لا يعمل بها بل الظاهر أنه يحرم عليه العمل لأنه لا يكون إلا عن علم أو ظن والفرض عدمهما فكان الأولى أن يقول فعليه أن لا يعمل بها.
"ويختلف الناس فيها" أي في المنزلة الثانية "على حسب اطلاعهم على أحوال هؤلاء في كتب تواريخ الرجال" ويحصل بذلك ظن الصحة أو عدمه.
"لكن ليس لنا أن نحكم بتعذر المنزلة الأولى" ولا بثبوتها "إلا بعد البحث التام من أهل المعرفة التامة" عن النصين اللذين ذكرهما المصنف "والله أعلم" وذلك لأن الحكم على الأمور والنقلية إثباتا ونفيا لا يتم إلا بعد كمال الإستقراء لكتب تاريخ الرجال وكذلك المنزلة الثانية ليس لنا أن نحكم بتعذرها أو عدمه إلا بعد البحث التام أيضا فإنهما من الأمور النقلية أيضا.
"فهذا الوجه" الذي "ذكروه" أي أئمة هذا الشأن في العذر عن رواية الشيخين عن المدلسين وهو ما نقله عن النووي وعن صاحب القدح المعلي وقد ذكر أيضا المصنف وجها من العذر لنفسه حيث قال قلت: ويحتمل إلى آخره ثم قال:
"وعندي وجه آخر" أي في العذر عنهم في ذلك وسماه آخر إما بالنسبة إلى الوجه الذي تقدم له وهو غير هذا الوجه فإن الذي تقدم له هو احتمال أن الشيخين عرفا لما روياه عنه من الحديث المدلس توابع إلى آخر كلامه أو بالنسبة إلى ما اعتذر به غير أو بالنسبة إلى عذره السابق وعذر غيره "وهو أن التدليس الصادر عن الثقات الرفعا مثل تدليس سفيان الثوري والحسن البصري ونحوهما نوع من الضعف" في الرواية "والقريب المختلف في قبوله فهو مما ينجبر بالمتابعات" والشواهد حتى يصبر بهما صحيحا لغيره "وقد عرفنا من طريق مشيخة الحديث أن الضعف القريب إذا انجبر بكثرة المتابعات ارتقى من الضعف إلى القوة" حتى يصير صحيحا لغيره.
"قال النووي وهذا" أي انجبار الضعيف بكثرة المتابعات "مشهور عنهم وروى النووي عن مسلم تنصيصا" أي نص عليه مسلم "أنه يروى الحديث بالإسناد الضعيف لعلوه ويترك الإسناد الصحيح النازل" لذلك الحديث الذي رواه بالإسناد الضعيف "لشهرته عند أهل هذا الشأن فيحصل للإسناد الضعيف بشهرة الإسناد الصحيح جابر

(1/325)


متابع وشاهد للإسناد الضعيف الذي رواه به" وهذا نص من مسلم أن في صحيحه رواية عن الضعفاء.
"قلت: وليس بالإسناد الضعيف بمعنى المردود وإنما هو المشتمل على رجال من أهل العدالة والصدق لكن من حفظهم ضعف لم يبلغ إلى مرتبة الرد كما بينته فيما تقدم" وقد لا يكون قلت: فلا وجه للحصر بأنما في قوله وإنما هو إلى آخره "فافهم عرف القوم وهذا الوجه يزداد قوة إذا ثبت معرفة المصحح لأولئك المدلسين كما تقدم" فإنه لا يصحح عن حديثهم إلا ما ثبت عنده اتصاله من طريق آخري.
إذا عرفت هذا فقد استفيد من مجموع ما تقدم أن في الصحيحين أحاديث هي في نفسها ضعيفة لكنها منجبرات بمتابعات وشواهد ونحوها وإذا تذكرت ما تقدم لهم من صحة ما في الصحيحين إلا ما انتقد عليهما علمت أنها صحة للذات أو للغير.
واعلم أن في قول المصنف الرفعاء إشارة إلى أن في المدلسين في رواة الصحيحين أقواما ليسوا من الرفعاء.
وقد قال الحافظ ابن حجر المدلسون الذين خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك بل هم على مراتب:
الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع والغالب أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن ويكون التحقيق بخلافه ثم عد جماعة وجعلهم ثلاث طبقات وسرد أسماءهم من دون بيان أحوالهم فاتبعنا كل اسم بيان حاله تكميلا للإفادة كما ستمر بك.
ثم قال فمن هذا أيوب السختياني قلت: قال النووي في تهذيبهم الثقات هو إمام التابعين أبو بكر بن أبي تميم السختياني بكسر التاء قال ابن عبد البر وغيره كان يبيع السختياني بالبصرة وأي أنس بن مالك رضي الله عنه اتفقوا على جلالته وأمانته وحفظه وتوثيقه ووفور علمه وفقهه وسيادته وأطال الثناء عليه ولم يذكره بتدليس.
قال وجرير بن حازم قلت: بالحاء المهملة وبعد الألف زاي هو الأزدي البصري أحد الأئمة الكبار الثقات.
قال الذهبي قال يحيى القطان كان جرير يقول في حديث الضبع عن جابر عن عمر ثم جعل بعد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن

(1/326)


الضبع فقال هي من الصيد انتهى1 فأفاد أنه دلس هذا ولم يصفه بالتدليس لأنه في روايته الأخرى صرح عن جابر عن عمر فلا تدليس.
قال والحسين بن واقد قلت: أخرج له مسلم والأربعة وثقة ابن معين ويغره واستنكر له أحمد بعض حديثه وحرك رأسه كأنه لم يره.
قال وحفص بن غياث قلت: أخرج له الستة قال الذهبي أحد الأئمة الثقات وثقة ابن معين والعجلي وقال أبو زرعة ساء حفظه بعد ما استقضى فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح.
قال وسليمان التيمي قلت: هو ابن طرخان أبو المعتمر البصري نزل في التيمم فنسب إليهم ثقة عالم أخرج له الستة.
قال وطاووس قلت: ابن كيسان اليماني يقال اسمه ذكوان وطاووس لقبه ثقة فقيه أخرج له الستة.
قال وأبو قلابة قلت: بكسر القاف آخر موحدة وبعدها تاء تأنيث هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة فاضل الإرسال أخرج له الستة.
قال وعبد ربه بن نافع قلت: هو ابن شهاب الكناني الحناط الحاء المهملة فنون صدوق يهم أخرجوا له ما عدا الترمذي.
قال والفضل بن ذكين قلت: بالمهملة مضمومة بزنة التصغير أبو نعيم وهو الكوفي ثقة أخرج له الستة.
قال وموسى بن عقبة بن أبي عياش قلت: بمثناة تحتية فمعجمة آخره هو الأسدي مولى آل الزبير فقيه ثقة إمام في المغازي لم يصح أن ابن معين لمينه أخرج له الستة.
قال وعبد الله بن وهب قلت: هو ابن مسلم القرشي فقيه ثقة حافظ عابد أخرج له الستة.
قال وهشام بن عروة قلت: أي ابن الزبير بن العوام ثقة فقيه ربما دلس أخرج له الستة.
قال ويحيى بن سعيد قلت: هو الأنصاري المدني القاضي ثقة ثبت.
__________
1 أبو داود 3801. والترمذي 1792, والنسائي 7/200, والدارمي 1941.

(1/327)


فهؤلاء الرفعاء من المدلسين في الصحيحين ممن لم يوصف بالتدليس إلا نادرا وغالب رواياتهم على السماع.
الثانية: من أكثر الأئمة من أخراج حديثه إما لأمانته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كان لا يدلس إلا عن ثقة.
فمن هذا الضرب إبراهيم بن زيد النخعي قلت: هو الفقيه الثقة يرسل كثيرا أخرج له الستة.
قال وإسماعيل بن أبي خالد هو الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت أخرج له الستة.
قال: وبشير بن المهاجر هو الغنوي بالغين المعجمة والنون صدوق لين الحديث رمى بالأرجاء أخرج له الستة إلا البخاري.
قال: والحسن بن ذكران قلت: بالمعجمة هو أبو سلمة البصري صدوق يخطئ ورمة بالقدر كان يدلس.
قال: والحسن البصري قدمنا بيان حاله.
قال: والحكم بن عتيبة قلت: بالعين المهملة فمثناه فوقيه فمثناه تحتية فموحدة مصغر أبو محمد الكندي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس أخرج له الستة.
قال: وحماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس أخرجوا له.
قال وزكرياء بن أبي زائدة قلت: هو أبو يحيى الكوفي ثقة كان يدلس أخرجوا له.
قال: وسالم بن أبي الجعد قلت: هو الغطفاني الأشجعي مولاهم كوفي ثقة كان يرسل كثيرا.
قال: وسعيد بن أبي عروبة قلت: أي ابن مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة.
قال: وسفيان الثوري قلت: قدمنا بيان حاله وسفيان بن عيينة كذلك أيضا.
وشريك القاضي هو ابن عبد الله النخعي القاضي بواسطة أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه بعد ولي القضاء بالكوفة وكان عالما فاضلا عابدا.

(1/328)


وعبد الله بن عطاء المكي صدوق ويخطئ ويدلس.
قال: وعكرمة بن خالد المخزومي ثقة.
قال: ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير خازم بالخاء والزاي المعجمتين ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره.
قال: ومخرمة بن بكير قلت: ابن أبي عبد الله بن الأشج المدني صدوق وروايته عن أبيه وجادة من كتابه.
ويونس بن عبيد بن أبي دينار العبدي أبو عبيد البصري ثقة ثبت فاضل ورع. انتهى.
وصف من ذكره ابن حجر في النكت مسرودا وأوصافهم نقلناها من كتابه التقريب.
ثم قال في النكت.
الثالثة من أكثروا التدليس وعرفوا به وهم بقية ابن الوليد قد قدمنا بيان حاله.
وحبيب بن أبي ثابت قلت: هو الأسدي مولاهم أبو يحيى ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس أخرج له الستة.
قال: وحجاج بن أرطاة قلت: هو بفتح الهمزة أبو أرطاة النخعي الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس أخرج له مسلم والأربعة والبخاري في التأريخ.
قال: وحميد الطويل قلت: هو ابن أبي حمد الطويل أبو عبيد البصري ثقة مدلس أخرج له الستة.
قال: وسليمان الأعمش قلت: تقدم بيان حاله.
قال: وسويد بن سعيد قلت: هو أبو محمد صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول أخرج له مسلم والترمذي.
قال: وأبو سفيان المكي وعبد الله بن أبي تحبيح قلت: وهو يسار المكي ثقة رمى بالقدر وربما دلس.
قال: وعباد بن منصور قلت: هو الناجي بالنون والجيم أبو سلمة البصري القاضي رمى بالقدر صدوق وكان يدلس وتغير بآخرة أخرج له الأربعة.
وعبد الرحمن المحاربي هو أبو محمد الكوفي لا بأس به وكان يدلس.

(1/329)


وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو أخرج له الستة صدوق يخطئ وكان مرجيا أفرط ابن حبان فقال متروك أخرج له مسلم الأربعة وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج هو الأموي مولاهم المكي فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل أخرج له الستة.
وعبد الملك بن عمير ثقة فقيه عالم تغير حفظه ربما يدلس أخرج له الستة.
وعبد الوهاب بن عطاء الحفاف هو البصري العجلي مولاهم يرسل صدوق ربما أخطأ أنكورا عليه حديثا في العباس فقال دلسه عن تعمد.
وعكرمة بن عمار العجلي أبو عمار الناجي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن كثير اضطراب.
وعمرو بن عبيد الطنافسي بفتح الطاء والنون بعد ألفه فاء مكسورة ثم مهملة هو الكوفي صدوق أخرج له الستة.
وعمرو بن عبيد الله أبو اسحق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة مكثر ثقة عابد اختلط بأخرة أخرج له الستة.
وعيسى بن موسى عنجار بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم وهو أبو أحمد صدوق ربما أخطأ وربما يدلس يكثر من التحديث عن المتروكين.
وقتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت أخرج له الستة.
ومبارك بن فضالة يفتح الفاء وتخفيف المعجمة أبو فضالة البصري صدوق مدلس ويسوي لم يخرج له الشيخان وأخرج له ابن حبان والترمذي وأبو داود.
ومحمد بن اسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس أخرج له مسلم والأربعة.
ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي هو أبو المنذر البصري صدوق بهم أخرج له البخاري والأربعة غير ابن ماجه.
ومحمد بن عجلان هو المدني صدوق إلا أنها اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة أخرج له مسلم والأربعة.
ومحمد بن عيسى هو بن تحبيح البغدادي أبو جعفر ثقة فقيه لم يخرج له الشيخان إنما أخرج له الأربعة وابن حبان.
ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة

(1/330)


وضم الراء الأسدي مولاهم صدوق إلا أنه يدلس أخرج له الستة.
ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري فقه حافظ متفق على جلالته وإتقانه.
قلت: لم يذكره الذهبي في الميزان مع أنه ألفه لمن تكلم فيه فما كان يحسن أن يعده الحافظ ابن حجر في هذه الطبقة بعد قوله إنه اتفق على جلالته وإتقانه.
ومروان بن معاوية الفراري هو من شيوخ أحمد ثقة مشهور تكلم فيه بعضهم لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين كان ثبتا حافظا أخرج له الستة.
والمغيرة بن مقسم بكسر الميم هو الضبي مولاهم أبو هاشم الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس لا سيما عن إبراهيم أخرج له الستة.
ومكحول الشامي هو ثقة فقيه لكنه يكثر الإرسال أخرج له مسلم والأربعة.
وهشام بن حسان هو الأزدي أبو عبد الله البصري ثقة وأثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قال كان يرسل عنهما أخرج له الستة.
قال: وهشيم بن بشير قلت: بموحدة ومعجمة يزنة عظيم ثقة ثبت كثير التدليس أخرج له الستة.
قال: والوليد بن مسلم الدمشقي قلت: هو القرشي مولاهم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية أخرج له الستة.
قال: ويحيى بن أبي كثير قلت: هو الطائي مولاهم أبو نصر اليماني ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل.
قال: وأبو حمزة قلت: بالحاء المهملة والزاي المشددة هو خليفة الرقاشي بفتح الراء وبالقاف مشهور بكنيته قيل اسمه حكم ثقة.
فهذه أسماء من ذكر التدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا حديثه أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا ساقهم الحافظ ابن حجر في نكته وبينا أحوالهم من التقريب كثيرا ومن الميزان وهو الأقل وقوله ممن أخرجا حديثه أو أحدهما فيه نظرية ففي من عده من لم يخرجا له ولا أحدهما شيئا.
"قال الزين في التدليس ذمة أكثر العلماء وهو مكروه جدا وروى الشافعي عن

(1/331)


شعبة أنه قال لأن أزني أحب إلى من أن أدلس" ضبطه بعضهم بالمهملة ثم موحدة مضموم الهمزة قال فإن الربا أخف من الزنا قال وفيه أيضا مناسبة فإن الربا أصله التكثر والزيادة ومتى دلس فقد كثر مروياته بذلك الشيخ الذي ارتقى إليه وأوهم كثرة مشايخه عند ما عمى أوصافهم قال شيخنا وقوله إن الربا بالموحدة أخف ليس كذلك ففي بعض الأحاديث لأن يأكل الرجل درهما من ربا أشد من كذا وكذا زنية قاله البقاعي.
"قال ابن الصلاح: وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير" وذمه أيضا جماعة من أقران شعبة وأتباعه فروينا عن عبد الصمد ابن عبد العزيز عن أبيه أنه قال التدليس ذل وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا وقال وكيع لا يحل تدليس القوت فكيف تدليس الحديث وعن أبي عاصم النبيل قال أقل حالات المدلس عندي أن يدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ذكر ذلك الحافظ.
فائدة: قال الحاكم: أكثر أهل الكوفة يدلسون والتدليس في أهل الحجارة قليل جدا وفي أهل بغداد نادر والله أعلم.
"القسم الثاني: من التدليس تدليس الشيوخ قال ابن الصلاح: وهو أخف من الأول" لو قال الأول أشد من سدا لكان أولى لأنه ليس في واحد منهما خفة لكن قد يطلقون أفعل ولا يريدون حقيقة معناه والمراد هنا هذا أقل شدة من الأول وإن كانت العبارة لا تفي به.
"وهو أن يصف المدلس شيخه الذي سمع منه بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو ذلك" لكي "يوعر" يعسر "الطريق على معرفة السامع له".
قال الحافظ ابن حجر ليس قوله مما لا يعرف به قيدا بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا كقول الخطيب أخبرنا علي ابن أبي على البصري ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي الحسن بن علي التنوخي وأصله من البصرة فقد ذكره بما يعرف به لكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهرا بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد ولهذا نظائر كصنيع البخاري في الذهلى فإنه

(1/332)


تارة يسميه فقط فيقول حدثنا محمد ابن عبد الله فينسبه إلى جده وتارة يقول محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته بمحمد بن يحيى الذهلي والله الموفق "كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله" والحال أنه "يريد عبد الله بن أبي داود السجستاني أو نحو ذلك" من الأمثلة.
"قال ابن الصلاح: وفيه" أي في هذا القسم من التدليس "تضييع للمروى عنه" بعدم معرفة عينه ولا حاله.
"قال زين الدين: و" فيه تضييع "للحديث المروي أيضا بأن لا يتنبه له فيصير بعض رواته مجهولا" فهذه مفسدة عظيمة في هذا القسم منه.
"قلت: وإنما كان أخف من" القسم "الأول" من التدليس وهو تدليس الإسناد "لأنه قال زال الغرر فإن شيخه الذي دلس اسمه" لا يخلو "إما أن يعرف فيزول الغرر أولا يعرف فيكون في الإسناد مجهول كما قاله زين الدين قال زين الدين: ويختلف الحال في كراهية هذا القسم باختلاف المقصد" للمدلس "الحامل له على ذلك" التدليس "فشر ذلك أن يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه ضعيفا فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء" وهذا غش للمسلمين.
"قلت: إذا كان يعتقد أن ضعف من دلسه ضعف يسير يحتمل وعرفه بالصدق والأمانة واعتقد وجوب العلم بخبره لما له من التوابع والشواهد وخاف من إظهار الرواية عنه وقوع فتنة من غال مقبول" عند الناس "ينهى عن حديث هذا المدلس ويترتب على ذلك سقوط جملة من السنن النبوية فله أن يفعل مثل هذا ولا حرج عليه" لأنه إنما قصد بتدليسه نصح المسلمين في الحقيقة وإيثار المصلحة على المفسدة.
"وقد دلس عن الضعفاء إمام أهل الرواية والدراية ومن لا يتهم في نصحه للأئمة سفيان بن سعيد الثوري" سبق بيان حال إمامته في الدين "فمن مثل سفيان في منقبة واحدة من مناقبه أو من يبلغ من الرواة إلى أدنى" مرتبة من "مراتبه ولولا هذا المذر ونحوه من" الأعذار "الضروريات ما دلس الحديث أكابر الثقات من أهل الديانة والأمانة والنصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولجميع أهل الإسلام وقد روى أن رواة الحديث وأهل العلم في بعض أيام بني أمية" وهي أيام عبد الملك وولاته كالحجاج "وبعض بلدانهم كانوا لا يقدرون على إظهار الرواية عن علي عليه السلام" لشدة عدوانهم له ولمن ذكره.

(1/333)


"قال زين الدين: وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه صغيرا في السن أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه وقد يكون الحامل إيهام كثرة الشيوخ قلت: وهذا مقصد يلوح على صاحبه بمحبته الثناء وشوب الإخلاص" إذا إيهام كثرة الشيوخ دال على محبته لمدحه بكثرة ملاقاة من أخذ عنه وهمته ورغبته "مع أن له محملا صالحا إذا تؤمل وهو أن يكون كثير الشيوخ أجل قدرا مع من لا يميزوهم الأكثرون فيكون ذلك داعيا لهم إلى الأخذ عن الراوي وذلك" أي الإيهام لكثرة الشيوخ ليأخذ عنه الناس "يشتمل على قربة عظيمة وهي إشاعة الأخبار النبوية".
"قال زين الدين: وممن اشتهر بالقسم الثاني: من التدليس" وهو تدليس الشيوخ "أبو بكر الخطيب" فقد "كان لهجابه في تصانيفه" قال الحافظ ابن حجر ينبغي أن يكون الخطيب قدوة في ذلك وأن يستدل بفعله على جوازه فإنه إنما يعمى على غير أهل الفن وأما أهله فلا يخفى ذلك عليهم لمعرفتهم بالتراجم ولم يكن الخطيب يفعل ذلك إيهاما الكثرة فإنه مكثر من الشيوخ والمرويات والناس بعده عيال عليه وإنما يفعل ذلك تفننا في العبارة.
"قال زين الدين: ولم يذكر ابن الصلاح حكم من عرف بهذا النوع من التدليس" مع ذكره لحكم من دلس تدليس الإسناد كما عرفته قال زين الدين: "وقد جزم ابن الصباغ في العدة بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس" أي إذا كان الحامل له على تدليسه ذلك "وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب" خبر من فقل ذلك "أن لا يقبل خبره وإن كان هو" أي المدلس "يعتقد فيه" أي فيمن دلسه "الثقة فقط غلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه قلت: وفي هذا" الذي جزم به ابن الصباغ "نظرا لأنه إما أن يغير اسمه إلى اسم ثقة آخر محتج به مع أن الذي دلسه ثقة" عنده "محتج به فليس فيه إلا أن يتضمن تعديلا غير مبين السبب لرجل مبهم غير معين وهو ذلك المدلس" أي الذي طوى ذكره ووضع اسم الثقة موضع اسمه فكأنه قال حدثني الثقة وهذا تعديل إجمالي.
"فأما الإجمالي في التعديل فالصحيح في الأصول وعلوم الحديث أنه يكفي لتعسر ذكر أسباب العدالة كما يأتي" من أنه يقبل التعديل الإجمالي. "وأما توثيق الرجل المبهم فالصحيح الذي عليه العمل جوازه" وذلك "لأن المتأخرين قد اتفقوا على العمل بما حكم بصحته الأئمة من غير بحث عن الإسناد" كما قدمنا تحقيقه.

(1/334)


"وأما قوله" أي ابن الصباغ في تعليل عدم قبول المدلس تدليس الشيوخ "إنه يجوز أن يعرف غيره من جرحه" أي من جرح من طوى اسمه "ما لا يعرفه" الطاوي لاسمه المعتقد ثقته "فذلك لا يمنع من توثيقه" له أي من اعتقاد أنه ثقة "ولا" يمنع أيضا "من قبول توثيقه من لأن الأصل عدم ذلك الجائز" فإن من أخبر العدل أنه ثقة قبل خبره وارتفع تجويز عدم عدالته تجويزا يمنع من قبوله.
"ومتى وقع ذلك الجائز وهو اطلاع الغير على حرج في ذلك الموثق فمن علم بذلك الجرح متعبد بعد علمه باجتهاده في قبول لا حرج إن كان مطلقا أو رده أو ترجيح الجرح على التوثيق أو العكس أو العمل بالمتأخر منهما" كما هو معروف من الوجوه عند تعارض الجرح ولا تعديل "ولو كان التجويز" في الثقة أنه غير ثقة "يمنع من العمل في الحال لم يحل لنا قبول ثقة قط تجويز أن نطلع نحن" بعدحين "على ما يجرحه والله أعلم".
خلاصته أنا نحن متعبدون بقبول من هو عدل ثقة في الحال الراهنة من غير نظر إلى تجويزخلاف ما عرفناه وهذا إذا دلسه المدلس وغير اسمه إلى اسم ثقة "وأما إن غيره إلى اسم مجروح فالحديث مردود ولا تدليس" لأن ذكر المجروح رفع التدليس "وأما إن لم يغيره إلى اسم غيره" بل أتى به باسمه غير المشهور بلفظه "فقد غيره إلى مجهول الذات والإسلام".
في هذا الكلام تأمل فينظر في نسخ التنقيح ويحتمل أنه يريد المصنف أن كونه لم يغيره بل أسقطه فيكون قد أحال على مجهول الذات والإسلام إلا أنه لو أراد هذا لكان الصواب أن يقول فإن أسقطه فقد أحال على مجهول الذات والإسلام ويكون فقد خرج عن العهدة أي عهدة التدليس والنقل إلى رواية منقطعة إلا أن قوله فإن حكم إلخ يشعر أنه تفريع عن التدليس لا عن من أسقط الراوي بقوله فلا ذنب وقوله لأن المدلس قد حكم بها والذي ظهر لي أن كلام المصنف لا يخلو عن الاضطراب "فقد خرج من العهدة فإن حكم أحد بصحة الحديث من غير معرفة فلا ذنب للمدلس وإن حكم بالصحة لأن المدلس قد حكم بها قد تبعه" أي يتبع المدلس "في القول بصحة الحديث واكتفى بمجرد تصحيحه من غير كشف ولا ذنب له في ذلك أيضا البتة".
واعلم أن المصنف قد ذكر عن الزين في الحامل على التدليس أنه قد يكون لصغر

(1/335)


سن المروي عنه ولم يذكر حكم هذا القسم مع ذكره لحكم بعض الأقسام وقد ذكره الزين عن ابن الصباغ فقال وإن كان لصغر سنه فذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه.
وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال فيه نظر لأنه يصير بذلك مجهولا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علما بذلك لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا وتلك أنزل مراتبه وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امنحنوا طلبتهم المهرة بمثل ذلك فشهد لهم بالحفظ لما تسارعوا إلى الجواب عن ذلك وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر في كتاب العلم لأبي بكر بن أبي عاصم فوقع في أثنائه حدثنا الشاعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثا فقال لعله سقط منه شيء فالتفت إلي فقال ما تقول فقلت: الإسناد متصل وليس الشافعي هذا محمد ابن إدريس الإمام بل هذا ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه ولقد كان ظن الشيخ في السقوط قويا لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الشافعي الإمام بمدة وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد إن تدليس الثقة مصلحة وهي امتحان الأذهان في استحراج ذلك وإلقاؤه إلى من يراد اختيار حفظه ومعرفته بالرجال وفيه مفسدة من حيث إنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر قال الحافظ وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل من رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعيطة العوفي في تكنيته محمد ابن السائب الكلبي أبا سعيد فكان إذا حدث عنه يقول حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ انتهى.
قال الحافظ ابن حجر تنبيه: ويلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد كما إذا قال

(1/336)


المصري حدثني فلان بالأندلس فأراد موضعا بالقرافة أو قال بزقاق حلب وأراد موضعا بالقاهرة أو قال البغدادي حدثني فلان بما وراء النهر وأراد نهر دجلة أو قال بالرقة وأراد بستانا على شاطئ دجلة أو قال الدمشقي حدثني بالكرك وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق ولذلك أمثلة كثيرة وحكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشيع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا أن تكون هنالك قرينة تدل على عدم إرادة التكثر فلا كراهة. انتهى.
"القسم الثالث" من التدليس "وهو شر أقسام التدليس وهو تدليس التسوية وصورته أن يروي حديثا عن شيخ ثقة وذلك الثقة يرويه عن ضعيف غير ثقة عن ثقة فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأولى فيسقط الضعيف من السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني: بلفظ محتمل فيسوي الإسناد كله ثقات ولهذا سمي تدليس التسوية" قال زين الدين: إنه لم يذكر ابن الصلاح هذا القسم.
قال الحافظ ابن حجر وفيه مشاححة فإن التسوية على تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد فلم يترك قسما ثالثا وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه ثم قال والتسوية هي أعم من أن تكون بتدليس أو لم تكن قال ومثال التسوية التي لا تدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكا سمع عن ثور ين زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عباس ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس وحذف عكرمة لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه فهذا قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة وحذف من ليس بثقة فالتسوية قد تكون بلا تدليس وتكون بالإرسال فهذا تحرير القول فيها وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى وعد الحافظ روايات وقعت لمالك كذلك ثم قال فلو كانت التسوية تدليسا لعد مالك في المدلسين وقد أنكروا على من عده منهم ثم قال فعلى هذا فقول شيخنا وصورة هذا القسم ثم سرد ما سرده المصنف إلى آخر كلامه تعريف غير جامع بل حق العبارة أن يقول أن يجيء الراوي ليشمل المدلس وغيره إلى حديث قد سمعه من الشيخ وسمعه ذلك الشيخ من آخر عن آخر فيسقط الواسطة بصيغة محتملة فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل ثم ذكر أن من التسوية في اصطلاحهم أن يسقط من السند الواحد وإن كان ثقة فيكون السند غالبا مثلا فلا تختص التسوية بإسقاط الضعيف.
"وهذا شر أنواع التدليس لأن شيخه وهو الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس.

(1/337)


فلا يتحترز الواقف على السند عن عنعنته وأمثالها من الألفاظ المحتملة التي لا يقبل مثلها من المدلسين ويكون هذا المدلس الذي يتحرز من تدليسه" أي المدلس بالتسوية "قد أتى بلفظ السماع الصريح عن شيخه فأمن بذلك من تدليس" قال زين الدين: وفي هذا غرور شديد.
"وممن نقل عنه أنه كان يفعل ذلك بقية بن الوليد" وقد قدمنا ما قيل فيه بل وذكرنا جماعة ممن سوى فيما سردناه من ذكر الدليسين في الصحيحين أو أحدهما "والوليد بن مسلم" قال الذهبي أنكر ما أتى به الوليد بن مسلم حديث حفظ القرآن ورواه الترمذي "والأعمش والنووي" كما قدمنا في بيان حالهما.
"وبقية والوليد بن مسلم ممن ينبغي الاحتراز من تدليسهما لا سيما تدليس الوليد ابن مسلم إذا أتى بعن عن الأوزاعي وابن جريج" قال زين الدين: قال أبو مسهرة كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وقال صالح جزرة سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت: للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال كيف قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بنمرة وفروة قال أمثل الأوزاعي يروي عن هؤلاء قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث ومناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من حديث الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي.
"قال الذهبي: وإذا قال" يعني الوليد بن مسلم "حدثنا فهو حجة قلت: ما تغني" من الأغنياء بالغين المعجمة والنون "عنك حدثنا الأوزاعي إذا جاء بلفظ محتمل بعد الأوزاعي فلهذا قال الحافظ العلائي إن هذا الجنس أفحش أنواع التدليس وشرها قلت: ولعل من جرح بالتدليس يحتج بأنه لا شك أن قصد المدلس الإيهام في موضع الخلاف فلا يؤمن تدليس التسوية من كل مدلس وإن لم يشعر به أحد وذلك يقتضي رد ما قال فيه سمعت وحدثنا وفي الإيهام في موضع الخلاف نوع من الجرح في الرواية وإن لم يجرح في الديانة ولذلك قال شعبة لأن أزني أحب إلى من أن أدلس والله أعلم".
قال البقاعي: سألت شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر هل تدليس التسوية جرح قال لا شك أنه جرح فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور فقلت: كيف يوصف به

(1/338)


الثوري والأعمش مع جلالتهما فقال أحسن ما يعتذر به في هذا الباب أن مثلهما لا يفعل ذلك إلا في حق من يكون ثقة عنده ضعيفا عند غيره.
"قلت: وفي أقسام التدليس قسم رابع لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين وهو أن يقول المدلس حدثنا فلان وفلان وينسب السماع إلى شيخين فأكثر ويصرح بالسماع ويقصد قصر اتصال السماع على أول من ذكره ويوهم بعطف الشيخ الثاني: عليه أنه سمع منه وإنما سمع من الأول يجعل الثاني" في قصده "مبتدأ خبره ما بعده مما يصح فيه ذلك أو نحوه من التأويلات المخرجة له عن تعمد الكذب وحكى هذا النوع الحاكم عن هشيم وحكم فاعله حكم الذي قبله".
قلت: قد ذكر هذا القسم من التدليس الحافظ ابن حجر حيث قال وقد فاتهم من تدليس الإسناد نوع آخر وهو تدليس العطف وهو أن يروى عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني: عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضا وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع فقال وفلان أي حدث فلان مثاله ما رويناه في علوم الحديث للحاكم قال اجتمع أصحاب هشيم فقالوا لا نكتب عنه اليوم مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم سيئا قالوا لا قال بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا انتهى فهذا تهو الذي ذكره المصنف وقد سماه ابن حجر تدليس العطف.
ثم قال الحافظ: وفاتهم فرع آخر أيضا وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في الكامل لأبي أحمد بن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول حدثنا ثم يسكت وينوى القطع ثم يقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. انتهى.
قال البقاعي والتحقيق أنه ليس إلا قسمان تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ ويتفرع على الأول تدليس العطف وتدليس الحذف وأما تدليس التسوية فيدخل في القسمين فتارة يصف شيوخ السند بما لا يعرفون من غير إسقاط فتكون تسوية الشيوخ وتارة يسقط الضعفاء فتكون تسوية السند وهذا يسميه القدماء تجويدا فيقولون جوده فلان يريدون ذكر من فيه من الأجواد وحذف الأدنياء. انتهى.
* * *

(1/339)


مسألة:36 [في بيان الشاذ]
"الشاذ" في لغة الانفراد قال الجوهري شذ يشذ ويشذ بضم الشين وكسرها أي انفرد عن الجمهور.
"اختلفوا فيه فقال الشافعي ليس الشاذ أن يروى الثقة مالا يرويه غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس" أخرجه الحاكم عن الشافعي من طريق ابن خزيمة عن يونس ابن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي إلى آخره "وذكر أبو يعلي الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز نحو هذا وقال الحاكم: هو الذي يتفرد به ثقة وليس له أصل يتابع ذلك الثقة فلم يشترط مخالفة الناس".
قال البقاعي: قال شيخنا أسقط يريد الدين من قول الحاكم قيدا لا بد منه وهو أنه قال وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ويشير إلى هذا قوله ويغاير المعلل.
قال الحافظ ابن حجر الحاصل من كلامهم أن الخليلي سوى بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح فكلامه أعم وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم لكن الشافعي صرح بأنه أي الشاذ مرجوح وأن الرواية الراجحة أولى وهي ما لا شذوذ فيها لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة محل توقف انتهى فإن قلت: قد تقدم لهم في رسم الصحيح قيد أن لا يكون شاذا وهو يفيد أن الشاذ لا يكون صحيحا لعدم شمول رسمه له.
قلت: لا يعذر لمن اشترط نفي الشذوذ عن الصحيح أن يقول بأن الشاذ ليس بصحيح

(1/340)


بذلك المعنى.
إن قلت: من كان رأيه أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وفسر الشاذ بأنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه أنه يقدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال أقل أو أكثر أحفظ أم لا فإذا كان راوي الإرسال أرجح ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف نحكم له بالصحة مع شرطهم في الصحيح أن لا يكون شاذا هذا في غاية الإشكال.
قلت: قال الحافظ ابن حجر إنه يمكن بأن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في رسم الصحيح إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك فأهل الحديث يشترطون أن لا يكون الحديث شاذا ويقولون إن من أرسل عن الثقات فإن كان أرجح ممن وصل م الثقات قدم والعكس ويأتي فيه الاحتمال عن القاضي وهو أن الشذوذ إنما يقدح في الاحتجاج لا في التسمية.
"وذكر" أي الحاكم "أنه" أي الشاذ "يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك" فافترقا.
قال الحافظ ابن حجر وهو على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة. انتهى.
"وقال أبو يعلي الخليلي" في تعريف الشاذ عن أهل الحديث "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غيره ثقة" وملخص الأقوال أن الشافعي فيد الشاذ بقيدين الثقة والمخالفة والحاكم قيد بالثقة فقط على ما قاله المصنف والخليلي على نقله عن حفاظ الحديث لم يقيده بشيء ثم قال الخليلي "فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل" فإنه لا يقبل ولو كان حديثه غير شاذ فكيف معه "وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" فإن قلت: هذه زيادة ثقة لتفرده بما روى عن غيره كما ينفرد راوي الزيادة وقد قبل فما الفرق قلت: يأتي لهم الفرق إن شاء الله تعالى.
"ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس" كما لم يشرطها الحاكم ولا تفرد الضعيف الأولى ولا تفرد الثقة لأنه الذي

(1/341)


شرطه الأولون "بل مجرد التفرد ورد ابن الصلاح ما قاله الخليلي والحاكم" فقال ابن الصلاح: بعد حكايته لما سلف ما لفظه أما ما حكم عليه الشافعي بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره يريد به الحاكم والخليلي فيشكل بما تفرد به العدل الحافظ الضابط ثم ساق أحاديث يأتي للمصنف بعضها "بأفراد الثقات الصحيحة" فإنه يصدق على أفراد الثقات الصحيحة عليه بأنه تفرد به الثقة ولكنه صحيح مقبول "و" رد ما قالاه أيضا "بقول مسلم الآتي ذكره" في ذكر ما تفرد به الزهري.
"فقال" أي ابن الصلاح "أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا شك أنه غير مقبول" تقدم لفظ ابن الصلاح وإنما كان غير مقبول لأنه خالف الناس "وأما ما حكيناه عن غيره فيتكل بما يتفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" 1" قال فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح فقول المصنف "ثم ذكر مواضع التفرد منه" هو ما ذكرناه آنفا من تفرد علقمة 000 الخ.
قال الحافظ ابن حجر قد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرق والثاني: أن حديث النية لم يتفرد به عمر بل قد رواه أبو سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقد سرد الجواب عن الاعتراضين هنا لك.
"ثم قال" ابن الصلاح: "وأضح منه حديث عبد الله ابن دينار عن ابن عمر مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن بيع الولاء وهبته2 تفرد به عبد الله بن دينار".
في الميزان عبد الله بن دينار مولى أبي بكر أحد الأعلام الإثبات انفرد بحديث الولاء فلذلك ذكره العقيلى في الضعفاء وقال في رواية المشايخ عنه إضراب ثم ساق له حديثين مضطربي الإسناد وإنما الاضطراب من غيره ولا يلتفت إلى نقل العقيلي فإن عبد الله حجة بالإجماع وثقه يحي وأحمد وأبو حاتم. انتهى.
__________
1 سبق تخريجه.
2 النسائي 7/306. وابن ماجة 2747, 2848, واحمد 2/9, 79, والبيهقي 10/292.

(1/342)


ووجه أرجحيته في الوضوح أن حديث الأعمال بالنيات وردت له متابعات فهو ليس بفرد وإن كانت تلك التابعات كلها واهية جدا بخلاف حديث بيع الولاء فلم يأت له متابع وحديث عبد الله بن دينار هو الذي مثلوا به للفرد المطلق أيضا "و" أوضح منه "حديث مالك" عن الزهري عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة" أي عام الفتح "وعلى رأسه المغفر1 تفرد2 به مالك عن الزهري وكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إسناد واحد تفرد به ثقة" أي ومع هذا فهي صحيحة مقبولة فلم يتم قول الخليلي إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به فهذا رد على الخليلي وأما الحاكم فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لا يقبل بل ذكر معناه ولم يذكر حكمه فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه وتلقي الزين ثم المصنف لما أورده عليه بالقبول فليتأمل.
ثم العجب قول الخليلي إن أهل الحديث يقولون إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به وقد اتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد ابن حنبل أن حديث إنما الأعمال ثلت الإسلام ومنهم من قال ربعه وقد أسند هذه الحكاية عنهم الحافظ في الفتح وأبان وجه كونه ثلثا أو ربعا للإسلام.
واعلم أنه قد تعقب زين الدين كلام ابن الصلاح في أنه تفرد بحديث المغفر مالك عن الزهري فقال قد روى من غير طريق مالك فرواه البزار من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس وذكر ابن عدي في الكامل أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطراف أن الأوزاعي رواه وقال ابن العربي إنه رواه من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وأنه وعد أصحابه بتخريجها فلم يخرج منها شيئا.
قال الحافظ ابن حجر وقد تتبعت طرق هذا الحديث فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك ثم سردها في نكته وأطال الكلام ثم قال وقد أطلت الكلام في هذا الحديث وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ والإرشاد إلى عدم الظن والرد بغير اطلاع.
__________
1 على رأسه المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. المعجم ص 452.
2 البخاري في: الجهاد: ب 169. ومسلم في: الحج: حديث 450. وأحمد 3/109.

(1/343)


قلت: وهو إشارة إلى رد طعن من طعن على ابن العربي دعواه أنه رواه من ثلاثة عشر طريقا وقد طعن على ابن العربي بعض أهل بلدته لما لم يبرز لهم بيان ما ادعاه من الطرق فقال:
يا أهل حمص ومن بها أوصيكم ... بالبر والتقوى وصية مشفق
فخذوا عن العربي أسماء الدجى ... وخذوا الرواية عن إمام متقي
إن الفتى ذرب اللسان مهذب ... إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق
وأراد بحمص اشبيلية لأنه يقال لها ذلك.
قال ابن حجر: إنه بلغ ابن العربي ذلك أي هذه الأبيات فعلم تعنتهم فحمله الحمق على كتمان ذلك أو لم يحمله وعاق عنه عائق ثم قال ابن حجر: وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد فمن قال من الأئمة إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري فليس على إطلاقه وإنما المراد بشرط الصحة ومن قال كابن العربي إنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض ولا تعارض وقال ابن حبان: لا يصح إلا من رواية مالك عن الزهري فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق وهذا بعينه حاصل في حديث: "إنما الأعمال بالنيات". انتهى.
"قال" ابن الصلاح "وفي غرائب الصحيح أشباه لذالك كثيرة قال" أي ابن الصلاح "وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري قدر تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيها أحد بأسانيد جياد" قال الحافظ ابن حجر: هو في صحيح مسلم في كتاب الأيمان والنذور منه- أي في باب من حلف باللات والعزى من باب الأيمان والنذور وقوله: بأسانيد جياد يتبادر منه قبول نفس المتون ولا يقال يحتمل أنه أراد جودة الأسانيد من الزهري إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر إرادة الجودة في جميع السند من مسلم إلى آخره واختلف النسخ في العدد والأكثر بتقديم السين على التاء.
"قال" ابن الصلاح "فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر فيه على تفصيل نبينه" ليس في هذا التفصيل من الشاذ إلا ما قاله أولا وهو الذي عرفه به الشافعي وأما الثاني: فهو صحيح غريب وأما الثالث: فهو حسن لذاته غريب وأما الرابع: فإنه ضعيف إذا أتى ما يجبره صار حسنا لغيره.

(1/344)


"فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط كان ما تفرد به شاذا مردودا".
والثاني: "إن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره" فإنه ينقسم إلى قسمين:
الأول: قوله "فينظر في هذا المتفرد" الذي لم يخالف في روايته غيره وفيه قسمان:
الأول: ما أفاده قوله "فإن كان عدلا ضابطا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه" قال ابن الصلاح: كما سبق من الأمثلة.
الثاني: ما أفاده قوله "وإن لم يكن" أي المنفرد بالرواية "ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له" بالخاء المعجمة والراء "مزحزحا" بالزاي والحاء المهملة مكررات أي مبعدا "عن مرتبة الصحيح" لفقد شرط رواته فيه.
"ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة" من كونه حديثا حسنا أو ضعيفا أو نحوهما "بحسب الحال فيه" وقد بينها بأنها قسمان:
الأول: قوله: "فإن كن المتفرد به غير بعيد من درجة الحافظ المتقن" وهو خفيف الضبط "المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك" أي جعلناه حسنا "ولم نحطه إلى قبيل الضعيف".
والثاني: قوله "وإن كان بعيدا من ذلك" أي من درجة من ذكر "رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر".
قال ابن الصلاح: "فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الفرد المخالف.
والثاني: الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ".
قال القاضي ابن جماعة هذا التفضيل حسن ولكن أخل في القسمة الحاصرة بأحد الأقسام وهو حكم الثقة الذي خالفه ثقة مثله فإنه ما بين ما حكمه انتهى.
قلت: قوله أحفظ منه وأضبط على صيغة التفضيل يدل على أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردودا.
"قلت: أما من تفرد" من الرواة "عن العالم الحريص على نشر ما عنده م الحديث وتدوينه ولذلك العالم كتب معروفة وقد قيد حديثه فيها وتلاميذه" الآخذون عنه "حفاظ حراص على ضبط حديثه وكتبه حفظا وكتابة فكلام المحدثين" الذي نقله الخليلي من

(1/345)


التوقف في رواية الثقة "معقول" يقبله العقل "لأن في شذوذه ريبة قد توجب زوال الظن" بحفظه "على حسب القرائن وهو موضع اجتهاد" ردا وقبولا.
"وأما من شذ بحديث عمن ليس" من مشايخه "كذلك فلا يلزم رده" إذ ليس محل ريبة وإلا فالأول لم يقل بأنه يرد بل جعله موضع اجتهاد "وإن كان دون الحديث المشهور" الذي خالفه "في القوة وإلا" يقبله "لزم قول أبي علي الجبائي أنه لا يقبل إلا اثنين وكان يلزم أيضا في الصحابي إذا انفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم" إذ العلة هي الانفراد وقد حصلت ولا قائل من الجمهور وإن كان عمر رضي الله عنه قد كان يقبل ما انفرد الراوي كما عرفت فيما مضى.
"وقول ابن الصلاح إن التفصيل الذي أورده هو الأولى" لم يقل إنه الأولى بل قال بل الأمر على تفصيل إلى آخره نعم يفيد كلامه أنه الأولى "فيه سؤال" الاستفسار "وهو أن يقال تريد أن مذهبك هو الأولى فذلك صحيح وهو مذهب حسن أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث فيحتاج إلى نقل والظاهر أنه أراد الأول إذ لم ينسبه إلى أحد" فهو له وإن كان قوله مذاهب أئمة الحديث يشعر بأن تفصيله هو رأي أئمة الحديث فهو لهم "ثم تضيعفه لما قاله الخليلي والحاكم" حيث قال إنهما أطلقا ما فلصله هو "غير لازم بما ذكره لأن الحاكم حكى ذلك ولم ينسبه إلى أحد فلم يرد عليه أن غيره من المحدثين خالفه في ذلك" قد يقال إن الحاكم بصدد تدوين علوم الحديث التي تعارفها أئمة الحديث لا بصدد تدوين يخصه فورد عليه أفراد الصحيح وهب أنه أراد أنه مذهبه فإنه يرد عليه ما أورده ابن الصلاح لأن الحاكم متابع للناس في الحكم بصحة ما في الصحيحين وقبول ما اشتملا عليه من الحديث.
"وأما الخليلي فلم يحك ذلك عن جميع أهل الحديث" حتى يقال إن إطلاقه يوافق مذاهب أئمة الحديث كما قاله ابن الصلاح "بل قد نقل أهل الحجاز قريبا من مذهب ابن الصلاح فابن الصلاح إن نقل عمن نقل عنه الخليلي خلاف نقل الخليلي كانا روايتين" عن مروى عنه واحد.
"ولا نكارة في هذا فقد يكون للعالم قولان في المسألة وقد يصدق الناقلان وإن اختلف ما نقلاه فلم يكن إبن الصلاح أولى بصحة النقل إلا أن يكون ما نقله هو آخر قولي الحافظ المختلف عنه النقل" هذا إن كان النقل عن معينين "وأما إن لم ينقل إبن الصلاح عمن نقل عنه الخليلي فلا يرد كلامه على الخليلى البتة" لأن كل واحد ناقل عن

(1/346)


غير من نقل عنه الآخر فلا اعترض على واحد منهما.
"والظاهر أن إبن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك" أي ما نقله الخليلي "عن كثير" من المحدثين "ولهذا قال" ابن الصلاح "في نوع المنكر ما لفظه وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ موجود في الكلام كثير من أهل الحديث" فهذا نص منه على أن كثيرا من أهل الحديث يطرح الشاذ مطلقا وهو زائد على ما نقله الخليلي فإنه نقل الرد في الضعيف والتقف في الثقة.
"والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه" يريد المصنف قوله آنفا قلت: أما من تفرد عن العالم إلى آخر كلامه إلا أنه يرد عليه ما أورده هو على إبن الصلاح من السؤال ويجاب عنه بأنه يريد ما اختاره لنفسه ولذا قال الصواب أي بالنظر إلى الدليل الذي أبداه عن غيره "يعني في هذا الباب" الذي تقدم قريبا "وهو الكلام على الشاذ" وإذا عرفت أن الصواب ما ذكره الصنف رحمة الله من التفصيل عرفت صحة ما فرعه عليه من قوله "فثبت بهذا أن قدح الحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل وأكثره ضعيف إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ" فإنه يعلم منه وجه الرد أو غيره.
"وقد يقع منهم" أي من أئمة الحديث الرد بالشذوذ والنكارة "في موضعين: أحدهما: القدح في الحديث نفسه" بأن يقولوا إنه منكر أو شاذ "والثاني: القدح في راوي الشواذ والمناكير" فيقدحون فيه بأنه يروى الشواذ والمناكير "فإذا ثبت بنقل الثقة عن الحفاظ أنهم يعيبون" من العيب "تفرد الثقة بالحديث وإن لم يخالف غيره فقد زادوا على" أبى على "الجبائى فإنه اشترط أن يكون الحديث مرويا ثقتين ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى بل وقف في قبول حديثه يرويه معه آخر" والمحدثون قدحوا في المنفرد ولذا زادوا على أبي علي الجبائي "وهذا غلو منكر وقد جرحوا كثيرا من أهل العلم بذلك وما على الحفاظ أن حفظوا وينسي غيرهم" إذا لم يحفظ الحديث ولا عرفه بل من المشهور أن من حفظ حجة على من لم يحفظ كما قال أبو هريرة لابن عمر رضي الله عنهم في قصة معروفة وبهذا عرفت أن تفرد الثقة لا يكون قدحا فيما رواه ولا يعد شاذا يرد به حديثه.
"وقول ابن الصلاح إن حديث إنما الأعمال بالنيات من الأفراد الصحاح معترض" بأنه ليس من الأفراد "وقد تبع غيره في ذلك فقد قال بذلك جماعة" أي بأنه من الأفراد "وقد اعترضوا في ذلك" وقدمنا شيئا من ذلك "وقد رواه ابن حجر في كتاب

(1/347)


شيخه شيخ الإسلام البلقيني عن عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم لكن من طرق ضعيفة" وحينئذ فلا اعتراض ولا معارضة فتذكر.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري إن حديث إنما الأعمال بالنيات متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ قال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه من الأفراد لأنه لا يروي ذلك عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد قال الحافظ وهو كما قال فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية ثم ساقها في الفتح وقد عرفت مما قدمناه عن ابن حجر أيضا أنه لا اعتراض ولا معارضة إذ المراد أنه فرد باعتبار طريقة الصحيحة غير فرد باعتبار مطلق الطرق كما قال المصنف لكن من طرق ضعيفة والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم

(1/348)