شرح (التبصرة والتذكرة = ألفية العراقي)

مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيْهِ

942.... وَنَسَبُوا إِلَى سِوَى الآبَاءِ ... إمَّا لأُمٍّ كَبَنِيْ عَفْرَاءِ
... وَجَدَّةٍ نَحْوُ ابنِ مُنْيَةٍ، وَجَدْ ... كَابْنِ جُرَيْحٍ وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ
944.... يُنْسَبُ كَالمِقْدَادِ بالتَّبَنِّيْ ... فَلَيْسَ للأَسْوَدِ أَصْلاً بِابْنِ

المنسوبونَ إلى غيرِ آبائهمْ على أقسامٍ
القسمُ الأولُ مَنْ نُسِبَ إلى أمِّهِ كبني عفراءَ، وهُمْ مُعاذٌ، ومُعَوِّذٌ، وعَوْذٌ، وقيلَ عَوْفٌ بالفاءِ، وعفراءُ أُمهمْ، وهيَ عفراءُ بنتُ عبيدِ بنِ ثعلبةَ منْ بني النجَّارِ، واسمُ أبيهم الحارثُ بنُ رفاعةَ بنِ الحارثِ منْ بني النجَّارِ أيضاً، وشهدَ بنو عفراءَ بدراً، فقُتِلَ منهمْ اثنانِ بها عوفٌ ومعوذٌ، وبقِيَ معاذٌ إلى زمنِ عثمانَ،
وقيلَ إلى زمنِ عليٍّ، فتوفيَ بصفينَ، وقيلَ إنَّهُ جُرِحَ أيضاً ببدرٍ، ورجعَ إلى المدينةِ فماتَ بها
ومِنْ أمثلةِ ذلكَ منَ الصحابةِ بلالُ بنُ حَمَامةَ، وسَهْلٌ، وسُهَيْلٌ ابنا بيضاءَ، وشُرَحْبِيْلُ بنُ حَسَنَةَ، وعبدُ اللهِ بنُ بُحَيْنَةَ، وسَعْدُ بنُ حَبْتَةَ
ومِنَ التابعينَ فَمَنْ بعدَهُمْ محمدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ، وإسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، وإبراهيمُ بنُ هَرَاسةَ

(2/281)


وَقدْ صَنَّفَ فيمَنْ عُرِفَ بأُمِّهِ الحافظُ علاءُ الدينِ مُغُلْطَاي تصنيفاً حسناً، هوَ عندي بخطِّهِ في ثلاثٍ وستينَ ورقةً
والقسمُ الثاني مَنْ نُسِبَ إلى جدَّةٍ دُنْيَا كانتْ أوْ عُلْيَا، كيعلى بنِ مُنْيَةَ الصحابيِّ المشهورِ، اسمُ أبيهِ أميةُ بنُ أبي عبيدةَ، ومُنْيةُ أمُّ أبيهِ في قولِ الزُّبَيرِ بنِ بَكَّارٍ، وكذا قالَ ابنُ ماكولا إنَّها جدتُهُ أمُّ أبيهِ الأدنى، وقالَ الطبريُّ إنَّها أمُّ يعلى نفسهِ، ورجَّحهُ المزيُّ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ لَمْ يُصِبِ الزبيرُ وأما قولُ ابنِ وضَّاحٍ أنَّ منيةَ أبوهُ، فوهمٌ، حكاهُ صاحبُ المشارقِ، والمعروفُ الصوابُ أنَّ مُنْيَةَ اسمُ امرأةٍ، واختلِفَ في نسبِها، فقيلَ مُنْيَةُ بنتُ الحارثُ بنِ جابرٍ، قالَهُ ابنُ ماكولا، وقيلَ مُنْيَةُ بنتُ جابرٍ عمَّةُ عتبةَ بنِ غزوانَ، قالَهُ الطبريُّ وقيلَ منيةُ بنتُ غزوانَ أختُ عتبةَ بنِ غزوانَ، حكاهُ الدارقطنيُّ عنْ أصحابِ الحديثِ وأصحابِ التاريخِ، ورجَّحهُ المزيُّ

(2/282)


ومثالُ مَنْ نُسِبَ إلى جدتِهِ العليا بشيرُ بنُ الخَصَاصِيَةِ، الصحابيُّ المشهورُ، واسمُ أبيهِ معبدٌ، وقيلَ نذيرٌ، وقيلَ زيدٌ، وقيلَ شراحيلُ والخَصَاصِيَةُ أُمُّ الثالثِ منْ أجدادِهِ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ، ويقالُ هيَ أُمُّهُ، حكاهُ ابنُ الجوزيِّ في التلقيحِ، وقالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ الخَصَاصِيَةُ اسمُها كبشةُ، وقيلَ ماويةُ بنتُ عمرِو بنِ الحارثِ الغطريفِ
ومِنْ ذلكَ في المتأخرينَ أبو أحمدَ عبدُ الوهابِ بنُ سُكَيْنةَ، فسَكُيْنةُ أُمُّ أبيهِ، واسمُ أبيهِ عليُّ بنُ عليٍّ
ومِنْ ذلكَ فيما قيلَ الشيخُ مجدُ الدينِ بنُ تَيْمِيَّةَ صاحبُ المنتقى، وبقيةُ أهلِ بيتِهِ، فقيلَ إنَّ جدَّتَهُ مِنْ وادي التَّيْمِ
والقسمُ الثالثُ مَنْ نُسِبَ إلى جدِّهِ، ومِنْ ذلكَ قولُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ أَنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المطلبْ، وكذلكَ قولُ الأعرابيِّ في الحديثِ الصحيحِ أيُّكُمْ ابنُ عبدِ المطلبِ
ومثالُهُ في الصحابةِ أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، وهوَ عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ وَحَمَلُ بنُ النابغةِ، هوَ ابنُ مالكِ بنِ النابغةِ وَمُجَمَّعُ بنُ جَارِيةَ، هوَ ابنُ يَزيدَ بنِ جاريةَ، وقيلَ هما اثنانِ وأحمدُ بنُ جَزْءٍ، هوَ ابنُ سواءٍ بنِ جَزْءٍ

(2/283)


وفي الأئمةِ ابنُ جُرَيْجٍ، هوَ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جريجٍ ومثلُهُ ابنُ الماجِشُونَ، وابنُ أبي ذِئْبٍ، وابنُ أبي ليلى، وابنُ أبي مُليكةَ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ وأبو بكرِ ابنُ أبي شيبةَ، وأخواهُ عثمانُ والقاسمُ، وابنُ يونسَ صاحبُ تاريخِ مصرَ، وابنُ مسكينٍ من بيوتِ المصريينَ، اشتهروا ببني مسكينٍ منْ زمنِ النسائيِّ إلى زماننا هذا، وجدُّهُمْ الحارثُ بنُ مسكينٍ أحدُ شيوخِ النسائيِّ
والقسمُ الرابعُ مَنْ نُسِبَ إلى رجلٍ لكونِهِ تَبَنَّاهُ، كالمِقْدَادِ بنِ الأسودِ، فليسَ هوَ بابنِ الأسودِ، وإنما كانَ في حِجْرِ الأسودِ بنِ عبدِ يَغُوثَ، وتَبَنَّاهُ فنُسِبَ إليهِ، واسمُ أبيهِ عَمْرُو بنُ ثَعْلبةَ الكِنْدِيُّ وكالحسنِ بنِ دينارٍ أحدِ الضعفاءِ - فدينارُ زوجُ أمِّهِ، واسمُ أبيهِ واصلٌ، قالَهُ يحيى بنُ معينٍ، والفلاَّسُ، والجوزجانيُّ، وابنُ حبانَ، وغيرُهم، قالَ ابنُ الصلاحِ وكأنَّ هذا خَفِيَ على ابنِ أبي حاتمٍ، حيثُ قالَ فيهِ الحسنُ بنُ دينارِ بنِ واصلٍ، فجعلَ واصلاً جدَّهُ قلتُ وقدْ جعلَ بعضُهُمْ ديناراً جدَّهُ، رواهُ أبو العربِ في كتابِ الضعفاء، عنْ يحيى بنِ محمدِ بنِ يحيى بنِ سلاَّمٍ، عنْ أبيهِ، عنْ الحسنِ جدِّهِ، قالَ الحسنُ بنُ واصلِ بنِ دينارٍ، ودينارٌ جَدُّهُ

(2/284)


المَنْسُوبُونَ إِلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ

... وَنَسَبُوا لِعَارِضٍ كَالْبَدْرِيْ ... نَزَلَ بَدْرَاً عُقْبَةُ ابْنُ عَمْرِو
946.... كَذَلِكَ التَّيْمِيْ سُلَيْمَانُ نَزَلْ ... تَيْمَاً وَخَالِدٌ بِحَذَّاءٍ جُعِلْ
... جُلُوْسُهُ وَمِقْسَمٌ لَمَّا لَزِمْ ... مَجْلِسَ عَبْدِ اللهِ مَوْلاَهُ وُسِمْ

قدْ يُنسبُ الراوي إلى نسبةٍ من مكانٍ، أوْ وقعةٍ، أوْ قبيلةٍ، أو صنعةٍ، وليسَ الظاهرُ الذي يسبقُ إلى الفهمِ من تلكَ النسبةِ مراداً، بلْ لعارضٍ عرضَ من نزولِهِ ذلكَ المكانِ، أوْ تلكَ القبيلةِ، أوْ نحو ذلكَ.
ومثالُهُ: أبو مسعودٍ البَدْرِيُّ، واسمُهُ: عقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ الخزرجيُّ، صاحبُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنَّهُ لَمْ يشهدْ بدراً في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، وهوَ قولُ ابنِ شهابٍ، ومحمدِ بنِ إسحاقَ، والواقديِّ، ويحيى بنِ معينٍ، وإبراهيمَ الحربيِّ، وبهِ جزمَ السمعانيُّ، وأمَّا البخاريُّ، فعدَّهُ في الصحيحِ ممَّنْ شَهِدَ بدراً، وروى في صحيحهِ حديثَ عروةَ بنِ الزبيرِ: أَخَّرَ المغيرةُ ابنُ شعبةَ العصرَ، وهوَ أميرُ الكوفةِ، فدخلَ عليهِ أبو مسعودٍ، عقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ - جدُّ زيدِ بنِ حسنِ -، شَهِدَ

(2/285)


بدراً ... الحديث، وقالَ شعبةُ عنِ الحكمِ: كانَ أبو مسعودٍ بدرياً. وقالَ محمدُ بنُ سعدٍ: شَهِدَ أُحُدَاً وما بعدَهَا، ولَمْ يشهدْ بدراً، قالَ: وليسَ بينَ أصحابنا في ذلكَ اختلافٌ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: ((لا يصحُّ شهودُهُ بدراً)) . انتهى. وذكرَ إبراهيمُ الحربيُّ أنَّهُ إنما نُسِبَ لذلكَ؛ لأنَّهُ كانَ ساكناً ببدرٍ، وقدْ شَهِدَ العقبةَ معَ السبعينَ، وكانَ أصغرَ مَنْ شهِدَهَا.
ومنْ ذلكَ: سُلَيْمانُ بنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ أبو المُعْتَمرِ، قالَ البخاريُّ في التاريخِ: يُعرفُ بالتيميِّ؛ كانَ ينزلُ بني تَيْمٍ، وهوَ مولى بني مُرَّةَ، وروى السمعانيُّ أنَّ ابنَهُ - المعتمرَ - قالَ لهُ: يا أبتِ تكتبُ التيميَّ ولستَ بتيميٍّ؟ قالَ: تَيِّمُ الدارِ، وروى الأصمعيُّ، عنْ ابنِهِ المعتمرِ، قالَ: قالَ أبي: إذا كتبتَ فلا تكتبِ التيميَّ، ولا تكتبِ المريَّ، فإنَّ أبي كانَ مكاتباً لبُحيرِ بنِ حُمرانَ، وإنَّ أمِّي كانتْ مولاةً لبني سُليمٍ، فإنْ كانَ أدى الكتابةَ فالولاءُ لبني مرةَ، وهوَ مرةُ بنُ عبادِ بنِ ضبيعةَ بنِ قيسٍ، فاكتبْ القيسيَّ وإنْ لَمْ يكنْ أدى الكتابةَ، فالولاءُ لبني سليمٍ، وهمْ من قيسِ عَيلانَ، فاكتبِ القيسيَّ.
ومِنْ ذلكَ: أبو عمرٍو الأوزاعيُّ، وفَيْرُوزُ الحِمْيَرِيُّ، وإبراهيمُ بنُ يزيدَ الخوزيُّ، وأبو خالدٍ الدَّالاَنيُّ، وعبدُ الملكِ بنُ سليمانَ العَرْزَميُّ، ومحمدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ -بالقافِ وفتحِ الواوِ - وأبو سعيدٍ المُقْبُرِيُّ، وإسماعيلُ بنُ محمدٍ المكيُّ، نزلَ كلٌّ منهمْ فيما نُسبَ إليهِ.
ومِنْ ذلكَ أحمدُ بنُ يوسفَ السُّلَمِيُّ -شيخُ مسلمٍ- كانتْ أمُّهُ منهمْ، وحفيدهُ أبو عمرِو بنُ نُجَيْدٍ، وأبو عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ سِبْطُ ابنِ نُجَيْدٍ المذكورِ.

(2/286)


وقريبٌ منْ ذلكَ: خالدٌ الحَذَّاءُ، وهوَ خالدُ بنُ مِهْرانَ. واختلِفَ في سببِ انتسابِهِ لذلكَ فقالَ يزيدُ بنُ هارونَ فيما حكاهُ البخاريُّ في" التاريخ ": ما حذا نعلاً قطُّ، إنما كانَ يجلسُ إلى حَذَّاءٍ فنسبَ إليهِ، وكذا قالَ محمدُ بنُ سعدٍ: ((لَمْ يكنْ بحذَّاءٍ، ولكنْ كانَ يجلسُ إليهمْ)) ، قالَ: وقالَ فهدُ بنُ حيَّانَ: لَمْ يَحذُ خالدٌ قطُّ، وإنما كانَ يقولُ: احذُ على هذا النحوِ؛ فلقِّبَ: الحذَّاءَ.
وقريبٌ منهُ أيضاً: مِقْسَمٌ مولى ابنِ عَبَّاسٍ، هوَ مولى عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ، قالَهُ البخاريُّ وغيرُهُ، وقيلَ لهُ: مولى ابن عباسٍ؛ للزومِهِ لهُ.
ومِنْ ذلكَ: يَزِيْدُ الفَقِيْرُ، كانَ يشكو فقارَ ظَهْرِهِ.