فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي

 [الْمُشْتَبِهُ الْمَقْلُوبُ]
940 - وَلَهُمُ الْمُشْتَبِهُ الْمَقْلُوبُ ... صَنَّفَ فِيهِ الْحَافِظُ الْخَطِيبُ
941 - كَابْنِ يَزِيدَ الْأَسْوَدِ الرَّبَّانِي ... وَكَابْنِ الْأَسْوَدِ يَزِيدَ اثْنَانِ
(وَلَهُمْ) أَيِ: الْمُحَدِّثِينَ مَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ فِيهِ لِرَاوِيَيْنِ فِي اسْمَيْنِ لَفْظًا وَخَطًّا، لَكِنْ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ أَوِ الِاشْتِبَاهُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لِلرَّاوِي وَفِي الْآخَرِ لِأَبِيهِ، وَهُوَ (الْمُشْتَبِهُ الْمَقْلُوبُ) وَأُفْرِدَ عَنِ الْمُرَكَّبِ النَّوْعِ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا مُرَكَّبًا مِنْ مُتَّفِقٍ وَمُخْتَلِفٍ ; لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ لَيْسَ مِنْ نَوْعِ الْمُؤْتَلِفِ، وَقَدْ (صَنَّفَ فِيهِ الْحَافِظُ الْخَطِيبُ) (رَافِعَ الِارْتِيَابِ فِي الْمَقْلُوبِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ) ، وَهُوَ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ، وَفَائِدَةُ ضَبْطِهِ الْأَمْنُ مِنْ تَوَهُّمِ الْقَلْبِ خُصُوصًا، وَقَدِ انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، بَلْ نُسِبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِإِمَامِ الصَّنْعَةِ الْبُخَارِيِّ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ ; كَمُسْلِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيِّ الشَّهِيرِ الَّذِي نَبَّهَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابٍ أَفْرَدَهُ لِخَطَأِ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ حِكَايَةً عَنْ أَبِيهِ عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ جَعَلَ أَوَّلَهُمَا الثَّانِيَ، وَلَكِنَّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ لَا تُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ التَّارِيخِ ; وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَ (كَابْنِ يَزِيدَ الْأَسْوَدِ) أَيْ: كَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ الزَّاهِدِ الْفَقِيهِ الْمُفْتِي، (الرَّبَّانِي) أَيِ: الْعَالِمُ الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَوِ الطَّالِبُ بِعِلْمِهِ وَجْهَ اللَّهِ، أَوِ الْمُرَبِّي الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ كِبَارِهَا، وَكَانَ جَدِيرًا بِالِاتِّصَافِ بِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، بَلْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ لِإِدْرَاكِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَخَالُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَمِائَةِ رَكْعَةٍ

(4/288)


وَيَصُومُ الدَّهْرَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مِنَ الصَّوْمِ، وَسَافَرَ ثَمَانِينَ حِجَّةً وَعُمْرَةً مِنَ الْكُوفَةِ، لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، (وَكَابْنِ الْأَسْوَدِ يَزِيدَ) أَيْ: يَزِيدَ بْنَ الْأُسُودِ (اثْنَانِ) : أَحَدُهُمَا الْخُزَاعِيُّ الْحِجَازِيُّ الْمَكِّيُّ، وَقِيلَ: الْمَدَنِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمُخَرَّجُ حَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ، وَالْآخَرُ الْجَرَشِيُّ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ، يُكَنَّى أَبَا الْأُسُودِ، سَكَنَ الشَّامَ وَأَقْعَدَهُ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَسْتَسْقِي عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَأَمْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فَفَعَلَ، وَفَعَلَ النَّاسُ مِثْلَهُ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجَرَشِيِّ. فَسُقُوا لِلْوَقْتِ حَتَّى كَادُوا لَا يَبْلُغُونَ مَنَازِلَهُمْ، وَقَدْ يَقَعُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ مَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الِاسْمِ الْمُشْتَبِهِ ; كَأَيُّوبَ بْنِ سَيَّارٍ وَيَسَارِ بْنِ أَيُّوبَ.