مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى
الصَّحِيْحَيْنِ
قوله:
29 - وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصُّ ... صِحَّتُهُ
أوْ مِنْ مُصَنِّفٍ يُخَصُّ
ش: يعني أن الشيخين لما لم يستوعبا الصحيح فيعرف الصحيح الزائد
على ما فيهما حيث يَنُصُّ على صِحَّتِه إمام معتمد كالترمذي،
والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، وأبي داود، والخطابي، وإن لم
يكن في مُصَنَّفَاتهم عند الناظم خلافاً لابن الصلاح؛ فإنه قيد
ذلك بمصنفاتهم، فلو صَحَّحَهُ من لم يشتهر له تصنيف، كيحيى بن
سعيد القطان وابن معين ومثلهما فكذلك عند الناظم.
ويؤخذ الصحيح أيضاً من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح
ابن خزيمة، وابن حبان، والمستدرك على الصحيحين للحاكم،
والموجود في المستخرجات عليهما زيادة أو تتمة لمحذوف كذلك،
وإليه الإشارة بقوله:
30 - بِجَمْعِهِ نَحوَ (ابْنِ حِبَّانَ) الزَّكِيْ ... (وَابنِ
خُزَيْمَةَ) وَكَالمُسْتَدْرَك
ش: ابن حِبَّان بكسر الحاء وبالباء الموحدة أبو حاتم محمد.
قلت: والزكي بالزاي وصفه بذلك لما زكاه الأمير في «الإكمال»
مرتين والخطيب قائلاً: «وكان ثقة ثبتاً فاضلاً فهماً». وابن
نقطة وأبو سعيد الإدريسي
(1/47)
قائلاً: «وكان من فقهاء الدين [8 - أ]،
وحُفَّاظ الآثار المشهورين في الأمصار والأقطار» إلى آخر كلامه
والحاكم في «تاريخ نيسابور» قائلاً: «كان من أوعية العلم في
اللغة والفقه والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال»، إلى آخره،
انتهى.
وابن خزيمة: أبو بكر.
وقوله:
31 - عَلى تَسَاهُلٍ-وَقَالَ: مَا انْفَرَدْ ... بِهِ فَذَاكَ
حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ
ش: يعني: نأخذ الصحة من «المستدرك» على تساهل في «المستدرك» لا
فيها (1) لقوله: و «كالمستدرك» بإعادة الكاف (2).
قال ابن الصلاح: ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط، إن
لم يكن صحيحاً فهو حسن يُحتج به ويُعمل إلى أن يظهر فيه علة
مُضَعِّفة.
وقوله:
32 - بِعِلَّةٍ، وَالحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... يَليْقُ،
والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما
ش: يعني أن الحكم عليه بالحسن فقط تَحَكُّم، والحقُّ: ما انفرد
بتصحيحه يُتتبع بالكشف عنه، ويحكم عليه بما يليق بحاله من
الصحة أو الحسن أو
_________
(1) أي وليس التساهل في جميع المصنفات المذكورة في البيت قبله.
(2) أي أن الناظم «قيد تعلق الجار والمجرور بالمعطوف الأخير
لتكرار أداة التشبيه فيه». «شرح الناظم»: (1/ 120).
(1/48)
الضعف إلا أن [ابن] (1) الصلاح رأيه أن لا
يُصحح أحدٌ من هذه الأعصار فقطع النظر عن الكشف عليه، وهذه من
زيادات (2) الناظم على ابن الصلاح، وتَمَيَّزَ بنفسه لكونه
اعتراضاً على ابن الصلاح.
وابن حبان يقارب الحاكم في التساهل، والحاكم أشد تساهلاً. قال
الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم.
قلت: و «البُسْتِي» بضم الموحدة، وإسكان السين المهلمة، وبعده
مثناة فوق، فمثناة تحت، نسبةً إلى مدينة من بلاد كَابُل، بين
هَرَاة وغزنة، وهي مدينة حسنة كثيرة الخضرة والأنهار، خرج منها
جماعة من الأئمة منهم أبو حاتم [8 - ب] هذا، والخَطَّابي،
وغيرهما.
وقوله:
_________
(1) زيادة من المصادر.
(2) في الأصل: زيادة.
(1/49)
الْمُسْتَخْرَجَاتُ
الشرح: موضوعه أن يُخَرِّج مُوَثَّقٌ أحاديث البخاري أو مسلم
بأسانيد لنفسه من غير طريقهما، فيجتمع إسناد المُخَرِّج مع
إسنادهما في شيخه أو في من فوقه، كمُستخرج الإسماعيلي
والبرقاني والأصبهاني أبي نعيم على «البخاري»، ومستخرج أبي
عوانة وأبي نعيم أيضاً على «صحيح مسلم».
وقوله:
33 - وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ)
وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِب
ش: يعني أن المستخرج لما لم يلتزم لفظ الصحيح منهما بل رواه
بلفظ وقع له عن شيخه مخالفاً للفظ الصحيح منهما، فيجتنب أن
يعزو لفظ متن المستخرج لهما بقوله (1): «أخرجه البخاري أو مسلم
بهذا اللفظ» إلا أن يكون علم أنه في المستخرج بلفظ الصحيح
بمقابلته عليه.
وقوله:
34 - عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ
لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا
ش: يعني أن مخالفة المستخرجات
لألفاظ الصحيحين كثير، ومخالفتهما لهما في المعنى قليل، فيتعلق
قوله «ربما» بقوله «ومعنى» لا بما قبله ومعه.
_________
(1) في الأصل: فبقوله.
(1/50)
وقوله:
35 - وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه ... فَهْوَ مَعَ
العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ
ش: يعني أن المستخرج على الصحيح إذا زاد لفظاً عليه من تتمةٍ
لمحذوف أو شرحٍ في حديث ونحو ذلك، فاحكم بصحة الزائد؛ لأنها من
مخرج الصحيح، ثم إن المستخرج فائدته الزيادة المذكورة لدلالتها
على حكم، وعلوِّ الإسناد لأن المستخرج إذا [9 - أ] روى حديثاً
من طريق مسلم [لوقع] (1) أنزل (2) من الطريق الذي رواه به في
المستخرج، كحديث في مسند [أبي داود الطيالسي فلو رواه أبو نعيم
مثلاً من طريق مسلم، لكان بينه وبين] (3) أبي داود رجال أربعة:
شيخان بينه وبين مسلم، ومسلم وشيخه، وإذا رواه من غير طريق
مسلم كان بينه وبين أبي داود رجلان فقط، فإن أبا (4) نعيم سمع
المسند على ابن فارس بسماعه من يونس بن حبيب بسماعه منه.
ومن فوائده: القوة بكثرة الطرق للترجيح عند المعارضة، وهي
زيادة على ابن الصلاح، حيثُ لم يذكر إلا الزيادة أو العلو، أو
هما عند الناظم تبعاً لابن جماعة.
وقوله:
36 - وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ
إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا
_________
(1) زيادة من المصدر.
(2) في الأصل: أول. خطأ، والتصحيح من المصدر.
(3) زيادة من المصدر يظهر أنها سقطت من الأصل.
(4) في الأصل: أبي. خطأ.
(1/51)
ش: أي فإن قيل قد منعت فيما تقدم العزو إلى
البخاري ومسلم لاختلاف الألفاظ والمعاني، ورأينا البيهقي في
«سننه الكبرى» و «المعرفة» وغيرهما، والبغوي في «شرح السنة»
يروون الحديث بأسانيدهم ثم يعزونه إلى أحدهما؟ أجاب بأنهم
يريدون أصل الحديث لا ألفاظه.
فقوله: «والأصلَ» منصوبٌ بـ «عزا» مفعولاً مقدماً.
ثم ذكر أن الحميدي في «جمعه بين الصحيحين» زاد الألفاظ (1)
وتتمات ليست فيهما من غير تمييز، وذلك كثير، وهو مما أُنكر
عليه؛ لأنه جمع بين كتابين فمن أين يأتي بالزيادة؟ بخلاف
«الجمع بين الصحيحين» لعبد الحق ومختصرات الصحيحين فيجوز أن
ينقل منها ويعزوه للصحيح ولو باللفظ لأنهم أتوا بألفاظ الصحيح،
بخلاف النقل من زيادات «الجمع» للحميدي.
قلت: و «البيهقي» بفتح الباء الموحدة، وإسكان الياء المثناة
تحت، وبعدها مفتوحة [9 - ب]، وقاف، نسبةً إلى بيهق قُرى مجتمعة
بنواحي نيسابور على عشرين فرسخاً منها، هو أبو بكر أحمد بن
الحسين الفقيه الشافعي الحافظ المشهور، وانفرد زمانه (2) في
فنون من العلم، غلب عليه فن الحديث، واشتهر، وهو من كبار أصحاب
أبي عبد الله الحاكم ابن البَيِّع، وهو أول من جمع نصوص
الشافعي رضي الله عنه في عشرين مجلداً، ومصنفاته مشهورة، ومن
أشهرها «دلائل النبوة» و «السنن والآثار» و «الشُّعَب» و
«مناقب الشافعي»، و «الإمام أحمد»، وهو الذي قال إمام الحرمين
في حقه: ما من شافعي إلا
_________
(1) كذا.
(2) كذا.
(1/52)
وللشافعي عليه مِنَّة إلا البيهقي فإن له
على الشافعي مِنَّة، رحمه الله تعالى.
و «الحُمَيْدي» بضم الحاء المهلمة، وبفتح الميم، وسكون الياء
المثناة تحت، وبعده دال مهملة، نسبة إلى جَدِّه حُمَيْد، وهو
أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسي صاحب «الجمع بين
الصحيحين» وغيره، كان عالماً خيراً ورعاً ثقة، أثنى عليه
الأمير ابن ماكولا فقال: أخبرني صديقنا أبو عبد الله الحميدي،
وهو من أهل العلم والفضل والتيقظ، ولم أر مثله في عفته وزهادته
وورعه [وأثنى] (1) عليه بالعلم.
وله:
لقاء الناس ليس يفيد شيئاً ... سوى الهذيان من قيلٍ وقال
فاقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ العلم أو لصلاح حال
_________
(1) الكلمة في الأصل مشتبهة.
(1/53)
مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ
وقوله:
37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ
البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا
ش: يعني [10 - أ] إن درجات الصحيح تتفاوت بحسب تَمَكُّن الحديث
من شروط الصحة وعدم [تمكنه.
وأصح كتب الحديث] مروي [البخاري] وكذا ما عطف عليه «فمسلم»
بالفاء (1)، فالصحيح أقسام سبعة:
أحدها: وهو أصحها ما أخرجه الشيخان وهو المتفق عليه عندهم.
وثانيها: ما انفرد به البخاري.
وثالثها: ما انفرد به مسلم.
ورابعها: ما هو على شروطها ولم يخرجه واحد منهما.
وخامسها: ما هو على شرط البخاري وحده.
_________
(1) العبارة وقع فيها سقط ظاهر في الأصل، فاجتهدت في تقويمها
بما جعلته بين معقوفتين، وعبارة الناظم في شرحه (1/ 125): اعلم
أن درجات الصحيح تتفاوت بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم
تمكنه، وإن أصح كتب الحديث: البخاري ثم مسلم كما تقدم أنه
الصحيح، وعلى هذا فالصحيح ينقسم إلى سبعة أقسام ...
(1/54)
وسادسها: ما هو على شرط مسلم وحده.
وسابعها: ما صح عند غيرهما من المعتمدين وليس على شرط واحد
منهما.
وقوله:
38 - شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ،
فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي
ش: «فشرطهما» مفعول «حوى» أي: فما حوى شرطَ للبخاري الذي هو
الجعفي، فما حوى شرط مسلم، فشرط غير البخاري ومسلم من الأئمة،
فهذه الأقسام السبعة.
وقوله في (ش) (1): «واستعمال «غير» غير مضافة قليل» ممنوعٌ بل
هي مضافة وعوض عن المضاف إليه للتنوين (2).
والمراد بعلى شرطهما أن يكون رجال إسناده من كتابيهما؛ لأنه
ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما، كذا قاله النووي
وأخذه ابن الصلاح، وعليه عمل القشيري والذهبي في «مختصر
المستدرك» وتعقبه الناظم في (ش) (3) بأن الحاكم صرح في خطبة
«المستدرك» بخلاف ما فهموه فقال: «وأنا أستعين الله على إخراج
أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما» أي:
بمثل رواتها لا بهم أنفسهم [10 - ب]، أو بمثل تلك الأحاديث،
وذلك إذا
_________
(1) أي قول الناظم في شرحه (1/ 126).
(2) ولعل صوابها: بالتنوين.
(3) (1/ 128).
(1/55)
كانت بنفس رواتها، انتهى.
وقوله:
39 - وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي
عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ
ش: يعني عند ابن الصلاح أنه يتعذر في هذه الأعصار الاستقلال
(1) بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد؛ لأنه ما من إسناد
إلا وفيه من اعتمد على كتابه عريًّا عن الضبط والإتقان، فما
صَحَّ سنده في كتاب أو جزء ولم يصححه فلا نتجاسر على الجزم
بصحته لما ذُكر، واستظهر النووي جواز ذلك لمن تمكن وقويت
معرفته. قال في (ش): «وعليه عمل أهل الحديث، فقد صحح غير واحد
من المعاصرين لابن الصلاح وبعده أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها
تصحيحاً كأبي الحسن بن القطَّان والضياء المقدسي والمنذري ومن
بعدهم، انتهى.
قلت: وفي المسألة قول ثالث اختاره ابن جماعة وهو التفصيل مع
غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة لشدة
فحصهم واجتهادهم، انتهى.
_________
(1) في الأصل الاستقبال. خطأ، والتصحيح من المصدر.
(1/56)
حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق
قوله:
40 - وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا ... كَذَا
لَهُ، وَقِيْلَ ظَنّاً وَلَدَى
ش: قلت: «لَدَى» بفتح اللام والدال المهلمة لغة في لَدُن قال
الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}
[يوسف:25].
يعني قال ابن الصلاح: ما رواه الشيخان بإسنادهما المتصل
فَيُقْطَع بصحته تبعاً لابن طاهر (1) المقدسي، وأبي نصر عبد
الرحيم. وقيل: لا بل يفيد الظن، وتلقيه بالقبول لإيجاب العمل
عليهم [11 - أ] بالظن ... (2) [ابن] (3) الصلاح فاشترط الجزم
في التعليق (4).
41 - مُحَقِّقِيْهِمْ قَدْ عَزَاهُ (النَّوَوِيْ) ... وَفي
الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ
_________
(1) في الأصل: لابن الطاهر.
(2) وقع في هذا الموضع سقط ظاهر في الأصل حيث انتقل الكلام بعد
ذلك على البيت رقم (44)، وسقط شرح الأبيات (41، 42، 43)،
فانظرها في شرح الناظم (1/ 134 - 141).
(3) زيادة من عندي.
(4) هذا من شرح البيت رقم (44) حيث يتكلم على اشتراط ابن
الصلاح إطلاق لفظ التعليق على ما فيه جزم كـ «قال» و «ذكر».
وانظر شرح الناظم (1/ 142).
(1/57)
42 - مُضَعَّفاً وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ ...
أَشْيَا فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ
43 - مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ الأصْلِ
لَهُ كَـ (يُذْكَرُ)
44 - وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ
الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ
قال في (ش) (1): ووقع في غير الجزم في استعماله جماعةٌ من
المتأخرين، ومنهم المزي، كقول البخاري في باب «مس الحرير من
غير لُبس»: ويُروَى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك
عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره في «الأطراف» وعَلَّمَ عليه
علامة التعليق للبخاري.
45 - وَلَوْ إلى آخِرِهِ، أمَّا الَّذِي ... لِشَيْخِهِ عَزَا
بـ (قالَ) فَكَذِي
46 - عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ (لاِبْنِ
حَزْمٍ) المُخَالِف
يعني أنه لو حذف الإسناد إلى آخره واقتصر على ذكر النبي صلى
الله عليه وسلم في المرفوع أو على الصحابي في الموقوف فإنه
يُسَمَّى تعليقاً. كذا قال ابن الصلاح نقلاً عن بعضهم وما
حَكَى غَيَره، ومثاله قول البخاري في العلم: «وقال عمر: تفقهوا
قبل أن تسودوا».
وأما ما عزاه البخاري إلى بعض شيوخه بصيغة الجزم كقوله: قال
فلان، وزاد، ونحوه، فليس [حكمه] (2) حكم التعليق عن شيوخ شيوخه
ومن فوقهم، بل حكمه حكم الإسناد المعنعن، وحكمه الاتصال بشرط
ثبوت اللقاء والسلامة من التدليس وهما موجودان في البخاري،
ومثاله قول البخاري: قال
_________
(1) (1/ 142).
(2) زيادة من المصدر.
(1/58)
هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد: حدثنا
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثنا عطية بن قيس، قال: حدثني
عبد الرحمن بن غنمٍ، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري،
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن من أمتي
أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف» فهذا حكمه الاتصال لأن
ابن عمار (1) من شيوخ البخاري [11 - ب] حدث عنه أحاديث، وخالف
الظاهريُّ ابنُ حزم في ذلك فقال في «المحلى»: هذا حديث منقطع
لم يتصل ما بين صدقة والبخاري، ولا يصح في هذا الباب شيءٌ
أبداً، وكلُّ ما فيه موضوع. وخَطَّأَهُ ابن الصلاح في ذلك بما
يُوقَف عليه في كتابه.
قال في (ش) (2): والحديث اتصل من طريق ابن عمار وغيره فقال
الإسماعيلي في «المستخرج»: حدثنا الحسن بن سفيان النسوي
الإمام، قال: حدثنا هشام بن عمار ... إلى آخره.
وقال الطبراني في «مسند الشاميين»: حدثنا محمد بن يزيد بن عبد
الصمد حدثنا هشام بن عمار، انتهى.
_________
(1) في الأصل: لابن عمار. خطأ.
(2) (1/ 146).
(1/59)
نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ
الْمُعْتَمَدَةِ
47 - وَأخْذُ مَتْنٍ مِنْ كِتَابٍ لِعَمَلْ ... أوِ احْتِجَاجٍ
حَيْثُ سَاغَ قَدْ جَعَلْ
ش: يعني إذا أخذ من يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به
حديثاً من كتابٍ معتمد لعمل به أو احتجاج، فَشَرَط ابنُ الصلاح
أن يكون ذلك الكتاب بمقابلةِ ثقةٍ على أصولٍ صحيحةٍ متعددةٍ
مرويةٍ برواياتٍ متنوعة.
وقال النووي: إنْ قابلَها بأصلٍ معتمدٍ مُحققٍ أجزأه، والإشارة
بقوله:
48 - عَرْضَاً لَهُ عَلى أُصُوْلٍ يُشْتَرَطْ ... وَقَالَ
(يَحْيَى النَّوَوِي):أصْلٌ فَقَطْ
ش: فالضمير في «جَعَل» يعود على ابن الصلاح، وظاهر كلامه في
قسم الحسن في قول الترمذي باختلاف النسخ بين حسن أو حسن صحيح
(1) أن ذلك ليس بشرط بل يستحب، قال (ن) (2): وهو كذلك.
وقوله:
_________
(1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خلل ظاهر، وعبارة الناظم
في شرحه (1/ 147): «وقال ابن الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن
نسخ الترمذي تختلف في قوله: حسن أو حسن صحيح ونحو ذلك: «فينبغي
أن تصحح أصلك بجماعة أصول، وتعقد على ما اتفقت عليه» فقوله
هنا: ينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وإنما هو مستحب.
(2) أي الناظم. شرحه (1/ 147).
(1/60)
49 - قُلْتُ: (وَلابْنِ خَيْرٍ) امْتِنَاعُ
... جَزْمٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ [12 - أ]
هذا تنبيه على اشتراط ابن الصلاح في من أخذ حديثاً من معتمد أن
يقابل في أن الحافظ ابن خيرٍ نص على اتفاق العلماء على أنه لا
يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى
يكون عنده ذلك القول مروياً ولو على أقل وجوه الروايات، لحديث
«من كذب علي متعمداً»، وفي بعضها «من كذب عَليَّ» مطلقاً، فـ
«امتناعُ جزمٍ» مبتدأ، و «إجماع» خبره معموله.
قلت: و «ابن خَير» بفتح الخاء المعجمة، وإسكان الياء المثناة
تحت، وبعده راء مهملة، هو: الحافظ أبو بكر محمد بن خير من أهل
إشبيلية، وكان يقول في نسبه الأموي: بفتح الهمزة، سمع بالمغرب
من جماعات كثيرين، ولقي عياضاً، وسمع منه، وأجاز له من الأعلام
الأندلسيين بن عتاب وغيره، ومن أهل المشرق السِّلَفي، وكان من
الإكثار في تقييد الآثار والعناية بتحصيل الرواية بحيث يأخذ عن
أصحابه الذين شركهم في السماع من شيوخه، فكان عدد مَنْ سمع منه
أو كتب إليه نيفاً ومائة رجل، قد احتوى على أسمائهم برنامج له
ضخم في غاية الاحتفال والإفادة، ومن برنامجه هذا تَلَقَّفَ (ن)
ما نص عنه هنا، تَصَدَّر بإشبيلية للإقراء والسماع، وأخذ عنه
الناس، وكان مُقَرَّئاً، مجوِّداً، ضابطاً، محدثاً، جليلاً،
متقناً، أديباً، نحوياً، لغوياً، واسع المعرفة، رضياً،
مأموناً، كريم العشرة، خيراً، فاضلاً، ما صَحِبَ أحداً ولا
صحبه أحدٌ إلا وأثنى عليه، انتهى.
(1/61)
|