مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت عتر النَّوْعُ الرَّابِعُ
مَعْرِفَةُ الْمُسْنَدِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَنَّ الْمُسْنَدَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ هُوَ الَّذِي
اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ مِنْ رَاوِيهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ،
وَأَكْثَرُ
(1/42)
مَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِيمَا جَاءَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ
مَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَافِظُ: أَنَّ
الْمَسْنَدَ مَا رُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً. وَقَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا
مِثْلَ: " مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "،
وَقَدْ يَكُونُ مُنْقَطِعًا مِثْلَ: " مَالِكٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". فَهَذَا مُسْنَدٌ؛
لِأَنَّهُ قَدْ أُسْنِدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ
الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَحَكَى أَبُو عُمَرَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْمُسْنَدَ لَا
يَقَعُ إِلَّا عَلَى مَا اتَّصَلَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قُلْتُ: وَبِهَذَا قَطَعَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ غَيْرَهُ.
فَهَذِهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
(1/43)
النَّوْعُ الْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ
الْمُتَّصِلِ
وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: الْمَوْصُولُ، وَمُطْلَقُهُ يَقَعُ
عَلَى الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ.
وَهُوَ الَّذِي اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ رُوَاتِهِ قَدْ سَمِعَهُ مِمَّنْ فَوْقَهُ، حَتَّى
يَنْتَهِيَ إِلَى مُنْتَهَاهُ.
مِثَالُ الْمُتَّصِلِ الْمَرْفُوعِ مِنَ الْمُوَطَّأِ:
(مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).
وَمِثَالُ الْمُتَّصِلِ الْمَوْقُوفِ: (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَوْلَهُ). وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
(1/44)
النَّوْعُ السَّادِسُ: مَعْرِفَةُ
الْمَرْفُوعِ
وَهُوَ: مَا أُضِيفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَلَا يَقَعُ مُطْلَقُهُ عَلَى
غَيْرِ ذَلِكَ، نَحْوَ الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابَةِ
وَغَيْرِهِمْ.
وَيَدْخُلُ فِي الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلُ، وَالْمُنْقَطِعُ،
وَالْمُرْسَلُ، وَنَحْوُهَا، فَهُوَ وَالْمُسْنَدُ عِنْدَ
قَوْمٍ سَوَاءٌ، وَالِانْقِطَاعُ وَالِاتِّصَالُ يَدْخُلَانِ
عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَعِنْدَ قَوْمٍ يَفْتَرِقَانِ فِي
أَنَّ الِانْقِطَاعَ وَالِاتِّصَالَ يَدْخُلَانِ عَلَى
الْمَرْفُوعِ، وَلَا يَقَعُ الْمُسْنَدُ إِلَّا عَلَى
الْمُتَّصِلِ الْمُضَافِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ: " الْمَرْفُوعُ
مَا أَخْبَرَ فِيهِ الصَّحَابِيُّ عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِعْلِهِ ".
فَخَصَّصَهُ بِالصَّحَابَةِ، فَيَخْرُجُ عَنْهُ مُرْسَلُ
التَّابِعِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
قُلْتُ: وَمَنْ جَعَلَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعَ
فِي مُقَابَلَةِ الْمُرْسَلِ فَقَدْ عَنَى بِالْمَرْفُوعِ
الْمُتَّصِلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1/45)
|