مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل الفصل الأول: سيرته
المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته
هو تقي الدين أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين أبي القاسم عبد
الرحمان بن عثمان ابن موسى بن أبي نصر النصري الكردي الشرخاني
الشهرزوري الأصل، الموصلي النشأة، الدمشقي الموطن والوفاة،
الشافعي المذهب (1).
والنَّصْري: بفتح النون وسكون الصاد المهملة وبعدها راء مهملة
أيضاً؛ نسبة إلى جدِّه ((أبي نصر)) (2).
والشَّرَخاني: بفتح الشين المعجمة والراء المهملة والخاء
المعجمة؛ نسبة إلى
((شرخان)) قرية من قرى شهرزور (3).
والشَّهْرَزُوري: بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء
وضم الزاي وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة. وهي كورة واسعة
بين إربل وهمدان، تنسب إلى بانيها
(زور بن الضحاك) (4).
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 3/ 243، وسير أعلام النبلاء 23/ 140،
وتذكرة الحفاظ 4/ 1430، والعبر 5/ 177، ومرآة الجنان 4/ 84 -
85، وطبقات الشافعية الكبرى 8/ 326، وطبقات الشافعية للإسنوي
2/ 133، والبداية والنهاية 13/ 142، والنجوم الزاهرة 6/ 354،
وطبقات الحفاظ: 499، والدارس 1/ 16، وطبقات المفسرين للداوودي
1/ 377، وطبقات الشافعية لابن هداية الله: 220، وشذرات الذهب
5/ 221، والأعلام 4/ 407.
(2) انظر: اللباب 3/ 311، ووفيات الأعيان 3/ 245.
(3) وفيات الأعيان 3/ 245.
(4) انظر: اللباب 2/ 216، ومعجم البلدان 3/ 375، ومراصد
الاطلاع 2/ 822.
(1/11)
المبحث الثاني:
مولده
اتفق كل مَنْ ترجم لابن الصلاح على أن مولده كان سنة (577 هـ)
(1)، لا خلاف بينهم في ذلك، وإنما الخلاف كان في مكان ولادته،
فالجمهور على أن ولادته كانت في مدينة ((شهرزور)) (2).
وانفرد تلميذه ابن خلّكان (3) بالقول أن مولده كان في
((شرخان))، وعلى الرغم من أن هذا الاختلاف ليس بذي بالٍ في
إظهار خلافٍ ما، إلاَّ أن هذا الاختلاف - على تقدير وجوده - لا
يلبث أن يزول إذا ما علمنا أن ((شرخان)) قرية تابعة إلى
((شهرزور))، فمَنْ نَسَبَ إلى الأول فقد دقق، ومَنْ نَسَبَ إلى
الثاني فقد اكتفى بذكر القطر الأعم، والله أعلم.
المبحث الثالث: أسرته ونشأته وطلبه
للعلم
لَمْ توفّر المصادر التي بين أيادينا مادة علمية عن أفراد أسرة
مترجمنا، بل قصارى ما عرفناه عنهم: ما كان يتبؤه والده من
المكانة الاجتماعية والمركز العلمي المرموق. ولا ضير في أن
نتعرض لترجمة مقتضبة لوالده فنقول: لَمْ يكن والده صلاح الدين
أبو القاسم عبد الرحمان يعرف تاريخ مولده على وجه الدقة، بل
كان يخمن أنه ولد سنة
(539 هـ) (4)، وطلب العلم لاسيما الفقه، وبرع فيه حتَّى ((كان
من جلة مشايخ
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 3/ 224، وسير أعلام النبلاء 23/ 140،
وتذكرة الحفاظ 4/ 1430، والعبر 5/ 177، وطبقات الشافعية الكبرى
8/ 326، والنجوم الزاهرة 6/ 354، والدارس 1/ 16، وشذرات الذهب
5/ 221.
(2) انظر: المصادر السابقة.
(3) وفيات الأعيان 3/ 244، وتابعه الزركلي في الأعلام 4/ 207.
(4) انظر: وفيات الأعيان 3/ 244 - 245.
(1/12)
الأكراد المشار إليهم)) (1)، ومن ثَمَّ
تقلبت به صروف الدهر ما بين موطنه والموصل، حتَّى استقر به
الأمر في حلب (2)، فتولَّى هناك التدريس في المدرسة الأسدية
(3)، حَتَّى تُوفِّي بحلب في ذي القعدة سنة (618هـ) (4).
ولقد رعى الوالد ولده وأحسن تربيته، فلقَّن ابنه - الذي ظهرت
عليه مخايل النباهة وعلوُّ الهمة وعظيم النشاط - الفقه، ومما
يدل على ذلك ما روي عنه أنه أعاد قراءة كتاب " المهذب " على
والده أكثر من مرة ولم يختط شاربه بعد (5).
والذي يبدو لنا: أن الوالد لما أحسَّ بنهم ولده للعلم، اكتفى
بأن أعطاه مبادئ العلوم الأولية، ومن ثم ترك لولده مهمة اختيار
طبيعة دروسه، فلم يهمل الولد تنويع مصادر معرفته، فطلب على
مشايخ بلده الذين كان غالبهم من الأكراد (6).
وبعد أن أدرك أبو القاسم أن تطلّعات ولده تسمو به عن أن يفي
بها معلمو قريته الصغيرة، فسافر به إلى مدينة الموصل (7) -
إحدى أكبر حواضر الإسلام - ولم يطل المقام به كثيراً فيها (8)،
فما هو إلاَّ أن اشتدَّ عوده وقوي على تحمّل أعباء الحياة،
حَتَّى يمَّم وجهه صوب قبلة العلم وجوهرة الشرق دار السلام
"بغداد" (9)، التي كانت آنذاك تعجّ بمظاهر العِلْم، وصنوف
أرباب المعرفة وطلابهم، فوردها تقي الدين وسمع بها من جملة من
__________
(1) وفيات الأعيان 3/ 243.
(2) انظر: تاريخ الإسلام وفيات (618 هـ) ص: 364، الترجمة
(532).
(3) انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 148. وهذه المدرسة منسوبة إلى
بانيها أسد الدين شيركوه بن شاذي. ولم يبقَ منها اليوم سوى
قبلتها وقبة، وقد رمّمت فيها سنة (1316هـ) ثماني حجرات. انظر:
وفيات الأعيان 3/ 243، وخطط الشام 6/ 104.
(4) انظر: تاريخ الإسلام وفيات (618 هـ)، وسير أعلام النبلاء
22/ 148.
(5) انظر: وفيات الأعيان 3/ 243.
(6) انظر: مقدمتنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 11.
(7) انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 140.
(8) انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1430.
(9) انظر: الدارس 1/ 16، وتاريخ علماء بغداد: 140.
(1/13)
المشايخ (1)، ثُمَّ بعد أن أحسَّ أن الرحلة
سنة من يطلب هذا الشأن (الحديث)، شدَّ رحاله إلى بلاد العجم،
ولزم فيها الإمام الرافعي (2) وبه تفقه وبرع في مذهب الشافعي
(3).
ثُمَّ أجاب أبو عمرو داعي العلم في خراسان حيث الأسانيد
العالية التي يرغب فيها أهل الحديث، فدخل نيسابور، ومرو،
وهمذان، إلاَّ أن أبرز مَنْ لَقِيَ من المشايخ هناك: الإمام
أبا الْمُظَفَّر السمعاني (4)، وبعد أن سمع وحصّل ((الكثير
بالموصل وبغداد ودنيسر (5) ونيسابور ومرو وهمذان ودمشق وحران))
(6)، وتأهّل لأن يكون إماماً يشار إليه بالبنان. عاد أدراجه
بعد رحلة طويلة جال فيها أهم مراكز العلم في بلاد المشرق
الإسلامي، فدخل دمشق وقد ناهز السادسة والثلاثين من عمره الذي
كانت عدد سنواته (ستة وستين عاماً)، وكان ذلك في حوالي سنة
(613 هـ) (7).
ثُمَّ قصد القدس فأقام بها (8)، ودرَّس في المدرسة الصلاحية
وتسمى الناصرية أيضاً (9)، ثُمَّ لما أمر الملك المعظم بهدم
سور القدس (10)، نزح إلى دمشق مستقرّاً بها (11)، وذلك في حدود
سنة (630 هـ) (12).
ولا نُغْفِل أن أبا عمرٍو سافر إلى الحرمين حاجّاً، - قَبْلَ
استقراره في دمشق وبعدها - وهو لَمْ يعدم في سفرته هذه علماً
يضيفه إلى مخزون علمه (13).
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 141.
(2) ستأتي ترجمته في مبحث: شيوخه.
(3) انظر: طبقات الشافعية لابن هداية الله: 221.
(4) ستأتي ترجمته في مبحث: شيوخه.
(5) بضم أوله: بلدة عظيمة مشهورة من نواحي الجزيرة، وتدعى: قوج
حصار. معجم البلدان 2/ 478.
(6) طبقات الشافعية للإسنوي: 2/ 113.
(7) انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 142.
(8) انظر: الأنس الجليل 2/ 104.
(9) انظر: مرآة الجنان 4/ 85، والبداية والنهاية 13/ 142.
(10) انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 141.
(11) انظر: شذرات الذهب 5/ 221.
(12) انظر: طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 133.
(13) انظر: مقدمتنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 12.
(1/14)
المبحث الرابع:
وفاته
بعد ستة وستين من الأعوام، جاءت سكرة الموت بالحق، فاختار الله
تعالى ابن الصلاح إلى جواره الكريم، ففاضت روحه في صباح (1)
يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر (2).
وقيل: ستة وعشرون (3)، في حين اكتفى بعض المؤرخين بذكر الشهر
من غير تعيين يوم منه (4).
وعلى كل التقديرات فإنهم متّفقون على أن وفاته كانت سنة (643
هـ) (5)، وكثر التأسف عليه وحمل نعشه على رؤوس الناس، وازدحم
على سريره الخلق، وكان على جنازته هيبة وخشوع، فَصُلِّي عليه
بجامع دمشق بعد الظهر، وشُيِّع إلى داخل باب الفرج وصُلِّي
عليه هناك ثانية، ولم يقدر الناس على الخروج لدفنه؛ لأن دمشق
كانت محاصرة من الخوارزمية (6)، وَلَمْ يخرج مَعَهُ إلاَّ نحو
عشرة أَنْفُس مخاطرين حَتَّى دفنوه في مقابر الصوفية خارج باب
النصر (7)، فرحمه الله (8).
__________
(1) وقال الذهبي: ((في السحر)). سير أعلام النبلاء 23/ 143،
وقال ابن كثير: ((ليلة الأربعاء)). البداية والنهاية 13/ 142.
(2) انظر: وفيات الأعيان 3/ 244، وتذكرة الحفاظ 4/ 1431،
وطبقات الشافعية الكبرى 8/ 327، وطبقات الشافعية للإسنوي 2/
134، والبداية والنهاية 13/ 142، وطبقات الحفاظ: 503، وطبقات
الشافعية لابن هداية الله: 221، وشذرات الذهب 5/ 222.
(3) انظر: الذيل على الروضتين: 175، والعبر 5/ 178، والدارس 1/
17.
(4) انظر: مرآة الجنان 4/ 85، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة
2/ 115، والنجوم الزاهرة 6/ 354.
(5) انظر: المصادر السابقة جميعها.
(6) هم أقوام ينسبون إلى ((خوارزم))، وهي سلطنة نشأة في القرون
الوسطى، وكان دخولهم إلى الإسلام بواسطة السلاجقة الأتراك، وقد
استعان بهم الملك الصالح أيوب صاحب مصر لأخذ دمشق من يد عمِّهِ
الملك الصالح إسماعيل. انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 143، ومرآة
الجنان 4/ 83 - 84.
(7) قال السبكي: ((قبره على الطريق في طرفها الغربي، ظاهر يزار
ويتبرك به)). طبقات الشافعية الكبرى 8/ 328.
قال شعيب الأرناؤوط: ((وقد درست، وقام مكانها عمائر ومستشفى
ومسجد)). هامش سير أعلام النبلاء 23/ 143.
(8) انظر: وفيات الأعيان 3/ 243، وسير أعلام النبلاء 23/ 143،
وتذكرة الحفاظ 4/ 1431 والعبر 5/ 178، ومرآة الجنان 4/ 85،
وطبقات الشافعية الكبرى 8/ 327، وطبقات الشافعية =
=للإسنوي 2/ 134، والبداية والنهاية 13/ 142، وطبقات الشافعية
لابن قاضي شهبة 2/ 115، والنجوم الزاهرة 6/ 354، وطبقات
الحفاظ: 503، والدارس 1/ 17، وطبقات المفسرين للداوودي 1/ 377،
وطبقات الشافعية لابن هداية الله: 221، وشذرات الذهب 5/ 222،
والأعلام 4/ 207.
(1/15)
|