مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل

الفصل الثالث: دراسة الكتاب
المبحث الأول: أهمية الكتاب
لَمْ تعد أهمية كتاب ابن الصلاح أمراً خافياً أو شيئاً غامضاً يحتاج إلى إيضاح وتفصيل، ولنا أن نجزم بأن كتابه هو المحور الذي دارت في فلكه تصانيف كل مَنْ أتى بعده، وأنه واسطةُ عقدِها، ومصدر ما تفرع عنها. ولم يكن لمن بعده سوى إعادة الترتيب في بعض الأحيان، أو التسهيل عن طريق الاختصار أو النظم، أو إيضاح بعض مقاصده التي قد تخفى عَلَى بعض المطالعين عن طريق التنكيت.
وقد رزق الله تَعَالَى كتاب ابن الصلاح القبول بَيْنَ الناس، حَتَّى صار مدرس مَنْ يروم الدخول في هذا الشأن، ولا يتوصّل إليه إلاَّ عن طريقه، فهو الفاتح لما أغلق من معانيه والشارح بما أجمل من مبانيه.
ولم تقتصر قيمة الكتاب العلمية عَلَى جانب تفرده في مصطلح الحديث وبيان مبادئه، وإنما عُدّت من بدايات الكتابات في علمٍ نعتقد أنه ظهر عند الغرب في وقت متأخر، ألاَ وهو علم تحقيق النصوص وتوثيق المرويات، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إنه لا يزال متفرداً بخصائصه التي تتصل بهذا الموضوع. وما دام تخصصه قد امتدَّ إلى هذا الباب فليس غريباً أن تكون له مباحثات فيما يتصل بعلم التاريخ.
ولعل المؤلف ابن الصلاح عنى ذلك بقوله: ((فحينَ كادَ الباحثُ عنْ مُشْكلِهِ لا يُلْفِي لهُ كاشفاً، والسائلُ عنْ علمِهِ لا يَلْقى بهِ عارفاً، مَنَّ اللهُ الكريمُ - تباركَ وتعالى - عليَّ - ولَهُ الحمدُ - أجمعُ بكتابٍ " معرفةَ أنواعِ علمِ الحديثِ "، هذا الذي باحَ بأسرارهِ الخفيَّةِ، وكشفَ عَنْ مشكلاتِهِ الأبيَّةِ، وأحكمَ معاقدَهُ، وقعَّدَ قواعدَهُ، وأنارَ معالِمَهُ، وبيَّنَ أحكامَهُ، وفصَّلَ أقسامَهُ، وأوضحَ أصولَهُ، وشرحَ فروعَهُ وفصولَهُ، وجمعَ شتاتَ علومِهِ وفوائدَهُ، وقنصَ شواردَ نُكتِهِ وفرائدَهُ)) (1).
__________
(1) انظر: 74 من طبعتنا هذه.

(1/30)


ومما يجلِّي الأمر أكثر ويجعلنا أمام صورة واضحة عن أهمية هذا التصنيف أن ننقل جملة من أقوال العلماء فيه:
1. فقد قال الإمام النووي (ت676هـ): ((هو كتاب كثير الفوائد، عظيم العوائد، قد نبَّه المصنِّف -رَحِمَهُ اللهُ- في مواضع من الكتاب وغيره، عَلَى عظم شأنه، وزيادة حسنه وبيانه، وكفى بالمشاهدة دليلاً قاطعاً، وبرهاناً صادعاً)) (1).
2. وقال الخويي (2) (ت 693 هـ) في منظومته (3):
وخير ما صنف فيها واشتهر ... كتاب شيخنا الإمام المعتبر
وهو الذي بابن الصلاح يعرف ... فليس من مثله مصنف (4)
3. وقال ابن رشيد (ت 721 هـ):
((الذي وقفت عليه وتحصل عندي من تصانيف هذا الإمام الأوحد أبي عمرو ابن الصلاح - رحمه الله - كتابه البارع في معرفة أنواع علم الحديث وإنّه كلّما كتبت عليه متمثلاً:
لكل أناس جوهر متنافس ... وأنت طراز الآنسات الملائح)) (5)
4. وقال ابن جماعة (ت733 هـ):
((واقتفى آثارهم الشَّيْخ الإمام الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح بكتابه
الذي أوعى فيه الفوائد وجمع، وأتقن في حسن تأليفه ما صنع)) (6).
__________
(1) إرشاد طلاب الحقائق 1/ 108.
(2) نسبة إلى خوي، بلدة من بلاد أذربيجان. انظر: الأنساب 2/ 479، والمراصد 1/ 493.
(3) انظر: مقدمتنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 21.
(4) نقلا عن مقدمة محاسن الاصطلاح: 33.
(5) ملء العيبة 3/ 211.
(6) المنهل الروي: 26.

(1/31)


5. قال ابن كثير (ت 774 هـ‍):
((ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه الشَّيْخ الإمام العلاَّمة أبو عمرو بن الصلاح - تغمَّده الله برحمته - من مشاهير المصنفات في ذلك بَيْنَ الطلبة لهذا الشأن وربَّما عني بحفظه بعض المهرة من الشبَّان، سلكت وراءه واحتذيت حذاءه)) (1).
6. وقال الزركشي (ت 794 هـ):
((وجاء بعدهم الإمام أبو عَمْرو بن الصَّلاَح فجمع مفرّقهم، وحقّق طرقهم، وأجلب بكتابه بدائع العجب، وأتى بالنكت والنخب، حَتَّى استوجب أن يكتب بذوب الذهب)) (2).
7. وقال الأبناسي (ت 802 هـ):
((وأحسن تصنيف فِيْهِ وأبدع، وأكثر فائدة وأنفع: " علوم الْحَدِيْث " للشيخ العلاّمة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح فإنّه فتح مغلق كنوزه، وحلّ مشكل رموزه)) (3).
8. وقال ابن الملقن (ت 804 هـ):
((ومن أجمعها: كتاب العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح -سقى الله ثراه، وجعل الجنة مأواه - فإنه جامع لعيونها ومستوعب لفنونها)) (4).
9. وقال العراقي (ت 806 هـ):
((أحسن ما صنف أهل الْحَدِيْث في مَعْرِفَة الاصطلاح كتاب " علوم الْحَدِيْث " لابن الصَّلاَح، جمع فِيْهِ غرر الفوائد فأوعى، ودعا لَهُ زمر الشوارد فأجابت طوعاً)) (5).
__________
(1) اختصار علوم الحديث 1/ 95 - 96.
(2) النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 9 - 10.
(3) الشذا الفياح 1/ 63.
(4) المقنع في علوم الحديث 1/ 39.
(5) التقييد والإيضاح: 11.

(1/32)


10. وقال ابن حجر (ت 852 هـ):
((فجمع شتات مقاصدها، وضمَّ إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر)) (1).
11. وقال السيوطي (ت 911 هـ):
((عكف الناس عليه، واتخذوه أصلاً يرجع إليه)) (2).
وبهذا نكاد أن ننقل إجماع الأئمة، منذ أن رأى كتاب "معرفة أنواع علم الحديث" النور إلى يوم الناس هذا، دليلاً على مكانته، وغزارة علمه وفوائده شاهداً على علوِّ كعبه ونصرة حزبه، فرحم الله مؤلفه وجامعه، وأسبل عليه نعمه وفضائله، إنّه سميع مجيب.

المبحث الثاني: سمات منهج ابن الصلاح
عَلَى الرغم من أن المؤلفين القدامى لا سيَّما المتأخرون الذين يصنفون لا عَلَى الأسانيد منهم لا يفصحون بمناهجهم التأليفية إلاَّ قليلاً، لكن المتتبع لتصرفاتهم في تصانيفهم لا يعدم وصفاً تقريبياً لسمات مناهجهم التأليفية، وابن الصلاح ليس استثناءً من هذه القاعدة التي أوشكت أن تكون عامة.
وقد استطعنا - بحمد الله - أن نحدد بعض الملامح لمنهج ابن الصلاح في تصنيفه هذا وسنعرضها مدعمة بالأمثلة:
1. إتيانه بالتعريفات للأنواع التي هو بصدد توضيحها، واهتمامه بهذا الجانب جداً، ولعل ذلك راجع إلى تأثره بالنَّزعة الأصولية التي تهتم بضبط التعاريف، وأيّاً ما يكون الدافع فقد بدا هذا الأمر واضحاً جلياً في كتابته، إلاَّ أن منهجه في هذا الجانب قد تنوع عَلَى النحو الآتي:
__________
(1) نزهة النظر: 51.
(2) البحر الذي زخر 1/ 235.

(1/33)


أ. ابتكاره تعاريف لَمْ يسبق إليها، كما في تعريف الحسن (1)، والمعلَّل (2)، والمضطرب (3)، والمخضرم (4)، وغيرها.
ب. كان حريصاً عَلَى بيان ماهية المعرَّف، وكان يلجأ في بعض الأحيان إلى التمثيل من غير ذكر للحدِّ، كما في المقلوب إذ عرَّف به بقوله: ((هو نحو حَدِيْث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً به)) (5).
فتعقّبه الزركشي فقال: ((وهذا التعريف غير وافٍ بحقيقة المقلوب، وإنما هو تفسير لنوع منه)) (6)، وبنحوه قال ابن حجر (7). وكما في النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد (8).
ج‍. إذا كان للنوع أقسام فإنه يذكرها معرفاً بها، كما في النوع الرابع والعشرين: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه (9).
فإنه مشتمل عَلَى فروع ثمانية هي أنواع التحمل والأداء، فعرَّف بكل منها (10). وإذا كان الفرع يضم أقساماً فإنه يعرف بها أيضاً كما في الإجازة (11).
__________
(1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 99.
(2) المصدر نفسه: 186.
(3) المصدر نفسه: 192.
(4) المصدر نفسه: 407.
(5) المصدر نفسه: 208.
(6) نكت الزركشي 2/ 299.
(7) النكت عَلَى كتاب ابن الصلاح 2/ 864.
(8) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 173.
(9) انظر: المصدر السابق: 247 وما بعدها.
(10) المصدر نفسه: 247، 251، 265 ... الخ.
(11) انظر: المصدر نفسه: 265، 267، 268، 271 ... الخ.

(1/34)


د. وربما كان للمعرَّف أكثر من تعريف، فكان المؤلِّف يوردها جميعاً ولكنه في أكثر أحيانه لا يبقي الأمر هملاً، ولكنه يرجح شيئاً يستعين به الباحث، كما في تعريف الحسن (1)، والمسند (2)، والمنقطع (3)، والشاذ (4)، وغيرها.
هـ‍. في بعض الأحيان - وإمعاناً منه في إيضاح ماهية المعرَّف - يبين محترزات التعريف، حَتَّى يسلم من الاعتراضات، كما في تعريف الصحيح (5)، والمرفوع (6)، وغيرهما.
2. استحداثه - في بعض الأنواع - لأقسام غير مسبوق بها، تسهيلاً لتلك المباحث وإعانة للقارئ عَلَى فهمها جيداً، كما في تقسيمات الصحيح (7)، وتقسيم
الحسن (8)، والشاذ (9)، والمنكر (10)، والأسماء والكنى (11)، وغيرها.
3. كان أبو عمرو ذا عقلية متفتحة ونظر سليم، قادراً عَلَى التمحيص وتمييز ما في أقوال من سبقه من خطأ، والتعرف على مواطن الخلل لذا كان موقفه متبايناً منها، فتارة يتولاها بالنقد، وتارة يستدرك أموراً، وتارة يوضح المقصد من الكلام، وعلى كلٍّ فقد برزت الصور الآتية في منهجه التأليفي في إطار هذه النقطة:
__________
(1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 100.
(2) المصدر نفسه: 114.
(3) المصدر نفسه: 132.
(4) المصدر نفسه: 164.
(5) المصدر نفسه: 79.
(6) المصدر نفسه: 116.
(7) المصدر نفسه: 96 - 97.
(8) المصدر نفسه: 100.
(9) المصدر نفسه: 168.
(10) المصدر نفسه: 170 - 172.
(11) المصدر نفسه: 435 وما بعدها.

(1/35)


أ. كان يتعقب عَلَى بعض اختيارت العلماء، مثل تعقبه عَلَى اختيار بعض المغاربة تفضيل صحيح مُسْلِم عَلَى البُخَارِيّ، بسبب أنَّهُ ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح سرداً.
فقال: ((وليس يلزم منه أن كتاب مُسْلِم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح عَلَى كتاب البُخَارِيّ، وإن كان المراد به أن كتاب مُسْلِم أصح صحيحاً، فهذا مردود عَلَى من يقوله)) (1).
وكتعقبه عَلَى تعاريف الحسن بقوله: ((كل هذا مستبهم لايشفي الغليل)) (2) وتعقب أيضاً من اختار من أهل المغرب والقاضي الرامهرمزي من أهل الشرق في اللحق أن يكتب في نهايته الكلمة المتصلة به في موضع التخريج لتدل عَلَى اتصال الكلام، فقال: ((وليس ذَلِكَ بمرضي، إذ رب كلمة تجيء في الكلام مكررة حقيقة، ... الخ كلامه)) (3).
ب. لقد مثّل ابن الصلاح الذروة في فهم مضامين كلام العلماء الذين سبقوه، ونجد ذَلِكَ واضحاً في توجيهه لقول الحافظ أبي علي النيسابوري: ((ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مُسْلِم بن الحجاج)). قائلاً: ((فهذا وقول من فضَّلَ من شيوخ المغرب كتاب مُسْلِم عَلَى كتاب البُخَارِيّ إن كان المراد به أن كتاب مُسْلِم يترجح بأنه لَمْ يمازجه غير الصحيح، فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسروداً غير ممزوج بمثل ما في كتاب البُخَارِيّ في تراجم أبوابه من الأشياء التي لَمْ يسندها على الوصف المشروط في الصحيح، فهذا لا بأس به)) (4).
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 85.
(2) المصدر السابق: 100.
(3) المصدر نفسه: 304.
(4) المصدر نفسه: 85.

(1/36)


وتوجيهه لقول مُسْلِم: ((ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.
قائلاً: أراد - والله أعلم - أنه لَمْ يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه، وإن لَمْ يظهر اجتماعها في بعضها عِنْدَ بعضهم)) (1).
وَوَجَّه قول البخاري: ((أحفظ مئة ألف حديث صحيح، ومئتي ألف حديث غير صحيح)).
بأن ((هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين، وربما عُدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين)) (2).
ج‍. ومن أجل تكامل البحث العلمي والاستفادة من جهود السابقين، لَمْ يهمل أبو عمرو أقوال من سبقه إهمالاً كلياً، وإنما كان يوردها ثُمَّ يزيد عليها ما يراه مكملاً لما يرمي إلى إيضاحه فكراً أو تطبيقاً، كما توضحه الأمثلة الآتية:
بعد أن بيَّن حكم الأحاديث التي يوردها الحاكم في المستدرك بأنها إن لَمْ تكن صحيحة فهي حسنة، إلاَّ أن تظهر فيها علة توجب ضعفها!!! قال: ((ويقاربه في حكمه " صحيح أبي حاتم بن حبان البستي ")) (3).
وبعد أن نقل عن الخطيب جواز كتابة طباق التسميع في بداية الكتاب أو في حاشية الصفحة الأولى قال: ((ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفى موضعه)) (4).
4. هناك صفة تميز كتابات ابن الصلاح، وهي بحد ذاتها دالة عَلَى سعة أفقه ووفور درايته، وهي تعكس من وجه آخر حجم الثروة العلمية التي وفّرها لنفسه كمخزون ثقافي، ألاَّ
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 85 - 86.
(2) المصدر نفسه: 87.
(3) المصدر نفسه: 90.
(4) المصدر نفسه: 313.

(1/37)


وهي إكثاره من نقل مذاهب العلماء في كافة المسائل التي يتعرض لبحثها، وهذا أمر نراه واضحاً ملموساً مبثوثاً في أثناء هذا الكتاب.
5. لَمْ يكن ابن الصلاح قاصراً عن الإدلاء بدلوه في القضايا التي ينقدها، سواء أكانت تلك المسائل خلافية أم وفاقية، فقد كان يطالعنا باختيارات وآراء جديدة بين الفينة والأخرى، وهي كثيرة جداً نكتفي منها بالأمثلة الآتية:
في معرض تحدّثه عن المعلق ووقوعه في الصحيحين، قال مبيناً حكمه:
((وينبغي أن نقول: ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علَّقه عنه، فقد حكم بصحته عنه)) (1).
وتقريراً لكلام أبي داود في رسالته بشأن السنن، والأحاديث التي سكت عنها فيها، قال: ((فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من الصحيحين، ولا نصَّ عَلَى صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، عرفناه بأنه من الحسن عِنْدَ أبي داود)) (2).
6. جمع ابن الصلاح شتات علوم متفرقة، وقد وظَّف تقي الدين هذا الجانب من معرفته في أبحاثه هذه، وذلك من خلال ربطه بَيْنَ القضايا الفقهية ومباحث علوم الحديث، مثل ربطه بين حجية الحديث المرسل عِنْدَ المحدّثين وحجيته عِنْدَ الفقهاء وبيان الفرق بين رواية المستور، وبين شهادة المستور (3).
وفي تعريف الموقوف قال: ((وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر ... )) (4).
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 93.
(2) المصدر السابق: 106.
(3) المصدر نفسه: 103.
(4) المصدر نفسه: 118.

(1/38)


7. لما كان ابن الصلاح في إطار تقعيد القواعد في طريقه لتقنينها كقوانين تحكم هذا
العلم، كان من كمال علمه وتكميله لتلك الأساسيات يورد ما يتوقع أن يعترض به عليه، ثُمَّ يتولى جوابه بما يسلم معه من النقد.
مثل قوله في بحثه لتقوي الضعيف بكثرة الطرق:
((لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: ((الأذنان من الرأس))، ونحوه، فهلاَّ جعلتم ذَلِكَ وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذَلِكَ عضَّد بعضاً، كما قلتم في نوع الحسن عَلَى ما سَبَقَ آنفاً؟؟
وجواب ذَلِكَ أنَّهُ ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، ... الخ كلامه)) (1).
وكما في جوابه عن الإشكال المتوقع من جمع الترمذي بَيْنَ الحسن والصحة في وصف حديث واحد؛ لأن الحسن قاصر عن الصحيح، فكيف يستقيم الجمع بَيْنَ نفي القصور وإثباته؟؟
فقال: ((وجوابه: أن ذَلِكَ راجع إلى الإسناد ... الخ)) (2).
8. بيانه مراتب بعض الكُتُب المصنفة، إرشاداً للطالب في كيفية الاعتماد عليها ونمثل لذلك بما يأتي:
فبعد أن بيَّن حكم مستدرك الحاكم والأحاديث الواردة فيه، بيَّن حكم صحيح ابن حبان قائلاً: ((ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي)) (3).
ونراه قد سرد عدداً لا بأس به من المسانيد، مُصدِّراً ذلك بقوله: ((كتب المساند غير ملتحقة بالكتب الخمسة)) (4)، وعلَّل هذا الحكم بأنهم: ((يخرِّجُوا في مسند كل
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 103 - 104.
(2) المصدر السابق: 110.
(3) المصدر نفسه: 90.
(4) المصدر نفسه: 108.

(1/39)


صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثاً محتجّاً به، فلهذا تأخَّرت مرتبتها - وإن جلَّت لجلالة مؤلفيها - عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنَّفة على الأبواب)) (1).
9. عدم إهماله لبعض الإشارات التي تتصل بمسائل لغوية وهي ذات دلالة أوَّلاً وآخِراً على عمق ثروته اللغوية، مثل تعقبه عَلَى المحدِّثين في استخدامهم مصطلح ((معضل))، فَقَالَ: ((وأصحاب الحديث يقولون: أعضَله فهو معضل - بفتح الضاد - وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة، وبحثت فوجدت له قولهم: ((أمر عضيل))، أي: مستغلق شديد، ولا التفات في ذلك إلى مُعْضِل - بكسر الضاد - وإن كان مثل عضيل في المعنى)) (2).
ومثل بيانه لمعنى الإجازة في اللغة نقلاً عن ابن فارس قائلاً: ((معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث، يقال منه: استجزت فلاناً فأجازني إذا أسقاك ماءً ... الخ كلامه)) (3).
وبيانه لمعنى الوجادة في اللغة بقوله: ((هي مصدر لـ: ((وَجَدَ يَجِدُ)) مولد غير مسموع من العرب ... )) (4).
10. كان دأب ابن الصلاح الإرشاد والتنبيه على أهمية الأنواع التي يبحثها استكمالاً لجوانب البحث العلمي الذي كان حريصاً على إظهاره بالشكل الأتم، ومما يدلل على هذا أن نسوق أمثلة لها.
فابن الصلاح وهو بصدد بحثه لمعرفة زيادات الثقات يقول عنه منبهاً عَلَى أهميته:
((وذلك فن لطيف تستحسن العناية به)) (5).
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 109.
(2) المصدر السابق: 136.
(3) المصدر نفسه: 276.
(4) المصدر نفسه: 288.
(5) المصدر نفسه: 176.

(1/40)


وقال في نوع المعلل مرشداً إلى عظيم خطره: ((اعلم أن معرفة علل الحديث من أجلِّ علوم الحديث وأدقِّها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب)) (1).
وقال في معرفة غريب الحديث: ((هذا فنٌّ مهمٌّ يقبح جهله بأهل الحديث
خاصة)) (2).
11. تنبيهه على استعمالات المحدِّثين أو الحكمة في صنيعهم أو إيضاح اصطلاحاتهم مثل: توضيحه لما اصطلح عليه البغوي في كتابه " مصابيح السنة " (3)، وكما في توضيحه لسبب جعل علامة التضبيب كأنها صاد (4) وعلة استعمال المحدِّثين لعلامة التحويل في الإسناد (ح) مهملة (5).
12. عَلَى الرغم من أن ابن الصلاح كان من منهجه الاختصار كلما وجد إلى ذلك
سبيلاً؛ إلاَّ أنَّهُ لَمْ يغفل أن يسوق بَيْنَ تارة وأخرى إسناداً له، ينقل به حديثاً أو طُرفةً أو قولاً أو شعراً، يؤنس به المطالعين، ويذكّر به سنة السالفين (6).
13. قد كان أبو عمرو طيلة صفحات الكتاب ذا شخصية بارزة واضحة متميزة وذلك من خلال إبداء آرائه الجديدة، وقدرته على المناقشة والتصويب وترجيح ما يراه راجحاً من الآراء (7).
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 187.
(2) المصدر السابق: 375.
(3) المصدر نفسه: 107.
(4) المصدر نفسه: 306.
(5) المصدر نفسه: 313.
(6) انظر: المصدر نفسه: 313 و 339 و 347 و 358، وغيرها.
(7) انظر: المصدر نفسه: 88 و 96 و 121 و 313 و 318 و 319 و 323 و 326 و 329 مثلاً.

(1/41)


14. كان من منهج ابن الصلاح أن يعزز ما يختاره من المذاهب التي يذكرها في المسائل الخلافية بأقوال العلماء، ونجد ذلك واضحاً في طيات كتابه، ولا ضير في التمثيل لبعضها.
ففي معرض تقريره لجواز أن يثبت الراوي سماعه للكتاب بخطه من غير حاجة إلى أن يكتبه الشَّيْخ الْمُسْمِع، في حالة كون الراوي موثوقاً به، أورد أن عبد الرحمان بن منده سأل أبا أحمد الفرضي أن يكتب له سماعه في جزء سمعه منه، فقال أبو أَحْمَد:
((يا بني! عليك بالصدق، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد ... الخ)) (1).
وقرر أن الإبطاء بإعادة الكتب التي فيها سماعات لأصحابها أمر قبيح، وأورد قول الزهري: ((إيَّاك وغلول الكتب. قيل: وما غلول الكتب؟ قَالَ: حبسها عَلَى
أصحابها)) (2).
15. تنبيهه عَلَى من صنَّف في الأنواع التي يبحثها (3).
16. بروز الجانب التطبيقي عنده، وذلك من خلال ما يعرضه من الأمثلة التي ملأت صفحات كتابه.
17. كل مَنْ يقرأ كتاب ابن الصلاح لا يملك إلا أن يعترف بأدبه الجمِّ الذي زخرت به كتاباته، تعبيراً عمَّا يكنه في نفسه من تقوى وورع، واعتراف بفضل السابقين، فلا تجده يذكر سم الله تعالى من غير ثناء، ولا يكاد يذكر اسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مقروناً بالصلاة عليه، وكذلك الصحابة والتابعون والعلماء ممن بعدهم لا يذكرهم إلا مترضِّياً عليهم أو مترحِّماً.
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 314.
(2) المصدر السابق: 314.
(3) انظر: المصدر نفسه: 383 و 415 و 430 و 445 و 463 و 470 مثلاً.

(1/42)


ومما يعدُّ من خصائصه الأسلوبية، أنه لا يكاد ينهي فقرة إلاَّ ويقول في ختامها:
((والله أعلم))، تواضعاً منه واعترافاً بضمون قوله جلَّ ذكره: {وَمَا أُوتِيْتُمْ مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيْلاً}. الإسراء: 85.

المبحث الثالث: مصادره وموارده
تعددت مصادر ابن الصلاح تبعاً لتعدد جوانب ثقافته المتنوعة التي تتطلبها طبيعة الكتابة في ميدان يشابه الميدان الذي خاض غماره وسبر أغواره ابن الصلاح، فجاءت ثمرته ناضجة آتت أكلها والحمد لله.
ومن خلال نظرة فاحصة نلقيها عَلَى هذا التصنيف، يمكننا أن نميّز نوعين من تِلْكَ المصادر:
الأول: المصادر الشفوية.
الثاني: المصادر الكتابية.
وسنعرض لكل منهما في مطلب مستقل:

المطلب الأول: المصادر الشفوية
مرَّ بنا فيما مضى أن ابن الصلاح جال بلاداً كثيرة، وطلب عَلَى أيادي علماء عصره، فجمع علوماً وظَّفها لخدمة منهجه التأليفي، وهي تلك المعلومات التي استمدها شفاهاً من شيوخه، ويمكننا جعلها عَلَى قسمين:
الأول: ما أبهم فيه مصدره فلم يصرح بطريق نقله، مثل:
قوله: وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة ... )) (1).
وقوله: ((وأخبرني من أُخبر عن القاضي عياض بن موسى من فضلاء وقته ... )) (2). ونحو ذلك قوله: ((وأخبرني بعض أشياخنا عمن أخبره عن القاضي ... )) (3).
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 269.
(2) المصدر السابق: 274.
(3) المصدر نفسه: 328.

(1/43)


الثاني: ما صرح فيه بذكر شيخه وسلسلة إسناده، مثل:
قوله: ((كمثل ما حدثنيه الشَّيْخ أبو الْمُظَفَّر، عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني ... )) (1).
وكمثل قوله: ((حدثني بمرو الشَّيْخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي، عن أبيه ... )) (2).
وكقوله: ((أخبرنا أبو بكر بن أبي المعالي الفراوي قراءة عليه، قال: أخبرنا الإمام جدي ... )) (3). وغيرها كثير.

المطلب الثاني: المصادر الكتابية
اعتمد أبو عمرو على مصادر كتابية كثيرة في مختلف المواضيع كالحديث دراية ورواية والتفسير وعلوم القرآن والتاريخ وكتب الرجال والأدب والنحو واللغة وغريب الحديث وغيرها مما هو موضح في الفهرس الذي خصصناه بها فلا حاجة إلى التطويل بذكرها هنا.
ولكن نود هنا أن ننبه على أن أكثر تعويل ابن الصلاح كان على عالمين اثنين هما:
الأول: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ، وذلك من خلال كتابه " معرفة علوم الحديث "، حيث ضمَّن كثيراً من أفكاره في كتابه، فضلاً عن كثير من النصوص التي نقلها منه.
الثاني: الخطيب البغدادي الحافظ، إذ كان تعويله في أكثر مباحث كتابه على كتاب الخطيب " الكفاية "، ويجد القارئ مصداق ذلك في عشرات النقول التي خرجناها
__________
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 238.
(2) المصدر السابق: 314.
(3) المصدر نفسه: 325 - 326.

(1/44)


من الكفاية، بله لا تخلو صفحة - لا سيما مباحث ما قبل نصف الكتاب - عن ذَكَرَ الكفاية.
وكذلك عوَّل على بقية كتبه كالجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1)، وتلخيص المتشابه (2)، وتالي تلخيص المتشابه (3)، ورافع الارتياب، وغيرها.
المبحث الرابع: جهود العلماء في خدمة كتاب ابن الصلاح
لعلّ كتاباً في مصطلح الحديث لم يخدم كما خدم كتاب ابن الصلاح إذ كان هو المحرك الفعلي الذي تولدت عنه عشرات بل مئات المؤلفات التي أغنت المكتبة الإسلامية، وساهمت بمجموعها في إكمال حلقات هذا العلم المبارك.
وقد اختلفت اتجاهات المؤلفين في طبيعة بحوثهم لتطوير وتعزيز القيمة العلمية لهذا الكتاب فمنهم الناظم، ومنهم الشارح، ومنهم المختصر، ومنهم المنكِّت توضيحاً أو استدراكاً فلهذا ارتأينا - خدمة لتقسيمات البحث العلمي المنظم - أن نوزعها على النحو الآتي، وبالله التوفيق.
أ. المختصرات:
لعلّ هذا الطابع من التصنيف الذي كان كتاب ابن الصلاح المحفِّز لها هو الأكثر، نظراً إلى أن من ألّف في هذا اللون يبغي تقليص حجم الكتاب الأصلي؛ وذلك باختزال الألفاظ وتكثيف الفكر والمعاني، وحذف الأمثلة التي لا حاجة لها والابتعاد عن المناقشات غير الضرورية، وزيادة الفوائد والآراء، مع مخالفة ترتيب الأصل أحياناً، تسهيلاً لطلبة العلم وغيرهم.
ومن أبرز تلك المختصرات:
__________
(1) طبع ثلاث طبعات بتحقيقات مختلفة.
(2) طبع بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي.
(3) طبع بتحقيق مشهور حسن سلمان وأحمد الشقيرات.

(1/45)


1. إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، للإمام النووي ... (ت 676 هـ‍) (1).
2. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، للإمام النووي أيضاً (2) وهو اختصار لكتابه السابق.
3. المنهج المبهج عند الاستماع، لمن رغب في علوم الحديث على الاطلاع، لقطب الدين القسطلاني (ت 686 هـ) (3).
4. أصول علم الحديث، لعلي بن أبي الحزم القرشي الطبيب المشهور بابن النفيس (ت 689 هـ) (4).
5. الاقتراح، للإمام ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) (5).
6. الملخص، لرضي الدين الطبري (ت 722 هـ) (6).
7. رسوم التحديث، للجعبري (ت 732هـ) (7).
8. المنهل الروي، لبدر الدين بن جماعة (ت 733 هـ) (8).
9. مشكاة الأنوار، للبارزي (ت 738 هـ) (9).
10. الخلاصة في علوم الحديث، للطيبي (ت 743 هـ) (10).
__________
(1) طبع بتحقيق عبد الباري فتح الله السلفي عن مكتبة الإيمان سنة (1408 هـ- 1987 م).
(2) طبع مستقلاً ومع شرح السيوطي، ونحن بسبيل طبعه محققاً على نسختين خطيتين.
(3) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 236، وانظر: قواعد التحديث: 41 وقد شرحه عبد الهادي الأبياري (ت 1305 هـ‍) منه نسخة في المكتبة السليمانية بتركيا برقم (167).
(4) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 237، ولا نعلم عنه شيئاً.
(5) طبع بتحقيق د. قحطان عبد الرحمان الدوري في بغداد سنة (1402 هـ - 1982م).
(6) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 236 ومنه نسخة خطية بإسبانيا في مكتبة الأسكوريال برقم (ثان 1615/ 1).
(7) منه نسخة خطية في المكتبة الأحمدية بحلب، برقم (1428).
(8) طبع بتحقيق د. محيي الدين عبد الرحمان رمضان سنة 1395 هـ - 1975 م.
(9) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 237 - 238 ولا نعلم عنه شيئاً.
(10) طبع بتحقيق السيد صبحي السامرائي سنة 1391 هـ - 1971.

(1/46)


11. الكافي، لتاج الدين التبريزي (ت 746 هـ) (1).
12. الموقظة، للإمام الذهبي (ت 748 هـ) (2).
13. المختصر، لعلاء الدين المارديني المشهور بابن التركماني (ت750 هـ‍) (3).
14. مختصر، لشهاب الدين الأندرشي الأندلسي (ت 750 هـ) (4).
15. مختصر، للحافظ العلائي (ت 761 هـ) (5).
16. الإقناع، لعز الدين بن جماعة (ت 767 هـ) (6).
17. اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) (7).
18. التذكرة في علوم الحديث، لسراج الدين ابن الملقن (ت 804 هـ) (8).
19. المقنع في علوم الحديث، لسراج الدين ابن الملقن أيضاً (9).
20. نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) (10).
21. المختصر، للكافيجي (ت 879 هـ) (11).
22. مختصر بهاء الدين الأندلسي ( ... ؟) (12).
__________
(1) منه نسخة خطية بإستانبول.
(2) طبع بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة سنة 1405 هـ/ 1985 م وهو في الحقيقة اختصار لكتاب ابن دقيق العيد " الاقتراح "، وفي خزانتنا نسخة خطية متقنة منه.
(3) منه نسختان خطيتان: الأولى بالمكتبة الأحمدية بحلب برقم (283) والثانية في مكتبة لاله لي
برقم (390/ 15).
(4) ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1162.
(5) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 238 - 239.
(6) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 239 - 240.
(7) طبع مع شرح العلاَّمة أحمد محمد شاكر -رحمه الله- المسمى " الباعث الحثيث ".
(8) طبع بتحقيق علي حسن علي عبد الحميد الحلبي في دار عمار - الأردن.
(9) طبع بتحقيق عبد الله يوسف الجديع سنة 1413 هـ - 1992 م.
(10) طبعت عدة مرات.
(11) طبع بتحقيق د. علي زوين سنة 1407 هـ - 1987 م.
(12) مجهول الوفاة، وراجع مقدمة التدريب: 7.

(1/47)


ب. المنظومات:
ظهر منذ عهد مبكر نسبياً، تيّار في الشعر العربي، انتقل إلى علماء الفنون المختلفة يسمى: الشعر التعليمي، خصّص نطاق عمله في نظم الكتب المهمة في مجالات العلم تسهيلاً لطالبي العلوم في حفظها، ومن ثَمَّ الغوص في معانيها. وعلى أي حال فقد كان نصيب كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح عدداً من المنظومات التي لا يستهان بها، وسواء أكانت تلك المنظومات ذات جدة وحداثة أم لا؟ فإنّها مثّلت جانباً من جوانب اهتمام العلماء واعتنائهم بهذا السفر العظيم. والذي يهمنا هنا أن نسلِّط الضوء عليها كوصلاتٍ في تاريخ هذا العلم المبارك، وليس من شرطنا أن تكون هذه المنظومة قد احتوت كل المادة العلمية لكتاب ابن الصلاح، بل يكفي أن يكون هذا الكتاب هو المرجع الأول بالنسبة لها، وعلى هذا نجد أن بعض هذه المنظومات مطوّلة، وبعضها مختصرة، وبعضها متوسطة، ولعلّ من أبرز من نظمه:
1. شمس الدين الخُوَيي (ت 693 هـ)، وسمّى منظومته باسم " أقصى الأمل والسول في علوم حديث الرسول "، توجد منه عدة نسخ خطية (1).
2. أبو عثمان سعد بن أحمد بن ليون التجيبي (ت 750 هـ) (2).
3. زين الدين العراقي (ت 806 هـ) المسمّى: التبصرة والتذكرة (3).
4. مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن عبد الخالق المصري البرشنسي (ت 808 هـ) وسمّى منظومته: " المورد الأصفى في علم حديث المصطفى " (4).
__________
(1) راجع كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 6/ 208.
(2) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 240.
(3) طبعت بتحقيقنا.
(4) ذكره السيوطي في البحر الذي زخر 1/ 241 وقد شرحها الناظم نفسه انظر: شذرات الذهب 7/ 79، ومعجم المؤلفين 10/ 142.

(1/48)


5. شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الدمشقي المعروف بابن الجزري
(ت 833 هـ) وسمّى منظومته " الهداية في علم الرواية " (1).
6. جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) ومنظومته مشهورة باسم " الألفية " (2).
7. رضي الدين محمد بن محمد الغزي (ت 935 هـ)، وسمّى نظمه " سلك الدرر في مصطلح أهل الأثر " (3).
8. منصور سبط الناصر الطبلاوي (ت 1014 هـ) (4).
ج‍. الشروح:
قد كان للجانب الشمولي في كتاب ابن الصلاح أثره الواضح في أن أحداً لم يتصدَّ لشرح الكتاب نفسه، وإنما انعكس هذا الجانب على شرح مختصراته ومنظوماته، لذا سنتناول أبرزها على اعتبار أن أصلها الأصيل هو كتاب ابن الصلاح، ومن ذلك:
1. شروح ألفية العراقي.
2. نزهة النظر، للحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) وما يتعلق بها (5).
3. تدريب الراوي للسيوطي (ت 911 هـ) (6).
4. البحر الذي زخر، للسيوطي (ت 911 هـ) شرح فيه ألفيته (7).
__________
(1) لها عدة نسخ خطية انظر: الفهرس الشامل للتراث الإسلامي 3/ 1725 وقد شرحها غير واحد، وفي خزانتنا نسخة خطية من الهداية.
(2) طبعت مجودة الشكل مع شرح العلامة أحمد محمد شاكر، ومع شرح محمد محيي الدين عبد الحميد، ومع شرح السيوطي نفسه.
(3) انظر: تاريخ الأدب العربي 6/ 208.
(4) المصدر السابق 6/ 210.
(5) طبعت عدة مرات، وانظر: مقدمة علي الحلبي في تحقيقه لنزهة النظر: 5 - 26.
(6) طبع بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف أكثر من مرة، وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 465 شروحاً أخرى للتقريب.
(7) طبع بتحقيق أنيس أحمد طاهر سنة 1420 هـ - 1999 م.

(1/49)


د. التنكيت:
النُّكَت: جمع نُكْتَةٍ، وهي مشتقة من الفعل الثلاثي الصحيح (نَكَتَ)، وهو ذو اشتقاقات مختلفة، أجملها ابن فارس فَقَالَ: ((النون والكاف والتاء أصل واحد يدلّ على تأثير يسير في الشيء كالنكتة ونحوها، ونكت في الأرض بقضيبه ينكت: إذا أثّر فيها)) (1).
أما في الاصطلاح فالنكتة: مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر، من نكت رمحه بأرض إذا أثر فيها، وسميت المسألة الدقيقة نكتةً؛ لتأثير الخواطر في استنباطها (2).
وقد كان نصيب كتاب ابن الصلاح من كتب النكت شيئاً دلّ على مدى تعمّق الدارسين في فهم معانيه ومدلولاته، حسب اللون العلمي الذي يغلب على ذلك المنكِّت، فنرى الأصولي يُغَلِّب المباحث الأصولية في طريق تقرير مسائل الكتاب المهمة، وهذا ما نلمسه جلياً في نكت الزركشي، والْمُحَدِّث يجعل همّه المباحثات الحديثية، وهو منهج واضح نراه في نكت العراقي وشيخه مغلطاي، وهكذا بالنسبة إلى الفقيه كما وقع للبلقيني وابن جماعة وغيرهم.
وعلّ الفطن من القرّاء عرف من العرض السابق أسماء بعض من كتب نكتاً على كتاب ابن الصلاح، ولكننا نودّ أن نجعل الأمر استقصائياً استقرائياً، فجمعنا مَن وقع في علمنا أنه ساهم في هذا الجانب، سواء عن طريق الكتابة والبحث المباشر على كتاب ابن الصلاح أو العمل غير المباشر عن طريق التعليق على فروع كتاب ابن الصلاح، وأهم هذه الكتب:
1. إصلاح كتاب ابن الصلاح، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الأسعردي الدمشقي ثُمَّ المصري المشهور بابن اللبان (ت 749 هـ) (3).
__________
(1) مقاييس اللغة 5/ 475.
(2) التعريفات للجرجاني: 134، وانظر: تاج العروس 5/ 128 (نكت).
(3) نكت الزركشي 1/ 10، وطبقات ابن قاضي شهبة 3/ 69، والبحر الذي زخر 1/ 241.

(1/50)


2. إصلاح كتاب ابن الصلاح، للإمام العلاّمة علاء الدين أبي عبد الله مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري الحنفي (ت 762 هـ) (1).
3. النكت عَلَى مقدمة ابن الصَّلاَح، للإمام بدر الدين أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن
عبد الله بن بهادر الزركشي (ت 794 هـ) (2).
4. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، للشيخ برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي (ت 802 هـ) (3).
5. محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح، لسراج الدين أبي حفص عمر ابن رسلان البلقيني (ت 805 هـ) (4).
6. التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806 هـ) (5).
7. شرح علوم الحديث، لعز الدين مُحَمَّد ابن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة الحموي (ت 819 هـ) (6).
8. النكت عَلَى كتاب ابن الصلاح، للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن مُحَمَّد ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) (7).
__________
(1) انظر: نكت الزركشي 1/ 10، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية برقم (1/ 232).
(2) طبع بتحقيق د. زين العابدين بن محمد بلا فريح سنة 1419 هـ- 1998 م.
(3) وإنما عددناه في النكت؛ لكونه زاد بعض الزيادات التي خطرت له، والكتاب طبع بتحقيق صلاح فتحي هلل سنة 1418 هـ- 1998 م.
(4) طبع مع مقدمة ابن الصلاح بتحقيق د. عائشة عبد الرحمان (بنت الشاطئ) سنة
1974م.
(5) طبع قديماً بتحقيق عبد الرحمان محمد عثمان، وهي إلى السقم أقرب، وقد أعددناه للطبع على نسخ إحداها عليها خط المؤلف، ومن الله التوفيق.
(6) انظر: بغية الوعاة 1/ 63.
(7) طبع بتحقيق د. ربيع بن هادي عمير. سنة 1408 هـ - 1988 م.

(1/51)