شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير

شرح ألفية الحافظ العراقي (21)
متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟

الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
في هذا اليوم المبارك نرجو بركته من الله -جل وعلا- نفتتح هذه الدورة الثالثة الصيفية بداً بالقسم الثالث من ألفية الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-، ومعلوم أن هذا القسم والذي يليه الرابع والخامس إنما هي من تتمات علوم الحديث، فمن آداب الرواية والتحمل والأداء هو نصيب هذا العام -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد ذلك الذي يليه في كتابة الحديث وضبطه وإتقانه وشكله والعناية به .. إلى آخر الألفية -إن شاء الله تعالى-، ومن تتمات هذا العلم ما يتعلق بآداب الطالب، طالب العلم ولصلته بهذا العلم اقترح بعض الإخوان أن تقرأ ميمية الشيخ الحافظ الحكمي؛ لأنها كلها في الوصايا والآداب العلمية، ومنها ما يخص طالب الحديث، طالب العلم عموماً ثم طالب الكتاب، ثم طالب السنة، وطالب العلم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الآداب، لا سيما وأننا قد نجد بين صفوف طلاب العلم من هو غير متقيد بهذه الآداب، وبهذه الوصايا، فلصلتها بعلوم الحديث ومن أنواع علوم الحديث كما تعلمون آداب المحدث وآداب طالب الحديث، وأكثرها موجود في هذه القصيدة الميمية، وهي قصيدة جيدة ماتعة جامعة في هذا الباب، نرجو أن ينفع الله بها، كثيراً ما نذكرها في دروسنا ونقتبس منها، فيكثر الطلب عليها من بعض طلاب العلم، فتلبية لهذه الرغبة من قبلهم أدرجنها في جدول هذه السنة، والله المستعان.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، واغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟
وَقَبَلُوا مِنْ مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ ... فِي كُفْرِهِ كَذَا صَبِيٌّ حُمِّلاَ

(21/1)


ثُمَّ رَوَى بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَمَنَعْ ... قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ (كَالسَّبْطَيْنِ) مَعْ
إِحْضَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلصِّبْيَانِ ثُمّْ ... قَبُوْلُهُمْ مَا حَدَّثُوا بَعْدَ الْحُلُمْ
وَطَلَبُ الْحَدِيْثِ فِي الْعِشْرِيْنِ ... عِنْدَ (الزُّبَيْرِيِّ) أَحَبُّ حِيْنِ
وَهْوَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَهْلُ الْكُوْفَهْ) ... وَالْعَشْرُ فِي (الْبَصْرَةِ) كَالْمَألُوْفَهْ
وَفِي الثَّلاَثِيْنَ (لأَهْلِ الشَّأْمِ) ... وَيَنْبَغِي تَقْيِيْدُهُ بِالْفَهْمِ
فَكَتْبُهُ بالضَّبْطِ، والسَّمَاعُ ... حَيْثُ يَصِحُّ، وَبِهِ نِزَاعُ
فَالْخَمْسُ لِلْجُمْهُورِ ثُمَّ الحُجَّهْ ... قِصَّةُ (مَحْمُوْدٍ) وَعَقْلُ الْمَجَّهْ
وَهْوَ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَقِيْلَ أَرْبَعَهْ ... وَلَيْسَ فِيْهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ
بَلِ الصَّوَابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا ... مُمَيِّزَاً وَرَدُّهُ الْجَوَابَا
وَقِيْلَ: (لابْنِ حَنْبَلٍ) فَرَجُلُ ... قال: لِخَمْسَ عَشْرَةَ التَّحَمُّلُ
يَجُوْزُ لاَ فِي دُوْنِهَا، فَغَلَّطَهْ ... قال: إذا عَقَلَهُ وَضَبَطَهْ
وَقِيْلَ: مَنْ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَقَرْ ... فَرَّقَ سَامِعٌ، وَمَنْ لاَ فَحَضَرْ
قال: بِهِ الَحْمَّالُ وابْنُ الْمُقْرِيْ ... سَمَّعَ لاِبْنِ أَرْبَعٍ ذِي ذُكْرِ
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟ " (أو) هنا بمعنى الواو؛ لأن الترجمة معناها متى يصح تحمل الحديث؟ يعني متى يصح تحمل الحديث في السن بحيث لا يصحح قبله؟ ومتى يستحب تحمل الحديث؟ يعني ما السن الذي يصح فيه تحمل الحديث؟ وما السن الذي يستحب فيه تحمل الحديث؟
أولاً: التحمل: هو أخذ الأحاديث عن الشيوخ؛ لأن رواية الحديث لها طرفان طرف تحمل وطرف أداء، فالتحمل هو أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ الأحاديث للطلاب، التحمل أخذ الأحاديث عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ هذه الأحاديث للطلاب، وللطرف الواحد -الشخص الواحد- يجتمع فيه الطرفان، الشخص الواحد يجتمع فيه الطرفان، فيتحمل الأحاديث عن شيوخه ثم يؤديه إلى الآخذين عنه من الطلاب، الذي هو التبليغ وهو الأداء، تبليغ العلم، فيأخذه عن شيوخه ويؤديه إلى طلابه.

(21/2)


متى يصح؟ الصحة هنا يقابلها عدم الصحة التي هي البطلان، بطلان التحمل، هل هناك سن يصح فيه التحمل بحيث إذا سمع الشخص الحديث قبل هذا السن يكون تحمله باطلاً ليس بصحيح؟ هل يوجد سن حد فاصل بين الصحة والبطلان في هذا الباب في تحمل الحديث؟ هذا له سن محددة عند أهل العلم، وكذلك الاستحباب، استحباب الطلب، يعني الصحة في الغالب أنها تكون بواسطة ولي الأمر، يحضر صبيه لدرس الحديث فيسمع من الشيوخ بواسطة ولي الأمر، يعني يحضر، وأما بالنسبة للاستحباب فهذا إذا حضر بنفسه، متى يصح التحمل؟ الأصل أن يبحث هنا السن؛ لأن هناك سن عند أهل العلم مطلوب للتحمل، فلا يصح قبله، وهناك سن يستحب فيه تحمل الحديث، وهناك سن يستحب فيه الجلوس للتحديث، وهناك سن يكف فيه المحدث عن التحديث ويمنع، هذه كلها يبحثها أهل العلم في هذا الباب، فالتحمل بواسطة الولي -لي أمر الصبي الذي يحب أن يسمع ولده الحديث- له وقت، مع أنهم يختلفون فيه اختلافاً كبيراً، واستحباب التحمل كون الشخص يأتي ليتحمل الحديث بعد التأهل هذا أيضاً له وقت، والشيخ ومتى يجلس للتحديث له وقت عند أهل العلم، والكف عن التحديث أيضاً له زمن ينتهي عنده التحديث.
بدأ الناظم -رحمه الله تعالى- في رواية الكافر، في تحمل الكافر، سبق في باب من تقبل روايته ومن ترد أن العدالة شرط لصحة الرواية وقبولها، العدالة، الضبط، شرط لصحة الرواية وقبولها، فلا تصح رواية الكافر ولا الفاسق ولا من دون الحلم الذي هو البلوغ، ويقول هنا:
وقبلوا من مسلم تحملا ... . . . . . . . . .

(21/3)


الاشتراط هناك إنما هو للأداء، الاشتراط إنما هو للأداء، فالراوي إذا أدى لمن يأخذ عنه لا بد أن تطبق عليه جميع الشروط، لا بد أن تطبق عليه جميع الشروط، التي تقدمت في حال الأداء كالشهادة، لكن في حال التحمل لا تطبق عليه الشروط، لا تطبق عليه الشروط، كما أنه في العصور المتأخرة عن عصور الرواية بعد عصور الرواية أعرضوا عن اكتمال الشروط، لماذا؟ لأن الرواية في عصر الرواية عليها مدار التصحيح والتضعيف، أما بعد أن دونت السنن في الكتب صارت الرواية مجرد إبقاء السلسلة التي هي خصيصة هذه الأمة، صلة طالب العلم بنبيه -عليه الصلاة والسلام- التي لا توجد في غيرها من الأمم، من مات من الأنبياء السابقين انقطعت صلة أتباعه به، والأسانيد لا توجد إلا في هذه الأمة، لما كانت الفائدة من وجود الأسانيد هي المحافظة على هذه الخصيصة فقط دون أن يكون لها أثر في ثبوت الخبر أو نفيه تساهلوا وأعرضوا عن اكتمال الشروط، ولذا تجد في أسانيد العلماء المتأخرين بينهم وبين الأئمة المصنفين بعض الضعفاء، بل فيهم من هو شديد الضعف، فإذا كان في طريقي بيني وبين الإمام البخاري راوٍ ضعيف أو مجهول أو مبتدع هل يؤثر هذا على حديث في صحيح البخاري؟ نعم يؤثر فيه؟ يعني أنا بيني مثلاً وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- عشرين نفس، وبين البخاري وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أربعة في حديث: الأعمال بالنيات مع البخاري خمسة وخمسة عشر الخمسة هؤلاء عليهم المعول في التصحيح والتضعيف، لكن الخمسة عشر اللي من دونهم عليهم معول؟ يعني لو بيني وبين البخاري ضعفاء، هل يتأثر حديث: الأعمال بالنيات بوجود هؤلاء الضعفاء؟ لا يتأثر، في أعلى درجات الصحيح سواء روي من طريق ضعفاء أو وضاعين أو ثقات أو غيرهم، لكن خلاص ضبط ودون في الكتب، إذاً ما الفائدة من أن يحرص طلاب العلم على الأسانيد، إنما هي مجرد إبقاء خصيصة هذه الأمة واتصالها بنبيها -عليه الصلاة والسلام-، التي لا توجد لغيرها من الأمم، ولذلك أعرضوا عن اكتمال الشروط بعد عصور الرواية، في حال الأداء، في حال التحمل الذي هو الطرف الأول من طرفي الرواية لا يطبقون الشروط، ولذلك قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

(21/4)


وقبلوا من مسلم تحملا ... في كفره. . . . . . . . .
في حال التحمل كافر، لكن في حال الأداء لا بد أن تطبق عليه الشروط، في حال التحمل ولو كان كافر، "وقبلوا من مسلم" القبول لا يكون إلا من مسلم، تنطبق عليه الشروط "تحملا ... في كفره" في يعني في حال كفره، وحديث جبير بن مطعم حينما جاء في فداء أسرى بدر وهو كافر، لما جاء في فداء أسرى بدر وهو كافر، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور حفظ هذه السنة، وأداها بعد إسلامه، فقبلت منه، وخرجت في الصحيح في البخاري وغيره.
طيب الراوي كافر كيف تقبل روايته؟ نقول: نعم في حال التحمل يتحمل، لكن الشروط التي بين أهل العلم في قبول الرواية إنما هي في حال الأداء؛ لأنه إنما يحاسب إذا أراد أن يؤدي مثل الشهادة، إذا أراد أن يؤدي.
لو أن شخصاً اقترض من شخص مالاً، ولم يحضره إلا صبي في العاشرة من عمره، وطلبت شهادة هذا الصبي في الحال تقبل وإلا ما تقبل؟ لا تقبل، لكن لو طلبت بعد خمس سنوات أو ست سنوات تقبل، لماذا؟ لأنه في أول الأمر في حال الكفر أو في حال الصبا لا يتورع عن الكذب، لكن في حال الأداء بعد إسلامه وبعد بلوغه الحلم الذي هو من شروط قبول الرواية تطبق عليه، هو يتدين بدين يردعه عن الكذب، لكن إذا كان لا يتدين بدين كدين الفساق الذين لا يردعهم عن الكذب تقبل وإلا ما تقبل؟ ما تقبل؛ لعلة أخرى وهي الفسق.

(21/5)


جبير بن مطعم روى الحديث تحمل الحديث حال كفره، يقول: إنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه، وفي بعض الروايات: كاد قلبه أن يطير، وهو كافر، فهل يحصل هذا من كثير من المسلمين؟ بل من طلاب العلم في العصر الذي نعيشه هل يحصل مثل هذا؟ هذا التأثر يحصل من كثير من طلاب العلم؟! لا ما يحصل، والله إننا نسمع سورة الطور ما تحرك ساكناً؛ لأن القلوب تغيرت، القلوب ران عليها ما ران من شهوات وشبهات، أيضاً جبير بن مطعم رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف مع الناس بعرفة قبل الهجرة؛ لأنه أضل بعيراً له فطلبه فمر بعرفة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفاً مع الناس بعرفة، فتعجب كيف يقف بعرفة خارج الحرم وهو من الحمس وهو من الحمس مس النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف بعرفة مع الناس، والحمس لا يخرجون من الحرم وهو منهم، وهذه حجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة، قبل أن يفرض الحج، على ملة إبراهيم الحنيفية، كانوا يحجون، العرب كانوا يحجون، والله المستعان، أدها بعد إسلامه فقبلت عنه.
"وقبلوا من مسلم" لا بد أن يكون مسلم، القبول لا يكون إلا من مسلم، تكتمل فيه الشروط السابقة "من مسلم تحملا" الألف هذه للإطلاق؛ لأنه في المقدمة إذا جاءت الألف ألف التثنية لمن؟ نعم للبخاري ومسلم، وهذه ألف الإطلاق "تحملا ... في كفره كذا صبي" حَملا وإلا حُمّلا؟ نعم؟ الفرق ما في فرق من حيث المعنى، يعني حملا بنفسه أو حُمّلا روي الخبر؛ لأنه صبي اللائق به أن يكون حُمّلا، والوزن يقتضيه، والوزن يقتضيه، حُمّلا هذا الوزن يقتضيه، وإلا لو كانت حملا ما يختلف فيها الوزن ما فيها إشكال؛ لأن الصبي في الغالب أنه لا يتحمل بنفسه إنما يحمل الحديث، يُروى الحديث، يؤتى به لسماع الحديث، يعني نظير من حج به أبوه يصح أن قال: حج فلان، ومن حمل الحديث يصح أن يقال: حمل الحديث، ما في إشكال من حيث المعنى، لكن الوزن يقتضى "كذا صبي حملا" صبي تحمل الحديث أو حمل الحديث حال صباه، ثم روى بعد البلوغ، والبلوغ يكون باكتمال خمسة عشرة، أو بالإنزال، أو الإنبات، وتزيد المرأة الحيض.

(21/6)


ثم روى بعد البلوغ، يعني بعد التكليف، أما قبل التكليف ما يقبل، لماذا؟ لأنه لا يؤمن أن يكذب؛ لأنه لم يجرِ عليه قلم التكليف، ولا يؤاخذ بالكذب، إذاً ما الذي يردعه عن الكذب، ثم روى بعد البلوغ "ومنع قوم هنا" منع تحمل الصبي قبل بلوغه قوم "ومنع قوم هنا" يعني في حال الصبا، قالوا: لا يصح تحمل الصبي، لماذا؟ لأنه مظنة عدم الضبط؛ لأنه مظنة عدم الضبط، يعني ما يقولون: لأنه مظنة كذب، لماذا؟ لأنه في حال التحمل لا تطبق عليه الشروط، تطبيق الشروط إنما يكون في حال الأداء، طيب الصبي هنا منع قوم هنا؛ لأن الصغير قالوا: مظنة عدم الضبط، "ورُد" رده ظاهر؛ لأن الصبي المميز هو مظنة الضبط، وهو مظنة الحفظ؛ لأن التعلم في الصغر أقوى منه في الكبر وأثبت، ولذا يحرص أهل العلم أن يعلموا الصغار، ويكون الحفظ في هذا السن -يعني الصغر- أكثر من الفهم، بخلاف التعلم في حال الكبر يركز أهل العلم على فهم طلاب العلم أكثر من حفظهم، والعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

(21/7)


قال: "ورد كالسبطين" الحسن والحسين من أوضح الأمثلة، ابن عباس مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يناهز البلوغ لم يبلغ، ابن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة، ومات النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمره عشر سنوات، مقتضى الرد أن نرد رواية هؤلاء، الحسن والحسين وابن الزبير وابن عباس ونظرائهم من جلة الصحابة، قد يقول قائل: هؤلاء صحابة فيستثنون، فيرد غيرهم غير الصحابة، هل للصحبة أثر في القبول والرد في هذا الباب، الأثر أثر الوصف بالصحبة إنما هو في مسألة العدالة والضبط، في مسألة العدالة لا شك أن الصحابة كلهم عدول، كلهم ثقات، أما بالنسبة للأمور الجبلية فإذا رُد الصغير من غير الصحابة الذي مرد قبول روايته الضبط، فالصحابة مثلهم، يعني هذا أمر جلبي، ما يرجع إلى العدالة، هل للصحبة أثر في الحفظ مثلاً؟ هل للصحبة أثر في الحفظ؟ أما في العدالة ظاهر، الصحابة بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم عدول، لكن بالنسبة للحفظ والضبط والإتقان هل نقول: إن فلان قبل إسلامه لا يضبط وبعد إسلامه يضبط؟ نعم؟ ممكن؟ لا هذا ليس مرده إلى الصحبة، ولذا الرد بهؤلاء الصحابة وقبول روايتهم بالإجماع من أوضح ما يرد به على من رد تحمل الصغير.
ورد كالسبطين مع ... إحضار أهل العلم للصبيان.
ابن عباس يعني رغم قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ابن عمه، ويشهد المشاهد، ويحضر المناسبات، ويبيت عند النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً، صغير السن، حتى قال الغزالي: إنه لم يرو عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة إلا أربعة أحاديث، والبقية كلها يرويها بواسطة، لكن هذا الكلام مقبول وإلا مردود؟ مردود، فالحافظ جمع مما صرح فيه ابن عباس بقوله: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو رأيت، أكثر من أربعين مما صح وحسن.

(21/8)


"ورد كالسبطين" الحسن والحسين أبني فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن البنت يقال له: سبط، وابن الابن يقال له: حفيد "ورد كالسبطين مع ... إحضار للصبيان" لكن ماذا عن أسباط بني إسرائيل هل هم أولاد بنات أو أولاد بنين؟ أولاد بنات وإلا أولاد بنين؟ أهل العلم يقولون: السبط ابن البنت، عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته، السبط ابن البنت، وأسباط بني إسرائيل أولاد بنات أو أولاد بنين؟ أولاد بنين، "مع ... إحضار أهل العلم للصبيان" فيمن تأخر في العصور المتأخرة بعد عصور الرواية ابن الديان، هذا طبيب يهودي طبيب يهودي حضر عند الحافظ المزي، وحضر عند غيره، فترددوا في إثبات اسمه في الطباق، ترددوا في إثبات اسمه في الطباق، الطباق كتابة الأسماء -أسماء الرواة- في آخر الكتاب، يقال: سُمع هذا الكتاب فلان وفلان وفلان يذكرون كل الحاضرين على الشيخ فلان، ثم يقول: صحيح ذلك، ويكتب اسمه، ترددوا قالوا: نكتب ها اليهودي وإلا ما نكتبه؟ فسألوا شيخ الإسلام ابن تيمية قال: اكتبوا اسمه, اكتبوه؛ لأنه ما يضر، حال تحمل، لكن إذا روى نأتي بالميزان، فكتبوا اسمه، فصار سبباً لهدايته فأسلم وصار يروي الأحاديث بسماعه لها.

(21/9)


"مع ... إحضار أهل العلم للصبيان" أهل العلم يحضرون الصبيان، الصبيان الصغار يحضرونهم على ما سيأتي في تحديد السن الذي يحضر لسماع الحديث، ويفرقون على ما سيأتي أن الحد عند الجمهور الخمس؛ لأن ما قبلها -ما قبل الخمس- أو التمييز على الخلاف في ذلك يعني إحضاره مشغلة، يشغل غيره، يعني مثلما يصنعه الآن بعض الآباء، يحضرون من له سنة أو سنتين للصلاة، فيشغلون المصلين، ويقطعون الصفوف، والصف اليوم فيه طفلان، لا تزيد أعمارهم على ستنين، وما صفوا مع الناس، اضطجع وفي الصف، طفلين، مثل هذا لا ينبغي إحضاره؛ لأن مثل هذا يشغل المصلين ولا يستفيد، والأصل أن يكون الصبي مع أمه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يسمع بكاء الصبي فيخفف الصلاة مراعاة لأمه، ليست وظيفة الأب إحضار الصبيان، اللهم إلا إذا كان ليست له أم، وفي مقام التشريع، مثل فعله -عليه الصلاة والسلام- في إحضاره أمامة ليبين أن مثل هذا العمل جائز، لكن يكون ديدن، وهذا مستند لمن أراد أن يحضر من يحضر من يشغل المصلين، وفي يوم من الأيام جاء شخص بطفل عمره سنتان، فلما كبرنا انطلق الصبي إلى المصاحف فصار يعبث بها، والناس لا يستطيعون في صلاة، وأبوه لا يحرك ساكناً، لكن لما قرب من المروحة قطع صلاته وذهب إليه، كتاب الله لا يحرك ساكناً عنده، ولم خشي عليه أن تؤذيه أو تجرحه أو تسبب في أذاه قطع الصلاة، الدين رأس المال، فعلى طالب العلم أن ينتبه لمثل هذا وينبه غيره، والله المستعان.
"مع ...
إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
الشدة مع السكون لها لازم وإلا ما لها لازم؟
إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
نعم يحضرونهم إذا كانوا يستفيدون من الحضور، أما الذي لا يستفيد من الحضور لا يحضر، وفي صلاة جمعة في المسجد الحرام شخص جاء بطفل معه أشغله وأشغل الناس عن سماع الخطبة بالبكاء والصراخ، ثم في النهاية الأب ما صلى جلس، والناس يصلون، من أجل انشغاله بهذا الولد، ما صلى الجمعة لو جالس في شقته كان أفضل، ما الذي يعفيه من صلاة الجمعة بسبب هذا الطفل الذي له أم وعنده سكن، لكن صارت المسألة تقليد، والله المستعان.

(21/10)


. . . ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
القبول لا يكون إلا بعد البلوغ، بعد الحلم، بعد أن يوجد أو يجري قلم التكليف سواء كان بالإسلام أو ببلوغ الحلم الذي يردع هذا الصبي من أن يكذب، لو أن المؤلف قدم السن الذي يصح فيه التحمل كان أولى؛ لأنه قدم السن الذي يستحب فيه الطلب، فقال:
وطلب الحديث في العشرين ... عند الزبيري أحبُ حين
طلب الحديث بنفسه، يطلب الحديث بنفسه بعد أن يكتمل نموه في العشرين، وبعد أن يشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن، ومعرفة الأحكام، ويكون له نصيب من التعبد يعينه على تحمل الحديث؛ لأن تحمل الحديث ليس بالأمر السهل، وليس بالهين، أمر شاق وصعب، الأحاديث كثيرة ومتشعبة، وأيضاً يحتاج إلى فهمها من أجل العمل بها، قالوا:
وطلب الحديث في العشرينِ ... . . . . . . . . .
والأصل:
ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق
العشرين ملحقة بجمع المذكر السالم فالنون الأصل فيها أن تكون مفتوحة.
ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق
ابن مالك في شرح كافيته يقول: الكسر لغة، ويستدل على ذلك بقول الشاعر:
وماذا تبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعينِ
يقول: لغة، وابن عقيل يقول: ليست لغة، وإنما شذوذ، على كل حال هي جاءت هنا مكسورة من أجل الوزن،
"عند الزبيري" أبو عبد الله الزبير بن عبد الله الزبيري، يقول: "أحب حين" أحب وقت عشرين، عشرين مكتمل العقل، ينضج في العشرين فيتهيأ للحفظ، هذا عند الزبيري.
وهو الذي عليه أهل الكوفة ... والعشر في البصرة كالمألوفة
أهل الكوفة يمكنون أولادهم ويتركون أولادهم يروون الأحاديث في العشرين، وأهل البصرة في العشر.
وفي الثلاثين لأهل الشأم ... وينبغي تقييده بالفهمِ

(21/11)


الآن الخلاف في العشر لأهل البصرة والعشرين لأهل الكوفة، والثلاثين لأهل الشام، وهذا طلب الحديث بنفسه بعد أن يتهيأ، التحديد هذا لا شك أنه اجتهاد، اجتهاد منهم ليس فيه نص، وما دامت المسألة اجتهادية فللإنسان أن يختار من هذه الأقوال ما يناسبه، وإذا عرفنا أن الحفظ في عهد الصغر والصبا أقوى منه في عهد الكبر والكهولة فينبغي أن يبادر بالحفظ، والقول بأن الحفظ يتأثر بتقدم السن هذا هو الذي عليه عموم من كتب في مراحل النمو من أهل العلم وغيرهم، جلهم يتفقون على أن الحفظ يتأثر، والواقع يشهد بذلك، الماوردي في أدب الدنيا والدين يقول: الحفظ ما يتأثر، الحفظ ملكة ثابتة لا تتأثر، هي موجودة عند الصغير وعند الكبير، بل قد يوجد من الكبار من يحفظ أكثر من الصغار، التأثير إنما هو للمؤثرات الخارجية وإلا فالغريزة لا تتغير، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ نقول: الواقع يرده؟ لكن قد يوجد في بعض المراحل من الفهم ما يعين على الحفظ؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ كلاماً لا يفهمه، لا يستطيع أن يحفظ ما لا يفهم، فإذا كبر وفهم سهل عليه الحفظ من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أن الصغير ملكته في الحفظ أقوى؛ لأن الملكة تتأثر بالمؤثرات، وتتأثر بالإهمال، وتتأثر قوةً بالمتابعة؛ لأن الحفظ ملكة، كالملكة تزيد وتنقص، إذا أهمل الإنسان الحافظة نقصت، وإذا شحذها وتابع الحفظ عليها لا شك أنها تزيد، وهذا يشهد به كل واحد يزاول الحفظ، فإذا كان الأمر كذلك فنأتي إلى حفظ الأحاديث ورواية الأحاديث مع حفظ القرآن والعلوم الأخرى.

(21/12)


ابن خلدون ذكر في مقدمته الشهيرة أن طريقة المغاربة تختلف عن طريقة المشارقة، فالمغاربة عندهم الاهتمام بالقرآن قبل كل شيء، لا يخلط معه أي علم من العلوم حتى إذا ضمنه وأتقنه وضبطه درس العلوم الأخرى، المشارقة لا، المشارقة يختلفون يتدرجون في السن، المميز يبدأ بحفظ قصار المفصل، وصغار المتون يحفظ، فيقرأ مثلاً قصار المفصل ويحفظها، ويحفظ الأصول الثلاثة مثلاً، ويحفظ القواعد الأربع، يحفظ الأربعين، يحفظ تحفة الأطفال، يحفظ في الفنون كلها متون صغيرة تناسبه، مع حفظ قصار المفصل، ثم يكمل المفصل ويترقى إلى ما هو أكبر من الكتب المذكورة، وهكذا إلى أن يكون إكماله لحفظ القرآن مع إكماله للمتون العلمية المعدة والمرتبة لطبقات المتعلمين، طريقة المغاربة لا شك أن فيها عناية بالقرآن، وأيضاً فيها ضمان لحفظ القرآن؛ لأنه لا يمكن أن يبدأ بأي علم من العلوم حتى يحفظ القرآن، وكان هذا شرط لدخول الأزهر، يعني المرحلة الابتدائية في الأزهر يشترط لدخولها حفظ القرآن، لما حدثنا بعض الشيوخ الشيخ عبد الرزاق العفيفي -رحمه الله- قال: إن شرح الكفراوي في السنة الأولى الابتدائية في الأزهر، والقطر في الثانية، وابن عقيل في السنة الثالثة والرابعة ابتدائي، قلت له: ما الجامعة التي قبل هذا الابتدائي؟ قال: ما في جامعات ولا دراسات في حفظ القرآن، يحفظ القرآن ويجئ تأهل خلاص، إذا حفظ القرآن سهلت عليه جميع العلوم، وإذا اشترطنا هذا الشرط ضمنا حفظ القرآن، فلا يوجد بيننا ما يوجد الآن من كبار الشيوخ تجده ما حفظ القرآن، فإذا اشترطنا هذا الشرط ضمنا حفظ القرآن، وهذه فائدة عظمى لو لم يخرج المسلم إلا بهذه الفائدة، بينما يوجد وإن كان نادراً في أهل الحديث من يوجد في ترجمته أنه إمام بحر محيط في الحديث حافظ من الحفاظ الكبار قالوا: إنه لا يحفظ القرآن، وذكروا من ذلك ابن أبي شيبة، على كل حال طريقة المغاربة أقول: تضمن حفظ القرآن، لكن طريقة المشارقة تضمن العلوم الأخرى؛ لأنه قد تكون حافظته ضعيفة، فيأخذ في حفظ القرآن سنين طويلة، ثم إذا انتهى أو قد لا ينتهي قد لا يتيسر له حفظ القرآن، ثم ينقطع عن العلم، فالتدريج مطلوب مع جعل الأولية والعناية العظمى

(21/13)


بالقرآن، فلا تهمل هذه الطريقة ولا تلك الطريقة، يعني يجعل للقرآن نصيب وافر بحيث يحفظ في أقرب مدة ولا تهمل العلوم الأخرى؛ لأنه قد يوجد إنسان يزال ويعاني حفظ القرآن سنين ولا يتيسر له، فهل نقول: إن مثل هذا لا يحفظ متون، لا سيما وأن أهل العلم لا يشترطون للمجتهد أن يكون حافظ للقرآن كاملاً، إنما يشترطون له حفظ آيات الأحكام، وإن كان هذا لا يقلل من أهمية حفظ القرآن، فأهل الحفظ هم أهل القرآن، وابن القيم -رحمه الله تعالى- بعد أن أبان عن أهمية حفظ القرآن من قبل طالب العلم قال: لأن المقصود بأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية بالقرآن، قراءة، تلاوة، تدبراً، استنباطاً، تفقهاً، علماً وعملاً، هؤلاء هم أهل القرآن قال: وإن لم يحفظوا؛ لأنه يوجد من يحفظ القرآن وينام عنه، ويوجد من لا يحفظ القرآن ويكون ديدنه، فهذا له نصيب وذاك له نصيب، على كل حال حفظ القرآن لا أحد يشك فيه ولا أحد يماري في أهميته لا سيما لطالب العلم، فمثل ما قلنا: إن المسألة اجتهاد، أهل الكوفة للعشرين وأهل البصرة للعشر، وأهل الشام للثلاثين، وهذا اجتهاد، وكل ينظر في مصلحته ومصلحة طلابه، ومن ولاه الله عليهم من أولاد وغيرهم، إلى وقت قريب والحفظ لا شك أنه ضعيف عند الناس، ضعيف جداً، حفظ القرآن يوجد في البلد الواحد والاثنين والثلاثة، وتجد البلد فيه مائة مسجد تسعون منهم يقرآن في المصحف في التراويح، وعشرة أو أقل يقرؤون حفظ، وأما الآن -ولله الحمد- فكثر الحفاظ ثم بعد ذلك كثر حفاظ السنة -ولله الحمد والمنة-، يعني بعد أن كان الناس على يأس تام من الحفظ، يعني غايتهم وصول بلوغ المرام فإذا حفظوه انتهوا، يعني مع الزاد، ومن جمع -كما يقول أهل العلم- بين الزاد والبلوغ فقد استحق الفتيا والقضاء، والآن -ولله الحمد- يتطاولون على حفظ زوائد البيهقي، اللهم لك الحمد، وهذه سنة تحسب لمن سنها -إن شاء الله تعالى-، يرجى أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها.
يقول:
. . . . . . . . . ... وينبغي تقييده بالفهمِ

(21/14)


وينبغي تقييده بالفهم، إذا كان يفهم تتجه همته إلى السماع والرواية "فكتبه بالضبط" وينبغي تقييده بالفهم فكتبه بالضبط، يعني الرواية والتحمل بالفهم، والكتابة تكون إذا ضبط، صار أهلاً لضبطه على ما سيأتي في كتابة الحديث وضبطه؛ لأن الحفظ شيء والكتابة شيء أخر، وحفظ الصدر في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم، وكذلك حفظ الكتاب، ومن المتشددين على ما تقدم من لم يعتبر الرواية من الكتاب، ومنهم في الطرف الآخر من جعل الرواية من الكتاب أولى من الرواية من الحفظ؛ لأن الحفظ خوان، وهذا كله تقدم، فإذا تأهل وصار يفهم ما يسمع يكثر من الرواية، وإذا صار يضبط ما يكتب يكثر من الكتابة.
فكتبه بالضبط والسماع ... . . . . . . . . .
سماع الحديث وصحة السماع وصحة التحمل
. . . . . . . . . ... حيث يصح وبه نزاع
السماع من صحته، يعني مجرد السماع من صحته، والسن الذي يصح فيه السماع مختلف فيه حيث يصح وبه نزاع، والرواية والتحمل وطلب الحديث مقيد بالفهم، والكتْب مقيد بالضبط، السماع حيث يصح ولو لم يفهم، فالصبي الذي له خمس أو ست أو سبع سنين يستطيع أن يحفظ، لكنه لا يفهم، هذا يقول:
. . . . . . . . . ... حيث يصح وبه نزاع
فالخمس للجمهور ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة
فالخمس السنوات للجمهور، جمهور أهل الحديث يقولون: يصح السماع إذا بلغ الصبي خمس سنين، وقبل الخمس لا يصح السماع، وكانوا يكتبون لمن حضر إذا كان قد بلغ الخمس سمع، وإذا لم يبلغ الخمس قالوا: حضر أو أحضر، ولا يعتدون بسماعه قبل الخمس سنين، يقول: "فالخمس للجمهور" جمهور المحدثين قيدوا صحة العمل بالخمس السنين، طيب دليلهم؟
. . . . . . . . . ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة

(21/15)


محمود بن الربيع قصته في صحيح البخاري وغيره أنه عقل مجة مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلو، شرب النبي -عليه الصلاة والسلام- ماءً ثم مجه في وجه محمود، في وجه محمود بن الربيع، وهذا إما من باب التبريك؛ لأن هذا الماء خالطه ريق النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من باب المداعبة، لكن هل يحسن الآن بإنسان أن يمج في وجه غيره؟ مهما كان صبي وإلا كبير وإلا .. ؟ هذا تتفاوت فيه العادات والأعراف، بعض البلدان يظنون هذا شيء مقلق ومقرف وقبيح وشنيع، وبعضهم يظنه ويعتبره عادياً، وكنت أقرأ في المسجد الحرام بين يدي المصحف فجاءت عجوز تزيد على الثمانين ومعها ماء، وكان بجواري ولد لها نائم كبير يمكن في الخمسين ومعه أولاده مجموعة نائمين يبدو أنهم على أثر سفر فجاءت بماء فشربت منه فبخت عليهم، مجت عليهم ووصلني أنا والمصحف، هذا عادي عندهم، لكن إحنا ما هو بعادي عندنا، قد يستدل من يرى هذا أمراً عادياً بكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ التمرة التي أخذها الحسن من تمر الصدقة ووضعها في فيه وقال له: ((كخ)) فاستخرجها وردها على التمر، يعني عند بعض الناس هذا ما ينبغي هذا، لكن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يمكن أحد يستدرك، على كل حال الأعراف تتفاوت في هذا، كما أنهم يتفاوتون في الأصوات التي تخرج من البدن من أعلاه أو من أسفله، بعضهم يتعاظم هذا، وبعضهم يتعاظم هذا، ما هو موجود في أعراف الناس؟ موجود يعني، على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- مج من فمه ماءً في وجه محمود بن الربيع، وفي الصحيح عمره خمس سنين، وعقل المجة ورواها بعد ذلك، وحملت عنه، وخرجت في الصحيح، فاعتبروا ها الخمس الذي عقل فيها المجة حد فاصل؛ لأنها جاءت في الصحيح، جاء في بعض الروايات: أربع سنين، كما قاله ابن عبد البر وغيره،
لكن لعله أربع وكسر، فمن قال: خمس جبر الكسر، ومن قال: أربع حذف الكسر.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وعقل المجة
وهو ابن خمسة وقيل: أربعه ... . . . . . . . . .

(21/16)


ابن خمسة من الأعوام، ولو كان المراد من السنين لقال: وهو ابن خمس، يعني من السنين، وإذا حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث، ((من صام رمضان وأتبعه ستاً)) يعني المقصود أيام، ليس المقصود الليالي المقصود أيام، وقال: ست، والأصل أن يكون ستة أيام، فلما حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث.
وهو ابن خمسة وقيل: أربعه ... . . . . . . . . .
الذي في الصحيح، في البخاري خمسة، والأربعة في غيره، ووجه الخلاف بأنها أربع وكسر، فمن قال: خمسة جبر الكسر، ومن قال: أربع حذف الكسر.
. . . . . . . . . وقيل: أربعه ... وليس فيه سنة متبعه
الجمهور يحددون بالخمس، استناداً إلى قصة محمود بن الربيع، لكن هل كل الناس يميز لخمس، حتى لو جئنا إلى محمود بن الربيع هل يلزم من عقله هذه المجة أن يكون ميز، هل يلزم أن يعقل الإنسان شيء له أثر كبير في نفسه أن يحفظ مثله ما لا أثر له في نفسه، يعني لو سمع حديث بطوله نقول: إنه يضبط الحديث مثلما ضبط المجة؟ ما يلزم، لا يلزم، يعني مما يذكر من باب الطرف، وأيضاً التندر، طه حسين المعروف المصري الذي تغير بعد البعثة، وصار آلة للأعداء والمستعمرين، المقصود أنه يقول: إنه ولد في أول النهار الباكر، بدليل أنه لما خرج رأسه هب عليه ريح باردة، وين هذا؟! في لحظة الولادة يعرف متى ولد؟ هذا الكلام لا حظ له من العقل فضلاً من النظر، هذا الكلام ليس بصحيح، لكن يذكر في مثل هذا من باب الاستطراف.
. . . . . . . . . ... وليس فيه سنة متبعه
لا خمس، ولا أربع، ولا سبع، ولا .. ،
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا
مميزاً فالمرد إلى التمييز، وضابط التمييز أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب المطابق، يفهم الخطاب ضابط التمييز أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب المطابق، يعني لو أن صبياً قيل له: من هذا؟ قال: أمي، هو فهم السؤال، لكن رد جواب غير مطابق، الإشارة لأبيه مثلاً، أو العكس، هذا فهم الخطاب لكن رد جواب غير مطابق، قد يغتفر إذا كان السؤال عن شيء غير مألوف عنده، قد يرد الجواب لكن غير مطابق.
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(21/17)


إيه، يعني التمييز هم قصدهم أن يكون مميزاً، هم ردوا ذلك إلى التمييز بين الأقوال وبين الأفعال، المثال القول، لكن التمييز يجمع القول والفعل، إذا قلنا: مرده إلى التمييز، سواء مثلنا بفعل أو مثلنا بقول، هذا كله تمييز، لكن أنت قد تقول: إنه قد يميز في الأفعال ولا يميز في الأقوال، أو العكس، هم جعلوا مرد ذلك إلى الخمس، بناء على عقل محمود المجة، وتواطؤا على هذا، وتوارثوه، وجعلوه حداً فاصلاً، فيكتبون لمن بلغ الخمس سمع، والذي لم يبلغ الخمس يقال له: حضر أو أحضر، فقال:
. . . . . . . . . ... وليس فيه سنة متبعه
هذا القول الصحيح.
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا

(21/18)


أي شيء يدل على أن هذا الطفل يميز تكون روايته صحيحة وتحمله صحيح، يفهم الخطاب، يُسأل فيجيب بجواب مطابق، هناك أيضاً علامات للتمييز كثيرة، منهم من يقول: يعد من واحد إلى العشرين، تجدون بعض الأطفال قبل دخول المدرسة يعرف بعض الحروف في سن مبكر، وبعضهم ينتهي من المرحة الابتدائية وهو ما أتقن بعض الأرقام ولا الحسابات ولا .. ، مما يتقنه من دونه بكثير، فلا شك أن التمييز متفاوت، ولذا يقول ابن الصلاح: إن الطفل إذا فهم الخطاب ورد الجواب صح تحمله ولو لم يبلغ الخمس، وإذا كان لا يفهم الخطاب ولا يرد الجواب فإن تحمله لا يصح ولو بلغ الخمسين؛ لأن التمييز هو الحد الفاصل بين من يصح تحمله ومن لا يصح، الشرع جعل التمييز بالنسبة لجميع الأطفال للسبع، فجاء الأمر بالصلاة لسبع، هذا تمييز يشترطون لصحتها الإسلام والعقل والتمييز، فالتمييز إذا بلغ سبع سنين، طيب ألا يمكن أن يميز قبل السبع؟ ألا يمكن أن يصل إلى الثمان وهو غير مميز؟ نعم، لكن هذا تشريع عام، يحتاج إلى ضابط يضبط الناس كلهم، ويبقى النادر ما له حكم، يعني لو ميز أبو أربع سنين نقول: يأمر بالصلاة؟ لا يأمر بالصلاة، لو لم يميز إلا لعشر سنين نقول: لا يؤمر قبل؟ يؤمر قبل، لماذا؟ لئلا يترك الأمر لأولياء الأمور وفيهم المتشدد، وفيهم المتساهل، لو الناس كلهم على التوسط تُرك الأمر لهم، لكن ما يُترك لأناس فيهم ناس متفاوتون، ناس شديد الخطو والتساهل، وناس شديد في التشدد على نفسه، وعلى من تحت يده، فتجد الواحد لو ترك الأمر يحضر من له سنتان أو ثلاث يقول: مميز، فيحضره ويؤذي به الناس، والآخر ولده يبلغ العشر وهو يلعب عند باب المسجد يقول: والله ما ميزوا، والمرد التمييز والله أنا أعرف الناس به ما ميز، فجاء السن الذي يضبط الناس كلهم، كونه يميز قبل أو يميز بعد هذه نوادر، لكن يندر جداً أن يبلغ السبع وما ميز، القبول في المدارس الآن لست، هل نقول: الأولى أن يكون لسبع مثل الصلاة؟ كان القبول لسبع، ثم قالوا: ست، غالب الناس يميز لست، وكان التعليم على مستوى أعظم مما هو عليه الآن وأشد، فلا يتحمله من عمره ست سنين، لكن لما كان الآن خليط ومزيج من جدٍ يسير جداً، وهزل كثير جداً قالوا:

(21/19)


هاتوا أبو ست، ولو يجئ أبو خمس مشى كل هذا من باب الإسراع في كون الإنسان يتعلم، ويتحمل المسؤولية فيما بعد، وليت النظر يعاد في مسألة السبع، ويشد في الأمر، يزاد في الجد قليلاً، لكن المسألة اجتهادية يعني؛ لأنه يكثر من يميز في الست، لكن لو اعتمدنا هذا الأصل الشرعي، وجعلناه سبع سنوات، وجعلنا التعليم أكثر جدية مما هو عليه الآن، كان أولى.
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا
وقيل: لابن حنبل فرجلُ ... . . . . . . . . .
عبد الله بن الإمام أحمد سأل أباه أحمد بن حنبل، قال له رجل: إن رجلاً وهو الإمام يحيى بن معين قال: التحمل لخمسة عشرة، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ابن عمر ورد البراء يوم بدرٍ لصغيرهما، والعمر أربعة عشر، رد ابن عمر وعمره أربعة عشر، رد البراء وعمره أربعة عشر يوم بدر، فدل على أن الخمس عشرة هي موضع القبول.
. . . . . . . . . ... قال: لخمس عشرة التحملُ
يجوز لا في دونها. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني لا يجوز في الأربعة عشر التحمل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ابن عمر ورد البراء؛ لأن عمرهما دون الخمس عشرة "فغلطه" قال الإمام أحمد: هذا غلط، وقال: بئس القول هذا، بل إذا عقله وضبطه، يعني يصح تحمله إذا علقه وضبطه، كيف يعمل بوكيع وابن عيينة؟ كيف نصنع بالسبطين وابن الزبير وابن عباس؟ يعني في الرد السابق، الحرب التي من أجلها رد ابن عمر والبراء تحتاج إلى قوة، تحتاج إلى اشتداد، يعني البدن لا بد أن يكون مكتمل، ودون التكليف لا يكتمل البدن دون الخمسة عشرة، وأيضاً الحرب فيها إزهاق للنفس، ويشترط فيها نية التقرب لله -جل وعلا-؛ لتثبت الشهادة، وهذا إنما يكمل له المكلف، الحديث يحتاج إلى مثل ما يحتاج إليه الحرب؟ لا يحتاج من قوة البدن مثلما تحتاج إليه الحرب، إنما يحتاج إلى فهم وتمييز.
. . . . . . . . . ... قال: لخمس عشرة التحملُ
يجوز لا في دونها فغلطه ... قال: إذا عقله وضبطه
يعني يصح تحمله.
وقيل: من بين الحمار والبقر ... فرق سامع ومن لا فحضر
قال به الحمال. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .

(21/20)


قالوا: موسى بن هارون الحمال يقول: التفريق بين المميز وغير المميز تعرض له حمار وبقرة، تقول: ما هذا؟ يقول: حمار، ما هذا؟ يقول: بقرة، ولو عكس؟ غير مميز، لو قال: لا أدري غير مميز، وإذا كان في مجتمع وهو في الجامعة، يقول لأبيه في الجامعة تعدى المراحل كلها الآن، يقول لأبيه: ما لون الحمار؟ المسألة مسلة الأمثلة تكون من البيئة، يعني لو فلاح تقول له: وين الحمار؟ وين البقرة؟ صحيح .... ، لكن هات طفل ما دخل المدرسة وخله يميز لك بين أنواع السيارات مثلاً، يميزون، يعرفون أنواع السيارات؛ لأنها مشغلة الوقت، هي حديث المجالس، يميز لك بين الجوالات الآن، هي حديث المجالس، يميز لك .. ، من الأمثلة الموجودة الآن.
وقيل: من بين الحمار والبقر ... فرق سامع. . . . . . . . .

(21/21)


يعني يثبت اسمه في السماع "ومن لا" الذي لا يفرق يقال: حضر، يعني أو أحضر، لا يثبت سماعه "قال به الحمال" موسى بن هارون "وابن المقري" أبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم "سمّع" يعني أفتى بإثبات السماع "لابن أربع ذي ذُكر" سمع لابن أربع ذي ذكر، بضم الذال أي صاحب حفظ وفهم، والعلماء يذكرون في هذا الباب قصص وحكايات منها ما يثبت ومنها ما لا يثبت، فذكروا عن بعضهم أنه أحضر إلى المأمون وعمره أربع سنين، حفظ القران، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع يبكي، ويشككوا في مثل هذه القصص، وقالوا: إن ابن عيينة روى الحديث وهو صغير، وجاءوا بأطفال يحفظون، ويوجد الآن أمثلة، يوجد ابن خمس سنين وست سنين يحفظ القرآن، نعم نودر لكنه يوجد، وبعض القائمين على بعض وسائل الإعلام يذكر أنه قابل أطفال في تركيا لا ينطقون ولا بحرف من العربية، الواحد منهم أفضل من المعجم المفهرس، تأتي بأي لفظه ويأتي لك بما قبلها وما بعدها، وموضعها بالصفحة والسطر، وهل هي في أول السطر أو في آخره؟ أطفال ما بلغوا العاشرة، نعم هم موجودين في كل مكان، أنا جئ لي بطفل وظننته ولد فتبين أنه بنت بالمسجد الحرام، لا يزيد على أي حال عن ثلاث سنوات، فقال أبوه -من المشرق-: اقرأ سورة الرحمن فقرأها كاملة، لكن إخراج الحروف إخراج طفل، يناسب السن، لكن الآيات سردها على ترتيبها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وواحد من المشايخ المصريين رأينا عنده ولدين واحد عمره عشر، والثاني إحدى عشر حفظا الصحيحين بالأسانيد، ويقول: إنهما يحفظان من سنن أبي داود والترمذي كل يوم خمسين خمسين بأسانيدها، هؤلاء نوادر، وذكروا قصص كثيرة في هذا المجال، في كتب علوم الحديث، ويوجد في بيوت المسلمين الآن غرائب حتى يتكلمون بكلام تعجب كيف يمكن ما سمعوه قبل ذلك، والله المستعان.

(21/22)


على كل حال مرد هذا هو الضبط والفهم والعقل، فمن آنس من ولده أنه بلغ هذه المنزلة عليه أن يبادر به، ويكثر عليه من الحفظ ولو لم يفهم، والفهم يأتي فيما بعد، وبعض الناس لما رُبط الحفظ بالفهم حرم بسبب ذلك صغير يقول له: لا تجعله يحفظ القرآن حتى يفهم، يعني تفهمه الكلمات الغريبة، وتفهمه ما يحتاج إليه لفهم القرآن، ومع ذلك طال عليه الأمر، وصعب عليه الفهم، وكان يحفظ ثم عجز عن الحفظ، فوصيتي لإخواننا من طلاب العلم، ومن أولياء الأمور أن يهتموا بالحفظ في أول الأمر، ويستمرون عليه، يستمرون على الحفظ لا ينقطع الحفظ إلى آخر العمر، ما يقال: والله انتهيت، لا، ما له نهاية، ليس له أمد، يستمر يحفظ، ومع ذلك الفهم بالتدريج، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل: يقول: من مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لم يبلغ سن التمييز؟
مات النبي -عليه الصلاة والسلام- والراوي لم يبلغ سن التمييز، أو لم يميز، المقصود أنه لم يميز، أما إذا لم يبلغ سن التمييز الذي هو السبع عند أهل العلم، أو الخمس عند أهل الحديث، وقد ميز قبل ذلك هذا يختلف، يعني كونه ميز ولم يبلغ السن هذا شيء، وكونه لم يميز بالفعل هذا شيء آخر، ولعل قصد السائل أنه لم يميز، ثم روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فهل هو متصل أو منقطع؟ هذا مرسله صحابي، حقيقته أنه مرسل صحابي، يعني رواه عن صحابي أخر، واحتمال أن يكون رواه عن تابعي، لكن الصحابي إذا روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يسمعه منه، إما لصغر سنه، أو لغيبته، أو لتأخر إسلامه، فإنه يسمى مرسل الصحابي، وتقدم الكلام فيه.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ

(21/23)


في درس الأمس في باب متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟ ذكرنا أن السن الذي يبحث عند أهل العلم هو سن صحة التحمل، وسن استحباب التحمل، وفيهما الخلاف المعروف الذي ذكرناه في درس الأمس، والسن الثالث وقد ذكرناه في بداية الدرس، وهو متى يستحب أن يجلس للتحديث؟ والرابع متى يكف عن التحديث؟ أما الثالث: وهو متى يستحب أن يجلس التحديث؟ فليس في هذا سن محدد، إنما يجلس إذا تأهل لذلك، واحتيج لما عنده، يجلس إذا تأهل لذلك، وليحذر كل الحذر أن يجلس قبل التأهل، ويتصدى لتعليم ما لا يعرفه، وما لا يتقنه، وقد يقول قائل: إننا رأينا وسمعنا وجلسنا وحضرنا عند أناس جلسوا للتعليم في سن مبكرة، فهل معنى هذا أنهم بلغوا سن التأهل للتعليم؟ أو أن الحاجة داعية إلى جلوسهم؟ هذه مسالة حقيقة يعني في تحديدها من قبل الشخص نفسه صعوبة، كيف يدعي لنفسه أنه تأهل للتعليم، أما مسألة الحاجة فقد يرى أن غيره ممن هو أكفأ منه تأخر عن التعليم فيتصدى له، وهو مثاب ومأجور على هذا، لكن كيف يعرف الإنسان من نفسه أنه تأهل؟ ويشهد لنفسه بذلك أنه تأهل؟ لا بد من شهادة أهل العلم له بذلك، واستفاضة أمره، وأنه إذا جلس في مجالس أهل العلم لاموه لماذا لا تُعلم؟ وإذا انتقل إلى مجلس آخر كذلك، ولو لم يدرك هذا من نفسه؛ لأنه قد يعرف غيره عنه ما لا يعرفه عن نفسه من خلال المناقشة ومن خلال المحاورة، والإشكال في مثل هذه المسالة أن الناس على طرفي نقيض، منهم من يموت وهو من كبار أهل العلم ويرى أنه ليس بأهل للتعليم، وهذا موجود، يعني في الواقع موجود، ومنهم من يتصدى للتعليم قبل التأهل، ولو أن أهل العلم الذين حملوه وتأهلوا لنشره قاموا بما أوجب الله عليهم ما صار لمثل هذا مكان ولا مجال، ولا جُلس إليه، وكثير من أهل العلم حينما يناقشون لماذا لا تجلسون للطلاب؟ وقد يكونون في بلد ليس فيه أحد يعلم الناس، وناقشنا كثير من القضاة وأهل العلم في بلدان ما فيها دروس، كثير منهم يتعذر بأنه يقول: ما يوجد طلاب، جلسنا للطلاب أول ما تعينا في هذا البلد، وجلس عندنا عشرة طلاب، ثم بعد ذلك جاء رمضان وانقطع الدرس، واستأنفنا بعد العيد ما حضر إلا نصفهم، ثم جاء الحج وانقطع الدرس ولما رجعنا ما حضر

(21/24)


إلا اثنين أو واحد، نقول: هذا ليس بعذر، ما دام يوجد واحد الحمد لله يحمل عنك هذا العلم، ويعينك على الزيادة في التحصيل؛ لأن التعليم من أعظم وسائل التحصيل تحصيل العلم، وأدركنا من شيوخنا من لا يحضر عنده إلا واحد، واحد فقط، ثم بعد ذلك انتهت مرحلة المجاهدة ومغالبة النفس إلى أن أقبل أعيان الناس أقبلوا إليه، وصاروا يعدون بالمئات، أحياناً يزيدون عن الألف، فالمسألة مسألة امتحان، فيبتلى الإنسان ويختبر هل يصبر ويعطي من نفسه أو لا؟ والعلة التي تعلل بها بعض الناس أن الطلاب واحد أو اثنين ما يسوون الجلوس هذا الكلام ليس بصحيح، يعني المفترض أن تستأجر من يقرأ عليك بالأجرة، فإذا يسر الله لك من يحمل عنك العلم بالمجان، وتتعاون أنت وإياه على تحصيل العلم، أنت أحق منه بالتحصيل، فاستفد وأفد، فإذا تأهل الإنسان ودعت الحاجة إلى جلوسه للتعليم يجلس ولا يتأخر.
أما متى يكف عن التحديث؟ فيكف إذا خشي الاختلاط، إذا بدأت عليه أمارات التغير والاختلاط فيجب عليه أن يكف، يكف عن التعليم، يكف عن الفتوى، يكف عن القضاء؛ لأنه إذا بدأت عليه علامة الاختلاط لا شك أنه يختلط عنده الحق بالباطل، فهذا السن الذي يمكن أن يبحث عند أهل العلم في هذه المواضع، في صحة التحمل، وعرفنا هذا بالأمس، ومتى يستحب الطالب كذلك، ومتى يجلس للتحديث يحدث الناس، مالك جلس للتحديث وهو صغير، ذلكم لأنه تأهل -رحمه الله-، والحاجة دعت إلى أن يجلس، وذلك مع وجود شيوخه وجلس وصار له من الحظوة عند الناس وعند طلاب العلم وشيوخه موجودون في المسجد نفسه، في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجلس إليهم أحد، كل هذا لأن الله -جل وعلا- علم منه صدق النية، وبذل من نفسه، والذي يبذل يعان، والمسالة لا شك أن فيها مشقة، والخلاف ما تهواه النفس، لكن مع ذلك على الإنسان أن يبذل ويسعى في تصحيح النية، ثم بعد ذلك يوفق.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:

أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ، وأوَّلُهَا: سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ

(21/25)


أَعْلَى وُجُوْهِ الأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ ... وَهْيَ ثَمِانٍ: لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ
كتَاباً أو حِفْظَاً وَقُلْ: (حَدَّثَنَا) ... (سَمِعْتُ) أَوْ (أَخْبَرَنَا) (أَنْبَأَنَا)
وَقَدَّمَ (الْخَطِيْبُ) أَنْ يَقُوْلاَ: ... (سَمِعْتُ) إِذْ لاَ يَقْبَلُ التَّأْوِيْلاَ
وَبَعْدَهَا (حَدَّثَنَا) (حَدَّثَنِي) ... وَبَعْدَ ذَا (أَخْبَرَنَا) (أَخْبَرَنِي)
وَهْوَ كَثْيِرٌ وَ (يَزِيْدُ) اسْتَعْمَلَهْ ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ
مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ وَبَعْدَهُ تَلاَ: ... (أَنْبَأَنَا) (نَبَّأَنَا) وَقَلَّلاَ
وَقَوْلُهُ: (قَالَ لَناَ) وَنَحْوُهَا ... كَقُوْلِهِ: (حَدَّثَنَا) لَكِنَّهَا
الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ
وَهْيَ عَلى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيْ ... لاَ سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوْهُ فِي الْمُضِيْ
أنْ لاَ يَقُوْلَ ذَا بِغَيْرِ مَا سَمِعْ ... مِنْهُ (كَحَجَّاجٍ) وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ
عُمُوْمُهُ عِنْدَ الْخَطيْبِ وَقُصِرْ ... ذَاكَ عَلى الَّذِي بِذَا الوَصْفِ اشْتُهِرْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:

(21/26)


فلما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- متى يصح تحمل الحديث؟ يعني الوقت الذي يتحمل فيه الحديث، ذكر -رحمه الله تعالى- الطرق، وأقسام التحمل، كيفيات الطرق التي يتحمل بها الحديث؛ لأن للتحديث طرفان تحمل وأداء، وذكرنا هذا في درس الأمس، تحمل أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء تبليغ الأحاديث للطلاب، قال -رحمه الله تعالى-: أقسام التحمل، وأولها سماع لفظ الشيخ، أول الأقسام وأقواها وأعلاها سماع لفظ الشيخ، وهو الأصل في الرواية، الأصل أن الشيخ يحدث والطالب يستمع ويحفظ أو يكتب، الشيخ يحدث إما من حفظه أو من كتابه، والطالب يستمع، إما يحفظ بمجرد الاستماع أو يكتب ثم يحفظ، هذا هو الأول وهو الأصل في الرواية، وهذا الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتكلم بالأحاديث، ينطق بها، والصحابة يتلقون عنه، وهذه طريقة معروفة في التحديث والتعليم، وهي أشهر هذه الطرق، وأولاها وأعلاها، وأما الطرق الأخرى فيأتي الكلام عنها في مواضعها.
قال -رحمه الله تعالى-:
أعلى وجوه الأخذ عند المعظم ... وهي ثمان. . . . . . . . .
"وهي ثمانٍ" هذه جملة اعتراضية، أعلى وجوه الأخذ عند المعظمِ لفظ شيخ فاعلمِ، أما "وهي ثمان" فهي معترضة بين جزئي الجملة، أعلى وجوه الأخذ لفظ الشيخ، يعني سماع لفظ الشيخ، وجوه الأخذ وأقسام التحمل أعلاها عند المعظم يعني عند جمهور، بل عند جماهير أهل العلم السماع من لفظ الشيخ "فاعلمِ" يعني فادرِ هذا الأمر "وهي ثمان" يعني مبتدأ وخبر، ثمانٍ هي مبتدأ، وثمانٍ خبر، لماذا جرت ونونت؟ أصلها ثماني بالياء منقوص، والمنقوص في حال الرفع تبقى ياؤه وإلا تحذف؟ في حال الرفع والجر تحذف الياء، ويبقى ما يدل عليها وهو الكسر، وينون في مثل هذا لأنه لا يوجد ما يمنعها من الصرف، وهي ثمانٍ كما تقول: هذا قاضٍ، ومررت بقاضٍ.
أعلى وجوه الأخذ عند المعظمِ ... وهي ثمانٍ لفظ شيخ فاعلمِ

(21/27)


عند المعظم عند جماهير أهل العلم، عند عامة أهل العلم أن السماع من لفظ الشيخ أعلى وجوه التحمل "كتاباً أو حفظاً" يعني سواء كان الشيخ يقرأ من كتابه، أو من حفظه؛ لأن الحفظ المشترط لصحة الرواية المعبر عنه بالضبط ينقسم إلى ضبط صدر وضبط كتاب، ولا شك أن الناس يتفاوتون في الحفظ، من تسعفه الحافظة ويستغني بها عن الكتاب هذا الأصل وهو الأفضل، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف لا بد من أن يعتمد على كتابه لئلا يعتمد على حفظه الضعيف فيكثر خطؤه، ويكثر وهمه، فالذي لا تسعفه حافظته في حفظ ما يسمع لا بد أن يكتب، ومنع بعض أهل التشديد من ضبط الكتاب، والرواية من الكتاب، لكنه قول لا يلتفت إليه، بل إن بعض أهل العلم رجح ضبط الكتاب على ضبط الحفظ؛ لأن الحفظ خوان.
وعلى كل حال من نعم الله -جل وعلا- على عباده وجود هذه الكتابة، الله -جل وعلا- كما تقدم في درس الأمس -درس الميمية- علم بالقلم، فالقلم منة من الله -جل وعلا- من أجل ضبط العلم، فلولا القلم لما أدرك من لا تسعفه حافظته من العلم شيئاً، فإذا عاناه بالكتابة وضبط كتابه وحفظه، ولم يخرجه من يده إلا إلى ثقة ثم روى عنه هذا من أقوى وجوه الأداء، وأما القول بأنه لا يعول إلا على الحفظ فإنه قول وصف بالتشديد، ولم يلتفت إليه أهل العلم، ثم بعد ذلك أجمعوا على الرواية من الكتاب، نعم الحفظ إذا كان يسعف فلا يعدل عنه، ولا ينبغي لطالب علم تسعفه حافظته أن يعتمد على الكتاب ويقول: أضبط، لا، يعتمد على حفظه هذا هو الأصل، ولا شك أن العلم ما حواه الصدر، الذي تجده متى طلبته، أما ما في الكتاب لو أعرت الكتاب ما استفدت، أو لو تلف الكتاب مثلاً ضاع علمك، لكن وجود الكتب من نعم الله -جل وعلا- لا سيما على أولئك الذين لا تسعفهم الحافظة، وليس بعيب أن يحدث الشيخ من كتابه أبداً، فكبار الأئمة الحفاظ الكبار يحدثون من كتبهم؛ لأن ضبط الكتاب أحفظ وأضبط "كتاباً أو حفظاً" سيان، وقل إذا تحملت الحديث بطريق السماع من لفظ الشيخ "قل: حدثنا" يعني كيف تؤدي صيغة الأداء إذا تحملت بطريق السماع؟
. . . . . . . . . قل: حدثنا ... سمعت أو أخبرنا أنبأنا

(21/28)


حدثنا، صحيح حدثك الشيخ، سواء كان بمفردك أو معك أحد، لكن إذا كان معك أحد تقول: حدثنا، تقول: سمعنا، وإذا كنت بمفردك تقول: حدثني، وتقول: سمعت، كما تقول: أخبرنا، وتقول: أنبأنا ونبأنا، كلها تدل على أنك سمعت من لفظ الشيخ، هذا الأصل في أن هذه العبارات كلها تؤدي المطلوب، صيغ تؤدي المطلوب، تقول: حدثنا، صحيح حدثك، وأيضاً سمعت من لفظه، وأيضاً هو أخبرك؛ لأن الإخبار والتحديث {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] كما أن الإنباء والإخبار والتحديث معانيها واحد {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [(1 - 2) سورة النبأ] يعني الخبر العظيم {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] المقصود أنها ألفاظ معانيها واحدة، وإن كان بينها فروق دقيقة، لكنها تؤدي الغرض بأي صيغة من هذه الصيغ المذكورة، هذا من حيث اللغة، أما بالنسبة للاصطلاح فكثير من أهل العلم من يفرق بين هذه الصيغ، منهم الإمام البخاري -رحمه الله- لا يفرق بين أخبرنا وحدثنا، ومنهم من يفرق، فيجعل حدثنا لمن تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ، وأخبرنا لمن تحمل بطريق العرض، الطريق الثاني من طرق التحمل، على ما سيأتي، وهذا مجرد اصطلاح، وإلا فالإخبار بمعنى التحديث، وإن كان هناك فرق دقيق بينهما بأن التحديث أخص من الإخبار؛ لأن من قال لعبيده: من حدثني بكذا فهو حر، ومن قال لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر، من حدثه لا بد أن يكون مشافهة، ومن أخبره إما أن يكون مشافهة أو يكون بكتابة، أو بإشارة مفهمه؛ لأن الخبر يحصل بهذه، هذه فروق دقيقة، لكنها من حيث المؤدى يصح أن يؤدى بها، أو يؤدي بها من سمع من لفظ الشيخ كلها إلا أن الاصطلاح غاير ومايز بين هذه عند بعض العلماء دون بعض، وعرفنا أن إمام الصنعة الإمام البخاري لا يفرق بين التحديث والإخبار، لا يفرق، وسواء قال: حدثنا أو أخبرنا لا فرق، نعم، بينما الإمام مسلم يفرق بينهما بدقة، وتجده يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قال فلان: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا، ومن أهل العلم من لا يحدث إلا بصيغة الإخبار، على ما سيأتي بيانه -إن شاء الله

(21/29)


تعالى-.
وقدم الخطيب أن يقولا ... سمعت إذ لا يقبل التأويلا
يقول: سمعت هذا الذي يبين بدقة أنه سمع من لفظ الشيخ، نعم هو اخبره، الشيخ أخبره وحدثه، لكن سمعت أدق؛ لأنها لا تقتضي ما يقتضيه حدثني أو أخبرني، يقول: سمعت، السماع غير الاستماع، فيسمع ولو لم يقصد بالإسماع، ولم يقصد بالتحديث، لكن حدثني أو أخبرني يدل على أن الشيخ قصده بالتحديث أو بالإخبار
ولذا يقولون: الإفراد أقوى من الجمع؛ لأنه إذا أفرد يكون مقصود بالتحديث، ومقصود بالإخبار بخلاف ما لو قال: حدثنا يكون مع غيره مع مجموعة من الناس حدثهم، ولو لم يقصد بعينه، وكذلك لو قال: أخبرنا، وعلى هذا الطالب الذي يروي عن الشيخ بطريق السماع، ثم يروي عنه بعد مدة طويلة، ينسى هل كان معه وقت التحديث أحد أو ليس معه أحد هل الأولى أن يقول: حدثنا أو يقول: حدثني؟ هل الأولى أن يقول: حدثنا؟ هو روى عن الشيخ بطريق السماع، يجزم بأنه سمع من لفظ الشيخ، فهل يقول: حدثنا أو يقول: حدثني؟ منهم من يقول: يقول: حدثني لأن وجوده متيقن، وما زاد عليه مشكوك فيه، يعني ما يدري هل معه أحد أو لا، نعم؟ ومنهم من يقول بالعكس يقول: حدثنا لأن قصد الشيخ له بالتحديث مشكوك فيه، احتمال يكون معه غيره، فلا يكون مقصوداً بالتحديث، والمسألة سهلة يعني، الخطب يسير يعني؛ لأنه إذا ضبط ما سمعه من الشيخ، وأداه على أي وجه كفى.
وقدم الخطيب أن يقولا ... . . . . . . . . .
وهذه ألف إطلاق وليست ألف تثنية.
. . . . . . . . . ... سمعت إذ لا يقبل التأويلا
سمعت ما تقبل تأويل، بينما لو قال: حدثنا تقبل التأويل، كيف تقبل التأويل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(21/30)


نعم هم ذكروا عن الحسن أنه قال: حدثنا أبو هريرة ولم يكن موجوداً وقت التحديث، وإنما حدث أهل المدينة أو أهل البصرة وهو فيها، لكن الغالب أهل المدينة على ما قيل، حدث أهل المدينة وهو موجود، هذا لا شك أنه تدليس شديد؛ لأنهم يذكرون أن المدرس إذا قال: حدثني، وإن كانت منزلة الحسن البصري تنبو وترتفع عن مثل هذا الاتهام أنه يكون حينئذٍ ولم يسمع منه، يكون كذاب إذا قال: حدثنا، نعم؟ إذا قال: حدثنا وهو ما حدث كذاب، ولذلك كيف نعرف أن هذا الراوي مدلس إلا بهذا، أن يأتي بصيغة موهمة ويسقط من حدثه، لكن إذا أتى بصيغة صريحة وهذا تقدم في بحث التدليس، يعني أسقط من حدثه وجاء بصيغة صريحة هذا كذب، لكن منزلة الحسن البصري -رحمه الله- تنبو عن ذلك، وجاء ما يدل على مراده، المقصود "وبعدها" وبعد سمعت "حدثنا حدثني" حدثنا بالجمع إذا كان معه غيره، وحدثني إذا كان بمفرده، وعرفنا ما بين حدثنا وحدثني من أيهما أقوى، حدثني أقوى؛ لأنها تدل على أنه مقصود، وأما حدثنا فلا يلزم من ذلك أن يكون مقصوداً بالتحديث.
. . . . . . . . . ... وبعد ذا أخبرنا أخبرني
لأن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، أضيق الدوائر سمعت، هذه لا تقبل تأويل، كما قال الخطيب يليها حدثنا؛ لأنها لا تكون إلا بالمشافهة، حدثنا لا تكون إلا بالمشافهة، وإن استعملها الحسن فيما استعمالها فيه، لكنها لا تكون إلا بالمشافهة بخلاف أخبرنا وأخبرني فإنها دائرتها أوسع؛ لأن الإخبار يكون بغير المشافهة، يكون بالكتابة، يكون بالإشارة المفهمة، على ما ذكرنا.
وهو كثير ويزيد استعمله ... . . . . . . . . .
يزيد بن هارون استعمله، استعمل أخبرنا وأخبرني.
. . . . . . . . . ... وغير واحد لما قد حمله
حماد بن سلمة وابن المبارك وهشيم وعبد الرزاق كلهم يستعملون أخبرنا وأخبرني.
. . . . . . . . . ... وغير واحد لما قد حمله
من لفظ شيخه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .

(21/31)


يقولون: أخبرنا، وإسحاق بن راهويه لا يكاد يستعمل إلا الإخبار، سواء روى بطريق السماع أو بطريق العرض لا يكاد يقول إلا أخبرنا، وبه يفسر إذا كان مهملاً، يعني إسحاق قال: أخبرنا فلان، الذي يغلب على الظن أنه ابن راهويه "لما قد حمله ... من لفظ شيخه" يعني تحمله بطريق السماع "وبعده تلا" يعني بعد سمعت ثم حدثنا وحدثني، ثم أخبرنا وأخبرني.
. . . . . . . . . وبعده تلا ... أنبأنا نبأنا وقُللا
يعني هذا قليل، قليل استعمال أنبأنا ونبأنا، لا سيما في عصور الرواية المتأخرة في القرن الثالث، وما بعده؛ لأنه كثر استعمالها في الإجازة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وقُللا
وقوله: قال لنا ونحوها ... كقوله حدثنا لكنها
قال لنا يعني لو أن الشيخ حدث والطالب تلقى بطريق السماع، ثم بعد ذلك لما أراد الطالب الأداء قال: قال لنا فلان، أو قال فلان، هذه محمولة على السماع على ما تقدم في التعليق.
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي
عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ
هذه محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم في العنعنة، فإذا قال: قال لنا أو قال فلان، قال هشام بن عمار هذا متصل على قول ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل العلم؛ لما قال هشام بن عمار قالوا: هذا متصل؛ لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري، لقيه وحدث عنه بأحاديث خمسة أو ستة، قال: حدثنا هشام بن عمار، ولم يوصف البخاري بالتدليس على ما مضى في التعليق.
وقوله: قال لنا ونحوها ... كقوله حدثنا. . . . . . . . .
مثلها لا تقل عنها، يعني بالمجاررة قال لنا، لكنها
الغالب استعمالها مذاكره ... . . . . . . . . .
يعني في حال المذاكرة تستعمل قال لنا في حال المذاكرة، وصرح بهذا جمع من أهل العلم، وقالوا: إن البخاري إذا روى الحديث بصيغة قال لنا فإنه في الغالب إنما يريد ما رواه بطريق المذاكرة، يعني المذاكرة بين الشيوخ، يعني إذا قيل: ما تحفظ في باب كذا؟ قال: فيه حديث فلان أو فيه كذا أو في كذا للمذاكرة بينهم، لا على طريق التحديث والرواية ...

(21/32)