المهروانيات = الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب المبْحَث الثّاني نبذة عن نشأة، وتطوّر
تأليف الفوائد الحديثيّة، وتصنيفها
هيّأ الله عزّ وجلّ لحفظ سُنّة نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم رجالاً أفذاذًا، لدينه أمنةً وحرّاسا، طلبوها
في الآفاق، وكتبوها، وحرّروا ألفاظها وضبطوها، وبذلوا في ذلك
كلّ غال ونفيس، يأخذ المتأخّر منهم عن المتقدم أدبه، وسمته،
وعلمه، وحرصه على حديث رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم..
وإذا رأى الواحد منهم أنّه قد أكثر من الرواية عن شيوخه وحصّل
ما عندهم، أو أنّه لا يحتاج أن يروي عن شيخ منهم كلّ ما عنده؛
لتحمّله له عن أقران شيخه أو نحو ذلك، أو لرواية شيخه عن ضعفاء
ومجاهيل أو لمراسيل ومقاطيع، أو تعسّر عليه سماع كلّ ما عند
شيخه لأمر ما، احتاج إلى الانتقاء على شيخه، ورواية ما حصّله
ذلك الشّيخ عمّن أخذ منهم من القدماء والعلماء الغرباء ممّا
يَرَى أنّ فيه فائدة له؛ فظهرت كتب الفوائد الحديثيّة المنتقاة
على الشّيوخ.
والتأليف فيها نشأ في وقت مبكّر في أوساط المحدّثين ... فهذا
اللّيث بن سعد الفهميّ (ت: 175هـ) (1) يُخَرِّج كتابا في
الفوائد أودعه خمسة أحاديث، وأثرًا واحدًا في آخره، وكلّها من
طريق شيخه خالد بن
_________
(1) انظر ص/231 رقم/94.
(1/116)
يزيد الجمحيّ، المصريّ.
وهذا الكتاب الوحيد الّذي وقفت على أنّه أُلّف في الفوائد إلى
نهاية القرن الثّاني الهجريّ، وفي حدّ علمي أنّ هذا الكتاب
أوّل كتاب ألّف في الفوائد مما وقفت عليه منها والله تعالى
أعلم.
ثمّ جاء القرن الثّالث الهجريّ، فألّف في الفوائد: داود بن
عمرو الضّبّيّ (ت: 228هـ) (1) ، ويحيى بن معين (ت: 233هـ) (2)
، وهنّاد بن السّريّ الصّغير (ت: 243هـ) (3) ، وهشام بن عمّار
(ت: 245هـ) (4) ، وغيرهم.
ونشط التأليف نسبيّا في النّصف الثّاني من هذا القرن، فألّف في
الفوائد جماعة: كالبخاريّ (ت: 256هـ) (5) ، وسمّويه (ت: 267هـ)
(6) ، وحنبل بن إسحاق (ت: 273هـ) (7) ،وأبو زرعة الدّمشقيّ (ت:
281هـ) (8) ، وابن أبي الدّنيا (ت: 283هـ) (9) وجماعة آخرين.
_________
(1) انظر ص/249 رقم/22.
(2) انظر ص/246 رقم/118.
(3) انظر ص/294 رقم/25.
(4) انظر ص/295 رقم/26.
(5) انظر ص/296 رقم/30.
(6) انظر ص/247 رقم/119.
(7) انظر ص/286 رقم/1.
(8) انظر ص/247 رقم/120.
(9) انظر ص/300 رقم/44.
(1/117)
وبدأ في هذه الفترة ظهور الاعتناء بشكل
أكثر، وأبرز بكتب الفوائد حيث نجد أنّ جماعة ممّن الّف رتّبوا
كتبهم على الشّيوخ إلاّ أنّهم لم يراعوا في ترتيبها تسلسل حروف
المعجم، ومنهم:
أبو شعيب الحرّانيّ (ت: 295هـ) (1) ، وابن علّويه القطّان (ت:
298هـ) (2) في فوائدهما.
وبلغ عدد كتب الفوائد المؤلّفة في هذه الفترة - ممّا علمتُ -:
واحداً وأربعين كتابا، وقفت على عشرة منها، ثمثّل ما مقداره:
5.52 % من مجموع ما وقفت عليه من كتب الفوائد (3) .
ثمّ جاء القرن الرّابع، وازدهرت فيه العلوم الإسلاميّة عموما،
وعلم الحديث خصوصا، فكثر فيه التّأليف، والتّصنيف لاسيّما أنّ
الأحاديث النّبويّة قد دُوّنت في أمّهات كتبها من الصّحاح،
والسّنن، والمسانيد، وغيرها فاتّجه بعض أهل العلم وطلاّبه
بجانب روايتهم لكتب الحديث إلى الانتخاب على الشّيوخ،
والانتقاء من مرويّاتهم، وممّا وقع لهم روايته من الكتب سواء
أكان ذلك بالقراءة، أم السّماع، أم الأجازة ... وممّن الّف في
الفوائد خلال هذا القرن: أبو بكر البرديجيّ (ت: 301هـ) (4) ،
وأبو بكر بن خزيمة (ت:311هـ) (5) ، وأبو العبّاس السّرّاج (ت:
_________
(1) انظر ص/235 رقم/100.
(2) انظر ص/234 رقم/97.
(3) لا تدخل الكتب الّتي لم أقف على سنة وفاة مؤلفيها، أو
تحديد قرونهم الّتي عاشوا فيها في هذه الإحصائيّة، وغيرها ممّا
سيأتي.
(4) انظر ص/302 رقم/51.
(5) انظر ص/303 رقم/55.
(1/118)
313هـ) (1) ، وابن مروان (ت: 319هـ) (2) ،
وابن أبي حاتم (ت: 327هـ) (3) ، وقاسم بن أصبغ (ت: 340هـ) (4)
، وأبو بكر القطيعيّ (ت: 368) (5) ، وأبو الشّيخ الأصبهانيّ
(ت: 369هـ) (6) ، وابن منده (ت: 395هـ) (7) ، وجماعة غيرهم.
وظهر خلال هذه الفترة اهتمام آخر بكتب الفوائد يتمثّل في تخريج
أحاديثها، والكلام عليها كما في فوائد سليمان بن أحمد
الطّبرانيّ (ت: 360هـ) (8) ، والدّارقطنيّ (ت:365هـ) (9) ،
والمؤمّل بن أحمد (ت: 393هـ) (10) ، وغيرهم.
وفي ترتيبها على الأطراف ثمّ على الشّيوخ كما في: فوائد أبي
بكر المطرّز (ت: 305هـ) (11) .
وفي إخراج حديث عن كلّ شيخ في أوّلها، ثمّ الانتقاء عن بعضهم
كما في: فوائد أبي عليّ الصّفّار (ت: 341هـ) (12) ، وعثمان بن
أحمد
_________
(1) انظر ص/249 رقم/123.
(2) انظر ص/250 رقم/124.
(3) انظر ص/306-307 رقم/62- 64.
(4) انظر ص/187 رقم/72.
(5) انظر ص/185 رقم/25.
(6) انظر ص/265 رقم/150.
(7) انظر ص/278 رقم/172.
(8) انظر ص/215 رقم/67.
(9) انظر ص/181 رقم/19، 20.
(10) انظر ص/218 رقم/72.
(11) انظر ص/184 رقم/24.
(12) انظر ص/245 رقم/116.
(1/119)
السّمّاك (ت: 344هـ) من رواية: أبي الحسن
الحماميّ عنه (1) .
وفي عدم ترتيبها على أساس معيّن في أوّلها، ثمّ ترتيبها على
الأطراف كما في: فوائد أبي الشّيخ (ت: 369هـ) من رواية: أبي
طاهر الكاتب عنه (2) .
مع بقاء الاعتناء بالتّرتيب على الشّيوخ على ما هو عليه في
القرن الثّالث، وسار على ذلك جماعة منهم: الطّبرانيّ، وأبو
عمرو السّمرقنديّ (ت: 345هـ) (3) ، وأبو أحمد الحاكم (ت:
378هـ) (4) ، وغيرهم.
مع ظهور الاعتناء بترتيب أسماء الشّيوخ على تسلسل حروف المعجم،
ويظهر هذا جليا عند أحمد بن نصر (ت: 323هـ) في فوائده (5) .
ومعظم كتب الفوائد ألّفت في هذا القرن ... فألف فيه - فيما
علمتُ -: اثنان وستون ومائة كتاب، وقفت على سبعة وسبعين كتاباً
منها، تمثّل عند النّظر إلى مجموع ما وقفت عليه من كتب الفوائد
ما نسبته: 42.54%.
ثمّ جاء القرنان الخامس، والسادس، واستمرّ الوضع فيهما على ما
كان عليه في الّذي قبلهما، وحضّ أهل العلم طلاّبهم على العمل
بطريقة الانتقاء، والتّخريج على الشّيوخ؛ لتحصل لهم الفائدة
المرجوّة ...
_________
(1) انظر ص/254 رقم/132.
(2) انظر ص/245 رقم/117.
(3) انظر ص/203 رقم/51.
(4) انظر ص/234 رقم/99.
(5) انظر ص/233 رقم/98.
(1/120)
فهذا الخطيب البغداديّ في: (الجامع) (1)
ينقل عن بعض مشايخه قال: "من أراد الفائدة فليكسر قلم النّسخ،
وليأخذ قلم التّخريج" ... وممّن ألّف في الفوائد خلال هذين
القرنين:
أبو يعلى القزوينيّ (ت: 401هـ) (2) ، وأبو عبد الله الحاكم (ت:
405هـ) (3) ، وابن رزقويه (ت: 412هـ) (4) ، وابن شاذان (ت:
425هـ) (5) ، وأبو يعلى الخليليّ (ت: 446هـ) (6) ، والحبّال
(ت: 482هـ) (7) ، وابن القيسرانيّ (ت: 507هـ) (8) ، وخميس
الحوزيّ (ت: 510هـ) (9) ، وابن العربيّ (ت: 543هـ) (10) ، وابن
الجوزيّ (ت: 597هـ) (11) ، في آخرين.
وكثر اعتناؤهم بتخريج أحاديثها، وترتيب أسماء الشّيوخ فيها على
حروف المعجم كما في: فوائد أبي القاسم الحرفيّ (ت: 423هـ) (12)
،
_________
(1) (2/428) .
(2) انظر ص/329 رقم/124.
(3) انظر ص /329-330 رقم/125 130.
(4) انظر ص/290 رقم/10.
(5) انظر ص/322 رقم/105.
(6) انظر ص/335 رقم/149.
(7) انظر ص/340-341 رقم/165، 167.
(8) انظر ص/344 رقم/177.
(9) انظر ص/345 رقم/179.
(10) انظر ص/353 رقم/204.
(11) انظر ص/356 رقم/216.
(12) انظر ص/239 رقم/106.
(1/121)
وأبي البركات الأنماطيّ (ت: 538هـ) (1) ،
وابن الباغبان (ت: 559هـ) (2) ، وشُهدة بنت أحمد (ت: 574هـ)
(3) ، وغيرهم.
وسار عدد منهم على ما سار عليه بعض أهل القرن الرّابع من تخريج
أحاديث كتبهم، دون مراعاة لترتيبها على الشّيوخ كما يظهر عند
جماعة منهم:
ابن الحماميّ (ت: 437هـ) (4) ، وأبي القاسم الحنائيّ (ت:
459هـ) (5) ، وجعفر بن أحمد السرّاج (ت: 500هـ) (6) ، وابن
المؤيّد بالله (ت: 508هـ) (7) ، وغيرهم في فوائدهم.
وفي المقابل نجد منهم من رتّب كتابه على أسماء شيوخه:
كالعيسويّ (ت: 415هـ) (8) ، وأبي القاسم الحرفيّ (ت: 423هـ) من
رواية: القاسم بن الفضل عنه (9) ،وأبي بكر الشّاشيّ (ت:507هـ)
وترتيب الشّيوخ عنده على تسلسل الحروف (10) والسّلفيّ (ت:
576هـ) (11)
_________
(1) انظر ص/215 رقم/68.
(2) انظر ص/216 رقم/69.
(3) انظر ص/171 رقم/7.
(4) انظر ص/172 رقم/8.
(5) انظر ص/173 رقم/9.
(6) انظر ص/168 رقم/2.
(7) انظر ص/167 رقم/1.
(8) انظر ص/190 رقم/32.
(9) انظر ص/239 رقم/106.
(10) انظر ص/242 رقم/110.
(11) انظر ص/356 رقم/212 214.
(1/122)
في فوائدهم، في جماعة آخرين.
وهذا كلًّه دالّ على اعتنائهم بتصنيفها، وترتيبها، وممّا يبرزه
بشكل أوضح: أنّ نسبة ما خُرِّج منها، أو رتّب على الشّيوخ
يمثّل ما نسبته: 54.54 % من مجموع ما وقفت عليه منها خلال هذين
القرنين.
هذا، وبلغ مجموع ما ألّف في الفوائد خلال هذه الفترة فيما
علمتُ-: أربعة كتب ومئتي كتاب، كان نصيب القرن الخامس منها:
أربعة وثلاثين ومائة كتاب.
ثمّ جاءت القرون: السّابع، والثّامن، والتّاسع فقلّ تأليف
الفوائد فيها عن القرون الّتي تقدّمتها ...
ومع ذلك فإنّه اُعتني بتخريجها وترتيبها أكثر ممّا كان عليه
ذلك في القرون السّالفة، وظهر خلالها التّرتيب على الأطراف من
جديد بعد أن وجد في القرن الرّابع الهجريّ (1) كما في: فوائد
أبي اليُمن الكنديّ (ت: 613هـ) (2) .
هذا، وبلغ عدد ما خُرِّج من كتب الفوائد أو رُتّب خلال هذه
الفترة: أربعة عشر كتابا من سبعة عشر هي مجموع ما وقفت على
مخطوطاتها وهذا يمثّل ما نسبته: 82.35% وهي نسبة عالية.
_________
(1) انظر ص/122.
(2) انظر ص/213 رقم/64.
(1/123)
وممّن ألّف في هذه الفترة: عفيفة
الفارفانيّة (ت: 606هـ) (1) ، والعثمانيّ (ت: 618هـ) (2) ،
وابن المقيّر (ت: 643هـ) (3) ، وأبو حامد الصابونيّ (ت: 680هـ)
(4) ، وأبو الحسن الوانيّ (ت: 727هـ) (5) ، والذّهبيّ (ت:
748هـ) (6) ، والعلائيّ (ت: 761هـ) (7) ، وأمّ المساكين بنت
اليافعيّ (ت: 846هـ) (8) وهي آخر من ألّف في الفوائد الحديثيّة
ممّا وقفت عليه.
هذا، وبلغ مجموع ما أُلِّف في الفوائد خلال هذه الفترة - فيما
علمت -: أربعة وثلاثين كتابا، كان نصيب القرن السّابع منها:
أربعة وعشرين، والقرن التّاسع: كتابا واحدًا فقط.
ولعلّ قلّة تأليف الفوائد خلال هذه القرون عائد إلى كثرة
التّأليف في الحديث، وانتشار المصنّفات فيه، وقلّة احتياج
طلاّب العلم إلى الرّحلة، والانتقاء على الشّيوخ، وضعف
الاهتمام بالرّواية بالسند، وانصباب الجهود على الاعتناء بكتب
المتقدّمين، سماعا، وإجازة، وخدمة سواء أفي المتون أم
الأسانيد؛ ليسهل الانتفاع بها، أو جمع ما جاء من الأحاديث فيها
في موضوع واحد، وإيداعها مصنّفا مستقلاًّ، ونحو ذلك - والله
تعالى أعلم -.
_________
(1) انظر ص/357 رقم/220.
(2) انظر ص/170 رقم/5.
(3) انظر ص/243 رقم/112.
(4) انظر ص/360 رقم/227.
(5) انظر ص/208 رقم/57.
(6) انظر ص/230 رقم/93.
(7) انظر ص/361 رقم/231.
(8) انظر ص/362 رقم/234.
(1/124)
|