الدلائل في غريب الحديث

حَدِيثُ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَحِمَهُ اللَّهُ

(2/770)


414 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: " رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ، كَأَنَّ قَمَرًا فِي الْأَرْضِ، يُرْفَعُ بِأَشْطَانٍ شِدَادٍ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ذَاكَ ابْنُ أَخِيكَ، يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ ".
حَدَّثَنَاهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

(2/771)


الشَّطَنُ: الْحَبْلُ الطَّوِيلُ الشَّدِيدُ الْفَتْلِ، يُسْتَقَى بِهِ، وَتُشَدُّ بِهِ الْخَيْلُ يُقَالُ لِلْفَرَسِ الْعَزِيزِ النَّفْسِ، إِنَّهُ لَيَنْزُو بَيْنَ شَطَنَيْنِ، وَيُضْرَبُ مَثَلًا لِلْإِنْسَانِ الْأَشِرِ الْبَطِرِ الْقَوِيِّ، وَالْفَرَسُ إِذَا اسْتَعْصَى عَلَى صَاحِبِهِ شَدَّهُ بِحَبْلٍ مِنْ جَانِبَيْنِ، فَهُوَ فَرَسٌ مَشْطُونٌ، قَالَ أَعْرَابِيٌّ: دَبَحَنِي نَزْعُ الرِّشَاءِ الْمُحْصَدِ
وَكُنْتُ مِثَلَ الشَّطَنِ الْمُمَدَّدِ
وَسَقْيُ ذَوْدِ كَالْقَطِيلِ الْأَجْرَدِ

(2/772)


الْقَطِيلُ: الْجِذْعُ، وَالْجَمْعُ: قُطُلٌ وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيٍّ، قَالَ: قَالَ عَقِيلُ بْنُ عُلَّفَةَ: إِنِّي لَيَحْمَدُنِي الْخَلِيلُ إِذَا اجْتَدَى ... مَالِي وَيَكْرَهُنِي ذَوُو الْأَضْعَانِ
وَأَبَيْتُ تَخْلِجُنِي الْهُمُومُ كَأَنَّنِي ... دَلْوُ السُّقَاةِ تُمَدُّ بِالْأَشْطَانِ
وَأَعِيشُ بِالْبَلَلِ الْقَلِيلِ وَقَدْ أَرَى ... أَنَّ الرُّسُومَ مَصَارِعُ الْفِتْيَانِ
415 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَحُبِسَ يَوْمَهُ، وَلَيْلَتَهُ، وَالْغَدَ، حَتَّى دُفِنَ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَالُوا: لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ عُرِجَ بِرُوحِهِ، كَمَا عُرِجَ بِرُوحِ مُوسَى، فَقَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَجَعَلَ يُوعِدُ الْمُنَافِقِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ، وَلَكِنْ عُرِجَ بِرُوحِهِ، كَمَا عُرِجَ بِرُوحِ مُوسَى، لَا يَمُوتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُقَطِّعَ أَيْدِي أَقْوَامٍ وَأَلْسِنَتِهِمْ، وَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ، حَتَّى أَزْبَدَ شِدْقَاهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: " أَيْ قَوْمِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَإِنَّهُ بَشَرٌ، أَيْ قَوْمِ، ادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ، فَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُمِيتَ أَحَدَكُمْ إِمَاتَةً، وَيُمِيتَهُ إِمَاتَتَيْنِ، لَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، ادْفِنُوهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَقُولُونَ كَمَا تَقُولُونَ، فَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ التُّرَابَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجًا وَاضِحًا، أَحَلَّ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ، وَحَارَبَ وَسَالَمَ، وَمَا كَانَ رَاعِي غَنَمٍ، يَتَّبِعُ

(2/773)


بِهَا صَاحِبُهَا رُءُوسَ الْجِبَالِ، يَخْبِطُ عَلَيْهَا بِمِخْبَطِهِ، وَيَمْدُرُ حَوْضَهَا بِيَدِهِ، بِأَنْصَبَ، وَلَا أَدْأَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ فِيكُمْ، أَيْ قَوْمِ، ادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ، وَجَعَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ، تَبْكِي يَوْمَئِذٍ، فَقِيلَ: يَا أُمَّ أَيْمَنَ تَبْكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَبْكِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَّا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ انْقَطَعَ ".
حَدَّثَنَاهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: نا حَمَّادٌ، قَالَ: نا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ

(2/774)


قَوْلُهُ: يَخْبِطُ عَلَيْهَا بِمِخْبَطِهِ، فَالْخَبْطُ: الْهَشُّ، وَأَنْشَدَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ وَرَقٌ يَوْمًا أَجُودُ بِهِ ... لِلْخَابِطِينَ فَإِنِّي لَيَّنُ الْعُودِ
أَلَا تَرَيْنَ وَقَدْ قَطَّعْتِنِي عَذَلًا ... مَاذَا مِنَ الْفَوْتِ بَيْنَ الْبُخْلِ وَالْجُودِ
يُقَالُ مِنْهُ خَبَطَ الرَّحْلَ وَاخْتَبَطَ
416 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: نا الزُّبَيْرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَا: جَاءَ أَبُو شَجَرَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ السُّلَمِيُّ، إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَقْسِمُ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطِنِي، فَإِنِّي ابْنُ سَبِيلٍ، قَالَ: فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَبُو شَجَرَةَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَلَسْتَ الَّذِي تَقُولُ:
وَرَوَّيْتُ رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ ... وَإِنِّي لَأَرْجُو بَعْدَهَا أَنْ أُعَمَّرَا
وَعَارَضْتُهَا شَهْبَاءَ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... تَرَى الْبَيْضَ فِي حَافَاتِهَا وَالسَّنَوَّرَا.
ثُمَّ عَلَاهُ بِالدِّرَّةِ، حَتَّى سَبَقَهُ عَدْوًا، فَأَتَى رَاحِلَتَهُ، فَرَكِبَهَا رَاجِعًا إِلَى بِلَادِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ ضَنَّ عَنَّا أَبُو حَفْصٍ بِنَائِلِهِ ... وَكُلُّ مُخْتَبِطٍ يَوْمًا لَهُ وَرَقُ
مَا زَالَ يَضْرِبُنِي حَتَّى خَذِيتُ لَهُ ... وَحَالَ مِنْ دُونِ بَعْضِ الرَّغْبَةِ الشَّفَقُ
ثُمَّ ارْعَوَيْتُ إِلَيْهَا وَهِيَ حَانِيَةٌ ... مِثْلَ الرَّتَاجِ إِذَا مَا لَزَّهُ الْغَلَقُ
أَقْبَلْتُهَا الْخَلَّ مِنْ شَوْرَانَ صَادِرَةً ... إِنِّي لَأَزْرِي عَلَيْهَا وَهِيَ تَنْطَلِقُ

(2/775)


وَكِدْتُ أَتْرُكُ أَثْوَابِي وَرَاحِلَتِي ... وَالشَّيْخُ يُضْرَبُ أَحْيَانًا فَيَنْحَمِقُ
".

(2/776)


وَيُرْوَى أَقْبَلْتُهَا الْخَلَّ مِنْ شَوْذَانَ، تَقُولُ: أَقْبَلْتُ الْإِبِلَ طَرِيقَ كَذَا، وَكَذَا، إِذَا اسْتَقْبَلْتَ بِهَا الْإِبِلَ بِسُوقِكِ، وَأَقْبَلْتَ الْإِبِلَ مَجْرَى الْمَاءِ
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، كَانَ يَشْتَرِي الْعِيرَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، ثُمَّ يُقْبِلُهَا فَمَ الشِّعْبِ الَّذِي فِيهِ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنُو هَاشِمٍ.
وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَهِيَ حَانِيَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَابِيَةٌ، وَالْحَابِيَةُ: الْمُرْتَفِعَةُ الْعَظِيمَةُ الشَّخْصِ، وَأَنْشَدَ لِرَاجِزٍ: إِذَا أَرَدْتَ طَلَبَ الْمَفَاوِزِ ... فَاعْمِدْ لِكُلِّ بَازِلٍ تُرَامِزِ
أَعْيسَ يُبْلَى جُدُدَ التَّحَائِزِ ... وَكُلُّ حَابِي الْمَنْكَبَيْنِ ضَامِزِ
وَالْحَابِي الْمَنْكَبَيْنِ: الْمُرْتَفِعُ الْمَنْكَبَيْنِ إِلَى عُنُقِهِ، وَالضَّامِزُ: الَّذِي لَا يَرْغُو.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَذَكَرَ قَوْمًا، فَقَالَ: قُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ،

(2/777)


وَأَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ وَالتُّرَامِزُ: الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ، وَمِنَ الِاخْتِبَاطِ أَيْضًا حَدِيثُ عُمَرَ.
417 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِضَجْنَانَ، فَقَالَ: كُنْتُ أَرْعَى إِبِلًا لِلخَطَّابٍ بِهَذَا الْمَكَانِ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا، وَكُنْتُ أَرْعَى أَحْيَانًا، وَأَختَبِطُ أَحْيَانًا، فَأَصْبَحْتُ لَيْسَ فَوْقِي إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَالَ:

(2/778)


لَا شَيْءَ فِيمَا نَرَى إِلَّا بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الْإِلَهُ وَيُودِي الْمَالُ وَالْوَلَدُ
"
وَالْخَبَطُ: اسْمُ مَا خُبِطَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ وَرَقُ الْعَضَاهِ مِنَ الطَّلْحِ وَنَحْوِهِ يُخَتَبَطُ بِالْعَصَا، حَتَّى يَتَنَاثَرَ، ثُمَّ تَعْلِفَهُ الْإِبِلَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ، وَذَكَرَ غَزَاةً، فَقَالَ: أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ،

(2/779)


فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَالْمِخْبَطُ: الْعَصَا، وَالْمَدْرُ: تَطْيِينُكَ وَجْهَ الْحَوْضِ بِالطِّينِ الْحُرِّ، وَالْمَمْدَرَةُ: مَوْضِعٌ فِيهِ طِينٌ حُرُّ يُسْتَعَدُ لِذَلِكَ وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ «أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ حِينَ ذَكَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَ مِنْ صِهْرِ أَبِي الْعَاصِي، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ نَدَّدَ بِكَ» .

(2/780)


التَّنْدِيدُ: أَنْ تُنَدِّدَ بِإِنْسَانٍ مِثْلَ أَنْ تُسَمِّعَ بِعُيُوبِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ قَالَ طَرَفَةُ: وَصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ لِلسُّرَى ... لِجَرْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ
وَالْمُنَدِّدُ: الرَّفِيعُ الْعَالِي، وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ أُمَيَّةَ الصُّغْرِيُّ: أُفَرِّرُ بِالْأَبَاطِحِ كُلَّ يَوْمٍ ... مَخَافَةَ أَنْ يُنَدِّدَ بِي حَكِيمُ
وَيُرْوَى مَخَافَةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكِيمٌ، وَحَكِيمٌ هَذَا هُوَ: حَكِيمُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانُوا اسْتَعْمَلُوهُ عَلَى سُفَهَائِهِمْ، فَفَرَّ مِنْهُ الْحَارِثُ، فَهَدَمَ حَكِيمٌ دَارَهُ، فَأَعْطَاهُ بَنُو هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةَ دَارَهُ الَّتِي بِأَجْيَادَ وَذَلِكَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَحَرْبَ بْنَ أُمَيَّةَ تُوُفِّيَا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذَكَرُوا إِلَّا سَبَعَةَ أَيَّامٍ، وَيُقَالُ: بَلْ مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَرَثَى الْحَارِثُ بْنُ أُمَيَّةَ هِشَامًا، وَلَمْ يَرْثِ حَرْبًا، فَقَالَ:

(2/781)


فَمَا كُنْتَ كَالْهَلْكَى فَتُبْكَى بُكَاءَهُمْ ... وَلَكِنْ أَضْرَى الْهُلَّاكَ فِي جَنْبِهِ وَغْلَا
أَلَمْ تَرَيَا أَنَّ الْأَمَانَةَ أَصْعَدَتْ ... مَعَ النَّعْشِ إِذْ وَلَّى وَكَانَ لَهَا أَهْلَا
وَقَالَ يَعْقُوبُ: يُقَالُ: قَدْ نَدَّدَ بِهِ، وَحَنْظَى بِهِ، وَعَنْظَى بِهِ إِذَا أَسْمَعَهُ، وَأَنْشَدَ: حَتَّى إِذَا أَجْرَسَ كُلُّ طَائِرِ ... قَامَتْ تُعَنْظِي بِكَ سِمْعَ الْحَاضِرِ
419 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ " أَنَّهُ نَجَمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَبْيَضُ بَضٌّ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ، فَقَالَ: " أَعْجَبَنِي جَمَالُكَ يَا عَمَّ النَّبِيِّ، قَالَ: وَمَا الْجَمَالُ فِي الرَّجُلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «اللِّسَانُ» .
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَسْوَدَ، عَنِ الْعُمَرِيِّ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ

(2/782)


قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: الْبَضَّةُ: الرَّقِيقَةُ الْجِلْدِ، إِنْ كَانَتْ بَيْضَاءَ أَوْ أَدْمَاءَ.

(2/783)


قَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ امْرَأَةٌ غَضَّةٌ بَضَّةٌ، قَدْ غَضَّتْ فَهِيَ تَغَضُّ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الْبَضَّةُ: التَّارَّةُ الْمُكْتَنِزَةُ اللَّحْمِ، يُقَالُ: بَشَرَةٌ بَضَّةٌ بَضِيضَةٌ وَبَضَّةٌ بَضَاضٌ، وَأَنْشَدَ: كُلُّ رَدَاحِ بَضَّةٍ بَضَاضِ
وَقَالَ الرَّاجِزُ: يَتْرُكُ ذَا اللَّوْنِ الْبَضِيضِيِّ أَسْوَدَا.
وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا لَيْسَ فَتَى الْفِتْيَانِ ... بِالرَّخْصِ وَلَا الْبَضِّ
وَلَكِنْ مُبْتَنِي الْعُرْفِ ... بِفَرْضٍ كَانَ أَوْ قَرْضِ
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَسُئِلَ عَنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: كُنْتُ لِدَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

(2/784)


لَدَةُ الرَّجُلِ: الَّذِي وُلِدَ مَعَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ مِيلَادِهِ، وَالِاثْنَانِ لِدَتَانِ، وَالْجَمْعُ: لِدُونٌ وَلِدَاتٌ.
قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ: صَفْرَاءُ أَعْجَلَهَا الشَّبَابُ لِدَاتِهَا ... مَوْسُومَةٌ بِالْحُسْنِ غَيْرُ قَطُوبِ
تَخْطُو عَلَى بَرْدِيَّتَيْنِ غَذَاهُمَا ... غَدِقٌ بِسَاحَةِ حَائِرٍ يَعْبُوبِ
فَحَدَّثَنَا ابْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: صَفْرَاءُ، يَقُولُ: هِيَ كَاتِعَةٌ مِنَ الطِّيبِ، أَعْجَلَهَا الشَّبَابُ لِدَاتِهَا، أَيْ سَبَقَتْ أَقْرَانُهَا فِي الشَّبَابِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ: لَمْ تَلْتَفِتْ لِلْدَاتِهَا ... وَمَضَتْ عَلَى غُلْوَائِهَا
يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ فِي غُلْوَائِهِ: أَيْ حِينَ يَغْلُو، فَيَطُولُ، وَغَلَا النَّبْتُ يَغْلُو غُلُوًا إِذَا طَالَ، وَكَذَلِكَ غَلَا الصَّبِيُّ: إِذَا شَبَّ.
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ:

(2/785)


خُمْصَانَةٌ قَلِقٌ مُوَشَّحُهَا ... رُؤْدُ الشَّبَابِ غَلَا بِهَا عَظْمُ
رُؤْدُ الشَّبَابِ: نَاعِمَةُ الشَّبَابِ، وَيُقَالُ لِلْجَارِيَةِ، إِذَا شَبَّتْ شَبَابًا حَسَنًا، وَجَاوَزَتْ لِدَاتَهَا: قَدْ غَلَا بِهَا عَظْمٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: حَتَّى إِذَا غَلَا بُنَيَّ وَاحْتَجَنَ
وَزَانَهُ الشَّحْمُ وَلِلْشَحْمِ زِيَنْ
رَجَعَ إِلَى تَفْسِيرِ يَعْقُوبَ.
وَقَوْلُهُ: مَوْسُومَةٌ: أَيْ عَلَيْهَا سِمَةُ الْحُسْنِ.
وَقَوْلُهُ: عَلَى بُرْدِيَّتَيْنِ: أَيْ عَلَى سَاقَيْنِ كَأَنَّهُمَا بَرْدِيَّتَانِ فِي بَيَاضِهِمَا، وَصَفَائِهِمَا، وَأُمْلِيسَاسِهِمَا، قَالَ الْعَجَّاجُ: كَأَنَّمَا عِظَامُهَا بَرْدِيُّ ... سَقَاهُ رِيًّا حَائِرٌ رَوِيُّ
يُقَالُ: مَكَانٌ حَائِرٌ، إِذَا كَانَ مُطْمَئِنُ الْوَسَطِ، مُرْتَفِعُ الْحُرُوفِ، يَعْبُوبٌ: طَوِيلٌ.
قَالَ: وَالْبَرْدِيُّ: لَا عُقَدَ لَهُ وَلَا عَضَلَ، وَهُوَ عَيْبٌ أَنْ تَكُونَ السَّاقُ عَظِيمَةَ الْعَضَلِ.
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: لِدَانِ فِي التَّثْنِيَةِ، لِأَنَّهُمْ أَقَامُوا زِيَادَتَيِ التَّثْنِيَةِ مُقَامَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، فَيَقُولُونَ: لِدَانِ، كَمَا قَالُوا أَلْيَانِ، وَخُصْيَانِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: هُمَا خُصْيَانِ إِذَا جُمِعَتَا، فَإِذَا انْفَرَدَتِ الْوَاحِدَةُ قِيلَ: هَذِهِ

(2/786)


خُصْيَةٌ، قَالَ الرَّاجِزُ: قَدْ حَلَفَتْ بِاللَّهِ لَا أُحِبُّهْ ... إِنْ طَالَ خُصْيَاهُ وَقَصْرَ زُبُّهُ
وَيُقَالُ: هُمَا أَلْيَانِ، فَإِذَا أُفْرَدْتَ الْوَاحِدَةَ فَهِيَ أَلْيَةٌ، وَأَنْشَدَ: كَأَنَّمَا عَطِيَّةُ بْنُ كَعْبٍ
ظَعِينَةٌ وَاقِفَةٌ فِي رَكْبِ
تَرتَجُّ أَلْيَاهُ ارْتِجاجَ الْوَطَبِ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ: بَانَ الْخَليِطُ بِلَيْلٍ مِنْكَ فَانْجَرَدُوا ... وَأَخْلَفُوكَ عِدَ الْأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا.
أَرَادَ عِدَّةَ الْأَمْرِ، فَحَذَفَ الْهَاءَ، وَجَعَلَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ عِوَضًا مِنَ الْهَاءِ، لِأَنَّ الْمُضَافَ وَالْمُضَافَ إِلَيْهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ زِيَادَةُ التَّثْنِيَةِ، وَمَا لَزِمْتَهُ الزِّيَادَتَانِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: قَامَ وُلَاهَا فَسَقَوْهُ صَرْخَدَا
أَرَادَ وُلَاتُهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِهِمْ: خُصْيَتَاتُ.
421 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالَ: نا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ

(2/787)


سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ لَاحِقٍ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: أَتَى فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ حَمَّادًا الرَّاوِيَةَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ شِعْرًا قَالَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشِعْرِكَ، إِنَّمَا اجَتَلَبْتَهُ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَشِعْرِي، قَالَ: فَإِنْ كَانَ شِعْرَكَ فَاهْجُنِي، وَكَانَ حَمَّادٌ ضَخْمَ الْبَطْنِ، فَتَنَحَّى الْفَتَى نَاحِيَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ قُلْتُ، فَقَالَ: هَاتَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
سَيَعْلَمُ حَمَّادٌ إِذَا مَا هَجَوْتُهُ ... أَكُنْتُ اجْتَلَبْتُ الشِّعَرَ أَمْ أَنَا شَاعِرُ
أَلَمْ تَرَ حَمَّادًا تَقَدَّمَ بَطنُهُ ... فَجَاوَزَ مِنْهُ مَا تُجِنُّ الْمَآزِرُ
فَلَيْسَ بَرَاءٍ خُصْيَتُيْهِ وَلَوْ جَثَا ... لِرُكْبَتِهِ مَا دَامَ لِلزَّيْتِ عَاصِرُ
فَقَالَ حَمَّادٌ: أَشْهَدُ إِنَّهُ شِعْرُكَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: يُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ خُصْيَةٌ وَخِصيَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: خُصْيَةٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ خِصْيَةً، وَسَمِعْتُ خُصَيَاهُ، وَلَمْ يَقُولُوا: خُصْيٌ لِلْوَاحِدِ

(2/788)


422 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى الْعَبَّاسِ، فَجَعَلَ لَهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا مِنْ بَعْدِكَ، تَقْطَعُ عَنْكَ نَاحِيَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَادَيْتَهُ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ لَيْلًا، فَعَرَضُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرْضَوْا مِنْ جَوَابِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: عَلَى رِسْلِكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: " أَمَّا زَعْمُكَ يَا عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَجَرَةٍ، نَحْنُ أَغْصَانُهَا، وَأَنْتُمْ جِيرَانُهَا، فَإِنْ كُنْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ طَلَبْتَ، فَحَقَّنَا أَخَذْتَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، فَوَاللَّهِ مَا وَجَبَ إِذْ كُنَّا كَارِهِينَ، وَإِنْ كَانَ حَقُّكَ تَعْرِضُهُ عَلَيْنَا، فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ دُونَهُمْ، وَإِنْ كَانَ حَقَّنَا تَعْرِضُهُ عَلَيْنَا، فَإِنَّا لَا نَأْخُذُ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111] ".
حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَوْلُهُ: تَقْطَعُ عَنْكَ نَاحِيَةَ عَلِيٍّ وَعَادَيْتَهُ، فَإِنَّ عَادِيَةَ الرَّجُلِ مَا يُتَخوَّفُ مِنْهُ، تَقُولُ: كُفَّ عَنَّا عَادِيَتَكَ، وَعَادِيَةَ شَرِّكَ، وَأَصْلُ الْعَادِيَةِ: الْقَوْمُ يَحْمِلُونَ فِي الْحَرْبِ قَالَ الْجَعْدِيُّ: وَعَادِيَةٍ سَوْمَ الْجَرَادِ وَزَعْتُهَا ... فَكَلَّفْتُهَا سِيدًا أَزَلَّ مُصَدَّرَا
فَحَدَّثَنَا ابْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: الْعَادِيَةُ الْحَامِلَةُ،

(2/789)


وَكَذَلِكَ عَدِيُّ الْقَوْمِ، أَيْ حَامِلَتُهُمْ، قَالَ خَالِدُ بْنُ مَالِكٍ الْخُنَاعِيُّ: لَمَّا رَأَيْتُ عَدِيَّ الْقَوْمِ يَسْلُبُهُمْ ... طَلْحُ الشَّوَاجِنِ وَالطَّرْفَاءُ وَالسَّلَمُ
الشَّوَاجِنُ: شِعْبٌ فِي الْحِرَارِ، وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُنْهَزِمُونَ تَعْلَقُ ثِيَابُهُمْ بِالشَّجَرِ، فَيَدَعُونَهَا.
رَجَعَ إِلَى قَوْلِ يَعْقُوبَ: وَقَوْلُهُ: سَوْمُ الْجَرَادِ، أَيْ تَنْتَشِرُ كَمَا يَنْتَشِرُ الْجَرَادُ، وَزَعْتُهَا: كَفَفَتُهَا، وَكَلَّفْتُهَا سِيدًا، أَيْ حَمَلْتُ مَئُونَةَ هَذِهِ الْعَادِيَةِ عَلَى فَرَسٍ، وَشَبَّهَهَا بِالذِّئْبِ، وَالْأَزَلُّ: مِنْ صِفَةِ الذِّئْبِ، لِدِقَّةِ مُؤَخِّرِهِ.
قَالَ غَيْرُهُ: الْأَزَلُّ: هُوَ السَّرِيعُ.
وَأَنْشَدَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ لِبَعْضِ الْفَزَارِيِّينَ.
هَلْ لَكَ فِي أَجْودِ مَا قَادَ الْعَرَبُ
هَلْ لَكَ فِي الْخَالِصِ غَيْرِ الْمُؤْتَشَبْ
جِذْلِ رِهَانٍ فِي ذِرَاعَيْهِ خَدَبْ
أَزَلَّ إِنْ قِيدَ وَإِنْ قَامَ نَصَبْ
كَأَنَّمَا مِيهُ بِهِ مَاءُ الذَّهَبْ.
فَحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: خَدَبُهَا: غِلَظُهَا، وَنُتُوءُ مُقَدِّمِهَا، وَالْأَزَلُّ: السَّرِيعُ يَزَلُّ زَلِيلًا سَرِيعًا، وَإِنْ قَامَ نَصَبَ، يَقُولُ: إِذَا قَامَ رَأَيْتَهُ مُشْرِفَ الْعُنُقِ وَالرَّأْسِ، وَالْجِذْلُ: الْأَصْلُ جِذْلُ رِهَانٍ، أَيْ صَاحِبُ رِهَانٍ،

(2/790)


وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ: لَاقَتْ عَلَى الْمَاءِ جُذَيلًا وَاتِدَا ... وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِفُهَا الْمَوْاعِدَا
وَقَدْ يَحْمِلُ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ: أَنَا جُذَيلُهَا الْمُحَكَّكَ.
عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، وَالْمُحَكَّكُ: الْمُعَاوِدُ لِتِلْكَ الْمُقَامَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمِمَّا يَشُدُّ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ عَلَى مَا وَجَّهَهُ فِي كِتَابِهِ، قَوْلُ الْمُعَطِّلِ الْهُذَلِيِّ: رِجَالٌ بَرَتْنَا الْحَرْبُ حَتَّى كَأَنَّنَا ... جِذَالُ حِكَاكٍ لَوَّحَتْهَا الدَّوَاجِنُ
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ، " أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، كَانَ يَقُولُ لَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ: ظَنِّي بِعَبَّاسٍ حَبِيبِي إِنْ كَبِرْ
أَنْ يَمْنَعَ الْأُخْرَى إِذَا ضَاعَ الدُّبُرْ
وَيَنْزَعَ السَّجْلَ إِذَا اللَّيْلُ اقْمَطَرْ
وَيَسْبَأَ الزِّقَّ الْعَظِيمَ الْقِنَّخِرْ
وَيَفْصِلَ الْخُطَّةَ فِي الْأَمْرِ الْمُبِرْ
وَيَكْشِفَ الْكَرْبَ إِذَا مَا الْيَوْمُ هَرْ

(2/791)


أَكْمَلَ مِنْ عَبدِ كُلَالٍ وَحُجُرْ
لَوْ جُمِعَا لَمْ يَبْلُغَا مِنْهُ الْعُشُرْ
قَوْلُهُ: اقْمَطَرَ، أَيِ اشْتَدَّ، يُقَالُ شَرٌّ قُمَاطِرٌ وَمُقْمَطِرٌ وَقِمِطْرٌ، قَالَ أبو طَالِبٍ: وَكُنْتُ إِذَا قَوْمٌ رَمَونِي رَمَيْتُهُمْ ... بِمُسْقِطَةِ الْأَحْبَالِ فَقْمَاءَ قِمْطِرِ
وَأَمَّا قَوْلُ خَنْسَاءَ:. . . . . . مُقْمَطِرَّاتٌ وَأَحْجَارُ
فَيُقَالُ: اقْمَطَرَّتْ عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ فَتَدَاكَأَتْ، وَاقْمِطَرَارُ الشَّيْءِ: إِطْلَالُهُ وَتَرَاكُمُهُ إِذَا غَشِيَهُ.
وَيُقَالُ: سَبَأْتُ الْخَمْرَ: إِذَا اشْتَرَيْتُهَا، وَاسْمُهَا، السَّبِيئَةُ، وَمَصْدَرُهَا السِّبَاءُ.
قَالَ الْأَعْشَى: وَسَبِيئَةٍ مِمَّا تُعَتِّقُ بَابِلُّ ... كَدَمِ الذَّبِيحِ سَلَبْتُهَا جِرْيَالَهَا
وَالقِنَّخْرُ: الْعَظِيمُ الْجَلَالِ، وَالْمِبُرُّ: الْغَالِبُ، يُقَالُ: قَدْ أَبَرَّ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ أَيْ غَلَبَ.

(2/792)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجُمَحِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ، قَالَا: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ الْعَبَّاسِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ تَمَّ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتْلُوهُ