الدلائل في غريب الحديث حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ
(2/827)
445 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَلَامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ حَيْثُ فُتِحَتْ
نَهَاوَنْدُ، أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ سَبَايَا مِنْ سَبَايَا
الْيَهُودِ، وَأَقْبَلَ رَأْسُ الْجَالُوتِ يُفَادِي سَبَايَا مِنَ
الْيَهُودِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَارِيَةً بَشِيرَةً
صَبِيحَةً» .
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
حَدَّثَنَاهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا شَيْبَانُ بْنُ
فَرُّوخٍ، قَالَ: نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ.
(2/828)
قَالَ لَنَا مُوسَى: بَشِرَةٌ، وَغَيْرُ
مُوسَى، يَقُولُ: بَشِيرَةٌ، أَيْ حَسَنَةُ الْبَشْرَةِ، كَمَا
يَقُولُونَ: خَلِيقَةٌ لِلْحَسِنَةِ الْخَلْقِ، وَامْرَأَةٌ صَيِّرَةٌ
شَيِّرَةٌ لِحَسِنَةِ الصُّورَةِ وَالشَّارَةِ، وَالِاسْمُ مِنْهُ
الْبَشَارَةُ، وَهِيَ الْجَمَالُ، قَالَ الْأَعْشَى: وَرَأَتْ بِأَنَّ
الشَّيْبَ ... جَانَبَهُ الْبَشَاشَةُ وَالْبَشَارَةُ
446 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ، أَنَّهُ «كَلَّمَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَمْرِ
عُثْمَانَ، فَنَقَفُوهُ بِحَصَى الْمَسْجِدِ» .
يُرْوَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
نَقَفُوهُ: يُرِيدُ شَجُّوهُ وَجَرَحُوهُ، وَالنَّقْفُ: كَسْرُ
الْهَامَةِ عَنِ الدِّمَاغِ، كَمَا يَنْقُفُ الظَّلِيمُ الْحَنْظَلُ،
عَنْ حُبِّهِ، وَالْمُنَاقَفَةُ: الْمُضَارَبَةُ بِالسُّيُوفِ، وَهُوَ
النِّقَافُ، وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: إِنَّمَا هُوَ الْوِقَافُ ثُمَّ
النِّقَافُ.
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
(2/829)
كَأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يُومِ
تَحَمَّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وَذَلِكَ أَنَّ نَاقِفَ الْحَنْظَلِ: تَدْمَعُ عَيْنَاهُ
لِحَرَارَتِهِ، فَشَبَّهَ بُكَاءَهُ بِذَلِكَ تَمَّ حَدِيثُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَتْلُوهُ
أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
(2/830)
447 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
رَحِمَهُ اللَّهُ، " أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ: لَوْ أَمَرْتَنِي أَنْ
أَعَضَّ عَلَى عَرْقُوتِي قَتَبًا لَعَضِعضْتُ عَلَيْهَا، حَتَّى
يَأْتِيَنِي الْمَوْتُ، وَأَنَا عَاضُّ عَلَيْهَا ".
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: نا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: نا
هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: نا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ
ابْنُ شَوْذَبٍ، نا عَنْ مَطَرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَامِتٍ , عَنْ أَبِي ذَرٍّ
(2/831)
عَرْقُوَتَاهُ: خَشَبَتَاهُ اللَّتَانِ
تَضُمَّانِ مَا بَيْنَ وَاسِطِ الرَّحْلِ وَالْمُؤَخِّرَةِ، يُقَالُ
مِنْهُ: إِذَا شَدَدَّتَهُمَا عَلَيْهِ: عَرْقَيْتُ الْقَتَبَ
عَرْقَاةً
448 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ، " أَنَّ
رَجُلًا صَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَدَعَاهُ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا الْخَمِيرَ، وَأَلْبَسَنَا
الْحَبِيرَ، وَسَقَانَا النَّمِيرَ ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: الْحَبِيرُ: الْحِبَرَةُ،
وَقَالَ الزِّيَادِيُّ
عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: مَاءٌ نَمِيرٌ إِذَا كَانَ مَرِيئًا، قَالَ
الشَّاعِرُ: وَسُقِيتُ مِنْ مَاءِ النَّمِيرِ وَلَمْ ... أُتْرَكْ
أُلَاطِمُ حَمْأَةَ الْحَفْرِ
وَقَالَ قَطْرَبٌ: الْمَاءُ النَّمِيرُ، الَّذِي يَسْمُنُ عَلَيْهِ
الْمَالُ غَلِيظًا أَوْ عَذْبًا.
(2/832)
449 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
رَحِمَهُ اللَّهُ، «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْخَالَ الْمُقِلَّ
وَالشَّيْخَ الزَّانِي، وَذَكَرَ الثَّالِثِ» .
يُرْوَى عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
(2/833)
وَفِي غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ:
وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُ.
يُقَالُ: زُهِيَ عَلَيْنَا، وَلَا يُقَالُ: زَهَا.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
يَعْقُوبَ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: يُقَالُ: رَجُلٌ خَلٌ
وَخَائِلٌ، وَمُخْتَالٌ: مُفْتَعِلٌ مِنْهُ، وَجَمْعُهُ الْخَالَةُ،
مِثْلُ بَائِعٍ وَبَاعَةٍ، وَصَائِغٍ وَصَاغَةٍ وَأَنْشَدَ لِلنَّمِرِ
بْنِ تَوْلَبٍ: أَوْدَى الشَّبَابُ وَحُبُّ الْخَالَةِ الْخَلَبَهْ
وَالْخَلَبَةُ: جَمْعُ خَالِبٍ، وَقَدْ يَجِيءُ الْخَالُ أَيْضًا
اسْمًا لِلْخُيَلَاءِ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَالْخَالُ ثَوْبٌ مِنْ
ثِيَابِ الْجُهَّالْ أَرَادَ: الْخُيَلَاءَ، وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:
يَابْنَ الْحَيَا إِنَّهُ لَوْلَا الْإِلَهُ وَمَا ... قالَ الرَّسُولُ
لَقَدْ أَنْسَيْتُكَ الْخَالَا
وَقَالَ الرَّاجِزُ: آدَمُ مَعْرُوقٌ بِأُمَّهَاتِهِ
خَالُ أَبِيهِ فِي بَنِي بَنَاتِهِ
أَيْ خُيَلَاءُ أَبِيهِ يُعْرَفُ فِي بَنِي بَنَاتِهِ، وَقَالَ
الْآخَرُ: إِنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا ... وَإِنْ كُنْتَ
لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ.
أَيْ: لِلْخُيِلَاءِ.
(2/835)
450 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي ذَرٍّ بِيَدِهِ، «لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ
قَلِيلًا، وَلَا اطْمَأْنَنْتُمْ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَا وَصَلْتُمْ
إِلَى النِّسَاءِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ تَجْأَرُونَ
وَتَبْكُونَ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ» .
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: نا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ , قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ
(2/836)
قَوْلُهُ: وَلَا اطْمَأْنَنْتُمْ،
بِمَعْنَى وَلَمْ تَطْمَئِنُّوا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَا فَعَلَ
كَذَا، بِمَعْنَى: لَمْ يَفْعَلْ كَذَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة: 31] .
أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ وَلَمْ يُصَلِّ، وَقَالَ زُهَيْرٌ: وَكَانَ طَوَى
كَشْحًا عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلَا هُوَ أَبْدَاهَا وَلَمْ
يَتَجَمْجَمِ
(2/838)
451 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ نُعَيْمُ بْنُ قَعْنَبٍ الرِّيَاحِيُّ: "
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ، فَلَمْ أَجِدْهُ، وَرَأَيْتُ امْرَأَتَهُ،
فَسَأَلْتُهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: هُوَ ذَا فِي صُفَّةٍ لَنَا، فَجَاءَ
يَسُوقُ أَوْ يَقُودُ بَعِيرَيْنِ، قَاطِرًا أَحَدَهُمَا فِي عَجُزِ
صَاحِبِهِ، فِي عُنُقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قِرْبَةٌ، فَوَضَعَ
الْقِرْبَتَيْنِ، فَقُلْنَا: أَبَا ذَرٍّ، مَا كَانَ مِنَ النَّاسِ
أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَاهُ مِنْكَ، وَلَا أَبْغَضُ إِلَيَّ
أَنْ أَلْقَاهُ مِنْكَ، قَالَ: لِلَّهِ أَبُوكَ، وَمَا جَمَعَ هَذَا؟
قُلْتُ: إِنِّي كُنْتَ، وَأَدْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكُنْتُ
أَخْشَى لِقَاءَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لِي،
وَكُنْتُ أَرْجُو فِي لُقِيِّكَ أَنْ تُخْبِرَنِي أَنْ لِي تَوْبَةً
وَفَرَجًا، قَالَ: أَفِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، ثُمَّ عَاجَ رَأْسُهُ إِلَى الْمَرْأَةِ،
فَأَمَرَهَا بِطَعَامٍ، فَالْتَوَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا،
فَالْتَوَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ:
إِيهًا دَعِينَا عَنْكِ، فَإِنَّكُنَّ لَنْ تَعْدُونَ مَا قَالَ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُنَّ، قُلْتُ:
وَمَا قَالَ لَكُمْ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: الْمَرْأَةُ ضِلَعٌ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقَوِّمَهَا
تَكْسَرْهَا، وَإِنْ تَدَعها فَفِيهَا أَوَدٌ وبلغةٌ، فَجَاءَتْ
بِثَرِيدَةٍ كَأَنَّهَا قَطَاةٌ، فَقَالَ: كُلْ وَلَا أَهُولَنَّكَ،
فَإِنِّي صَائِمٌ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يُهَذِّبُ
الرُّكُوعَ وَيُخِفُّهُ، وَرَأَيْتُهُ يَتَحَرَّى أَنْ أَشْبَعَ أَوْ
أُقَارِبَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَجَعَلَ يَدَهُ مَعِي، فَقُلْتُ: إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ:
مَنْ كُنْتَ أَخْشَى مِنَ النَّاسِ أَنْ يُكَذِّبَنِي، فَمَا كُنْتُ
أَخْشَى أَنْ تُكَذِّبَنِي، فَقَالَ: لِلَّهِ أَبُوك: إِنْ كَذَّبْتُكَ
كِذْبَةً مِنْذُ لَقِيتَنِي، فَقُلْتُ: أَلَمْ تَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ؟
ثُمَّ أَرَاكَ تَأْكُلُ، قَالَ: نَعَمْ، قَدْ صُمْتُ مِنْ هَذَا
الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَوَجَبَ لِي أَجْرُهُ، وَحَلَّ لِي
الطَّعَامُ مَعَكَ ".
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
(2/839)
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي السُّلَيْلِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ قَعْنَبٍ
الرِّيَاحِيِّ
(2/840)
قَوْلُهُ: قَاطِرًا أَحَدِهِمَا فِي عَجْزِ
صَاحِبِهِ، فَهُوَ مِنَ الْقِطَارِ أَنْ تَقْطُرَ الْإِبِلُ بَعْضُهَا
إِلَى بَعْضٍ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهَا اشْتُقَّتِ
الْمِقْطَرَةُ، لِأَنَّ مَنْ حُبِسَ فِيهَا كَانُوا عَلَى قِطَارٍ
وَاحِدٍ، مَضْمُومًا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أَرْجُلُهُمْ فِي
خَشَبَةٍ فِي خُرُوقٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ: أَنَّهُ قَامَ الْإِسْلَامُ، وَلِلْعَبَّاسِ ثَوْبٌ
لِعَارِي بَنِي هَاشِمٍ، وَجَفْنَةٌ لِجَائِعِهِمْ، وَمِقْطَرَةٌ
لِجَاهِلِهِمْ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجُمَحِيُّ،
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ هَرِمَةَ: وَكَانَ لِعَبَّاسٍ ثَلَاثٌ
يُعِدُّهَا ... إِذَا مَا جَنَابُ الْحَيِّ أَصْبَحَ أَشْهَبَا
فَسِلْسِلَةٌ تَنْهَى الظَّلُومَ وَجَفْنَةٌ ... تُنَاخُ فَيَكْسُوهَا
السَّنَامَ الْمُرَعَّبَا
وَحُلَّةُ عَصْبٍ مَا تَزَالُ مُعَدَّةٌ ... لِعَارٍ ضَرِيكٌ ثَوْبُهُ
قَدْ تَهَدَّبَا
وَأَنْشَدَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ:
(2/841)
أَمَّا النَّهَارُ فَفِي قَيْدِ سِلْسِلَةٍ
... وَاللَّيْلُ فِي جَوْفٍ مَنْحُوتٍ مِنَ السَّاجِ
قَالَ: هَذَا لِصٌّ حُبِسَ، فَوُضِعَ بِاللَّيْلِ فِي الْمِقْطَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: فَعَاجَ رَأْسُهُ، هُوَ مِنَ الْعَوْجِ، وَالْعَوْجُ:
عَطْفُ رَأْسِ الْبَعِيرِ بِالزِّمَامِ وَالْخِطَامِ، وَالْمَرْأَةُ
تَعُوجُ رَأْسَهَا إِلَى ضَجِيعِهَا، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: حَتَّى
إِذَا عُجْنَ مِنْ أَجْيَادِهِنَّ لَنَا ... عَوْجَ الْأَخِشَّةِ
أَعْنَاقَ الْعَنَاجِيجِ
يَعْنِي عَطْفَ الْجَوَارِي أَعْنَاقِهِنَّ إِلَيْنَا، كَمَا يَعْطِفُ
الْخِشَاشُ عُنُقَ النَّاقَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَعْطِفُهُ مِنْ قَضِيبٍ
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، تَقُولُ: عُجْتُهُ فِانْعَاجَ.
وَقَالَ رُؤْبَةُ: وَانْعَاجَ عُودِي كَالشَّظِيفِ الْأَخْشَنِ
وَالشَّظِيفُ مِنَ الشَّجَرِ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ رِيَّهُ
فَخَشَنَ وَصَلُبَ، يُقَالُ: مِنْهُ شَظُفَ يَشْظُفُ شَظَافَةً.
453 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عِرَاكَ بْنَ
مَالِكٍ، حَدَّثَهُ، وَذَكَرَ الْعَوْجَ إِلَى الشِّعْبِ عِنْدَ
النَّفْرِ مِنْ عَرَفَاتٍ، قَالَ: إِنَّمَا عَاجَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ، لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا كَبِيرًا يَأْخُذُهُ
الْبَوْلُ، فَعَاجَ إِلَيْهِ، فَأَهْرَقَ الْمَاءَ
(2/842)
وَيُقَالُ: نَاقَةٌ عَاجٌ، إِذَا كَانَتْ
مِذْعَانَ السَّيْرِ لَيِّنَةَ الِانْعِطَافِ، وَتَقُولُ: مَا عِجْتُ
(2/843)
بِخَبَرِ فُلَانٍ، وَلَا أُعِيجُ بِهِ،
أَيْ: مَا أُبَالِيهِ
وَأَنْشَدَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ
ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: " وَلَمْ أَرَ شَيْئًا بَعْدَ لَيْلَى
أَلَذُّهُ ... وَلَا مَرْتِعًا أُرْوَى بِهِ فَأَعِيجُ
كَوُسْطَى لَيَالِي الشَّهْرِ لَا مُقْسَئِنَّةٍ ... وَلَا وَثَبَى
عَجْلَى الْقِيَامِ خَرُوجُ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أُعِيجُ بِهِ، أَيِ: انْتَفِعُ بِهِ،
تَقُولُ: مَا عِجْتُ بِهِ، أَيْ مَا انْتَفَعْتُ بِهِ، وَمَا يَعِيجُ
بِقَلْبِي شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ.
وَالْمُقْسَئِنَّةُ قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ شَرِبْتُ مَاءً
مِلْحًا، فَمَا عُجْتُ بِهِ أَعِيجُ بِهِ عَيْجًا، أَيْ لَمْ أَرُوِ
بِهِ، وَالْإِبِلُ تَعِيجُ بِالْمِلْحِ، وَتَنْقِعُ بِهِ، وَتَبْصَعُ
بِهِ بُصُوعًا، وَنُقُوعًا، وَهُوَ الرِّيُّ، وَأَنْشَدَنَا أَحْمَدُ
بْنُ زَكَرِيَّا، لِلرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ: وَبَعْضُ
الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مَعَاجٌ ... كَمَخْضِ الْمَاءِ لَيْسَ لَهُ
إِتَاءُ
وَبَعْضُ خَلَائِقِ الْأَقْوَامِ دَاءٌ ... كَدَاءِ الْكَشْحِ لَيْسَ
لَهُ دَوَاءُ
وَقَالَ يَعْقُوبُ: مَا أَعِيجُ مِنْ كَلَامِهِ لِشَيْءٍ، أَيْ مَا
أَعْبَأُ بِهِ، وَبَنُو أَسَدٍ، يَقُولُونَ: مَا أَعُوُجُ بِكَلَامِهِ،
أَيْ مَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، أَخَذُوهُ مِنْ عُجْتُ النَّاقَةَ.
وَقَوْلُهُ: كُلْ وَلَا أَهُولَنَّكَ، تَقُولُ: هَالَنِي هَذَا
الْأَمْرُ، وَهُوَ يَهُولُنِي، وَأَمْرٌ هَائِلٌ، وَلَا تَقُلْ
مَهُولٌ، عَلَى أَنَّ الشَّاعِرَ قَالَ فِي بَيْتِ:
(2/844)
وَمَهُولٍ مِنَ الْمَنَازِلِ وَحْشٍ ...
ذِي عَرَاقِيبَ آجِنٍ مِدْفَارِ
وَتَفْسِيرُ الْمَهُولِ هَاهُنَا: أَيْ فِيهِ هَوْلٌ، وَالْعَرَبُ
إِذَا كَانَ الشَّيْءُ لَهُ الشَّيْءُ يُخْرِجُونَهُ عَلَى فَاعِلٍ،
كَقَوْلِكَ: دَارِعٌ لَهُ دِرْعٌ، وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ فِيهِ
الشَّيْءُ، أَخْرَجُوهُ عَلَى مَفْعُولٍ، كَقَوْلِكَ: مَجْنُونٌ فِيهِ
ذَلِكَ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ وَيَحْكِيهِ عَنِ
الْفُصَحَاءِ: فُلَانٌ هَوْلَةٌ مِنَ الْهُوَلِ، وَيُنْكِرُ قَوْلَ
النَّاسِ هَوْلٌ مِنَ الْأَهْوَالِ، وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ لِلْكُمَيْتِ:
إِنَّ الْمَكَارِمَ تُغْشَى دُونَهَا الْهُوَلُ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَجْمَعُ الْهَوْلَ عَلَى أَهْوَالٍ وَهُئُولٍ،
وَأَنْشَدَ: وَقَدْ طَالَ الثَّوَاءُ فَأُمُّ غُولٍ ... وتَنْظُرُ مَا
أَءُوبُ بِهِ وَغُولُ
رَحَلْنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي تَمِيمٍ ... إِلَيْكَ وَلَمْ
تَكَاءَوْنَا الْهُئُولُ
وَقَدْ هِيلَ الرَّجُلُ، فَهُوَ يُهَالُ، وَأَنْشَدَنَا ابْنُ
الْهَيْثَمِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ: جَرِئُ
الْجَنَانِ لَا أُهَالُ مِنَ الرَّدَى إِذَا مَا جَعَلْتُ السَّيْفَ
مِنْ عَنْ شِمَالِيَا.
وَالْإِهْذَابُ: السُّرْعَةُ وَالْخِفَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ:
أَهْذَبَ الرَّجُلُ الْمَشْيَ إِذَا أَسْرَعَ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إِذَا اضْطَرَمَ جَرْيُ الْفَرَسِ قِيلَ:
أَهْذَبَ إِهْذَابًا.
(2/845)
وَقَالَ غَيْرُ الْأَصْمَعِيِّ: أَهْذَبَ
فِي الْعَدْوِ وَأَلْهَبَ فِي الْعَدْوِ، وَأَحْصَفَ فِيهِ، وَعَجَرَ
فِي الْعَدْوِ يَعْجِرُ عَجْرًا وَأَهْذَبَ يُهْذِبُ إِهْذَابًا، كُلُّ
ذُلِكَ شِدَّةُ الْعَدْوِ
454 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجُمَحِيُّ، عَنِ
الزُّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ
عَيَّاشٍ، قَالَ: سِرْتُ فِي بِلَادِ بَنِي عَقِيلٍ، فَرَأَيْتُ
فَتَاةً بَيْضَاءَ بَضَّةً، تَدَافَعُ فِي مَشْيِهَا كَتَدَافُعِ
الْفَرَسِ السَّابِقِ الْمُخْتَالِ، فَأَهْذَبْتُ الْمَشْيَ فِي
إِثْرِهَا حَتَّى أَدْرَكْتُهَا، وَكَادَتْ تَلِجُ خِبَاءَهَا،
فَاسْتَوْقَفْتُهَا، فَوَقَفَتْ، فَجَعَلْتُ أُسَائِلُهَا
وَأُكَلِّمُهَا، فَصَاحَتْ بِي عَجُوزٌ حَجْرَةً، مَا يَقِفُكَ عَلَى
هَذَا الْغَزَالِ النَّجْدِيِّ؟ فَوَاللَّهِ مَا تَرْزَأُ مِنْهَا
طَائِلًا، فَقَالَتْ: يَا أَمَتَاهُ، يَكُونُ كَمَا قَالَ ذُو
الرُّمَّةِ:
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مُعَرَّسُ سَاعَةً ... قَلِيلًا فَإِنِّي
نَافِعٌ لِي قَلِيلُهَا
455 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَسَأَلَهُ
رَجُلٌ: " أَيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، قَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ
الْأَوْسَطُ، قَالَ: وَمَنْ يَطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَنْ خَافَ
أَدْلَجَ ".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا أَبُو حُرَّةَ، عَنِ
الْحَسَنِ , أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ أَبَا ذَرٍّ
(2/846)
يُقَالُ: أَدْلَجَ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ
مِنْ أَوَّلِهِ، أَوْ وَسَطِهِ، وَأَدْلَجَ إِذَا خَرَجَ مِنْ آخِرِهِ
وَأَنْشَدَ أَبُو حَاتِمٍ:
لَوْ ذُقْتَ فَاهَا بَعْدَ نَوْمِ الْمُدْلِجِ
وَالصُّبْحِ لَمَّا هَمَّ بِالتَّبَلُّجِ
قُلْتَ جَنَى النَّحْلِ بِمَاءِ الْحَشْرَجِ
يُخَالُ مَثْلُوجًا وَإِنْ لَمْ يُثْلَجِ
وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ:
أَلَا إِنَّمَا زَوْجُ الْعَجُوزِ كَمُدْلِجِ ... يَرَى نُجُحًا طُولَ
السُّرَى وَهْوَ خَائِبُ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ، وَقَالَ الرَّاجِزُ:
(2/847)
أَقْبَلْتَ مِنْ نِيرٍ وُمِنْ سُرَاجِ
بِالْحَيِّ قَدْ مَلُّوا مِنَ الْإِدْلَاجِ
وَهُمَا جَبَلَانِ فَهُمْ رَجَاجٌ وَعَلَى رَجَاجِ
يَمْشُونَ أَفْوَاجًا عَلَى أَفْوَاجِ
مَشْيَ الْفَرَارِيجِ مَعَ الدَّجَاجِ
قَالَ يَعْقُوبُ: الرَّجَاجُ: الْمَهَازِيلُ، وَأَنْشَدَ:
قَدْ بَكَرْتُ مَحْوَةٌ بِالْعَجَاجِ
فَدَ مَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجَاجِ
وَالرَّجَاجُ: الْمَهَازِيلُ مِنَ الْغَنَمِ، وَمَحْوَةٌ: اسْمٌ
لِلشَّمَالِ مُعَرَّفَةٌ.
456 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ " لَيْسَ مِنْ
فَرَسٍ إِلَّا أَنَّهُ يَدْعُو اللَّهَ فِي كُلِّ سَحْرِيَّةٍ،
يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي عَبْدًا مِنْ عَبِيدِكَ،
وَجَعَلْتَ رِزْقِي فِي يَدِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَحَبَّ
إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ ".
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَخَلَفُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا:
نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ , عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ حُدَيْجٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ، فَإِذَا هُوَ أَبُو ذَرٍّ،
(2/848)
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ كُلُّ سَحْرِيَّةٍ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: لَقِيتُهُ
سَحَرًا، وَسَحَرَ، بِلَا تَنْوِينٍ، وَلَقِيتُهُ بِالسَّحَرِ،
وَلَقِيتُهُ سُحْرَةً، وَسُحْرَةً، بِالتَّنْوِينِ، قَالَ
الطِّرْمَاحُ: بِانَ الْخَلِيطَ بِسُحْرَةٍ فَتَبَدَّدُوا ...
وَالدَّارُ تُسْعِفُ بِالْخَلِيطِ وَتُبْعِدُ
(2/849)
وَتَقُولُ: لَقِيتُهُ سَحَرِيَّ هَذِهِ
اللَّيْلَةِ، وَقَالَ: فِي لَيْلَةٍ لَا نَحْسَ فِي ... سَحَرِيِّهَا
وَعِشَائِهَا.
وَبَعْضٌ يَقُولُونَ: فِي سَحَرِيَّةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَهِيَ
الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ.
وَتَقُولُ: لَقِيتُهُ بِأَعْلَى سَحَرَيْنِ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ
قَوْلَ الْعَجَّاجِ: غَدَا بِأَعْلَى سَحَرٍ وَأَجْرَسَا.
قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: بِأَعْلَى سَحَرَيْنِ،
لِأَنَّهُ أَوَّلُ تَنَفُّسِ الصُّبْحِ، ثُمَّ الصُّبْحَ كَمَا قَالَ
الرَّاجِزُ: مَرَّتْ بِأَعْلَى السَّحَرْيَنِ تَذْأَلُ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الذَّأْلَانِ: مِشْيَةُ الَّذِي كَأَنَّهُ
يَبْغِي فِي مِشْيَتِهِ مِنَ النَّشَاطِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ
الْحَدِيثِ مَا يَشُدُّ قَوْلَ الْعَجَّاجِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا،
فَهُوَ حُجَّةٌ لَهُ
457 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ
شَبِيبٍ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَمْنَعُكُمْ
مُرَاءٍ، أَوْ قَلِيلُ الْعَقْلِ مِنْ سَحُورِكُمْ، فَإِنَّهُمْ
يُؤَذِّنُونَ بِهَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ طَوِيلٍ، وَقَدْ يُرَى بَيَاضٌ
بِأَعْلَى السَّحَرِ، يُقَالُ
(2/850)
لَهُ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ.
وَسَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ يُوَجِّهُ قَوْلَ الْعَرَبِ فِي
السَّحَرِ، وَيَذْكُرُ اخْتِلَافَهَا فِيهِ، قَالَ: يُقَالُ:
أَتَيْتُهُ سَحَرًا وَعَشِيَّةً، وَبُكْرَةً، وَضَحْوَةً، وَغَدْوَةً،
وَعَتْمَةً، لِأَنَّهُ نَكِرَةً، وَوَقْتٌ يَكُونُ فِي كُلِّ يَوْمٍ
لَا يُخَصُّ بِهِ يَوْمٌ دُونَ يَوْمٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا
آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] ، يَعْنِي: سَحَرًا
مِنَ الْأَسْحَارِ، وَكَذَلِكَ عَشِيَّةً مِنَ الْعَشَايَا، وَبُكْرَةً
مِنَ الْبُكَرِ، فَلَمَّا قَالَ الرَّجُلُ: أَتَيْتُهُ سَحَرَا، فَلَمْ
يَتَمَكَّنْ وَلَمْ يَنْصَرِفْ، لِأَنَّهُ يُرِيدُ سَحَرَ يَوْمِهِ
وَعَشِيَّةَ يَوْمِهِ، وَغُدْوَةَ يَوْمِهِ، وَعَتْمَةَ لَيْلَتِهِ،
فَعَرَّفَ الِاسْمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ التَّعْرِيفِ، وَكَانَ وَجْهُ
التَّعْرِيفِ فِي هَذَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، فَتَقُولُ: السِّحَرُ
وَالْعَشِيَّةُ، كَمَا تَقُولُ: الْيَوْمُ، فَكَانَ حِينَئِذٍ قَدْ
عُدِلَ سَحَرٌ وَعَشِيَّةٌ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا عَنْ وُجُوهِهِمَا فِي
التَّعْرِيفِ، فَوَقَعَتْ مَعْدُولَةٌ عَنْ وَجْهِهَا، غَيْرَ
مُتَمَكِّنَةٍ، فَلَمْ تَنْصَرِفْ.
(2/851)
وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ
اللَّهُ، " إِنَّ رَجُلًا، قَالَ: حَجَجْتُ فَوَجَدْتُهُ بِالْبَلْدَةِ
الْبَلْدَةُ: هِيَ مِنًى كَانُوا يُسَمُّونَهَا الْبَلْدَةَ،
وَرُبَّمَا قَالُوا: الْبَلْدَةُ يُرِيدُونَ بِهَا مَكَّةَ، وَكَانُوا
يُسَمُّونَ مَكَّةَ فِي الْجَهَالِيَّةِ صَلَاحًا، قَالَ الشَّاعِرُ
يَرْثِي هِشَامَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ:
أَوْدَى هِشَامٌ وَقَدْ كَانَتْ تُؤَمِّلُهُ ... أَبْنَاءُ فِهْرٍ
إِذَا مَا عَضَّهَا الزَّمَنُ
تُبْكَى عَلَيْهِ صَلَاحٌ كُلَّمَا طَلَعَتْ ... شَمسُ النَّهَارِ
وَتُبْكَى شَجْوَهُ الْمُدُنُ
وَقَدْ كَانُوا يُسَمُّونَهَا الْمَنَازِلَ أَيْضًا.
قَالَ الشَّاعِرُ: وَقَالُوا تَعَرَّفْهَا الْمَنَازِلَ مِنْ مِنًى ...
وَمَا كُلُّ مَنْ وَافَى مِنًى أَنَا عَارِفُ
وَيُقَالُ: نَزَلَ الرَّجُلُ إِذَا حَجَّ، قَالَ عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ:.
(2/852)
أَنَازِلَةٌ أَسْمَاءُ أمْ غَيْرُ
نَازِلَهْ ... أَبِينِي لَنَا يَا أَسْمَ مَا أَنْتِ فَاعِلَهْ
فَإِنْ تَنْزِلِي أَنْزِلْ وَلَا أَخْشَ ضَيْعَةً ... وَلَا هُلْكَ
مَالٍ أَوْ كَلَالَةَ رَاحِلَهْ
وَإِنْ تَقْعُدِي أَقْعُدْ وَلَا آتِ مَوْسِمًا ... وَإِنْ نَزَلَتْ
لِلْبَيْعِ جَسْرٌ وَبَاهِلَهْ
وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ: وَافَيْتُ لَمَّا أَتَانِي أَنَّهَا نَزَلَتْ
... إِنَّ الْمَنَازِلَ مِمَّا تَجْمَعُ الْعَجَبَا
459 - وَمِنْهُ حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ عَنْ
قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ،
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فِي خُطْبَتِهِ
يَوْمَ النَّحْرِ: " أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ، قَالَ: قُلْنَا:
بَلَى "
(2/853)
تَمَّ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتْلُوهُ |