(2/961)
وَيُقَالُ لِلْقَابِلَةِ: قَبِيلٌ
وَقَبُولٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:. . . . . . . . . . . . . . . كَصَرْخَةِ
حُبْلَى أَسْلَمَتْهَا قَبِيلُهَا
وَيُرْوَى: قَبُولُهَا
523 - وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو
الْأَنْصَارِيِّ، «إِنِّي لَأَدَعُ الْأُضْحِيَةَ، وَأَنَا مِنْ
أَيْسَرِكِمْ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا حَتْمٌ
وَاجِبٌ» .
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،
قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ
أَصْلُ الْحَتْمِ: إِيجَابُ الْأَمْرِ، وَالْقَضَاءُ بِهِ، وَمِنْهُ
قِيلَ لِلْقَاضِي: حَاتِمٌ قَالَ
(2/962)
الشَّاعِرُ: وَرَقَيْتُهُ حَتَمَاتِ
الْمُلُوكِ ... بَيْنَ السُّرَادِقِ وَالْحَاجِبِ
يُرِيدُ مِثْلَ قَوْلِ الرَّاعِي: يَذِلُّ لِيَ الْبَوَّابُ مِنْ
غَيْرِ نِعْمَةٍ ... كَمَا ذَلَّ نَابَا حَيَّةٍ خَافَ رَاقِيَا
وَمِنْهُ سُمِيَّ الْغُرَابُ حَاتِمًا، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ
يَحْتِمُ بِالْفِرَاقِ، أَيْ يُتَفَاءَلُ بِذَلِكَ فِي نَعِيقِهِ،
وَأَنْشَدَ: وَهَوَّنَ وَجْدِي أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ لَهَمْ ...
غُرَابَ شِمَالٍ يَنْتِفُ الرِّيشَ حَاتِمَا
وَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: صَدُوفٌ،
وَكَانَتْ مُفَوَّهَةً، فَقَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُ إِلَّا مَنْ
يَرُدُّ عَلَيَّ جَوَابِي، فَجَاءَهَا خَاطِبٌ، فَوَقَفَ بِبَابِهَا،
فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَشَرٌ وُلِدَ صَغِيرًا، وَنَشَأَ
كَبِيرًا، فَقَالَتْ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ ، قَالَ: عَلَى بِسَاطٍ
وَاسِعٍ، وَبَلَدٍ شَاسِعٍ، قَرِيبُهُ بَعِيدٌ، وَبَعِيدُهُ قَرِيبٌ،
قَالَتْ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَنْ شَاءَ أَحْدَثَ اسْمًا، وَلَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتْمًا، قَالَتْ: كَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكَ،
قَالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ لِي حَاجَةٌ، لَمْ آتِكِ لِحَاجَةٍ، وَأَقِفُ
بِبَابِكِ، وَأَصِلُ بِأَسْبَابِكِ، قَالَتْ: سِرُّ حَاجَتُكَ أَمْ
جَهْرٌ، قَالَ: سِرُّ، وَسَتُعْلَنُ، قَالَتْ: فَأَنْتَ إِذًا خَاطِبٌ،
قَالَ: هُوَ إِذًا ذَلِكَ، قَالَ: فَرَضِيَتْ فَتَزَوَّجَهَا.
وَجَمْعُ الْحَتْمِ: حُتُومٌ، وَقَالَ أُمَيَّةُ: حَنَانَيْ رَبَّنَا
وَلَهُ عَنَوْنَا ... بِكَفَّيْهِ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ
(2/963)
وَفِي قَوْلِ أَبِي مَسْعُودٍ: كَرَاهِيَةَ
أَنْ يَعْلَمَ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ: كَرَاهِيَةً، وَكَرَاهَةً،
وَكَرَاهِينَ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ،
يَقُولُ: أَتَيْتُكَ كَرَاهِينَ أَنْ تَغْضَبَ.
تَمَّ الشَّرْحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَزَادَهُمْ
شَرَفًا وَتَعْظِيمًا، يَتْلُوهُ فِي السِّفْرِ الثَّالِثِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ.
(2/964)
وَقَالَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: " اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، أَوْ عُثْمَانُ عَلَى صَدَقَاتِ سَعْدِ هُذَيْمٍ، وَهُمْ
عُذْرَةُ، وَسَلَامَان، وَضِنَّةُ، وَالْحَارِثُ، وَهُمْ مِنْ
قُضَاعَةَ، فَلَمَّا قَبَضْتُ الصَّدَقَةَ قَسَمْتُهَا بَيْنَ
أَهْلِهَا، وَأَقْبَلْتُ بِالسَّهْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إِلَى عُمَرَ
أَوْ عَثْمَانَ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبِلَادِ عُذْرَةَ فِي حَيٍّ
مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو هِنْدٍ إِذَا أَنَا بِبَيْتِ حَرِيدِ
جَاحِشٍ عَنِ الْحَيِّ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَجُوزٌ جَالِسَةٌ
عِنْدَ كِسْرِ الْبَيْتِ، وَإِذَا شَابٌّ نَائِمٌ فِي ظِلِّ الْبَيْتِ،
فَلَمَّا قَعَدَتْ، فَسَلَّمَتْ، تَرَنَّمَ بِصَوْتٍ لَهُ ضَعِيفٍ،
فقَالَ:
جَعَلْتُ لِعَرَّافِ الْيَمَامَةِ حُكْمِهِ ... وَعَرَّافِ حَجْرٍ إِنْ
هُمَا شَفَيَانِي
فَقَالَا نَعَمْ نَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كُلِّهِ ... وَقَامَا مَعَ
الْعُوَّادِ يَبْتَدِرَانِ
نَعَمْ وَبَلَى قَالَا مَتَى كُنْتَ هَكَذَا ... لِيَسْتَخْبِرَانِي
قُلْتُ مُنْذُ زَمَانِ
فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْلَمَانِهَا ... وَلَا سَلْوَةٍ إِلَّا
بِهَا سَقَيَانِي
فَقَالَا شَفَاكَ اللَّهُ وَاللَّهِ مَالَنَا ... بِمَا حُمِّلَتْ
مِنْكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ
ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً خَفِيفَةً، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ
مَاتَ، فَقُلْتُ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ، مَا أَظُنُّ هَذَا النَّائِمَ
بِفِنَاءِ بَيْتِكَ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ، قَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ
أَظُنُّ، فَقَامَتْ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: فَاظَ وَرَبِّ
مُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: يَا أَمَةَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا؟ ، قَالَتْ:
عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ الْعُذْرِيُّ، وَأَنَا أُمُّهُ، قُلْتُ: فَمَا
الَّذِي صَيَّرَهُ إِلَى هَذَا؟ قَالَتْ: الْعِشْقُ، لَا وَاللَّهِ مَا
سَمِعْتُ لَهُ أَنَّةً مُنْذُ سَنَةٍ إِلَّا فِي صَدْرِ يَوْمِنَا،
فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِي بَاكِيًا أَبدًا ... فَالْيَوْمَ إِنِّي
أَرَانِي الْيَوْمَ مَقْبُوضًا
يُسْمِعْنَنِيهِ فَإِنِّي غَيْرُ سَامِعِهِ ... إِذَا عَلَوْتُ رَقِابَ
الْقَوْمِ مَعْرُوضًا
(3/965)
قَالَ النُّعْمَانُ: فَأَقَمْتُ وَاللَّهِ
عَلَيْهِ حَتَّى غُسِلَ وَكُفِنَ وَحُنِطَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ
وَدُفِنَ، قَالَ: قَلْتُ لِلْنُعْمَانِ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى ذَلِكَ؟
قَالَ: احْتِسَابُ الْأَجْرِ فِيهِمْ.
يُرْوَى عَنِ الرِّيَاشِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ بَكِيرٍ، قَالَ: نَا
الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: نَا النَّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ.
(3/966)
الْبَيْتُ الْحَرُيدُ، وَالْحَيُّ
الْحَرِيدُ: هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ مُعْتَزِلًا عَنِ الْبُيُوتِ مِنْ
جَمَاعَةِ الْقَبِيلَةِ، لَا يُخَالِطُهُمْ فِي ارْتِحَالِهِ
وَحُلُولِهِ خَوْفَ الْغَارَاتِ، وَالرَّجُلُ الْحُرِيدُ:
الْمُتَحَوِّلُ عَنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ: حَرَدَ يحرد حُرُودًا، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: كُلُّ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ حَرِيدٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَبْنِي عَلَى سُنَنِ الْعَدُوِّ بُيُوتَنَا ... لَا نَسْتَجِيرُ وَلَا
نَحُلُّ حَرِيدًا
أَيْ لَا نَحُلُّ بِقَوْمٍ، وَنَحْنُ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ،
وَلَكِنَّا نَحُلُّ بِهِمْ كَثِيرًا.
(3/967)
وَقَالَ رَدَادٌ: عَلَى سَنَنِ: فَفَتَحَ
السِّينَ وَالنُّونَ، وَيُقَالُ: رَجُلٌ حَرِيدٌ مِنْ قَوْمِ
حُرَدَاءَ، وَالْجَاحِشُ: مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ، وَهُوَ الْجَحِيشُ
أَيْضًا، قَالَ الرَّاجِزُ:
كَمْ سَاقَ مِنْ دَارِ امْرِئٍ جَحِيشِ
إِلَيْكَ نَأْشُ الْقَدَرِ النَّئُوشِ.
وَقَوْلُهُ: شَهِقَ، فَإِنَّ ابنَ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَنْ
دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ " يُقَالُ: شَهِقَ
الرَّجُلُ، فَهُوَ شَاهِقٌ إِذَا تَنَفَّسَ وَارْتَفَعَ، وَمِنْهُ
قِيلَ: جَبَلٌ شَاهِقٌ ".
وَقَوْلُهَا: فَاظَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، يُقَالُ: فَاظَ الْمَيِّتُ
يَفِيظُ فَيْظًا، وَيَفُوظُ فَوْظًا، كَذَا , رَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ،
وَأَنْشَدَ لِرُؤْبَةَ:
لَا يَدْفِنُونَ مِنْهُمْ مَنْ فَاظَا.
قَالَ: وَلَا يُقَالُ: فَاظَتْ نَفْسُهُ.
وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّهَا لُغَةٌ لِبَعْضِ بَنِي تَمِيمٍ،
وَأَنْشَدَ:
اجْتَمَعَ النَّاسُ وَقَالُوا عُرْسُ
فَفُقِئَتْ عَيْنٌ وَفَاظَتْ نَفْسُ.
(3/968)
فَأَنْشَدَهُ الْأَصْمَعِيُّ،
فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: «وَطَنَّ الضِّرْسُ» .
أَيْ: صَوَّتَ.
525 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نَا مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى، قَالَ: نَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: نَا
مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ " أَنَّهُ غُشِيَ
عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي وَجَعِهِ غَشْيَةً، ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ
فَاظَ مِنْهَا.
وَأَنْشَدَ أَبُو حَاتِمٍ:
سُمِّيتَ غَيَّاظًا وَلَسْتَ بِغَائِظٍ ... عَدُوًّا وَلَكِنَّ
الصَّدِيقَ تَغِيظُ
فَلَا رَحِمَ الرَّحْمَنُ نَفْسَكَ حَيَّةً ... وَلَا هِيَ فِي
الْأَمْوَاتِ حِينَ تَفِيظُ.
(3/969)
وَقَالَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ رَحِمَهُ
اللَّهُ " أَنَّ رَجُلًا غَنَّى بِالْمَدِينَةِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ
النُّعْمَانُ:
أَجَدَّ بِعَمْرَةَ غُنْيَانُهَا.
فَقِيلَ لَهُ: اسْكُتْ، فَقَالَ النُّعْمَانُ: وَمَا بَأْسَ، دَعُوهُ،
فَمَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا، إِنَّمَا قَالَ:
وَعَمْرَةُ مِنْ سَرَوَاتِ النِّسَاءِ ... تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ
أَرْدَانُهَا
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْهُيْثُمِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
يَعْقُوبَ: أَرَاهُ ذَكَرَهُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: عَمْرَةُ
هِيَ أَمُّ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ.
وَالْغُنْيَانِ: الْغَنِيُّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًا يَقُولُ:
الرُّفْعَانُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: مَا لَهُ عِنْدَكَ غُنْيَانٌ، وَلَا
غُنْيَةٌ، وَلَا غِنًى وَلَا مَغْنًى، وَالْبَيْتُ لِقَيْسِ بْنِ
الْخَطِيمِ:
أَجَدَّ بِعَمْرَةَ غُنْيَانُهَا ... لِتَصْرِمَ أَمْ شَأْنُنَا
شَانُهَا
(3/970)
يَقُولُ: أَمْ هِيَ عَلَى مَا نُحِبُّ.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ " وَدَخَلَ عَلَى
يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ
عَلِيٍّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَاءِ الْحُسَيْنِ وَصَغَارِ
وَلَدِهِ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: يَا نُعْمَانُ، مَا تَرَى أَنْ
أَصْنَعَ بِهَؤُلَاءِ؟ قَالَ: اصْنَعْ بِهِمْ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَانِعًا بِهِمْ لَوْ رَآهُمْ بِهَذِهِ الْحِيبَةِ، فَأَمَرَ
بِهِمْ يَزِيدُ، فَأُدْخِلُوا فِي الْحَمَّامِ، وَكَانُوا قَدْ
قَشَفُوا، وَكَسَاهُمْ وَسَرَّحَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ ".
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرِّيَاشِيِّ.
قَالَ: يُقَالُ: فُلَانٌ بِحِيبَةِ سَوْءٍ، وَبِكِينَةِ سَوْءٍ،
وَبِيئَةِ سَوْءٍ، إِذَا كَانَ بِحَالٍ سَيِّئَةٍ، وَالْحَالُ
تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَأَنْشَدَ لِطَرْفَةَ:. . . . . . . . . . . .
. . . . . .
بِبِيئَةِ سَوْءٍ هَالِكًا وَكَهَالِكٍ
وَقَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَلَا أَبُثُّكَ حِيبَتِي ... رَعِشَ الْبَنَانُ
أَطِيشُ مَشْيِ الْأَصْوَرِ.
(3/971)
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: مَا
أَحْسَنَ بِيئَةُ فُلَانٍ، الْبَاءُ مَكْسُورَةٌ، وَتَبَوَّأَ
مَنْزِلًا تَبَوُّؤًا، وَالْبِيئَةُ: الِاسْمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: يُقَالُ لِفُلَانٍ فِي بَنِي فُلَانٍ حَوْبَةٌ،
وَيُقَالُ: حِيبَةٌ، فَتَذْهَبُ الْوَاوُ، إِذَا انْكَسَرَ مَا
قَبْلَهَا، وَهِيَ: الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وَالْبِنْتُ، وَهِيَ فِي
مَوْضَعٍ آخَرَ الْهَمُّ وَالْحَاجَةُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:. . . . .
. . . . . . . . . . . . .
لِحَوْبَةِ أُمٍّ مَا يَسُوغُ شَرَابُهَا
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ أَيْضًا: الْحَوْبَةُ: الضَّعِيفُ مِنَ
الرِّجَالِ، وَحَوْبَةُ الرَّجُلِ أَيْضًا: أُمُّهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحُوبَةُ: بِضَمِ الْحَاءِ، وَكَذَلِكَ
الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً ضَعِيفَةً أَوْ دَمِيمَةً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَحَوَّبَ الرَّجُلُ مِثْلُ:
اهْتَمَّ وَتَضَوَّرَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يُقَالُ: الْحِيبَةُ إِلَّا فِي الشَّرِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَيُقَالُ عِنْدَ الدُّعَاءِ عَلَى الرَّجُلِ:
أَلْحَقَ اللَّهُ بِهِ الْحَوْبَةَ، وَأَنْزَلَهَا بِكَ، وَهِيَ
الْحَاجَةُ وَالْمَسْكَنَةُ.
(3/972)
528 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: أَتَى
الْحَجَّاجُ بِأَسْرَى فِيهِمْ أَسِيرٌ لَهُ وَالِدٌ، فَسَأَلَ
الْحَجَّاجَ الصَّفْحَ عَنْهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ،
فَتَوَجَّعَ الرَّجُلُ، وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى
الْحَجَّاجِ يَوْمًا، وَقَدْ جَاءَ نَعْيُ مُحُمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مِنَ
الْيَمَنِ، وَمَوْتُ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا
نَظَرَ إِلَى تَوَجُّعِ الْحَجَّاجِ عَلَيْهِمَا، قَالَ: مَا أَحْسَبُ
الْأَمِيرَ إِلَّا مُتَذَكِّرًا لِقَتْلِ ابْنِي، وَتَمَثَّلَ
بِأَبْيَاتِ طُفَيْلٍ الْغَنَوِيِّ:
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ ... مِنَ الْغَيْظِ فِي
أَكْبَادِنَا وَالتَّحَوُّبِ
فَمُتْ غَيْرَ مَفْقُودٍ إِلَى النَّارِ صَائِرًا ... فَأَهْوَنُ
مَظْلُومٍ سِقَاءٌ مُرَوَّبُ
فَلَا تَحْسِبَنَّ قَلْبِي لِفَقْدِكَ جَازِعًا ... وَلَا دَمْعَ
عَيْنِي عِنْدَ مَوْتِكَ يَسْكُبُ.
قَالَ إِبْرَاهِيمَ بْنُ حُمَيْدٍ: قَصَدَ لِلْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ:
مَنْ ضَحِكَ وَحْدَهُ، بَكَى وَحْدَهُ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
فَأَيْسَرُ مَفْقُودٍ وَأَيْسَرُ هَالِكٍ ... عَلَى الْحَيِّ مَنْ لَا
يَبْلُغُ الْحَيَّ نَائِلُهُ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْقَاسِمِ:
فَإِنْ تُحْدِثْ لَكَ الْأَيَّامُ سُقْمًا ... يَحُولُ حَرِيضُهُ دُونَ
الْقَرِيضِ
يَكُنْ طُولُ التَّأَوُّهِ مِنْكَ عِنْدِي ... بِمَنْزِلَةِ الطَّنِينِ
مِنَ الْبَعُوضِ
فَمَا أَنَا بِالْمُفَجَّعِ حِينَ تُودِي ... وَمَا دَمْعِي عَلَيْكَ
بِمُسْتَفِيضِ
(3/973)
وَأَنْشَدَنَا أَيْضًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مِثْلِهِ:
وَمَا أَنَا بِالْبَاكِي عَلَى إِثْرِ صَاحِبٍ ... إِذَا كَانَ لَا
يَجْدِي عَلَيَّ بِطَائِلِ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ حَالَ مِنْ دُونِ وَصْلِكُمْ ... سَخَافَةَ
أَحْلَامِ وَقِلَّةَ نَائِلِ
تَمَّ حَدِيثُ النُّعْمَانِ وَيَتْلُوُهُ: