الغريب المصنف
الغريب
المُصنّف
تأليف أبي عُبيدٍ القاسم بن سلاَّم
المتوفى سنة 224 هـ
تحقيق صفوان عدنان داوودي
القسم الأوّل
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمدُ للِّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسَّلامُ على خاتم المرسلين،
وأفصحِ الناطقين، سيِّدنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبه أجمعين،
وبعدُ
فإنَّ علمَ اللُّغة العربية من أشرفِ العلوم، ومعرفتهُ من خير الأمور،
وذلك لأنَّ الله اختار العرب على العالمين، وفضَّل لغتهم على سائر
اللغات، فأرسل أفضلَ أنبيائه بأفصحِ لغةٍ في أفصحِ قومٍ، وأنزلَ كتابه
العزيز بتلك اللغة، فقال عزَّ مِنْ قائلٍ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ} الشعراء: 195. وقال أيضاً: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً
عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الزخرف: 3.
وجعل كتابه قانوناً لهم، وأمرهم بالعملِ بما فيه، والاهتداء بهديه، ولا
سبيلَ إلى فهم هذا الكتابِ العظيم، ولا إلى معرفَة كلامِ خاتم
المرسلين، إلاَّ بمعرفة اللُّغة العربية ودراستها، لذا كان تعلُّمهَا
من الأمور المطلوبة، والسنن المحبوبة، وقد استنبط بعضُ العلماء من قوله
تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة: 23.
(1/245)
أنَ تعلُّمَ اللغات أفضل من التفرُّغ
والتخلي للعبادة، إذ لما علَّم الله آدمَ أسماء المسميات كلَّها أمر
الملائكة الذين يعبدونه في كلِّ طرفةِ عينٍ أن يسجدوا لأدم لهذه
المزية.
ورحم الله القائل:
علمُ اللغاتِ علينا ... فرضٌ كفرضِ الصلاةِ
فليس يحفظ دينٌ ... إلا بحفظ اللُّغاتِ
لذا قام علماء هذه الأمَّة بالتشمير عن ساعد الجد، فبدؤوا بالتصنيف في
سائر الفنون والعلوم، ومِنْ جملتها علمُ اللُّغة، فألَّفوا المُؤلَّفات
الكثيرة ما بين صغيرٍ وكبير، حتى حفظوا لنا اللُّغة وأوصلوها إلينا، إذ
لو التأليف لضاعت أكثر العلوم، لعجزِ كثيرٍ من النَّاس عن الحفظ.
وكان من ضمن كتب اللًّغة كتابُ "الغريب المصنَّف، للإمام المُتفَقِ على
جلالته أبي عبيدٍ القاسم بن سلاَّم، صنَّفه في أربعين سنةً ورَتّبه على
الموضوعات، فكان كتابُه هذا من طليعةِ المعاجم العربية المؤلفة في هذا
النوع والكتابُ لَمْ يرَ النور إلى هذا اليوم، فأعاننا الله على تحقيقه
ونشره، ونسأله تعالى القبول،
ونبدأ أولاً بترجمة المؤلف.
ثمَّ بدراسةٍ وافيةٍ عن كتابه
ثمَّ بإخراج نصِّ الكتاب.
وما توفيقنا إلا بالله، عليه توكَّلنا، وعليه اعتمادنا.
المحقق
المدينة المنورة 1410 هـ
(1/246)
ترجمة المؤلف ودراسة عنه
اسمه ونسبه
هو القاسم بن سلاّم1، كان أبوه سلاَّم عبدا ً رومياً لرجلٍ من أهل
هراة، وهي مدينةٌ من مدن خراسان.
وكان أبوه يحبُّ العلم، فيحكي أنَّه خرج يوماً، وأبو عبيدٍ مع ابنِ
مولاه في الكُتَّاب، فقال للمعلِّم: علِّمي القاسم فإنَّها كَيِّسه.
فخاطب أبوه المعلمَ بضمير المؤنث، وهو لحنٌ لكونه رومياً.
ولد أبو عبيدٍ بهراة سنة 150 هـ وقيل: سنة 154 هـ، وكان أبوه يتولَّى
الأزد، وكان أبو عبيد ينزل في بغداد بدرب الريحان.
شيوخه
روى أبو عبيدٍ عن عددٍ كبير من أهل العلم واللغة، حتى صار إمامَ عصره،
وسيِّدَ دهره، ونبغ في عدّة علومٍ، فقرأ على:
1- إسماعيل بن جعفر. انظر طبقات الشافعية 2/ 154، وطبقات الحنابلة 1/
259.
__________
1 انظر ترجمته في تاريخ بغداد 12/403، إنباه الرواة 3/12، بغية الوعاة
2/253، معجم الأدباء 16/ 238 تاريخ الأدب العربي 2/155، طبقات الحنابلة
1/259، طبقات المفسرين 2/37، شذرات الذهب 2/54، طبقات الشّافعية
الكبرى20/153، وسير النبلاء10/490، وتذكرة الحفاظ 1/417.
(1/249)
2- شريك بن عبد الله، وهو أكبر شيوخه. انظر
طبقات الشافعية الكبرى2/ 154، وطبقات الحنابلة 1/ 259.
3- إسماعيل بن عياش. انظر تاريخ بغداد 12/ 203.
4- هُشيم بن بشير. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
5- جرير بن عبد الحميد. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
6- سفيان بن عيينة. انظر تاريخ بغداد 12/403. وطبقات الشافعية الكبرى
2/ 154.
7- إسماعيل بن علية. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
8- يزيد بن هارون. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
9- يحيى بن سعيد القطان. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
10- حجَّاج بن محمد أخذ عنه القراءة. انظر تاريخ بغداد 12/403.
11- أبي معاوية الضرير. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
12- صفوان بن عيسى. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
13- عبد الرحمن بن مهدي. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
14- حماد بن مسعدة. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
15- مروان بن معاوية. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
16- أبي بكر ابن عياش. انظر تاريخ بغداد 12/403، وطبقات الشافعية
الكبرى 2/154.
17- عمر بن يونس. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
18- إسحاق الأزرق. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
19- أبي زيد الأنصاري. انظر إنباه الرواة 3/13، وتاريخ بغداد 12/404.
وقد صرَّح أبو عبيد بالسماع منه في عدة مواضع من كتابه الغريب المصنف.
20- أبي عبيدة. انظر إنباه الرواة 3 / 13، والفهرست ص 106.
(1/250)
21- الأصمعيّ. انظر الفهرست ص106، وتاريخ
بغداد 12/404، وإنباه الرواة 3/ 13.
22- اليزيدي. انظر الفهرست ص 106، وإنباه الرواة 3/ 13، وطبقات
الحنابلة 3/260.
23- ابن الأعرابيّ. الفهرست ص 106، وطبقات الحنابلة 3/260، وتاريخ
بغداد 12/ 404.
24- أبي زياد الكلابي أخذ عنه اللغة، وهو من الأعراب، قدم بغداد أيام
المهدي. انظر الفهرست ص 67.
25- الأموي. انظر طبقات الحنابلة 1/ 261، وإنباه الرواة 3/ 13.
26- أبي عمرو الشيباني. انظر تاريخ بغداد 12/440، وطبقات الحنابلة 1/
261.
27- الكسائي. انظر طبقات الشافعية الكبرى 2/ 153، وإنباه الرواة 3/13.
28- الأحمر. انظر تاريخ بغداد 12/ 404، وإنباه الرواة 3/ 13.
29- الفرّاء. انظر تاريخ بغداد 12/404.
30- اللحياني غلام الكسائي، اسمه علي بن المبارك. أنظر الفهرست ص 72.
31- شجاع بن أبي نصر، قرأ عليه القرآن. طبقات الشافعية الكبرى 2/153.
32- عبد الله بن المبارك. انظر طبقات الشافعية 2/ 153.
33- الشافعي، وله معه مناظرة في القرء. طبقات الشافعية الكبرى 2/154.
34- إسماعيل بن جعفر. أخذ عنه القراءة. سير أعلام النبلاء 10/506.
35- أبي مسهر، أخذ عنه القراءة. سير النبلاء10/ 506.
36- النضر بن شميل. انظر نزهة الألباء ص73.
(1/251)
تلامذته
روى عن أبي عبيدٍ، وأخذَ عنه العلم كثيرٌ من الناس، والرُّواة عنه
مشهورون ثقاتٌ، ذوو ذكرٍ ونبلٍ، وعادَتْ بركةُ أبي عبيدٍ رحمه الله على
أصحابه، فكلُّهم نبغَ في العلم واشتُهر به، وأخذ عنه وتصدَّر للإفادة،
فمنهم:
1- أبو عبد الرحمن أحمد بن سهل التميمي.
2- وأحمد بن عاصم البغدادي.
3- ثابت بن أبي ثابت، ورَّاق أبي عبيد، له كتاب "الفرق "، مطبوع.
4- أبو منصور نصر بن داود الصاغاني. تاريخ بغداد 13/292.
5- محمد بن وهب أبو جعفر المسعري1.
6- محمد بن سعيد الهروي.
7- محمد بن المغيرة البغدادي.
8- عبد الخالق بن منصور النيسابوري.
9- أحمد بن يوسف التغلبي. تاريخ بغداد 5/219.
10 - أحمد بن القاسم. تاريخ بغداد 4/349.
11- إبراهيم بن عبد العزيز البغي.
12- أخوه علي بن عبد العزيز، راوي كتب أبي عبيد.
13- محمد بن إسحاق الصاغاني.
14- الحسن بن مكرم.
15- أبو بكر ابن أبي الدنيا.
16- الحارث بن أبي أسامة.
17- محمد بن يحيى المروزي.
18- أبو الحسن الطوسي راوي كتاب الغريب المصنَّف.
19- علي بن المديني، قرأ عليه غريب الحديث. انظر تاريخ بغداد 12 /407.
20- أحمد بن حنبل، قرأ عليه غريب الحديث.
__________
1 الغريب المصنف النسخة التونسية ورقة 612.
(1/252)
21- يحيى بن معين، قرأ عليه غريب الحديث.
22- عباس العنبري. انظر تاريخ بغداد 12/ 407.
23- إبراهيم بن إسحاق الحربي، غريب الحديث للحربي 1/ 37.
24- المأمون الخليفة العباسي، قرأ عليه غريب الحديث. انظر تاريخ بغداد
12/408
25- بندار بن عبد الحميد، المعروف بابن لرَّة.
26- المسعري، علي بن محمد بن وهب.
27- القاسم بن الإصبع. انظر الفهرست ص 71.
28- الإِمام البخاري، محمد بن إسماعيل، طبقات المفسرين 2/ 38 وسير
النبلاء10/ 507. نقل عنه في التاريخ الكبير، وفي "أفعال العباد".
29- الحافظ أبو داود صاحب السنن، طبقات المفسرين 2/ 38، نقل عنه في
تفسير أسنان الإِبل في الزكاة.
30- الإِمام الترمذي، طبقات المفسرين 2/ 38.
31- أحمد بن إبراهيم، ورَّاق أبي عبيد أيضاً، روى عنه القراءات.
سيرالنبلاء10/ 507.
32- ثابت بن عمرو بن حبيب، صحب أبا عبيد، وروى عنه كتبه كلها. إنباه
الرواة 1/ 298.
33- عبد الله بن مخلد. راوية أبي عبيد. الوافي 17/600.
34- موسى بن خاقان، سمع الغريب المصنف من أبي عبيد، وسمعه معه:
35- جيش بن مبشر 1، والقرشي، ومسلم، والطوسي، وأبو جعفر المسعري وأبو
أيوب البصري، كما ورد في الورقة الأخيرة من مخطوطة تونس.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد 8/ 272.
(1/253)
وصفه وكلام الأئمة فيه
كان أبو عبيدٍ من الرَّاسخين في العلم، العاملين بما يعلمون، ذا زُهدٍ
وورع، وتقوى للَّهِ عزَّ وجلَّ، وقد أثنى عليه العلماء كثيراً، فقد قال
إسحاق بن راهويه شيخُ الحديث: الحق يحبُّه الله عزَّ وجلَّ، أبو عبيدٍ
القاسمُ بن سلاَّم أفقهُ مني وأعلمُ مني1.
وقال الهلال بنِ العلاء الرّقي: مَنَّ اللهُ علي هذه الأمَّةِ بأربعةٍ
في زمانهم: بالشافعيِّ تفقهَ بحديثِ رسولِ اللُّه صلى الله عليه وسلم،
وبأحمدَ بن حنبل، ثبتَ في المحنة، لولا ذلك كفر النَّاس، وبيحيى بنِ
معين، نفى الكذبَ عن حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي عبيدٍ
القاسمِ بن سلاَّم، فسَّرَ الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم، لولا ذلك لاقتحم النَاسُ في الخطأ2.
وقال ثعلبٌ النحوي: لو كان أبو عبيدٍ في بني إسرائيل لكان عجباً 3.
وقال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيدٍ القاسم بن سلاَّم فاضلاً في
دينه وفي علمه، ربانيَّاً مُتَفنِّناً في أصناف علوم الإسلام، من
القرآن والفقه، والعربية والأخبار، حسنَ الرِّواية، صحيحَ النَّقل، لا
أعلمُ أحداً من النَّاس طعن عليه في شيء من أمرهِ ودينه 4.
__________
1 تاريخ بغداد 12/411، وإنباه الرواة 3/ 19.
2 تاريخ بغداد 12/ 410، وإنباه الرواة 3/ 19.
3 انظر إنباه الرواة 3/ 19.
4 انظر إنباه الرواة 3/ 19، وتاريخ بغداد 12/ 411.
(1/254)
وقال عبد الله بن طاهر: كانَ للنَاسِ
أربعة: ابنُ عبَّاس في زمانه، والشَعبي في زمانه، والقاسمُ بن مَعنٍ في
زمانه، وأبو عبيدٍ القاسمُ بن سلاَّم في زمانه1.
وقال إبراهيم الحربيُّ: أدركتُ ثلاثةً لن يُري مثلهم أبداً، تعجزُ
النّساء أنْ يلدْنَ مثلهم، رأيتُ أبا عبيدٍ القاسمَ بنَ سلاَّم، ما
مثَّلْتُه إلا بجبل نفِخَ فيه روحِ، ورأيتُ بشرَ بنَ الحارث فما
شبهْتُه إلا برجلٍ عُجِنَ من قَرْنِه إلى قدمِه عقلا، ورأيتُ أحمد بن
حنبل فرأيتُ كأنَ اللَّهَ جمعَ له علم الأوَّلين من كلِّ صنفٍٍ، يقول
ما شاء ويمسك ما شاء2.
وقال إسحاقُ بن إبراهيم الحنظليُّ: أبو عبيدٍ أوسعُنا علماً، وأكثرنا
أدباً، وأجمعُنا جمعاً، إنَا نحتاج إلى أبي عبيدٍ، وأبو عبيدٍ لا يحتاج
إلينا3.
وقال الجاحظ: ومن المُعلِّمين ثمَّ الفقهاء والمحدثين، ومن النحويين
والعلماء بالكتاب والسُنَّة، والنَّاسخ والمنسوخ، وبغريبِ الحديث،
وإعراب القرآن، وممَن جمع صنوفاً من العلم، أبو عبيدٍ القاسمُ بن
سلاَّم، وكانَ مؤدباً لم يكتب النَاسُ أصحَّ من كتبه، ولا أكثر فائدة4.
وسئل أبو قدامة عن الشافعيِّ وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد، فقال:
أما أفهمُهم فالشافعي، إلا أنَّه قليلُ الحديث، وأمَا أورعهم فأحمد بن
حنبل، وأمَّا أحفظهم فإسحاق- هو ابن راهويه-، وأمَّا أعلمُهم بلغاتِ
العربِ فأبو عبيدٍ5.
فهذه الشهادات من هؤلاء العلماء وغيرهم دليلٌ واضحٌ على مكانة أبي
عبيدٍ العالية، ومرتبته المنيفة، إذ النَاسُ شهداءُ الله في الأرض،
فإذا أثنوا على
__________
1 انظر تاريخ بغداد 12/412.
2 تاريخ بغداد 12/412.
3 إنباه الرواة 3/ 19.
4 طبقات النحويين للزبيدي ص 199.
5 إنباه الرواة 3/18.
(1/255)
رجلٍ خيراً قُبلت شهادتهم عند الله، ودلَّت
على صدق المشهود له، وحسن حالته.
وقد كان أبو عبيد رحمه الله يقسمُ اللَّيلَ أثلاثاً، فيصلَّي ثُلثه،
وينامُ ثلثه، ويصنع الكتب ثلثه1
فهذا دليلٌ على حرصه واهتمامه بالوقت، إذ الوقتُ رأسُ مالِ المرء، فإذا
أحسنَ استغلاله فقد فازَ وربح، وإلا خابَ وخسر، وكانت عادةُ أسلافِنا
المحافظةَ على الوقتِ، وقضاءَ أكثرِه فيما فيه فائدةٌ وخيرٌ، حتى
قدَّموا لنا تُراثاً علمياً كبيراً، يعجبُ المرءُ كثيراً كيفَ ألَّفوه
وصنَّفوه وما ذلك إلا من تقواهم، وحرصهم على الساعات واللحظات، حتى وضع
اللَّهُ البركةَ في أعمارهم وأعمالهم، فأنتجوا إنتاجاً كبيراً في
مُدَدٍ يسيرة.
وكان أبو عبيدٍ في أوَّل أمره يؤدِّب غلاماً في شارع بشر وبشير2، ثم
صار مؤدِّباً لأولاد هرثمة بن أعين، أحد ولاة الخليفة العباسي هارون
الرشيد كان والياً على خراسان، ثم ولاَّه الرشيد على بلاد أفريقيا سنة
177 هـ 3.
فعند ذلك اتَّصلَ بثابتِ بن نصر بن مالك الخز اعي، فصار يؤدّب أولاده،
ثُمَّ وُلِّي ثابتٌ طرسوس ثماني عشرة سنةً، فولَّى أبا عبيد القضاءَ
بطرسوس ثماني عشرة سنةً، فاشتغل عن كتابة الحديث.
ثمَّ صار إلى ناحية عبد الله بن طاهر، واتصاله بالطاهريين كان لمّا نزل
طاهر بن الحسين إلى مرو سنة 195 هـ طلب رجلاً ليحدِّثه ليلةً، فقيل له:
ما هاهنا إلا رجلٌ مؤدِّبٌ، فأُدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم،
فوجده أعلم الناس بأيام النَّاس، والنحو، واللغة، والفقه، فقال له: من
المظالم تركك أنت بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار، وقال له: أنا
متوجِّهٌ إلى خراسان إلى حربٍ، وليس أحدث أنّ أستصحبك شفقاً عليك،
فأنفق هذا إلى أن أعود إليك، فًبدأ
__________
1 تاريخ بغداد 12/407.
2 تاريخ بغداد 12/413.
3 الكامل في التاريخ 6/137.
(1/256)
أبو عبيد بتأليف الغريب المصنف1 إلى أن عاد
طاهر بن الحسين من خراسان، فحمله معه إلى سُرَّ مَنْ رأى، فمن ذلك
اليوم قويت صلتُه مع الطاهريين، وكانَ طاهر بن عبد الله يودُّ أنْ
يأتيه أبو عبيدٍ ليسمع منه كتابَ "غريب الحديث" في منزله، فلم يفعلْ
ذلك إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكان هو يأتيه.
وقد كان مرَّةً مع عبد الله بن طاهر، فوجَّه إليه أبو دُلَف العجلي
يستهديه أبا عبيدٍ لمدَّة شهرين، فأنفذ أبا عبيدٍ إليه، فأقام شهرين،
فلمَّا أراد الانصراف وصله أبو دُلَف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها،
وقال: أنا في جنبةِ رجلٍ ما يحوجني إلى صلة غيره، ولا آخذ ما فيه عليَّ
نقصٌ، فلما عاد إلى ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار، بدلَ ما وصله أبو
دُلَف فقال له: أيها الأمير، قد قَبِلْتُها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك
وبرِّك، وكفايتك عنها، وقد رأيتُ أن أشتريَ بها سلاحاً وخيلاً،
وأتوجَّه بها إلى الثغرة ليكونَ الثوابُ متوفِّراً على الأمير، ففعل2.
فهذا دليلٌ واضح على إكرام الطاهريين له، وعلى عفَّة أبي عبيد ونزاهته،
رحمه الله.
ثم صارت صلتُه بعدها قويةً مع عبد الله بن طاهر، ولمَّا صنَّف أبو عبيد
كتاب غريب الحديث عرضه على عبد الله بن طاهر، فاستحسنه وقال: إنَّ
عقلاً بعثَ صاحبه على عملِ مثلِ هذا الكتاب لحقيقٌ أن لا يُحوجَ إلى
طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر. فكان هذا ممَّا ساعده
على التفرُّغ لطلب العلم والازدياد منه، وكفاه مؤنة معاشه ودنياه.
وفي سنة 213 هـ توجَّه أبو عبيد إلى مصر مع يحيى بن معين، فسمع علماءها
وكتب بها، ثم رحل إلى دمشق طلباً للعلم.
وبعدها عاد إلى بغداد، ثم قصد مكة سنة 219 هـ، وأقام بها حتى مات
__________
1 انظر تاريخ بغداد 2 1/ 406. فعلى هذه الرواية يكون تأليف الغريب
استغرق 29 عاماً.
2 انظر تاريخ بغداد 12/406.
(1/257)
وفاته
خرج أبو عبيد إلى مكة سنة تسع عشرة ومائتين، وحجَّ، ولم يزلْ بها إلي
أن توفي سنة 224 هـ. في يوم الأربعاء 12 المحرم، كما في التونسية.
وقد ذُكر أنَّ أبا عبيدٍ قدم مكَة حاجاً، فلما قضي حجَّه وأراد
الانصراف اكترى إلى العراق، ليخرج صبيحة الغد. قال أبو عبيد. فرأيتُ
النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في رؤياي وهو جالسٌ، وعلى رأسه قومٌ
يحجبونه، والنَّاس يدخلون ويسلِّمون عليه، ويصافحونه قال: فكلَّما دنوت
لأدخلَ مع النَّاس مُنِعت، فقلتُ لهم: لمَ لا تُخلّون بيني وبين رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالوا لي: لا واللِّه، لا تدخل عليه ولا
تُسلِّمُ عليه وأنت خارجٌ غداً إلى العراق، فقلتُ لهم: إني لا أخرج
إذاً، فأخذوا عهدي، ثمَّ خلَّوا بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، فدخلتُ وسلَّمتُ عليه، وصافحني، وأصبحتُ ففسخت الكراء وسكنت
مكة.
وقال أبو سعيد الضرير: كنتُ عند عبد الله بن طاهر، فورد عليه نعيُ أبي
عبيد، فقال لي: يا أبا سعيدٍ، مات أبو عبيد، ثمَّ أنشأ يقول:
يا طالب العلمِ قد ماتَ ابن سلاَّم ... وكانَ فارسَ علمٍ غيرَ مِحْجامِ
ماتَ الذي كانَ فيكم ربعَ أربعةٍ ... لم يُؤتَ مثلُهم إستارَ أحكامِ1
حَبْرُ البريَّةِ عبدُ اللَّه أوَّلهم ... وعامرُ، ولَنِعْمَ الثَّاوِ
يا عامي
هما اللذان أنافا فوقَ غيرهما ... والقاسمان ابن معنٍ وابن سلام
فازا بقدحٍ متينٍ لا كفاء له ... وخلَّفاكم صفوفاً فوق أقدام2
يريد: عبد الله بن عباس، وعامر الشعبي، والقاسم بن معن، وأبا عبيد.
وفارق أبو عبيد هذه الدنيا الفانية بعد حياةٍ مليئةٍ بالعلم والعبادة
والتعليم، لينتقل إلى دار الآخرة، ليلقى جزاء عمله ونتيجة اجتهاده، في
حياةٍ هنيئةٍ دائمةٍ، أفاضَ عليه ربُّنا وابلَ رحمته، وفيضَ مغفرته.
وكانت وفاته سنة 224 هـ وبلغ أربعاً وسبعين سنة.
__________
1 إستار كلمة فارسية تِطلق على الأربعة، وصحفها بعضهم إلى أستاذ.
2 انظر تاريخ بغداد 12/412، وطبقات النحويين ص 201.
(1/258)
مُؤلَّفاتُه
صنَف أبو عبيدٍ مُصنفاتٍ متعددة. في علوم شتَّى، وروى النَّاس من كتبه
المُصنَفة بضعةً وعشرين كتاباً في القرآن والفقه، والغريب والأمثال،
وله كتبٌ لم يروها، وأشهر مؤلفاته:
1- كتاب غريب الحديث، صنَّفهُ للخليفة المأمون العباسي، وقرأه عليه.
قال أبو عبيد: مكثتُ في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربَّما كنتُ
أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيتُ
ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة.
وقد تقدَّم عرضُه الكتاب على عبد الله بن طاهر.
والكلامُ على هذا الكتاب يطول جداً، فمن مُثنٍ عليه مُبالغٍ في الثناء،
ومن مُنتقدٍ له، وليس هذا المحلُ لبسطِ الكلام عليه.
والكتابُ مطبوعٌ في حيدر آباد سنة 1964، في أربعة أجزاء، وصوِّر في
بيروت في دار الكتاب العربي ويليه في الشهرة كتاب:
2- الغريب المُصنَّف، وسنعقد له باباً خاصاً، وألَّفه في أربعين1 سنة
مع غريب الحديث. ثم بقية كتبه، وهي:
3- الأمثال، طبع في جامعة أم القري بمكة المكرمة، بتحقيق د. عبد المجيد
قطامش عام 1980.
4- الأموال، نشره حامد الفقي سنة 1353هـ، وأُعيد طبعه بتحقيق محمد خليل
الهراس في القاهرة سنة 1388 في مجلد.
قال أبو الحسين بن المنادي: وكتابه في الأموال من أحسن ما صُنِّف في
الفقه وأجوده.
وقال إبراهيم الحربي: أضعفُ كتبه كتاب الأموال، يجيء إلى بابِ فيه
ثلاثون حديثاً، وخمسون أصلاً عن النبيَ صلّى الله عليه وسلّم، فيجيءُ
يحدِّث بحدَيثين يجمعهما من حديث الشام، ويتكلَّم في ألفاظهما.
__________
1 انظر الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب.
(1/259)
وذكر السمعاني في كتابه أدب الإملاء ص 148
عن أحمد بن مهدي قال: أردتُ أن أكتب كتاب الأموال لأبي عبيد، فخرجتُ
لأشتري ماء الذهب، فلقيت أبا عبيد، فقلت: يا أبا عبيد، رحمك الله، أريد
أن أكتب كتاب الأموال بماء الذهب. قال: اكتبه بالحبر فإنَّه أبقى.
5- الإيمان ومعالمه، نشره محمد ناصر الألباني- بدمشق.
6- ما ورد في القرآن الكريم من لغات العرب، طبع على هامش تفسير
الجلالين بمصر سنة 1954.
7- الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى طبع في
بومباي- بتحقيق امتياز علي عرشي الرامفوري، سنة 1938، ومنه نسخة خطية
في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم 2498.
8- فضائل القرآن- حققه محمد بوطوبوس، في سلا بالمغرب. في جامعة محمد
الخامس. انظر نشرة التراث مجلد 4 عدد 39.
9- النعم والبهائم والوحش والسباع والطير والهوام وحشرات الأرض. نشره
لويس بويجس، لايبزك سنة 1908.
10- كتاب الناسخ والمنسوخ، ومنه نسخة خطية في مكتبة أحمد الثالث برقم
143. وطبع بمكتبة الرشد في الرياض، بتحقيق محمد بن صالح المديفر.
11- كتاب الإيضاح.
منه نسخة مخطوطة في مكتبة فاس أول "القرويين " رقم 1183.
12- كتاب الخُطب والمواعظ.
منه نسخة مخطوطة في ليبزج أول رقم 158، وطبع في مصر بتحقيق د. رمضان
عبد التواب.
13- كتاب فعلَ وأفعل.
منه نسخة مخطوطة في القاهرة ثاني 3/ 281.
14- معاني القرآن.
جمع فيه بين طريقة التفسير بالمأثور، وطريقة الاستشهاد بالأبيات
المثِّرية، رجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة والتابعين
والفقهاء،
(1/260)
روى النصف منه، ومات قبل أن يسمع منه
باقيه. والكتاب مفقود.
وينقل منه كثيراً أبو جعفر النحاس في كتابه. إعراب القرآن.
15- كتاب القراءات. مفقود.
16- كتاب غريب القرآن. مفقود.
17- كتاب عدد آي القرآن. مفقود.
18- كتاب آداب الإسلام. مفقود.
19- كتاب أدب القاضي. مفقود. وسماه السمعاني في التحبير 1/185: كتاب
القضاء وآداب الأحكام.
20- كتاب الأحداث. مفقود.
21- كتاب استدراك الخطأ. مفقود.
22- كتاب الأضداد. مفقود.
23- كتاب الأمالي. مفقود.
24- أنساب العرب. نقل عنه الزبيدي في تاج العروس، مادة: سرع1.
والسّهيلي في الروض 1/292.
25- أنساب الخيل. مفقود.
26- الإيمان والنذور. مفقود.
27- الحجر والتفليس. مفقود.
28- الحيض. مفقود.
29- الرحل والمنزل. مفقود.
30- الطهارة. ومنه نسخة خطية في الظاهرية في المجاميع رقم 11.
31- المذكر والمؤنث. مفقود.
__________
1 كذا سماه الزبيدي في التاج 1/ 6، وسماه الخزاعي في تخريج الدلالات
السمعية ص 117 جماهر الأنساب، وسماه ابن حجر في المعجم المفهرس ص 162
الجمهرة، وللطحاوي كتاب "الرد على أبي عبيد فيما أخطأ فيه من كتاب
الأنساب" ا. هـ. نقلاً من كتاب " أبو عبيد " تأليف سائد بكداش- ضمن
سلسلة أعلام المسلمين وكتاب أبي عبيد حقق في جامعة دمشق- كلية الآداب،
ونالت به مريم الدرّ درجة الماجستير.
(1/261)
32- معاني الشعر. نقل منه السبكي في طبقات
الشافعية 2/ 158.
33- كتاب الشعراء. إيضاح الكنون 1/ 306. مفقود.
34- المقصور والممدود. مفقود.
35- النسب. مفقود.
36- النكاح. مفقود.
37- مقاتل الفرسان. مفقود.
38- كتاب الشواهد.
39- كتاب مقتل الحسين.
ذكرهما السمعاني في التحبير 1/185، وقال: سمع هذه الكتب أبو علي الحداد
من أبي نُعيم الحافظ، عن أبي القاسم الطبراني، عن عليّ بن عبد العزيز
عنه. ا. هـ. أي: عن أبي عبيد.
(1/262)
دراسة عن كتاب الغريب المصنف
كتاب الغريب المُصنَّف
هذا الكتابُ من أجلِّ كُتب اللغة، وأحسنِ ما صّنف فيها، ومنزلته في كتب
اللغة كمنزلة صحيح البخاريِّ أو مسلم في كتب الحديث، حيث جمع فيه
أقوالَ أئمة اللغةِ وفرسانها، ودقق ورجح بينَ الأقوال، وتلقَّاه
العلماء بعده بالقبول والرضى.
وقد احتذى فيه أبو عبيد كتابَ شيخه النَّضر بن شميل، واسمه "كتابُ
الصفات" وهو كتابٌ كبير يحتوي على عدََّة كتبٍ، في خمسة أجزاء:
الجزء الأوَّل: يحتوي على خلق الإنسان، والجود والكرم، وصفات النساء.
الجزء الثاني: يحتوي علي الأخبية والبيوت، وصفة الجبال والشعاب،
والأمتعة.
الجزء الثالث: للإبل فقط.
الجزء الرابع: يحتوي على الغنم، والطير، والشمس والقمر، والليل
والنهار، والألبان، والكمأة والآبار، والحياض، والأرشية، والدلاء، وصفة
الخمر.
الجزء الخامس: يحتوي على الزرع، والكرم والعنب، وأسماء البقول،
والأشجار، والرياح، والسحاب، والأمطار، وكتاب السلاح، وكتاب خلق الفرس.
(1/265)
وللأسف كتاب الصفات1 هذا فُقِد مع ما فُقِد
من كتب التراث والنضر ابن شميل توفي سنة 204 هـ.
ولم يكن اعتماد أبي عبيد على كتاب النَضر فقط، وإنما اعتمد أيضاً على
غيره من الكتب المتقدّمة في هذا الباب، وخاصةً كتب الأصمعيّ.
وكتاب المصنَّف لأبي عبيدة معمر بن المثني، المتوفى سنة210هـ. وكتاب
الخيل ومجاز القرآن له.
وكتاب الصفات، للأصمعي المتوفى سنة 216 هـ، وهو مخطوط في دار الكتب
المصرية.
وكتاب الصفات لأبي زيد الأنصاري المتوفى سنة 215 هـ.
وكتاب النوادر لأبي زيد أيضاً، وهو مطبوع.
وكتاب (غريب المصنَّف) لأبي عمرو الشيباني، المتوفى سنة 206 هـ، وهو
مفقود.
وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني، وهو مطبوع.
وكتاب ما اختلفت ألفاظه للأصمعي. وهو محظوظ في الظاهرية.
كتاب الفرق للأصمعي. وهو مطبوع.
خلق الإنسان للأصمعيّ، وهو مطبوع.
كتاب الأضداد للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب النخل للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب فعل وأفعل للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب الإبل للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب الخيل للأصمعي. وهو مطبوع.
كتاب الشاء للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب النبات للأصمعي. وهو مطبوع.
كتاب العين للخليل. وهو مطبوع.
__________
1 وكان ابن سينا يحفظ هذا الكتاب. انظر آثار البلاد ص 299.
(1/266)
جمهرة النسب للكلبي. وقد طبع حديثاً.
ما اتفق لفظه لليزيدي. وقد طبع حديثاً.
نسب معد واليمن للكلبي. وقد طبع حديثاً.
الهمز لأبي زيد. مطبوع.
البئر لابن الأعرابي. مطبوع.
خيل العرب لابن الأعرابي. مطبوع.
جمرة النسب لابن الكلبي. مطبوع.
المقصور والمحدود للفرَّاء. مطبوع.
ما تلحن فيه العامة للكسائي. مطبوع.
الأيام والليالي للفراء. مطبوع.
وقد أوضحنا ذلك في تعليقاتنا على الكتاب.
بالإِضافة إلى كتب أخرى غيرها، مع الفوائد التي جمعها أبو عبيد من كلام
العلماء، والأعراب، وغيرهم، فهذب كُتب مَنْ سبقه، وزاد فيها فوائد،
وأوضح مجملها، واستشهد لما لم يستشهد له مَنْ قبله من الأشعار حتى غدا
كتابه من أمهات الكتب المؤلَّفة في هذا الموضوع.
وكتاب (الغريب المصنَّف) يحتوي على حوالي ألف بابٍ، موزَّعة في ثلاثين
كتاباً:
الكتاب الأول: خلق الإنسان الكتاب الثاني: كتاب النساء
= الثالث: كتاب اللباس = الرابع: كتاب الأطعمة
= الخامس: كتاب الأمراض = السادس: كتاب الخمر
= السابع: كتاب الدور والأرضين = الثامن: كتاب الخيل
= التاسع: كتاب السلاح = العاشر: كتاب الطير والهوام
= الحادي عشر: كتاب الأواني والقدور = الثاني عشر: كتاب الجبال
= الثالث عشر: كتاب الشجر والنّبات = الرابع عشر: كتاب المياه وأنواعها
والقني
= الخامس عشر: كتاب النخل = السادس عشر: كتاب السحاب والأمطار
= السابع عشر: كتاب الأزمنة والرياح = الثامن عشر: كتاب أمثلة الأسماء
(1/267)
= التاسع عشر: كتاب الأفعال = العشرون:
كتاب الأضداد
= الحادي والعشرون: كتاب مكارم الأخلاق = الثاني والعشرون: كتاب السباع
= الثالث والعشرون: كتاب الإبل ونعوتها = الرابع والعشرون: كتاب الغنم
ونعوتها
= الخامس والعشرون: الأسماء المختلفة لشيء واحد = السادس والعشرون:
كتاب الوحش
= السابع والعشرون: كتاب الأجناس = الثامن والعشرون: كتاب أبواب اللبن
= التاسع والعشرون: نوادر الأسماء = الثلاثون: نوادر الأفعال
ويختلف أحياناً ترتيب هذه الأبواب حسب النسخ المخطوطة.
ويحتوي الكتاب على 1315 بيتاً شعرياً، وأكثرها منسوبٌ لقائليه.
وعلى 56 حديثاً، وعدد كبير من الأمثال.
وعدد ما تضمنه الكتاب من الألفاظ 17970 حرفاً.
وذكر الزبيدي في طبقاته ص 201 قال: قال لنا عليُّ: قال أبو عبد الرحمن
اللحية صاحب أبي عبيد وقد جاوز دار رجلٍ من أهل الحديث كان يكتبُ عنه
النَّاس، وكان يُزَنُّ1 بشرٍّ: إنَّ صاحب هذه الدار يقول: أخطأ أبو
عبيد في مائتي حرفٍ من المصنَّف. قال عليُّ: فَحَلُمَ أبو عبيدٍ، ولم
يقع في الرجل بشيءٍ ممَّا كان يعرف من عيوبه، وقال: في المصنَف مائةُ
ألفِ حرفٍ، فإن أُخطئ في كلِّ ألفٍ حرفين فما هذا بكثيرٍ ممّا أدرك
علينا، ولعلَّ صاحبنا هذا لو بدا لنا فناظرناه في هذه المائتين بزعمه
لوجدنا له مخرجاً.
وعن عبَّاس الخياط قال: كنت مع أبي عبيدٍ، فجاز بدار إسحاق بن إبراهيم
الموصلي، فقال: ما أكثَر علمه بالحديث والفقه والشعر مع عنايته
بالعلوم!
فقلت: إنَّه يذكرك بضدّ هذا. قال: وما ذاك؟ قلتُ: ذكر أنَك صحّفت في
المصنَّف نيِّفاً وعشرين حرفاً، فقال: ما هذا بكثيرٍ. في الكتاب عشرة
آلاف حرفٍ مسموعة، فغلطٌ فيها بهذا ليسيرٌ، لعلّي لو نوظرت عنها
لاحتججت فيها ولم يذكر إسحاق إلا بخير.
__________
1 أي: يُتهم.
(1/268)
قال الزبيدي1: ولما اختلفت هاتان الروايتان
في العدد، أمرني أمير المؤمنين رضي الله عنه بامتحانِ ذلك، فعددْتُ ما
تضمَّنَ الكتاب من الألفاظ، فألفيت فيه سبعة عشر ألف حرفٍ وتسعمائة
وسبعين حرفاً.
هذا وقد أثني العلماء كثيراً على هذا الكتاب.
فقال شمر: ما للعرب كتابٌ أحسنُ من مصنَّف أبي عبيد2.
وقال ابن درستويه: الغريب المصنف، من أجلِّ كتبه في اللغة3.
وقال أبو عبيدٍ عن كتابه: هذا الكتاب أحبُّ إليَّ من عشرة آلاف دينار.
يعني الغريب المصنَّف4. وقال إبراهيم الحربي: ليس لأبي عبيد كتابٌ مثلُ
الغريب المصنف5.
توثيق الكتاب
لا حاجة إلى توثيق نسبة الكتاب لمؤلّفه، إذ ذكره كل من ترجم لأبي عبيد،
قديماً وحديثاً وتكاد تصل نسبة الكتاب لمؤلفه مبلغ التواتر، ولا حاجة
لتفصيل ذلك، فقد مرَّ أكثر مَنْ ذكر هذا الكتاب في أثناء كلامنا في هذه
المقدمة متفرّقاً، فهو أشهرُ من نارٍ على علمٍ.
ويسَّمى أحياناً "الغريب المؤلف" كما جاء في الورقة الأخيرة من مخطوطة
تونس، وكذا ذكره الأزهري في مقدمة تهذيب اللغة ص 31 وص 53.
__________
1 طبقات النحويين ص 202.
2 إنباه الرواة 3/23.
3 تاريخ بغداد 12/404.
4 الفهرست ص 107.
5 تاريخ بغداد 12/ 413.
(1/269)
النَّاقدون لكتاب الغريب
مهما أتقن الإنسان عمله، فإنَّه لا يصل إلى رتبة الكمال المطلق، ومهما
بالغَ في تنقيح كتبه ومصنفاته، فإنَّه سيبقى فيها بعض الخلل
والاعتراضات وفي هذا دليلٌ واضحٌ على استيلاء النقص على الجنس البشري
الضعيف، وفيه أيضاً تأكيدٌ لمعجزة القرآن الذي وصفه تعالى بقوله: {لاَّ
يَأتيهِ الباطل مِن بَين يَديهَ وَلاَّ من خلفه تَنزِيلٌ من حَكيمٍ
حَمِيدٍ} فصِّلت: 42.
ورحمَ اللَّهُ القائل: "إنّي رأيتُ أنَّه لا يكتبُ إنسانٌ كتاباً في
يومه إلا قال في غده: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسنَ، ولو زِيدَ كذا لكانَ
يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا من
أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقصِ على جُملة البَشر".
وقد بذل أبو عبيد قُصارى جهده في تأليف كتابه ومراجعته، ومع ذلك فقد
وُجهِّت إليه اعتراضات وانتقادات، والنَّاس في ذلك ما بينَ مًتحاملٍ
عليه، وما بينَ مُنصِفٍ له.
وقد تقدَّمَ قريباً أنَّ إسحاق بن إبراهيم ذكر أنَّ أبا عبيدٍ صحَّف في
كتابه المصنَّف نيفاً وعشرين حرفا وتقدَّم ردُّ أبي عبيد.
وذكر أبو أحمد العسكري أنَّ أبا الحسن الطوسي راوية كتب أبي عبيد قال:
صحَّف أبو عبيدٍ في عشرةِ أحرفٍ من كتابه1.
أقول: وهذا شيء قليل بالنسبة إلى حجم كتابه.
__________
1 شرح ما يقع فيه التصحيف ص 229.
(1/270)
وذكر ابن النَّديمِ1 عن حماد بن إسحاق بن
إبراهيم قال: قال لي أبو عبيدٍ: عرضتَ كتابي في الغريب المصنَّف على
أبيك؟ قلتُ: نعم، وقال لي: فيه تصحيفُ مائتي حرفٍ، فقال أبو عبيد:
كتابٌ مثلُ هذا يكونُ فيه تصحيفُ مائتي حرفٍ قليلٌ.
ومن المعترضين المنصفين أبو سعيد محمد بن هبيرة الأسدي الكوفي، المعروف
بصعودا، المتوفى سنة 295 هـ. ألَّف رسالة للأمير عبد الله بن المعتز
اسمها: (ما أنكرته العربُ على أبي عبيد القاسم بن سلاَّم ووافقته فيه)
وهو كتاب مختصر2. ولم نعثر عليه.
ومنهم أبو سعيد الضرير، أحمد بن أبي خالد، استقدمه طاهر بن عبد الله من
بغداد إلى خراسان، صنَّف كتاباً في الرّدِّ على أبي عبيد في الغريب
المصنف3.
وله كتابٌ آخر في الردّ على أبي عبيد في غريب الحديث، عرضه على عبد
الله بن عبد الغفار وكان أحد الأدباء، فكأنَّه لم يرضه، فقال لأبي
سعيد. ناولني يدك، فناوله، فوضع الشيخ في كفّه متاعه، وقال: اكتحل بهذا
يا أبا سعيد حتما تبصر، فكأنك لا تبصر4.
ومنهم أبو عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب، له كتاب (ما أنكرته الأعراب
على أبي عبيد فيما رواه وصنفه) 5.
من الناقدين المتحاملين: عليّ بن حمزة البصري أحد أعلام أهل الأدب،
المتوفى سنة 375 هـ.
له كتاب "التنبيهات" ردَّ فيه علي أبي عبيد في الغريب المُصنَّف، ولكنه
__________
1 الفهرست ص 106.
2 الفهرست ص 110، معجم المعاجم ص 157.
3 بغية الوعاة 1/305، ومعجم المعاجم ص 157.
4 معجم الأدباء 3/16، وبغية الوعاة 1/ 305.
5 إنباه الرواة 3/ 177.
(1/271)
تحامل على أبي عبيد تحاملاً شديداً، فنراه
مثلاً في كتابه يقول: "فإذا كان أبو عبيدٍ يسمع الصحيح من أبي عمرو
وغيره في كتاب الله عر وجلَّ، فيحكي المحال، فغيرُ منكرٍ أن يسمع اللغة
على صحةٍ من رواتها فيفسدها"1.
وله أيضاً ردٌ على المبرد في الكامل، وعلى فصيح ثعلب، وإصلاح المنطق
لابن السكَّيت، والمقصور والممدود لابن ولاّد.
وكلها مطبوعة ضمن كتابه "التنبيهات على أغاليط الرواة".
وله التنبيه على الغلط في نوادر أبي زياد الكلابي، ونوادرِ أبي عمرو
الشيباني وهو من جملة كتاب التنبيهات، لكنه لم يطبع، ومنه نسخة في دار
الكتب المصرية2. وله أيضاً لردّ على جمهرة ابن دريد، والحيوان للجاحظ،
والمجاز لأبي عبيدة.
وتعقَّب محقَّقُ كتابِ التنبيهات الأستاذ عبد العزيز الميمني عليُّ بن
حمزة البصري، لكنه تحامل عليه كما تحامل هو على أبي عبيد.
كما فات صاحب التنبيهات استدراكات على كتاب أبي عبيد لم يذكرها،
فذكرناها في تعليقاتنا على الكتاب.
ومنهم ابن سيده، علي بن إسماعيل، الأندلسي المتوفى سنة 458 هـ.
فإنه انتقد على أبي عبيد في عددٍ من كتبه، ففي كتابه المخصص3 يقول:
وربما استشهدوا على كلمةٍ من اللًّغة ببيتٍ ليس فيه شيءٌ من تلك
الكلمة، كقول أبي عبيد: النَّبيثةُ: ما أخرجته من تراب البئر،
واستشهاده على ذلك بقول صخر الغيّ:
= لصخر الغيّ ماذا تستبيث=
__________
1 التنبيهات ص 192.
2 التنبيهات ص 90.
3 انظر المخصص 1/7.
(1/272)
وإنَّما النبيثة كلمة صحيحة مؤتلفةٌ من ن ب
ث، وتستبيث. كلمة معتلة، مؤتلفة من ب وث، أوب ي ث
إلى غير ذلك من قوانين التصريف التي جفَّت أذهانهم عن رقِّتها،
وغلُظَتْ أفهامهم عن لطفها ودقَّتها.
وفي كتابه (المحكم) 1 يقول: وأيُّ شيءٍ أدلُّ على ضعفِ المُنَّة،
وسخافة الجُنَّة من قول أبي عبيد قاسم بن سلاَّم في كتابه الموسوم بـ"
المصنف": العِفْرِية مثال فعْلِلة، فجعل الياء أصلاً، والياء لا تكون
أصلاً في بنات الأربعة. ويقول أيضاً2: ومن قضاياه التي نصَّها في هذا
الكتاب في " باب عيوب الشعر وطوائف قوافيه" فإنَّه ما كاد يوفَّقُ في
قضيته ولا يسدَّد فيها إلى طريقة سويِّة، وقد أبنتُ ذلك عليه في كتابي
الموسوم بـ (الوافي في علم القوافي) .
ويقول أيضاً مادحاً كتابه (المحكم) 3: ومن طريف ما اشتمل عليه هذا
الكتاب: الفرق بين التخفيف البدلي، والتخفيف القياسي، وهما نوعا تحقيق
الهمز.
ثمٌ قال: وهذا الذي أبنتُ لك في: أخطيت ونحوه، بابٌ لطيف قد نبا عنه
طبع أبي عبيد وابنُ السكِّيت وغيرهما من متأخري اللُّغويين.
فابن سيده انتقد على أبي عبيد حروفاً من الغريب المصنف، ولكنَّه تحامل
عليه كما تقدَّم من كلامه، ويظهر من كلامه الاعتداد بمصنفاته، فجاء
مَنْ بعده من العلماء مَنْ غضَّ منه ومن مصنفاته، فقد قال السهيلي: وما
زالت ابنُ سيده يعثر في هذا الكتاب- أي: المحكم- وغيره، عثراتٍ يدمَى
منها الأظلُّ4 ويدحضُ دَحَضاتٍ تُخرجه إلى سبيل مَنْ ضلَّ، ألا تراه
قال في
__________
1 المحكم 1/4.
2 المحكم 1/4.
3 المحكم 1/9-10.
4 الأظلُّ: بطن الأصابع. وفي المثل: إِنْ يدمَ أظلًُّكَ فقد نَقِب
خُفّي.
(1/273)
هذا الكتاب، وذكر بُحيرة طبرية فقال: هي
مِنْ أعلامِ خروِجِ الدَّجال، وأنّه يَيْبَسُ ماؤها عند خروجه،
والحديثُ إنَّما جاء في غور زُغر، وإنما ذُكرت طبرية في حديث يأجوج
ومأجوج وأنهم يشربون ماءها.
قال: وقال في الجمارِ في غير هذا الكتاب: إنما هي التي تُرمي بعرفة،
وهذه هفوةٌ لا تُقال، وعثرةُ لا لعاً لها. قال: وكم له من هذا إذا
تكلَّم في النسب وغيره1.
فكانت هذه عقوبةً من الله لابن سيده لما انتقص كبار العلماء ومنهم أبو
عبيد وغضَّ من كتبهم لِيُظهر فضلَ كتبه ومكانتها، فكان جزاؤه من جنس
عمله فغضَّ السهيلي منه ومن كتبه.
ومنهم ابن فارس اللغوي المشهور المتوفى سنة 395 هـ، فإنَّ له كتاباً
سماه: (علل الغريب المصنَّف) 2، وقد ذكر الصاغاني أنَّ هذا الكتاب من
جملة الكتب التي حواها كتابه الكبير (العباب الزاخر) .
وكان ابن السكِّيت يغضُّ من أبي عبيد وكتابه، فقد حكى الطوسي فقال:
غدوت إلى أبي عبيدٍ ذاتَ يومٍ، فاستقبلني يعقوب بن السكّيت، فقال لي:
إلي أين؟ فقلت: إلى أبي عبيد، فقال: أنت أعلم منه، قال: فمضيتُ إلي أبي
عبيد فحدَّثته بالقصة، فقال لي: الرجل غضبان. قال: قلت: من أي شيء؟
فقال: جاءني منذ أيام، فقال لي: اقرأ عليَّ غريب المصنَّف، فقلت: لا،
ولكن تجيء مع العامة، فغضب3.
ففي هذه القصة يتبين أن سبب الغضّ من الانتقام للنفس، لا قولٌ للحقيقة،
فابتعد بذلك ابن السكِّيت عن العدل والإنصاف.
والحق أنَّ الكتاب فيه بعض الأوهام والأخطاء، وقليل من التصحيفات،
__________
1 انظر لسان العرب: بحر. والروض الأنف 2/ 128.
2 انظر المجمل 1/26، والعباب 1/ 30.
3 تاريخ بغداد 12/407. وإنباه الرواة 3/18.
(1/274)
وأحياناً ينسب أبياتٍ إلى غير قائليها،
لكنَّ نسبة الخطأ إلى الصواب قليلة جداً لا تقدحُ في الكتاب، ولا تنقص
من مكانته، وفي الصحيحين البخاري ومسلم بعض الرواة تُكلِّم بهم، ولم
يَقدحْ ذلك في الصحيحين. وقد بينا كلَّ ذلك في تعليقاتنا على الكتاب،
وأوضحنا الخطأ من الصواب، وقال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ
عَلِيمٌ} (سورة يوسف: 76) .
- ومنهم أبو نُعيم الأصبهاني صاحب (حلية الأولياء) له الردُّ على
الغريب المصنف1.
- ولابن السيد البطليوسي بعض الانتقادات على أبي عبيدٍ ذكرها في كتابه
(الاقتضاب) ، ولم يُصب في بعض هذه الانتقادات.
فقد قال2: وحكما أبو عبيدٍ القاسمُ عن أبي عمروٍ أنَّه قال: يقال
لواحدهما- يريد: المذريان-: مِذرى، وأحسب أنَّ أبا عمروٍ قاس ذلك من
غير سماعٍ، وأنَّ أبا عبيدٍ وهم فيما حكاه عن أبي عمرو، كما وهم في
أشياء كثيرة من كتابه.
قلت: وما نسبه لأبي عبيد فغير صحيح، لأنه قال: ليس لهما واحد3.
- ومنهم السُّهيلي، فقد انتقد على أبي عبيد بعض الحروف في كتابه الروض
الأنف، انظر مثلاً 2/ 73- 125 -186، و 3/ 303.
- ومنهم شمر بن حمدويه، فقد قال: سمعتُ غريب المصنف، لأبي عبيدٍ من
المسعري وابن خاقان، عن أبي عبيد، ثم شككتُ منه في أحرف، فمضيت إلى
البصرة إلى أبي حاتم، فقلتُ له: إني أريد أن أعرض عليك هذا الكتاب،
فقال: افعل، ففعلتُ فما شككتُ في شيء إلا شك فيه أبو حاتم.
__________
1 انظر كشف الظنون 2/1209
2 الاقتضاب ص 279.
3 الغريب النصف 1/75.
(1/275)
العلماء الذين نقل عنهم أبو عبيد في كتابه
نذكر ها هنا أسماء العلماء الذين نقل عنهم أبو عبيدٍ في كتابه "الغريب
المصنف"، كما نذكر ترجمة كلِّ واحدٍ منهم، ونكتفي بترجمته في هذا
الموضع عن ذكرها في الكتاب، فمنهم:
1- أبو عمرو بن العلاء1: كان أوسعَ النَّاس علماً بكلام العرب ولغاتها
وغريبها، وهو أحدُ القرَّاء السبعة، كان يقرئ الناس القرآن في مسجد
البصرة والحسنُ البصريُُّ حيٌّ.
أخذ عن عبد الله بن أبي إسحاق، وأخذ عنه الأصمعيّ.
توفي سنة 154 هـ.
2- أبو محمد اليزيدي2: اسمه يحي بن المبارك، لُقِّب اليزيديّ لأنَّه
أدَّب أولاد يزيد بن منصور الحميري، أخذ عنه أبي عمرو بن العلاء، وصار
مؤدِّب المأمون وخرج معه إلى خراسان، وتوفي بها سنة 202 هـ.
3- الكسائيّ 3: علي بن حمزة، أخذ عنه الرؤاسي، وأدَّب أولاد هارون
الرشيد وأخذ القراءة عن حمزة الزّيات، وخرج إلى الأعراب وسمع منهم
اللغات والنوادر وهو أعلم الكوفيين في النحو، وله كتاب في معاني
القرآن، وكتاب في النوادر.
توفي سنة 193 هـ.
__________
1 انظر مقدمة تهذيب اللغة للأزهري ص 15.
2 انظر طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص 61.
3 انظر طبقات النحويين ص 127، ومقدمة تهذيب اللغة ص 25.
(1/276)
4- الفراء1: يحيى بن زياد، أخذ النحو
والقراءات ومعاني القرآن عن الكسائي، قال ثعلب النحوي: لولا الفرَّاء
ما كانت عربية، لأنَّه حصَّنها وضبطها. له كتاب "معاني القرآن" و
(المقصور والممدود) ، توفي سنة 207 هـ.
5- القاسم بن معن2: كان على قضاء الكوفة، "هو فقيهُ البلد، ثقةٌ، جامعٌ
للعلوم، راويةٌ للشعر، عالمٌ بالغريب والنحو، كان يُقال له: شعبي
زمانه، أخذ عنه الفرَّاء.
6- الأحمر3: عليّ بن المبارك، كان مؤدّب محمد بن هارون الأمين، اشتهر
بالتقدَّم في النحو واتساع الحفظ، جرت بينه وبين سيبوبه مناظرة لما قدم
بغداد.
كان يحفظ أربعين ألف بيتٍ شاهد في النحو، سوى ما كان يحفظ من القصائد
وأبيات الغريب، أخذ عن الكسائي، وتوفي سنة 194 هـ.
7- أبو عبيدة4: معمر بن المثنى، كان من أجمع الناس للعلم، وأعلمهم
بأيام العرب وأخبارها، كان يُبغض العرب.
قال أبو عبيدة: دفعتُ إلى جعفر بن سليمان أمثالاً في الرّقاع. قيل له:
كم كانت؟ قال: أربعة عشر ألف مَثل. قال الخشني: وأبو عبيد لما اجتهد في
كتبه جاء بألفِ مَثل. توفي أبو عبيدة سنة 210 هـ.
8- أبو زيد الأنصاري5: سعيد بن أوس، صاحب العربية بالبصرة، وكان أنحى
من أبي عبيدة والأصمعي، وهو كثير الرواية عن الأعراب. له كتاب النوادر،
وكتاب الهمز، وكلاهما مطبوع. توفي سنة 215 هـ.
__________
1 طبقات النحويين ص 131، مقدمة تهذيب اللغة ص 28.
2 إنباه الرواة 3/ 30، طبقات النحويين ص 133.
3 إنباه الرواة 2/313، طبقات النحويين ص 134.
4 انظر إنباه الرواة 3/ 276 وطبقات النحويين ص 175، وبغية الوعاة 2/
294.
5 طبقات النحويين ص 165، وبغية الوعاة 1/582.
(1/277)
9- الأصمعي1: عبد الملك بن قُريب، كان يحفظ
أربعة عشر ألف أرجوزة، كان يتناظر مع سيبويه، وكان من أوثق الناس في
اللغة، وأسرع الناس جواباً وأحضر الناس ذهناً. توفي سنة 216 هـ.
10- أبو عمرو الشيباني2: إسحاق بن مرار، كان معه من العلم والسماع عشرة
أضعاف ما كان مع أبي عبيدة، وكان قد قرأ دواوين الشعر على المفضل
الضَّبيِّ، وكان الغالب عليه النوادر، وحفظ الغريب، وأراجيز العرب له
كتاب النوادر الكبير، وكتاب الجيم. توفي سنة 213 هـ.
11- ابن الأعرابيّ3: محمد بن زياد، كان راويةً لأشعار القبائل، كثير
الحفظ جالسَ أَعراب اليمامة، فأخذ عنهم الغريب، كان يزعم أنَّ
الأصمعيَّ وأبا عبيدة لا يحسنان قليلاً ولا كثيراً. توفي سنة 230 هـ.
12- الأموي4: أبو محمد عبد الله بن سعيد، دخل البادية وأخذ عن فصحاء
الأعراب، وأخذ عنه العلماء، وأكثروا في كتبهم، وكان ثقة في نقله،
حافظاً للأخبار والشعر وأيام العرب، له كتاب النوادر، أخذ عنه أبو
عبيد.
13- أبو زياد الكلابي، اسمه يزيد بن الحر5: أعرابيُّ قدم بغداد أيام
المهدي حين أصابت الناس مجاعة، فأقام ببغداد أربعين سنةً، ومات بها،
وله شعر كثير، وعلَّق الناس عنه أشياء كثيرة من اللغة وشواهد العربية،
ونوادره خيرُ ما صنَّف في نوادر الأعراب.
14- أبو البيداء، اسمه أسعد بن عصمة6 الرياحي: أعرابيٌ نزل البصرة،
__________
1 طبقات النحويين ص 167، مقدمة تهذيب اللغة ص 23.
2 الفهرست ص 101، ومقدمة تهذيب اللغة ص 21، وطبقات النحويين ص 194.
3 طبقات النحويين ص 195.
4 إنباه الرواة 2/120، طبقات النحويين ص 193، بغية الوعاة 2/43،
والفهرست ص 72.
5 انظر إنباه الرواة 4/ 79، وعيون الأخبار 3/ 157.
6 انظر إنباه الرواة 4/ 102، وعيون الأخبار 1/ 71، والفهرست ص 66.
(1/278)
وكان يعلّم الصبيان بأجرة، أقام أيام عمره
يؤخذ عنه العلم وكان شاعراً. نقل عنه ابن قتيبة بعض النوادر في كتاب
عيون الأخبار.
15- أبو شنبل الأعرابي: قيل له: لم كنِّيت أبا شنبل؟ قال: العرب تقول:
شنبل فلانٌ فلانة: إذا قبَّلها، ورأوني في صغري أُقبِّل صبيِّة،
فقالوا: قد شنبلها، فكنَّوني أبا شنبل1.
16- أبو الوليد الكلاب2: من الشعراء المجهولين والأعراب المغمورين
17- أبو الجرَّاح العقيلي3: من الشعراء المجهولين والأعراب المغمورين،
ومن كلامه: وجدتُ أعراض الدنيا وذخائرها بِعَرْضِ المتالف إلا ذخيرة
الأدب، وعقيلة الخُلَّة، فاستكثروا من الإخوان، واستعصموا بِعُرى
الأدب. وهو أحد الأعراب الذين سئلوا عن المسائل التي جرت بين سيبويه
والكسائي.
18- أبو طيبة4: أعرابيٌّ من بني عكل.
19- أبو جحوش: من الأعراب المغمورين.
20- العدبَّس الكناني: يكنى أبا الحسن. ومعنى اسمه: الشديد الموثَّق
الخلق.
21- أبو مهدية5: اسمه أفار بن لقيط، الأعرابي. دخل الحواضر، واستفاد
الناس منه اللغة، ونقلوها عنه، وكان به عارض من مسٍّ، وكان صاحب غريبة،
وله قصة في مجالس العلماء للزجاجي ص 3، وذكر بعض شعره الأصمعيّ في
الأصمعيات. رقم 7. وذكر أخباره صاحب العقد الفريد 4/ 69.
__________
1 ما اتفق لفظه لليزيدي ص 48.
2 معجم الشعراء ص 515، وإنباه الرواة 4/122.
3 معجم الشعراء ص 511، وعيون الأخبار 2/3، وطبقات النحويين ص 71.
4 معجم الشعراء ص 513.
5 انظر إنباه الرواة 4/ 182، والفهرست ص 69.
(1/279)
22- أبو علقمة الثقفي1: نحوي قديم العهد،
يعرف اللغة معرفة جميلة، كان يتقعَّر في كلامه ويتعمَّد الحوشي من
الكلام والغريب، نقل عنه الخليل في العين، وابن قتيبة في عيون الأخبار.
23- أبو قطري، من الأعراب.
24- أبو القعقاع اليشكري.
25- أبو فقعس الأسدي، من الأعراب.
26- أبو الحسن العدوي الأعرابيّ، وهو العدبَّس الكناني نفسه، كما نصَّ
عليه أبو عبيد في الغريب المصنف، في باب نعوت الغنم في شحومها، في نسخة
الأسكوريال ووهم أحد الباحثين المعاصرين، فظنه أبا الحسن اللحياني غلام
الكسائيّ.
27- أبو مهدي الأعرابي، من باهلة.
28- أبو عيينة، من الأعراب.
29- القَناني الأعرابي، واسمه أبو الدقيش القَناني الغنوي.
30- المنتجع بن نبهان، من الأعراب.
31- أبو مزاحم بن أبي وجزة السعدي، أنشد أبا عبيدٍ بيتين من الشعر.
وما سوى هؤلاء أوردْتُ ترجمته في محله الذي جاء به من الكتاب.
فائدة:
قال السيوطي في المزهر 2/412: وذكر أهل البصرة أنَّ أكثر ما يحكيه-
يريد: أبا عبيدٍ - عن علمائهم من غير سماعٍ، إنَّما هو من الكتب.
قلتُ: وقد صرخ بالسماع من أبي زيد وهو بصري في كتابه هذا. انظر مثلاً
1/ 221، 2/ 387- 481.
__________
1 بغية الوعاة 2/ 139، وإنباه الرواة 4/ 152، وعيون الأخبار 2/ 162.
(1/280)
جهود العلماء في هذا الكتاب
أسلفنا الكلام بأن كتاب "الغريب المصنف" لقي رواجاً وقبولاً عند
العلماء، ثمَّ نزيد هاهنا فنذكر أنَ عدداً من العلماء عكف على هذا
الكتاب، فمنهم المختصر له، ومنهم الشَّارح له، ومنهم الشَّارح لأبياته.
فمن الشارحين له أبو العبّاس المرسي، أحمد بن محمد بن بلال، المتوفى
سنة 460هـ. انظر الوافي للصفدي 7/361.
ومنهم المختصرين له أبو بكر محمد بن علي بن أبي بكر اللخمي، المعروف
بابن المرضي المتوفى سنة 651 هـ، سماه: حلية الأديب في اختصار الغريب.
ومنهم أبو يحيى، محمد به رضوان النميري الوادي آشي، المتوفى سنة 657
هـ.
ومنهم ابن سيده، وله كتاب اسمه (تقريب غريب المصنَّف) إنباه الرواة
6/226. ومنهم التبريزي له (تهذيب الغريب المصنف) . تهذيب إصلاح المنطق
1/14.
وشرح أبياته أبو عبيد البكري، صاحب كتاب (فصل المقال في شرح كتاب
الأمثال) وسماه: صلة المفصول في شرح أبيات الغريب.
وأيضاً شرح أبياته أبو محمد يوسف بن أبي سعيد السيرافي المتوفى سنة 385
هـ.
وقد أكثر النقل منه البغدادي في خزانة الأدب. كما له شرح أبيات سيبويه،
وهو مطبوع، وله أيضاً شرح أبيات المجاز لأبي عبيدة. وشرح أبيات إصلاح
المنطق، وشرح أبيات معاني الزجاج.
(1/281)
ولأبي إسحاق إبراهيم بن قاسم البطليوسي،
المتوفى سنة 642 هـ كتابٌ اسمه. (الجمع بين صحاح الجوهري والغريب
المصنف لأبي عبيد) 1.
ولأبي القاسم الزجاجي كتاب اشتقاق كلمات في أوَّل الغريب المصنف.
ولأهمية هذا الكتاب كاد العلماء يحفظونه غيباً، ويرغبون في الحصول عليه
وكان ابن سيده ممن يحفظ هذا الكتاب، فذكر الوقشي عن أبي عمر الطلمنكي
قال: دخلت مرسية، فتشبَّثَ بي أهلها ليسمعوا عليَّ غريب المصنَّف،
فقلتُ لهم: انظروا مَنْ يقرأ لكم وأُمسك أنا كتابي، فأتوني برجلٍ يُعرف
بابن سيده فقرأه عليَّ من أوَّله إلى آخره، فعجبت من حفظه2.
وأبو عمر الطلمنكي اسمه أحمد بن محمد بن عبد الله، روى عن أبي بكر
الزبيدي وعباس بن أصبغ، وتوفي سنة 429 هـ3.
وممن حفظه ابن الوزان النحوي، إبراهيم بن عثمان القيرواني المتوفى سنة
346 هـ، كما حفظ العين وكتاب سيبويه4.
وممن حفظه أيضاً أبو بكر الأبيض الشَّاعر، ذكره الرعيني في برنامج
شيوخه، في ترجمة عبد الله بن دادوش، فقال: ومن شيوخه: القاضي الأديب
أبو محمد التادلي سمع من عياض، وحمل عن ابن عتاب وأبي بحر إجازة، وحكى
ابن دادوش عنه أنه قال: وقد وقع ذكر أبي بكر الأبيض الشاعر. قال لي أبو
عبد الله بن جيوس: كان الأبيض متين الأدب، سألته يوماً عن حفظه (الغريب
المصنَّف) فقلت له: ينسب إليك أنَّك كبَّلْتَ نفسك حتى حفظته، فقال لي:
نعم، وفي ذلك أقول:
رِيعَتْ عجوزي إذ رأتني لابساً ... حِلقَ الحديد، وإنَّه ليروعُ
شدَّتْ على حيزومها وتمثَلَتْ ... أمثالَها وفؤادُها مصدوعُ
قالت: هملْتَ؟ فقلت: لا، بل همَّة ... هي عنصرُ العلياء والينبوعُ
سنَّ الفرزدق سنَّةً فتبعْتُه ... إني لما سنَّ الكرامُ تبوع
__________
1 معجم المعاجم ص 157.
2 بغية الوعاة 2/143، وإنباه الرواة 2/ 226.
3 الصلة لابن بشكوال 1/47.
4 إنباه الرواة 1/208، والديباج المذهَّب ص 91.
(1/282)
يشير الأبيض إلى قصة الفرزدق حين قيَّد
نفسه بالقيد حتى حفظ القرآن1.
وممن حفظه الفيلسوف الإسلامي ابن سينا، كما حفظ غيره من الكتب2.
ومنهم الصاغاني اللغوي الشهير صاحب (العباب الزاخر) المتوفى سنة 650هـ.
فقد قال يوماً لأصحابه: احفظوا غريب أبي عبيد القَاسم بن سلام، فمن
حفظه ملك ألف دينار، فإني حفظته فملكتها، وأشرتُ على بعض أصحابي بحفظه
وملكها3، ومنهم سليمان بن مطروح الحجاري القرطبي، يكاد يمليه من حفظه4.
وحفظه أيضاً بدر الدين ابن الشريشي. الدارس 1/ 163.
ومن حرص العلماء على هذا الكتاب ما ذكره ياقوت فقال5: قال السِّلفي
بإسنادٍ له: أخبرنا أبو الحكم منذر بن سعيد البلُّوطيُّ قال: كتبتُ إلى
أبي عليِّ البغدادي القالي أستعير منه كتاباً من الغريب، وقلتُ:
بحقِّ رئمٍ مُهَفْهَفْ ... وصدغِه المُتَلطِّفْ
ابعثْ إليَّ بجزءٍ ... من الغريب المُصنَّفْ
قال: فأجابني، وقضى حاجتي:
وحقِّ درٍّّ تالَّفْ ... بفيكَ أإيَّ تألُّف
ولو بعثت بنفسي إليكَ ... ما كنتُ أُسرفْ
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ منذر بن سعيد البلوطي كان قاضياً بقرطبة ست
عشرة سنة، وفي زمن الخليفة الناصر، وتوفي سنة 355 هـ.
وقرأ كتاب الغريب المصنف ابنُ خير عدَّة مرات على شيوخه6.
__________
1 برنامج الرعيني ص 82، ومعجم المعاجم ص 143.
2 انظر كتاب آثار البلاد وأخبار العباد، للقزويني ص 299.
3 معجم الأدباء9/ 191.
4 معجم الأدباء 7/32.
5 بغية الوعاة 1/603.
6 فهرست ابن خير ص 327.
(1/283)
وكان أبو القاسم ابن الإفليليّ الأندلسي
شديد العناية بكتاب الغريب المصنف. إنباه الرواة 1/ 219.
فثبت بهذا ما لهذا الكتاب من القيمة والأهمية، وقد أكثر العلماء من
النقل عنه في كتبهم ومصنفاتهم، فنذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر:
فمنهم ابن فارس في كتابه المجمل، ينقل نصً المادة من هذا الكتاب.
ومنهم أبو منصور الأزهري، فقد جمع في كتابه تهذيب اللغة أكثر ما في
الغريب المصنف.
ومنهم ابن الأنباري، فقد أكثر النقل عنه في كتابه المذكر والمؤنث،
وغيره.
ومنهم الراغب الأصفهاني في كتاب المفردات.
ومنهم ابن سيده، فقد ذكر جُل هذا الكتاب في كتابه المخصص، بل كتاب أبي
عبيد هو عماد كتاب المخصص، وكذا نقل منه في كتابه "المحكم ".
ومنهم أبو علي الفارسي في المسائل البصريات.
ومنهم الفارابي في كتابه ديوان الأدب.
وصاحب اللسان اعتمد على كتاب التهذيب، وفيه كتاب الغريب المصنف، فنقله
عنه بالواسطة وكذا الفيروز آبادي في القاموس، نراه يذكر في كثير من
الأمكنة عبارة الغريب حرفياً.
ومنهم أبو الحسن المعروف بكراع النمل، فقد نقل في كتابه "المنتخب"1
أكثر كتاب أبي عبيد، وهو مرتب على الموضوعات.
ومنهم أبو محمد الحسن بن أحمد في كتابه خلق الإنسان.
ومنهم أبو محمد عبيد الله بن محمد بن شاهمردان في كتابه حدائق الأدب،
وهو مرتب على الموضوعات2.
__________
1 وقد طبع مؤخراً لكتاب باسم "المنتخب من غريب كلام العرب" في جامعة أم
القرى بمكة المكرمة.
2 طبع الجزء الأول في الرياض عام 1409 هـ.
(1/284)
ومنهم الصاغاني في كتابه العُباب وكتابه
التكملة.
ومنهم أبو علي القالي في البارع.
ومنهم ابن خالويه في شرح مقصورة ابن دريد.
ومنهم التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق.
ومنهم السيوطي في المزهر، وينقل أحياناً الباب منه بتمامه.
ومنهم الجواليقي في شرح أدب الكاتب.
ومنهم البغدادي في خزانة الأدب. وابن حجر في فتح الباري 8/162.
ومنهم الجوهري في الصحاح، وينقل عنه في كثير من الأحيان العبارة
بنصّها، وردَّ على أبي عبيدٍ مواضع كثيرةً منه. انظر المزهر 1/97.
وغيرهم، وتتبعُ هذا وتفصيله يستغرق مجلداً، لكن اكتفينا بالإِشارة له،
والحرُّ تكفيه الإشارة.
خاتمة:
ذكر ابن سعيد أبو الحسن علي بن موسى في كتابه "القدح المعلى" ص 158 في
ترجمة أبي المتوكل الهيثم بن أحمد الاشبيلي ما نصُّه:
وسأله والدي يوماً عن لغةٍ، فنقلها من (الغريب المصنف) ، فاعترضه مَنْ
قصَّر بنفسه واستهدف، فأخذ يسرد الكتاب من أوَّله حتى وقف عند تلك
الكلمة، وقد كاد يموت ذلك الذي غمطه حقه وظلمه.
(1/285)
ُسَخ الكتاب
توزَعت نسخٌ كثيرة من هذا الكتاب في مختلف مكتبات العالم، نظراً
لأهميته وشهرته، ونبدأ أوَّلاً بذكر النسخ الموجودة منه حسب ما اطلعنا
عليه، ثم نذكر النسخ التي اعتمدنا في التحقيق عليها.
1- نسخة خطية في مكتبة آيا صوفيا برقم 47061.
2- نسخة خطية في دار الكتب المصرية2، رقمها 121 لغة، وأخرى رقم 2 لغة.
3- نسخة خطية في مجموعة لندبرج، كتبت سنة 489 هـ.
4- نسخة خطية في مكتبة الأمبروزيانا بميلانو، كتبت سنة 384 هـ.
5- نسخة خطية في الأسكوريال برقم 1650.
6- نسخة خطية في دامادزاده برقم 1792.
7- نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم 76/410، ورقمها
الخاص 2373.
8- نسخة خطية في المكتبة الظاهرية برقم 7100.
9- نسخة خطية في المتحف العراقي رقمها 1628.
10- نسخة خطية في مكتبة الفاتح بتركيا، كتبت سنة 572 هـ، ورقمها 4008.
11- نسخة خطية في المكتبة الوطنية في تونس، كتبت سنة 400 هـ، رقمها
15729.
__________
1 انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/ 157.
2 فهرس مخطوطات دار الكتب 2/ 153.
(1/286)
12- نسخة خطية في مكتبة فيض الله بتركيا،
برقم 2079.
13- نسخة خطية في المكتبة الوطنية بتونس، برقم 15385.
14- نسخة خطية في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة برقم 3300.
15- نسخة خطية في متحف طوبقبوسراي أحمد الثالث برقم 2555.
النسخ التي اعتمدنا عليها:
قد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على خمسِ نسخٍ خطية:
النسخة الأولى: مصوَّرة عن المكتبة الوطنية بتونس، برقم 15728.
وهي النسخة الثانية في العالم في قدم تاريخها، فإنها قد كتبت سنة
400هـ.
ونوع الخط: نسخ معتاد، وفيها بعض الطمس.
واسم الناسخ: أبو عليّ الحسين بن جعفر بن محمد بن الحسن.
عدد أوراقها: 306 ورقات.
عدد أسطرها: 19 سطراً.
وهي نسخة قيّمة جداً، وفيها زيادات عن النسخ الأخرى التي اطلعنا عليها.
وهي مضبوطة بالشكل.
النسخة الثانية: نسخة الأسكوريال.
تقع في 176 ورقة، مسطرتها 25 ×23.
تاريخ النسخ 601 هـ في شهر ذي القعدة.
واسم الناسخ لم يذكر فيها.
عدد أوراقها: 176 ورقة.
نوع الخط مغربي، دقيق.
وتقع في عشرة أجزاء، وهي كاملةٌ ومُتقنةِّ.
وعليها عدَّة تمليكات. وعليها تعليقات وحواشٍ، منها لأبي عليّ القالي
وغيره.
(1/287)
النسخة الثالثة: مصورة من مكتبة الفاتح
بتركيا برقم 4008.
وتقع في 223 ورقة.
تاريخ نسخها 572 هـ.
نوع الخط نسخ نفيس جداً.
عدد الأسطر 15 سطراً.
الناسخ لم يذكر.
وعليها تعليقات نفيسة وحواشٍ قيِّمة، وهي نسخة منقولة من نسخة بخط
الحميدي.
النسخة الرابعة: مصوَّرة عن المكتبة الظاهرية، بدمشق برقم 7100.
وتقع في 280 ورقة.
عدد الأسطر 21.
تاريخ النسخ 1319 هـ، وهي متأخرّة.
نوع الخط: نسخ عادي.
اسم الناسخ عبد الرحمن بن مسعود بدران. وعليها حواشٍ قليلة جداً.
النسخة الخامسة: مصوَّرة عن المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة برقم
3300.
وهي نسخة قيمة نُسخت سنة 618 هـ في شهر ذي الحجة، وهي في مجلَّد،
لكنَّها غير مُرقَّمة، وأوراقها غير مرتَّبة، وقد طلب مني قيّم المكتبة
المحمودية ترقيمها وترتيبها، ففعلت، وخطُّها مغربيّ فبلغ عدد أوراقها
202، في كل ورقة 25 سطراً، وهي في جزئين.
- بالإضافة إلا نسخة مكتبة عارف حكمت، وقد رجعت إليها في بعض الأحيان،
وهي مكتوبة سنة 1114 هـ، ورقمها 2373.
(1/288)
وكتبت المادة اللغوية باللون الأحمر، وعدد
أوراقها 269 ورقة.
وهي قريبة جداً من نسخة الظاهرية، وتكاد تتطابق معها.
ولم أعدَّها أصلاً.
ولم نستعمل الرمز لكل نسخة للتسهيل.
وقد طبع قسم منه، وهو كتاب السلاح بمؤسسة الرسالة، تحقيق د. صالح
الضامن، وفيه أخطاءٌ لا بأس. وهذه صور للمخطوطات.
كما طبع الكتاب الأول منه- وهو خلق الإنسان- بتحقيق د. رمضان عبد
التواب، وقد أثقل الحواشي بالفروق بين النسخ مما لا طائل تحته، وطبع
قسم منه في تونس، وينقصه الدقة.
(1/289)
رواية الكتاب
راوي الكتاب هو أبو الحسن الطوسي، واسمه علي بن عبد الله بن سنان
التيمي، من أصحاب أبي عبيد، وكان من أعلم أصحابه، وأكثرهم أخذاً عنه،
عالمٌ، راويةٌ لأخبار القبائل وأشعار الفحول، ولقي مشايخ الكوفيين
والبصريين وكان أكثر مجالسته وأخذه عن ابن الأعرابي، وله ولدٌ سلك
طريقته في العلم والحفظ، واسمه أبو عمرو، وكان الطوسيُّ عدوّاً لابن
السكّيت؛ لأنهما أخذا عن نصران الخراساني، واختلفا في كتبه بعد موته
وكانت كتب نصران لابن السكيت حفظاً، وللطوسي سماعاً، ولم يكن له
مصنَّف، وفي رواية الكتاب بالنسخ التي بأيدينا ثلاثة طرق:
الطريق الأول: يرويه الشيخ الرئيس غرس النعمة أبو الحسن هلال بن الحسن
بن هلال الكاتب.
عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الجرَّاح النحوي.
عن أبي بكرٍ محمد بن القاسم بن بشار النحوي.
عن أبيه.
عن أبي الحسن الطوسي.
عن أبي عبيد.
وهذه الرواية للنسخة التركية.
والطريق الثاني: يرويه أبو علي القالي البغدادي. إسماعيل بن القاسم.
عن أبي بكرٍ محمد بن القاسم بن بشار الأنباري.
(1/303)
عن أبيه.
عن أبي الحسن الطوسي.
عن أبي عبيد وهذه الرواية لنسخة الأسكوريال.
فالطريق يجتمعان في ابن الأنباري, وهذا مخطَّطه
أبو عبيد القاسم بن سلام 224هـ
أبو الحسن الطوسي =تقريباً255هـ
أبو محمد الأنباري (القاسم بن محمد) 304هـ
ابو بكر ابن الأنباري 328هـ
أبو علي القالي 356
أحمد بن محمد بن الجراح 381هـ
غرس النعمة (هلال بن المحسن) 244هـ
(1/304)
الطريق الثالث:
أبو عبيد 224 هـ
علي بن عبد العزيز البغوي 286 هـ
أبو الحسن طاهر بن عبد العزيز الرعيني 305 هـ
ونترجم ها هنا لبقيَّة الرواة، فنقول:
- أبو محمد الأنباري، اسمه القاسم بن محمد، لقي سلمة بن عاصم من أصحاب
الفرّاء. وكان عالماً بالأدب، موثقاً في الرواية، له كتاب خلق الإنسان،
والمقصور والممدود توفي سنة 304 هـ.
- أبو بكر ابن الأنباري، محمد بن القاسم، كان من أعلم الناس بالنحو
والأدب، وأكثرهم حفظاً له، كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت من الشعر شاهد في
القرآن. روى عنه أبو عمر بن حيويه، وأبو الحسين البواب، وأبو الحسن
الدارقطني. وجمعٌ غيرهم له كتاب الزاهر، والمذكر والمؤنث، وغريب
الحديث، توفي سنة 328 هـ.
- أبو علي القالي البغدادي، اسمه إسماعيل بن القاسم، أخذ عن ابن
الأنباري وابن درستويه، ثم خرج إلى الأندلس، له كتاب الأمالي، والمقصور
والممدود، والبارع، توفي سنة 356 هـ. وكان ابتدأ بقراءة الغريب على ابن
الأنباري يوم الثلاثاء سنة 317 هـ في شهر جمادى الآخرة، في مسجده علي
باب داره في درب البقر بسرَّ مَنْ رأى وأكمله يوم الثلاثاء لخمسٍ مضين
من ذي القعدة سنة 321 هـ وكانت قراءته عليه من الثلاثاوات، أي: كل يوم
ثلاثاء.
وقرأهُ ثانية على ابن درستويه1
__________
1 انظر فهرست ابن خير ص 328.
(1/305)
- أحمد بن محمد بن الجرَّاح، صاحب ابن
الأنباري، كان يروي أكثر تصانيفه ورواياته عنه. سمع منه هلال بن
المحسن، وتوفي سنة 381 هـ.
- هلال بن المحسن، المُلقَّب غرس النعمة، كان من الصَّابئة، ثم أسلم في
آخر عمره وحسن إسلامه، أخذ عن أبي علي الفارسي، والرماني، وكتب عنه
الخطيب البغدادي، توفي سنة 448 هـ.
- علي بن عبد العزيز، أبو الحسن البغوي، شيخ الحرم، ومصنف المسند، سمع
أبا نعيم والقعنبي، وأبا عبيد، ومسلم بن إبراهيم، وروى عنه ابن أخيه
أبو القاسم البغوي، كان ثقة مأموناً، صدوقاً. توفي سنة 286 هـ. وعاش
بضعاً وتسعين سنة1.
قرأ الغريب المصنف على أبي عبيد إلا ورقاتٍ يسيرة، وقرأه على أخيه
إبراهيم أيضاً، قال: وسألنا أبا عبيد: نروي عنك ما قرئ عليك؟ قال: نعم.
- أبو الحسن طاهر بن عبد العزيز الرعيني القرطبي، سمع الخشنيّ وبقيّ به
مخلد، وكان الغالب عليه علم اللغة، ورحل إلى المشرق واليمن، وكان
ضابطاً عارفاً بعلوم اللغة، فَهِماً توفي سنة 305 هـ.
قلتُ: والذي يغلب على ظني أنَّه أوَّل من أدخل الغريب المصنف إلى
الأندلس.
__________
1 انظر تذكرة الحفاظ 2/ 622.
(1/306)
طريقة التحقيق
من المعلوم أنَّ الغاية من التحقيق هي تقديم المخطوط صحيحاً كما وضعه
مؤلفه، لذا حرصنا كل الحرص على تقديم نص هذا الكتاب صحيحاً، ولم نعتمد
الطريقة التي تُتخذ فيها نسخةٌ فتجعل أُمَّاً، نظراً لوجود زيادات
متعددة في كل نُسخةٍ على البواقي، بل اعتمدنا على طريق التلفيق والجمع
بين النسخ.
- وذكرنا الزيادات التي انفردت فيها كل نسخة، أمَّا ما كان من الزيادة
من نحو قال أو يقول وما شابه ذلك فلم نذكره في الحواشي لكثرته، ولعدم
فائدته.
- وحرصنا أيضاً على الرجوع إلى المصادر القديمة التي نقل المصنِّف
منها.
- وذكرنا موضع ذلك، وذلك مثل: كتاب النوادر لأبي زيد، وكتاب الجيم لأبي
عمرو الشيباني، والمقصور والممدود للفرَّاء، والعين المنسوب للخليل،
وكتب الأصمعيّ، والفرق لقطرب، وجمهرة النسب لابن الكلبيّ، والخيل له،
والبئر، وأسماء خيل العرب لابن الأعرابيّ، وما اتفق لفظه لليزيدي، وغير
ذلك.
وذكرنا في التخريج الكتب المعاصرة لأبي عبيد أو القريبة منه، ككتاب
التفقيه في اللغة للبندنيجي، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والمقصور
والممدود، والألفاظ له. والمجمل لابن فارس، والجمهرة لابن دريد،
(1/307)
وتهذيب اللغة. ثم إذا لم نجد المادة فيها
لجأنا إلى الكتب المتأخرة، ككتاب المخصص لابن سيِّده، والمحكم، له.
وأساس البلاغة، ولسان العرب وغير ذلك.
- عملنا على تخريج الآيات القرآنية.
- وعلى تخريج الأحاديث الشريفة.
- وذكر محال الأمثال من الكتب المختصة بها.
- ترجمة الأعلام الذين نقل عنهم المؤلف في مقدمتنا، ولم نجعلها ضمن
الكتاب.
- ترجمة الأعلام الذين ذكروا عَرَضاً في المكان الذي ذكروا به.
- ذكر نسبة الأشعار الموجودة، وتبين الوهم في قائلها إنْ وجد ورقّمنا
الأبيات.
- وضع علامات الترقيم في مكانها المناسب، لإيضاح النص.
- ترقيم أبواب الكتاب.
- ذكر الاعتراضات التي اعترضها العلماء على بعض مواد الغريب المصنف في
مكانها التي ذُكرت به، وهذه عمليةٌ مهمَّة وشاقة.
- ذكر بعض الحواشي الهامة من النسخ المخطوطة.
- وضعنا فهارس علمية تفصيلية للكتاب.
(1/308)
|