تهذيب اللغة

(أَبْوَاب الْعين وَالْجِيم)
ع ج ش:)
اسْتعْمل من وجوهه: شجع، جشع، جعش.
شجع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (يَجِيء كنز أحدهم يَوْم الْقِيَامَة شجاعاً أفرعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ) . أما الْأَقْرَع فقد مرّ تَفْسِيره. وَأما الشُّجاع فَإِن أَبَا عبيد وَغَيره قَالُوا: الشجاع: الحيَّة الذّكَر. وَأنْشد الْأَحْمَر:
قد سالمَ الحياتُ مِنْهُ القدما
الأفعوانَ والشُّجاعَ الشجعمَا
نصب الأفعوانَ والشُّجاع بِمَعْنى الْكَلَام، لِأَن الْحَيَّات إِذا سالمت القدمَ فقد سالَمَها القدمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد سَالم القدمُ الحياتِ؛ ثمَّ جَعَلَ الأفعوان بَدَلا مِنْهَا. والشَّجعم من الْحَيَّات الْخَبيث المارد.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال للحية شُجاع وشِجاع.
وَقَالَ شمر فِي كتاب (الْحَيَّات) : الشُّجاع ضرب من الْحَيَّات لطيفٌ دَقِيق، وَهُوَ زَعَمُوا أجرؤها. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وحبَتْ لَهُ أذنٌ يراقبُ سمعَها
بصَرٌ كناصبة الشُّجاع المُسْخِدِ
حبَتْ: انتصبت. وناصبةُ الشجاعِ: عينه الَّتِي ينصبها للنَّظَر إِذا نظر.
وَقَالَ اللَّيْث: جمع الشُّجاعِ الحيّةِ الشُّجعان، وَثَلَاثَة أشجعة. قَالَ: ورجلٌ شجاعٌ وَامْرَأَة شُجاعة ونسوة شجاعات، وَقوم شُجعاء وشُجْعان وشَجْعة. قَالَ: وَيُقَال رجل شَجِيع وشُجاع، مثل عَجيب وعُجاب. قَالَ: والشَّجاعة: شدَّة الْقلب

(1/214)


عِنْد الْبَأْس. قَالَ: وَيُقَال للأسد أَشْجَع، وللبؤةِ شَجْعاء. وَأنْشد للعجّاج:
فولَدَت فَرَّاسَ أُسْدٍ أشجعا
يَعْنِي أمّ تَمِيم وَلدته أسداً من الْأسود وَأنْشد للأعشى:
بأشجعَ أخّاذٍ على الدَّهْر حُكمَه
فَمن أيّ مَا تَأتي الحوادثُ أَفرَقُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال للحيّة الأشجعَ. وَأنْشد:
قد عضَّه فقضَى عَلَيْهِ الأشجعُ
والأشجع: الْمَجْنُون، وَبِه شجَع أَي جُنُون.
وَقَالَ اللَّيْث: قد قيل أنَّ الأشجع من الرِّجال: الَّذِي كأنّ بِهِ جنوناً. قَالَ: وَهَذَا خطأ، لَو كَانَ كَذَلِك مَا مَدَح بِهِ الشُّعَرَاء. قَالَ: والشِّجِعة من النِّساء: الجريئة على الرِّجَال فِي كَلَامهَا وسلاطتها.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال للجبان الضَّعِيف إنّه لشَجْعة.
وَقَالَ الأصمعيّ: شُجاع الْبَطن: شدّة الْجُوع. وَأنْشد لأبي خِراش الْهُذلِيّ:
أردُّ شُجاعَ البطنِ لَو تعلمينه
وأُوثِر غَيْرِي من عِيالِك بالطُّعمِ
والشَّجْعة: الفصيل تضعُه أمُّه كالمخبَّل.
قلت: وَمِنْه قيل للرجل الضَّعِيف شَجْعة.
وَيُقَال شجُع الرجلُ يشجُع شجاعة. قَالَ: وَيُقَال لقد تشجَّعَ فلانٌ أمرا عَظِيما، أَي رَكبه. والمشجوع: المغْلوب بالشجاعة. والأشجع: الرجُل الطَّوِيل، والمصدر الشَّجَع. وَقَالَ سُويد:
بصِلاب الأَرْض فيهنَّ شَجَعْ
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّجَع فِي الْإِبِل: سرعَة نقلهَا قَوَائِمهَا. جَملٌ شَجِعٌ وناقة شَجِعة وَأنْشد:
على شَجِعاتٍ لَا شِخاتٍ وَلَا عُصْلِ
أَرَادَ بالشَّجِعات قَوَائِم الْإِبِل أنَّها طِوال.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجلٌ أَشْجَع: طَوِيل؛ وَامْرَأَة شَجْعاء. قَالَ: وشَجْع: قَبيلَة من عُذرة، وشُجَعُ: قَبيلَة من كنَانَة وَأَشْجَع فِي قيس.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو قَالَا: الأشاجع: عروق ظَاهر الكفّ، وَهُوَ مَغْرِز الْأَصَابِع.
وَقَالَ ابْن السّكيت: وَاحِدهَا أَشْجَع.
وَقَالَ اللَّيْث: الأشجع فِي الْيَد وَالرجل: العصَب الْمَمْدُود فَوق السُّلامَى مَا بَين الرُّسغ إِلَى أصُول الْأَصَابِع الَّتِي يُقَال لَهَا أطناب الْأَصَابِع فَوق ظهر الكفّ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: هُوَ العُظَيم الَّذِي يصل الإصبعَ بالرُّسْغ، لكلّ إصبعٍ أشجَع. قَالَ: واحتجَّ الَّذِي قَالَ هُوَ العصب بقَوْلهمْ للذئب والأسد: عارِي الأشاجع. فَمن جَعَل الأشاجعَ العصب قَالَ لتِلْك الْعِظَام هِيَ الأسناع، وَاحِدهَا سِنْع.
جشع: فِي الحَدِيث أَن مُعاذاً لما خرج إِلَى الْيمن شيعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبكى معاذٌ جشعاً لفراق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن السّكيت: الجَشَعُ: أَسْوَأ الْحِرْص. وَقَالَ سُوَيد:
وكلابُ الصَّيد فيهنَّ جَشَعْ

(1/215)


وَقَالَ شمر: الجشَع. شدَّة الْجزع لفراق الإلْف. قَالَ: والجشَع: الْحِرْص الشَّديد على الْأكل وَغَيره. رجلٌ جَشِعٌ: وقومٌ جَشِعون.
وَقَالَ ابْن شُميل: رجلٌ جَشِعٌ بَشِع: يجمع جَزعاً وحِرصاً وخُبثَ نفس.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: تجاشعنا المَاء نتجاشعه تجَاشُعاً، وتناهبناه، وتشاححناه إِذا تضايقنا عَلَيْهِ وتعاطشنا.
وَمن الْأَسْمَاء مجاشع.
جعش: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الجُعشوش: الرجل الطَّوِيل. وَقَالَ شمر: الجُعشوش: الرجلُ الدقيقُ النحيف، وَكَذَلِكَ الجعسوس. وَقَالَ غَيره: رجلٌ جُعشوش وجُعسوسٌ، إِذا كَانَ قمياً زريّاً. وَقيل: الجُعشوش اللَّئِيم.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُعشوش: النَّحيف الضامر. وَأنْشد:
يَا ربَّ قَرْم سَرِسٍ عَنَطنَطِ
لَيْسَ بجعسُوسٍ وَلَا بأذْوَط
وَقَالَ ابْن حِلِّزة:
بَنو لُجيم وجَعَاسيسُ مُضَرْ
كل ذَلِك يُقَال بِالسِّين والشين.

(بَاب الْعين وَالضَّاد وَالْجِيم)
أهملت وجوهها غير حرف وَهُوَ:
ضجع: قَالَ النحويون: أصل بِنَاء الْفِعْل من الِاضْطِجَاع، ضجع يضجَع فَهُوَ ضاجع. وقلّما تسْتَعْمل. والافتعال مِنْهُ اضْطجع يضطجع اضطجاعاً فَهُوَ مُضْطَجع.
وَقَالَ ابْن المظفر: وَكَانَت هَذِه الطَّاء فِي الأَصْل تَاء، ولكنَّه قَبُح عِنْدهم أَن يَقُولُوا اضتجع فأبدلوا التَّاء طاء. وَله نَظَائِر أذكرها فِي موَاضعهَا.
قلت: وَقَالَ الْفراء: من الْعَرَب من يَقُول اضَّجَعَ بتَشْديد الضَّاد، فِي مَوضِع اضْطجع. وَأنْشد:
لمّا رأى أَن لادَعَه وَلَا شِبَعْ
مالَ إِلَى أرطاةِ حِقْفٍ فاضَّجَعْ
وَقَالَ: أدغمَ الضَّاد فِي التَّاء فَجَعلهَا ضاداً شَدِيدَة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الْفراء: يُقَال أضجعتُه فاضطجع. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: (فالْضَجَعْ) بِإِظْهَار اللَّام، وَهُوَ نَادِر. قَالَ: وربّما أبدلوا اللَّام ضاداً كَمَا أبدلوا الضَّاد لاماً، قَالَ بَعضهم: الطراد واضْطِرادُ، لطرادِ الْخَيل.
قَالَ: وروى إِسْحَاق عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن لَيْث عَن مُجَاهِد وَالْحكم قَالَا: إِذا كَانَ عِنْد اضطرادِ وَعند ظلّ السيوف أجزَى الرجلَ أَن تكون صلَاته تَكْبِيرا، قَالَ: وفسَّره ابْن إِسْحَاق الطِّراد.
وَيُقَال ضاجعَ الرجلُ امرأتَه مضاجعةً، إِذا نَام معَها فِي شعارٍ وَاحِد، وَهُوَ ضَجِيعها وَهِي ضجيعَتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أضجعتُ فلَانا، إِذا وضعتَ جنبَه بِالْأَرْضِ، وضَجَعَ، وَهُوَ يَضجَع نَفْسُه. قَالَ: وكلُّ شَيْء تَخفضه فقد

(1/216)


أضجعته. والإضجاع فِي بَاب الحركات مثلُ الإمالة والخفض. قَالَ: والإضجاع فِي القوافي. وَأنْشد:
والأعوج الضاجع من إكفائها
وَهُوَ أَن يخْتَلف إِعْرَاب القوافي، يُقَال: أكفأ وأضجعَ بِمَعْنى وَاحِد.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: رجلٌ ضاجع أَي أَحمَق، ودلوٌ ضاجعة أَي ممتلئة. وغنم ضاجعة: كَثِيرَة لَازِمَة للحَمْض. ورَجلٌ ضُجْعيٌ، ضِجْعِيٌ وقُعديٌ وقِعديّ: كثير الِاضْطِجَاع فِي بَيته.
وَقَالَ الأصمعيّ: ضَجَعت الشمسُ للغروب وضَجَع النجمُ فَهُوَ ضاجع، إِذا مالَ للمغيب؛ ونجومٌ ضواجع.
وَيُقَال أَرَاك ضاجعاً إِلَى فلانٍ: مائلاً إِلَيْهِ. وَيُقَال ضِجْع فلانٍ إِلَى فلَان، كَقَوْلِك: صِغْوه إِلَيْهِ.
ومضاجع الْغَيْث: مساقطه.
ورجلٌ أضجع الثنايا: مائلُها؛ والجميع الضُّجْع.
وَيُقَال تضاجعَ فلانٌ عَن أمرِ كَذَا وَكَذَا، إِذا تغافلَ عَنهُ.
أَبُو عَمْرو: الضواجع: مصَابُّ الأودية، وَاحِدهَا ضاجعة، كأنَّ الضاجعة رَحْبةٌ ثمَّ تستقيم بعدُ فَتَصِير وَاديا.
وسحابة ضَجوع: بطيئة من كَثْرَة مَائِهَا. والضَّجوع: رَملَة بِعَينهَا مَعْرُوفَة. والضُّجوع: بِضَم الضَّاد: حيٌّ فِي بني عَامر.
والمَضاجع: اسْم مَوضِع. والمضاجع: جمع المَضْجَع أَيْضا. قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (السَّجدَة: 16) أَي تَتَجَافَى عَن مضاجعها الَّتِي اضطجعت فِيهَا.
والاضطجاع فِي السُّجُود: أَن يتضامَّ ويُلصِقَ صَدره بِالْأَرْضِ. وَإِذا قَالُوا: صلَّى مُضْطَجعا فَمَعْنَاه أَن يضطجع على شقِّه الْأَيْمن مُسْتَقْبلا الْقبْلَة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الضَّجوع: مَوضِع. قَالَ: ودلوٌ ضاجعة: ملأى مَاء، تمِيل فِي ارتفاعها من الْبِئْر، لثقلها. وَأنْشد لبَعض الرجاز:
إِن لم تجىء كالأجْدَل المسِفِّ
ضاجعةً تَعدِلُ مَيل الدَّفّ
إذَنْ فَلَا آبَتْ إليَّ كفِّي
أوْ يُقطعَ العِرقُ من الألَفِّ
قَالَ: والألفُّ: عِرقٌ فِي العضُد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الضَّجوع: النَّاقة الَّتِي ترعى نَاحيَة. والعَنود مثلُها. قَالَ: وَقَالَ الْفراء: إِذا كثرت الْغنم فَهِيَ الضاجعةُ والضَّجْعاء. وَيُقَال أضجعَ فلانٌ جُوالقَه، إِذا كَانَ ممتلئاً ففرَّغه. وَمِنْه قَول الراجز:
تُعجِلُ إضجاعَ الجَشيرِ القاعدِ
والجشير: الجُوالق. والقاعد: الممتلىء.
ع ج ص: مهمل

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ السِّين)
عجس، عسج، سجع، جعس: مستعملات
عجس: أَبُو عبيدٍ عَن الْفراء: عجسته عَن حاجتِه: حَبسته. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَجسني

(1/217)


عَجَاساءُ الْأُمُور عَنْك. وَقَالَ: مامنعك فَهُوَ العَجَاساء.
أَبُو عَمْرو: العَجاساءُ من الْإِبِل: الثَّقِيلَة الْعَظِيمَة الحوساء، الْوَاحِدَة عَجَاساء والجميع عَجَاساء. قَالَ: وَلَا يُقَال جَمَلٌ عَجاساء. قَالَ: والعَجاساء يمدُّ ويُقصَر. وَأنْشد:
وطافَ بالحوضِ عَجَاساً حُوسُ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: لَا نَعْرِف العَجاسا مَقْصُورَة. وَقَالَ شمر: عَجَاساء اللَّيْل: ظُلمتُه المتراكبة؛ وَمن الْإِبِل: الضخام، يُقَال للْوَاحِد والجميع عَجاساء. وَأنْشد قَول الرَّاعِي:
وَإِن بركَتْ مِنْهَا عَجَاساءُ جِلَّةٌ
بمَحْنِيَةٍ أشلَى العِفاسَ وبَرْوَعا
يَقُول: إِذا استأخرتْ من هَذِه الْإِبِل عَجاساءُ دَعَا هَاتين الناقتين فتبعتْهما الْإِبِل.
أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: العُجوس: آخر ساعةٍ من اللَّيْل؛ والعُجوس أَيْضا: مشيُ العاجساء، وَهِي النّاقة السمينة تتأخّر عَن النُّوق لثقل قَتَالها، وقَتالها: لَحمهَا وشحمها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُجْسَة: السَّاعة من اللَّيْل، وَهِي الهُتْكة والطَّبِيق.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المعجِس والعِجْس: مَقبض الرَّامِي من الْقوس. وَقَالَ الْكسَائي: العَجْس والعَجْس والعِجْس وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: العَجْس: شدَّة الْقَبْض على الشَّيْء.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: لَا آتِيك سَجيسَ عُجَيسٍ، وَمَعْنَاهُ الدَّهر. وَأنْشد:
فأقسمت لَا آتِي ابنَ ضَمرةَ طَائِعا
سَجِيسَ عُجَيسٍ مَا أبانَ لساني
أَي لَا آتِيك أبدا. وَهُوَ مثل قَوْلهم: (لَا آتِيك الأزلَمَ الجذَع) ، وَهُوَ الدَّهر.
وَقَالَ غَيره: تعجّسَت بيَ الراحلةُ وعَجَستْ بِي، إِذا تنكَّبَتْ بِهِ عَن الطَّرِيق من نشاطها. وَأنْشد لذِي الرمة:
إِذا قَالَ حادينا أيا عجَسَتْ بِنَا
صُهابيّةُ الْأَعْرَاف عُوجُ السَّوالِفِ
ويروى: (عجَّستْ بِنَا) بِالتَّشْدِيدِ.
أَبُو زيد: يُقَال هَذِه أرضٌ مضبوطة، أَي قد عمَّها الْمَطَر. وَقد تعجَّستْها غيوث، أَي أصابتها غيوث بعد غيوث فتثاقلت عَلَيْهَا.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تعجَّسَه عِرقُ سَوء وتعقَّله وتثقَّلَه، إِذا قصَّر بِهِ عَن المكارم.
وروى ابْن شُمَيْل فِي حَدِيث (يتعجَّسكم عِندَ أهل مَكَّة) ، قَالَ النَّضر: مَعْنَاهُ يضعِّف رأيَكم عِنْدهم.
وَقَالَ اللَّيْث: عَجْزُ الْقوس وعَجْسُه.
عسج: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَسْج: ضربٌ من سير الْإِبِل. وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
والعِيسُ من عاسجٍ أَو واسجٍ خببا
وَقَالَ اللَّيْث: العَسْج: مدُّ العُنق فِي السَّير. وَأنْشد:
عَسجْنَ بأعناق الظباء وأعين ال
جآذرِ وارتجَّت لهنَّ الروادفُ
وَقَالَ غَيره: العوسج: شجر كثير الشوك

(1/218)


مَعْرُوف، وَهِي ضروبٌ مِنْهَا مَا يُثمر ثمراً أحمرَ يُقَال لَهُ المُصَع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فِي بِلَاد باهلة معدِنٌ من مَعادن الفِضَّة يُقَال لَهُ عوسَجة. وعَوسَجةٌ من أَسمَاء الرِّجَال. والعواسج: قَبيلَة مَعْرُوفَة.
سجع: تَقول الْعَرَب: سجعت الْحَمَامَة تَسجَع سجعاً، إِذا دعَتْ وطرَّبتْ فِي صَوتهَا، فَهِيَ سَجوعٌ وساجعة، وحمامٌ سواجع.
وَقَالَ اللَّيْث: سجع الرجلُ، إِذا نطقَ بكلامٍ لَهُ فواصل. وصاحبُه سَجّاعةٌ.
قلت: ولمّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنين امرأةٍ ضربتها أُخْرَى فسقطَ ميّتاً بغُرَّةٍ على عَاقِلَة الضَّاربة قَالَ رجلٌ مِنْهُم: (كَيفَ نَدِي مَنْ لَا شرِبَ وَلَا أكَل، وَلَا صاحَ فاستهلّ، وَمثل دَمه يُطَلُّ) قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إيَّاكُمْ وسجعَ الكُهَّان) . ورُوي عَنهُ ج أَنه نَهَى عَن السَّجْع فِي الْكَلَام والدُّعاء، لمشاكلة كَلَام الكهنَة وسجعهم فِيمَا يتكهَّنون. فأمّا فواصل الْكَلَام المنظوم الَّذِي لَا يشاكل المسجَّع فَهُوَ مباحٌ فِي الْخطب والرسائل. وَالله أعلم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: بَينهم أُسجوعة من السَّجع، وَجَمعهَا الأساجيع والساجع: القاصد فِي سيره. وكل قَصدٍ سجْع. قَالَ ذُو الرمة:
قطعتُ بهَا أَرضًا ترى وجهَ ركبِها
إِذا علَوها مُكفأ غير ساجعِ
أَرَادَ أنّ السَّمومَ قَابل هُبوبها وجوهَ الرّكْب فأكفئوها عَن مهبِّها اتِّقاء لحرِّها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة ساجع: طَوِيلَة.
قلت: وَلم أسمع هَذَا لغيره.
وَيُقَال نَاقَة ساجع، إِذا طرَّبت فِي حنينها.
جعس: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الجَعْس العَذِرة. وَقد جَعَس يَجعَس جَعْساً. قَالَ: والجُعسُوس: اللَّئِيم الخِلقة والخُلقُ. وهم الجعاسيس. وَقد مر تَفْسِيره فِي بَاب جعش.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الزَّاي)
عجز، عزج، جزع، جعز، زعج: مستعملات
عجز: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الاَْرْضِ وَلاَ فِى} (العَنكبوت: 22) قَالَ الْفراء: يَقُول الْقَائِل كَيفَ وصَفَهم الله أنّهم لايُعجِزون فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَيْسوا فِي أهل السَّمَاء؟ فَالْمَعْنى مَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا من فِي السَّمَاء بمعجز. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ مَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا لَو كُنْتُم فِي السَّمَاء.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ الْأَخْفَش: مَعْنَاهُ مَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء، أَي لاتعجزوننا هرباً فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَول الْفراء أشهر فِي الْمَعْنى، وَلَو كَانَ قَالَ وَلَا أَنْتُم لَو كُنْتُم فِي السَّمَاء بمعجزين لَكَانَ جَائِزا.
قلت: وَمعنى الإعجاز الْفَوْت والسبق. يُقَال أعجزني فلانٌ، أَي فَاتَنِي. وَقَالَ اللَّيْث: أعجزَني فلانٌ، إِذا عَجزتَ عَن طلبه وإدراكه.
وَقَالَ الله فِي سُورَة سبأ (هـ) : {وَالَّذِينَ سَعَوْاْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} (الحَجّ: 51) وقرأه بَعضهم:

(1/219)


(معجِّزين) وَقَالَ الْفراء: من قَرَأَ {مُعَاجِزِينَ} (الحَجّ: 51) فتفسيره معاندين. وَقَالَ بَعضهم: مسابقين، وَهُوَ قَول الزّجاج. وَمن قَرَأَ معجِّزين فَالْمَعْنى مثبِّطين عَن الْإِيمَان بهَا، من الْعَجز وَهُوَ نقيض الحَزْم. وَأما الإعجاز فَهُوَ الْفَوْت، وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
فَذَاك وَلم يُعجِزْ من الْمَوْت رَبَّه
وَلَكِن أَتَاهُ الموتُ لَا يتأبّقُ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إنّه ليُعاجِز إِلَى ثقةٍ، إِذا مالَ إِلَيْهِ. وَيُقَال فلانٌ يُعاجز عَن الحقِّ إِلَى الْبَاطِل، أَي يلجأ إِلَيْهِ. وَيُقَال هُوَ يُكارز إِلَى ثقةٍ مُكارَزةً، إِذا مَال إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَن عَليّ ح أَنه قَالَ: (لنا حقٌ إنْ نُعْطَهُ نأخذْه، وَإِن نُمنَعْه نركبْ أعجاز الْإِبِل وَإِن طَال السُّرى) . القتيبيُّ: أعجاز الْإِبِل: مآخيرها، جمع عَجُز، وَهُوَ مركب شاقّ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ إِن مُنِعنا حَقَّنا ركبْنا المشقَّة وصَبَرنا عَلَيْهِ وَإِن طَال، وَلم نَضجَرْ مِنْهُ مُخِلِّين بحقِّنا.
قلت: لم يُرد عليّ ح بقوله هَذَا ركوبَ المشقَّة، ولكنّه ضربَ أعجازَ الْإِبِل مثلا لتقدُّم غَيره عَلَيْهِ وتأخيره إِيَّاه عَن حقِّه، فَيَقُول: إِن قُدِّمنا للْإِمَامَة تقدّمنا، وَإِن مُنِعْنا حقَّنا مِنْهَا وأخِّرنا عَنْهَا صَبرنَا على الأثَرة علينا وَإِن طَالَتْ الْأَيَّام.
وَفِي كَلَام بعض الْحُكَمَاء: (لَا تَدَبَّروا أعجازَ أمورٍ قد ولَّت صُدورها) ، يَقُول: إِذا فاتك الْأَمر فَلَا تُتبعْه نفسَك متحسِّراً على مَا فَاتَ، وتعزَّ عَنهُ متوكِّلاً على الله.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَجُوز: الْمَرْأَة الشيخة، وَالْفِعْل عَجُزت تعجُز عَجْزاً.
قلت: وروى أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عجَّزت المرأةُ فَهِيَ معجِّز. قَالَ: وَبَعْضهمْ عَجَزَتْ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: عجَزت عَن الْأَمر أعجِز عَنهُ عَجْزاً ومَعجَزة. قَالَ: وَقد يُقَال عَجِزَتِ الْمَرْأَة تَعْجَز، إِذا عظُمت عجيزتها. وعجَّزت تعجّز تعجيزاً، إِذا صَارَت عجوزاً. قَالَ: وامرأةٌ معجَّزَة: ضخمة العجيزة. قَالَ يُونُس: امْرَأَة معجِّزة: طعنت فِي السنّ. وَامْرَأَة معجَّزة: ضخمة العجيزة. وَقَالَ ابْن السّكيت: تعجّزت البعيرَ، إِذا ركبت عَجُزَه.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ رجل من بني ربيعَة بن مَالك: (إنْ الحقَّ بقَبَلٍ فَمن تعدَّاه ظَلَم، وَمن قَصَّر عَنهُ عَجَز، وَمن انْتهى إِلَيْهِ اكْتفى) قَالَ: لَا أَقُول عَجِزَ إلاّ من العجيزة، وَمن الْعَجز عَجَز. وَقَوله (بقَبَلٍ) أَي يَضِحُ لَك حَيْثُ ترَاهُ. وَهُوَ مثل قَوْلهم (إنّ الحقَّ عارِي) .
قلت: وَالْعرب تَقول لامْرَأَة الرجل وَإِن كَانَت شابّة: هِيَ عَجوزُهُ، وَللزَّوْج وَإِن كَانَ حَدثا: هُوَ شَيْخُها.
وَقلت لامرأةٍ من الْعَرَب: حالِبِي زوجَكِ. فتذَّمَّرتْ وَقَالَت: هلاّ قلت: حالبي شَيخكِ؟
وَيُقَال للخمر إِذا عَتُقت عَجُوز.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الْكَلْب: مِسْمَار مَقبِض السَّيْف. قَالَ: وَمَعَهُ آخرُ يُقَال لَهُ العَجوز.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَجُوز: نصل السَّيْف.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: والعجوز: القِبْلة. والعجوز: الْبَقَرَة.

(1/220)


والعجوز: الْخمر. وَيُقَال للرجل عَجُوز وللمرأة عَجُوز. قَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة عجوزَةٌ بِالْهَاءِ أَيْضا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: رجلٌ معجوز، ومشفوه، ومعروك، ومنكود، إِذْ ألِحَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: فحلٌ عَجِيز وعجيس، إِذا عَجَز عَن الضراب.
قلت: وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب العنِّين: هُوَ العَجِير بالراء، للَّذي لَا يَأْتِي النِّسَاء. قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: العجيزة: عجيزةُ الْمَرْأَة خاصّةً. وَامْرَأَة عجزاء، وَقد عَجِزَتْ عَجَزاً. قَالَ: والجميع عجيزات، وَلَا يَقُولُونَ عَجَائِز مَخَافَة الالتباس.
وَقَالَ ابْن السّكيت: عَجُز الرجل: مؤخَّره، والجميع الأعجاز؛ وَيصْلح للرَّجل وَالْمَرْأَة. وَأما العجيزة فعجيزة الْمَرْأَة خَاصَّة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العُجْز والعَجُز والعَجْز، وَكَذَلِكَ العُضْد والعضُد والعَضْد، ثلاثُ لُغَات. قَالَ: وتعجّزت البعيرَ: ركبت عَجُزه.
وَقَالَ اللَّيْث: العجزاء من الرمال: حَبل مرتفعٌ كأنّه جَلَد، لَيْسَ برُكام رمل، وَهُوَ مكرُمةٌ للنبت، والجميع العُجْز لِأَنَّهُ نعتٌ لتِلْك الرَّملة.
وَقَالَ غَيره: عُقابٌ عَجْزاء، إِذا كَانَ فِي ذنبها ريشة بَيْضَاء أَو ريشتان. وَقَالَ الشَّاعِر:
عَجْزاءَ ترزُق بالسُّلَيِّ عيالَها
وَيُقَال لِدابرة الطَّائِر: العِجازة. والعِجازةُ أَيْضا: مَا تعظِّم بِهِ الْمَرْأَة عجيزتها. وَيُقَال إعجازة، مثل العِظامة والإعظامة. قَالَه ابْن دُرَيْد.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: فلانٌ عِجزة ولد أَبَوَيْهِ، أَي آخِرهم، وكَذلك كِبْرَة ولد أَبَوَيْهِ. قَالَ: والمذكر والمؤنث وَالْجمع وَالْوَاحد فِي ذَلِك سَوَاء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد فِي العِجزة مثله.
قلت: أَرَادَ بِكبرة ولد أَبَوَيْهِ أكبرهم.
وَقَالَ اللَّيْث: العِجزة ابنُ العجزة، هُوَ آخر ولدِ الشَّيْخ. وَيُقَال وُلد لعِجزة، أَي بَعْدَمَا كبِر أَبَوَاهُ. قَالَ: وَيُقَال اتَّقِي الله فِي شيبتكِ وعَجْزكِ، أَي بعد مَا تصيرين عجوزاً. وعجّز فلانٌ رأيَ فلَان، إِذا نسبه إِلَى خلاف الحزم، كَأَنَّهُ نسبه إِلَى الْعَجز. وأعجزتُ فلَانا، إِذا ألفيتَه عَاجِزا.
عزج: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دربد فِي (كِتَابه) : العَزْج: الدَّفع. قَالَ: وَقد يكنى بِهِ عَن النِّكَاح.
وَقَالَ غَيره: عَزَجَ الأَرْض بالمسحاة، إِذا قَلَبها. كأنّه عاقب بَين عَزق وعَزَج.
جزع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِذا مَسّه الشَّرّ منوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر جزوعا. (المعارج: 19 20) والجَزوع ضدّ الصّبور على الشرّ. والجَزَع: نقيض الصَّبْر. وَقد جزِع يجزَع جزَعاً فَهُوَ جازع، فَإِذا كثُر

(1/221)


مِنْهُ الْجزع فَهُوَ جَزُوع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الجَزْع بِفَتْح الْجِيم: الخَرَز الْيَمَانِيّ. والجِزْع، بِكَسْر الْجِيم: جِزع الْوَادي، وَهُوَ منعطَفهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مُنحَناهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ إِذا قطعتَه إِلَى الْجَانِب الآخر. والجميع أجزاع. وَقَالَ غَيره: الجَزْع أَيْضا قَطعك وَاديا أَو مفازة أَو موضعا تقطعه عَرضاً. وناحيتاه جِزعاه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
جازعاتٍ بَطنَ العقيق كَمَا تَم
ضِي رِفاقٌ أمامهنّ رِفاقُ
قَالَ اللَّيْث: لَا يسمَّى جِزعُ الْوَادي جِزعاً حَتَّى تكون لَهُ سعةٌ تُنب الشّجر وَغَيره. قَالَ: والجازع: الْخَشَبَة الَّتِي ترفع بَين خشبتين عرضا منصوبتين ليوضع عَلَيْهِ سُروغ الكروم وقضبانها، لترفعَها عَن الأَرْض.
وَقَالَ ابْن شُمَيل نَحوا مِنْهُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المجزِّع من الرُّطَب: الَّذِي بَلغَ الإرطابُ نصفه.
قَالَ شمر: قَالَ المِسعريُّ: المجزِّع بِالْكَسْرِ. وَهُوَ عِنْدِي بِنصب الزَّاي على وزن مخطَّم.
وَقلت: وسماعي من الهجريِّين رُطَبٌ مجزِّع بِكَسْر الزَّاي كَمَا رَوَاهُ المسعريّ عَن أبي عبيد. يُقَال جزَّع فَهُوَ مجزِّع.
وَيُقَال: فِي القِرْبة جِزعةٌ من المَاء، وَفِي الوَطْب جِزْعة من اللَّبن، إِذا كَانَ فِيهِ شَيْء قَلِيل. وَقَالَ اللَّيْث: الجِزْعة من اللَّبن فِي السِّقاء مَا كَانَ أقلَّ من نِصْفه، وَكَذَلِكَ المَاء. وَكَذَلِكَ المَاء فِي الْحَوْض.
الْأَصْمَعِي: مضَتْ جِزعة من اللَّيْل، أَي ساعةٌ من أوّلها وَبقيت جزعة من آخرهَا.
أَبُو زيد: كلأ جُزَاع، وَهُوَ الَّذِي يقتُل الدوابّ. ولحمٌ مجزَّع: فِيهِ بياضٌ وَحُمرَة. وَنوى مجزَّع، إِذا كَانَ محكوكاً.
وَقَالَ غَيره: تجزّع السهمُ، إِذا تكسر. وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا رُمحُه فِي الدَّارعِينَ تجزَّعا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: انجزعَ الحبلُ بنصفين، إِذا انْقَطع. وانجزعت الْعَصَا. قَالَ: والجُزَع: المحور الَّذِي تَدور فِيهِ المَحالة، لُغَة يَمَانِية. قَالَ: والجُزَع أَيْضا: الصِّبغ الْأَصْفَر الَّذِي يسمَّى العُرُوق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال فِي الْحَوْض جِزعة، وَهُوَ الثُّلُث أَو قريبٌ مِنْهُ، وَهِي الجِزَعُ. وَقد جزَّع الحوضُ، إِذا لم يبْق فِيهِ إلاّ جِزْعة. وَيُقَال: فِي الغدير جِزعة، وَلَا يُقَال: فِي الركيّة جزعة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجِزعة، والكُثبة، والغُرقة، والخَمْطة: البقيَّة من اللَّبن.
جعز: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَعَز والجَأَزُ: الغَصص؛ كَأَنَّهُ أبدل من الْهمزَة عينا.
زعج: قَالَ اللَّيْث: الإزعاج: نقيض الْإِقْرَار، يُقَال أزعجته من بِلَاده فشَخَص، وَلَا يَقُولُونَ أزعجتُه فَزَعج. وَلَو قيل انزعج وازدعج لَكَانَ قِيَاسا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُقَال زَعَجه وأزعَجه، إِذا أقلقَه.

(1/222)


وَقَالَ غَيره: الزّعَج: القَلَق. وَقد أزعجه الأمرُ، إِذا أقلقه.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الدَّال عجد، جدع، جعد، دعجٌ: مستعملات.
عجد: قَالَ اللَّيْث: العُجْد: الزَّبيب. قَالَ: وَهُوَ حبّ الْعِنَب أَيْضا، وَيُقَال بل ثمرةٌ غير الزَّبِيب شبيهةٌ بِهِ، وَيُقَال بل هُوَ العُنْجُد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضَّل، وَعَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العُنْجُد: عَجْم الزَّبِيب. قَالَ: وحاكم أَعْرَابِي رجلا إِلَى القَاضِي فَقَالَ: بعتُ مِنْهُ عُنْجُداً مُذْجَهْرٌ فَغَاب عنّي. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجَهْر: قِطْعَة من الدَّهْر.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العُنجدُ: رَدِيء الزَّبِيب، وَيُقَال عَنْجَد، وَيُقَال بل هُوَ حبُّ الزَّبِيب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَجَد: الغِربان، واحدته عَجَدة. وَقَالَ الْهُذلِيّ يصف خيلاً:
فأرسلوهنَّ يَهتلِكْنَ بهمْ
شَطْرَ سَوَامٍ كأنَّها العَجَدُ
جدع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جدعت الرجلَ أجدعُه جدعاً، إِذا سجنته، فَهُوَ مجدوع. قَالَ شمر: الْمَحْفُوظ جَذَعت الرجل بِالذَّالِ بِمَعْنى حبست. وَأنْشد:
كأنّه من طول جَذْع العَفْسِ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: جَذع الرجلُ عِيَاله، إِذا حَبَس عَنْهُم الْخَيْر وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الَّذِي عندنَا فِي ذَلِك أنّ الجَدْع والجَذْع بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ حَبْس من تحبسه على سوء ولايةٍ وعَلى الإذالة مِنْك لَهُ قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول أَوْس:
وذاتُ هِدمٍ عارٍ نواشرها
تُصمِتُ بِالْمَاءِ تولَباً جَدِعاً
قَالَ: وَهُوَ من قَوْلك جَدَعته فجدِع، كَمَا تَقول ضَربَ الصَّقيعُ النباتَ فضَرِبَ، وَكَذَلِكَ صَقِع، وعَقَرته فعَقِر أَي سقط، وقَرَحته فقَرِح.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: الجدِع: السيّء الْغذَاء. وَقد أجدعته أمُّه. وَقَالَ الأصمعيّ: الجَدَاعُ: السَّنَة الَّتِي تُذهب كلَّ شيءٍ. وَأنْشد:
لقد آليتُ أَغدِر فِي جَدَاعِ
وإنْ مُنِّيتُ أُمّاتِ الرِّباعِ
وَيُقَال جدَّع الْقَحْط النباتَ، إِذا لم يَزْكُ لانْقِطَاع الْغَيْث عَنهُ وَقَالَ ابْن مُقْبِل:
وغيث مَريع لم يجدَّعْ نباتُه
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جادعت الرجل مُجادَعةً، وَهِي المشاتَمة. والمشارَّةُ نَحْوهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَدْع: قطع الْأنف وَالْأُذن والشَّفَة، تَقول جدعته جدعاً فَأَنا جادع. وَإِذا لزِمه النَّعْت قلت أجْدَعُ، وَقد جَدِعَ جَدَعاً. قَالَ: والجَدَعة: مَوضِع الجَدْع من المجدوع.

(1/223)


دعجٌ: قَالَ اللَّيْث: الدَّعَج: شدّة سَواد (سوادِ) الْعين وَشدَّة بَيَاض بيَاضها؛ عينٌ دعجاء، وامرأةٌ دَعْجاء، ورجلٌ أدعج بيِّن الدَّعَج. وَقَالَ العجاج يصف انفلاق الصُّبْح:
تسُور فِي أعجاز ليلٍ أدعجا
قَالَ: جعل اللَّيْل أدعج لشدَّة سوَاده مَعَ شدّة بَيَاض الصُّبْح.
قلت: وَقد قَالَ غير اللَّيْث: الدُّعجة والدَّعَج سوادٌ عامٌّ فِي كلِّ شَيْء. يُقَال رجل أدعج اللَّوْن، وتيسٌ أدعج القرنين والعينين. وَقَالَ ذُو الرمة يصف ثوراً وحشياً وقرنيه:
جرى أدعج الروقَين والعَينِ واضحُ ال
قَرَا أسفع الخدَّين بالبين بارحُ
فجعلَ القَرْنَ أدعجَ كَمَا ترى.
قلت: وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة غليِّماً أسود كأنّه حُمَمةٌ، وَكَانَ يسمَّى نُصَيراً ويلقَّب دُعيجاً، لشدّة سوَاده.
وَقَالَ أَبُو نصر: سَأَلت الأصمعيّ عَن الدَّعَج والدُّعجة فَقَالَ: الدَّعَج: شدّة السوَاد، ليلٌ أدعج وَعين دعجاء بيِّنة الدعَج والدُّعْجة فِي اللَّيْل: شدةُ سوَاده.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي الدَّعج إنّه شدّة سَواد سوادِ الْعين مَعَ شدَّة بَيَاض بياضها، خطأٌ مَا قَالَه أحدٌ غَيره.
وأمّا قَول العجاج:
فِي أعجازِ ليلٍ أدعجا
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالأدعج الليلَ المظلم الْأسود.
جعد: قَالَ اللَّيْث: الجَعْدة: حشيشة تنبُتُ على شاطىء الْأَنْهَار خضراء، لَهَا رَعْثة كرعثة الديك طيِّبة الرّيح تنْبت فِي الرّبيع وتيبس فِي الشتَاء؛ وَهِي من الْبُقُول.
قلت: الجعدة بقلة بِرّيّة لَا تنْبت على شطوط الْأَنْهَار، وَلَيْسَ لَهَا رَعْثة.
وَقَالَ النَّضر بن شُميل: الجَعْدة: شَجَرَة طيّبة الرّيح خضراء، لَهَا قُضُب فِي أطرافها ثَمَر أَبيض، يُحشَى بهَا الوسائد لطيب رِيحهَا، إِلَى المرارة مَا هِيَ، وَهِي جهيدةٌ يصلُح عَلَيْهَا المَال، واحدتها وجَماعتها جَعدة.
وأجاد النَّضر فِي صفة الجعدة.
وَقَالَ النَّضر أَيْضا: الجعاديد والصعارير أوّل مَا ينفتح الإحليل باللبأ، فَيخرج شيءٌ أصفر غليظ يَابِس، وَفِيه رخاوة وبلل كأنّه جُبْن، فيندُصُ من الطُّبْي مُصَعْرَراً، أَي يخرج مدحرجاً.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الصَّعارير والجعاديد. وَقَالَ: يخرج اللبأ أولَ مَا يخرج مصمِّغاً. وَقَالَ فِي كِتَابه فِي (الأضداد) : قَالَ الْأَصْمَعِي: زَعَمُوا أَن الجعدَ السّخيُّ. قَالَ: وَلَا أعرف ذَلِك، والجعد: الْبَخِيل، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ: وَقَالَ كثيِّر فِي السخيّ كَمَا زَعَمُوا يمدح بعض الْخُلَفَاء:
إِلَى الْأَبْيَض الْجَعْد ابْن عَاتِكَة الَّذِي
لَهُ فضل مُلكٍ فِي الْبَريَّة غالبُ
قلت: وَفِي أشعار الْأَنْصَار ذِكرُ الجعدِ وُضِعَ موضعَ الْمَدْح، أبياتٌ كَثِيرَة، وهم من أَكثر الشُّعَرَاء مدحاً بالجعد.

(1/224)


وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الجَعْد من الرِّجَال: الْمُجْتَمع بعضه إِلَى بعض. والسَّبِط: الَّذِي لَيْسَ بمجتمع. وَأنْشد:
قَالَت سُلَيمى لَا أحبُّ الجَعْدِينْ
وَلَا السِّباطَ إنهمْ مَناتِينْ
وَأنْشد أَبُو عبيد:
يَا ربَّ جعدٍ فيهمُ لَو تدرينْ
يَضرب ضَر السُّبُط المقاديمْ
قلت: وَإِذا كَانَ الرجل مداخَلاً مُدمَج الخلْقِ معصوباً فَهُوَ أشدُّ لأسْرِه، وأخفُّ لَهُ إِلَى منازلة الأقران، فَإِذا اضْطربَ خَلْقُه وأفرط فِي طوله فَهُوَ إِلَى الاسترخاء مَا هُوَ. والجَعْدُ إِذا ذُهب بِهِ مذهبَ الْمَدْح فَلهُ مَعْنيانِ مستحبان: أَحدهمَا أَن يكون معصوب الْجَوَارِح شديدَ الْأسر غير مُسترخٍ وَلَا مُضْطَرب. وَالثَّانِي أَن يكون شعره جَعدًا غير سَبِط؛ لأنَّ سبوطة الشّعْر هِيَ الْغَالِبَة على شُعُور الْعَجم من الرّوم وَالْفرس، وجُعودةَ الشّعْر هِيَ الْغَالِبَة على شُعور الْعَرَب. فَإِذا مُدِح الرجل بالجعد لم يَخرُج من هذَيْن المعنَيين. وَأما الْجَعْد المذموم فَلهُ أَيْضا مَعْنيانِ كِلَاهُمَا منفيٌّ عمَّن يُمدح: أَحدهمَا أَن يقالُ رجلٌ جَعْدٌ، إِذا كَانَ قَصِيرا متردّد الْخلف. وَالثَّانِي أَن يُقَال رجلٌ جعدٌ، إِذا كَانَ بَخِيلًا لئيماً لَا يَبِضُّ حَجَرُه. وَإِذا قَالُوا رجل جَعْد الْيَدَيْنِ، وجعد الأنامل، لم يكن إلاّ ذمّاً مَحْضا.
والجُعودة فِي الخدَّين: ضدُّ الأَسالة، وَهُوَ ذَمٌّ أَيْضا. والجعودة ضدُّ السُّبوطة مدحٌ، إلاّ أَن يكون قَطَطاً مُفلفَلاً كشعر الزنج والنُّوبة، فَهُوَ حينئذٍ ذمّ. وَقَالَ الراجز:
قد تيَّمتْني طَفلةٌ أُملودُ
بفاحمٍ زيَّنَه التجعيدُ
وثرًى جَعْد، إِذا ابتلّ فتعقَّد. وزَبَدٌ جَعد: مُجْتَمع. وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
واعتمَّ بالزَّبَدِ الجعدِ الخراطيمُ
وَالْعرب تسمِّي الذِّئب أَبَا جَعدة، وَمِنْه قَول عَبيد بن الأبرص:
هِيَ الخمرُ صِرفاً وتُكْنَى الطِلاءَ
كَمَا الذِّئبُ يكنى أَبَا جَعدةِ
قَالَ أَبُو عبيد: يَقُول: الذِّئْب وَإِن كنّي أَبَا جعدة ونُوِّه بِهَذِهِ الكنية فإنَّ فعلَه غير حَسَن، وَكَذَلِكَ الطِّلاءُ وَإِن كَانَ خائراً فإنّ فعلَه فِعلُ الْخمر لإسكاره شاربَه. كلامٌ هَذَا مَعْنَاهُ.
ع ج ت: أهملت وجوهه.
ع ج ط: أهملت وجوهه.

(بَاب الْعين وَالْجِيم والظاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
جعظ: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: (أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار؟ كلُّ جَظَ جَعِظٍ مستكبِر) قلت: مَا الجَظُّ؟ قَالَ: (الضخم) قلت: مَا الجَعِظ؟ قَالَ: (الْعَظِيم فِي نَفسه) .
قلت: وَتَفْسِير الجَعِظ عِنْد اللغويين يقرب من التَّفْسِير الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث. وَقَالَ اللَّيْث: الجَعِظ: الرجل السيّىء الخُلق يتسخَّط عِنْد الطَّعام.

(1/225)


وَقَالَ أَبُو زيد الأنصاريّ: الجِعظايَة: الرجل الْقصير اللحِيم. وَأنْشد أَبُو سعيد بَيت العجاج:
تواكلوا بالمِربد، الغِناظا
والجُفرتين أُجعِظوا إجعاظا
قلت: مَعْنَاهُ تعظَّموا فِي أنفسهم وزَمُّوا بآنُفِهم.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جعظه وأجعظه، إِذا رفَعه ومنعَه، وَأنْشد بَيت العجاج هَذَا.
وروى سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الجظُّ والجوّاظ: الطَّوِيل الجسيم، الأكول الشروب، البَطِر الكَفور. قَالَ: وَهُوَ الجِعظار أَيْضا.
قلت: والجَعْظَريُّ مثله.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الذَّال)
اسْتعْمل من وجوهه: عذج، جذع، ذعج.
عذج: أهمله اللَّيْث. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال رجل مِعْذَجٌ، إِذا كَانَ كثير اللَّوم. وَأنْشد:
فعاجت علينا من طُوالٍ سَرعرعٍ
على خوف زَوج سيِّىء الظَّن مِعذَجٍ
ذعج: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الذَّعْج: الدّفع، وربّما كني بِهِ عَن النِّكَاح. يُقَال ذعجها ذعجاً.
قلت: وَلم أسمع الذَّعج بِهَذَا الْمَعْنى لغير ابْن دُرَيْد، وَهُوَ من مَنَاكِيره.
جذع: أَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْحسن الصيداويّ عَن الرياشي أَنه قَالَ: المجذوع: الَّذِي يُحبَس على غير مرعى. وَهُوَ الجَذْع. وَأنْشد:
كَأَنَّهُ من طول جَذْع العَفْس
ورَمَلان الخِمْسِ بعد الخِمسِ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: جذَع الرجل عيالَه، إِذا حبسَ عَنْهُم خيرا.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي الجَذْع نَحوا مِمَّا قَالَا.
وَأما الجذَع فَإِنَّهُ يخْتَلف فِي أَسْنَان الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبَقر وَالشَّاء. وَيَنْبَغِي أَن يفسَّر قولُ الْعَرَب فِيهِ تَفْسِيرا مُشْبَعاً، لحَاجَة النَّاس إِلَى مَعْرفَته فِي أضاحيهم وصَدقاتهم وَغَيرهَا.
فأمَّا الْبَعِير فإنّه يُجذِع لاستكماله أَرْبَعَة أَعْوَام ودخوله فِي السّنة الْخَامِسَة، وَهُوَ قبل ذَلِك حِقٌّ. وَالذكر جَذَع وَالْأُنْثَى جَذَعة، وَهِي الَّتِي أوجبهَا النَّبِي فِي صَدَقَة الْإِبِل إِذا جاوزتْ سِتِّين. وَلَيْسَ فِي صدقَات الْإِبِل سنٌّ فَوق الجَذعة. وَلَا يَجزِي الْجذع من الْإِبِل فِي الْأَضَاحِي.
وأمّا الجَذَع من الْخَيل فإنّ المنذريّ أَخْبرنِي عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: إِذا استتمَّ الْفرس سنتَيْن وَدخل فِي الثَّالِثَة فَهُوَ جَذَع، وَإِذا استتمَّ الثَّالِثَة وَدخل فِي الرَّابِعَة فَهُوَ ثَنِيّ.
وَأما الْجذَع من الْبَقر فَإِن أَبَا حَاتِم روى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: إِذا طلعَ قرن الْعجل وقُبِضَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَضْب. ثمَّ بعد ذَلِك جَذَع، وَبعده ثَنِيٌّ وَبعده رَبَاع وَقَالَ عتبَة بن أبي حَكِيم: لَا يكونُ الْجذَع من الْبَقر حتّى

(1/226)


يكون لَهُ سنتَانِ وَأول يَوْم من الثَّالِث. قلت: وَلَا يَجزِي الجَذَع من الْبَقر فِي الْأَضَاحِي.
وَأما الجَذَع من الضَّأْن فَإِنَّهُ يَجزِي فِي الضحيّة، وَقد اخْتلفُوا فِي وَقت إجذاعه، فروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي أسنَان الغنمِ فَقَالَ فِي المِعزَى خاصّةً: إِذا أَتَى عَلَيْهَا الحولُ فالذكر تَيْسٌ وَالْأُنْثَى عَنْز، ثمَّ يكون جَذَعاً فِي السّنة الثَّانِيَة وَالْأُنْثَى جَذَعة، ثمَّ ثنيّاً فِي الثَّالِثَة، تمّ رباعياً فِي الرَّابِعَة. وَلم يذكر الضَّأْن.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الإجذاع وقتٌ وَلَيْسَ بسنَ. قَالَ: والجَذَع من الْغنم لسنة، وَمن الْخَيل لِسنتَيْنِ، وَمن الْإِبِل لأَرْبَع سِنِين. قَالَ: والعَنَاق تُجذِع لسنة، وربّما أجذعت العَناقُ قبل تَمام السّنة للخصب، وتَسمَن فيُسرع إجذاعها، فَهِيَ جَذَعة لسنة، وثنيّة لتَمام سنتَيْن.
وَسمعت المنذرِي يَقُول: سَمِعت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ يَقُول فِي الْجَذَع من الضَّأْن قَالَ: إِذا كَانَ ابْن شابَّين أجذع لسِتَّة أشهر إِلَى سَبْعَة أشهر، وَإِذا كَانَ ابْن هَرِمَين أجذعَ لثمانية أشهر إِلَى عشرَة أشهر.
قلت: فَابْن الأعرابيّ فرَّق بَين المعزى والضأن فِي الإجذاع، فجعلَ الضأنَ أسرعَ إجذاعاً.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن الأعرابيّ إِنَّمَا يكون مَعَ خِصب السّنة وَكَثْرَة اللَّبن والعُشْب.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقَالَ الْحَرْبِيّ: قَالَ يحيى بن آدم: إِنَّمَا يَجزي الْجذع من الضَّأن فِي الْأَضَاحِي لِأَنَّهُ ينزو فيُلقح، فَإِذا كَانَ من المعزى لم يُلقح حَتَّى يثنَى.
وَذكر أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الجَذَع من الْمعز لسنة، وَمن الضَّأْن لثمانية أشهر أَو تِسْعَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَذَع من الدوابّ والأنعام قبل أَن يُثْنِيَ بِسنة، وَهُوَ أوّلُ مَا يُسطاع ركوبُه والانتفاعُ بِهِ، وَالْجمع جُذْع وجِذْعان. قَالَ: والدهر يسمَّى جَذَعاً لِأَنَّهُ جَدِيد الدَّهْر. وَيُقَال: فلانٌ فِي هَذَا الْأَمر جَذَع، إِذا أخذَ فِيهِ حَدِيثا. وَإِذا طَفِئَتْ حَرْب بَين قوم فَقَالَ بَعضهم: إِن شِئْتُم أعدناها جَذَعة، أَي أولَ مَا يبْتَدأ فِيهَا.
وَقَالَ غَيره: الأزلم الجذَع هُوَ الدَّهر؛ يُقَال: لَا آتِيك الأزلم الجذَع: أَي لَا آتِيك أبدا، لأنَّ الدَّهرَ أبدا جديدٌ، كَأَنَّهُ فَتِيٌّ لم يُسِنّ.
والجِذْع: جِذْع النَّخْلَة، وَلَا يتبيَّن لَهَا جذعٌ حتّى يتبيَّن سَاقهَا.
والجِذاع: أحياءٌ من بني سَعْدٍ معروفون بِهَذَا اللقب.
وجُذعان الجِبال: صغارُها. وَقَالَ ذُو الرمّة:
جَواريه جُذعانَ القِضاف النَّوابكِ
والقَضَفَة: مَا ارْتَفع من الأَرْض.
وَرُوِيَ عَن عَليّ ح أَنه قَالَ: (أسلم أَبُو بكر وَأَنا جَذَعمة) ، أَرَادَ: وَأَنا جَذَع، أَي حَدَث السنّ غير مدرك، فَزَاد فِي آخرهَا ميماً كَمَا زادوها فِي سُتْهُم للعظيم

(1/227)


الاست، وزُرقُم للأزرق، وكما قَالُوا للِابْن ابنُمٌ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: ذهب القومُ جِذَعَ مِذَعَ، إِذا تفرَّقوا فِي كلّ وَجه.
وَفِي (النَّوَادِر) : جَذَعت بَين البعيرين، إِذا قرنتهما فِي قَرَن، أَي حَبل.

(بَاب الْعين وَالْجِيم والثاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عثج، ثعج
عثج: قَالَ ابْن المظفر: العَثَج والثَّعج لُغَتَانِ، وأصوبهما العَثَج، وهم جماعةٌ من النَّاس فِي السَّفر. قَالَ الراجز:
لاهُمَّ لَوْلَا أَن بكرا دونكا
يَبَرُّك الناسُ ويفجُرونكا
مَا زَالَ مِنَّا عَثَجٌ يأتونكا
ذكر هَذِه الأرجوزة مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي كتاب (المَبعث) ، وَأَن بعض الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة ارتجزَ بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: العَثَوْثَج: الْبَعِير السَّريع الضَّخم، يُقَال قد اعثوثَجَ اعثيجاجاً.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رَأَيْت عَثْجاً من النَّاس وعَثَجاً، أَي جمَاعَة.
وَقَالَ الْفراء فِيمَا أَقْرَأَنِي المنذريّ لَهُ، وَرَوَاهُ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَنهُ: رَأَيْت عُثَجاً من النَّاس وعَثَجاً، أَي جمَاعَة. وَيُقَال للْجَمَاعَة من الْإِبِل تَجْتَمِع فِي المرعى عَثَج. وَقَالَ الرَّاعِي يصف فحلاً:
بناتُ لَبونِه عَثَجٌ إِلَيْهِ
يَسُفنَ اللِّيتَ مِنْهُ والقَذَالا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَأَلت المفضَّل عَن معنى هَذَا الْبَيْت فَأَنْشد:
لم تلتفتْ لِلِدَاتِها
ومَضَت على غُلَوائها
قَالَ: قلت: أُرِيد أبْيَنَ من هَذَا. قَالَ: فَأَنْشَأَ يَقُول:
خُمصانةٌ قَلِقٌ موشَّحُها
رُؤد الشَّبَاب غَلاَ بهَا عَظْمُ
يَقُول: من نجابة هَذَا الْفَحْل سَاوَى بناتُ اللَّبون من بنَاته قذَالَه؛ لحُسْن نباتها.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَثْجج: الْجمع الْكثير. قَالَ: وَيُقَال عَثِجَ يَعْثَج، وَهُوَ أَن يديم الشُّربَ شَيْئا بعد شَيْء. وَهِي العُثْجة والعَثْج. وَمثله غَفَق يَغفِق.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الرَّاء)
عرج، عجر، جرع، جعر، رَجَعَ، رعج: مستعملات.
عرج: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعَارج: 4) أَي تصعد. يُقَال: عَرَج يَعرُج عُروجاً. وَقَوله جلّ وعزّ: {دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} (المعَارج: 3) قَالَ قَتَادَة: ذِي المعارج ذِي الفواضل والنِّعَم. وَقيل مَعارجُ الْمَلَائِكَة، وَهِي مَصاعدُها الَّتِي تصعَد فِيهَا وتَعرُج فِيهَا، ذكر ذَلِك أَبُو إِسْحَاق. وَقَالَ الْفراء: ذِي المعارج من نعت الله، لأنَّ الْمَلَائِكَة تعرُج إِلَى الله، فوصَف نفسَه بذلك. والقُرَّاء كلُّهم على التَّاء فِي قَوْله {الْمَعَارِجِ} (المعَارج: 4) إلاّ مَا ذُكِر عَن

(1/228)


عبد الله، وَهُوَ قَول الْكسَائي.
وَقَالَ اللَّيْث: عَرَج يعرُج عُروجاً ومَعْرَجاً. قَالَ: والمَعْرج: المصعد. والمَعرَج: الطَّريق الَّذِي تصعَد فِيهِ الْمَلَائِكَة. قَالَ: والمِعراجُ يُقَال: شبه سُلَّم أَو دَرَجَة تعْرُج فِيهِ الْأَرْوَاح إِذا قُبِضَتْ. يُقَال لَيْسَ شَيْء أحسَنُ مِنْهُ، إِذا رَآهُ الرُّوح لم يَتَمَالَك أَن يَخرج. قَالَ: وَلَو جمع على المعاريج لَكَانَ صَوَابا. فأمّا المعارج فَجمع المعرَج.
قلت: وَيجوز أَن يجمع الْمِعْرَاج مَعارج.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَرَج: مصدر عرِج الرجلُ يَعرَج، إِذا صَار أعرج. قَالَ: وَحكى لنا أَبُو عَمْرو: العَرَج: غَيبوبة الشَّمْس. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا مَا الشمسُ همَّتْ بعرَجْ
وَقَالَ الأصمعيّ: عرَج يعرُج، إِذا مشَى مِشيةَ العُرجان.
وَقَالَ اللَّيْث: عرِج يَعرَج، وَقد أعرجَه الله. قَالَ: والتعريج: أَن تحبِسَ مطيَّتَك مُقيما على رُفقتك أَو لحاجةٍ. وَيُقَال للطَّريق إِذا مَال: قد انعرَج. وانعرج الْوَادي، ومنعرَجهُ: حَيْثُ يمِيل يَمنةً ويَسرة. قَالَ: وانعرج الْقَوْم عَن الطَّرِيق، إِذا مالُوا عَنهُ. قَالَ: وعرَّجنا النَّهر، أَي أملناه يَمنة ويَسْرة. والعَرْجاء: الضَّبُع، والجميع عُرْج.
وَقَالَ شمر: الْعَرَب تجْعَل عُرْج معرفَة لَا تَنْصَرِف، تجعلها يَعْنِي الضباعَ بِمَنْزِلَة قَبيلَة. وَقَالَ أَبُو مكعِّت الْأَسدي:
أفكانَ أول مَا أُثِبْتَ تهارشت
أبناءُ عُرْجَ عَلَيْك عِنْد وِجارِ
قَالَ: أَوْلَاد عُرجَ، لم يُجرِها بِمَنْزِلَة قَبيلَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العَرْج: الْكثير من الْإِبِل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا جَاوَزت الْإِبِل الْمِائَتَيْنِ وقاربت الْألف فَهِيَ عَرْجٌ وعُروجٌ وأعراج.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَرْج من الْإِبِل نحوٌ من الثَّمَانِينَ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أعرجَ الرجلُ إِذا كَانَ لَهُ عَرْجٌ من الْإِبِل. وأمرٌ عَرِيجٌ مَرِيجٌ: ملتبس. قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
كَمَا نوَّر المِصباحُ للعُجْم، أمرُهم
بُعَيدَ رقاد النائمين عَريجُ
والعَرْج: منزل بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
وَجمع الْأَعْرَج عُرج وعُرجان.
والأعَيرج من الْحَيَّات، قَالَ أَبُو خَيْرة: هِيَ حيّةٌ صَمَّاء لَا تَقبل الرُّقية، وتَطفِر كَمَا يطفر الأفعى، والجميع الأُعيرجات.
وَقَالَ أَبُو زيد مثلَه.
شمر عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: الأعيرج: حيّةٌ عريض لَهُ قَائِمَة وَاحِدَة، عريضٌ مثل النَّبْث والترابِ تَنْبِثُه من ركيّة أَو مَا كانَ، فَهُوَ نَبْثٌ. وَهُوَ نَحْو الأصَلَة.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأعيرج أخبثُ الْحَيَّات، يقفز على الْفَارِس حتَّى يصير معَه فِي سَرجه. قَالَ: والعارج: الْغَائِب.
وَقَالَ اللَّيْث: وَلَا يؤنّث الأعيرج. قَالَ: والعَرَج فِي الْإِبِل كالحقَب، وَهُوَ ألاّ يَسْتَقِيم مخرجُ بَوله، فَيُقَال حَقِبَ البعيرُ وعَرِج، حَقَباً وعَرَجاً، وَلَا يكون ذَلِك إلاّ

(1/229)


للجمل إِذا شُدَّ عَلَيْهِ الحقَب. يُقَال أخلِفْ عَنهُ لئلاَّ يحقَب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا وَردت الإبلُ يَوْمًا نصفَ النَّهَار وَيَوْما غُدوة فَتلك العُرَيجاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا روى عَنهُ أَبُو العبّاس وَأَخْبرنِي بِهِ الْمُنْذِرِيّ عَنهُ: العُرَيجاء: أَن تردَ غَدوةً وتصدُر عَن المَاء فَتكون سائرَ يَوْمهَا فِي الْكلأ وليلتَها ويومَها من غدِها، ثمَّ ترد لَيْلًا المَاء، ثمَّ تصدر عَن المَاء، تكون بَقِيَّة لَيْلَتهَا فِي الْكلأ ويومها من الْغَد وليلتها ثمَّ تصبِّح المَاء غدْوَة، فَهَذِهِ العُريجاء. قَالَ: وَفِي الرِّفْه الظاهرةُ، والضاحية، والآيِبة، والعُريجاء.
وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال إِن فلَانا ليَأْكُل العُريجاء، إِذا أكلَ كلَّ يومٍ مرّة وَاحِدَة.
عجر: رُوِيَ عَن عَليّ ح أَنه طَاف ليلةَ وقعةِ الْجمل على الْقَتْلَى مَعَ مَوْلَاهُ قَنْبَر، فوقَف على طَلْحَة بن عبيد الله وَهُوَ صريع، فَبكى ثمَّ قَالَ: (عَزَّ عليَّ، أَبَا مُحَمَّد أَن أَرَاك معفَّراً تَحت نُجُوم السَّماء إِلَى الله أَشْكُو عُجَري وبُجَرِي) . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: مَعْنَاهُ إِلَى الله أَشْكُو همومي وأحزاني الَّتِي أُسِرُّها.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الكُدَيمي قَالَ: سَأَلت الأصمعيّ قلت: يَا أَبَا سعيد، مَا عُجَري وبُجري؟ فَقَالَ: غمومي وأحزاني.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال أفضيتُ إِلَيْهِ بعُجَرى وبُجَري، أَي أطلعْتُه من ثقتي بِهِ على معايبي. قَالَ: وأصل العُجَر العُروقُ المتعقِّدة فِي الْجَسَد. والبُجَر الْعُرُوق المتعقّدة فِي الْبَطن خاصّة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْلهم: حدَّثته بعُجَري وبُجَري، فالعُجْرَةُ: الشَّيْء يجْتَمع فِي الْجَسَد كالسِّلْعة، والبُجْرةُ نَحْوهَا. فيراد أخبرتُه بكلّ شَيْء عِنْدِي لم أستُرْ عَنهُ شَيْئا من أَمْرِي.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَجَر الفرسُ يعجرُ، إِذا مدَّ ذنبَه يعدو.
وَقَالَ أَبُو زُبَيد:
مِن بينِ مُودٍ بالبسيطة يعجُر
أَي هالكٍ قد مدَّ ذَنبه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: فرسٌ عاجر، وَهُوَ الَّذِي يعجُر برجليه كقُماص الْحمار. والمصدر العَجَران. وَأما قَول تَمِيم بن أبيّ بن مقبل:
جُردٌ عواجرُ بالألبادِ واللُّحُمِ
فَإِنَّهُ يَقُول: عَلَيْهَا ألبادها ولحمها، يصفها بالسِّمَن، وَهِي رافعةٌ أذنابَها من نشاطها.
وَرَوَاهُ شمر:
أما الأداة ففينا ضُمَّر صُنُعٌ
جُردٌ عواجر بالألباد واللجُمِ
بِالْجِيم. قَالَ: وَيُقَال الْخَيل عواجر بلُجمها وألبادها، إِذا عَدَتْ وَعَلَيْهَا سُروجُها وألبادُها وأداتُها.
وَرَوَاهُ أَبُو الْهَيْثَم بِالْحَاء.
قَالَ شمر: وَيُقَال عَجَر الريقُ على أنيابه، إِذا عَصَب بِهِ ولزِق، كَمَا يَعجِر الرجلُ بِثَوْبِهِ على رَأسه. وَقَالَ مزرِّد بن ضرار أَخُو الشماخ:
إِذْ لَا يزَال نائساً لعابُه
بالطَّلَوَان عَاجِزا أنيابُه

(1/230)


قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: عَجَر الفرسُ يَعجِر عجراً، إِذا مرّ مرّاً سَرِيعا. وعَجَر عجراً، إِذا مدّ ذنبَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَجَر: القُوّة مَعَ عِظَم الجسَد. قَالَ: والعَجير بالراء غير مُعْجمَة، والقَحول، والحَرِيك، والضعيف، والحصُور: العِنِّين.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الأعجر: الأحدب، وَهُوَ الأفزر، والأفرص، والأفرس، والأدنُّ، والأثبج قَالَ: والعجّار الَّذِي يَأْكُل العجاجير، وَهِي كُتَل الْعَجِين تُلقى على النَّار ثمَّ تُؤْكَل. والعَجَّار: الصِّرِّيع الَّذِي لَا يُطاق جَنْبُهُ فِي الصِّراع المُشَغزِبُ لصَرِيعه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا قُطع العجيم كُتَلاً على الخوان قبل أَن يُبسَط فَهُوَ المُشنَّق والعجاجير.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العَجْر: ليُّكَ عُنقَ الرجل.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : عجر عنقَه إِلَى كَذَا وَكَذَا يَعجِره، إِذا كَانَ على وجهٍ فأرادَ أَن يرجعَ عَنهُ إِلَى شيءٍ خلفَه وَهُوَ يُنهى عَنهُ، أَو أَمرته بالشَّيْء فعَجر عنقَه وَلم يرد أَن يذهب إِلَيْهِ لأمرك.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول الشَّاعِر:
فَلَو كنتَ سَيْفا كَانَ أَثْرك عُجرة
وكنَت دَداناً لَا يؤيِّسه الصَّقْلُ
يَقُول: لَو كنت سَيْفا كنت كَهاماً بِمَنْزِلَة عُجْرة التِّكَّة لَا تقطع شَيْئا.
وَقَالَ شمر: يُقَال عَجَرتُ عَلَيْهِ، وحَظَرت عَلَيْهِ، وحَجَرتُ عَلَيْهِ، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الْفراء: جَاءَ فلَان بالعُجَر والبُجَر، أَي جَاءَ بِالْكَذِبِ. وَقَالَ أَبُو سعيد: هُوَ الْأَمر الْعَظِيم. وَجَاء بالعَجَارِيّ والبَجاريّ، وَهِي الدَّواهي.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَجَره بالعصا وبَجره، إِذا ضرَبه بهَا فانتفخَ موضعُ الضَّرب مِنْهُ. والعَجاريُّ: رُؤُوس العِظام. وَقَالَ رؤبة:
وَمن عَجَاريهنَّ كلَّ جنجنِ
فخفّف يَاء العجاريّ وَهُوَ مشدّد
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَجِير: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء. وَقَالَ شمر: يُقَال عَجِير وعِجِّير.
وَقَالَ غَيره: المِعجَر والعِجار: ثوبٌ تلفُّه الْمَرْأَة على استدارة رَأسهَا ثمَّ تجلبِب فَوْقه بجلبابها. وَجمع المِعجر المعاجر. قَالَ شمر: وَمِنْه أُخِذ الاعتجار، وَهُوَ ليُّ الثَّوْب على الرَّأْس من غير إدارةٍ تَحت الحنَك.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (دخل مكةَ يَوْم الْفَتْح معتجراً بعمامةٍ سَوْدَاء) الْمَعْنى أَنه لفَّها على رَأسه وَلم يتَلحَّ بهَا. وَقَالَ الراجز:
جَاءَت بِهِ معتجراً ببُردهِ
سَفْواء تَخدِي بنسيجِ وَحدِهِ
وَقَالَ اللَّيْث: المعاجر من ثِيَاب اليَمن.
قَالَ: ومِعْجَر الْمَرْأَة أَصْغَر من الرِّداء وأكبر من المِقْنعة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العجراء: الْعَصَا الي فِيهَا أُبَنٌ؛ يُقَال ضربَه بعَجْراءَ من سَلَم.

(1/231)


وَقَالَ اللَّيْث: حافرٌ عَجِرٌ: صُلب شَدِيد. وَقَالَ المرَّار:
سَلِطُ السُّنْبُكِ ذُو رُسغٍ عَجِرْ
قَالَ: والأعجر: كلُّ شَيْء ترى فِيهِ عُقداً. قَالَ: وكيسٌ أعجر، وَهُوَ الممتلىء. وبطنٌ أعجرُ: ملآنُ، وَجمعه عُجْر. وَقَالَ عنترة:
أبَنِي زَبِيبةَ مَا لمُهركمُ
متجرّداً وبطونُكم عُجْرُ
قَالَ: والعُجْرة: كلُّ عقدةٍ فِي الْخَشَبَة. والخَلنْجُ فِي وشيِه عُجَر. قَالَ: وَالسيف فِي فرِندِه عُجَر.
جرع: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الجَرْع مصدر جَرِع الماءَ يَجرَع جَرْعاً. والجَرْع: جمع جَرْعة، وَهِي دِعصٌ من الرمل لَا تنْبت شَيْئا.
قلت: الَّذِي سمعته من الْعَرَب فِي الجرع غير مَا قَالَه. والجَرَع عِنْدهم: الرَّملة العَذاة الطيِّبة المَنبِت الَّتِي لَا وُعوثةَ فِيهَا، وَيُقَال لَهَا الجَرْعاء والأجرع، وَيجمع أجارع وجَرْعاوات. وتُجمع الجَرَعة جَرَعاً، غير أنَّ الجرعاء والأجرع أكبر من الجَرَعة. وَقَالَ ذُو الرمّة فِي الأجرع فَجعله يُنبِت النَّبَات:
بأجرعَ مِرباعٍ مَرَبَ مُحلَّلِ
وَلَا يكون مَرَبّاً محلَّلاً إلاّ وَهُوَ يُنبِت النَّبَات.
وَقَالَ غير ابْن السّكيت فِي الأجرَعِ والجَرَع نَحوا مِمَّا قلته.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الجَرِع من الأوتار: أَن يكون مُسْتَقِيمًا وَيكون فِي مواضعَ مِنْهُ نُتوٌّ، فيمسَح بِقِطْعَة كسَاء حتّى يذهب.
وَقَالَ ابْن شُميل: من الأوتار المجرَّع، وَهُوَ الَّذِي اخْتلف فتلُه وَفِيه عُجَر لم يُجَدْ فتلُه وَلَا إغارته، فظهرَ بعضُ قُواه على بعض. يُقَال وترٌ مجرَّع وجَرِع.
وَيُقَال جَرِع المَاء يَجرَعُه جَرْعاً واجترعه، فَإِذا تابعَ الجرعَ مرّة بعد أُخْرَى كالمتكاره قِيلَ: تجرَّعه. قَالَ تَعَالَى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} (إِبْرَاهِيم: 17) . والجُرعة: ملْء الْفَم يبتلعُه. والجَرعة المرّة الْوَاحِدَة. وَجمع الجُرعة جُرَع.
وَيُقَال مَا من جُرعة أَحْمد عُقباناً من جُرعةِ غيظ تكظمها.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (أفلتَ فلانٌ جُرَيعةَ الذَّقَن) و (بجُريعة الذَّقَن) ، يُرِيدُونَ أَن نَفسه صَارَت فِي فِيهِ فكاد يَهلِك فأفلتَ وتخلَّصَ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمثالهم فِي إفلات الجبان: (أفلَتَني جُريعةَ الذَّقَن) ، إِذا كَانَ مِنْهُ قَرِيبا كقُرب الجُرعة من الذَّقَن ثمَّ أفلتَه. ورَوَى غَيره عَن أبي زيد يُقَال (أفلتَني فلانٌ جَريضاً) إِذا أفلتَك وَلم يكَدْ و (أفلتَني جُريعةَ الرِّيق) ، إِذا سبقَك فابتلعتَ عَلَيْهِ ريقَك غيظاً.
قلت: وَمَا رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن أبي زيد صحيحٌ لَا شكَّ فِيهِ.
جعر: أَبُو عبيد عَن أبي الْجراح العقيليّ والأصمعي: الجِعار: الْحَبل يُشَدُّ بِهِ وسطُ الرجُل إِذا نزل فِي الْبِئْر وطرفُه فِي يَد

(1/232)


رجل، فَإِن سقَطَ مدَّه بِهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
لَيْسَ الجِعارُ مُنْجياً من القِدرْ
وإنْ تجعَّرتَ بمحبوكٍ مُمَرّ
وفسّر ابْن الْأَعرَابِي الجِعار كَمَا فسّراه
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمثالهم فِي فِرار الجبان وخضوعه:
روغِي جَعارِ وانظري أَيْن المفَرّ
قَالَ: وجَعَارِ هِيَ الضّبُع: وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لَهَا أمُّ جَعَارِ لِكَثْرَة جعرها. وَأنْشد غَيره:
عَشْنزَرةٌ جواعرُها ثمانٍ
فُويقَ زَماعِها خَدَم حُجُولُ
ترَاهَا الضَّبُع أعظمَهنَّ رَأْسا
جُراهِمةً لَهَا حِرَةٌ وثِيلُ
قَالَ بَعضهم: إنّما قَالَ جواعرُها ثمانٍ لأنّ للضّبُع خروقاً كَثِيرَة. والجُراهمة: المغتلِمة. وَجعلهَا خُنثَى لَهَا حِرَةٌ وثِيلٌ
قلت أَنا: وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَفْسِير قَوْله (جواعرها ثَمَان) أَرَادَ كَثْرَة جعرها. والجواعر: جمع الجاعرة، وَهُوَ الجَعْر، أخرجه على فاعلة وفواعل وَمَعْنَاهَا الْمصدر، كَقَوْل الْعَرَب: سَمِعت رواغي الْإِبِل أَي رُغاءَها، وَسمعت ثواغي الشَّاء أَي ثُغاءها. وَكَذَلِكَ الْعَافِيَة مصدر وَجَمعهَا عَوافٍ. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {الاَْزِفَةُ لَيْسَ لَهَا} (النّجْم: 58) ، أَي لَيْسَ لَهَا دونه جلَّ وعزّ كشْفٌ وَظُهُور. وَقَالَ: {عَالِيَةٍ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا} (الغَاشِيَة: 11) أَي لَغْواً. وَمثله كثيرٌ فِي كَلَام الْعَرَب. وَلم يُرد عددا محصوراً بقوله (جواعرها ثَمَان) ، وَلكنه وصفهَا بِكَثْرَة الْأكل والجعر وَهِي آكَلُ الدوابّ.
وَأما الجاعرتان اللَّتَان تكتنفان الذَنَب والذنبُ بَينهمَا فليستا من قَول الْهُذلِيّ فِي شَيْء.
وَقَالَ أَبُو زيد: والجاعرتان من الْبَعِير: العظمان المتكنّفان أصلَ الذَّنب والذنبُ بَينهمَا. وَقَالَ اللَّيْث: الجاعرتان حَيْثُ يكوى من الْحمار فِي مؤخّره على كاذَتَيه. وَيُقَال للدُّبُر الجاعرة والجعراء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الجَعْر يُبْس الطبيعة. وَرجل مِجعارٌ إِذا كَانَ كَذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: الْجَعر: مَا يَبِس فِي الدُّبر من العَذِرة، أَو خرجَ يَابسا. قَالَ: وَلَا يُقَال للكلب إلاّ جَعَر يَجعَر جَعْراً. قَالَ: وَبَنُو الجَعْراء: حيٌّ من الْعَرَب يعيَّرون بِهَذَا اللقب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الْجَعُور: خَبْراءُ لبني نهشَل. والجَعُور الْأُخْرَى: خَبْراء لبني عبد الله بن دارِم، يمْلَأ الْغَيْث الْوَاحِد كلتَيهما، فَإِذا امتلأتا وثِقوا بكَرع شتائهم. وَأنْشد:
إِذا أردْت الجَفْر بالجَعور
فاعمل بكلِّ مارنٍ صَبورِ
وروى مَالك بن أنس بإسنادٍ لَهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نَهَى عَن لونين فِي الصَّدقة من التَّمر:

(1/233)


الْجُعرور، ولون الحُبَيْق) . وَقَالَ الأصمعيّ: الْجُعرور: ضربٌ من الدَّقَل يحمل شَيْئا صغَارًا لَا خيرَ فِيهِ. ولون الحُبَيق من أردأ التُّمرانِ أَيْضا.
ولصبيان الْأَعْرَاب لعبةٌ يُقَال لَهَا الْجِعِرَّى، الرَّاء شَدِيدَة، وَذَلِكَ أَن يُحمل الصبيُّ بَين اثْنَيْنِ على أَيْدِيهِمَا. ولُعبةٌ أُخْرَى يُقَال لَهَا سَفْد اللِّقاح، وَذَلِكَ انتظامُ الصِّبيان بَعضهم فِي إِثْر بعض، كلُّ ذَلِك آخِذٌ بحُجزة صاحبِه من خَلفه.
رعج: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي الْبَرْق الارتعاج، وَهُوَ كثرته وتتابُعه.
وَقَالَ اللَّيْث: الإرعاج: تلألؤ الْبَرْق وتفرُّقه فِي السَّحَاب. وَأنْشد العجَّاج:
سحّاً أهاضيبَ وبَرْقاً مُرعِجا
وروى ابنُ الْفرج عَن أبي سعيد أَنه قَالَ: الارتعاج والارتعاش والارتعاد وَاحِد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رعَجَني هَذَا الْأَمر وأرعجَني، أَي أقلقَني.
قلت: هَذَا منكَر وَلَا آمَنُ أنْ يكون مصحَّفاً، فَالصَّوَاب أزعجني بِمَعْنى أقلقني، بالزاي. وَقد مرَّ فِي بَابه.
رَجَعَ: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَالتَّرَآئِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} (الطّارق: 8) قَالَ مُجَاهِد: إِنَّه على ردّ المَاء إِلَى الإحليل لقادر. وَقَالَ غَيره: إنّه على بَعثِهِ يومَ الْقِيَامَة لقادر، وَاعْتِبَار هَذَا بقوله جلّ وعزّ: {لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ} (الطّارق: 9) الْمَعْنى إنّه على بَعثه لقادرٌ يَوْم الْقِيَامَة. وَقيل على رجعه لقادر، أَي على ردِّه إِلَى صلب الرجل وتَرِيبةِ الْمَرْأَة. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
وَأما قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {نَاصِرٍ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} (الطّارق: 11) فإنَّ الْفراء قَالَ: تبتدىء بالمطر ثمَّ ترجع بِهِ كلَّ عَام. وَقَالَ غَيره: ذَات الرَّجع، أَي ذَات الْمَطَر؛ لِأَنَّهُ يجيءُ وَيرجع ويتكرَّر. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرَّجْع فِي كَلَام الْعَرَب المَاء. وَأنْشد قولَ الْهُذلِيّ يصف السَّيْف وجعلَه كَالْمَاءِ:
أبيضُ كالرَّجع رسوبٌ إِذا
مَا ثاخَ فِي مُحتَفَل يَختَلي
وقرأت بِخَط أبي الْهَيْثَم لِابْنِ بزرج، حَكَاهُ عَن الْأَسدي قَالَ: يَقُولُونَ للرّعد رَجْع.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (نَهى أَن يُستنجَى بَرجيعٍ أَو عظْم) قَالَ أَبُو عبيد: الرَّجيع يكون الروثَ والعذِرة جَمِيعًا، وإنّما سمّي رجيعاً لأنَّه رجَع عَن حَاله الأولى بعد أَن كَانَ طَعَاما أَو علفَاً إِلَى غير ذَلِك. وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء يكون من قولٍ أَو فعل تردَّدَ فَهُوَ رجيع لأنّ مَعْنَاهُ مرجوع مَرْدُود. وَقَالَ الله جلّ وعزّ {اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ} (العَلق: 8) أَي الرُّجوع والمرجع، مصدرٌ على فُعلَى.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال هَذَا رجيع السبُع ورَجعهُ. يَعْنِي نَحوه.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجْع الْجَواب، ورجْع الرَّشْق فِي الرَّمْي: مَا يُردُّ عَلَيْهِ. والمرجوعة والمرجوع: جَواب الرِّسالة. قَالَ: وَيُقَال لَيْسَ لهَذَا البيع مرجوع، أَي لَا يُرجَع فِيهِ. قَالَ: ورجَع إليَّ فلانٌ من مرجوعِه كَذَا، يَعْنِي ردَّه الْجَواب. قَالَ: والرَّجْع: نَبَات الرّبيع، وَقيل الرَّجْع: الغدير، وَجمعه رُجْعان والرَّجِيع: الْعرق، سمِّي رجيعاً لِأَنَّهُ كَانَ مَاء فَعَاد عَرَقاً. وَقَالَ لبيد:

(1/234)


رجيعاً فِي المغابن كالعصيم
أَرَادَ العرقَ الأصفَر، شبَّهه بعَصيم الحِنّاء وَهُوَ أثَره. وَيُقَال للجِرّة رجيعٌ أَيْضا. وكلُّ طعامٍ بَرَد فأُعيد على النَّار فَهُوَ رجيع. وَيُقَال سيفٌ نجيح الرَّجْع ونجيح الرجيع، إِذا كَانَ مَاضِيا فِي الضريبة. وَقَالَ لبيدٌ يصف السَّيْف:
بأخلقَ محمودٍ نجيحٍ رجيعهُ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ء قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ} (الْمُؤْمِنُونَ: 99 100) يَعْنِي العبدَ إِذا بُعِث يومَ الْقِيَامَة فأبصر وعرفَ مَا كَانَ يُنكره فِي الدُّنْيَا يَقُول لرَبه ارجعوني، أَي رُدُّوني إِلَى الدُّنيا، وَقَوله (ارجعوني) واقعٌ هَاهُنَا، وَيكون لَازِما كَقَوْلِه: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ} (الأعرَاف: 150) ومصدره لَازِما الرُّجوعُ، ومصدرهُ وَاقعا الرَّجْع. يُقَال رجعتُه رجْعاً فرجَع رُجُوعا، يَسْتَوِي فِيهِ لفظ اللَّازِم وَالْوَاقِع.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّجيع من الْكَلَام: الْمَرْدُود إِلَى صَاحبه. والرجيع من الدوابّ وَالْإِبِل: مَا رجَعْتَه من سفر إِلَى سفَر، وَالْأُنْثَى رجيعة. وَقَالَ ذُو الرمّة يصف نَاقَة:
رجيعةُ أسفارٍ كَأَن زمامَها
شُجاعٌ لَدَى يُسرَى الذراعين مطرقُ
قَالَ: والرجْع: الخَطْو، قَالَ الهذليّ:
نَهْدٌ سليمٌ رجْعُه لَا يظلعُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: إِذا ضُرِبت الناقةُ مِراراً فَلم تَلقَح فَهِيَ مُمارِنٌ، فإنْ ظهر لَهُم أنّها قد لقِحتْ ثمَّ لم يكن بهَا حملٌ فَهِيَ راجعٌ ومُخْلفة.
وَقَالَ أَبُو زيد: إِذا أَلْقَت الناقةُ حملَها قبل أَن يستبِين خَلْقُه قيل قد رجَعت تَرجِع رِجاعاً. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم للقِطاميّ يصف نجيبة لنجيبين:
وَمن عَيرانةٍ عَقدت عَلَيْهَا
لَقاحاً ثمَّ مَا كَسَرتْ رِجاعا
قَالَ: أَرَادَ أَن الناقةَ عقدت عَلَيْهَا لقاحاً ثمَّ مَا رمَتْ بِمَاء الْفَحْل وَكسرت ذنبها بَعْدَمَا شالت بِهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أنْشدهُ للمرَّار يصف إبِلا:
مَتابيعُ بُسْطٌ مُتْئماتٌ رواجعٌ
كَمَا رجَعتُ فِي لَيْلهَا أمُّ حائلِ
قَالَ: بُسْط: مخلاَّةٌ على أَوْلَادهَا بُسِطتْ عَلَيْهَا لَا تُقبَض عَنْهَا. مُتئمات: مَعهَا ابْن مَخاضٍ وحُوار. رواجع: رجَعتْ على أَوْلَادهَا. وَيُقَال رواجع: نُزَّع. أمُّ حَائِل: أمّ وَلَدهَا الْأُنْثَى.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أرجعَ الرجلُ يَده، إِذا أهوَى بهَا إِلَى كِنَانَته ليَأْخُذ سَهْما.
قَالَ: وَيُقَال هَذَا متاعٌ مُرجِع، أَي لَهُ مرجوع.
وروى أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (رأى فِي إبل الصَّدقة نَاقَة كَوماء، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالَ المُصَدِّق: إنّي ارتجعتُها بِإِبِل. فسكَتَ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الارتجاع: أَن يَقدَمَ الرجلُ المصرَ بإبله فيبيعها ثمَّ يَشْتَرِي بثمها مثلَها أَو غَيرهَا،

(1/235)


فَتلك الرِّجْعة. وَقَالَ الْكُمَيْت يصف الأثافيّ:
جُردٌ جلادٌ معطَّفات على ال
أورَقِ لَا رِجعةٌ وَلَا جَلَبُ
قَالَ: فإنْ ردَّ أثمانَها إِلَى منزله من غير أَن يَشْتَرِي بهَا شَيْئا فَلَيْسَتْ برِجْعة. قَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصَّدقة، إِذا وجَب على ربِّ المَال سِنٌّ من الْإِبِل فَأخذ المصدِّق مَكَانهَا سِنّاً آخرَ فوقَها أَو دونَها، فَتلك الَّتِي أَخذ رِجعةٌ، لِأَنَّهُ ارتجعها من الَّتِي وجبتْ لَهُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال باعَ فلانٌ إبلَه فارتجعَ مِنْهَا رِجعةً صَالِحَة.
قَالَ: وَشَكتْ بَنو تَغلِب إِلَى مُعَاوِيَة السنةَ فَقَالَ: كَيفَ تَشْكون الْحَاجة مَعَ اجتلاب المِهارة وارتجاع البِكارة؟ أَي تجلبون أَوْلَاد الْخَيل فترتجعون بأثمانها الْبكارَة للقِنْية.
وَحكى ابنُ الأعرابيّ عَن بعض الْعَرَب أَنه قَالَ: (أوصانا أَبونَا بالرِّجَع والنُّجَع) ، أَي أوصانا بِأَن نبيع النِّيب والأكائل، ونرتجع بأثمانها القُلُص للقِنية.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الرَّجيعة: بعير ارتجعتَه، أَي اشتريتَه من أجلاب النَّاس، لَيْسَ من الْبَلَد الَّذِي هُوَ بِهِ. وَهِي الرجائع. وَأنْشد قَوْله:
وبرَّحَ بِي إنقاضُهنَّ الرجائعُ
وَقَالَ غَيره: أرجعَ الله همَّه سُروراً، أَي أبدلَ همَّه سُرُورًا.
وَقَالَ الكسائيّ: أرجعَت الناقةُ فَهِيَ مُرجِعٌ، إِذا حسُنتْ بعد هُزال. وأرجَعَ من الرَّجيع، إِذا أنجى من النَّجْو. وراجعت الناقةُ رجاعاً، إِذا كَانَت فِي ضربٍ من السَّير فرجَعَتْ إِلَى سيرٍ سواهُ. وَقَالَ البعيث يصف نَاقَته:
وَطول ارتماء البِيد بالبِيدِ تغتلي
بهَا نَاقَتي تختبُّ ثمَّ تراجعُ
وَيُقَال: رجَع فلانٌ على أنْف بعيره، إِذا انْفَسَخ خطمُه فردَّه عَلَيْهِ. ثمَّ يسمَّى الخِطام رِجاعاً.
والمُراجع من النِّسَاء: الَّتِي يموتُ زوجُها أَو يطلِّقها فترجع إِلَى أَهلهَا. وَيُقَال لَهَا أَيْضا رَاجع.
وَيُقَال للْمَرِيض إِذا ثَابت إِلَيْهِ نفسُه بعد تهوُّكٍ من العلّة: رَاجع. وَيُقَال طَعنه فِي مَرجِع كَتفيهِ.
ابْن شُمَيْل: الراجعة: الناشغة من نواشغ الْوَادي. والرُّجْعان: أعالي التلاع قبل أَن يجْتَمع مَاء التلعة. وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ مثل الحُجْران.
وَيُقَال: هَذَا أرجَعُ فِي يَدي من هَذَا، أَي أَنْفَع.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت بعض بني سُليم يَقُول: قد رجَع كَلَامي فِي الرجُل ونجَع فِيهِ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَرجع فِي الدّابّةِ العَلَفُ ونَجَع، إِذا تبيَّن أَثَره. قَالَ: والتَّرجيع فِي الْأَذَان: أَن يكرِّر قَوْله: أشهد أَن لَا إلاه إلاّ الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رسولُ الله. ورجْع الوشم والنُّقوش وترجيعه: أَن يُعاد عَلَيْهِ السَّوادُ مرَّةً بعد أُخْرَى.

(1/236)


وَيُقَال: هَل جاءتك رِجعةُ كتابك ورُجْعانُه، أَي جَوَابه. وَكَذَلِكَ الرِّجعة بعد الطَّلَاق بِالْكَسْرِ. وأمّا قَوْلهم: فلانٌ يؤمِن بالرَّجْعة فَهُوَ بِالْفَتْح. قلت: وَيجوز الْفَتْح فِي رِجعة الْكتاب ورِجعة الطَّلاق. يُقَال طلّق فلانٌ فلانةَ طَلَاقا يملك فِيهِ الرَّجعة. وأمّا قَول ذِي الرمة يصف نسَاء تجلَّلْن بجلابيبهنَّ:
كأنَّ الرِّقاقَ المُلحَماتِ ارتجعنَها
على حَنوة القُريان ذَات الهمائِم
أَرَادَ أنهنَّ رددنَها على وُجوهٍ ناضرة ناعمة كالرياض.
وَقَالَ اللَّيْث: الترجيع: تقَارب ضروب الحركات فِي الصَّوت. قَالَ: وترجيع وشْي النقش والوشم: خطوطه. وَقَالَ زُهَيْر:
مراجيع وشم فِي نَواشر مِعصَمِ
جمع المرجوع، وَهُوَ الَّذِي أُعِيد عَلَيْهِ سوَاده.
وَيُقَال: جعلهَا الله سَفرةً مُرجِعة والمُرجعة: الَّتِي لَهَا ثوابٌ وعاقبةٌ حَسَنَة.
وَيُقَال الشَّيْخ يمرض يومينِ فَلَا يُرجِع شهرا، أَي لَا يثوب إِلَيْهِ جِسْمه وقوّته شهرا. واسترجع فلانٌ عَن مصيبةٍ نزلت بِهِ، إِذا قَالَ: إِنَّا لله وإنّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. فَهُوَ مسترجِعٌ.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ اللَّام)
جعل، عجل، علج، جلع، لعج: مستعملات.
عجل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (الأنبيَاء: 37) قَالَ الْفراء: خلق الإنسانُ من عَجَل وعَلى عَجَل كَأَنَّك قلت: بِنيتُه العَجَلة وخِلقتُه العَجَلة وعَلى العجلة. وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو إِسْحَاق: خُلِق الْإِنْسَان من عَجَل وخُلِق الْإِنْسَان عجولاً، خُوطب العربُ بِمَا تَعقِل؛ والعربُ تَقول للَّذي يُكثِر الشَّيْء: خُلِقْتَ مِنْهُ، كَمَا يُقَال خُلِقتَ من لعبٍ، إِذا بُولغ فِي وَصفه باللَّعب.
وَقَالَ ابْن اليزيديّ: سمعتُ أَبَا حَاتِم يَقُول فِي قَوْله: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (الأنبيَاء: 37) : أَي لَو يعلمُونَ مَا استعجلوا، والجوابُ مُضْمر. وروى أَبُو عُمر عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: العَجَل: العَجَلة. قَالَ: والعَجَل: الطِّين، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: قَالَ بعض النَّاس: خُلِق الْإِنْسَان من عجل، أَي من طين. وَأنْشد:
وَالنَّخْل ينْبت بَين المَاء والعَجَلِ
قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي فِي هَذَا حكايةٌ عمّن يُرجَع إِلَيْهِ فِي علم اللُّغَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} (الأعرَاف: 150) : تَقول عَجِلتُ الشَّيْء، أَي سبقته. وأعجلته: استحثثته.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} (يُونس: 11) فَإِن الفرّاء قَالَ: مَعْنَاهُ لَو أُجِيب الناسُ فِي دُعاء أحدهم على ابْنه وشبيهه فِي قَوْله: لعنك الله وأخزاك وَشبهه، لهلكوا. قَالَ: وَنصب قَوْله {اسْتِعْجَالَهُم} (يُونس: 11) بِوُقُوع الْفِعْل وَهُوَ يعجِّل. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: نصب استعجالهم على نعت

(1/237)


مصدرٍ محذوفٍ، الْمَعْنى وَلَو يعجِّل الله للنَّاس الشرَّ تعجيلاً مثل استعجالهم. وَقَالَ القتيبيّ: مَعْنَاهُ لَو عجَّل الله للنَّاس الشرَّ إِذا دَعَوا بِهِ على أنفسهم عِنْد الْغَضَب وعَلى أَهْليهمْ وَأَوْلَادهمْ، واستعجلوا بِهِ كَمَا يستعجلون بِالْخَيرِ فيسألونه الْخَيْر والرحمةَ لقُضِي إِلَيْهِم أجلُهم، أَي مَاتُوا.
قلت: الْمَعْنى وَلَو يعجل الله للنَّاس الشرَّ فِي الدُّعَاء كتعجيله استعجالهم بِالْخَيرِ إِذا دعَوه بِالْخَيرِ لهلكوا.
وَقَوله عزّ وَجل: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ} (الإسرَاء: 18) العاجلة: الدُّنيا، والآجلة الْآخِرَة. والعاجل: نقيض الآجل، عامٌّ فِي كل شَيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَجَل: مَا استُعجِل بِهِ من طعامٍ فقدِّم قبل إِدْرَاك الغَداء. وَأنْشد:
إِن لم تُغِثني أكن يَاذَا الندى عَجَلاً
كلُقمةٍ وَقعت فِي شِدق غَرْثانِ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العُجالة: مَا تعجَّلتَه.
وَقَالَ اللحياني: (الثيِّبُ عُجالة الرَّاكِب) : تَمرٌ بسَويق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العجاجيل هَنّاتٌ من الأقطِ يجعلونها طِوالاً بغلظ الكفّ وطولها، مثل عجاجيل التَّمر والحيس، وَالْوَاحد عُجّال. وَيُقَال أَتَانَا بِعُجَّال وعِجَّول، أَي بجُمعةٍ من التَّمْر قد عُجِن بالسَّويق أَو بالأقط.
قلت: والإعجالة اللَّبَن الَّذِي يعجِّله المعجّل إِلَى أَهله إِذا كَانَت إبِله فِي العَزيب قبل وُرُود الْإِبِل، وَجَمعهَا الإعجالات. قَالَ الْكُمَيْت:
أتتكمْ بإعجالاتها وَهِي حُفَّلٌ
تَمُجُّ لكم قبل احتلابٍ ثُمالَها
يُخَاطب الْيمن يَقُول: أتتكم مودَّة مَعَدَ بإعجالاتها. والثُّمال: الرغوة. يَقُول: لكم عندنَا الصَّريح لَا الرَّغوة.
قلت: وَالَّذِي يَجِيء بالإعجالة من الْإِبِل فِي العَزيب يُقَال لَهُ المعجِّل. وَقَالَ الْكُمَيْت:
لم يقتعدها المعجِّلون وَلم
يَمْسَخْ مَطاها الوُسوقُ والحَقَبُ
وَقَالَ الأصمعيّ: العُجَيلي: ضرب من السّير سريع. قَالَ الشَّاعِر:
يَمشي العُجَيلَى والخَنيفَ ويَضْبِرُ
والعِجْلة: ضربٌ من النَّبتْ، وَمِنْه قَوْله:
ذَا عِجلةٍ وَذَا نَصِيّ ضاحي
أَبُو عبيد: العَجَلة: الْخَشَبَة المعترضة على النعامتين، والغَرْب معلَّق بالعَجَلة.
النَّضر: المِعجال من الْحَوَامِل: الَّتِي تضع ولدَها قبلَ إناه: / / وَقد أعجلَتْ فَهِيَ مُعْجِلة، وَالْولد مُعْجَل. والمعاجيل: مختصَرات الطُّرق، يُقَال: خُذْ مَعاجيل الطُّرق فإنَّها أقرب.
وَفِي (النَّوَادِر) : أخذتُ مستعجِلةً من الطَّرِيق، وَهَذِه مستعجِلات الطَّرِيق، وَهَذِه خُدعة من الطَّرِيق، ومَخدَع، ونَفَذٌ من الطَّرِيق، ونَسَم، ونَبَق وأنباق، كلُّه بِمَعْنى القُربة والخُصْرة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (لقد عَجِلَتْ بأيِّمكَ

(1/238)


العَجول) ، أَي عَجِل بهَا الزَّواج.
والإعجال فِي السّير: أَن يَثِبَ الْبَعِير إِذا رَكبه الرَّاكِب قبل استوائه عَلَيْهِ. يُقَال جملٌ مِعجال وناقةٌ معجال. وَقَالَ الرَّاعِي يصف رَاحِلَته:
فَلَا تُعجِل الْمَرْء قبل الورو
كِ وهْي بِرُكبته أبصَر
وَقَالَ أَبُو عبيد: رجل عَجِل وعَجُل، لُغَتَانِ. وَقَالَهُ ابْن السّكيت وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: الاستعجال والإعجال والتعجُّل وَاحِد.
قلت: هِيَ بِمَعْنى الاستحثاث وَطلب العجلة.
وَرجل عَجْلان وَامْرَأَة عَجْلَى، وَقوم عِجالٌ وعَجَالى وعُجالَى.
والعَجَل: عَجَل الثيران، واحدته عجلة. والعَجلة: المَنْجَنون الَّذِي يُستَقى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العِجْلة: القِربة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِجلة: المزادة. والعجلة: شَجَرَة. والعِجلة: الدُّولاب أَيْضا. قَالَ: وأنشدني المفضّل فِي صفة فرس:
عَرِقَتْ وأنجى نحرها فكأنّما
خَلْفي وقدّامي عُجَيلةُ مُخْلِفِ
قَالَ: أنجى، إِذا استخرج عرق فرسه. والعَجُول من الْإِبِل: الواله الَّتِي فَقدت ولدَها، وَهِي الثَّكْلى من النِّسَاء؛ وَجمعه عُجُل. وَقَالَ الْأَعْشَى:
يَدفع بِالرَّاحِ عَنهُ نِسوةٌ عُجُلُ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: ولد الْبَقَرَة عِجْل وَالْأُنْثَى عجلة، وَيُقَال عِجَّولٌ وَجمعه عجاجيل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُجمع العِجْل عِجَلة. وَقَالَ أَبُو خيرة: هُوَ عِجلٌ حِين تضعُه أمُّه إِلَى شهر، ثمَّ بَرغَزٌ وبُرغُزٌ نَحوا من شَهْرَيْن وَنصف، ثمَّ هُوَ الفرقد.
علج: ابْن السّكيت: إِذا أكل البعيرُ العَلَجان قيل بعير عالج. وعالج: رمال مَعْرُوفَة فِي الْبَادِيَة. وَيُقَال هَذَا عَلُوجُ صِدقٍ، وعَلوك صِدق، وألوك صِدق، لِمَا يُؤْكَل. وماتلوَّكت بأَلوكٍ وَلَا تعلَّجت بعَلوج.
وَفِي حَدِيث عَليّ ح أَنه بعث رجلَيْنِ وَقَالَ لَهما: (إنَّكُمَا عِلجان فعالجا) . العِلج: الرجل القويّ الضّخم. وَقد استعلجَ الغلامُ، إِذا خرج وجههُ وعَبُل بدنُه. وَقَوله (فعالجا) أَي حارِسا العمَل الَّذِي ندبتكما لَهُ وزاولاه. وكل شيءٍ زاولتَه ومارسته فقد عالجتَه. وَيُقَال للعَير الوحشي إِذا سَمِن وقوِيَ عِلجٌ، وَيجمع عُلوجاً ومَعلوجَى بِالْقصرِ ومَعلوجاء بالمدّ وأعلاجاً. والعُلَج: الشَّديد من الرِّجَال الصِّرِّيع؛ وَيُقَال لَهُ عُلَّج بِالتَّشْدِيدِ.
وَيُقَال: اعتلجَتْ أمواجُ الْبَحْر، إِذا تلاطمت. واعتلج القومُ، إِذا اتّخذوا صِراعاً وقتالاً.
وَيُقَال: عالجتَ فلَانا فعلجتُه، إِذا زاولتَه فغلبتَه.
والعَلَجانُ: شجر يُشبه العَلَندَى، وَقد رأيتُهما فِي الْبَادِيَة، وأغصانهما صليبة، الْوَاحِدَة عَلَجانة.
وناقة عَلِجةٌ: شَدِيدَة، وتُجمع عَلِجات.

(1/239)


وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المعتلجة: الأَرْض الَّتِي استأسد نباتُها والتفَّ وكثُر. وَيُقَال للرَّغيف الغليظ الْحُرُوف عِلج، وَيُقَال للرجل القويّ الضخم من الكفّار عِلجٌ أَيْضا.
والمُعالج: المداوِي، سَوَاء عالجَ جريحاً أَو عليلاً أَو دابَّة. وَفِي حَدِيث عَائِشَة أنّ عبد الرحمان بن أبي بكر توفّي بالحُبْشِيّ على رَأس أميالٍ من مكّة، فنقله ابْن صَفْوانَ إِلَى مكّة فَقَالَت عَائِشَة: (مَا آسَى على شيءٍ من أمره إلاّ خَصْلَتَيْنِ: أَنه لم يُعالِجْ وَلم يُدفَن حَيْثُ مَاتَ) . قَالَ شمر: معنى قَوْلهَا لم يُعالِجْ، أَرَادَت أَنه لم يعالج سكرةَ الْمَوْت فَتكون كفّارة لذنوبه.
قلت: وَيكون مَعْنَاهُ أنّ علّته لم تمتدَّ بِهِ فيعالجَ شدّة الضَّنَى ويقاسيَ عَلَزَ الْمَوْت.
جعل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: جَعَل: صيَّر. وجَعَل: أقبل. وَجعل: خَلَق. وجعَلَ: قالَ، وَمِنْه قَوْله: {الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ} (الزّخرُف: 3) . أَي قُلْنَاهُ. وَقَالَ غَيره: صيّرناه. وَيُقَال جَعل فلانٌ يصنع كَذَا وَكَذَا، كَقَوْلِك طَفِق وعَلِق يفعل كَذَا وَكَذَا. وَيُقَال جعلتُه أحذقَ النَّاس بِعَمَلِهِ، أَي صيّرته. وَقَول الله عزّ وجلّ: {سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} (الفِيل: 5) مَعْنَاهُ صيَّرهم. وَقَالَ عزّ وجلّ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ} (الأنبيَاء: 30) ؛ أَي خلقْنا. وَإِذا قَالَ الْمَخْلُوق جَعلْتُ هَذَا الْبَاب من شجرةِ كَذَا، فَمَعْنَاه صيّرته.
أَبُو عبيد: الجِعال: الخِرقة الَّتِي تُنزَل بهَا القُدور، قَالَه الْأَصْمَعِي. قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: أجعلتُ الْقدر إجعالاً، إِذا أنزلتَها بالجِعال. قَالَ: وَكَذَلِكَ من الجُعْل فِي العطيّة أجعلتُ لَهُ بِالْألف. وَقَالَ الأصمعيّ: هِيَ الجَعَالة بِالْفَتْح، من الشَّيْء تَجعَله للْإنْسَان.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أجَعَلت الكلبةُ والسِّباعُ كلُّها، إِذا اشتهت الْفَحْل. وَقَالَ غَيره: استجعلَت أَيْضا بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الجُعْل: مَا جعلتَه للْإنْسَان أجرا على عمله. قَالَ: والجَعَالاتُ: مَا يتجاعل النَّاس بَينهم عِنْد البَعْثِ أَو الْأَمر يَحزُبُهم من السُّلْطَان. والجُعَل: دابّة سَوْدَاء من دوابّ الأَرْض، تُجمَع جِعلاناً. وماءٌ مُجْعِلٌ وجَعِلٌ، إِذا تهافتت فِيهِ الجِعلان.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (لزِقَ بامرىءٍ جُعَلُه) ، يُقَال ذَلِك عِنْد التنغيص والإفساد. وَأنْشد أَبُو زيد:
إِذا أتيتُ سُليمَى شُبَّ لي جُعَلٌ
إنّ الشقيَّ الَّذِي يَصْلَى بِهِ الجُعَلُ
قَالَه رجلٌ كَانَ يتحدَّث إِلَى امْرَأَة، فَكلما أَتَاهَا وقَعد عِنْدهَا صبَّ الله عَلَيْهِ مَنْ يقطع حَدِيثهمَا.
وَقَالَ ابْن بزرج: قَالَت الْأَعْرَاب: لنا لُعبةٌ يلْعَب بهَا الصِّبيان نسمِّيها: جَبَّى جُعَلُ، يضع الصبيُّ رأسَه على الأَرْض ثمَّ يَنْقَلِب على ظَهره. قَالَ: وَلَا يُجْرون جَبَّى جُعَلُ إِذا أَرَادوا بِهِ اسْم رجل. فَإِذا قَالُوا هَذَا جعلٌ بِغَيْر جَبَّى أجرَوْه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الجَعْل: قصار النّخل. وَقَالَ لبيد:

(1/240)


جَعْلٌ قِصارٌ وعَيدانٌ ينوء بِهِ
من الكوافر مهضوم ومهتَصَرُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَعَل: القِصَر مَعَ السِّمَن واللجاج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَعْوَل: الرَّأْلُ ولدُ النعام.
جلع: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: امْرَأَة جالعٌ، إِذا كَانَت متبرِّجة، بِغَيْر هَاء.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: امرأةٌ جَلِعة، وَهِي الَّتِي قد ألقَتْ قِناع الْحيَاء؛ وَالِاسْم مِنْهُ الجَلاعة.
وَقَالَ اللَّيْث: المجالعة: تنازُع الْقَوْم عِنْد شُربٍ أَو قِمار. وَأنْشد:
أيدِي مُجالِعةٍ تكفُّ وتَنْهَدُ
قلت: وَرَوَاهُ غَيره: (أَيدي مُخالِعة) ، وهم المقامرون.
ورُوي فِي الحَدِيث أنَّ الزُّبير بن العَوَّام (كَانَ أجْلَعْ فَرِجاً) ، قَالَ القتيبي: الأجلع من الرِّجَال: الَّذِي لَا يزَال يَبْدُو فَرجُه. قَالَ: والأجلع: الَّذِي لَا تنضمُّ شَفَتاه على أَسْنَانه. قَالَ: وَكَانَ الْأَخْفَش أجلعَ لَا تنضمُّ شَفتاه.
وروَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الجَلِع المنقلب الشّفة.
قلت: أصل الجَلْع: الكشْف، يُقَال جَلعت المرأةُ خِمَارَها، إِذا كشفَتْه عَن رَأسهَا.
وَقَالَ الراجز:
جالعة نصيفَها وتَجتَلحْ
أَي تتكشَّف وَلَا تسَتَّر.
وروى ابنُ الفَرَج: أَبُو تُرَاب عَن خَليفَة الحُصَينيّ أَنه قَالَ: الجَلَعة والجَلَقة: مَضحَك الْإِنْسَان.
وَقَالَ الأصمعيّ: انجلع الشَّيْء، إِذا انكشَفَ. قَالَ الحكم بن مُعَيّة:
ونسَّعتْ أسنانَ عَونٍ فانجلعْ
عُمورُها عَن ناصلاتٍ لم تَدَعْ
وَيُقَال للرجل إِذا انحسرت لِثاتُه عَن أَسْنَانه: قد نسَّع فوه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَلَع الغلامُ غُرلتَه وفَصعها، إِذا حَسَرها عَن الحَشَفَة جَلْعاً وفَصْعاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجَلعَم: الْقَلِيل الْحيَاء، الْمِيم زَائِدَة.
وَأَخْبرنِي الإياديُّ عَن شمر أَنه قَالَ: الجُلَعلَعة: الخُنْفَسَاءة. قَالَ: ويروى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: كَانَ عندنَا رجلٌ يَأْكُل الطين، فامتخَط فَخرجت من أَنفه جُلَعلَعة نصفُها طين وَنِصْفهَا خُنْفُساء قَد خُلِق. قَالَ شمر: وَلَيْسَ فِي الْكَلَام فُعَلعِل.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَلَعلَع من الْإِبِل: الْحَدِيد النَّفْس.
لعج: أَبُو عبيد: اللاعج: الهَوَى المُحرِق، وَكَذَلِكَ كلُّ مُحرِق. وَأنْشد قَول الهذَليّ:
ضربا أَلِيمًا بسِبتٍ يَلعَج الجِلِدا
وَقَالَ اللَّيْث: لَعَج الحزْنُ فؤادَه يَلعَج لَعْجاً، وَهُوَ حرارتُه فِي الْفُؤَاد. وَقَالَ غَيره: التعجَ الرجلُ، إِذا ارتمضَ من هَمَ يُصِيبه.
وَسمعت أَعْرَابِيًا من بني كُليب يَقُول: لمّا

(1/241)


فَتح أَبُو سعيد القِرمِطِيّ هَجَرَ سوَّى حِظاراً من سعَف النَّخل وملأه من النِّسَاء الهَجَريَّات، ثمَّ أَلعجَ النَّار فِي الحِظار فاحترقْن.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ النُّون)
عجن، عنج، جعن، نجع، نعج: مستعملات.
عجن: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُجُن أهل الرَّخاوة من الرِّجَال وَالنِّسَاء. يُقَال للرجل عجينة وعَجين، وللمرأة عجينة لَا غير، وَهُوَ الضَّعِيف فِي بدنه وعقله. قَالَ: والعُجُن: جمع عاجن، وَهُوَ الَّذِي أسنَّ فَإِذا قَامَ عجنَ بيدَيْهِ. يُقَال خَبَزَ وعَجَن، وثَنَّى وثَلَّث، ووَرَّصَ، كلُّه من نعت الْكَبِير.
وَقَالَ اللَّيْث: العَجّان: الأحمق، وَيُقَال إِن فلَانا ليعجن بمرفقيه حُمقاً.
قلت: وَسمعت أعرابيّاً يَقُول لآخر: يَا عجّان إنّك لتَعجِنُه. فَقلت لَهُ: مَا يَعجِن ويحَك؟ قَالَ: سَلْحه. فَأَجَابَهُ الآخر: أَنا أعجنه وَأَنت تَلقَمه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: يُقَال عَجِنت الناقةُ تَعْجَنُ عَجَناً، إِذا سمنَتْ.
وَقَالَ اللَّيْث: العجْناء: النَّاقة الْكَثِيرَة لحمِ الضَّرع مَعَ قلَّة لَبنهَا، بيّنة العَجَن. قَالَ: والمتعجّن: الْبَعِير المكتنز سِمَناً، كأنّه لحمٌ بِلَا عظم.
قَالَ: والعِجان مَعْرُوف، وَهُوَ آخر الذّكر مَمْدُود فِي الْجلد، والجميع العُجُن، وَثَلَاثَة أعجنة. وَأنْشد:
يمدُّ الحبلَ مُعْتَمدًا عَلَيْهِ
كأنّ عجانه وترٌ جَديدُ
وَقَالَ غَيره: والعِجان: العُنق بلغَة قومٍ من الْيمن. وَأنْشد بعضُهم:
يَا رُبَّ خَودٍ ضَلْعةِ العِجان
عِجانُها أطولُ من سِنانِ
وعجان الْمَرْأَة: الوَتَرة الَّتِي بَين قبُلها وثَعلبتها.
وَقَالَ اللحياني: عجنت الرجل، إِذا أصبتَ عِجانه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عاجنة الْمَكَان: وسطُه. وَأنْشد للأخطل:
بعاجنةِ الرَّحوبِ فَلم يَسِيروا
ثَعْلَب عَن ابْن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: أعجنَ الرجلُ، إِذا ركب العَجْناء، وَهِي السَّمينة. وَقد عجِنَتْ عَجَناً. وأعجَن، إِذا جَاءَ بولدٍ عجينةٍ، وَهُوَ الأحمق. وأعجنَ، إِذا أسنَّ فَلم يَقُم إِلَّا عاجناً، وأعجن إِذا وَرِمَ عِجانُه، وَهُوَ الخَطُّ الَّذِي بَين أُدافه وثعلبتِه. قَالَ: والمعجون: المجبوس من الرِّجَال.
أَبُو الهيْثم عَن نُصير: من الضُّروع الأعجَن. قَالَ: والعَجَن: لحْمَة غَلِيظَة مثل جُمع الرجُل حِيالَ فِرقَني الضَّرَّة، وَهُوَ أقلُّها لَبَنًا وأحسنُها مَرآة.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: تكون العجناء غزيرة وبكيئة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَجْن: مصدر عجنت الْعَجِين. والعَجَن: عيب يُصِيب الناقةَ فِي

(1/242)


حيائها، وَهُوَ شبيهٌ بالعَفَل، يُقَال نَاقَة عَجْناء.
وَقَالَ ابنُ دُرَيْد: العَجِنة والعَجْناء من الْإِبِل: الَّتِي يَرِمُ حياؤها فَلَا تلقح. قَالَ: والمعتَجِنة: الَّتِي قد انْتَهَت سِمَناً.
عنج: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العِناج إِن كَانَ فِي دَلْوٍ ثَقيلَة فَهُوَ حبلٌ أَو بطانٌ يشدُّ تحتهَا ثمَّ يشدُّ إِلَى العَراقي فَيكون عَوناً للوذَم. وَإِذا كَانَت الدلوُ خَفِيفَة شُدَّ خيط تحتهَا إِلَى العَرقُوة، وربّما شُدَّ فِي إِحْدَى آذانها. قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: عنَجت الدَّلوَ عَنجاً.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ مثل قَول الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ اللَّيْث فِي العناج نَحوا مِمَّا قَالَا. قَالَ: وكلُّ شيءٍ تَجذبه إِلَيْك فقد عَنجْتَه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ نُصَير: عَنَجت البَكر أُعنِجه عَنجاً، إِذا ربطتَ خِطامَه فِي ذراعه وقَصَرتَه. وإنّما يُفعل ذَلِك بالبكر الصَّغِير إِذا رِيضَ. وَهُوَ مأخوذٌ من عِناج الدَّلو.
قَالَ: وَمن أمثالهم: (عَودٌ يُعَلَّم العَنْج) ، يضْرب مثلا لمن أَخذ فِي تعلُّم شيءٍ بعد مَا كبِر.
وَقَالَ أَبُو زيد: عنجت الْبَعِير أعنُجه عَنْجاً، إِذا جذبتَ خطامه إِلَيْك وَأَنت راكبُه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الأصمعيّ فِي قَوْلهم: (عَودٌ يعلَّم العَنْجَ) : أَي يرُاضُ فيردّ على رجلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: العَنْج: أَن يجذب راكبُه خِطامَه قِبَلَ رَأسه، حتَّى ربَّما لزِم ذِفراه بقادمة الرَّحْل. وَقَالَ الحطيئة يمدح قوما عقدوا لجارهم عهدا فوفوا بِهِ وَلم يُخفروه:
قومٌ إِذا عَقدوا عَقداً لجارهمُ
شَدُّوا العِناجَ وشدُّوا فَوْقه الكَرَبا
وَهَذِه أمثالٌ ضربهَا لإيفائهم بالعهد.
وَقَالَ النَّضر: عَنَجة الهَوْدجِ: عضادةٌ عِنْد بَابه تسُدُّ الْبَاب.
وَقَالَ اللَّيْث: العَنَج بلغَة هُذَيْل: الرَّجُل. قَالَ: وَيُقَال بالغَين: غَنَج.
قلت: قَالَه ابنُ الأعرابيّ وَغَيره بالغين، وَلم أسمعهُ بِالْعينِ من أحدٍ يُرجع إِلَى علمه، وَلَا أَدْرِي مَا صحتُه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَناجيج: جِيَاد الْخَيل، وَاحِدهَا عُنجوج.
وَقَالَ اللَّيْث: وَيكون العُنْجُوج من النجائب أَيْضا قَالَ: والعُنجُج: الضَّيْمُرَانُ من الرَّياحين.
قلت: لم أسمعهُ لغيره.
وَيُقَال: إنّي لَا أرى لأمرك عِناجاً، أَي مِلاكاً، مَأْخُوذ من عِناج الدَّلو. وَأنْشد اللَّيْث:
وبعضُ القَوْل لَيْسَ لَهُ عِناجٌ
كسَيْل المَاء لَيْسَ لَهُ إتاءُ
عَمْرو عَن أَبِيه: أعنجَ الرجل، إِذا اشْتَكَى عِناجَه. والعِناج: وجع الصُّلب والمفاصل.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجلٌ مِعْنجٌ: يتعرَّض للأمور.
نجع: قَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يَقُول: المنتَجَع: المنزلُ فِي طلب الْكلأ.

(1/243)


والمحضر: المرجعُ إِلَى الْمِيَاه.
قلت: النُّجْعة عِنْد الْعَرَب: الْمَذْهَب فِي طلب الْكلأ. والباديةُ تحضُر مَحاضرَها عِنْد هَيج العُشب وَنقص الخُرَف، وفَناء مَاء السَّمَاء فِي الغُدران، فَلَا يزالون حَاضِرَة يشربون الماءَ العِدَّ حَتَّى يقعَ ربيعٌ بِالْأَرْضِ خَرَفيّاً كانَ أَو شَتياً، فَإِذا وقعَ الربيعُ توزّعَتْهم النُّجَع وتتبَّعوا مسَاقطَ الْغَيْث يرعَون الْكلأ والعُشب إِذا أعشَبت الْبِلَاد، وَيَشْرَبُونَ الكَرَع، فَلَا يزالون فِي النُّجَع إِلَى أَن يهيج العُشب من عامٍ قَابل وتَنشَّ الغُدران، فيرجعون إِلَى مجاضرهم على أعداد الْمِيَاه.
وَقَالَ اللَّيْث: انتجعنا أَرضًا نطلُب الرِّيف. وانتجعنا فلَانا نطلب معروفَه. وَأنْشد قَول ذِي الرمة:
فقلتُ لصَيدحَ انتجِعِي بِلَالًا
وَيُقَال: نجعَ فِي الْإِنْسَان طعامُه ينجع، إِذا استمرأه وصَلَح عَلَيْهِ.
قَالَ: والنَّجيع: دَمُ الجَوف.
وَيُقَال نجعتُ البعيرَ أنجَعهُ، إِذا سقيتَه النَّجوع، وَهُوَ المَدِيدُ، وَذَلِكَ أَن تسقيه الماءَ بالبِزْر أَو السِّمسم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ النَّجوع للمديد، وَقد نجعت الْبَعِير. وَيُقَال هَذَا طعامٌ يُنجَع بِهِ ويُستنجَع بِهِ ويُستَرجَع عَنهُ، وَذَلِكَ إِذا نَفَعَ واستُمرِىء فسُمِن عَنهُ. وَكَذَلِكَ الرِّعْي. وَهُوَ طعامٌ ناجعٌ، ومُنْجع، وغائر. ونُجِع الصبيُّ بِلَبن الشَّاة، إِذا غُذِي بِهِ وسُقِيَه. وَمِنْه الحَدِيث: (عَلَيْك باللَّبَن الَّذِي نُجِعْتَ بِهِ) ، أَي غُذِيتَ بِهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: أنجع الرجلُ، إِذا أفلحَ. ونجع الدَّوَاء وأنجعَ، إِذا عمل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أنجعَ إِذا نفع. يُقَال نَجَع فِيهِ الدواءُ ينجَع ويَنجِع ونَجَّعَ بِمَعْنى وَاحِد. وَيُقَال للمُنتَجَع مَنْجَع، وَجمعه مناجع، وَمِنْه قَول ابْن أَحْمَر:
كَانَت مناجعَها الدَّهنا وجانبُها
والقُفُّ مِمَّا نرَاهُ قِرْفة دَرَرا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مَاء ناجع ونجيع، إِذا كَانَ مريئاً.
جعن: جَعْونةُ من أَسمَاء الْعَرَب. وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشيْباني: رجلٌ جَعوَنة، إِذا كَانَ قَصِيرا سميناً.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَعْن فعلٌ مُماتٌ، وَهُوَ التقبُّض. قَالَ: وَمِنْه اشتقاق جَعونة.
نعج: ثَعْلَب عَن أبي نصر عَن الأصمعيّ قَالَ: النَّعجة والعَجَّان: الأحمق.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا أكل الإنسانُ لحمَ ضأنٍ فثُقل على قلبه فَهُوَ نَعِجٌ. وَأنْشد:
كأنَّ القومَ عُشُّوا لحمَ ضأنٍ
فهمْ نَعِجونَ قد مَالَتْ طُلاهمْ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: أنعج القومُ إنعاجاً، إِذا سَمِنت إبلُهم. وَقد نَعَجت الْإِبِل تنعَج، إِذا سمِنت. قَالَ: وَهِي فِي شعر ذِي الرمّة.
وَقَالَ شمر: نعجت الإبلُ إِذا سمنت، حرفٌ غَرِيب. قَالَ: وفتّشت شعر ذِي الرمة فَلم أجد هَذِه الْكَلِمَة فِيهِ.
قلت: نَعج بِمَعْنى سمِنَ حرفٌ صَحِيح.

(1/244)


ونَظَر إليّ أعرابيٌّ كَانَ عهدُه بِي وَأَنا ساهمُ الْوَجْه، ثمّ رَآنِي وَقد ثابَتْ إليَّ نَفسِي، فَقَالَ لي: (نَعِجْتَ أَبَا فلانٍ بَعْدَمَا رَأَيْتُك كالسَّعَف الْيَابِس) . أَرَادَ صَلَحت وسَمِنت.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة دَاوُد وَقَول أحد المَلكين اللذَين احْتَكَمَا إِلَيْهِ: {الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ} (ص: 23) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: النَّعْجة عِنْد الْعَرَب: الْبَقَرَة الوحشية، وَحكم الْبَقَرَة عِنْدهم حكم الضَّائنة، وَحكم الظبية حكم الماعزة. والنعجة: الْأُنْثَى من الضَّأْن، وَجَمعهَا نِعاج. وَالْعرب تكني بالنعجة وَالشَّاة عَن الْمَرْأَة، ويسمُّون الثور الوحشيّ شَاة.
وَقَالَ أَبُو خيرة: النَّاعجة من الأَرْض السهلة المستوية، مَكْرُمةٌ للنَّبات تنْبت الرِّمْث. والنواعج والناعجات من الْإِبِل: البِيض الْكَرِيمَة. وجملٌ ناعج وناقة ناعجة. وَقد نَعِج اللونُ الْأَبْيَض يَنْعَج نُعوجاً، وَهُوَ الْبيَاض. وَقَالَ العجاج:
فِي ناعجات من بَياضٍ نَعِجا
ومَنعِج: اسْم مَوضِع.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو عمرٍ و: النَّعَج: السِّمَن، يُقَال نَعِجَ هَذَا بعدِي، أَي سَمِن. قَالَ: والنَّعْج: أَن يربوَ وينتفخ. قَالَ: وَقَالَ غَيره: النَّهَج مثله.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الناعجة: الْبَيْضَاء من الْإِبِل، وَيُقَال هِيَ الَّتِي يُصاد عَلَيْهَا نِعاج الْوَحْش.
وَقَالَ ابْن دُريد: النَّعْج: ضرب من سير الْإِبِل. قد نَعجَت الناقةُ نَعْجاً. وَأنْشد:
يَا ربِّ ربَّ القُلُصِ النَّواعجِ
وَقَالَ غَيره: النَّواعج: الْبيض من الْإِبِل.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الْفَاء)
عجف، عفج، جعف، فجع، جفع، مستعملات
عجف: أَبُو زيد: عَجَفْتُ نَفسِي عَن الطَّعَام أعجِفُها، إِذا حبستَ نفسَك عَنهُ وَأَنت تشتهيه لتُؤْثِر بِهِ غَيْرك. وَلَا يكون العَجْف إلاّ على الْجُوع والشَّهوة.
قلت: وَهُوَ التَّعجيفُ أَيْضا، وَهُوَ قَول الراجز:
لم يَغْذُها مُدٌّ وَلَا نَصيفُ
وَلَا تُميراتٌ وَلَا تعجيفُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَجَفَت نَفسِي على الْمَرِيض، إِذا أقمتَ على تمريضه. وعَجَفَت نَفسِي على أذَى الْخَلِيل، إِذا لم تخذُلْه. وَقَالَ الراجز:
إنّي وَإِن عَيَّرتِنِي نُحولي
لأَعْجِفُ النفسَ على خليلي
وعجفَت نَفسِي عَنهُ عَجفاً، إِذا احتملتَ عَنهُ وَلم تؤاخذْه. وَقيل التعجيف: سوء الْغذَاء والهزَال. وسيفٌ معجوف، إِذا كَانَ داثراً لم يُصقَل. وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر:
وكأنّ موضعَ رَحْلها من صُلبها
سَيفٌ تقادمَ عهدُه معجُوفُ
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَجَف: غلظ الْعِظَام وعَرَاؤها من اللَّحْم.
وَتقول الْعَرَب: أشدُّ الرِّجَال الأعجَف

(1/245)


الضَّخم: وَقَالَ اللَّيْث: العَجَف: ذَهاب السِّمَن. والذّكر أعجف والأنْثى عجفاء، والجميع عِجافٌ فِي الذُّكران وَالْإِنَاث، وَالْفِعْل عَجُف يَعجُف عَجَفاً. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب أفعل وفعلاء جمعهَا على فِعال غير أعجف وعَجْفاء، وَهِي شاذّة، حَمَلوها عى لفظ سِمان فَقَالُوا سِمان وعِجاف وَجَاء أفعل وفعلاء على فَعُلَ يفعُل فِي أحرف مَعْدُودَة، مِنْهَا عجُف يعجُف فَهُوَ أعجف، وأدُم يأدُم فَهُوَ آدَم، وسمُر يَسمُر فَهُوَ أسمر، وحَمُق يحمُق فَهُوَ أَحمَق، وخَرُق يخرُق فَهُوَ أخرق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: يُقَال عَجُف وعَجِف، وحَمُق وحَمِق، ورعُن ورعِنَ، وخَرُق وخرِق. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله:
وَلَا تُميراتٌ ولاتعجِيفُ
قَالَ: التَّعجِيف: أَن ينْقل قُوتَها إِلَى غَيرهَا قبل أَن تشبع من الجدوبة. قَالَ: والعُجوف: مَنع النَّفْس من المقابح. والعُجوف أَيْضا: تَرْك الطَّعَام.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} (يُوسُف: 43) هِيَ الهَزْلى الَّتِي لَا لحم عَلَيْهَا وَلَا شَحم، ضُربت مثلا بِسبع سِنِين لَا قَطْرَ فِيهَا وَلَا خِصب.
عفج: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الأعفاج للْإنْسَان وَاحِدهَا عَفْج. والمصارين لذوات الخفّ والظِّلف وَالطير. وَقَالَ شمر: يُقَال لوَاحِد الأعفاج عَفْجٌ وعَفَج وعِفْج. وَقَالَ اللَّيْث: العَفْج من أمعاء الْبَطن لكلِّ مَا يجترّ كالمِمْرَغة للشاء. وَقَالَ الشَّاعِر:
مَباشيم عَن غِبّ الخزيرِ كأنّما
تُنقنِق فِي أعفاجهنَّ الضفادعُ
وَقَالَ أَبُو زيد: عَفَجه بالعصا عفجاً، إِذا ضربَه بهَا فِي ظَهره وَرَأسه. قَالَ: وعفجَ الرجلُ جاريتَه، إِذا نكَحها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِعفجة: الْعَصَا. وَقَالَ: والمِعفَج الأحمق الَّذِي لَا يضْبط الْعَمَل وَالْكَلَام، وَقد يعالج شَيْئا يعيشُ بِهِ على ذَلِك. يُقَال إِنَّهُم ليَعفِجون ويَعثِمون فِي النَّاس. والعَثْم: أَن يَعثِم بعضَ الْأَمر ويَعجِز عَن بعض.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَفَجة: نِهاءٌ إِلَى جَنْب الْحِيَاض، فَإِذا قَلَص ماءُ الْحِيَاض اغترفوا من مَاء العَفَجة يسربون مِنْهَا.
جعف: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَثل الْكَافِر كمثَل الأَرزة المُجْذِيَة حتَّى يكون انجعافُها مرّة وَاحِدَة) . قَالَ أَبُو عَمْرو: الانجعاف: الانقلاع. وَمِنْه قيل جعفتُ الرجلَ، إِذا صَرعتَه فضربتَ بِهِ الأَرْض. وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال ضربه فجعبَه وجَعَفَه وجأفه، وجَعفله وجفَله، إِذا صَرَعَه.
وَقَالَ اللَّيْث: جُعف: حيّ من الْيمن. والجَعْف: شِدّةُ الصرع.
فجع: الفجيعة: الرزيئة الموجعة، وَجَمعهَا فجائع. والتفجُّع: التوجّع والتضوُّر للمرزِئة. والفواجع: المصائب المؤلمة الَّتِي تفجع الْإِنْسَان بِمَا يعزُّ عَلَيْهِ من مالٍ أَو حميم، والواحدة فاجعة ودَهر فاجعٌ وَمَوْت فاجع. وَقد فجِع فلانٌ فَهُوَ

(1/246)


مفجوع. وفجعني الموتُ بفلانٍ، إِذا أصيبَ لَهُ حميم. وَقَالَ لبيد:
فجَّعني الرَّعْد والصواعقُ بالفا
رس يومَ الكريهةِ النَّجُدِ
جفع: قَالَ بَعضهم: جَعفَه وجَفَعه، إِذا صَرَعَه. وَهَذَا مقلوب، كَمَا قَالُوا: جذب وجَبَذ. وروى بعضهُم بَيت جرير:
وضيفُ بني عِقالٍ يُجْفَعُ
الْجِيم، أَي يُصرع من الْجُوع. وَرَوَاهُ بَعضهم: (يُخفَع) بِالْخَاءِ.
وَقد أهمل اللَّيْث جفع، وَلم يصحَّ لي فِيهِ شَيْء.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الْبَاء)
عجب، عبج، جبع، جعب، بعج: مستعملات.
عجب: قَالَ الله جلّ وعزّ: {طِينٍ لاَّزِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ} (الصَّافات: 12) قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: (بل عجبتُ ويسخرون) بِضَم التَّاء، وَهَكَذَا قَرَأَ عليّ وَابْن عَبَّاس. وَقَرَأَ ابْن كَثِير، وَنَافِع، وَابْن عَامر، وَعَاصِم، وَأَبُو عَمْرو: {طِينٍ لاَّزِبٍ} (الصَّافات: 12) بِنصب التَّاء. وَقَالَ الْفراء: وَالْعجب وَإِن أسْند إِلَى الله تَعَالَى فَلَيْسَ مَعْنَاهُ من الله كمعناه من الْعباد؛ أَلا ترى أَنه قيل {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (التّوبَة: 79) وَلَيْسَ السُّخْريُّ من الله كمعناه من الْعباد.
وَقَالَ الزّجاج: أصل الْعجب فِي اللُّغة أَن الْإِنْسَان إِذا رأى مَا ينكرُه ويَقِلُّ مثله قَالَ: قد عجبتُ من كَذَا. وعَلى هَذَا معنى قِرَاءَة من قَرَأَ (بل عجبتُ) ، لأنّ الْآدَمِيّ إِذا فَعَل مَا يُنكره الله جَازَ أَن يَقُول فِيهِ عجبتُ. وَالله قد عَلِم مَا أنكرهُ قبل كَونه، وَلَكِن الْإِنْكَار والعَجَب الَّذِي تلْزم بِهِ الحجّةُ عِنْد وُقُوع الشَّيْء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَجَب: النَّظر إِلَى شَيْء غير مألوف وَلَا مُعْتَاد. وَقَالَ: العِجْب: الَّذِي يحبُّ محادثة النِّسَاء وَلَا يَأْتِي الرِّيبة. والعُجْب: فَضلةٌ من الْحُمْق صَرَفَها إِلَى العُجْب.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَجْب والعِجْب والعُجْب: الرجل الَّذِي يُعجِبه القُعود مَعَ النِّساء. قَالَ: والعَجْب: عَجْب الذَّنب، وَهُوَ العُصعُص.
وَقَالَ اللَّيْث: عَجِبَ يَعجَب عَجَباً، وأمرٌ عَجِيب وعُجاب. قَالَ: والاستعجاب: شدّة التعجُّب. وقصّةٌ عَجَب. وَيُقَال أعجبني هَذَا الشَّيْء وأُعجِبتُ بِهِ، وَهُوَ شيءٌ معجِبٌ، إِذا كَانَ حسنا جدّاً. والمُعجَب: الْإِنْسَان المُعجَب بِنَفسِهِ أَو بالشَّيْء تَقول: عجَّبت فلَانا بِشَيْء تعجيباً فعجِب مِنْهُ.
قَالَ: وعُجوب الكُثبان: أواخرها المستدِقّة. وَقَالَ لبيد:
بعُجوب أنقاء يَمل هَيَامُها
وناقة عَجْباء بيِّنة العَجَب، إِذا دقَّ أَعلَى مؤخَّرها وأشرفت جاعرتاها، وَهِي خِلقة قبيحة فِيمَن كَانَت. قَالَ: والعَجْب من كل دابَّة: مَا ضُمَّت عَلَيْهِ الوركانِ من أصل الذَّنب المغروز فِي مُؤخر العَجُز. وَيُقَال لشَدَّ مَا عجُبت النَّاقة، إِذا دقَّ أَعلَى

(1/247)


مؤخّرها وأشرفت جاعرتُها.
وَقَالَ الله تَعَالَى: (إنْ هَذَا لشَيْء عُجاب) خَفِيف، وَقَرَأَ أَبُو عبد الرحمان السُّلَميُّ: {وَاحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَىْءٌ} (ص: 5) بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ الْفراء: هُوَ مثل قَوْلهم رجل كريم وكُرَامٌ وكُرَّام، وكبير وكُبَار وكُبَّار.
وَفِي (النَّوَادِر) : تعجَّبني فلانٌ وتفتَّنني، أَي تَصَبّاني.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: التعجُّب: أَن تَرَى الشَّيْء يُعجِبُك تظنُّ أنّك لم تَرَ مثلَه. قَالَ: وَقَوْلهمْ لله زيد كأنَّه أَي جَاءَ بِهِ الله من أَمر عَجِيب، وَكَذَلِكَ قَوْلهم: لله درُّه، أَي جَاءَ بدرِّه من أَمر عَجِيب لكثرته.
عبج: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: سَمِعت شجَاعاً السُّلَميَّ يَقُول: العَبَكة: الرجُل البغيض الطَّغَامة الَّذِي لَا يَعِي مَا يَقُول وَلَا خير فِيهِ. قَالَ: وَقَالَ مُدركٌ الْجَعْفَرِي: هُوَ العَبَجة، جَاءَ بهما فِي بَاب الْكَاف وَالْجِيم.
جعب: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الجعابيب: الْقصار من الرِّجَال. وَقَالَ اللَّيْث: الجُعْبوب: الدنيّ من الرِّجَال.
ثعلبٌ عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الجَعْبيّ: ضربٌ من النَّمْل. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ نملٌ أَحْمَر. وَجمعه جَعْبِيَّات.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجِعِبَّى والجَعْبَاء والجَعْواء، والناطقةُ الخرساء: الدُّبُر وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ اللَّيْث: الجَعْباء: الدُّبر. قَالَ: والجَعْبة: كنَانَة النُّشَّاب.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الجَعْبة: المستديرة الواسعة الَّتِي على فمها طبقٌ من فَوْقهَا. قَالَ: والوفْضَة أَصْغَر مِنْهَا وأعلاها وأسفلها مستوي. قَالَ: وأمَّا الجعبة فَفِي أَعْلَاهَا اتساع وَفِي أَسْفَلهَا تبنيق ويفرَّج أَعْلَاهَا لئلاّ ينتكث ريش السِّهَام، لِأَنَّهَا تُكَبُّ فِي الجعبة كَبّاً، فظُباتُها فِي أَسْفَلهَا، ويُفَلطَح أَعْلَاهَا من قِبَل الريش، وَكِلَاهُمَا من شقيقتين من خَشَب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِيمَا يروي عَنهُ أَبُو تُرَاب: ضربَه فجعَبه وجعفَه، إِذا ضربَ بِهِ الأَرْض. ويثقَّل فَيُقَال جعَّبه تجعيباً، أَي صرعَه. قَالَ: والمتجعِّب: الميّت أَيْضا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِجْعَب: الصِّرِّيع من الرِّجَال يَصرَع وَلَا يُصرَع.
وَفِي (النَّوَادِر) : جَيشٌ يتَجَعْبَى ويتجَرْبَى، ويتقبقب، ويتهبهب، ويتدربَى: يركب بعضُه بَعْضًا.
جبع: أهمله اللَّيْث. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم قولَ ابْن مُقْبِل:
وطَفلةٍ غيرِ جُبّاعٍ وَلَا نَصَفٍ
وَقَالَ: أَرَادَ غير قَصِيرَة.
وَقَالَ غَيره: الجُبّاع: سهمٌ قصير يَرمِي بِهِ الصِّبيان. وَيُقَال للْمَرْأَة القصيرة جُبّاعٌ تَشْبِيها بِالسَّهْمِ الْقصير.
بعج: قَالَ ابْن المظفر وَغَيره: يُقَال تبعَّج السحابُ بالمطر وانبعج، وتبعَّق وانبعق، إِذا انفرَج عَن الوَبْل الشَّديد. وَقَالَ العجّاج:
حَيْثُ استهلَّ المُزْنُ أَو تبعَّجا

(1/248)


وَيُقَال بعَّج الْمَطَر تبعيجاً فِي الأَرْض، إِذا اشتدَّ وقعُه حتَّى فَحَص الْحِجَارَة.
قَالَ: ورجلٌ بَعِجٌ كَأَنَّهُ مبعوجٌ الْبَطن من ضعف مَشيِه.
قَالَ: وَيَقُولُونَ بَعَجه حبُّ فلانٌ، إِذا اشتدَّ وجدُه وحَزِن لَهُ.
قلت: لَعَجَه حبُّه أصوبُ من بعجه، لأنّ البعج الشقُّ. يُقَال بعجَ بَطْنه بالسكّين، إِذا شقَّه وخضخضَه فِيهِ. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
كأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعيجُ
شبّه ظُباتِ النصال بِنَار جمرٍ سُخِيَ فظهرت حُمرتُه.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا رَأَيْت مكّة قد بُعِجَتْ كظائمَ، وساوَى بناؤها رؤوسَ الْجبَال، فاعلمْ أنّ الْأَمر قد أظَلَّك) . بُعِجَتْ أَي شُقَّتْ وَفتح كظائمُها بعضُها فِي بعض واستُخرِج عيونها.
والبواعج: أَمَاكِن فِي الرمل تَسترِقّ، فإِذا نبتَ فِيهَا النصيُّ كَانَ أرقَّ لَهُ وَأطيب. وَقَالَ الشَّاعِر يصف فرسا:
فَإِذا لَهُ بالصَّيف ظِلٌّ باردٌ
ونصِي باعجَةٍ ومَحضٌ مُنْقَعُ
قَوْله (مُنْقَع) ، أَي أُديمَ لَهُ اللبنُ الْمَحْض يسقاه. من نقع الشيءُ إِذا دَامَ.
وباعجَة: اسْم مَوضِع.

(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الْمِيم)
عمج، عجم، جمع، جعم، مجع، معج: مستعملات
عجم: قَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْءَايَاتُهُءَاعْجَمِىٌّ} (فُصّلَت: 44) . قَالَ الْفراء: قرىء (أاعجَميٌّ وعربيٌّ) بالاستفهام، وَجَاء فِي التَّفْسِير: أيكونُ هَذَا الرَّسُول عربيّاً والكتابُ أعجَميٌّ. قلت: وَمَعْنَاهُ أَن الله قَالَ: وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجمياً لقالوا هلاّ فصّلت آيَاته عربيَّةَ مفصَّلَةَ الْآي. كأنّ التَّفصيل للسان الْعَرَب، ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: أعْجميٌّ وعربيّ؟ حِكَايَة عَنْهُم، كَأَنَّهُمْ يعْجبُونَ فَيَقُولُونَ كتاب أعجميٌّ ونبيٌّ عَرَبِيّ، كَيفَ يكون هَذَا؟ فَكَانَ أشدَّ لتكذيبهم.
وَقَالَ الْفراء: وَقِرَاءَة الْحسن بِغَيْر اسْتِفْهَام، كأنّه جعله من قبل الْكَفَرَة. والأعجم والأعجمي: الَّذِي لَا يُفصِح وَإِن كانَ عربيَّ النَّسب. والعَجَميّ: الَّذِي نسبته إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ يفصح. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: يُقرأ (أأعجميٌّ) بهمزتين، وَيقْرَأ (أعْجميٌّ) بِهَمْزَة وَاحِدَة بعْدهَا همزَة خَفِيفَة تشبه الْألف، وَلَا يجوز أَن تكون ألفا خَالِصَة لِأَن بعْدهَا عينا وَهِي سَاكِنة. وَيقْرَأ: (أَعَجميٌّ) بِهَمْزَة وَاحِدَة وَالْعين مَفْتُوحَة.
قَالَ: وَقَرَأَ الْحسن: (أَعْجَميٌّ وعربيٌّ) بِهَمْزَة وَاحِدَة وَسُكُون الْعين. قَالَ: وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن الْمَعْنى لَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجمياً لقالوا هلاّ بُيِّنت آيَاته أقرآن أعجميٌّ ونبيٌّ عربيّ. وَمن قَرَأَ (أأعْجميٌّ) بِهَمْزَة وَألف فَإِنَّهُ مَنْسُوب إِلَى اللِّسان الأعجميّ. تَقول: هَذَا رجلٌ أعجميٌّ، إِذا كَانَ لَا يُفصح، كَانَ من الْعَجم أَو من الْعَرَب. ورجُلٌ عَجَميٌّ، إِذا كَانَ من الْأَعَاجِم، فصيحاً كَانَ أَو غير فصيج. قَالَ: والأجود

(1/249)


فِي الْقِرَاءَة: (أأعجميّ) بِهَمْزَة وَألف على جِهَة النِّسْبَة إِلَى الْأَعْجَم. أَلا ترى قَوْله: {أَلِيمٍ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَاناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْءَايَاتُهُءَاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ} (فُصّلَت: 44) وَلم يقرأهُ أحد عَجمياً. وَأما قِرَاءَة الْحسن (أعجمي وعربي) فعلى معنى هلاَّ بيِّنت آيَاته فَجعل بعضُه بَيَانا للعجم، وَبَعضه بَيَانا للْعَرَب. قَالَ: وكلُّ هَذِه الْأَوْجه الْأَرْبَعَة سَائِغَة فِي العربيّةِ وَالتَّفْسِير.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن حُرُوف المعجم: لم سمِّيتْ مُعجماً؟ فَقَالَ: أمّا أَبُو عَمْرو الشيبانيّ فَيَقُول: أَعْجَمت أبْهَمت. قَالَ: والعَجَميّ مُبهَم الْكَلَام لَا يتبيَّن كَلَامه. قَالَ: وَأما الْفراء فَيَقُول: هُوَ من أعجمت الْحُرُوف. قَالَ: وَيُقَال قُفل مُعجَم، وأمرٌ معجَمٌ، إِذا اعتاص. قَالَ: وسمِعتُ أَبَا الهيْثم يَقُول: مُعجَم الخطّ هُوَ الَّذِي أعجمَه كَاتبه بالنُّقط. تَقول: أعجمتُ الكتابَ أُعجِمُه إعجاماً. وَلَا يُقَال عجَمتُه، إنَّما يُقَال عَجَمتُ الْعود، إِذا عَضِضتَه لتعرف صلابتَه من رَخاوته. قَالَ: والعَجْم: عضٌّ شَدِيد بالأضراس دونَ الثنايا. قَالَ: وَكَانُوا يعجمُون القِدحَ بَين الضِّرسين إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالفَوز ليؤثروا فِيهِ أثرا يعرفونه بِهِ.
وَفِي الحَدِيث: (العَجْماءُ جُرْحُها جُبَار) ، قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ بالعجْماء البهيمةَ، سمِّيت عجماءَ لأنَّها لَا تتكلَّم. قَالَ: وكلُّ من لَا يقدر على الْكَلَام فَهُوَ أعجمُ ومُستعجِم. قَالَ: وَيُقَال قَرَأَ فلانٌ فاستَعجم عَلَيْهِ مَا يَقْرَؤُهُ، إِذا الْتبس عَلَيْهِ فَلم يتهيَّأ لَهُ أَن يمضيَ فِيهِ. وَقَالَ الْحسن: (صَلَاة النَّهار عَجْماء) مَعْنَاهُ أَنه لَا يُسمَعُ فِيهَا قِرَاءَة. قَالَ: وَمعنى قَوْله: (العَجْماء جُرحُها جُبارٌ) الْبَهِيمَة تَنْفَلِت فتصيب إنْسَانا فِي انفلاتها، فَذَلِك هَدَرٌ، وَهُوَ معنى الجُبَار. وَقَالَ غَيره: العَجَم جمع العجَميّ، وَكَذَلِكَ الْعَرَب جمع العربيّ. وَنَحْو هَذَا من جمعهم اليهوديَّ والمجوسي اليهودَ والمجوسَ. والعُجْم جمع الْأَعْجَم الَّذِي لَا يُفصِح، وَيجوز أَن يكون جمعَ العَجَم، فَكَأَنَّهُ جمع الجَمْع. وَكَذَلِكَ العُرْب جمع الْعَرَب، يُقَال هَؤُلَاءِ الْعَرَب والعَجَم، وَهَؤُلَاء العُرب والعُجم. قَالَ ذُو الرمّة:
وَلَا يرى مثلَها عُجْمٌ وَلَا عَرَبُ
فَأَرَادَ بالعُجْم جمع العَجَم، لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ العَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: المُعْجَم: الْحُرُوف المقطَّعة، سمِّيت معجَماً لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّة. قَالَ: وَإِذا قلت كتابٌ معجَّم فإنّ تعجيمَه تنقيطه لكَي تستبين عُجمتُه وتَضِحَ.
قلت: وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو الْهَيْثَم أبْيَن وأوضَح.
وَقَالَ ابْن السّكيت وَغَيره: العَجَم: نَوى التَّمْر والنَّبِق، الْوَاحِدَة عَجَمة. والعَجَم. صِغار الْإِبِل، وَيجمع عُجوماً. والعَجْم: العَضّ. وَقَالَ فِي قَول عَلْقَمَة:
سُلاّءةٌ كعصا النَّهديِّ غُلَّ لَهَا
ذُو فَيئةٍ من نَوى قُرَّانَ معجومُ
قَالَ ابْن السّكيت: معنى قَوْله (غُلّ) ، أَي أُدخِل لَهَا إدخالاً فِي بَاطِن الْحَافِر فِي مَوضِع النُّسور. وشبَّه النسور بنوى قُرّانَ

(1/250)


لأنَّها صِلاب. قَالَ: وَقَوله (ذُو فيئة) يَقُول: لَهُ مَرجوع. وَلَا يكون ذَلِك إلاّ من صلابته؛ وَهُوَ أَن يُطعم الْبَعِير النَّوى، ثمَّ يفتّ بعره فَيخرج مِنْهُ النَّوَى يُعلَفه مرّة أُخْرَى، وَلَا يكون ذَلِك إلاّ من صلابته. قَالَ: وَقَوله (معجوم) يُرِيد أَنه نوى الفمِ، وَهُوَ أَجود مَا يكون من النَّوَى؛ لِأَنَّهُ أَصْلَب من نوى النَّبِيذ الْمَطْبُوخ.
قَالَ: وخطب الْحجَّاج يَوْمًا فَقَالَ: (إنّ أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كنانتَه فعَجَم عيدانها عُوداً عُوداً، فوجدني أمرَّها عوداً) ، يُرِيد أَنه قد رازَها بأضراسه ليمتحنَ صلابتها. وَقَالَ النَّابِغَة:
فضلَّ يَعجُم أَعلَى الرَّوقِ منقبضاً
أَي يعضّ أعْلى قَرنه وَهُوَ يقاتله.
وَيُقَال فلانٌ صُلب المَعْجمة، وَهُوَ الَّذِي إِذا جرّستْه الأمورُ وُجِد صلباً.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: نَاقَة ذَات مَعْجَمة، أَي ذَات صلابة وشِدّة. وَأنْشد بَيت المرّار:
جمالٌ ذَات معجمةٍ ونوقٌ
عَواقدُ أمسَكتْ لَقحاً وحُولُ
وَقَالَ غَيره: ذَات مُعْجمَة، أَي ذَات سِمَن. وَأنْكرهُ شمر.
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُول الرجل للرجل: طَال عهدي بك، مَا عجمَتْك عَيْني مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، أَي مَا أخذَتْك. وَقَالَ اللحياني: رَأَيْت فلَانا فجعلَتْ عَيْني تَعجمُه، أَي كأنّها لَا تعرفه وَلَا تمْضِي فِي مَعْرفَته كأنّها لَا تُثبته. وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّنْجيّ: رَآنِي أعرابيٌّ فَقَالَ لي: تعجُمك عَيْني، أَي يتخيَّل إليّ أنِّي رَأَيْتُك. قَالَ: وَنظرت فِي الْكتاب فعجَمتُ، أَي لم أقفْ على حُرُوفه. وَأنْشد:
على أنّ الْبَصِير بهَا إِذا مَا
أعَار الطرفَ يَعجُم أَو يَفِيلُ
واستعجَمتْ على المصلِّي قراءَتُه، إِذا لم تَحضُره.
وَالْإِبِل تسمَّى عواجمَ وعاجماتٍ لِأَنَّهَا تعجُم الْعِظَام. وَمِنْه قَوْله:
وكنتُ كعظم العاجمات اكتَنفْنَهُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فحلٌ أعجم: يهدر فِي شِقشقةٍ لَا ثُقْب لَهَا، فَهِيَ فِي شدقه لَا يَخْرجُ الصَّوتُ مِنْهَا. وهم يستحبّون إرسالَ الْأَخْرَس فِي الشَّول؛ لِأَنَّهُ لَا يكَاد يكون إلاّ مئناثاً.
قَالَ: والعَجَمات: صخور تنْبت فِي الأودية. وَقَالَ أَبُو دُوَاد:
عذبٌ كَمَاء المُزْنِ أَن
زلَه من العَجماتِ باردْ
يصف ريقَ جاريةٍ بالعُذوبة.
ورُوي عَن أمّ سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: (نَهَانَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَعجُم النَّوى طَبْخاً) ، وَهُوَ أَن يُبالغَ فِي طبخه وإنضاجه حتّى يتفتّت النَّوَى وَيفْسد. قَالَ القتيبيّ: مَعْنَاهُ أَنه أَن يُبَالغ فِي طبخه وإنضاجه. قَالَ: وَرَأى أَن تُؤْخَذ حلاوته عفوا، يَعْنِي حلاوة التَّمْر وَلَا يبلغ فِي ذَلِك النَّوَى، إمّا لِأَنَّهُ قوتٌ للدواجن فَيذْهب قوّته إِذا أنضج، أَو لأنّه يُفْسِد طعم السُّلاَفة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا روى عَنهُ أَب

(1/251)


وَالْعَبَّاس: العَجْميّ من الرِّجَال: المميِّز الْعَاقِل. قَالَ: والعَجوم: النَّاقة القويّة على السَّفر.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة عَجَمجمةٌ: شَدِيدَة. وَأنْشد:
باتت تُباري ورِشاتٍ كالقطا
عجمجماتٍ خُشفاً تَحت السُّرَى
الورِشات: الخِفاف. والخُشُف: الْمَاضِيَة فِي سَيرهَا بِاللَّيْلِ.
(1 وَمن بَاب عجم:
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال إِنَّه لتعجُمك عَيْني، أَي كأنّي أعرفُك. وَيُقَال: لقد عجموني ولفَظوني، إِذا عرفوك.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أنشدنا ابنُ الأعرابيّ لجُبيهاء:
فَلَو أنَّها طافت بظِنْبٍ معجَّمٍ
نفَى الرقَّ عَنهُ جَدبُه فَهُوَ كالحُ
قَالَ: المعجّم: الَّذِي قد أُكلَ حتّى لم يَبقَ مِنْهُ إلاّ قَلِيل. والظِّنْب: أصل العرفج إِذا انسلخَ من ورقه 1) .
عمج: أَبُو عبيد: يُقَال عَمَج فِي سيره ومَعَج، إِذا سَار فِي كلِّ وَجه، وَذَلِكَ من النشاط. والتعمُّج: التَّلوّي فِي السّير. وَيُقَال: تعمّج السيلُ فِي الْوَادي، إِذا تعوَّجَ يَمنةً ويَسرةً.
وَقَالَ العجاج:
ميّاحة تَمِيحُ مَشْياً رَهْوَجا
تَدَافُعَ السَّيلِ إِذا تعمَّجا
وَيُقَال: عَمَج فِي المَاء، إِذا سبَح. والعَموج: السابح فِي شعر أبي ذُؤَيْب.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَومَج: الحيَّة. والتعمُّج: التَّلوِّي.
معج: يُقَال معج الرجلُ جاريتَه يَمعجُها، إِذا نكَحها، ومَعجَ المُلْمولَ فِي المُكحُلة، إِذا حرَّكه فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: حِمارٌ مَعَّاج: يشتقُّ فِي عَدْوه يَمِينا وشِمالاً. وَقد مَعَج يَمعَج، إِذا جَرَى فِي كلّ وَجه. وَقَالَ العجّاج يصف العَيْر:
غمر الأجاريِّ مِسَحّاً مِمعَجا
وَالرِّيح تمعع فِي النَّبَات: تَقلبُه وتَفْليه. وَقَالَ ذُو الرمة:
أَو نفحةٍ من أعالي حَنوةٍ مَعجَتْ
فِيهَا الصَّبا مَوهناً والرَّوضُ مرهومُ
قَالَ: والفصيل يَمعَج ضرعَ أمِّه، إِذا لهزَه وقلَّبَ فَاه فِي نواحيه ليستمكن. وَقَالَ عُقبة بن غَزْوان: فعل ذَلِك فِي مَعجة شبابه وغَلوة شبابه وعُنفُوانه. وَقَالَ غَيره: فِي موجة شبابه بِمَعْنَاهُ.
مجع: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المِجْعة من النِّسَاء هِيَ الَّتِي تَكلَّمُ بالفُحش، وَالِاسْم مِنْهُ المَجَاعة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سمعتُ جمَاعَة من قيس يَقُولُونَ: تماجَنَ الرجُلان وتماجعا، إِذا ترافثا.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرجل إِذا أكل التمرَ

(1/252)


بِاللَّبنِ: قد تمجَّعه، وَهُوَ لَا يزَال يتمجَّع، وَهُوَ أَن يَحسُوَ حُسوةً من اللَّبن ويَلقَم عَلَيْهَا تَمرةً. وَذَلِكَ المجيع عِنْد الْعَرَب. وربَّما أُلقِيَ التمرُ فِي اللَّبَن حتّى يتشرَّبَه، فيؤكل التَّمر وتَبقى المُجَاعة، وَهِي فُضالة المَجِيع. ورجلٌ مَجَّاعة ومُجَّاعة، إِذا كَانَ يحبُّ المجيع. وَأنْشد اللَّيْث:
جارتي للخبيصِ والهرُّ للفأ
رِ وشاتي إِذا اشتهينا مجيعا
كَأَنَّهُ قَالَ: وشاتي للمجيع إِذا اشتهيناه.
جعم: قَالَ اللَّيْث: الجَعماء من النِّسَاء: الَّتِي أُنكرَ عقلُها هَرَماً. قَالَ: وَلَا يُقَال للرجُل أجْعَم. قَالَ: وَيُقَال للناقة المسنَّة جعماء، قَالَ: وجَعِم الرجُل جَعَماً، إِذا قرِم إِلَى اللَّحم وَهُوَ فِي ذَلِك أكول. ورجلٌ جَعِمٍ وامرأةٌ جَعِمة، وَبِهِمَا جَعَمٌ، أَي غِلظُ كلامٍ فِي سَعةِ خَلق. وَقَالَ العجاج:
إِذْ جَعِمَ الذُّهلانِ أيَّ مَجْعَمِ
أَي جَعِموا كَمَا يُقرَم إِلَى اللَّحم.
وَقَالَ غَيره: الجَعْماء من النِّسَاء: الهَوْجاء البَلْهاء. وجَعِم الرجلُ لكذا، إِذا خفَّ لَهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الجِعْميُّ: الْحَرِيص. والجَعوم: الْمَرْأَة الجائعة. والجَعوم: الطَّموعُ فِي غير مطمع.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جَعِم الرجلُ يَجعَم، إِذا طمِع جَعمَا. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الجَعماء: المسنة من النُّوق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ الجمعاء والجعماء مَعًا.
ابْن السّكيت: جَعِمت الإبلُ تجعَم جَعَماً، وَهُوَ طَرَفٌ من القَرَم، إِذا لم تَجِد حَمْضاً وَلَا عِضاهاً فتَقرَم إِلَيْهَا فتقضَم العِظامَ وخَروءَ الْكلاب.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للدُّبر الجَعْماء والوَجْعاء، والجَهْوة، والصِّمارَى.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الجَعَم: الجُوع. يُقَال يَا ابْن الجعماء. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الجيعم الجائع.
جمع: قَالَ الله عزّ وجلّ: {فَأَجْمِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ} (يُونس: 71) قَالَ الفرّاء: الْإِجْمَاع: الإعداد والعزيمة على الْأَمر. قَالَ: وَنصب {شُرَكَآءَكُمْ} (الأعرَاف: 195) بِفعل مُضْمر كَأَنَّك قلت: فَأَجْمعُوا أَمركُم وَادعوا شركاءكم. قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة عبد الله. وَأنْشد فِي الْإِجْمَاع:
يَا لَيْت شعري والمُنى لَا تنفعُ
هَل أغدُوَنْ يَوْمًا وأمري مُجمَعُ
قَالَ الْفراء: فَإِذا أردْت جمع المتفرِّق قلت: جمعت القومَ فهم مجموعون، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {ذالِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ} (هُود: 103) . قَالَ: وَإِذا أردْت كسبَ المَال قلت جمَّعت المَال، كَقَوْل الله تَعَالَى: {الَّذِي جَمَّعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ. وَقد يجوز {الَّذِى جَمَعَ} (الهُمَزة: 2) بِالتَّخْفِيفِ.
وَقَالَ الزّجاج: الَّذِي قَالَه الْفراء غلطٌ فِي إضماره وَادعوا شركاءكم؛ لأنَّ الْكَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ، لأَنهم كَانُوا يَدْعون شركاءهم لِأَن يُجمعوا أَمرهم. قَالَ: وَالْمعْنَى فَأَجْمعُوا أَمركُم مَعَ شركائكم. وَإِذا كَانَ الدُّعاء لغير شيءٍ فَلَا فَائِدَة فِيهِ. قَالَ: وَالْوَاو بِمَعْنى مَعَ كَقَوْلِك: لَو تُركت الناقةُ

(1/253)


وفصيلَها لرضيعها. الْمَعْنى لَو تُركت مَعَ فصيلها. قَالَ: وَمن قَرَأَ: (فاجمعوا أَمركُم وشركاءهم) بِأَلف مَوْصُولَة فَإِنَّهُ يعْطف (شركاءكم) مَعَ (أمركمْ) . قَالَ: وَيجوز فاجمعوا أَمركُم على شركائكم. وَقَالَ الأصمعيّ: جمعتُ الشَّيْء، إِذا جئتَ بِهِ من هَاهُنَا وَهَاهُنَا. قَالَ: وأجمعتُه، إِذا صيَّرتَه جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وأولاتِ ذِي العَرْجاء نَهبٌ مُجمَعُ
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً} (طاه: 64) قَالَ: الْإِجْمَاع: الإحكام والعزيمة على الشَّيْء، تَقول: أجمعتُ الخروجَ وأجمعتُ على الْخُرُوج. قَالَ: وَمن قَرَأَ: {فاجمعوا كيدكم فَمَعْنَاه لَا تدَعوا من كيدكم شَيْئا إِلَّا جئْتُمْ بِهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: أجمع أمرَه، أَي جعله جَمِيعًا بَعْدَمَا كَانَ متفرِّقاً. قَالَ: وتفرُّقه أَنه جعل يدبِّره فَيَقُول مرّةً أفعل كَذَا وَمرَّة أفعل كَذَا، فَلَمَّا عزمَ على أمرٍ مُحكم أجمعَه، أَي جعله جَمِيعًا. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَال أجمعتُ النَّهب. والنَّهب: إبلُ القومِ الَّتِي أغار عَلَيْهَا اللُّصوص فَكَانَت متفرِّقةً فِي مراعيها فجمعوها من كلّ ناحيةٍ حتّى اجتمعتْ لَهُم ثمَّ طردوها وساقوها، فَإِذا اجْتمعت قيل أجمعوها. وَأنْشد:
نهبٌ مُجمَعُ
وَقَالَ بَعضهم: جمعت أَمْرِي. وَالْجمع: أَن تجمع شَيْئا إِلَى شَيْء. وَالْإِجْمَاع: أَن تجْعَل المتفرّقَ جَمِيعًا، فَإِذا جعلته جَمِيعًا بَقِي جَمِيعًا وَلم يكد يتفرَّق، كالرأي المعزوم عَلَيْهِ المُمضَى.
وَقَالَ غَيره فِي قَول أبي وَجْزة السعديّ:
وأجمعتِ الهواجرُ كلَّ رَجعٍ
من الأجماد والدَّمِث البَثاءِ
أَجمعت: أيبسَتْ. والرَّجع: الغدير. والبَثاء: السهل.
وَقَالَ بَعضهم: أجمعْتُ الْإِبِل: سقتُها جَمِيعًا. وأجمعَتِ الأرضُ سَائِلَة وَأجْمع الْمَطَر الأَرْض، إِذا سَالَ رَغابُها وجَهادُها كلُّها.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ مِن يَوْمِ} (الجُمُعَة: 9) قَالَ الْفراء: خفّفها الْأَعْمَش وثقَّلها عاصمٌ وَأهل الْحجاز. قَالَ: وفيهَا لُغَة: الجُمْعة، وَهِي لبني عُقيل. قَالَ: وَلَو قرىء بهَا لَكَانَ صَوَابا. قَالَ: وَالَّذين قَالُوا الجُمعَةَ ذَهَبُوا بهَا إِلَى صفة الْيَوْم أنّه يجمع النَّاس، كَمَا يُقَال رجلٌ هُمَزة لمُزَة: ضُحَكة.
وَقَالَ اللَّيْث: الجمْعة يَوْم خُصَّ بِهِ لِاجْتِمَاع النَّاس فِي ذَلِك الْيَوْم، وَتجمع على الجُمُعات والجُمَع، وَالْفِعْل مِنْهُ جمَّع الناسُ، أَي شهِدوا الْجُمُعَة.
قلت: الْجُمُعَة تثقَّل وَالْأَصْل فِيهَا التَّخْفِيف جُمْعة. فَمن ثقل أتبع الضمّةَ، وَمن خفّف فعلى الأَصْل. والقراء قرءوها بالتثقيل.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الشُّهَدَاء

(1/254)


فَقَالَ: (وَمِنْهُم أَن تَمُوت الْمَرْأَة بجُمْع) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد والكسائيّ: يَعْنِي أَن تَمُوت وَفِي بَطنهَا ولد. وَقَالَ الكسائيّ: وَيُقَال بجَمْعٍ أَيْضا. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيرهمَا: وَقد تكون الَّتِي تَمُوت بجُمع أَن تَمُوت لم يمسَّها رجل. قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِك فِي الحَدِيث: (أيُّما امرأةٍ مَاتَت بجُمْع لم تُطمثْ دخلت الجنّة) . وَأنْشد أَبُو عبيد:
وردْناه فِي مجْرى سُهيل يَمَانِيا
بصُعرِ البُرَى من بَين جُمعٍ وخادِجِ
قَالَ: والجُمْع: النَّاقة الَّتِي فِي بَطنهَا ولدٌ. والخادج: الَّتِي أَلْقَت ولدَها.
أَبُو الْعَبَّاس: الجُمَّاع: الضُّروب من النَّاس المتفرّقون. وَأنْشد قَول ابْن الأسلت:
من بَين جَمع غيرِ جُمّاعِ
وَالْجمع: اسْم لجَماعَة النَّاس. ويُجمَع جموعاً.
وَقَالَ اللَّيْث: جُمَّاع كلّ شَيْء: مُجْتَمع خَلْقِه. من ذَلِك جُمّاع جسَدِ الْإِنْسَان.
قَالَ: وجُمَّاع الثَّمرة وَنَحْوهَا، إِذا اجْتمعت براعيم فِي موضعٍ واحدٍ على حملهَا. وَقَالَ ذُو الرمّة:
وَرَأس كجُمَّاع الثّريا ومِشفرٌ
كسِبْتِ اليَمَاني قَدُّه لم يُحَرَّدِ
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد: مَاتَت النساءُ بأجماع، والواحدة بجُمْع، وَذَلِكَ إِذا مَاتَت وولدُها فِي بَطنهَا، ماخضاً كَانَت أَو غير ماخض. قَالَ: وَإِذا طلّق الرجلُ امْرَأَته وَهِي عذراء لم يدخلْ بهَا قيل طُلِّقَتْ بجُمْع، أَي طُلّقتْ وَهِي عذارء لم يدْخل بهَا؛ وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَت وَهِي عذراء قيل: مَاتَت بِجمع.
وَيُقَال ضربوه بأجماعهم، إِذا ضَربوه بِأَيْدِيهِم. وضربه بِجُمْعِ كفِّه. وَيُقَال: أَمركُم بجُمْع فَلَا تُفشوه، أَي أَمركُم مُجْتَمع فَلَا تفرّقوه بالإظهار.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال أدام الله جُمعَةَ بَيْنكُمَا، كَقَوْلِك أدام الله ألفة مَا بَيْنكُمَا.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أُتي بتمرٍ جنيبٍ فَقَالَ: من أَيْن لكم هَذَا؟ قَالُوا: إِنَّا لنأخُذ الصَّاعَ من هَذَا بالصاعين. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَلَا تَفعلُوا، بِعْ الجَمْع بِالدَّرَاهِمِ وابتعْ بالدَّراهم جنيباً) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: كلُّ لونٍ من النّخل لَا يُعرف اسْمه فَهُوَ جَمْع. يُقَال قد كثُر الجَمْع فِي أَرض فلانٍ، لنخلٍ يخرج من النَّوَى. ومزدلفة يُقَال لَهَا جَمْع. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: (بعثَني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّقَل من جَمع بلَيْل) .
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: ضربت فلَانا بجُمْع كفّي، وَمِنْهُم من يكسر فَيَقُول بِجِمْع كفي. وَتقول أعطيتُك من الدَّرَاهِم جُمْعَ الكفّ كَمَا تَقول مِلْء الكفّ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال الْمَسْجِد الجامعُ نعتٌ لَهُ لِأَنَّهُ عَلامَة للاجتماع يَجمع أَهله. قَالَ: وَلَا يُقَال مَسْجِد الْجَامِع.
قلت: النحويون أَجَازُوا جَمِيعًا مَا أنكرهُ اللَّيْث. وَالْعرب تضيف الشَّيْء إِلَى نَفسه

(1/255)


وَإِلَى نَعته إِذا اخْتلف اللفظان، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {الزَّكَواةَ وَذَلِكَ دِينُ} (البَيّنَة: 5) وَمعنى الدّين المِلّة كَأَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ دينُ الملّة القيِّمة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَرَب تضيف الِاسْم إِلَى نَعته كَقَوْلِه جلّ وعزّ: {الْجَنَّةِ وَعْدَ} (الْأَحْقَاف: 16) و {وُوِوَعْدَ الْحَقِّ} (إِبْرَاهِيم: 22) وصلاةُ الأولى، وَمَسْجِد الجامعِ.
قلت: وَمَا علمت أحدا من النحويِّين أبَى إجازتَه، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَعْد الصِّدقُ، والمسجدُ الجامعُ، وَالصَّلَاة الأولى.
وَقَالَ اللَّيْث: المَجمَع يكون اسْما للنَّاس، وللموضع الَّذِي يَجْتَمعُونَ فِيهِ. قَالَ: وَالْجَمَاعَة: عددُ كلِّ شيءٍ وكثرته. والجِماع: مَا جَمَع عددا، كَمَا تَقول: جِماع الخباء أخبية. وَقَالَ الْحسن: (اتَّقوا هَذِه الْأَهْوَاء الَّتِي جِمَاعهَا الضَّلَالَة ومعادها النَّار) . وَكَذَلِكَ الْجَمِيع، لِأَنَّهُ اسْم لَازم.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل جَمِيع، أَي مُجْتَمع فِي خَلْقه. وَأما المُجتمِع فَالَّذِي اسْتَوَت لحيتُه وَبلغ غايةَ شبابه، وَلَا يُقَال للنِّسَاء. وَأنْشد أَبُو عبيد:
قد سادَ وَهُوَ فَتى حَتَّى إِذا بلغَتْ
أَشدُّهُ وغلا فِي الْأَمر واجتمعا
وَيُقَال للرجل إِذا اسْتَوَت لحيته: مُجتمِع، ثمَّ كَهْلٌ بعد ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: لَك هَذَا المَال أجمعُ، وَلَك هَذِه الحِنطة جمعاءُ، وَهَؤُلَاء نسوةٌ هنَّ جُمَعُ لَك، غير منوَّن وَلَا مَصْرُوف.
قَالَ: وَتقول: استجمعَ السَّيلُ، واستجمَعَتْ للمرء أمورُه، واستجمعَ الفرسُ جَرْياً. وَأنْشد:
ومستجمع جَريا وَلَيْسَ ببارحٍ
تُباريه فِي ضاحي المِتانِ سواعدُه
يَعْنِي السَّراب. وسواعده: مجاري المَاء.
والمجامعة والجِماع: كِنَايَة عَن النِّكاح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجمعاء: النَّاقة الكافَّة الهرمة.
ابْن بزرج: يُقَال أَقمت عِنْده قَيظةً جَمْعَاء وَلَيْلَة جَمْعَاء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قِدرٌ جِماعٌ وجامعة، وَهِي الْعَظِيمَة. وَقَالَ الكسائيّ: أكبر البِرام الْجِمَاع، ثمَّ الَّتِي تَليها المِئكلة.
وَيُقَال فلانٌ جماعٌ لبني فلَان، إِذا كَانُوا يأوُون إِلَى رَأْيه وسُودده، كَمَا يُقَال مَرَبٌّ لَهُم. وَاشْترى دابّةً جَامعا: تصلُح للسَّرج والإكاف. وأتان جَامع: أوّلَ مَا تحمل.
وَقَالَ اللحياني: ذهب الشَّهْر بجُمْعٍ وبجمْع، أَي أجمع. وفلانٌ جَمِيع الرَّأْي، أَي لَيْسَ بمنتشر الرَّأْي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَجمعة: الأَرْض القَفْر. والمَجمَعة: مَا اجتَمع من الرمال، وَهِي المَجامع. وَأنْشد:
بَات إِلَى نَيْسبِ خَلَ خادعِ
وَعْثِ النِّهاض قاطعِ المجامع
بالأَمِّ أَحْيَانًا وبالمُشايِعِ

(1/256)


المشايع: الدَّلِيل الَّذِي يُنَادي إِلَى الطَّرِيق يَدْعُو إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أجمع الرجلُ بناقته، إِذا صَرَّ أخلافَها أجمع. وَكَذَلِكَ أكمشَ بهَا. وجمَّعتِ الدجاجةُ تجميعاً، إِذا جَمعت بيضها فِي بَطنهَا وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا شبّت؛ قد جمَعت، أَي لبست الدِّرع والخمار.
وَيُقَال استأجرته مشاهرةً ومجامَعة، أَي كلَّ جُمعةٍ بِكَذَا.
وَاسْتَجْمَعَ البقلُ: إِذا يبس كلُّه. وَاسْتَجْمَعَ الْوَادي، إِذا لم يبْق مِنْهُ موضعٌ إلاّ سالَ. وَاسْتَجْمَعَ القومُ، إِذا ذَهَبُوا كلُّهم لم يبقَ مِنْهُم أحد، كَمَا يستجمع الْوَادي بالسَّيل.
وَرُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: (عجبتُ لمن لاحَنَ الناسَ كَيفَ لَا يعرف جوامعَ الْكَلم) يَقُول: كَيفَ لَا يقْتَصر على الإيجاز وَيتْرك الفضولَ من الْكَلَام. وَهُوَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أوتيتُ جوامعَ الكَلِم) يَعْنِي الْقُرْآن وَمَا جَمَع الله عزَّ وجلَّ بِلُطْفِهِ من الْمعَانِي الجَمَّة فِي الْأَلْفَاظ القليلة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعرَاف: 199) .