غريب الحديث للقاسم بن سلام (السلسلة الجديدة من مطبوعات دَائِرَة
المعارف العثمانية 92 / 2)
غَرِيب الحَدِيث
لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْهَرَوِيّ الْمُتَوفَّى سنة 224 هـ =
838 م
(الْجُزْء الأول) طبع بإعانة وزارة المعارف للحكومة الْعَالِيَة
الْهِنْدِيَّة
تَحت مراقبة الدكتور مُحَمَّد عبد المعيد خَان أستاذ آدَاب اللُّغَة
الْعَرَبيَّة بالجامعة العثمانية
الطبعة الأولى بمطبعة مجْلِس دَائِرَة المعارف العثمانية بحيدر آباد
الدكن الْهِنْد
سنة 1384 هـ / 1964 م
(المقدمة/1)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة
الْمُصَحح الْحَمد لله الذى علم الانسان مَا لم يعلم وَأكْرم نبيه
الامي باعجاز الْبَيَان، الذى أفحم الناطقين بِمَا يُوحى إِلَيْهِ من
الْقُرْآن والعرفان، وصلوات الله سُبْحَانَهُ على أكْرم الْمُرْسلين
سيد الانبياء وَالصديقين، سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وَآله الطاهرين
وَأَصْحَابه الاكرمين وأزواجه المنزهان من الرجس أُمَّهَات
الْمُؤمنِينَ، وعَلى التَّابِعين لَهُم باحسان إِلَى يَوْم الدَّين.
أما بعد فَيُقَال فِي كَلَام الْعَرَب: غربت الْكَلِمَة غرابة - إِذا
غمضت وخفيت معنى، وَغرب الرجل يغرب غربا - إِذا ذهب الرجل وَبعد.
فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد الْخطابِيّ فِي شرح معنى الْغَرِيب
واشتقاقه أَن الْغَرِيب
من الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ الغامض الْبعيد من الْفَهم كالغريب من
النَّاس، وَقَالَ، إِن الْغَرِيب من الْكَلَام يسْتَعْمل على وَجْهَيْن
" أَحدهمَا أَن يُرَاد أَنه بعيد الْمَعْنى غامضه لَا يتَنَاوَلهُ
الْفَهم إِلَّا عَن بعد ومعاناة فكر، وَالْوَجْه الاخر أَن يُرَاد بِهِ
كَلَام من بَعدت بِهِ الدَّار ونأى بِهِ الْمُحَلّل من شواذ قبائل
الْعَرَب، فَإِذا وَقعت الْكَلِمَة من لغاتهم استغربناها (1) .
__________
(1) غَرِيب الحَدِيث لابي سُلَيْمَان الْخطابِيّ مخطوطة الجامعة
العثمانية رق
(المقدمة/1)
ثمَّ قَالَ الْخطابِيّ يذكر السَّبَب
الَّذِي من أَجله كثر غَرِيب حَدِيث رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ
وَسلم " أَنه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم بعث مبلغا ومعلما فَهُوَ لَا
يزَال فِي كل مقَام يقومه وموطن يشهده يَأْمر بِمَعْرُوف وَينْهى عَن
مُنكر ويشرع فِي حادثه ويفتى فِي نازلة والاسماع إِلَيْهِ مصغية
والقلوب لما يرد عَلَيْهَا من قَوْله وَاعِيَة، وَقد يخْتَلف عَنْهَا
عباراته، ويتكرر فِيهَا بَيَانه ليَكُون أوقع للسامعين وَأقرب إِلَى
فهم من كَانَ مِنْهُم أقل فقها وَأقرب بالاسلام عهدا، وأولو الْحِفْظ
والاتفاق من فُقَهَاء الصَّحَابَة يوعونها كلهَا سمعا ويستوفونها حفظا
ويؤدونها على اخْتِلَاف جهاتها، فتجمع لَك لذَلِك فِي الْقَضِيَّة
الْوَاحِدَة عدَّة أَلْفَاظ تحتهَا معنى وَاحِد، وَذَلِكَ كَقَوْلِه
صلى الله عَلَيْهِ: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر، وفى رِوَايَة
أُخْرَى: وللعاهر الاثلب، وَقد مر بسماعي وَلم يثبت عِنْدِي: وللعاهر
الكثكثت: وَقد يتَكَلَّم صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض
النَّوَازِل، بِحَضْرَتِهِ أخلاط من النَّاس قبائلهم شَتَّى ولغتهم
مُخْتَلفَة ومراتبهم فِي الْحِفْظ والاتقان غير مُتَسَاوِيَة، وَلَيْسَ
كلهم يَتَيَسَّر لضبط اللَّفْظ وحصره أَو يتَعَمَّد لحفظه، ووعيه
وَإِنَّمَا يسْتَدرك المُرَاد بالفحوى وَيتَعَلَّق بالعمى ثمَّ
يُؤَدِّيه بلغته ويعبر عَنهُ
بِلِسَان قبيلته، فيجتمع فِي الحَدِيث الْوَاحِد إِذا انشعبت طرقه
عدَّة أَلْفَاظ مُخْتَلفَة مُوجبهَا شئ وَاحِد (1) .
هَذَا قَول الْخطابِيّ أقرب إِلَى الْفَهم وأجدر بِالْقِيَاسِ مِمَّا
قَالَه ابْن الاثير.
__________
(1) غَرِيب الحَدِيث للخطابي ق 7.
(المقدمة/2)
فِي النِّهَايَة، فخلاصة مَا قَالَ ابْن
الاثير من الدواعى الَّتِى أدَّت وضع هَذَا الْفَنّ كَمَا يلى:
(1) كَانَ الله تَعَالَى قد أعلم نبيه مَا لم يكن يُعلمهُ غَيره،
وَكَانَ أَصْحَابه يعْرفُونَ أَكثر مَا يَقُوله، وَمَا جهلوه سَأَلُوهُ
عَنهُ - صلى الله عَلَيْهِ - فيوضحه لَهُم، وَلم يَتَيَسَّر ذَلِك بعد
وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(2) كَانَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ فِي عصر الصَّحَابَة صَحِيحا لَا
يتداخله الْخلّ إِلَى أَن فتحت الامصار وخالط الْعَرَب غير جنسهم
فامتزجت الالسن فتعلم الاولاد من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا لَا بُد
لَهُم وَتركُوا مَا عداهُ -
(3) اسْتَحَالَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ أع جميا فِي عصر التَّابِعين
فصرف الْعلمَاء طرفا من عنايتهم فألفوا فِيهِ حراسة لهَذَا الْعلم.
عِنْد مَا نقارن هَذَا القَوْل بِمَا قَالَ الْخطابِيّ يظْهر جليا أَن
السَّبَب فِي ثكرة الْغَرِيب فِي الحَدِيث يرجع إِلَى اخْتِلَاف
الروَاة عِنْد الخطابى.
ولسبب عِنْد ابْن الاثير يرجع إِلَى أَن الله تَعَالَى أعلم نبيه مَا
لم يكن يُعلمهُ غَيره، وَأما مَا قَالَ ابْن الاثير تَحت الرقم
الثَّانِي، والرقم الثَّالِث فَهُوَ لَا يُنَاسب وَلَا يلائم سَبَب
تأليف هَذَا الْفَنّ، لَان الْعلمَاء بذلوا جهودهم فِي جمع غَرِيب
الحَدِيث، نوادره لادراك معنى الحَدِيث والتفقه فِي الدَّين لَا
لمعْرِفَة كَلَام تبع التَّابِعين الَّذين أصبح اللِّسَان الْعَرَبِيّ
أعجميا
فِي عصرهم كَمَا زعم ابْن الاثير، وَمهما كَانَ من وُجُوه التَّأْلِيف،
وأسبابه فان الْفَنّ أصبح من اللوازم الَّتِى لابد مِنْهَا فِي فهم
الحَدِيث وَإِدْرَاك مَعَانِيه، وَمِمَّا لَا شكّ فِيهِ أَن السّلف
إِذا وجدوا كلمة غَرِيبَة أَو معنى
(المقدمة/3)
مستغلقا فِي متن الْقُرْآن والْحَدِيث وَلم
يكن النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم ولاصحابته موجودين لايضاح
غَرِيب اللُّغَات وَتَأْويل الْعبارَات رجعُوا إِلَى كَلَام الْعَرَب
وأشعارهم للبحث عَن مادتها ولاستكاشفا مَعَانِيهَا، فأصحبت نتائج
الْبَحْث وَالتَّحْقِيق علما مُسْتقِلّا بِذَاتِهِ، وَبَدَأَ الْعلمَاء
يؤلفون الْكتب حول غَرِيب الحَدِيث من ابْتِدَاء الْقرن الثَّانِي من
الهجري.
منزلَة أَبى عبيد عِنْد معاصريه وَأورد ابْن الاثير فِي مُقَدّمَة
كِتَابه النِّهَايَة نبذة من تَارِيخ معاجم غَرِيب الحَدِيث من
ابْتِدَاء الْقرن الثَّانِي إِلَى عهد الزَّمَخْشَرِيّ، وَنَقله حاجى
خليفه فِي كشف الظنون، ومصححا الْفَائِق فِي مقدمتهما، (انْظُر طبع
دَار إحْيَاء الْكتب الْعَرَبيَّة بِالْقَاهِرَةِ سنة 1945 م) فَلَا
حَاجَة لنا إِلَى أَن نكرر الْعبارَات مرّة أُخْرَى.
وَلَكِن قبل أَن نَعْرِف كتاب أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام يجب أَن
نعين مقَامه بَين مُؤَلَّفِي معاجم هَذَا النَّوْع، فَلَا بُد من نقل
مَا ذكر ابْن النديم من أَوَائِل المؤلفين الَّذين ألفوا حول غَرِيب
الحَدِيث قبيل أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام، وهم على قَول ابْن
النديم:
1 - النَّضر بن شُمَيْل (م 203 هـ) .
2 - قطرب (م 206 هـ) .
3 - أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى (م 209 هـ) .
4 - أَبُو زيد (م 215 هـ) .
5 - عبد الْملك بن قريب الاصمعي (م 216 هـ) .
6 - أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام (م 224 هـ) .
(المقدمة/4)
وَلَو لم يصل إِلَيْنَا من هَذِه الْكتب
غير كتاب أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام لَكِنَّهَا وصلت إِلَى
الْخطابِيّ كَمَا يظْهر من قَوْله التالى الذى يجدر بِالذكر لكى
نَعْرِف نوعية هَذِه الْكتب ومبلغ أَثَرهَا فِيمَا الف فِي العصور
التالية فَقَالَ الخطابى فِي كِتَابه (1) مِنْهَا كتاب أَبى عُبَيْدَة
معمر بن الْمثنى وَكتاب ينْسب إِلَى الاصمعي يَقع فِي وَرَقَات
مَعْدُودَة وَكتاب مُحَمَّد بن المستنير الذى يعرف بقطرب وَكتاب
النَّضر بن شُمَيْل وَكتاب إِبْرَاهِيم ابْن إِسْحَاق الحربى وَكتاب
أَبى معَاذ صَاحب الْقرَاءَات وَكتاب شمر بن حَمْدَوَيْه وَكتاب
الباحدانى (كَذَا) وَكتاب آخر ينْسب إِلَى رجل يعرف بِأَحْمَد بن
الْحُسَيْن الكندى، إِلَّا أَن هَذِه الْكتب على كَثْرَة عَددهَا إِذا
حصلت كَانَ مآلها إِلَى الْكتاب كالكتاب الْوَاحِد إِذْ كَانَ مصنفوها
لم يقصدوا بهَا مَذْهَب التَّعَاقُب كصنيع القتيبي فِي كِتَابه،
إِنَّمَا سبيلهم فِيهَا أَن يتوالوا على الحَدِيث فيعتوروه فِيمَا
بَينهم ثمَّ يتبارون فِي تَفْسِير يدْخل بَعضهم على بعض، وَلم يكن من
شَرط الْمَسْبُوق مِنْهُم أَن يفرج للسابق عَمَّا أحذره وَأَن يقتضب
الْكَلَام فِي شئ لم يُفَسر قبله على شاكلة مَذْهَب ابْن قُتَيْبَة
وصنيعة فِي كِتَابه الذى عقب بِهِ كتاب أَبى عبيد ثمَّ إِنَّه لَيْسَ
لوَاحِد من هَذِه الْكتب الَّتِى ذَكرنَاهَا أَن يكون شئ مِنْهَا على
منهاج كتاب أَبى عبيد فِي بَيَان اللَّفْظ وَصِحَّة الْمَعْنى وجودة
الاستنباط وَكَثْرَة الْفِقْه وَلَا أَن يكون من شرح كتاب ابْن
قُتَيْبَة فِي إشباع التَّفْسِير وإيراد الْحجَّة وَذكر النَّظَائِر
والتخليص للمعانى، إِنَّمَا هِيَ أَو عامتها إِذا انقسمت وَقعت
__________
(1) غَرِيب الحَدِيث للخطابي ق 2.
(المقدمة/5)
بَين مقصر لاموره فِي كِتَابه إِلَّا
أطرافا وسواقط من الحَدِيث ثمَّ لَا يوفيها حَقّهَا من إشباع
التَّفْسِير، وإيضاح الْمَعْنى وَبَين مطيل يسْرد الاحاديث
الْمَشْهُورَة الَّتِى لَا يكَاد يشكل مِنْهَا شئ ثمَّ يتَكَلَّف
تَفْسِيرهَا ويطنب فِيهَا وفى بعض هَذِه الْكتب خلل من جِهَة
التَّفْسِير وَفِي بَعْضهَا أَحَادِيث مُنكرَة لَا تدخل فِي شَرط مَا
انشئت لَهُ هَذِه الْكتب ... وَلابْن الانباري من وَرَاء هَذِه الْكتب
مَذْهَب حسن فِي تَخْرِيج الحَدِيث وَتَفْسِيره، وَقد تكلم على
أَحَادِيث مَعْدُودَة وَقع إِلَى بَعْضهَا وعامتها مفسرة قبل إِلَّا
أَنه قد زَاد عَلَيْهَا وَأفَاد وَله استدراكات على ابْن تقيبة فِي
مَوَاضِع من الحَدِيث ".
وَقَالَ الخطابى أَيْضا " وَكَانَ أول من سبق إِلَيْهِ وَدلّ من بعده
عَلَيْهِ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فانه قد انتظم بتصنيفه عَامَّة
مَا يحْتَاج إِلَى تَفْسِيره من مشاهير غَرِيب الحَدِيث وَصَارَ
كِتَابه إِمَامًا لاهل الحَدِيث بِهِ يتذاكرون وَإِلَيْهِ يتحاكمون،
ثمَّ انتهج نهجه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة فتتبع
مَا أغفله أَبُو عبيد من ذَلِك وَألف فِيهِ كتاب لم يأب أَن يبلغ بِهِ
شأو المبرز الشائق، وَبقيت بعدهمَا صبَابَة لِلْقَوْلِ ".
وفى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ للخطابي كِفَايَة لتعيين مقَام أَبى عبيد
وَكتابه فِي آدَاب غَرِيب الحَدِيث لَان الْقَاسِم بن سَلام لم يكن
إِمَامًا لاهل الحَدِيث عِنْد معاصريه فَحسب، بل كَانَ أَيْضا أول من
سبق إِلَى تصنيف غَرِيب الحَدِيث بمقدرة تَامَّة فِي بَيَان اللَّفْظ
وَصِحَّة الْمَعْنى وجودة الاستنباط وَكَثْرَة الْفِقْه وَمِمَّا لَا
شكّ فِيهِ أَن تأليف أَبى عبيد يجمع غرائب الحَدِيث مَعَ نَوَادِر
الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة المفيدة، ولكونه محتويا على كثير من غرائب
الحَدِيث
(المقدمة/6)
وَمَا يتَعَلَّق بهَا ومشتملا على نتائج
الْبَحْث المستقصى الذى امْتَدَّ لمُدَّة أَرْبَعِينَ سنة من عمر
الْمُؤلف بقى الْكتاب مرجعا مُنْفَردا فِي غَرِيب للمتأخرين إِلَى أَن
جَاءَ ابْن تقيبة (م 276 هـ) والخطابي (م 388 هـ) اللَّذَان اجتهدا فِي
جمع مَا فَاتَ أَبَا عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَلَو اعْترف ابْن
قُتَيْبَة أَن الاول لم يتْرك للاخر شَيْئا ".
حَيَاة الْمُؤلف فَصَاحب هَذِه الْفَضَائِل والمؤلف الْجَلِيل هَذَا
هُوَ أَبُو عبيد الْقَاسِم ابْن سَلام الْهَرَوِيّ الازدي خزاعي
بِالْوَلَاءِ وخراساني وبغدادي بِالنِّسْبَةِ.
كَانَ أَبوهُ روميا مَمْلُوكا لرجل لرجل من أهل هراة وَكَانَ من موالى
الازد، ولد أَبُو عبيد بهراة فِي سنة إربع وَخمسين وَمِائَة على
قَوَّال أَبى بكر الزبيدِيّ فِي كتاب التقريظ، وفى سنة سبع وَخمسين
وَمِائَة على قَول الزركلي.
طلب أَبُو عبيد الْعلم وَسمع الحَدِيث وَنظر فِي الْفِقْه والادب،
واشتغل بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه والادب والقراءات وأصناف عُلُوم
الاسلام، وَكَانَ دينا ورعا حسن الرِّوَايَة صَحِيح النَّقْل وَلم يطعن
أحد فِي شئ من دينه.
أَخذ أَبُو عبيد الادب عَن أكَابِر أدباء عصره أَمْثَال أَبى زيد
الانصاري وأبى عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى والاصمعى وأبى مُحَمَّد
اليزيدي وَغَيرهم من الْبَصرِيين، وروى عَن ابْن الاعرابي وأبى زِيَاد
الْكلابِي وَيحيى بن سعيد الاموى وأبى عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وَالْفراء
وَالْكسَائِيّ ولاحمر من الْكُوفِيّين.
وروى النَّاس من كتبه المصنفة بضعَة وَعشْرين كتابا فِي الْقرَان
وَالْفِقْه واللغة والْحَدِيث، ويحكى أَن سَلاما خرج يَوْمًا وَأَبُو
عبيد مَعَ ابْن مَوْلَاهُ فِي الْكتاب، فَقَالَ للمعلم: علم الْقَاسِم
فانه كيس (انْظُر تَارِيخ بَغْدَاد 12 / 403) .
وَقَالَ السبكى فِي الطَّبَقَات 1 / 270: قَرَأَ الْقرَان على
الْكسَائي وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وشجاع
(المقدمة/7)
ابْن أَبى نصر وَسمع الحَدِيث من
إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وهشيم
ابْن بشير وَشريك بن عبد الله وَهُوَ أكبر شُيُوخه وَمن عبد الله بن
الْمُبَارك وأبى بكر بن عَيَّاش وَجَرِير بن عبد الحميد وسُفْيَان بن
عُيَيْنَة وخلائق آخِرهم موتا هِشَام بن عمار، وروى عَنهُ عَبْد الله
بْن عَبْد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ، ووكيع وَأَبُو بكر ابْن أَبى
الدُّنْيَا وعباس الدوري والْحَارث بن أَبى أُسَامَة وعَلى بن عبد
الْعَزِيز الْبَغَوِيّ وَأحمد بن يحيى البلاذري الْكَاتِب والاخرين،
وتفقه على الشَّافِعِي وتناظر مَعَه فِي الْقُرْء هَل هُوَ حيض أَو طهر
إِلَى أَن رَجَعَ كل مِنْهُمَا إِلَى مَا قَالَه الاخر، وَذكر أَن
الشَّافِعِي أَو أَبَا عبيد رحمهمَا الله تناظرا فِي القر فَكَانَ
الشَّافِعِي يَقُول إِنَّه الْحيض، وَأَبُو عبيد رحمهمَا الله تناظرا
فِي الْقُرْء فَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول إِنَّه الْحيض وَأَبُو عبيد
يَقُول إِنَّه الطُّهْر، فَلم يزل كل مِنْهُمَا يُقرر قَوْله حَتَّى
تفَرقا وَقد انتحل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَذْهَب صَاحبه وتأثر بِمَا
أوردهُ من الْحجَج والشواهد، وَإِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فَفِيهَا
دلَالَة على عَظمَة أَبى عبيد، وَلَو رَجَعَ الشَّافِعِي إِلَى قَوْله
فَهُوَ يدل على مقدرته العلمية وَصِحَّة استنباطه الْمسَائِل
الشَّرْعِيَّة.
وَذكر أَبُو الْفَلاح عبد الحى بن الْعِمَاد الحنبلى فِي شذرات
الذَّهَب 2 / 54 " قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: الْحق يجب لله، أَبُو
عبيد أفقه منى وَأعلم، وَقَالَ أَحْمد: أَبُو عبيد أستاذ، ... وَقَالَ
هِلَال بن الْعَلَاء الرقى: من الله سُبْحَانَهُ على هَذِه الامة
بأَرْبعَة فِي زمانهم: الشَّافِعِي ولولاه مَا تفقه النَّاس فِي حَدِيث
رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم، وَأحمد ولولاه ابتدع النَّاس
وَيحيى بن معِين نفى الْكَذِب عَن رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ
وَسلم، وأبى عبيد فسر غَرِيب الحَدِيث ولولاه اقتحم النَّاس الْخَطَأ
".
وَقَالَ أَبُو عبد الله
(المقدمة/8)
ابْن طَاهِر: عُلَمَاء الاسلام أَرْبَعَة:
عبد الله بن عَبَّاس فِي زَمَانه.
والشعبى فِي
زَمَانه، وَالقَاسِم بن عَمَّن فِي زَمَانه، وإبو عبيد الْقَاسِم بن
سَلام فِي زَمَانه، (انْظُر مُعْجم الادباء لياقوت 16 / 257) .
سُئِلَ أَبُو قدامَة عَن الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق
وأبى عبيد فَقَالَ: أما أفهمهم فالشافعى إِلَّا أَنه قَلِيل الحَدِيث،
وَأما أورعهم فَأَحْمَد بن حَنْبَل، وَأما أحفظهم فاسحاق، وَأما أعلمهم
بلغات الْعَرَب فَأَبُو عبيد، وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
الْحَنْظَلِي: أَبُو عبيد أَو سمعنَا علما وأكثرنا أدبا وأجمعنا جمعا،
إِنَّا نحتاج إِلَيْهِ وَأَبُو عبيد لَا يحْتَاج إِلَيْنَا، وَقَالَ
أَيْضا: إِن الله لَا يستحيى من الْحق، أَبُو عبيد أعلم منى وَمن ابْن
حَنْبَل وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ ثَعْلَب: لَو كَانَ أَبُو عبيد فِي
بنى إِسْرَائِيل لَكَانَ عجبا، (تَارِيخ بَغْدَاد 12 / 404) ،
وَتَوَلَّى أَبُو عبيد قَضَاء طرسوس ثمانى عشرَة سنة إيام ثَابت بن نصر
بن مَالك، وَكَانَ يقسم اللَّيْل أَثلَاثًا صَلَاة ونوما وتصنيفا،
وَكَانَ أَحْمَر الرَّأْس واللحية، يخضب بِالْحِنَّاءِ.
مصنفاته) ألف أَبُو عبيد بضعَة وَعشْرين كتابا، وَله من التصانيف كَمَا
قَالَ ابْن النديم فِي فهرسته: غَرِيب المُصَنّف، غَرِيب الْقُرْآن،
غَرِيب الحَدِيث مَعَاني الْقرَان، كتاب الشُّعَرَاء، الْمَقْصُور
والممدود الْقرَاءَات الْمَذْكُور والمؤنث كتاب النّسَب، كتاب الاحداث،
أدب القاضى، عدد آى الْقُرْآن، الايمان وَالنُّذُور، كتاب الْحيض، كتاب
الطَّهَارَة الْحجر، والتفليس، كتاب الاموال، الامثال السائرة،
النَّاسِخ والمنسوخ، فَضَائِل الْقُرْآن، وَله غير ذَلِك من الْكتب
الْفِقْهِيَّة، وَلَكِن لم يصل إِلَيْنَا مِنْهَا إِلَّا غَرِيب
الحَدِيث وغريب المُصَنّف وَكتاب الاموال وَكتاب فَضَائِل الْقُرْآن
وَكتاب الامثال السائرة.
(المقدمة/9)
وطبع جَمِيع هَذِه الْكتب غير غَرِيب
الحَدِيث الذى وقف أَبُو عبيد حَيَاته فِي جمعه وترتيبه مُدَّة عمره
وَلذَلِك اهتمت دَائِرَة المعارف بطبع موسوعة
عَظِيمَة هَذِه لاول مرّة.
وَكَانَ أَبُو عبيد إِذا ألف كتاب أهداه إِلَى عبد الله بن طَاهِر،
فَيحمل إِلَيْهِ مَالا جزيلا اسْتِحْسَانًا لذَلِك، فَلَمَّا صنف
غَرِيب الحَدِيث أهداه إِلَيْهِ كعادته، فَقَالَ ابْن طَاهِر، إِن عقلا
بعث صَاحبه على عمل هَذَا الْكتاب لحقيق إِلَّا يحوج إِلَى طلب معاش،
وأجرى لَهُ فِي كل شهر عشرَة آلَاف دِرْهَم.
وسَمعه مِنْهُ يحيى بن معِين: وَكَانَ دينا ورعا جوادا، ويروى عَن ورعه
حِكَايَة نادرة فَقيل إِنَّمَا سير أَبُو دلف الْقَاسِم بن عِيسَى
إِلَى عبد الله بن طَاهِر يستهدى مِنْهُ أَبَا عبيد مُدَّة شَهْرَيْن
فأنفذه، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف وَصله أَبُو دلف بِثَلَاثِينَ
ألف دِرْهَم فَلم يقبلهَا وَقَالَ: أَنا فِي جنبه رجل لَا يحوجني إِلَى
غير فَلَمَّا عَاد أَمر لَهُ ابْن طَاهِر بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار،
فاشتهري بهَا سِلَاحا وَجعله للثغر، وَخرج إِلَى مَكَّة مجاورا فِي سنة
أَربع عشرَة مِائَتَيْنِ فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة 224
هـ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: مكثت فِي تصنيف هَذَا الْكتاب أَرْبَعِينَ سنة،
وَرُبمَا كنت أستفيد الْفَائِدَة من أفواة الرِّجَال فأضعها فِي
موضعهَا من الْكتاب، فأبيت ساهرا فَرحا منى بِتِلْكَ الْفَائِدَة،
(الوفيات 3 / 225) ، فَيظْهر من هَذِه الرِّوَايَة أَن أَبَا عبيد
كَانَ يجل أَمر الحَدِيث ويعظمه إِلَى حد أَنه كَانَ يعد جمع الحَدِيث
ونوادره من الْعِبَادَات وَلذَلِك جعله من أعظم أشاغله العلمية،
وَيُؤَيّد قَوْلنَا هَذَا مَا ورد عَن اهتمامه بغريب الحَدِيث.
(المقدمة/10)
فَقيل كَانَ طَاهِر بن عبد الله يود أَن
يَأْتِيهِ أَبُو عبيد ليسمع مِنْهُ كتاب غَرِيب الحَدِيث فِي منزله،
فَلم يفعل إجلالا لحَدِيث رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم،
فَكَانَ هُوَ يَأْتِي إِلَيْهِ، وَقدم على بن المدينى وعباس
الْعَنْبَري فأرادا أَن يسمعنا غَرِيب الحَدِيث، فَكَانَ يحمل كل يَوْم
كِتَابه ويأتيهما
فِي منزلهما فيحدثهما فِيهِ إجلالا لعلمهما، وَهَذِه شِيمَة شريفة، رحم
الله أَبَا عبيد! وَذكر الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد 12 / 407 عَن
جَعْفَر بن مُحَمَّد بن على ابْن المدينى قَالَ: سَمِعت أَبى يَقُول:
خرج أَبى إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل يعودهُ وَأَنا مَعَه، قَالَ: فَدخل
أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فَقَالَ لَهُ يحيى بن معِين: اقْرَأ
علينا كتابك الذى عملته لِلْمَأْمُونِ فِي غَرِيب الحَدِيث، فَقَالَ:
هاتوه، فجاوأ بِالْكتاب فَأَخذه أَبُو عبيد فَجعل يبدء يقْرَأ
الْأَسَانِيد ويدع تَفْسِير الْغَرِيب، قَالَ فَقَالَ لَهُ أَبى: يَا
أَبَا عبيد! دَعْنَا من الْأَسَانِيد نَحن أحذق بهَا مِنْك، فَقَالَ
يحيى بن معِين لعلى بن المدينى: دَعه يقْرَأ على الْوَجْه فان ابْنك
مُحَمَّدًا مَعَك، وَنحن نحتاج إِلَى أَن نَسْمَعهُ على الْوَجْه،
فَقَالَ أَبُو عبيد: مَا قرأته إِلَّا على الْمَأْمُون فان أَحْبَبْتُم
أَن تقرؤه فاقرؤه، قَالَ فَقَالَ لَهُ على بن المدينى: إِن قرأته علينا
أولى وَإِلَّا فَلَا حَاجَة لنا فِيهِ - وَلم يعرف أَبُو عبيد على بن
المدينى - فَقَالَ ليحيى بن معِين: من هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا على بن
المدينى، فَالْتَزمهُ وقرأه علينا، فَمن حضر ذَلِك الْمجْلس جَازَ أَن
يَقُول " حَدثنَا " وَغير ذَلِك فَلَا يَقُول.
وَفَاته
روى أَن أَبَا عبيد قدم مَكَّة حَاجا، فَلَمَّا قضى حجه وَأَرَادَ
الِانْصِرَاف
(المقدمة/11)
اكترى الدَّوَابّ إِلَى الْعرَاق ليخرج
صَبِيحَة الْغَد، قَالَ أَبُو عبيد، فَرَأَيْت النَّبِيّ صلي الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي رُؤْيَايَ وَهُوَ جَالس على فرَاشه ووعلى رَأسه قوم
يحجبونه، وَالنَّاس يدْخلُونَ إِلَيْهِ ويسلمون عَلَيْهِ ويصافحونه،
قَالَ: فَلَمَّا دنون لادخل مَعَ النس منعت، فَقلت لَهُم: لم لَا تخلون
بينى وَبَين رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالُوا: إى
وَالله! لَا تدخل إِلَيْهِ وَلَا تسلم عَلَيْهِ وَأَنت خَارج غَدا
إِلَى الْعرَاق، فَقلت لَهُم: إنى لاأخرج إِذا، فَأخذُوا عهدي ثمَّ
خلوا بينى وَبَين رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم، فَدخلت
وسلمت وصافحت، فَلَمَّا أصبح فاسخ كريه وَسكن مَكَّة حَتَّى
مَاتَ بهَا فِي الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَدفن فِي
دور جَعْفَر.
وعاش ثَلَاثًا وَسبعين سنة، وَقَالَ الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد 12
/ 416 / بَلغنِي أَنه بلغ سبعا وَسِتِّينَ سنة.
وَقَالَ عبد الله بن طَاهِر فِي مرثيته (1) :
يَا طَالب الْعلم قد مَاتَ ابْن سَلام ... وَكَانَ فَارس علم غير محجام
كَانَ الذى كَانَ فِيكُم ربع أَرْبَعَة ... لم نلق مثلهم إستار
أَحْكَام
وفى تَارِيخ بَغْدَاد 12 / 407 " أول من سمع هَذَا الْكتاب من أَبى
عبيد يحيى بن معِين وَعرض هَذَا الْكتاب على أَحْمد بن حَنْبَل
فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ: جزاه الله خيرا، وَكتب أَحْمد كتاب غَرِيب
الحَدِيث الذى أَلفه أَبُو عبيد أَولا ".
والنسخ الَّتِى بَين أَيْدِينَا تدل على أَنَّهَا رويت عَن على بن عبد
الْعَزِيز الْبَغَوِيّ (الْمُتَوفَّى سنة 287 هـ) صَاحب أَبى عبيد.
__________
(1) مُعْجم الادباء 16 / 257، تَارِيخ بَغْدَاد 12 / 412، إنباه
الروَاة 3 / 20.
(المقدمة/12)
انتهينا إِلَى آخر حَيَاة الْمُؤلف وَمَا
يتَعَلَّق بِهِ فَليرْجع إِلَى وصف النّسخ: نسخ غَرِيب الحَدِيث أما
النّسخ الَّتِى استعملناها فِي تَصْحِيح هَذَا الْكتاب فهى أَربع
ووصفها كَمَا يلى: 1 - صُورَة عكسية لنسخة مكتبة الْمدرسَة المحمدية
بمدراس (الْهِنْد) .
وهى فِي الجزءين جمعت فِي الْجُزْء الاول أَحَادِيث النَّبِيّ صلي الله
عَلَيْهِ وَسلم، وفى الثَّانِي آثَار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، الْجَزَاء الاول من ورقة 1 إِلَى
90 / ألف، والثانى يَبْتَدِئ من 90 / ب وينتهى إِلَى 138 / ألف.
عدد الاسطر فِي الصفحة الْوَاحِدَة 25، بِخَط نسخ جيد، عناوين الاحاديث
مَكْتُوبَة بِخَط جلى، وَلم يُلَاحظ الْكَاتِب بَيَان الْفَصْل بَين
الاحاديث وَشَرحهَا، وَأَيْضًا لم يُمَيّز الشّعْر من النثر، وَكَذَا
بَينا لشطرين إِلَّا أَن فِي انْتِهَاء الْبَيْت فِي هَذِه النُّسْخَة
عَلامَة (هـ) ، شكل الْكَاتِب بالحركات ألفاظا عديدة، والصفحة الاخيرة
من الورقة الاخيرة مطموسة، والعبارة على صدر الورقي الاول كَمَا يلى: "
الْجُزْء الاول من جزءين من كتاب غَرِيب الحَدِيث حَدِيث رَسُول اللَّه
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم تأليف أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام رَحمَه
الله رِوَايَة أَبى الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز الاشنهى مَحْذُوف
الاسانيد " وفى آخر الْجُزْء الاول مَا لَفظه: " تمت أَحَادِيث
النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا "، فرغ من أَثَرهَا فِي
(شهر) جُمَادَى الاخر من شهور اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة.
ويتلوه.
(المقدمة/13)
الْجُزْء الثَّانِي من أَحَادِيث
الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضى الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ".
وفى انْتِهَاء الجزأ الثَّانِي مَا نَصه: " تمّ كتاب غَرِيب الحَدِيث
وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله عَلَيْهِ سيدنَا مُحَمَّد وَآله
وَسلم، تمّ الْفَرَاغ من نساخة (كَذَا) هَذَا الْكتاب الْمُبَارك فِي
شهر رَجَب من شهور اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة ".
هَذِه النُّسْخَة كَامِلَة إِلَّا أَنَّهَا محذوفة الاسانيد، وَبَعض
أَلْفَاظ الحَدِيث المروية عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ شرحها فِي هَذِه
النُّسْخَة بِأَلْفَاظ وجيزة مَعَ أَن فِي النّسخ الاخرى زِيَادَة
عَلَيْهَا، وَقد سقط مِنْهَا حَدِيث وَاحِد مَعَ شَرحه عَن رِوَايَة
عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَسَلَمَة بن الاكوع رحمهمَا الله فزدناهما
عَن النّسخ الاخرى.
قد نقلهَا الْكَاتِب عَن نُسْخَة رويت عَن قَرَأَهَا على أَبى الطّيب
طَاهِر ابْن يحيى بن أبي الْخَيْر العمراني (الْمُتَوفَّى 587) ، وَكتب
الاسناد فِيهَا مبتدئا من هَذَا الراوى منتهيا إِلَى أَبى عبيد بتسع
دَرَجَات.
(وَقد بَينا أَحْوَال الروَاة بِهَامِش المطبوع مفصلة) .
وَلم يذكر الْكَاتِب فِيهَا اسْمه وَلَا اسْم الراوى الذى رَوَاهَا عَن
أَبى الطّيب وَلَا خَاتِمَة كِتَابَته، وَمِمَّا لَا شكّ فِيهِ أَن
أَكثر النّسخ الَّتِى وصلت إِلَيْنَا رويت عَن على بن عبد الْعَزِيز
رَاوِي أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَلم تتيسر لنا نُسْخَة كَامِلَة
سوى هَذِه النُّسْخَة، لذَلِك جعلناها أساسا للتصحيح وأشرنا إِلَيْهَا
فِي حل رموز الْجُزْء الاول والثانى من المطبوع ب " نُسْخَة المكتبة
السعيدية " مَعَ أَن الامر لَيْسَ كَذَلِك لَان الدكتور مُحَمَّد غوث
نَاظر المكتبة المحمدية أخبرنَا بعد طبع الجزءين من
(المقدمة/14)
الْكتاب أَن هَذِه النُّسْخَة استعيرت
حَقِيقَة من المكتبة المحمدية وأودعت فِي الْمكتب السعيدية ثمَّ
استردت، وَيدل عَلَيْهِ اختم الْمُثبت على هَذَا النُّسْخَة إِذْ
فِيهِ: " مدرسة محمدى مِدْرَاس 1309 ".
فليصحح هُنَاكَ.
2 - أما الثَّانِيَة فهى أَيْضا عكس نُسْخَة المكتبة الرامفورية (901)
Gatl.
No هَذِه النخسة
مُشْتَمِلَة على تِسْعَة أَجزَاء، وأوراقها 262، فِي كل صفحة 21 سطرا،
كتَابَتهَا أَيْضا جَيِّدَة بِخَط نسخ، عناوين لاحاديث جلية، وَلم
يُلَاحظ كاتبها الْفَصْل وَالْبَيَان بَين الاحاديث وَالشَّرْح
والاشعار.
وشكل قَلِيل من اللالفظا بالحركات.
وعَلى الورقة الاولى الْعبارَة التالية: " هَذَا كتاب، تِسْعَة أَجزَاء
من غَرِيب الحَدِيث عَن أَبى عبيد الْقَاسِم ابْن سَلام من رِوَايَة
على بن عبد الْعَزِيز عَن إبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام من غَرِيب
الحَدِيث ".
بعض الاوراق الابتدائية سَاقِطَة كَمَا حرر على الصفحة الَّتِى ابتدأت
مِنْهَا النُّسْخَة: " نَاقص من أَوله نَحْو خمس أوراق بِقَرِينَة
الاجزاء الاخر، وَعَسَى الله أَن يمن بنسخة نَشُمُّ مِنْهَا هَذِه
النُّسْخَة حَتَّى يكمل بهَا الِانْتِفَاع إِن شَاءَ الله تَعَالَى ".
(انْظُر 1 / 87 من المطبوع) .
وَقد أكملها رجل عَن نُسْخَة رويت عَمَّن رَوَاهَا بن الرواويين عَن
الْمُؤلف.
وَقد روى النُّسْخَة الاولى دعْلج بن أَحْمد عَن على بن عبد الْعَزِيز
تلميذ أَبى عبيد، وروى هَذِه النُّسْخَة أَحْمد بن حَمَّاد عَن على بن
عبد الْعَزِيز قِرَاءَة عَلَيْهِ.
(وَلم أر فِي تَرْجَمَة على بن عبد الْعَزِيز فِي تذكرة الْحفاظ وَلَا
فِي مُعْجم الادباء ذكر تلميذ لَهُ اسْمه أَحْمد بن حَمَّاد) .
(المقدمة/15)
لَا ندرى سنة كتَابَتهَا وَلَا اسْم كاتبها
لَان القطة الاخيرة أَيْضا سَاقِطَة مِنْهَا.
وفى الْوَرق الاخير (261 / ب) الْعبارَة التالى: " هَذِه آخر ورقة فِي
هَذَا الْكتاب وربطت هُنَا غليظا من الملجد فَليعلم ذَلِك، وإظن أَنه
لم يبْق بعْدهَا إِلَّا قَلِيل نَحْو ورقة إو ورقتين، وَعَسَى الله أَن
يمن بنسخة نتم مِنْهَا ".
3 - النُّسْخَة الثَّالِثَة هِيَ عكس نُسْخَة ليدن
Bibliotheca Acgdemiae Lugduno - Batava 298 Cod , or
هَذِه النُّسْخَة بقلم مغربي، أَكثر عبارتها مشكة، وكل حَدِيث يبتديأ
بسطر جَدِيد، ميز كَاتبه الاشعار بسطر على حِدة، وَلَكِن أوراقها
كَانَت منتشرة غير مرتبَة، وكطر أوراقها غير مَوْجُودَة أَيْضا، جَمِيع
أوراق النُّسْخَة
237 وفى كل صفحة 26 سطرا.
تبتدئ هَذِه النُّسْخَة من الْجُزْء التَّاسِع وتنتهى إِلَى الْجُزْء
الْعشْرين، وَلَيْسَ فِيهَا الْجُزْء الْخَامِس عشر، وَيعلم بهَا أَن
كاتبها وزعها على عشْرين جُزْءا.
وفى آخر النُّسْخَة مَا لَفظه: " آخر الْكتاب، صلى الله عَلَيْهِ
مُحَمَّد وَسلم كثيرا، فرغ مِنْهُ فِي ذى الْقعدَة من سنة ثِنْتَيْنِ،
وَخمسين وَمِائَتَيْنِ ".
فهى أقدم نُسْخَة وصلت إِلَيْنَا لانها كتبت بعد ثمانى وَعشْرين سنة
فَقَط أقدم نُسْخَة وصلت إِلَيْنَا لانها كتبت بعد ثمانى وَعشْرين سنة
فَقَط من وَفَاة الْمُؤلف، مَعَ أَن صِحَّتهَا وقدامتها ظاهرتان من
تَارِيخ كتَابَتهَا لَكِن استفدنا مِنْهَا بعد جد وَجهد على قدر
المستطاع لانها مشوشة غير مرتبَة.
(المقدمة/16)
4 - النُّسْخَة الرَّابِعَة هِيَ عكس
نُسْخَة جَامِعَة الازهر بِمصْر، كتب فِي فهرس المخطوطات المصورة ج 1 ص
88 فِي شَأْنهَا: " نُسْخَة عَلَيْهَا سماعات لبَعض الْعلمَاء مِنْهُم
ابْن أَبى شامة مؤرخ 711 (الازهر 296) 165705 - حَدِيث 146 ق، 18 ب 29
سم) ".
هَذِه النُّسْخَة فِي الْخط الْمُعْتَاد، والمتازت بِأَنَّهَا مشكة
بالحركات من الاول إِلَى الاخر، وهى تبتدئ من أثْنَاء أَحَادِيث عمر
رضى الله عَنهُ إِلَى آخرهَا، وفى كل صفحة نَحْو 21 طرا، فهى أَيْضا
نَاقِصَة، وفى آخرهَا: " وَفرغ من نُسْخَة (كَذَا) فِي الْمحرم سنة
إِحْدَى عشرَة، وثلاثمائة وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل ".
وَلَا خيفى أَن رِوَايَات الحَدِيث جمعت فِي النّسخ كلهَا سوى الاولى،
وَلَا فرق بَين أسايند النّسخ إِلَّا أَن الْكَاتِب كتب اسْم الراوى
غَلطا فِي بعض الْمَوَاضِع، لَعَلَّ هَذَا من زلَّة الْقَلَم وصححناه
من كتب الرِّجَال كالتهذيب ولسان الْمِيزَان والاصابة وَتَذْكِرَة
الْحفاظ وَغَيرهَا.
التَّصْحِيح وَالتَّعْلِيق لكَون سنة المكتبة المحمدية كَامِلَة وافية
جعلناها أساسا وقابلناها بالنسخ الاخر، ثمَّ خرجنَا الاحاديث المكذورة
فِيهَا عَن " مُعْجم أَلْفَاظ الحَدِيث "، ثمَّ صححنا متن الْكتاب
بِحَسب الوسع والامكان، وراجعنا الاشعار والامثال الَّتِى وجدناها فِي
هَذَا الْكتاب وطلبنا مآخذها من الدَّوَاوِين الْمَشْهُورَة
الْمَوْجُودَة وَكتب اللُّغَة والامثال، وَبينا الِاخْتِلَاف أَيْنَمَا
وجد وزدنا البحور، وَأما الْحَوَاشِي الْمَوْجُودَة بِهَامِش الاصل
والمأخوذة من شمس الْعُلُوم وغيهرا من الْكتب فراجعنا لَهَا الاصول.
(المقدمة/17)
أما الامور الَّتِى تَركهَا أَبُو عبيد
بصدد شرح الالفاظ وَكَانَ قد شرحها الْعَلامَة الزَّمَخْشَرِيّ
والخطابى وَابْن الاثير فِي كتبهمْ ومصنفاتهم فزدنا نَحن هَذِه
الْفَوَائِد فِي الذيل، وَكَذَلِكَ الايرادات الَّتِى جَاءَ بهَا ابْن
قُتَيْبَة فِي نقد شرح أَبى عبيد فِي كِتَابه " إصْلَاح الْغَلَط "
أضفناها أَيْضا فِي هَذِه الْكتاب وَبينا أَيْضا شرح اللُّغَات من كتاب
" المغيث " لابي مُوسَى المدينى لَا مزِيد الْفَائِدَة.
وسيخرج هَذَا الْكتاب بعون الله سُبْحَانَهُ فِي أَربع مجلدات يلْحق
بهَا فِي الاخر الفهارس التالية: 1 - فهرس الالفاظ اللُّغَوِيَّة
مرتبَة على حُرُوف الهجاء 2 - فهرس الابحاث اللُّغَوِيَّة والنحوية
والمسائل الْفِقْهِيَّة.
3 - فهرس الاشعار والقوافي والبحور وَأَسْمَاء الشُّعَرَاء.
4 - فهرس الامثال.
5 - فهرس الاعلام والقبائل.
6 - فهرس الامكنة.
7 - فهرس الْكتب.
وَلَا يفوتنى أَن أشر صَاحب الْفَضِيلَة مدير الدائرة الدكتور
مُحَمَّد عبد المعيد خَان رَئِيس آدَاب اللُّغَة الْعَرَبيَّة بالجامعة
العثمانية الذى تَحت إشرافه ومراقبته اسْتَطَعْت أَن أصحح هَذَا السّفر
الْجَلِيل وأعلق عَلَيْهِ، فأشكره شكرا جزيلا على مَا أنعم على بارشاده
إِلَى عوامل التَّصْحِيح والتنقيح، وَأَيْضًا قد صحّح ونقح أغلوطاتى
وسقطاتى بل شاركني فِي التَّصْحِيح وَالتَّعْلِيق من أول الْكتاب إِلَى
آخِره، فَشكر الله سَعْيه وَلَا يحرمنا من فيضه وفضله
(المقدمة/18)
وَكَذَلِكَ أوجه الثَّنَاء الْجَمِيل إِلَى
سَعَادَة الدكتور الْمَوْصُوف حَيْثُ أَنه أمدنى بعنايته وتوجهاته
إِلَى تَقْيِيد الاوزان الشعرية، وتصحيحاتها.
وأشكر عُلَمَاء الدائرة والمصحيحن والمصححين الَّذين ساعدوني فِي
تَصْحِيح مسودات الطَّبْع شكر الله مساعيهم.
وَالْحَمْد لله رب العلمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله
الْكَرِيم وَآله وَأَصْحَابه أجميعن.
مُحَمَّد عَظِيم الدَّين (كَامِل الْفِقْه من الجامعة النظامية) مصحح
دَائِرَة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن غرَّة شعْبَان الْمُعظم
1385 هـ.
حل الرموز المستعملة فِي تعاليق المجلد الثَّانِي من غَرِيب الحَدِيث
الاصل = مخطوطة غَرِيب الحَدِيث للمكتبة السعيدية ت = جَامع
التِّرْمِذِيّ جه = سنَن ابْن مَاجَه حم = مُسْند الامام أَحْمد بن
حَنْبَل رَحمَه الله
خَ = صَحِيح البُخَارِيّ د = سنَن أَبى دَاوُد دى = مُسْند الدَّارمِيّ
ر = مخطوطة غَرِيب الحَدِيث للمكتبة الرامفورية ش = شمس الْعُلُوم
لنشوان بن سعيد الْحِمْيَرِي (مخطوطة المكتبة الاصفية) ط = الموطء
للامام مَالك رَحمَه الله ل = مخطوطة غَرِيب الحَدِيث المحفوظة فِي
ليدن م = صَحِيح مُسلم ن = سنَن النَّسَائِيّ
(المقدمة/19)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد
لله وَحده وَبِه نستعين وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَسلم.
أَخْبرنِي القَاضِي الْأَجَل أَبُو الطّيب طَاهِر بن يحيى بن أبي
الْخَيْر العمراني قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ أَخْبرنِي أَبى يحيى بن أبي
الْخَيْر رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ غير مرّة قَالَ أَخْبرنِي
الشَّيْخ الإِمَام زيد بن الْحسن الفائشي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ
أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن المبلول قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق
قَالَ أخبرنَا الْفَقِيه أَبُو بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور الشهرزوري
قَالَ أخبرنَا
(1/1)
عبد الله بن أَحْمد القرضي قَالَ أخبرنَا
دعْلج بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ
بن عبد الْعَزِيز الأشنهي قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم
(1/2)
ابْن سَلام رَحمَه الله فِي حَدِيث
النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم: زويت لي الأَرْض فَأريت مشارقها
وَمَغَارِبهَا وسيبلغ ملك أمتِي مَا زوي لي مِنْهَا.
زوى قَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت أَبَا
عُبَيْدَة معمر بْن الْمثنى التَّيْمِيّ - من تيم قُرَيْش مَوْلَى
لَهُم - يَقُول: زُوِيَتْ جُمِعَتْ وَيُقَال: انْزَوَى القومُ بَعضهم
إِلَى بعض إِذا تَدانَوا وتضاموا وانزوت الْجلْدَة من النَّار
(1/3)
إِذا انْقَبَضَتْ واجْتَمَعَتْ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: وَمِنْه الحَدِيث الآخر: إِن الْمَسْجِد لَيَنْزَوِي من
النُخامَة كَمَا تَنْزَوِي الْجلْدَة من النَّار إِذا انْقَبَضَتْ
واجْتَمَعَتْ. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَلَا يكَاد يكون الانزواء إِلَّا
بانحراف مَعَ تقبض. قَالَ الْأَعْشَى: [الطَّوِيل]
يَزُيد يغُّض الطرفَ دوني كَأَنَّمَا ... زَوَى بَين عَيْنَيْهِ عَليّ
المحَاجِمُ
فَلَا يَنْبَسِطْ من بَين عَيْنَيْك مَا انْزَوَى ... وَلَا تلقني
إِلَّا وأنفك راغم
ترع وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِن منبري هَذَا عَليّ ترعة من ترع
الْجنَّة.
(1/4)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الترعة الرَّوْضَة
تكون على الْمَكَان الْمُرْتَفع خَاصَّة فَإِذا كَانَت فِي الْمَكَان
المطمئن فَهِيَ رَوْضَة [و -] قَالَ أَبُو زِيَاد الْكلابِي: أحسن مَا
تكون الرَّوْضَة عَليّ الْمَكَان الَّذِي فِيهِ غلظ وارتفاع أَلا تسمع
قَول الْأَعْشَى: [الْبَسِيط]
مَا روضةٌ من رياض الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خضراء جاد عَلَيْهَا
مُسْبِلٌ هَطِلُ
قَالَ فالحزن مَا بَين زبالة فَمَا فَوق ذَلِك مصعدا فِي بِلَاد نجد
وَفِيه ارْتِفَاع وَغلظ وقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الترعة
الدرجَة قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ غَيره: الترعة الْبَاب
كَأَنَّهُ قَالَ: منبري هَذَا على بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة.
(1/5)
قَالَ أَبُو عُبَيْد: إِن رَسُول اللَّه
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن منبري هَذَا على ترعة من ترع
الْجنَّة. فَقَالَ سهل [بْن سعد -] : أَتَدْرُونَ مَا الترعة هِيَ
الْبَاب من أَبْوَاب الْجنَّة. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ
الْوَجْه عندنَا. / الف / وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: إِن رَسُول اللَّه
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن قدمي على ترعة من ترع الْحَوْض.
هيع وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه قَالَ: إِن خير النَّاس رَجُل
مُمْسك بعنان فرسه فِي سَبِيل اللَّه كلما سمع هَيْعَةً طَار إِلَيْهَا
ويروى: من خير معاشِ رَجُل مُمْسك بعنان فرسه. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
الهيعة الصَّوْت الَّذِي تفزع مِنْهُ وتخافه من عَدو
(1/6)
قَالَ: وأصل هَذَا من الْجزع يُقَال: هَذَا
رجل هاع لَا ع وهائع وَلَا ئع إِذا كَانَ جَبَانًا ضَعِيفا وَقد هَاعَ
يَهِيْعُ هُيُوعا وهَيَعانا قَالَ أَبُو عبيدٍ وَقَالَ الطرماح [بْن
حَكِيم -] الطَّائِي: [الطَّوِيل]
أَنَا ابُن حماةِ الْمجد من آل مالكٍ ... إِذا جَعَلَتْ خُوْرَ
الّرِجال تَهِيْعُ
أَي تجبن والخور الضِّعَاف وَالْوَاحد خوار.
شعف [قَالَ أَبُو عُبَيْد -] وَفِي
الحَدِيث: أَو رَجُل فِي شعفة فِي غُنَيمة حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت.
قَوْله: فِي شعفة يَعْنِي رَأس الْجَبَل.
جبه كسع نخخ وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد
-] فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ فِي الْجَبْهَة وَلَا فِي
النَخَّة وَلَا فِي الكُسعة صَدَقَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
الْجَبْهَة الْخَيل والكسعة الْحمير والنخة الرَّقِيق قَالَ الْكسَائي
وَغَيره فِي الْجَبْهَة والكسعة مثله وَقَالَ الْكسَائي: هِيَ
النُّخَّة - بِرَفْع النُّون - وفسرها هُوَ وَغَيره فِي مَجْلِسه:
الْبَقر العوامل
(1/7)
قَالَ الْكسَائي: هَذَا كَلَام أهل تِلْكَ
النَّاحِيَة كَأَنَّهُ يَعْنِي أهل الْحجاز وَمَا وَرَاءَهَا إِلَيّ
الْيمن. وَقَالَ الْفراء: النُّخَّة أَن يَأْخُذ الْمُصدق دِينَارا بعد
فَرَاغه من أَخذ الصَّدَقَة وأنشدنا: [الْبَسِيط]
عمي الَّذِي منع الدينارَ ضاحية
دِينَار نخة كلب وَهُوَ مشهود
(1/8)
قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ النَّبِيّ صلي
اللَّه عَلَيْهِ [وَسلم] : أخرجُوا صَدقَاتكُمْ فان اللَّه قد أراحكم
من الْجَبْهَة والسجة والبجة. وفسرها أَنَّهَا كَانَت آلِهَة يعبدونها
فِي الْجَاهِلِيَّة وَهَذَا خلاف مَا [جَاءَ -] فِي الحَدِيث الأول
وَالتَّفْسِير فِي الحَدِيث وَالله أعلم أَيهمَا الْمَحْفُوظ من ذَلِك.
بدع وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول
اللَّه إِنِّي أبدع بِي فَاحْمِلْنِي. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال
للرجل إِذا كلت نَاقَته أَو عطبت وَبَقِي مُنْقَطِعًا بِهِ قد أبدع
بِهِ وَقَالَ الْكسَائي مثله وَزَاد فِيهِ [و -] يُقَال: أبدعت الركاب
إِذا كلت أَو عطبت. وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: لَا يكون
(1/9)
الإبداع إِلَّا بظلع. يُقَال: أبدعت بِهِ
رَاحِلَته إِذا ظلعت. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا لَيْسَ باخْتلَاف
وَبَعضه شَبيه بِبَعْض.
صنبر وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: إِن قُريْشًا كَانُوا يَقُولُونَ: إِن
مُحَمَّدًا صنبور. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الصنبور: النَّخْلَة تخرج من
أصل النَّخْلَة الْأُخْرَى لم تغرس. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الصنبور:
النَّخْلَة تبقي مُنْفَرِدَة ويدق / ب أَسْفَلهَا قَالَ: وَلَقي رَجُل
رجلا من الْعَرَب / فَسَأَلَهُ عَن نَخْلَة فَقَالَ: صنبر أَسْفَله
وعشش أَعْلَاهُ يَعْنِي دق أَسْفَله وَقل سعفه ويبس.
(1/10)
قَالَ أَبُو عُبَيْد: فشبهوه بهَا
يَقُولُونَ: إِنَّه فَرد لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا أَخ فاذا مَاتَ انْقَطع
ذكره. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَول الْأَصْمَعِي فِي الصنبور أعجب
إِلَيّ من قَول أَبِي عُبَيْدَة لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لم
يكن أحد من أعدائه من مُشْركي الْعَرَب وَلَا غَيرهم يطعن عَلَيْهِ فِي
نسبه وَلَا اخْتلفُوا فِي أَنه أوسطهم نسبا [صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
-] . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَوْس ابْن حجر يعيب قوما: [الْبَسِيط]
مُخَلَفونَ وَيَقْضِي النَّاس أمْرَهُمُ ... غشوْ الْأَمَانَة صنبور
فصنبور
(1/11)
ويروي: غش الْأَمَانَة ويروي: أهل
الْمَلَامَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فِي غشو ثَلَاثَة أوجه: غشو وغش
وغشى ويروى: غشى الْمَلَامَة أَي الْمَلَامَة تغشاهم. قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: والصنبور [أَيْضا -] فِي غير هَذَا القصبة [الَّتِي -] تكون
فِي الْإِدَاوَة من حَدِيد أَو رصاص يشرب مِنْهَا.
كهل وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّه سَأَلَ رجلا أَرَادَ الْجِهَاد
مَعَه [فَقَالَ لَهُ -] : هَلْ فِي أهلك من كَاهِل وَيُقَال من كَاهِل
فَقَالَ: نعم. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَأْخُوذ من الكهل يَقُول:
هَلْ فيهم من أسن وَصَارَ كهلا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال مِنْهُ
رَجُل كهل وَامْرَأَة كهلة. وأنشدنا [العذافر -] : [الرجز]
وَلَا أَعُود بعْدهَا كَرِيَّا ... أمارس الكهلة والصبيا
(1/12)
تيع
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: مَا يحملكم
على أَن تتايعوا فِي الْكَذِب كَمَا يتتايع الفَراش فِي النَّار قَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: التتايع التهافت فِي الشَّرّ والمتايعة عَلَيْهِ
يُقَال للْقَوْم: قد تتايعوا فِي الشَّرّ إِذا تهافتوا عَلَيْهِ
وسارعوا إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو عبيد: وَمِنْه قَول الْحَسَن بْن عَليّ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: إِن عليا أَرَادَ أمرا فتتايعت عَلَيْهِ
الْأُمُور فَلم يجد منزعًا - يَعْنِي فِي أَمر الْجمل. وَمِنْه
الحَدِيث [الْمَرْفُوع -] فِي الرجل يُوجد مَعَ الْمَرْأَة.
-] قَالَ أَبُو عبيد عَن الْحسن: لما نزلت [هَذِه الْآيَة -]
{وَالَّذِيْنَ}
(1/13)
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاْجلِدُوْهُمْ ثَمَانِيْنَ جَلْدَةً
وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أبَداً [وَأولِئكَ هُمُ
الْفَاسِقُوْنَ قَالَ سعد بْن عبَادَة: يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت
إِن رأى رَجُل مَعَ امْرَأَته رجلا فَقتله أتقتلونه بِهِ وَإِن أخبر
بِمَا رَأَى جلد ثَمَانِينَ أَفلا يضْربهُ بِالسَّيْفِ فَقَالَ رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: كفي بِالسَّيْفِ شا - أَرَادَ أَن
يَقُول: شَاهدا فَأمْسك - وَقَالَ: لَوْلَا أَن يتتايع فِيهِ الغيران
والسكران. قَالَ أَبُو عُبَيْد: يَقُول: كره أَن يَجْعَل السَّيْف
شَاهدا فيحتج بِهِ الغيران والسكران فيقتلوا فَأمْسك عَن ذَلِك. قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُقَال فِي التتايع: إِنَّه اللجاجة وَهُوَ يرجع
إِلَيّ هَذَا الْمَعْنى. قَالَ أَبُو عبيد: وَلم أسمع التتايع فِي
الْخَيْر إِنَّمَا سمعناه فِي الشَّرّ. / الف
زلل وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: / من أزلت
(1/14)
إِلَيْهِ نعْمَة فليشكرها. قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: قَوْله أزلت إِلَيْهِ نعْمَة يَعْنِي أسديت إِلَيْهِ
واصطنعت عِنْده يُقَال مِنْهُ: أزللت إِلَيّ فلَان نعْمَة فَأَنا أزلها
إزلالا. وقَالَ أَبُو زَيْدُ الْأَنْصَارِيّ مثله وَأنْشد أَبُو عبيد
لكثير: [الطَّوِيل]
وَإِنِّي وَإِن صدت لمثن وصادقٌ ... عَلَيْهَا بِمَا كَانَت إِلَيْنَا
أزلتِ
قَالَ أَبُو عُبَيْد: ويروى لدينا أزلت. قَالَ: وَقد روى بَعضهم: من
أنزلت إِلَيْهِ نعْمَة وَلَيْسَ هَذَا بِمَحْفُوظ وَلَا لَهُ وَجه فِي
الْكَلَام.
ربع وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّه مر بِقوم
(1/15)
يربعون حجرا - و [فِي -] بعض الحَدِيث:
يرتبعون - فَقَالُوا: هَذَا حجر الْأَشِدَّاء فَقَالَ: أَلا أخْبركُم
بأشدكم من ملك نَفسه عِنْد الْغَضَب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرّبع
أَن يشال الْحجر بِالْيَدِ يفعل ذَلِك لتعرف بِهِ شدَّة الرجل. قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَال ذَلِك فِي الْحجر خَاصَّة. قَالَ أَبُو
مُحَمَّد الْأمَوِي أَخُو يحيى بْن سَعِيد فِي الرّبع مثله.
جذا قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَمن
هَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه مر بِقوم يَتَجَاذَون حجرا - ويروى:
يجذون حجرا - فَقَالَ: عُمَّال اللَّه أقوى من هَؤُلَاءِ. [و -] كل
هَذَا من الرّفْع والإشالة وَهُوَ مثل الرّبع. قَالَ أَبُو عبيد: عَن
النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه مر بِقوم يتجاذون
(1/16)
مهراسًا فَقَالَ: أتحسون الشدَّة فِي حمل
الْحِجَارَة إِنَّمَا الشدَّة أَن يمتلئ أحدكُم غيظًا ثُمَّ يغلبه.
وَقَالَ الْأمَوِي: المربعة أَيْضا الْعَصَا الَّتِي تحمل بهَا
الْأَحْمَال حَتَّى تُوضَع على ظُهُور الدَّوَابّ. قَالَ أَبُو عبيد
وأنشدني الْأمَوِي:
[الرجز]
أَيْنَ الشظاظان وَأَيْنَ المِرْبَعَه ... وَأَيْنَ وَسُقُ النَّاقة
المْطَبَّعَه
قَوْله: الشظاظان [هما -] العودان اللَّذَان يجعلان فِي عرى الجوالق
والمطبعة المثقلة.
ضيف وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي عَن الصَّلَاة إِذا تضيفت
الشَّمْس للغروب.
(1/17)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله:
تَضَيَّفَتْ [يَعْنِي -] مَالَتْ للمغيب يُقَال مِنْهُ: قد ضافَتْ
فَهِيَ تَضِيف ضيفا - إِذا مَالَتْ
صَاف قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْه سمي الضَّيْف ضيفًا يُقَال مِنْهُ:
ضفت فلَانا - إِذا ملت إِلَيْهِ وَنزلت بِهِ وأضفته فَأَنا أضيفه -
إِذا أمتله إِلَيْك وأنزلته عَلَيْك وَلذَلِك قيل: هُوَ مُضَاف إِلَى
كَذَا وَكَذَا - أَي [هُوَ -] ممال إِلَيْهِ قَالَ إمرؤ الْقَيْس:
[الطَّوِيل]
فَلَمَّا دَخَلْناه أَضَفْنا ظُهورَنا ... إِلَى كل حارٍىّ جديدٍ
مشَطَّبِ
أَي أسندنا ظُهُورنَا إِلَيْهِ وأملناها وَمِنْه قيل للدعي: مُضَاف
لِأَنَّهُ مُسْند إِلَى قوم لَيْسَ مِنْهُم وَيُقَال: ضاف السهْم يضيف
- إِذا عدل عَن الهدف
(1/18)
وَهُوَ من هَذَا. وَفِيه لُغَة أُخْرَى
لَيست فِي الحَدِيث: صَاف السهْم بمعني ضاف قَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي
يذكر الْمنية: [الْخَفِيف]
كل يومٍ ترمِيهِ مِنْهَا برِشْقٍ ... فَمُصِيْبٌ أَو صَاف غير بَعِيْدِ
صَاف أَي عدل فَهَذَا بالصَّاد وَأما [الَّذِي -] فِي الحَدِيث
فبالضاد.
رشق قَالَ أَبُو عبيد: الرشق
الْوَجْه من الرَّمْي إِذا رموا وَجها / ب بِجَمِيعِ سِهَامهمْ
قَالُوا: / رمينَا رِشقا. والرَّشق: الْمصدر يُقَال [مِنْهُ -] رشقت
رشقا.
(1/19)
كلأ
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي
عَن [بيع -] الكالىء بالكالىء. قَالَ أَبُو عُبَيْد: هُوَ النَّسِيئَة
بِالنَّسِيئَةِ - مَهْمُوز قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْه قَوْلهم:
أنسأ اللَّه فلانَا - أَجله ونَسأ اللَّه فِي أَجله - بِغَيْر ألف.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال من الكالىء: تَكَلأت - أَي
استنسأت نَسِيئَة. والنسيئة التَّأْخِير أَيْضا وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ} إِنَّمَا هُوَ
تأخيرهم تَحْرِيم الْمحرم إِلَى صفر. وَقَالَ الْأمَوِي فِي الكُلأة
مثله قَالَ الْأمَوِي: يُقَال: بلغ اللَّه بك أكلأ الْعُمر - يَعْنِي
آخِره وأبعده وَهُوَ من التَّأْخِير. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ
الشَّاعِر يذم رجلا: [الرجز]
وعينه كالكالئ الضِمارِ
يَعْنِي بِعَيْنِه حاضره وَشَاهده يَقُول: فالحاضر من عطيته كالضمار
وَهُوَ
(1/20)
الْغَائِب الَّذِي لَا يرتجى.
نسأ قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَقَوله:
النَّسِيئَة بِالنَّسِيئَةِ فِي وُجُوه كَثِيرَة من البيع مِنْهَا: أَن
يُسّلم الرجل إِلَيّ الرجل مائَة دِرْهَم إِلَيّ سنة فِي كُرّ طَعَام
لكُرّ فَإِذا انْقَضتْ السّنة وَحل الطَّعَام عَلَيْهِ قَالَ الَّذِي
عَلَيْهِ الطَّعَام للدافع: لَيْسَ عِنْدِي طَعَام لَكِن بِعني هَذَا
الكُرَّ بِمِائَتي دِرْهَم إِلَيّ شهر فَهَذِهِ نَسِيئَة انْتَقَلت
إِلَيّ نَسِيئَة وكل مَا أشبه ذَلِك. وَلَو كَانَ قبض الطَّعَام مِنْهُ
ثُمَّ بَاعه مِنْهُ أَو من غَيره بنسيئة لم يكن كالئا بكالىء
ضمر قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَمن
الضمار قَول عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فِي كِتَابه إِلَى مَيْمُون بْن
مهْرَان فِي الْأَمْوَال الَّتِي كَانَت فِي بَيت المَال من
الْمَظَالِم أَن يردهَا وَلَا يَأْخُذ زَكَاتهَا: فَإِنَّهُ كَانَ
مَالا ضمارًا - يَعْنِي لَا يرجي. قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأعشي:
[المتقارب]
أرانا إِذا أضمرتك البلا ... دنجفى وتقطع منا الرَّحِم
نفه وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد] : فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ لعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن
الْعَاصِ وَذكر قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار: إِنَّك إِذا فعلت
ذَلِك هَجَمَت عَيناكَ ونَفِهَتْ نَفسك. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
قَوْله: نَفِهَت نفَسُك - أَعيت وكَلَّتْ. وَيُقَال للمُعيي: مُنَفَّةٌ
ونافِةُ وَجمع نافه نُفَّةُ. قَالَ أَبُو عَمْرو: هَجَمَتْ عينُك -
غارت وَدخلت.
هجم قَالَ أَبُو عبيد وَمِنْه:
(1/21)
هجمت عَليّ الْقَوْم - أدخلت عَلَيْهِم
وَكَذَلِكَ: هجم عَلَيْهِم البيتُ - إِذا سقط عَلَيْهِم. قَالَ أَبُو
عَمْرو: نفهت نَفسك - أَي أعيت وكلت مثل قَول أَبِي عُبَيْدَة. وَقَالَ
رؤبة يذكر بلادا: [الرجز]
بِهِ تَمَطَتُ غولَ كل مِيلَهِ ... بِنَا حراجيج المطايا النفه
ويروي: المهاري النُّفَّهِ - يَعْنِي المُعْييَة. وواحدها نافه
ونافهةٌ. وَقَوله: كل ميله يَعْنِي الْبِلَاد الَّتِي توله النَّاس
بهَا كالإنسان الواله المتحير.
همى وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَن رجلا سَأَلَهُ / الف فَقَالَ: يَا
رَسُول اللَّه إِنَّا نُصيبُ هَوَامِىَ الْإِبِل / فَقَالَ: ضَالَّة
الْمُؤمن - أَو: الْمُسلم - حرق النَّار.
(1/22)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله: الهوامي -
الْمُهْملَة الَّتِي لَا راعي لَهَا وَلَا حَافظ يُقَال مِنْهُ: نَاقَة
هاميةٌ وبعيرٌ هامٍ وَقد هَمَتْ تهمي همْيًا - إِذا ذهبت فِي الأَرْض
عَليّ وجوهها لرعي أَو غَيره وَكَذَلِكَ كل ذَاهِب وسَائل من مَاء أَو
مطر وأنْشد لطرفة وَيُقَال: إِنَّه لمرقش: [الْكَامِل]
فسقي دِيَارك غير مفسدها ... صوبُ الرّبيع وديمةٌ تهمِىْ
يَعْنِي تسيل وتنصب. وقَالَ أَبُو عَمْرو مثله أَو نَحوه وَقَالَ أَبُو
زَيْدُ وَالْكسَائِيّ: هَمَتْ عينُه تَهْمِي هميا - إِذا سَالَتْ ودمعت
وَهُوَ من ذَلِك أَيْضا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا من
الهائم إِنَّمَا يُقَال من الهائم: هام يهيم وَهِي إبل هوائم وَتلك
الَّتِي فِي الحَدِيث هوامي إِلَّا أَن تَجْعَلهُ فِي المعني مثله
وَأَحْسبهُ من المقلوب كَمَا قَالُوا: جذب وجبذ
(1/23)
وضب وبض - إِذا سَالَ المَاء أَو غَيره
وَأَشْبَاه ذَلِك.
أرب وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أَتَى بكتف مُؤرَّبة فَأكلهَا وَصلى
وَلم يتَوَضَّأ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو عَمْرو: المؤربة هِيَ
الموفرة الَّتِي لم ينقص مِنْهَا شَيْء.
شلو قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَال
مِنْهُ: أرَّبت الشَّيْء تأريبًا - إِذا وفرته وَلَا أرَاهُ أَخذ
إِلَّا من الإرب وَهُوَ الْعُضْو يُقَال: قطعته إربًا إربًا - أَي عضوا
عضوا. قَالَ أَبُو زبيد فِي المؤرب: [الطَّوِيل]
وأعطِىَ فَوق النّصْف ذُو الْحق مِنْهُم ... وأظلم بَعْضًا أَو
جَمِيعًا مؤربا
(1/24)
وَقَالَ الْكُمَيْت بْن زَيْدُ الْأَسدي:
[الطَّوِيل]
ولانتشلت عُضْوَيْنِ مِنْهَا يُحَابِرُ ... وَكَانَ لعبد الْقَيْس
عُضْو مُؤرّبُ
أَي تَامّ لم ينقص مِنْهُ شَيْء. والشلو أَيْضا الْعُضْو. وَمِنْه
حَدِيث عَليّ فِي الْأُضْحِية: ائْتِنِي بشلوها الْأَيْمن. يُقَال:
عُضْو وعضو - لُغَتَانِ.
صفر وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: لَا عدوى وَلَا هَامة وَلَا صفر وَلَا
غول. الصفر: دَوَاب الْبَطن. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سَمِعت يُونُس
يسْأَل رؤبة بن العجاج عَن الصفر فَقَالَ: هِيَ حَيَّة تكون فِي
الْبَطن تصيب الْمَاشِيَة
(1/25)
وَالنَّاس وَهِي أعدى من الجرب عِنْد
الْعَرَب. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأبْطل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَنَّهَا تعدِي وَيُقَال: إِنَّهَا تشتد عَليّ الْإِنْسَان إِذا جَاع
وتؤذيه قَالَ أعشي باهلة يرثي رجلا:
[الْبَسِيط]
لَا يتأرَّى لما فِي القِدرِ يرقبه ... وَلَا يعَض على شُرَسُوِفه
الصفر
هام قَالَ أَبُو عبيد: ويروى:
[الْبَسِيط]
لَا يشتكي السَّاق من أَيْنَ وَلَا وصب ... وَلَا يعَض عَليّ
شُرْسُوِفه الصفُر
ويروى: وَلَا وصم. وقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي الصفر أَيْضا: إِنَّه
يُقَال: هُوَ تأخيرهم الْمحرم إِلَى صفر فِي تَحْرِيمه. قَالَ: وَأما
الهامة فَإِن الْعَرَب تَقول كَانَت تَقول: إِن عِظَام الْمَوْتَى تصير
(1/26)
هَامة فتطير / وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي
الصفر مثل قَول رؤبة وَقَالَ فِي / ب الهامة مثل قَول أَبِي عُبَيْدَة
إِلَّا أَنه قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: يسمون ذَلِك الطَّائِر الَّذِي
يخرج من هَامة الْمَيِّت إِذا بلَى الصدى
صدى قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجمعه أصداء وكل هَذَا قد جَاءَ فِي
أشعارهم قَالَ أَبُو دؤاد الْإِيَادِي:
[الْخَفِيف]
سُلَّطَ الموتُ والمنونُ عَلَيْهِم ... فَلَهُمْ فِي صَدَى المقابِرِ
هاُمْ
فَذكر الصدى والهام جَمِيعًا وَقَالَ لبيد يرثى أَخَاهُ أَرْبَد:
[الوافر]
فَلَيْسَ النَّاس بعْدك فِي نقير ... وَمَا هُمْ غير أصداء وهام
وَهَذَا كثير فِي أشعارهم فَرد النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم
ذَلِك. [و -] قَالَ أَبُو زَيْدُ فِي الصفر مثل قَول أَبِي عُبَيْدَة
الأول وَقَالَ أَبُو زَيْدُ: هِيَ الهامة - مُشَدّدَة الْمِيم يذهب
إِلَى وَاحِدَة الْهَوَام وَهِي دَوَاب
(1/27)
الأَرْض قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أرى
أَبَا زَيْدُ حفظ هَذَا وَلَيْسَ لَهُ معنى. وَلم يقل أحد مِنْهُم فِي
الصفر إِنَّه من الشُّهُور غير أَبِي عُبَيْدَة وَالْوَجْه فِيهِ
التَّفْسِير الأول.
دغر وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ للنِّسَاء: لَا تُعَذّبِنَ
أولادَكن بالدَّغر. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ غمز الْحلق وَذَلِكَ
أَن الصَّبِي تَأْخُذهُ الْعذرَة وَهُوَ وجع يهيج فِي الْحلق من الدَّم
فَإِذا عولج مِنْهُ صَاحبه قيل: عذرته فَهُوَ مَعْذُور قَالَ جرير بن
الخطفى: [الْكَامِل]
غَمَزَ ابْن مرّة يَا فرزدق كينها ... غمز الطَّبِيب نغانغ الْمَعْذُور
(1/28)
والنغانغ لحمات تكون عِنْد اللهوات
وَاحِدهَا: نغنغ والدغر أَن ترفع الْمَرْأَة ذَلِك الْموضع بأصبعها
يُقَال: دغرت أدغر دغرًا. قَالَ أَبُو عبيد: وَيُقَال للنغانغ أَيْضا:
اللغانين وَاحِدهَا لغنون واللغاديد وَاحِدهَا: لغدود وَيُقَال: لغد
فَمن قَالَ: لغد للْوَاحِد قَالَ للْجَمِيع: ألغاد. وَمن الدغر حَدِيث
عَليّ رَضِيَ الله عَنْهُ: لَا قطع فِي الدغرة ويرْوى: الدغرة. ويفسرها
الْفُقَهَاء [أَنَّهَا -] الخلسة. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهِي عِنْدِي
من الدّفع أَيْضا وَهِي الدغرة - بجزم الْغَيْن وَإِنَّمَا هُوَ توثب
المختلس وَدفعه نَفسه عَليّ الْمَتَاع ليختلسه وَيُقَال فِي مثل: دغرى
لَا صفي ودغرًا لَا صفا يُقَال: ادغروا عَلَيْهِم وَلَا تصافوهم
وَهَذَا أَيْضا مثل
(1/29)
قَوْلهم: عقرى حلقي وعقرًا حلقا. |