غريب الحديث للقاسم بن سلام بذج
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: يُؤْتى
بِابْن آدم يَوْم
(1/164)
الْقِيَامَة كَأَنَّهُ بَذَجٌ من الذُّل.
قَالَ الْفراء: قَوْله: بذج - قَالَ: هُوَ ولد الضَّأْن وَجمعه بِذجان.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَهَذَا مَعْرُوف عِنْدهم قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
قَالَ الشَّاعِر:
[الرجز]
قدْ هَلَكَتْ جَارَتُنَا من الهَمَجْ ... وَإِن تجُعْ تأكلْ عتودًا أَو
بَذَجْ
فالبذج من أَوْلَاد الضَّأْن والعَتُود من [أَوْلَاد -] الْمعز وَهُوَ
مَا قد شب وقوى وَمن العتود حَدِيث الرجل حِين ذبح قبل الصَّلَاة
فَأمره النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعيد فَقَالَ:
عِنْدِي عَتُود.
(1/165)
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه
عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لَعَنَ النامِصَةَ والمُتَنَمِّصَةَ
والواشِرَةَ والمُؤْتَشِرَةَ والواصِلَةَ والْمُسْتَوْصِلةَ
والْوَاشِمَة والمُسْتَوْشِمَة. قَالَ الْفراء: النامصة الَّتِي تنتف
الشّعْر من الْوَجْه وَمِنْه قيل للْمِنقَاش: المنماص لِأَنَّهُ ينتف
بِهِ والمتنمصة الَّتِي تفعل ذَلِك بهَا. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف
نباتا قد رَعَتْه الْمَاشِيَة فأكلته ثُمَّ نبت مِنْهُ بِقدر مَا يُمكن
أَخذه فَقَالَ: [الطَّوِيل]
تجَبَّرَ بَعْدَ الأكْلِ فَهُوَ نَمِيْصُ
يَقُول: هُوَ بِقدر مَا ينمص وَهُوَ أَن ينتف مِنْهُ وَيُجَزُّ.
وَقَالَ غير الْفراء: الواشرة الَّتِي تَشِرُ أسنانها وَذَلِكَ
أَنَّهَا تُفَلَّجها وَتُحَدِّدُها حَتَّى يكون لَهَا أُشُرٌ والأشر
(الأشر) : تحددٌ ورِقِّةٌ فِي أَطْرَاف الْأَسْنَان وَمِنْه قيل: ثغر
مؤشر [و -] إِنَّمَا يكون ذَلِك فِي أَسْنَان الْأَحْدَاث تَفْعَلهُ
الْمَرْأَة تتشبه بأولئك. وَأما الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة
فَإِنَّهُ فِي الشّعْر وَذَلِكَ أَنَّهَا تصله بِشعر آخر
(1/166)
وَمِنْه الحَدِيث الآخر عَن النَّبِيّ صلي
اللَّه عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة وصلت شعرهَا
بِشعر آخر كَانَ زُورا. وَقد رخصت الْفُقَهَاء فِي القرامل فَكل شَيْء
وصل بِهِ الشّعْر مَا لم يكن الْوَصْل شعرًا. وَأما قَوْله: الواشمة
والمستوشمة - فَإِن الوشم فِي الْيَد وَذَلِكَ أَن الْمَرْأَة كَانَت
تغرز [ظهر -] كفها ومِعْصَمَها بإبرة أَو مِسَلة / حَتَّى تُؤثر فِيهِ
20 / الف ثمَّ تحشوه بالكحل أَو بالنؤور فيخضر يفعل ذَلِك بدارات ونقوش
يُقَال مِنْهُ: قد وشمت تَشِم وَشْماً فَهِيَ واشمة وَالْأُخْرَى
موشومة ومستوشمة. وَمِنْه حَدِيث قيس بْن حَازِم قَالَ: دخلت على أبي
بَكْر فَرَأَيْت أَسمَاء بِنْت عُمَيْس موشومة الْيَدَيْنِ. قَالَ
أَبُو عُبَيْد: وَلَا أرى هَذَا الْفِعْل كَانَ مِنْهَا
(1/167)
إِلَّا فِي الْجَاهِلِيَّة ثُمَّ بَقِي
فَلم يذهب. قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا يُرَاد من الحَدِيث أَنه رأى
كفها [و -] قَالَ لبيد فِي الواشمة: [الْكَامِل]
أَو رَجْع واشمة أُسِفَّ نَؤُوْرُهَا ... كِفَفٌ تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ
وِشَامُهَا
وَقَالَ آخر: [الوافر]
كَمَا وُشِمَ الرواهِشُ بالنَّؤورِ
[قَالَ -] : وَهَذَا فِي أشعارهم كثير لَا يُحْصى. وَقَالَ [أَبُو
عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ لعيينةِ أَو
لغيره وَطلب القوَد لوَلِيّ لَهُ قتل: أَلا الْغَيْر تُرِيدُ [و -]
قَالَ بَعضهم: أَلا تقبل الغِيَرَ قَالَ الْكسَائي: الْغَيْر الدِّيَة
وَهُوَ وَاحِد مُذَكّر وَجمعه أغيار.
(1/168)
وَقَالَ غَيره وَلَا أعلمهُ إِلَّا أَبَا
عَمْرو الْغَيْر جمع الدِّيات والواحدة غيرَة قَالَ بعض بني عُذْرة:
[الْبَسِيط]
لَنَجْدَعَنَّ بِأَيْدِيْنَا أُنُوْفكُمْ ... بني أُمَيْمَة إِن لم
تقبلُوا الغيرا
كنف قَالَ أَبُو عُبَيْد:
وَإِنَّمَا سميت الدِّيَة غِيَراً فِيمَا ترى من غير الْقَتْل
لِأَنَّهُ كَانَ يحب القَوَد فَغير القَوَد دِيَة فسميت الدِّيَة
غِيراً. وَيبين ذَلِك حَدِيث يرْوى عَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنه
قَالَ لعمر فِي الرجل الَّذِي قتل امْرَأَة وَلها أَوْلِيَاء فَعفا
بَعضهم فَأَرَادَ عُمَر أَن يَقِيْدَ لمن لم يعف مِنْهُم فَقَالَ [لَهُ
-] عَبْد اللَّه: لَو غَيّرت بِالدِّيَةِ كَانَ فِي ذَلِك وَفَاء
لهَذَا الَّذِي لم يَعْفُ وَكنت قد أتممت للعافي عَفوه فَقَالَ عُمَر:
كنيف ملئ عِلْماً قَوْله: كنيف - هُوَ تَصْغِير الكنف وَهُوَ وعَاء
الأداة الَّتِي يعْمل بهَا فشبهه فِي الْعلم بذلك وَإِنَّمَا صغره على
وَجه الْمَدْح
(1/169)
لَهُ عندنَا كَقَوْل حُباب بْن الْمُنْذر:
أَنَا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ وعُذَيْقُها المرجب منا أَمِير ومنكم
أَمِير وَقَوْلهمْ: فلَان صُديقي - وَهُوَ يُرِيد أخص أصدقائي.
حنك وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُحَنِّك أَوْلَاد
الْأَنْصَار. قَالَ اليزيدي: التحنيك أَن يمضغ التَّمْر ثُمَّ يدلكه
بحنك الصَّبِي دَاخل فَمه يُقَال مِنْهُ: حَنَكْتُه وحَنَّكْتُه -
بتَخْفِيف وَتَشْديد - فَهُوَ محنوك ومحنك.
رغس وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَن رجلا رَغَسَه الله مَالا. قَالَ
الْأمَوِي: رغسه - أَكثر لَهُ مِنْهُ وَبَارك لَهُ فِيهِ. قَالَ أَبُو
عبيد: يُقَال مِنْهُ: رغسه الله يَرْغَسَه رغسًا - إِذا كَانَ مَاله
(1/170)
ناميًا كثيرا وَكَذَلِكَ فِي الْحسب
وَغَيره وَقَالَ العجاج / يمدح بعض الْخُلَفَاء: [الرجز] 20 / ب ...
خَلِيْفَةً ساسَ بِغَيْر تَعْسِ ... أمامَ رَغْسٍ فِي نِصاب رَغْسِ
والنصاب: الأَصْل.
كعم كمع وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -]
: فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي عَن المكامعة والمكاعمة.
قَالَ غير وَاحِد: أما المكاعمة أَن يَلْثِمَ الرجل صَاحبه أَخذه من
كِعام الْبَعِير وَهُوَ أَن يشد فَمه إِذا هاج يُقَال مِنْهُ:
كَعَمْتَهُ أكْعَمه كعما فَهُوَ مكعوم وَكَذَلِكَ كل مشدود الْفَم
فَهُوَ مكعوم قَالَ ذُو الرمة يصف الفلاة: [الْبَسِيط]
(1/171)
بَين الرَّجَا والرَّجَا مِن جَنْبٍ
واصِيةٍ ... يَهْمَاءَ خَابِطُهَا بِالخَوْفِ مَكْعُوْمُ ... يَقُول:
قد سد الْخَوْف فَمه فَمَنعه من الْكَلَام فَجعل النَّبِيّ صلي اللَّه
عَلَيْهِ وَسلم اللثام حِين تلثمه بِمَنْزِلَة ذَلِك الكِعام. وَأما
قَوْله: المكامعة - فَهُوَ أَن يضاجع الرجلُ صَاحبه فِي ثوب وَاحِد
أَخذه من الكَميع والكِمْع [و -] هُوَ الضجيع وَمِنْه قيل لزوج
الْمَرْأَة: هُوَ كميعهاح قَالَ أَوْس بْن حجر يذكر أزْمَةً فِي شدَّة
الْبرد: [المنسرح]
وهَبَّتِ الشَّمْالُ البَلِيْلُ وَإِذ ... بَات كَمِيْع الفتاةِ
مُلْتَفِعَا
وَقَالَ البَعِيْثُ: [الطَّوِيل]
لما رَأَيْت الْهم ضاف كَأَنَّهُ ... أَخُو لطف دون الْفراش كميع
(1/172)
سمل
جوى وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام فِي
الرَّهْط العرنيين الَّذين قدمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَة فاجْتَوَوْها
فَقَالَ: لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فأصبتم من أبوالها وَأَلْبَانهَا
فَفَعَلُوا فصحوا فمالوا على الرعاء فَقَتَلُوهُمْ وَاسْتَاقُوا
الْإِبِل وَارْتَدوا عَن الْإِسْلَام فَأرْسل النَّبِيّ عَلَيْهِ
السَّلَام فِي آثَارهم فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم وسَمَل
أَعينهم وَتركُوا بِالْحرَّةِ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ: السَّمْل أَن
تفْقَأ الْعين بحديدة محماة أَو بِغَيْر ذَلِك يَقُول من ذَلِك:
سَمَلْتُ عينه أسمَلها سملا وَقد يكون السمل بالشوك.
(1/173)
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب يرثي بَنِينَ لَهُ
مَاتُوا: [الْبَسِيط]
فالعينُ بعدهُمُ كَأَن حداقها ... سملت بشوك فَهِيَ عُور ٌتَدْمع
وَقَالَ الشماخ يصف أَتَانَا وَيذكر أَن عينهَا قد غارت من شدَّة
الْعَطش: [الْبَسِيط]
قد وَكَّلَتْ بالهُدى إنسانَ ساهِمَةٍ ... كَأَنَّهُ من تَمام
الظَّمْءِ مسمولُ
قَالَ: وَقَوله: قدمُوا الْمَدِينَة فاجتووها قَالَ أَبُو زَيْدُ:
يُقَال: اجتويتُ الْبِلَاد إِذا كرهتها وَإِن كَانَت مُوَافقَة لَك فِي
بدنك وَيُقَال: استوبَلْتُها - إِذا لم توافقك فِي بدنك وَإِن كنت محبا
لَهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه قَول
النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فأصبتم من
أبوالها وَأَلْبَانهَا فَهَذَا رخصَة فِي شرب بَوْل مَا أكل لَحْمه
وَهَذَا أصل هَذَا الْبَاب وَكَذَلِكَ ولَو وَقع فِي غير مَاء لم ينجس.
وَأما قطع أَيْديهم وأرجلهم وسمل أَعينهم فيروون - وَالله أعلم - أَن
هَذَا 21 / الف كَانَ فِي أول الْإِسْلَام قبل أَن تَنْزل الْحُدُود
فنسخ / أَلا ترى أَن الْمُرْتَد لَيْسَ حَده إِلَّا الْقَتْل فَأَما
السمل فَإِنَّهُ مثله وَقد نهى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام عَن
الْمثلَة.
(1/174)
وَعَن ابْن سِيرِينَ قَالَ: كَانَ أَمر
العرنيين قبل أَن تنزل الْحُدُود قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فنرى أَن هَذَا
هُوَ النَّاسِخ للْأولِ - وَالله أعلم.
سطح غرر وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -]
: فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: فِي الْجَنِين أَن حمل بْن مَالك
بْن النَّابِغَة قَالَ لَهُ: إِنِّي كنت بَين جارتين لي فَضربت
إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِمسطح فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا وَمَاتَتْ
فَقضى رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم بدية المقتولة علىعاقلة
القاتلة وَجعل فِي الْجَنِين غُرّة عبدا أَو أمة. قَالَ: المِسْطح عود
من أَعْوَاد الخباء والْفسْطَاط ونَحوه. قَالَ مَالك بْن عَوْف النضري:
[الطَّوِيل]
تَعَرَّضَ ضيطار وفُعالة دُوننَا ... وَمَا خير ضيطارٍ يُقَلَّبُ
مِسْطَحَا
(1/175)
والضيطار: الضخم من الرِّجَال فَيَقُول:
لَيْسَ مَعَه سلَاح يُقَاتل بِهِ غير المِسْطح وَجمع الضيطار ضياطرة
وضياطر - قَالَهَا أَبُو عَمْرو.
وجور قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَأما
الغُرّة فَإِنَّهُ عبد أَو أمة [و -] قَالَ فِي ذَلِك مهلهل: [الرجز]
كلَ قَتِيل فِي كليبٍ غُرَّةٌ ... حَتَّى ينالَ القتلَ آل مره
يَقُول: [كلهم -] لَيْسُوا بكفؤ لكليب إِنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَة
العبيد وَالْإِمَاء إِن قتلتُهم حَتَّى أقتل آل مرّة فانهم الْأَكفاء
حِينَئِذٍ. وَأما قَوْله: كنت بَين جارتين لي - يُرِيد امرأتيه. وعَن
(1/176)
ابْن سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ
أَن يَقُولُوا: ضرّة وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا [لَا -] تذْهب من رزقها
بِشَيْء وَيَقُولُونَ: جَارة.
ملص وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث
آخر عَن عُمَر: إِنَّه سَأَلَ عَن إملاص الْمَرْأَة فَقَالَ الْمُغيرَة
بْن شُعْبَة قضى فِيهِ رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم بغرة.
فَهُوَ مثل هَذَا وَإِنَّمَا سَمَّاهُ إملاصا لِأَن الْمَرْأَة تزلقه
قبل وَقت الْولادَة وَكَذَلِكَ كل مَا زَلِقَ من الْيَد أَو غَيرهَا
فقد مَلِصَ يملَص مَلَصاً وأنشدني الْأَحْمَر: [الرجز]
فَرَّ وَأَعْطَانِي رِشاءً مَلِصاً
يَعْنِي رطبا يزلق من الْيَد فَإِذا فعلت أَنْت بذلك بِهِ قلت: أملصته
إملاصًا فَذَلِك قَوْله: إملاص الْمَرْأَة - يَعْنِي أَنَّهَا تزلقه.
صلا وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا دعِي أحدكُم
(1/177)
إِلَى طَعَام فليجب فَإِن كَانَ مُفطرا
فَليَأْكُل وَإِن [كَانَ -] صَائِما فليُصَلَّ. قَالَ: قَوْله: فَليصل
[يَعْنِي -] يَدْعُو لَهُ بِالْبركَةِ وَالْخَيْر. قَالَ أَبُو عبيد:
كل دَاع فَهُوَ مصل وَكَذَلِكَ هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَ
فِيهَا ذكر صَلَاة الْمَلَائِكَة كَقَوْلِه: الصَّائِم إِذا أكِلَ
عِنْده الطَّعَام صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة حَتَّى يُمْسِي
وَحَدِيثه: من صلى على النَّبِي صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم [صَلَاة -]
صَلَّت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة عشرا. وَهَذَا فِي حَدِيث كثير فَهُوَ
عِنْدِي كُله الدُّعَاء وَمثله فِي الشّعْر فِي غير مَوضِع قَالَ
الْأَعْشَى:
[المتقارب]
وصهباء طافَ يَهُودِيُّها ... وأبرزها وَعَلَيْهَا ختم
(1/178)
وقابَلَها الريحُ فِي دَنَّها ... وَصلى
على دَنَّها وارْتَسَمْ
/ وقابلها الرّيح فِي دنها أَي اسْتقْبل بهَا الرّيح يَقُول: دَعَا
لَهَا بالسلامة 21 / ب وَالْبركَة يصف الْخمر وَقَالَ أَيْضا:
[الْبَسِيط]
تَقول بِنْتِي وَقد قَرَّبْتُ مُرْتَحِلا ... يَا رَبَّ جَنَّبْ أَبِي
الأوصابَ والوجعَا
عليكِ مثلُ الَّذِي صَليتِ فَاغْتَمِضِي ... نومًا فَإِن لِجَنْبِ
المرءِ مُضْطَجِعَا
يَقُول: ليكن لَك مثل الَّذِي دَعَوْت لي. قَالَ أَبُو عبيد: وَأما
حَدِيث ابْن أبي أوفى أَنه قَالَ: أَعْطَانِي أبي صَدَقَة مَاله فَأتيت
بهَا رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ صل
(1/179)
على آل أبي أوفى فَإِن هَذِه الصَّلَاة
عِنْدِي الرَّحْمَة وَمِنْه قَوْلهم: اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد
وَمِنْه قَوْله {إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى
النَّبِيَّ يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صًلُّوا عَلَيْهِ} فَهُوَ
من اللَّه رَحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة دُعَاء وَالصَّلَاة ثَلَاثَة
أَشْيَاء: الدُّعَاء وَالرَّحْمَة وَالصَّلَاة.
طيب وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهي أَن يَسْتَطِيْبَ الرجل
بِيَمِينِهِ. قَالَ: الاستطابة الِاسْتِنْجَاء وَإِنَّمَا سمي استطابة
من الطّيب يَقُول: يطيب جسده مِمَّا عَلَيْهِ من الخَبَث بالاستنجاء
يُقَال مِنْهُ: قد
(1/180)
استطاب الرجل فَهُوَ مُسْتَطِيْبٌ وأطاب
نَفسه فَهُوَ مُطيب قَالَ الْأَعْشَى يذكر رجلا: [الرجز]
يَا رَخماً قَاظَ على مطلوبِ ... يُعْجِل كَفَّ الخارئ المطيبِ
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه بعث
ابْن مربع 5 الْأَنْصَارِيّ إِلَى أهل عَرَفَة فَقَالَ: اثْبُتُوا على
مشاعركم هَذِه فَإِنَّكُم على إِرْث من إِرْث إِبْرَاهِيم.
إِرْث - قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْإِرْث أَصله من الْمِيرَاث إِنَّمَا
هُو ورث فقلبت
(1/181)
الْوَاو ألفا مَكْسُورَة لكسرة الْوَاو
كَمَا قَالُوا للوسادة: إسادة وللوشاح: إشاح وللوكاف: إكاف وَقَالَ
اللَّه عز وَجل {وَإذَا الرُّسُّلُ أُقَّتَتْ} وَأَصلهَا من الْوَقْت
فَجعلت الْوَاو ألفا مَضْمُومَة لضمة الْوَاو كَمَا كسرت فِي تِلْكَ
الْأَشْيَاء لكسرة الْوَاو. فَكَأَن معنى الحَدِيث أَنكُمْ على
بَقِيَّة من ورث إِبْرَاهِيم وَهُوَ الْإِرْث قَالَ الحطيئة:
[الطَّوِيل]
فَاِنْ تَكُ ذَا عِزٍّ حديثٍ فانَّهُم ... ذَوُو إِرْث مجدٍ لم تخنه
زوافره
يَعْنِي الْأُصُول.
بعل وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام حِين ذكر أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ:
إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبِعال. وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
البعال النِّكَاح وملاعبةُ الرجلِ أهلَه
(1/182)
يُقَال للْمَرْأَة: [هِيَ -] تباعل زوجَها
بِعالاً ومباعلة - إِذا فعلت ذَلِك مَعَه قَالَ الحطيئة يمدح رجلا:
[الطَّوِيل]
وَكم من حصانٍ ذَات بعل تركتهَا ... إِذا اللَّيْل أدجى لم تَجِد مَن
تُباعلُهْ
يَقُول: إِنَّك قد قتلت زَوجهَا أَو أسرته. قَالَ الْكسَائي: أَيَّام
أكل وشِرْب. [قَالَ أَبُو عُبَيْد -] : وَكَانَ يرْوى عَن رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم أَنه بعث مناديا فَنَادَى فِي
أَيَّام التَّشْرِيق: إِنَّهَا أَيَّام اُكل وشَرْب. وَكَذَلِكَ كَانَ
/ الْكسَائي يقْرؤهَا: {فَشَارِبُوْنَ شُرْبَ الْهِيمِ} . 22 / ألف
والمحدثون يَقُولُونَ: أكل وَشرب.
سبر قزع وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام حِين ذكر
(1/183)
[فضل -] إسباغ الْوضُوء فِي السبرات. قَالَ
[أَبُو عُبَيْدَة -] : السبرة شدَّة الْبرد وَبهَا سمي الرجل سُبْرَة
وَجَمعهَا سبرات. وقَالَ الحطيئة يذكر إبِله وَكَثْرَة شحومها:
[الطَّوِيل]
عِظامُ مَقيلِ الهامِ غُلْبٌ رِقابُها ... يباكِرنَ جَرْعَ الماءِ فِي
السبراتِ
مهاريسُ يُروِى رِسلُها ضَيفَ أهلِهَا ... إِذا النارُ أبدتْ أوجُهَ
الخفراتِ
يَعْنِي شدَّة الشتَاء مَعَ الجدوبة يَقُول: فَهَذِهِ الْإِبِل لَا
تجرع من برد المَاء لسمنها واكتناز لحومها وَقد كَانَ ذكر فِي هَذِه
القصيدة قومه فنال مِنْهُم فَفِيهَا يَقُول لَهُ عُمَر فِيما يروي: بئس
الرجل أَنْت تهجو قَوْمك وتمدح إبلك. وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن القزع.
(1/184)
قزع
قَالَ أَبُو عُبَيْد: القَزَع أَن يحلق رأسُ الصَّبِي وَيتْرك مِنْهُ
مواضعُ فِيهَا الشّعْر مُتَفَرِّقَة. وَكَذَلِكَ كل شَيْء يكون قِطَعا
مُتَفَرِّقَة فَهُوَ قَزَع وَمِنْه قيل لِقطع السَّحَاب فِي السَّمَاء:
قَزَع. وَكَذَلِكَ حَدِيث عَليّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين ذكر فتْنَة
تكون: فَإِذا كَانَ ذَلِك ضرب يعسوبَ الدَّين بِذَنبِهِ فيجتمعون
إِلَيْهِ كَمَا يجْتَمع قَزَع الخريف - يَعْنِي قطع السَّحَاب وَأكْثر
مَا يكون ذَلِك فِي زمن الخريف قَالَ ذُو الرمة يذكر مَاء وبلادا
مُقْفرة لَيْسَ بهَا أنيس وَلَا شَيْء إِلَّا القطا:
[الوافر]
ترى عُصَبَ القطا هَمَلا عَلَيْهِ ... [كَأَن رِعالَه] قزعُ الجَهامِ
والجَهام: السَّحَاب الَّذِي لَا مَاء فِيهِ.
بله وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول الله [تبَارك - و -] تَعَالَى:
أعددتُ لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن
(1/185)
سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر بَلْه مَا
أطلعْتُم عَلَيْهِ. قَالَ الْأَحْمَر وَغَيره: قَوْله: بَلْهَ -
مَعْنَاهُ كَيفَ مَا اطلعتم عَلَيْهِ قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ كف مَا
اطلعتم عَلَيْهِ ودع مَا اطلعتم عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
وَكِلَاهُمَا مَعْنَاهُ جَائِز قَالَ فِي ذَلِك كَعْب بْن مَالك
الْأَنْصَارِيّ يصف السيوف:
[الْكَامِل]
تَذرُ الجماجمَ ضاحيًا هاماتُها ... بَلْهَ الأكفَّ كَأَنَّهَا لم
تُخْلَقِ
قَالَ أَبُو عُبَيْد: والأكف ينشد بالخفض وَالنّصب [وَالنّصب -] على
معنى دع الأكف وقَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي: [الْبَسِيط]
حمّالُ أثقالِ أهلِ الودَّ آونَةً ... أعطيهم الجَهْدَ مني بَلْهَ مَا
أسعُ
وَقَالَ ابْن هرمة: [الْبَسِيط]
(1/186)
تَمْشِي القَطوفُ إِذا غَنَّى الحُداة ُبها
... مَشى النجيبة بَلْهَ الْجِلَّة النجبا
سخن شوذ عصب وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد
-] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه بعث سَرِيَّة - أَو جَيْشًا
- فَأَمرهمْ أَن يمسحوا على المشاوِذِ والتسَّاخِين - وروى: على
العصائب والتساخين. قَالَ: التساخين الحِفاف. والمشاوِذ: العمائم
وَاحِدهَا مِشْوَذ قَالَ الْوَلِيد بْن عقبَة بن أبي معيط: [الطَّوِيل]
(1/187)
إِذا مَا شددتُ الرَّأْس مني بِمشْوَذٍ ...
فَغَيَّكِ مني تغلبُ ابنةَ وَائِل
وَكَانَ وليَ صدقَات بني تغلب. قَالَ أَبُو عبيد: والعصائب هِيَ
العمائم أَيْضا قَالَ الفرزدق:
[الطَّوِيل]
ورَكْبٍ كَأَن الرّيح تطلب مِنْهُم ... لَهَا سلبا من جذبها بالعصائب
22 - / ب / يَعْنِي أَن الرّيح تنفض ليَّ العمائم من شدتها
فَكَأَنَّهَا تسلبهم إِيَّاهَا.
خَفق وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام:
أَيّمَا سَرِيَّةٍ غزت فأخفقت كَانَ
لَهَا أجرهَا مرَّتَيْنِ.
(1/188)
قَالَ: الإخفاق أَن يَغْزُو فَلَا يغنم
شَيْئا قَالَ عنترة يذكر فرسه:
[الوافر]
فيُخفق مرّة ويُفيد أُخْرَى ... ويفجع ذَا الضغائن بالآريبِ
يَقُول: إِنَّه يغنم مرّة وَلَا يغنم أُخْرَى وَكَذَلِكَ كل طَالِب
حَاجَة إِذا لم يقضها فقد أخفق يُخفِق إخفاقًا وأصل ذَلِك فِي
الْغَنِيمَة.
خدش خَمش خدش خَمش وَقَالَ [أَبُو
عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: من سَأَلَ
وَهُوَ غَنِي جَاءَت مَسْأَلته يَوْم الْقِيَامَة خُدوشا أَو خُموشا
أَو كدوحًا فِي وَجهه قيل: وَمَا غناهُ قَالَ: خَمْسُونَ درهما أَو
عدلها من الذَّهَب.
(1/189)
كدح قَالَ أَبُو عُبَيْد: الخدوش فِي
الْمَعْنى مثل الخموش أَو نَحْو مِنْهَا يُقَال: خمشت الْمَرْأَة
وَجههَا تخمشه (تخمشه) خمشًا وخموشًا قَالَ لبيد يذكر نسَاء فِي مأتم
عَمه أبي برَاء: [الرجز]
يخمشن حر أوجه صِحَاح ... فِي السَّلب السود وَفِي الأمساح
قَوْله: وَفِي السَّلب وَاحِدًا سلاب يُرِيد الثِّيَاب السود الَّتِي
تلبسها النِّسَاء فِي المأتم. وَقَوله: كدوحًا - يَعْنِي آثَار الخدوش
وكل أثر من خدش أَو عض أَو نَحوه فَهُوَ
كدح وَمِنْه قيل لحِمَار الْوَحْش: مكدح لِأَن الْحمر يعضضنه.
وَفِي [هَذَا -] الحَدِيث من الْفِقْه أَن الصَّدَقَة لَا تحل لمن لَهُ
خَمْسُونَ درهما أَو نَحْوهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يعْطى من
زَكَاة وَلَا غَيرهَا من الصَّدَقَة خَاصَّة.
(1/190)
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه
عَلَيْهِ السَّلَام: من سَأَلَ وَله أوقيه فقد سَأَلَ النَّاس إلحافًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما فهذان الحديثان
أصل لمن تحل لَهُ الصَّدَقَة وَلمن لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة. وعَن
الْحَسَن قَالَ: يعْطى من الزَّكَاة من لَهُ الْمسكن وَالْخَادِم وَشك
أَبُو عبيد فِي الْفرس وَذَلِكَ إِذا لم يكن بِهِ غنى عَنهُ.
أثل وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام فِي ولي
(1/191)
الْيَتِيم أَنه يَأْكُل من مَاله غير متأثل
مَالا. قَالَ أَبُو عُبَيْد: المتأثل الْجَامِع وكل شَيْء لَهُ أصل
قديم أَو جمع حَتَّى يصير لَهُ أصل فَهُوَ مؤثل ومتأثل قَالَ لبيد:
[الْكَامِل]
لله نافلةُ الأجَلَ الْأَفْضَل ... وَله العلى وأثيث كلِ مؤثَّلِ
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: [الطَّوِيل]
ولكِنَّمَا أسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّل ... وَقَدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ
الْمُؤثَّلَ أمثاليِ
وأثلة الشَّيْء أَصله وَأنْشد الْأَعْشَى: [الْبَسِيط]
أَلَسْت مُنْتَهِياً عَن نَحْتِ أثْلَتِنَا ... وَلَسْتَ ضائرَها مَا
أطَتِ الإبلَ
وَمن ذَلِك حَدِيث عُمَر فِي أرضه بِخَيْبَر الَّتِي أمره رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم أَن يحبس أَصْلهَا ويجعلها صَدَقَة
فَفعل وَاشْترط فَقَالَ: ولمن وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا ويؤكل صديقا
غير متأثل فِيهِ -
(1/192)
ويروى: غير مُتَمَوّل. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَن الرجل / إِذا وقف وَقفا فَأحب أَن 23 / الف
يشْتَرط لنَفسِهِ أَو لغيره فِيهِ شرطا سوى الْوَجْه الَّذِي جعل
الْوَقْف فِيهِ كَانَ لَهُ ذَلِك بمالمعروف. أَلا ترَاهُ يَقُول: ويؤكل
صديقا فَهَذَا لَيْسَ من الْوَقْف فِي شَيْء ثُمَّ اشْترط شرطا آخر
فَقَالَ: غير متأثل فِيهِ - أَو غير مُتَمَوّل [فِيهِ -] فَإِنَّمَا
هُوَ بِالْقَصْدِ وَالْمَعْرُوف وَكَذَلِكَ الشَّرْط على ولي
الْيَتِيم.
حمم وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَن رجلا أوصى بنيه فَقَالَ: إِذا
[أَنا -] مت فأحرقوني بالنَّار حَتَّى إِذا صرت حممًا فاسحقوني ثُمَّ
ذروني [فِي الرّيح -] لعَلي أضلّ (أضلّ) الله.
(1/193)
فرع
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الحمم الفحم واحدتها حممة وَبِه سمي الرجل حممة
وَقَالَ طرفَة: [المديد]
أشْجاكَ الربعُ أم قِدَمُهْ ... أم رَمَادٌ دارس حممه
[و -] قَوْله: أضلّ اللَّه - أَي أضلّ عَنْهُ فَلَا يقدر عَليّ.
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: لَا فرعة
وَلَا عتيرة. قَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الفرعة وَالْفرع - بِنصب
الرَّاء قَالَ: وَهُوَ أول ولد تلده النَّاقة وَكَانُوا يذبحون ذَلِك
لآلهتهم فِي الْجَاهِلِيَّة فنهوا عَنْهُ وَقَالَ أَوْس بْن حجر يذكر
أزمة فِي سنة شَدِيدَة الْبرد: [المنسرح]
وشُبِّهَ الهَيْدبُ العَبَامُ من الأقوام ... سقبا مُجَلَّلاً فرعا
(1/194)
يَعْنِي أَنه قد لبس جلد السقب من شدَّة
الْبرد. يُقَال: قد أفرع الْقَوْم - إِذا فعلت إبلهم ذَلِك.
عتر قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَأما
العتيرة فَإِنَّهَا الرجبية وَهِي ذَبِيحَة كَانَت تذبح فِي رَجَب
يتَقرَّب بهَا أهل الْجَاهِلِيَّة ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَكَانَ على
ذَلِك حَتَّى نسخ بعد. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَمِنْه الحَدِيث عَن
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن على كل مُسْلِم فِي كل عَام أضحاة
وعتيرة. قَالَ: والْحَدِيث الأول فِيمَا نرى نَاسخ لهَذَا يُقَال
مِنْهُ: عَتَرْتُ أعتِر عترا قَالَ الْحَارِث بْن حلزة الْيَشْكُرِي
يذكر قوما أخذوهم بذنب غَيرهم فَقَالَ: [الْخَفِيف]
(1/195)
عننا بَاطِلا وظلما كَمَا تعتر ... عَن
حجرَة الربيض الظباء
قَوْله: عننا - يَعْنِي اعتراضًا وَقَوله: كَمَا تعتر - يَعْنِي
العتيرة فِي رَجَب وَذَلِكَ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا
إِذا طلب أحدهم أمرا نذر لَئِن ظفر بِهِ لَيَذْبَحَن من غنمه فِي رَجَب
كَذَا وَكَذَا وَهِي العتائر فَإِذا ظفر بِهِ فَرُبمَا ضن بغنمه وَهِي
الربيض فَيَأْخُذ عَددهَا ظباء فيذبحها فِي رَجَب مَكَان الْغنم
فَكَانَت تِلْكَ عتائره فَضرب هَذَا مثلا يَقُول: أخذتمونا بذنب
غَيرنَا كَمَا أخذت الظباء مَكَان الْغنم.
بهم وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: يحْشر النَّاس
(1/196)
يَوْم الْقِيَامَة عُرَاة حُفَاة بهما.
قَالَ أَبُو عَمْرو: البهم وَاحِدهَا بهيم وَهُوَ الَّذِي لَا يخالط
لَونه لون سواهُ من سَواد كَانَ أَو غَيره قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنه أَرَادَ بقوله: بهما - يَقُول: لَيْسَ فيهم
شَيْء من الْأَعْرَاض والعاهات الَّتِي تكون فِي الدُّنْيَا من الْعَمى
وَالْعَرج والجذام والبرص وَغير ذَلِك من صنوف الْأَمْرَاض وَالْبَلَاء
وَلكنهَا أجسام مُبْهمَة مصححة لخلود الْأَبَد. وَفِي بعض الحَدِيث
تَفْسِيره قيل: وَمَا البهم قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء. قَالَ أَبُو
عُبَيْد: وَهَذَا أَيْضا من هَذَا الْمَعْنى يَقُول: أَنَّهَا أجساد
لَا يخالطها شَيْء من الدُّنْيَا كَمَا أَن البهيم من الألوان / لَا
يخالطه غَيره 23 / ب وَلَا يُقَال فِي الْأَبْيَض: بهيم.
ورى وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا ورى
بِغَيْرِهِ.
(1/197)
قَالَ أَبُو عَمْرو: التورية السّتْر
يُقَال مِنْهُ: وريت الْخَبَر أوريه تورية - إِذا سترته وأظهرت غَيره
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أرَاهُ مأخوذًا إِلَّا من وَرَاء
الْإِنْسَان لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: وريته - فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا جعله
وَرَاءه حَيْثُ لَا يظْهر. قَالَ أَبُو عبيد: عَن الشَّعْبِيّ فِي
قَوْله {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاق يَعْقُوْبَ} قَالَ: الوراء ولد
الْوَلَد.
سلل غلل وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -]
: فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام فِي صلح الْحُدَيْبِيَة حِين صَالح
أهل مَكَّة وَكتب بَينه وَبينهمْ كتابا فَكتب فِيهِ أَن لَا إِغْلَال
وَلَا إِسْلَال وَأَن بَينهم عَيْبَة مَكْفُوفَة. قَالَ أَبُو عَمْرو:
الْإِسْلَال السّرقَة يُقَال: فِي بني فلَان سلة - إِذا كَانُوا
يسرقون.
(1/198)
وَالْإِغْلَال: الْخِيَانَة وَكَانَ أَبُو
عُبَيْدَة يَقُول: رَجُل مُغِلّ مُسِلّ - أَي صَاحب سلة وخيانة.
وَمِنْه قَول شُرَيْح: لَيْسَ على الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان
وَلَا على الْمُسْتَوْدع غير الْمغل ضَمَان - يَعْنِي الخائن وَقَالَ
النمر بن تولب يُعَاتب امْرَأَته جَمْرَة فِي شَيْء كرهه مِنْهَا
فَقَالَ: [الطَّوِيل]
جزى اللَّه عَنَّا جَمْرَة ابْنَة نَوْفَل ... جَزَاء مُغِل بالأمانة
كاذبِ
قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَأما قَول النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم:
ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُؤمن. فَإِنَّهُ يروي: لَا يغل وَلَا
يغل.
(1/199)
فَمن قَالَ: يَغِل - بِالْفَتْح -
فَإِنَّهُ يَجعله من الغِلّ وَهُوَ الحقد والضغن والشحناء وَمن قَالَ:
يغل - بِضَم الْيَاء - جعله من الْخِيَانَة من الإغلال. وَأما الْغلُول
فَإِنَّهُ من الْمغنم خَاصَّة يُقَال مِنْهُ: قد غَلّ يَغُلّ غُلولا
وَلَا يرَاهُ من الأول وَلَا الثَّانِي وَمِمَّا يبين ذَلِك أَنه
يُقَال من الْخِيَانَة: أغل يُغِلّ وَمن الغِل: غل يغل وَمن الْغلُول:
غَلّ يَغُلّ - بِضَم الْغَيْن فَهَذِهِ الْوُجُوه مُخْتَلفَة قَالَ
الله [تبَارك و -] تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَّغُلَّ} وَلم
نسْمع أحدا قَرَأَهَا بِالْكَسْرِ وَقرأَهَا بَعضهم: يُغَلُّ فَمن
قَرَأَهَا بِهَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ يحْتَمل مَعْنيين: [أَن يكون -]
يُغَلّ يخان - يَعْنِي أَن يُؤْخَذ من غنيمته وَيكون يغل ينْسب إِلَيّ
الْغلُول. وَقد قَالَ بعض الْمُحدثين: قَوْله: لَا إِغْلَال - أَرَادَ
لبس الدروع ولَا إِسْلَال - أَرَادَ سل السيوف وَلَا أَدْرِي مَا هُوَ
وَلَا أعرف لَهُ وَجها.
(1/200)
نقش وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي
حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: من نُوقِشَ الْحساب عذب. قَالَ: المناقشة
الِاسْتِقْصَاء فِي الْحساب حَتَّى لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء وَمِنْه
قَول النَّاس: انتقشت مِنْهُ جَمِيع حَقي وَقَالَ الْحَارِث بْن حلزة
يُعَاتب قوما: [الْخَفِيف]
أَو نُقِشْتُمْ فالنقشُ يَجْشَمُه النا ... س وَفِيه الصَّحَاحُ
والأبراءُ
[يَقُول: لَو كَانَت بَيْننَا وَبَيْنكُم محاسبة ومناظرة عَرَفْتُمْ
الصِّحَّة والبراءة -] وَلَا أَحسب نقش
الشَّوْكَة من الرجل إِلَّا من هَذَا وَهُوَ استخراجها
(1/201)
حَتَّى لَا يتْرك مِنْهَا شَيْء [فِي
الْجَسَد -] قَالَ الشَّاعِر: [الْكَامِل]
لَا تَنْقُشَنَّ بِرِجْل غيرِكَ شَوْكَة ... فَتَقىِ برِجلك رَجُل من
قد شاكها
شوك قَالَ أَبُو عُبَيْد: بِرَجُل
[غَيْرك -] يَعْنِي من رَجُل [غَيْرك -] فَجعل 24 / الف مَكَان من
الْبَاء يَقُول: لَا تخرجن شَوْكَة من رَجُل غَيْرك فتجعلها / فِي رجلك
وقَوْله: شاكها - يَعْنِي دخل فِي الشوك تَقول: شكت الشوك فَأَنا أشاكه
- إِذا دخلت فِيهِ فَإِن أردْت أَنه أَصَابَك قلت: شاكني الشوك فَهُوَ
يشوكني شوكًا وَإِنَّمَا سمي المنقاش لِأَنَّهُ ينقش بِهِ أَي
يسْتَخْرج بِهِ الشوك.
فدد وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَن الْجفَاء وَالْقَسْوَة فِي
الْفَدادِين.
(1/202)
قَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الْفَدادِين -
مُخَفّفَة وَاحِدهَا فدان - مُشَدّدَة وَهِي الْبَقَرَة الَّتِي يحرث
بهَا يَقُول: إِن أَهلهَا أهل قسوة وجفاء لبعدهم من الْأَمْصَار
وَالنَّاس. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أرى أَبَا عَمْرو يحفظ هَذَا
وَلَيْسَ الْفَدادِين من هَذَا فِي شَيْء وَلَا كَانَت الْعَرَب تعرفها
إِنَّمَا هَذِه للروم وَأهل الشَّام وَإِنَّمَا افتتحت الشَّام بعد
النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَلَكنهُمْ الفدادون -
بِالتَّشْدِيدِ - وهم الرِّجَال واحدهم فداد. قَالَ الْأَصْمَعِي: هُمُ
الَّذين تعلو أَصْوَاتهم فِي حروثهم وَأَمْوَالهمْ ومواشيهم وَمَا
يعالجون مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَحْمَر قَالَ وَيُقَال مِنْهُ:
فد الرجل يفد فديدًا - إِذا اشْتَدَّ صَوته وأنشدنا: [الرجز]
أنَبْئتُ أخوالي بني يزيدُ ... ظُلْماً علينا لَهُم فديد
(1/203)
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول غير ذَلِك
كُله قَالَ: الفدادون المكثرون من الْإِبِل الَّذين يملك أحدهم
الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا [إِلَى الْألف يُقَال للرجل: فداد - إِذا بلغ
ذَلِك وهم مَعَ هَذَا جُفَاة أهل خُيَلَاء -] . وَمِنْه الحَدِيث
الَّذِي يرْوى أَن الأَرْض إِذا دفن فِيهَا الانسان قَالَتْ لَهُ:
رُبمَا مشيتَ عَليّ فدادًا ذَا مَال كثير وَذَا خُيَلَاء.
نجد رسل وَقَالَ أَبُو عبيد فِي
حَدِيث آخر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه قَالَ: إِلَّا من
أعطي فِي نجدتها ورسلها.
(1/204)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فنجدتها أَن تكْثر
شحومها وتحسن حَتَّى يمْنَع ذَلِك صَاحبهَا أَن يَنْحَرهَا نفاسة بهَا
فَصَارَ ذَلِك بِمَنْزِلَة السِّلَاح لَهَا تمْتَنع بِهِ من رَبهَا
فَتلك نجدتها وَقد ذكرت ذَلِك الْعَرَب فِي أشعارها قَالَ النمر بن
تولب: [الْكَامِل]
أيامَ لم تَأْخُذ إِلَيّ رِماحُها ... إبلي لِجِلَّتِها وَلَا أبكارها
فَجعل شحومها وحسنها رماحًا تمْتَنع بِهِ من أَن تنحر: وَقَالَ الفرزدق
يذكر أَنه نحر إبِله: [الطَّوِيل]
فمكنت سَيفي من ذَوَات رماحها ... غشاشًا وَلم أحفل بكاء رعائيًا
غشاشًا - أَي على عجلة. وَأما قَوْله: رسلها - فَهُوَ أَن يُعْطِيهَا
وَهُوَ أَن يهون عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
(1/205)
لَيْسَ فِيهَا من الشحوم وَالْحسن مَا يبخل بهَا فَهُوَ يُعْطِيهَا
رسلًا كَقَوْلِك: جَاءَ فلَان على رسله وَتكلم بِكَذَا وَكَذَا على
رسله - أَي مستهينًا بِهِ. فَمَعْنَى الحَدِيث أَنه أَرَادَ من
أَعْطَاهَا فِي هَاتين الْحَالَتَيْنِ فِي النجدة وَالرسل - أَي على
مشقة من النَّفس وعَلى طيب مِنْهَا وَهَذَا كَقَوْلِك: فِي الْعسر
واليسر والمنشط وَالْمكْره. قَالَ أَبُو عبيد: وَقد ظن بعض النَّاس أَن
الرُّسُل هَهُنَا اللَّبن وَقد علمنَا أَن الرُّسُل اللَّبن وَلَكِن
لَيْسَ هَذَا فِي مَوْضِعه وَلَا معنى لَهُ [أَن -] يَقُول: فِي نجدتها
ولبنها وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء. 24 / ب |