المزهر في علوم اللغة وأنواعها النوع الثالث
والأربعون
معرفة التصحيف والتحريف
أفرده بالتصنيف جماعةٌ من الأئمة منهم العسكري والدارقطني فأما العسكري
فرأيت كتابه مجلدا ضخما فيما صحَّف فيه أهل الأدب من الشعر والألفاظ
وغير ذلك.
قال المعري: أصل التصحيف أن يأخذ الرجلُ اللفظ من قراءته في صحيفة ولم
يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب، وقد وقع فيه جماعةٌ من الأجلاء
من أئمة اللغة وأئمة الحديث، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: ومَنْ
يَعْرَى من الخطأ والتصحيف.
قال ابن دريد: صحف الخليل بن أحمد فقال: يوم بُغاث (بالغين المعجمة)
وإنما هو (بالمهملة) .
أورده ابن الجوزي.
ونظير ذلك ما أورده العسكري قال: حدثني شيخ من شيوخ بغداد قال: كان
حيان بن بِِشْر قد وُلِّي قضاء بغداد،
(2/302)
وكان من جملة أصحاب الحديث، فروى يوما حديث
أن عَرْفجة قطع أنفُه يوم الكِلاب فقال له مستمليه: أيهما القاضي إنما
هو يوم الكُلاب، فأمر بحبسه، فدخل إليه الناس فقالوا: ما دَهَاك قال
قُطِعَ أنف عَرْفَجة في الجاهلية، وابتليت به أنا في الإسلام.
وقال عبد الله بن بكر السهمي: دخل أبي علي عيسى بن جعفر وهو أمير
بالبصرة، فعزاه عن طفل مات له، ودخل بعده شبيب بن شبَّة فقال: أَبْشِر
أيها الأمير فإن الطفل لا يزال محبنظيا على بابِ الجنَّة، يقول: لا
أدخل حتى يدخلَ والداي، فقال له أبي: يا أبا معمر، دع الظاء والزم
الطاء.
فقال له شبيب: أتقول هذا وما بين لابتيها أفصح مني فقال له أبي: هذا
خطأ ثَان، من أين للبصرة لابَة واللاََّبة: الحجارة السود، والبَصرة:
الحجارة البيض.
أورد هذه الحكاية ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وابنُ الجوزي في كتاب
الحمْقى والمغفلين.
وقال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: أخبرنا أبو بكر بن شقير قال أخبرني
محمد بن القاسم بن خلاد عن عبد الله ابن بكر بن حبيب السهمي عن أبيه
قال: دخلت على عيسى فذكرها.
وفي الصِّحاح: قال الأصمعي: كنت في مجلس شُعبة، فروى الحديث فقال:
تسمعون جَرْش طير الجنة (بالشين) .
فقلت: جَرْس، فنظر إلي وقال: خذوها منه، فإنه أعلم بهذا منا.
قال الجوهري:
(2/303)
ويقال: أجرس الحادي إذا حدا للإبل قال
الراجز:
(أجرش لها يابن أبي كباش) // الرجز // قال: رواه ابن السكيت بالشين
وألف الوصل، والرواة على خلافه.
وقال أبو حاتم السجستاني: قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء شعر
الحطيئة، فقرأ قوله: // من مجزوء الكامل //
(وغررتني وزعمت أننك ... لابِنٌ بالصيف تَامِر) أي كثير اللبن والتمْر،
فقرأها: لا تني بالضيف تامُر.
يريد: لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القِرَى إليه.
فقال له أبو عمرو: أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة وفي طبقات
النحويين لأبي بكر الزبيدي: قال أبو حاتم: صحف الأصمعي في بيت أوس: //
من السريع //
(يا عام لو صادفت أرماحنا ... لكان مَثْوَى خدك الأحزما)
(2/304)
يعني بالأحزم، الحزم الغليظ من الأرض، قال
أبو حاتم: والرواة على خلافة، وإنما هو الأَخْرم (بالراء) ، وهو طرف
أسفل الكتف أي كنت تقتل فيقطع رأسك على أخرم كتفك.
وفيما زعم الجاحظ أن الأصمعي كان يصحِّف هذا البيت: // من الخفيف //
(سَلَعٌ ما ومثلُه عُشَرٌ ما ... عائلٌ ما وعالت البَيْقُورا) فكان
ينشده وعالت النيقورا، فقال له علماء بغداد: صحَّفت إنما هو البيقورا،
مأخوذة من البقر.
وقال العسكري: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قال: أخبرني أبي قال: قرأ
القَطْربِليّ المؤدب على ثعلب بيت الأعشى: // من الطويل //
(فلو كنت في جُبٍّ ثمانين قَامَةً ... ورقيت أسبابَ السماء بسُلَّمِ)
فقرأها في حَب (بالحاء المهملة) فقال له ثعلب: خرب بيتك هل رأيت حَبّاً
قط ثمانين قامة إنما هو جب.
وقال القالي في أماليه: أنشد أبو عبيد: // من الرجز //
(أشكو إلى الله عِيالاً دَرْدَقا ... مُقَرْقَمِينَ وعجوزا شَمْلَقا)
بالشين معجمة وهو أحد ما أُخِذ عليه.
وروى ابن الأعرابي: سملقا (بالسين غير المعجمة) ، وهو الصحيح.
(2/305)
وقال القالي: كان الطوسي يزعم أن أبا عبيد
روى قَبْس (بالباء) قال: وهو تصحيف، وكذا قال أحمد بن عبيد، وإنما هو
قَنْس (بالنون) وهو الأصل.
وفي المحكم: القَنْس: الأصل وهو أحد ما صحفه أبو عبيدة فقال القبس
بالباء انتهى.
قال القالي: وقول الأعشى // الطويل //:
(تَرُوح على آل المحلِّق جَفْنة ... كجابية الشيخ العراقي تَفْهَق) كان
أبو محرز يرويه كجابية السَّيح، ويقول: الشيخ تصحيف، والسيح: الماء
الذي يَسِيح على وجه الأرض.
وأنشد أبو زيد في نوادره: // من البسيط //
(إن التي وضعت بيتا مهاجرة ... بكوفة الخلد قد غالت بها غول) // البسيط
// قال الرِّياشيّ: الأصمعي يقول بكوفة الجند، ويزعم أن هذا تصحيف.
وقال الجَرْمي: كوفة الخلد أي أنها دار قَرَارٍ لا يتحولون عنها.
وقال القالي في قول علقمة:
(رَغا فوقهمْ سَقْب السماء فداحِص ... بشِكّته لم يُسْتَلَب وسليب) //
الطويل //
(2/306)
داحض فيه بالصاد غير معجمة.
يقال: دَحَص برجله وفَحَص.
وكان بعض العلماء يرويه فداحِض ونسب فيه إلى التصحيف.
وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات: قال أبو عمرو الشيباني: بلغني
أن أبا عبيدة روى قول الأَعشى:
(إنِّي لعمر الذي حطت مناسمُها ... تَهوى وسيق إليه الثافر العتل) //
البسيط // فأرسل إليه إنك قد صَحَّفْت إنما هو: الباقر البغيل، جمع غيل
وهو الكثير، والباقر: بمعنى البقر.
وقال أبو عبيدة الثافر: بمعنى الثفار.
والعَثَل: الجماعة.
وقال ابن دُرَيد في الجمهرة: الجُف الجمع الكثير من الناس قال النابغة:
(في جف ثعلب واردي الأمرار) // الكامل // يعني ثعلبة بن عوف بن سعد بن
ذبيان.
قال ابن دريد: وروى الكوفيون: في جف تغلب، وهذا خطأ لأن تغلب بالجزيرة،
وثعلب بالحجاز، وأمرار موضع هناك.
وفيها: الفلفل معروف وسمون ثمر البَرْوق فلفلا تشبيها به، قال الراجز:
(وانحَتَّ من حَرْشاء فَلْج خَرْدَلُهْ ... وانْتَفَضَ البَرْوَقُ سودا
فلفله) // الرجز // قال ابن دريد: ومن روى هذا البيت قِلْقِلِه فقد
أخطأ لأن القِلْقِل ثمر شجر من العِضَاه، وأهل اليمن يسمون ثمر الغاب
قِلْقلاً.
وقال القالي في أماليه:
(2/307)
قال نِفْطَويه: صحف العتبي اسم نُقَيلة
الأشجعي فقال نُفَيلة وقال الزجاجي في شرح أدب الكاتب: حدثنا أبو
القاسم الصائغ عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: حدثنا أحمد ابن سعيد
اللحياني، وحدثنا أبو الحسن الأخفش، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن
يزيد المبرِّد قال: حدثني أبو محمد التوزي عن أبي عمرو الشيباني قال
كنا بالرَّقة فأنشد الأصمعي:
(عَنتاً باطلا وظُلْماً كما تُعنَزُ ... عن حجرة الربيض الظباء) //
الخفيف // فقلت له: إنما هو تُعتَر من العتيرة، والعَتْر الذَّبْح،
فقال الأصمعي: تُعْنَز أي تطعن بالعَنَزة وهي الحَرْبةُ، وجعل يصيح
ويشغب، فقلت: تكلم كلام النمل وأصب والله لو نفخت في شَبُّور يهودي،
وصحت إلى التناد ما نفعك شيء ولا كان إلا تُعتَر، ولا رويته أنت بعد
هذا اليوم إلا تعتر فقال الأصمعي: والله لا رويته بعد هذا اليوم إلا
تُعْنَزُ.
وفي شرح المعلقات لأبي جعفر النحاس: روى أن أبا عمرو الشيباني سأل
الأصمعي كيف تروي هذا البيت فقال: تُعنَز، فقال له أبو عمرو صحفت، إنما
هو تُعْتر، فقيل لأبي عمرو: تحرز من الأصمعي، فإنك قد ظفرت به، فقال له
الأصمعي: ما معنى هذا البيت
(وضَرْبٍ كآذان الفِراءِ فُضُولُه ... وَطعْنٍ كإيزَاغِ المخَاضِ
تَبُورُها)
(2/308)
ما يريد بالفراء هاهنا وكانوا جلوسا على
فروة، فقال له أبو عمرو: يريد ما نحن عليه فقال له الأصمعي: أخطأت
وإنما الفراء هاهنا جمع فَرَأ، وهو الحمار الوحشي.
وقال محمد بن سلام الجمحي: قلت ليونس بن حبيب إنَّ عيسى بن عمر قال:
صحَّف أبو عمرو بن العلاء في الحديث: (اتقوا على أولادكم فَحْمة
العشاء) فقال بالفاء، وإنما هي بالقاف، فقال يونس: عيسى الذي صحَّف ليس
أبا عمرو وهي بالفاء كما قال أبو عمرو لا بالقاف كما قال عيسى.
وفي فوائد النَّجَيْرَمِيّ بخطه: قرأ رجل على حماد الراوية شعر الشماخ
فقرأ:
(تَلوذُ ثعالِبُ الشَّرَفيْن منها ... كما لاذ الغريم من التبيع) //
الوافر // فقال: هو السِّرْقين، فقبح عليه حماد، فقال الرجل، إن
الثعالب أولع شيء بالسِّرْقين، فقال: حماد انظروا يصحف ويفسر وفيها:
قال الأخفش: أنشدت أبا عمرو بن العلاء:
(قَالتْ قُتَيْلةُ ماله ... قد جُلِّلَتُ شيبا شَواتُه)
(أم لا أراه كما عهدت ... صَحَا وأقْصر عاذلاتُه)
(ما تعجبين من امرىء ... أن شاب قد شابت لداته) // مجزوء الكامل //
فقال أبو عمرو: كبرت عليك رأس الراء فظننتها واوا، قلت: وما سراته قال:
سراة البيت: ظهره قال الأخفش: ما هو إلا شَواته ولكنه لم يسمعها.
(2/309)
وفيها: قال أبو سعيد الحسن بن الحسين
السكري عن الطوسي قال: كنا عند اللحياني فأمْلى علينا: مثقل استعان
بذقنه، فقال له يعقوب بن السكيت: بِدَفَّيْه، فوَجَم.
ثم أملى يوما آخر: هو جاري مكاشري، فقال له ابن السكيت: مكاسري أي كِسر
بيتي إلى كِسر بيته، فقطع اللحياني المجلس وقطع نوادِرَه.
وفيها: قال الطوسي: صحَّف أبو عمرو الشيباني في عجز بيت فقال:
(فُرْعُلة ما بين أدمان فالكدي) // الطويل //
فقيل له إنما هو
(رمينا بها شبهى بُوانَة عودا ... فُرْعُلة منا بين أَدْمَان فالكُدي)
وفيها: قال أبو إسحاق الزجاجي: ما سمعت من ثعلب خطأ قط إلا يوما أنشد:
(يلوذ بالجود من النيل الدول) // الرجز // فقال له بعض الكتاب:
أنشدَناه الأحول: بالجوْبِ، وقال: يريد التُّرس، فسكت ثعلب وما قال
شيئا.
وفيها: قالوا: صحف الطوسي في شعر حاتم:
(إذا كان بعض الخبز مسحا بخرقة)
(2/310)
وإنما هو:
(إذا كان نفض الخبز مسحا بخرقة) // الطويل // وفيها: قال السكري: سمعت
يعقوب بن السكيت يقول: صحَّف ابن دَأْب في قول الحارث بن حلزة:
(أيها الكاذب المبلِّغ عنا ... عبد عمرو وهل بذاك انتهاء) // الخفيف //
وإنما هو عند عمرو.
وفي كتاب ليس لابن خالويه: الناس كلهم قالوا: قد بلع فيه الشيب إذا
وخطه القَتِير، إلا ابن الأعرابي، فإنه قال: بلغ (بالغين معجمة)
وصحَّف.
وهذا الكلام يعزى إلى رؤبة، وذلك أنه قال ليونس النحوي: إلى كم تسألني
عن هذه الخزعبلات وألوقها لك وأروقها الآن، وقد بلغ منك الشيب وفيه:
الهِمْيغ: الموت الوَحِيّ (بالغين معجمة) ، رواه الخليل بالعين غير
معجمة.
وفيه: جمع أبا عمرو بن العلاء وأبا الخطاب الأخفش مجلس، فأنشد أبو
الخطاب:
(قالت قتيلة ماله ... قد جللت شيبا شواته) // مجزوء الكامل // فقال أبو
عمرو: صحفت يا أبا الخطاب، إنما هو سَراتُه، وسراة كل شيء أعلاه، ثم
انصرف أبو عمرو، فقال أبو الخطاب: والله إنها لفي حفظه، ولكنه ما حضره،
فسأل جماعة من الأعراب، فقال قوم: سَرَاته، وقال آخرون: شَوَاته، فعلم
أن كل واحد منهما ما رَوَى إلا ما سَمِع.
(2/311)
وفيه: جمع المفضل والأصمعي مجلس فأنشد
المفضل:
(وذاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها ... تُصْمِتُ بالماء تَوْلباً جذعا) //
المنسرح // فقال الأصمعي: صحفت، إنما هو جَدِعاً، أي سيء الغذاء، فصاح
المفضل: فقال له: والله لو نفخت في ألف شَبُّور لما أنشدته بعد هذا إلا
بالدال.
وفيه: جمع أبا عمرو الجَرْمي والأصمعي مجلِس، فقال الجَرميّ: ما في
الدنيا بيت للعرب إلا وأعرف قائله، فقال: ما نشك في فضلك - أيدك الله -
ولكن كيف تنشد هذا البيت
(قَدْ كُنّ يَخْبَأْنَ الوجوه تَسَتُّراً ... فالآن حِينَ بَدَأْنَ
لِلنُّظَّارِ) // الكامل // قال: بدأن، قال: أخطأت، قال: بَدَيْن، قال:
أخطأت، إنما هو بَدَوْن، من بدا يبدو إذا ظهر.
فأفحمه.
وفيه: من أسماء الشمس يوح، وصحَّفه ابن الأنباري فقال: بُوح، وإنما
البوح النفس، وجرى بينه وبين أبي عمر الزاهد في هذا كل شيء قالت
الشعراء فيهما حتى أخرجنا كتاب الشمس والقمر لأبي حاتم فإذا فيه يوح
كما قال أبو عمر.
وفيه: اختلف المعمري والنحويان في الظَّرَوْرى، فقال أحدهما: الكيس،
وقال الآخر:
(2/312)
الكَبْش، فقال كل منهما لصاحبه: صَحَّفْتَ:
وكُتِب بذلك إلى أبي عمر الزاهد فقال: من قال إن الظَّرَوْرَى الكبش،
فهو تيس، وإنما الظَّرَوْرَى: الكيِّس العاقل.
وفيه: قال ابن دُرَيد: القَيْس: الذكر قال أبو عمر: هذا تصحيف، إنما هو
فَيْش، والقَيْس: القِرْد، ومصدر قاس يقيس قَيْساً.
وفي شرح الكامل لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد البَطْلَيوسي قول الراجز:
(لم أر بؤسا مثلَ هذا العام ... أرهنت فيه للشقا خَيْتامي)
(وحق فخري وبني أعمامي ... ما في الفروق حفنتا حتامي) // الرجز // صحفه
بعضهم فقال في إنشاده حثام (بثاء مثلثة) وهو - بتاء مثناة، بقية الشيء.
ونقلت من خط الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة له سماها عمل من طَبَّ
لمن حب صحَّف ابن دريد قول مُهَلْهِل:
(أنكحها فَقْدُها الأَرَاقِم في ... جَنْبٍ وكان الحِباءُ من أدم) //
المنسرح // فقال: الخِباء بالخاء المعجمة، وإنما هو بالمهملة.
وصحَّف أيضا قول قَيْس بن الخَطِيم يصف العين:
(تغترق الطرف وهي لاهبة) // المنسرح // فرواه بالعين غير معجمة، وإنما
هو بالمعجمة فقال فيه المفجع:
(ألسْتَ ممَّا صحفت تغترق الطرف ... بجهل فقلت تعترق)
(2/313)
(وقلت كان الخِباء من أدم ... وهو حِباء
يُهْدى ويُصْطَدَقُ) وأورد ذلك التيجاني في كتاب تحفة العروس، وأورد
البيت الأول بلفظ
(ألم تصحف فقلت تعترق الطرف ... بجهل مكان تغترق) // المنسرح // وفي
طبقات النحويين للزبيدي قال الفراء: صحَّف المفضل الضبي قول الشاعر:
(أفاطم إني هالك فتبيني ... ولا تجزعي كل النساء تئيم) // الطويل //
فقال يتيم: وإنما هو تَئِيم.
وفيها قال ابنُ أبي سعيد، قال أبو عمرو الشيباني، يقال: في صدره عليَّ
حَسيكة وحَسيفة، وكان أبو عبيدة يصحِّف فيهما فيقول: حشيكة وحشيفة، قال
أبو عمرو: فأرسلت إليه يا أبا عبيدة، إنك تصحف في هذين الحرفين فارجع
عنهما، قال: قد سمعتهما.
وقال الزبيدي: حدثني قاضي القضاة منذر بن سعيد قال: أتيت أبا جعفر
النحاس فألفتيه يُملي في أخبار الشعراء شعر قَيس بن مُعاذ المجنون حيث
يقول:
(خليلي هل بالشام عينٌ حزينة ... تُبَكِّي على نَجْدٍ لعلي أعينها)
(قد أسْلَمَها الباكون إلا حمامة ... مطوقة باتت وبات قرينها) //
الطويل //
(2/314)
فلما بلغ هذا الموضع قلت: باتا يفعلان ماذا
أعزك الله فقال لي: وكيف تقول أنت يا أَنْدَلسي فقلت: بانت وبان
قرينها.
وقال في الجمهرة: الغضغاض (بالغين المعجمة) في بعض اللغات: العِرْنِين
وما وَالاَهُ من الوجه قال أبو عمر الزاهد: هذا تصحيف إنما هو
العَضْعاض بالعين (غير معجمة) .
قال ابن دُرَيد: وقال قوم: العُضَّاض (بالتشديد) .
وفي الصِّحاح: اجْفَأظَّت الجِيفة اجْفِئْظاظاً: انتفخت.
قال ثعلب: وهو بالحاء تصحيف: وفي الجمهرة: يقال: أن الرجل الماء إذا
صبَّه، وفي بعض كلام الأوائل.
أُنّ ماء وأغْلهِ أي صُبّ ماء وأغْلهِ وقال ابن الكلبي: إنما هو أُزّ
ماء: وزعم أُنَّ تصحيف.
وقال الأزهري في التهذيب: قال الليث: الرَّصَع: فِرَاخ النحل، وهو خطأ،
قال ابن الأعرابي: الرَّضَع: فراخ النحل (بالضاد معجمة) رواه أبو
العباس عنه، وهو الصواب.
والذي قاله الليث في هذا الباب تصحيف.
وقال ابن فارس في المجمل: حدثني العباس بن الفضل، قال: حدثنا ابن أبي
دؤاد قال: حدثنا نَصْر بن علي الجُهْضُمِي.
قال: حدثنا الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو بن العلاء:
(فما جبنوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا نارا تحس وتسفع) // الطويل //
(2/315)
قال فذكرت ذلك لشعبة فقال: ويلك إنما هو:
(فما جَبُنُوا أنا نشدُّ عليهمُ ... ولكن رأوا نارا تُحشّ وتَسْفَعُ)
قال الأصمعي: وأصاب أبو عمرو، وأصاب شعبة، ولم أر أحدا أعلم بالشعر من
شُعبة تُحش: توقد، وتحس: تمس وتشوى.
وفي بعض المجاميع: صحف حماد بن الزبرقان ثلاثة ألفاظ في القرآن لو قرىء
بها لكان صوابا وذلك أنه حفظ القرآن من مصحف ولم يقرأه على أحد: اللفظ
الأول {وَمَا كان اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلاَّ عَنْ
مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا} أبَاهُ، يريد إياه.
والثاني {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشِقَاق} . والثالث:
{لِكلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ} يَعْنيهِ.
وروى الدارقطني في التصحيف عن عثمان بن أبي شيبة: أنه قرأ على أصحابة
في التفسير: {ألم تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الفِيلِ} .
يعني قالها كأول البقرة.
وقال ابن جِنّي في الخصائص: باب في سقطات العلماء حكي عن الأصمعي أنه
صحَّف قول الحُطَيئة:
(وغررتني وزعمت أنك ... لابن بالصيف تامر) // مجزوء الكامل // فأنشده
لا تَنِي بالضيف تامر أي تأمر بإنزاله وإكرامه.
(2/316)
وحُكي أن الفراء صحف فقال: الحراصل: الجبل،
يريد الحُرّ أصل الجبل.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس
اليزيدي عن الخليل بن أسد النُّوشَجاني عن التوزي.
قال: قلت لأبي زيد الأنصاري: أنتم تنشدون قول الأعشى:
(بِساباطَ حتى مات وهو محزرق) // الطويل // وأبو عمرو الشيباني ينشدها
مُحَرْزَق، فقال، إنها نَبَطية، وأم أبي عمرو نَبَطية فهو أعلم بها
منا.
وذهب أبو عبيد في قولهم: لي عن هذا الأمر مَندوحة أي متسع - إلى أنه من
قولهم: انْداح بطنه، أي اتسع.
وهذا غلط لأن انداح انفعل وتركيبه مُندَوَح، ومَنْدُوحة مفعولة، وهي من
تركيب نَدَح، والنّدْح: جانب الجبل وطرفه وهو إلى السعة، وجمعه
أَنْداح، أفلا ترى إلى هذين الأصلين تباينا وتباعدا فكيف يجوز أن يشتق
أحدهما من صاحبه وذهب ابن الأعرابي في قولهم: يوم أَرْوَنان إلى أنه من
الرُّنّة وذلك أنها تكون مع البلاء والشدة.
قال أبو علي: وهذا غلط، لأنه ليس في الكلام أَفْوَعَال، وأصحابنا
يقولون: هو أفْعلان من الرُّونة وهي الشدة في الأمر.
وذهب ثعلب في قولهم: أسكُفّه الباب إلى أنها من قولهم: استكف أي
(2/317)
اجتمع.
وهذا أمر ظاهر الشناعة لأن أسْكُفَّة أُفْعُلّة، والسين فيها فاء،
وتركيبها من سكف، وأما استكف فسينه زائدة لأنه استفعل وتركيبه من كَفف
فأين هذان الأصلان حتى يجتمعا وذهب ثعلب أيضا في تَنّور إلى أنه
تَفْعُول من النار وهو غلط، إنما هو فَعّول من لفظ ت ن ر، وهو أصل لم
يستعمل إلا في هذا الحرف، وبالزيادة كما ترى.
ومثله مما لم يستعمل إلا بالزيادة: حَوْشب وكوكب وشَعَلَّع
وهَزَنْبَزَان ومَنْجنون وهو باب واسع جدا.
ويجوز في التَّنُّورِ أن يكون فَعْنُولاً ويقال: إن التنور لفظة اشترك
فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم، وإن كان كذلك فهو ظريف إلا أنه على
كل حال فعُّول أو فَعْنول.
التواطخ من الطيْخ، وهو الفساد وهذا عجب، وكأنه أراد أنه مقلوب منه.
ويحكى عن خلف أنه قال: (وعن ثعلب أيضا أنه قال) : أخذت على المفضَّل
الضَّبيِّ في مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرىء القيس:
(نمسُّ بأعْرافِ الجِياد أكُفَّنا ... إذا نحنُ قمنا عن شواء مضهب) //
الطويل // فقلت: عافاك الله إنما هو نمش أي نمسح، ومنه سمي منديل
الغَمَر مشوشا.
(2/318)
وأنشد للمخبل السعدي:
(وإذا ألم خيالُها طرقت ... عيني فماء جفونها سجم) // الكامل // فقلت:
عافاك الله إنما هو طرفت.
وأنشد للأعشى:
(ساعة أكبر النهار كما شد ... محيل لبونه اعتاما) // الخفيف // فقلت:
عافاك الله إنما هو مخيل (بالخاء معجمة) : رأي خال السحابة فأشفق منها
على بُهْمِه فشدها.
وأما ما تعقب به أبو العباس المبرد كتاب سيبويه في المواضع التي سماها
مسائل الغلط فقلما يلزم صاحبَ الكتاب منه إلا الشيء النَّزْر، وهو أيضا
مع قلته من كلام غير أبي العباس، وحدثنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي
العباس أنه قال: إن هذا كتاب كنا عملناه في الشبيبة والحداثة.
واعتذر منه.
وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل
على أصغر أتباع الخليل، فضلا عنه نفسه.
وكذلك كتاب الجمهرة.
ومن ذلك اختلاف الكسائي وأبي محمد اليزيدي عند أبي عبيد الله في
الشِّراء أممدود هو أم مقصور فمده اليزيدي وقصره الكسائي وتراضيا ببعض
فصحاء كانوا بالباب، فمده على قول اليزيدي.
ومن ذلك ما رواه الأعمش في حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله
(2/319)
صلى الله عليه وسلم كان يتَخَوّلُنا
بالموعظة مخافة السآمة، وكان أبو عمرو بن العلاء حاضرا عنده، فقال
الأعمش، يتخولنا، فقال أبو عمرو: يتخوننا فقال الأعمش: وما يُدريك فقال
أبو عمرو: إن شئت أن أعلمك أن الله تعالى لم يعلمك من العربية حرفا
أعْلَمْتُكَ.
فسأل عنه الأعمش.
فأخبر بمكانة من العلم فكان بعد ذلك يُدْنِيه، ويسأله عن الشيء إذا
أَشكل عليه.
وسُئِل الكسائي في مجلس يونس عن أَوْلق ما مثاله من الفعل، فقال: أفعل،
فقال له مروان: استحييت لك يا شيخ والظاهر عندنا أنه فوعل من قولهم:
أُلِقَ الرجل فهو مألوق.
وسئل الكسائي أيضا في مجلس يونس عن قولهم: لأضربن أيُّهم يقوم لم لا
يقال: لأضربن أيَّهم فقال: أي هكذا خلقت.
ومن ذلك إنشاد الأصمعي لشُعبة بن الحجاج قولَ فَرْوَة بن مُسَيْك:
(فما جبنوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا نارا تحس وتسفع) // الطويل //
قال شُعبة: ما هكذا أنشدنا سماك بن حرب، قال:
(ولكن رأوا نارا تُحَش وتَسْفع) // الطويل // قال الأصمعي: فقلت: تحس
من قول الله تعالى: {إذْ تَحُسُّونَهُمْ بإذْنِهِ} : أي تقتلونهم
وتُحش: توقد، فقال لي شعبة: لو فرغتُ للزمتك.
وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس:
(إن الحوادثَ بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه) // الكامل //
(2/320)
فانتهره أبو عمرو وقال: ما لنا ولهذا الشعر
الرخو إن هذه الهاء لم تدخل في شيء من الكلام إلا أرْخَته.
فقال له المديني: قالتلك الله ما أجهلك بكلام العرب قال الله تعالى:
{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} .
وقال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا
حِسَابِيَهْ} .
(فانكسر أبو عمرو انكسارا شديدا) .
وقال أبو حاتم: قلت للأصمعي: أتجيز إنك لتُبْرق لي وتُرْعِد فقال: لا،
إنما هو تبرُق وترعُد.
فقلت له: فقد قال الكميت:
(أبرق وأرعد يا يزيد ... فما وعيدك لي بضائر) // مجزوء الكامل // فقال:
ذاك جُرمُقاني من أهل الموصل ولا آخذ بلغته.
فسألت عنها أبا زيد الأنصاري فأجازها، فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابي
محرِم، فأخذنا نسأله فقال: لستم تحسنون أن تسألوه، ثم قال له: كيف
تقول: إنك لتُبرق لي وتُرعِد.
فقال له الأعرابي: أفي الجَخيف تعني أي في التهدد فقال: نعم.
قال الأعرابي: إنك لتُبرِق لي وتُرْعِد.
فعدت إلى الأصمعي فأخبرته، فأنشدني:
(إذا جاوزت من ذات عرق ثنية ... فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد) //
الطويل // ثم قال لي: هذا كلام العرب.
وقال أبو حاتم أيضا:
(2/321)
قرأت على الأصمعي رجز العجاج حتى وصلت إلى
قوله:
(جأبا ترى بليته مسحجا) // الرجز // فقال: تليلَه (فقلت بليتِه، فقال:
ثليله) مسَّحجاً فقلت له: أخبَرَني مَن سمعه من فِلْق في رُؤْبة، أعني
أبا زيد الأنصاري.
فقال: هذا لا يكون.
قلت: جعل مَسَحَّجاً مصدرا أي تسحيجا.
فقال: هذا لا يكون.
فقلت: فقد قال جرير:
(ألم تَعْلَمْ بمُسَّرَحِي القَوَافِي) // الوافر // أي تسريحي، فكأنه
توقف.
قلت: فقد قال تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّق} .
فأمسك.
وقال أبو حاتم: كان الأصمعي ينكر زَوْجة، ويقول: إنما هو زوج ويحتج
بقوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجكَ} .
قال: فأنشدته قول ذي الرُّمة:
(أذو زوجة بالمِصْرِ أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة اليوم ثاويا) //
الطويل // فقال: ذو الرُمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت
البقالين.
(2/322)
قال: وقد قرأنا عليه من قبل لأَفصح الناس
فلم ينكره:
(فبكى بناتي شَجْوَهُنَّ وزوجتي ... والطامعون إلي ثم تصدعوا) //
الكامل // وقال آخر:
(مِنْ منزلي قد أخرجتني زوجتي ... تهر في وجهي هرير الكلبة) // الرجز
// وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد بن يحيى عن سلمة
قال: حضر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني عند أبو السَّمْراء فأنشده
الأصمعي:
(بضرب كآذان الفِراء فضوله ... وطعن كتشهاق العفاهم بالنهق) // الطويل
// ثم ضرب بيده إلى فَرْو كان بقُرْبِه يوهم أن الشاعر أراد فروا فقال
أبو عمرو: أراد الفَرْوَ فقال الأصمعي: هكذا روايتكم.
وحكى الأصمعي قال: دخلت على حماد بن سلمة وأنا حَدَث فقال لي كيف تنشد
قول الحطيئة:
(أولئك قوم إن بنوا أَحْسَنُوا..... ... ... ... ... . ماذا // الطويل
// فقلت:
(2/323)
(أولئك قوم إن بَنَوْا أحسنوا البِنَا ...
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا) فقال: يا بني، أحسنوا البُنَى، يقال:
بنى يبني بِنَاءً في العمران، وبنى يبنو بُنىً يعني في الشرف.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبي بإسناد عن أبي عثمان أنه
كان عند أبي عبيدة فجاء رجل فسأله: كيف تأمر من قولنا: عُنيت بحاجتك.
فقال له أبو عبيدة اعْنَ بحاجتي، فأومَأْتُ إلى الرجل أن ليس كذلك،
فلما خَلَوْنا قلت له: إنما يقال لِتُعْنَ بحاجتي، فقال لي أبو عبيدة:
لا تدخل إلي، قلت: لِمَ قال: لأنك كنت مع رجل خوزي سرق مني عاما أول
قطيفة لي.
فقلت: لا والله، ما الأمر كذا، ولكنك سمعتني أقول ما سمعت.
وحدثنا أبو بكر محمد بن علي المراغي قال: حضر الفراء أبا عمر الجَرمي
فأكثر سؤاله إياه، فقيل لأبي عمر: قد أطال سؤالك أفلا تَسْأَلُه أنت
فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء ما الأصلُ في قُمْ قال: اقْوُم.
قال: فصنعوا ماذا قال: استثقلوا الضمة على الواو فأسكنوها ونقلوها إلى
القاف.
فقال له أبو عمر: هذا خطأ، الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح،
ولم تستثقل الحركات فيها.
ومن ذلك حكاية أبي عمر مع الأصمعي وقد سمعه يقول: أنا أعلم الناس
بالنحو، فقال له الأصمعي، يا أبا عمر كيف تنشد قول الشاعر:
(قد كنَّ يخبأْنَ لوجُوه تستُّراً ... فالآنَ حين بدأن للنظار) //
الكامل // بدأن أو بدين فقال أبو عمر: بدأن.
فقال الأصمعي: يا أبا عمر، أنت أعلم الناس بالنحو، يمازحه.
إنما هو بَدَوْن، أي ظهرن.
فيقال: إن أبا عمر تغفل الأصمعي فجاءه يوما وهو في مجلسه فقال له: كيْف
تصغر مختارا فقال الأصمعي: مخيتير، فقال له أبو عمر: أخطأت، إنما هو
مخيِّر أو مخيير بحذف التاء لأنها زائدة.
(2/324)
وحدثني أبو علي قال: اجتمعت مع أبي بكر
الخياط عند أبي العباس العمري بنهر معقل، فتجارينا الكلام في مسائل
وافترقنا، فلما كان الغدُ اجتمعت معه عنده، وقد أحضر جماعة من أصحابه
يسألونني، فسألوني فلم أر فيهم طائلا، فلما انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم:
كيف تبني من سفرجل مثل عَنْكَبُوت فقال سفرروت، فلما سمعت ذلك قمت في
المجلس قائما وصفقت بين الجماعة: سفرروت فالتفت إليهم أبو بكر فقال: لا
أحسن الله جزاءكم، ولا أكثر في الناس مثلكم فافترقنا فكان آخر العهد
بهم.
وقال الرياشي: حدثنا الأصمعي قال: ناظرني المفضل عند عيسى بن جعفر
فأنشد بيت أوس:
(وذاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها ... تُصْمِتُ بالماء تَوْلباً جذعا) //
المنسرح // فقلت: هذا تصحيف لا يوصف التَّوْلَب بالإجذاع، وإنما هو
جَدِعاً وهو السيء الغذاء فجعل المفضل يشغب، فقلت له: تكلم كلام النمل
وأصب، لو نفخت في شَبُّور يَهُودِي ما نفعك شيء.
وقال محمد بن يزيد: حدثنا أبو محمد التوزي عن أبي عمرو الشيباني قال:
كنا بالرقة فأنشد الأصمعي:
(عنتا باطلا وظُلْماً كما تُعنَزُ ... عن حُجَْرَةِ الرَّبيضِ
الظِّباءُ) // الخفيف // فقلت: يا سبحان الله تعتر من العَتيرة فقال
الأصمعي: تعنز أي تطعن بعَنَزة، قال: فقلت لو نفخت في شَبُّور اليهودي
وصِِحْتَ إلى التنادي ما كان إلا تُعتر، ولا ترويه بعد اليوم تعنز
فقال: والله لا أعود بعدها إلى (تعتر) .
(2/325)
وأنشد الأصمعي أبا توبة ميمون بن حفص مؤدب
عمر بن سعيد بن سلم بحضرة سعيد:
(واحدة أَعضَلَكم شَأْنُها ... فكيفَ لو قُمْت على أربع) // السريع //
ونهض الأصمعي فدار على أَربع، يُلبِّس بذلك على أبي توبة فأجابه أبو
توبة بما يشاكل فعل الأصمعي، فضحك سعيد: وقال: ألم أنْهَك عن مجاراته
في هذه المعاني هذه صِنَاعته.
ومن ذلك إنكار الأصمعي على ابن الأعرابي ما كان رواه ابن الأعرابي لبعض
ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بني كلاب:
(سمينُ الضواحي لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم عونها) // الطويل
// ورفع ابن الأعرابي ليلة، ونصبها الأصمعي، وقال: إنما أراد لم تؤرقه
أبكار الهموم وعونها ليلة، وأنعم أي زاد على ذلك، فأُحضر ابن الأعرابي،
وسئل عن ذلك فرفع ليلة، فقال الأصمعي لسعيد: مَن لم يحسن هذا القدر
فليس موضعا لتأديبِ ولدك فنحَّاه سعيد فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابي
على الأصمعي.
وقال الأثرم علي بن المغيرة: مثقل استعان بذقنه ويعقوب بن السكيت حاضر،
فقال يعقوب: هذا تصحيف، وإنما هو استعان بدَفَّيْه، فقال الأثرم: إنه
يريد الرياسة بسرعة ودَخَل بيته.
وقال أبو الحسن لأبي حاتم:
(2/326)
ما صنعتَ في كتاب المذكر والمؤنث قال قلات:
قد صنعت فيه شيئا، قال: فما تقول في الفِرْدوس قلت: مذكر، قال: فإن
الله تعالى يقول: {الَّذِين يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ} .
قال: قلت: ذهب إلى الجنة فأَنَّث.
قال أبو حاتم: فقال لي التوزي: يا غافل، ما سمعت الناس يقولون: أسألك
الفردوس الأعلى فقلت له: يا نائم، الأعلى ههنا أفعل لا فُعْلى وقال أبو
عثمان: قال لي أبو عبيدة: ما أكذب النحويين يقولون: إن هاء التأنيث لا
تدخل على ألف التأنيث: سمعت رُؤْبَة ينشد
(فكر في عَلْقي وفي مكور) // الرجز // فقلت له: ما واحد العَلْقى فقال:
علقاة قال أبو عثمان: فلم أفسر له، لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا.
انتهى ما أورده ابن جنى.
خاتمة
ذكر المحدِّثون أن من أنواع التصحيف: التصحيف في المعنى.
وقال ابن السكيت: يقال: ما أصابتنا العَامَ قَابة أي قَطْرة من مطر.
قال: وكان الأصمعي يصحف في هذا ويقول: هو الرعد، وكذا ذكر التِّبريزي
في تهذيبه وتعقب ذلك بعضهم فقال: لا يُسَمَّى هذا تصحيفا، وهو إلى
الغلط أقرب.
(2/327)
ذكر بعض ما أخذ على
كتاب العين من التصحيف
قال أبو بكر الزبيدي في استدراكه: ذَكر في باب همع: الهِمِيْع: الموت،
فصحفه والصواب الهِميْغ (بالغين المعجمة) .
وذكر في باب قفع: القُفَاعيّ من الرجال: الأحمر، وهو غلط، والصواب
فُقَاعيّ، يقال: هو أحمر فُقَاعيّ للذي يُخَالِط حمرتَه بياض.
وذكر في باب عنك: عَرَق عانك: أصفر، والصواب عاتك.
وذكر في باب زعل: الزغلول: الخفيف من الرجال، وإنما هو الزُّغلول
(بالغين المعجمة) - عن أبي عمرو الشيباني.
وذكر في باب معط: المُمَعّط: الطويل، والصواب المُمغَّط (بالغين
المعجمة) .
وذكر في باب ذعر: ائذعر القوم: تفرقوا، والمعروف ابْذَعرّ (بالباء) ،
والذي ذكر تصحيف.
وذكر في باب عفر: مَعافر العرفط: شيء يخرج منها مثل الصمغ، وإنما هي
المغافير (بالغين معجمة) .
وذكر في باب معر: رجل أَمْعَر الشعر وهو لون يَضْرِب إلى الحمرة،
والصواب أمغر، مشتق من المَغْرة.
وذكر في باب وَعق: الَوَعِيق: صوت قُنْب الدابة وإنما هو الوغيق بالغين
(معجمة) ، رويناه عن إسماعيل مُسْنَداً إلى اللِّحياني.
(2/328)
وذكر في باب عسو: عسا الليل: أظلم، وإنما
من غسا (بالغين معجمة) .
وذكر في باب الرباعي: عَلْهَضْتُ رأس القارورة والرجل: عالجته، والصواب
بالصاد غير معجمة.
وذكر في باب حنك: يقال للعود الذي يضم العَرَاصِِيف حُنْكة وحِناك،
والرواية عن أبي زيد حُبْكة وحِباك فيما أخبرني به إسماعيل، وروى أبو
عبيد بالنون فصحَّف كتصحيف صاحب العين.
وذكر في باب جَحل: الجَحل: أولاد الإبل، وهو غلط، إنما هو الحجل
(بالحاء قبل الجيم) .
وذكر في باب لحص: التَّلحيص: استقصاء خبر الشيء وبيانه، وإنما هو
التَّلْخِيص (بالخاء المعجمة) .
وأنشد في باب حصف للأعشى
(تأوي طوائفها إلى محصوفة) // الكامل // والصواب: مخصوفة بالخاء معجمة،
يعني سَوْداَء كثيفة.
وذكر في باب سحب: السَّحْب: شدة الأكل والشرب، وإنما هو السَّحْت.
وذكر في باب حزل: الاحتزال: الاحتزام بالثوب، وهو باللام غلط، إنما هو
الاحتزاك - عن أبي عمرو الشيباني.
وذكر في باب حذل: الحُذَال: شيء يخرج من السمن وهو غلط، والصواب شيء
يخرج من السَّمُر كالدم والعرب تسميه حيض السَّمُر.
(2/329)
وذكر في باب حثل: المحثئل: الذي غضب
وتنفَّش للقتال، وإنما هو المجثئل بالجيم عن الأصمعي.
وذكر في باب حبر: الحبير: زبد اللُّغَام، وإنما هو الخبير (بالخاء
المعجمة) .
وذكر في باب بحر: بنات بحر ضَرْبٌ من السحاب، والصواب بنات بخر وبنات
مخر - عن أبي عمرو.
وذكر في باب مرح: مَرّحْت الجلد: دهنته قال الطِّرِمَّاح:
(سَرَتْ في رَعِيلٍ ذي أَدَاوَي مَنُوطَةٍ ... بِلَبَّاتِها
مَدْبُوغَةٍ لم تُمَرّح) // الطويل // وإنما هو مرخت الجلد (بالخاء
المعجمة) .
والبيت من قصيدة قافيتها على الخاء المعجمة وبعده:
(إذا سربخ عطت مجالَ سَرَاتهِ ... تمطَّتْ فحطت من أرجاء سَرْبَخ) //
الطويل // والسَّرْبخ: الأرض الواسعة.
وذكر في باب حوت: الحَوْتُ والحَوَتَان: حومان الطائر، والصواب بالخاء
المعجمة.
(2/330)
وذكر في باب الرباعي: الزحزب: الذي قوي
واشتد وعلظ والصواب بالخاء المعجمة.
وذكر في باب كهم: الكَهْكامة: المتهيب قال الهُذَلِيّ:
(ولا كَهْكامَة بَرَمٌ ... إذا ما اشتدت الحقب) // مجزوء الوافر //
وإنما هو الكَهْكاهة (بالهاء) وكذا هو في البيت عن أبي عبيد وغيره.
وذكر في باب همس: الهَمْسَة: الكلام والحركة، وإنما هي بالشين المعجمة.
وذكر في باب هزأ: هَزَأَه البرد: إذا أصابه في شدة والصواب هَرَأه،
(بالراء) .
والزاي تصحيف.
وذكر في باب الرباعي: القُرْهد: الناعم التَّارّ، وإنما هو الفُرْهد
(بالفاء) .
وذكر في باب خف: الخَفَّانة: النعامة السريعة، والمعروف الحَفَّان:
صِِغَار النَّعَام (بالحاء غير المعجمة) - عن الأصمعي، واحدته
حَفَّانَة.
وذكر في باب فخ: الفَخِيخ: صوت الأفعى وإنما هو بالحاء غير المعجمة.
وذكر في باب قلخ: القَلَخ في الأسنان: الصفرة التي تعلوها، وإنما هو
بالحاء غير المعجمة.
(2/331)
وذكر في باب لخج: اللخَج: أسوأ الغَمَص
وإنما هو اللحَج (بالحاء غير المعجمة) .
وذكر في باب خجب: جخْجَبي قبيلة من الأنصار وإنما هو بالحاء غير
المعجمة.
وذكر في باب خشب: الأخْشَب من الرجال: الذي لم يُحْلَق عنه شعره وإنما
هو الأحسب (بالحاء والسين) غير معجمتين.
وذكر في باب فضخ: انْفَضَخَت القُرْحة إذا انفتحت والصواب بالجيم.
وذكر في باب خصل: المِخْصَل: القطَّاع وإنما هو بالضاد المعجمة عن أبي
عبيد.
وذكر في باب خصب: الخِصْب: حية بيضاء وهي الحِضْب (بالحاء غير المعجمة
والضاد المعجمة) عن أبي حاتم.
وذكر في باب ختر: الخِيتار: الجوع الشديد وهو الخِنْتار (بالنون) عن
الأصمعي.
وذكر في باب مَيخ: مَاخ يمَيخ مَيْخاً: تَبَخْتَر والصواب مَاح (بالحاء
غير المعجمة) .
وذكر في باب توخ: تَاخَت الإصبع تَتُوخ توْخاً في الشيء الرخو،
والمعروف بالثاء المثلثة.
وذكر في باب الرباعي: المُخْرَنفِش: المغتاظ وهو بالحاء غير المعجمة -
عن الأصمعي.
(2/332)
وذكر المُخْرَنْمِش: الساكت، وهو بالسين
غير المعجمة.
وذكر في غش: لقيته غُشَيْشَان النهار، والصواب بالعين غير المعجمة،
تصغير العَشِيّ.
وذكر في باب فدغ: الفَدَغ الْتِواء في القَدَمِ، وهو بالعين غير
المعجمة.
وذكر في باب غبث: الغبِيثَة: طعام يُطْبَخ ويجعل فيه جراد وهي العبيثة
(بالعين غير المعجمة) .
عن الآمدي.
وذكر في باب رغل: رَغَلها رَغْلاً: رضعها في عَجَلَةٍ، والصواب بالزاي
عن أبي زيد، وقد صحف أبو عبيد هذا الحرف أيضا.
وذكر في باب رغم: الرَّغام: ما يسيل من الأنف، وهو بالعين غير المعجمة
عن أبي زيد.
وذكر في باب غلم: الغَيْلم: مَنْبَع الماء في الآبار، وهو بالعين غير
المعجمة عن الفرَّاء والآمدي.
وذكر في باب غسو: شيخ غَاسٍ: طال عمره، والمعروف بالعين غير المعجمة.
وذكر في باب الرباعي: الغَمَلّس الخبيث الجريء وهو بالعين غير المعجمة
عن أبي عمرو بن العلاء.
وذكر في قشذ: القِشْذَة: الزُّبدة وهي بالدال غير المعجمة عن الكسائي.
وذكر في باب قتل: القِتْوَلُّ من الرجال: العَيي وهو بالثاء المثلثة عن
أبي زيد.
(2/333)
وذكر في باب ذلق: ضَبٌّ مَذْلوق: مستخرج من
جُحْره والصواب بالدال غير المعجمة.
وذكر في باب المضاعف: أن الفِعالة من القوة قِوَاية وأنشد:
(ومَالَ بأعناق الكَرى غالباتُهُ ... فإني على أمر القواية حازم) //
الطويل // وهذا تصحيف.
أنشدنيه إسماعيل فإني على أمر الغِوَاية.
وذكر في باب قبأ: قبِئت من الشراب وقَبأت: إذا امتلأت، والصواب قئبت
(بتقديم الهمزة على الباء) عن الفراء.
وذكر في باب وقظ: الوَقْظ: حوض لا أعضاد له يجتمع فيه ماء كثير
والمعروف بالطاء غير المعجمة.
وذكر في قنو قانيت الرجل: دَانَيْتُه، والصواب بالفاء.
وذكر في باب نشظ: النَّشْظ اللسع في سرعة واختلاس وهو بالطاء غير
المعجمة.
وذكر في باب ضم: الضِّم والضمضام: الداهية الشديدة، وأحسبه تصحيفا لأنه
يقال للداهية الشيديدة صمصام وصمى (بالصاد غير المعجمة) .
وذكر في باب ضيأ: ضيَّأَت المرأة: كثر ولدها، وهو عندي غلط والصواب
ضَنَأت.
(2/334)
وذكر في باب سدف: السَّدف: سواد الشخص وهو
بالشين المعجمة.
وذكر في باب نسف النَّسْفة: حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم، وهو بالشين
المعجمة عن أبي عمرو.
وذكر في باب ترم: التَّرَم: شدة العض وهو بالباء، ولا أعرف الترم.
وذكر في باب درب: الدَّرَب: فساد المعدة وهو بالذال المعجمة.
وذكر في باب نتم: أَنْتَم الشيخ إذا كبر ووَلّى والصواب بالثاء
المثلثة.
وذكر في باب ربذ: شيء ربيذ: بعضُه على بعض والصواب رثيد بالثاء من قولك
رثدت المتاع.
وذكر في باب ذنب: الذنب والذبابة: القصير، وهو بالدال غير المعجمة عن
الفراء.
وذكر في باب ذرأ: ذَرَأْت الوضين: بسطته على الأرض، والصواب درأته
بالدال غير المعجمة.
هذا غالب ما ذكر أنه صحَّف فيه صاحب كتاب العين.
ذكر ما أخذ على صاحب الصِّحاح من التصحيف
أنشد على الدبدبة (بموحدتين) :
(عَاثور شرٍّ أيما عاثُور ... دبدبة الخيلِ على الجسور) // الرجز //
قال التِّبريزي: الصواب دَنْدنة (بنونين) وهو أن تسمع من الرجل نغمة
ولا
(2/335)
تفهم ما يقول، ومنه الحديث (لا أحسن دندناك
ولا دندنة مُعاذ) .
وكان أبو محمد الأسود ينشد هذا البيت استشهادا على ذلك.
قال الجوهري الذُّنابي: شبه المخاط يقع من أنوف الإبل.
قال ابن بَرِّي: هكذا في الأصل بخط الجوهري وهو تصحيف والصواب
الذُّنانَى (بالنون) .
وهكذا قرأناه على شيخنا أبي أسامة جنادة بن محمد الأزدي، وهو مأخوذ من
الذنين وهو الذي يسيل من أنف الإنسان والمعزى.
قال الجوهري: اللَّجِز: مقلوب اللَّزِج، وأنشد لابن مُقْبل:
(يَعْلُون بالمردَقُوش الوَرْد ضاحِيةً ... على سعابِيبِ ماء الضالة
اللجز) // البسيط // قال في القاموس: هذا تصحيف فاضح، والصواب في البيت
اللَّجِن (بالنون) والقصيدة نونية.
قال الجوهري: احتَقَّ الفرس، أي ضمر.
قال التَّبريزي: هذا تصحيف، والصواب أحْنَق الفرس (بالنون) على أفعل
إذا ضَمُر ويبس، ويقال ذلك أيضا لغير الفرس من ذوات الحوافر والخُفّ،
وخيل محانِق ومحانيق إذا وصفت بالضمر، وفرس محنِق (بكسر النون) .
وقال بعض أهل اللغة: احتق المال (بالتاء) على افتعل إذا سمن وأثرى
سِمَنه، وحَقّت الماشية من الربيع واحتقَّت إذا سمنت منه.
انتهى.
قال الجوهري: والعَانِك: الأحمر يقال: دَمٌ عَانِك.
وقال الأزهري: هذا تصحيف وإنما هو بالتاء في صفة الحمرة.
(2/336)
قال الجوهري: نقتُّ المخ أَنْقُته نَقْتاً،
لغة في نَقَوْته إذا استخرجته، كأنهم أبدلوا الواو تاء.
قال أبو سهل الهَروي: الذي أحفظه نَقَثْت العظم أَنْقثه نقثا، إذا
استخرجت مخه وانتقثه انتقاثا (بالثاء المعجمة بثلاث نقط من فوق) .
ويقال أيضا نقيته أنقيه، وانتقيته انتقاء مثله (بياء بنقطتين من تحت) .
قال الجوهري: تَنَجْنج لحم الرجل: كَثُر واسترخى.
قال أبو سهل: هذا تصحيف والصواب تبجبج (بياءين) .
قال الجوهري: رجل شِرْدَاخ القدم، أي عظيمها عريضها.
قال الهروي: هذا تصحيف وإنما هو شِرْدَاح (بحاء غير معجمة) قال
التِّبريزي: الصحيح بالمعجمة كما قال الجوهري، والهروي هو الذي صحف.
قال الجوهري: رجل قُتَرِد وقُتَارِد ومُقترد إذا كان كثير الغنم
والسِّخال عن أبي عبيد.
قال الهروي: الذي أحفظه قُثَرِد (بضم القاف وفتح الثاء المثلثة وكسر
الراء) وهو مقصور من قثارد ومقثرد (بالثاء معجمة بثلاث نقط فيها كلها)
.
وكذلك قرأتها على شيخنا أبي أسامة في الغريب المصنف وكذلك أيضا وجدته
بخطِّ أبي موسى الحامض.
قال الجوهري: الجَيْذَر: القصير.
قال الهروي: هذا تصحيف، والصواب الجيدَر (بالدال غير معجمة) .
قال الجوهري: وَطْب جَشِر أي وسخ.
قال الهروي: هذا تصحيف وإنما هو حَشِر، بحاء غير معجمة.
(2/337)
قال الجوهري: والحَبير: لُغَامُ البعير.
قال الهروي: هذا تصحيف والصواب الخبير (بالخاء المعجمة) .
قال الجوهري: العرارة: اسم فرس قال الشاعر:
(تسائلني بنو جُشَمِ بن بكرٍ ... أَغرّاء العَرَارة أم بهيم) // الوافر
// قال الهروي: هذا تصحيف في اللفظ والبيت معا والصواب العَرادة
بالدال.
وفي القاموس: قول الجوهري: فابهَتي عليها، أي فابهيتها - لأنه لا يقال
بَهَت عليه - تصحيف، والصواب فانْهَتِي عليها (بالنون لا غير) .
وفيه: شاح الفرس بذنبه، صوابه بالسين المهملة، وصحَّفَه الجوهري.
وفيه: شَمْخ بن فَزارة (بالخاء) بطن، وصحف الجوهري في ذكره بالجيم.
وفيه: قول الجوهري إذا كانت الإبل سِمَاناً قيل: بها زِرّة، تصحيف
قبيح، وتحريف شنيع، وإنما هي بَهازرَة على مثال فَعَالِلَة.
قال أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف، وقد ذكر ما يشكل ويصحف من أسماء
الشعراء فقال: وهذا باب صَعْبٌ لا يكاد يضبطه إلا كثيرُ الرواية غزير
الدِّرَاية، وقال لي أبو الحسن علي بن عبدوس الأرجاني، وكان فاضلا
متقدما، وقد نظر في كتابي هذا فلما بلغ إلى هذا الباب قال لي: كم عدة
أسماء الشعراء الذين ذكرتهم قلت: مائة ونيف، فقال: إني لأعجب كيف استتب
لك هذا فقد كنا ببغداد والعلماء بها متوفرون -
(2/338)
وذكر أبا إسحاق الزجاجي، وأبا موسى الحامض، وأبا بكر بن الأنباري
واليزيدي وغيرهم - فاختلفنا في اسم شاعر واحد وهو حريث بن محفض، وكتبنا
أربع رقاع إلى أربعة من العلماء، وأجاب كل واحد منهم بما يخالف الآخر،
فقال بعضهم: مخفض (بالخاء والضاد المعجمتين) وقال بعضهم: محفص (بالحاء
والصاد غير معجمتين) وقال آخرون: ابن محيصن، فقلنا: ليس لهذا إلا أبو
بكر بن دريد، فقصدناه في منزله، وعرفناه ما جرى، فقال ابن دريد: أين
يذهب بكم هذا مشهور وهو جريث بن مُحفّض (بالحاء غير معجمة مفتوحة
والفاء مشددة والضاد منقوطة) وهو من بني تيم، تيم بني مازن.
وتمثَّل الحجاج بشعره على المنبر.
قال أبو الحسن بن عبدوس: فلم يفرج عنا غيره.
قال العسكري: واجتمع يوما في منزلي بالبَصْرِة أبو رياش وأبو الحسين بن
لَنْكك فتَقاوَلاَ فكان فيما قال أبو رياش لأبي الحسين: أنت كيف تحكم
على الشعر والشعراء وليس تفرق بين الرَّقَبَان والزَّفَيَان، فأجاب أبو
الحسين، ولم يقنع ذاك أبا رياش، وقاما على شغب.
قال العسكري: فأما الرَّقَبان (بالراء والقاف وتحت الباء نقطة) فشاعر
جاهلي قديم، يقال له: أشْعَر الرَّقَبان، أما الزَّفَيان (بالزاي
والفاء وتحت الياء نقطتان) فهو من بني تميم يعرف بالزَّفيان، وكان على
عهد جعفر بن سليمان، وهو الزفيان بن مالك بن عوانة.
قال: وذكر أبو حاتم آخر يقال له الزَّفيان وأنه كان مع خالد بن الوليد
حين أقبل من البَحْرَيْنِ.
انتهى. |