سر صناعة الإعراب باب الألف الساكنة
مدخل
...
باب الألف الساكنة:
اعلم أن هذه الألف هي التي بعد اللام قبل الياء في آخر حروف المعجم وهي
التي في قولنا "لا". وإنما لم يجز أن تفرد من اللام وتقام بنفسها كما
أقيم سائر حروف المعجم سواها بأنفسها من قبل أنها لا تكون ساكنة تابعة
للفتحة، والساكن لا يمكن ابتداؤه، فدعمت باللام ليقع الابتداء بها،
وتأتي الألف ساكنة بعدها. وقول من لا خبرة له بحقيقة اللفظ بحروف
المعجم "لامَ الِف" خطأ.
فأما قول أبي النجم1:
خرجت من عند زيادٍ كالخَرِف ... تَخْطُّ رِجْلاي بِخَطٍّ مُخْتلِف
تكتبانِ في الطريقِ لامَ الِف2
فلم يرد شكل "لا" دون غيره، وإنما هذا كقولك: تكتبان قاف دال، أو جيم
طاء، أي كأنهما تخطان حروف المعجم، لا يريد بعضا دون بعض، على أنه
أيضًا قد يمكن أن يكون أراد بقوله: "لام الف" هذا الشكل المقدم ذكره
إلا أنه تلقاه من أفواه العامة؛ لأن الخط ليس له تعلق بالفصحاء، ولا
عنهم يؤخذ.
ويؤكد ذلك عندك أن واضع حروف المعجم إنما وسمها لنا منثورة غير منظورة،
فلو كان غرضه في "لا" أن يرينا كيف اجتماع اللام مع الألف، للزمه أيضًا
أن يرينا كيف تتركب الجيم مع الطاء، والقاف مع الياء، والسين مع الهاء،
وغير ذلك مما يطول تعداده، وإنما غرضه ما ذكرت لك من توصله إلى النطق
بالألف، فدعهما باللام ليقع الابتداء بها، وتأتي الألف ساكنة بعدها.
__________
1 الأبيات في ديوانه "ص141" والخزانة" "1/ 48-51" وهي بغير نسبة في
المقتضب "3/ 357".
2 الخرف: خَرِفَ خرفًا فسد عقلُهُ من الكبر فهو خَرِفٌ. لسان العرب "9/
62".
يقول: إنه خرج من عند زياد فاقدًا عقلَهُ تخطُّ رجلاه خطًى مختلفة
وترسم في خطاها حرف اللام ألف.
والشاهد فيه "لام ألف" حيث لم يرد شكل "لا" وإنما أراد مجرد الشكل الذي
تخطانه القدم.
(2/295)
فإن سأل سائل فقال: ما بالهم اختارو لها
اللام دون سائر الحروف إذا كان الأمر كما ذكرت، وهلا دعموها بالجيم أو
القاف أو غيرها من الحروف، فقالوا: جا أو قا أو صا أو نحو ذلك؟
فالجواب: أنهم إنما خصوا اللام بها دون غيرها من قبل أنهم لما احتاجوا
لسكون لام التعريف إلى حرف يقع الابتداء بها قبلها أتوا بالهمزة،
فقالوا: الغلام والجارية، فكما أدخلوا الألف قبل اللام هناك كذلك
أدخلوا اللام قبل الألف في "لا" ليكون ذلك ضربًا من التعاوض بينهما.
فإن قيل: فلم أدخلت الهمزة قبل لام التعريف أصلا حتى قيس هذا عليه
وعُووِضَ بينهما؟
فالجواب عن ذلك قد تقدم في حرف الهمزة من أول هذا الكتاب، فالأصل في
هذين الموضعين إنما هو لام المعرفة المدخلة عليها الألف، ثم حملت الألف
في إدخال اللام عليها على حكم لام المعرفة، وذلك أن اللفظ أسبق مرتبة
من الخط، فَبِهِ بُدِئَ، ثم حمل الخط عليه.
واعلم أن هذه الألف، أعني المدة الساكنة في نحو قامَ، وباعَ، وحمارٍ،
وكتابٍ، وغزَا، ورَمَى، وحتَّى، وإلَّا، ومَا، ولا، لا تكون أصلا في
الأسماء المتمكنة ولا الأفعال أبدًا، إنما تكون بدلا أو زائدًا، فأما
الحروف التي جاءت لمعانٍ فإن الألفات فيها أصول، وكذلك الأسماء المبنية
التي أوغلت في شبه الحرف، وسيأتيك ذلك مفصلا في أماكِنِه بإذن الله
تعالى.
(2/296)
كون الألف أصلا:
وذلك في عامة الحروف التي تقع الألف في آخرها، نحو ما، ولا، ويا، وهيا،
وإلا، وحتى، وكلا، فهذه الألفات وما يجري مجراها أبدا أصول غير زوائد
ولا منقلبة. والذي يدل على أنها ليست بزوائد أن الزيادة ضرب من التصرف
في الكلمة، وجزء من الاشتقاق فيها، وهذه الحروف كلها غير متصرفة ولا
مشتقة، فيجب أن تكون ألفاتها غير زادة، ألا ترى أنك لا تجد لـ "حتى"
و"كلا" اشتقاقا تُفْقَدُ فيه ألفهما كما تجد لضارب، وقاتل، ومِعْزًى،
وأرطًى اشتقاقًا تفقد في ألفها،
(2/296)
وهو ضَرَبَ، وقَتَلَ، ومَعْزٌ، ومَأْرُوط،
فلما لم تكن الحروف متصرفة ولا مشتقة بطل أن يقضى بزيادة ألفاتها،
ويفسد أيضًا أن تكون بدلا من نحو الوجه الذي فسد منه أن تكون زائدة،
وذلك أن البدل أيضًا ضرب من التصرف؛ ألا ترى أنك لا تجد لألف ما، ولا،
وحتى، وكلا أصلا في ياء ولا واو كما تجد لألف غزا، ودعا، وسعى، ورمى،
أصلا في الياء، والواو لقولك: غزُوتُ، ودعَوتُ، وسعَيتُ، ورمَيتُ، فكما
بطل أن تكون الألف فيها زائدة بطل أيضًا أن تكون بدلا.
ودليل آخر على فساد كونها بدلا وجودك الألف في نحو "ما" و"لا"، فلو
كانت الألف في نحو ذلك بدلا لم تخل من أن تكون بدلا من ياء أو واو، فلو
كانت بدلا من الياء لوجب أن تقول في "ما" و"لا": "مَيْ" و"لَيْ" كما
قالوا: أَيْ، وكَيْ، لو كانت بدلا من الواو لوجب أن تقول: "مَوْ"
و"لَوْ" كما قلت: أَوْ، ولَوْ؛ ألا ترى أن الياء والواو إنما تقلبان
إذا وقعتا طرفين متى تحركتا، فإذا سكنتا لم يجب قلبهما، وأواخر الحروف
أبدًا ساكنة إلا أن يلتقي ساكنان، ولا ساكنين في نحو: ما، لا، كما أنه
لا ساكنين في نحو: قد، وهل.
وكذلك القول عندنا في الأسماء القاعدة في شبه الحرف، نحو: أنَّى،
ومَتَى، وإِذَا، وإيّا، ينبغي أن تكون ألفاتها أصولا غير زوائد ولا
مبدلة، لأن أواخرها ينبغي أن تكون سواكن، ألا ترى أن "أنى" في
الاستفهام بمننزلة "مَنْ" و"كَمْ" وأنه ينبغي أن يكون آخرها ساكنًا كما
أن آخر "مَنْ" و"كَمْ" ساكن، فوجودك الألف في المكان الذي يسكن فيه
الحرف الصحيح أدل دليل على كونها أصلا غير زائدة ولا مبدلة. والقول في
"متى" أيضًا كالقول في "أنى" لأنها أختها في الاستفهام ورسيلتها في
استحقاق البناء. وكذلك "إذا" هي مستحقة للبناء لاقتصارهم على إضافتها
إلى الجملة، فينبغي أن يكون آخرها ساكنًا كآخر "إذ" فالألف إذن في
آخرها أصل، إذ لا حركة فيها توجب قلبها. وكذلك القول في ألف "إذا" التي
للمفاجأة لأنها مبنية، وحكمها أن تكون ساكنة الآخر.
وأما "إيّا" فاسم مضمر، وقد تقدمت الدلالة في هذا الكتاب وغيره مما
صنفناه وأمللناه على صحة كونه مضمرًا بمنزلة "أنت" و"أنا" و"هو" فكما
أن هذه كلها مبنية لشبه الحرف فيها، كذلك ينبغي أن تكون "إيّا" مبنية
أيضًا.
(2/297)
فإن قلت: فلعله مبني على حركة، فتكون ألفه
إذن منقلبة لانفتاح الياء قبلها، ويكون في بنائه على الحركة بمنزلة
"أنا" و"هو" في أنهما مبنيان على الفتح.
فالجواب: أن "إياك" بأنت أشبه منه بأنا وهو، وذلك أن الكاف في آخره قد
ثبتت الدلالة على كونها حرفا للخطاب، وقد شرحنا ذلك من حالها في حرف
الكاف، فإذا كان الاسم إنما هو "إيا" والكاف إنما هي لاحقة لمعنى
الخطاب، أشبه إياك أنت، ألا ترى أن التاء في آخر "أنت" ليست من الاسم،
وإنما هي للخطاب، فكما أن النون قبل تاء "أنت" ساكنة، فكذلك ينبغي أن
تكون الألف قبل كاف "إياك" في موضع سكون، وإذا كانت كذلك لزم أن تكون
الألف غير منقلبة؛ لأنها ليست في موضع حركة، وجرت في ذلك مجرى ألف: ما،
ولا، وحتى، وكلا في أنها غير منقلبة.
وحكى لي حاكٍ عن أبي إسحاق أُرَاه قال لي: سمعتُه يقول وقد سئل عن معنى
قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: من الآية 5] 1 ما
تأويله؟ فقال: حقيقتُكَ نَعْبُدُ، قال: واشتقاقه من الآية، وهي
العلامة.
وهذا القول من أبي إسحاق عندي غير مُرْضٍ، وذلك أن جميعَ الأسماء
المضمرة مبني غير مشتق نحو: أنا، وأنت، وهو، وهي، وقد قامت الدلالة على
كون "إيا" اسمًا مضمرًا، فيجب أن لا يكون مشتقًا، فإن ذهب إلى أن "إيا"
اسم غير مضمر، وذلك قوله على ما بيناه في حرف الكاف، فقد أفسدناه هناك
بما أغنى عن إعادته هنا.
فإن قلت: فما مثال "إيا" من الفعل؟ فإن المضمر لا ينبغي أن يمثل لأنه
غير مشتق ولا متصرف، ولكنك إن تكلفت ذلك على تبيين حاله لو كان مما يصح
تمثيله لاحتمل أن يكون من ألفاظ مختلفة، وعلى أمثلة مختلفة، فالألفاظ
ثلاثة:
أحدها أن يكون لفظ أَوَيْتُ.
والآخر: من لفظ الآية.
__________
1 {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} الشاهد في الآية أن أبا إسحاق أولها بـ "حقيقتك
نعبد" وهو ما لا يتفق مع رأي ابن جني.
(2/298)
والآخر: من تركيب "أوو" وهو من قول
الشاعر1:
فَأَوِّ لذكراها إذا ما ذكرتُها ... ومن بُعْدِ أرضٍ بيننا وسَماءِ2
فمن رواه هكذا فـ "أوِّ" على هذا بمنزلة قَوِّ زيدًا، وهو من مضاعف
الواو، ولا يكون "فأوِّ" كقولك: سَوِّ زيدًا، ولَوِّ عمرًا، وحَوِّ
حَبْلا لما ذكرناه قبل في حرف الميم من هذا الكتاب.
وإن ذهبت إلى أن "إيا" من لفظ "أويت" احتمل ثلاثة أمثلة: أحدها أن يكون
إفْعَلا. والآخر أن يكون فِعْيَلا. والآخر فِعْلَى.
فأما "إفْعَلٌ" فأصله "إئْويٌ: فقلبت الياء التي هي لام ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها، فصارت "إئْوا" وقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء
الفعل ياء لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، فصارت "إيوا" فلما اجتمعت
الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في
الياء، فصارت "إيا".
فإن قلت: ألست تعلم أن الياء التي قبل الواو في "إيوا" ليست بأصل،
وإنما هي بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، فهلا لم تقلب لها الواو ياء
إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة، كما تقول في الأمر من أوى يأوي: ايو يا
رجل، ولا تقلب الواو ياء، وإن كانت قبلها ياء ساكنة، لأن تلك الياء
أصلها الهمز؟
فالجواب: أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم، وذلك أن الفعل لا
يستقر على حال واحدة، ولا الهمزة المكسورة في أولِهِ بلازمة، إنما هي
ثابتة ما ابتدأتَ، فإذا وصلت سقطت البتة، ألا تراك تقول: "ايو، وأو"
وإن شئت فأو، كما قال تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: من
الآية 16] 3 وليس كذلك الاسم؛ لأنه إن كانت في
__________
1 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "أوا" "14/ 54" والخصائص "3/
38".
2 يقال: فأوَّه على فعَّل، وهي لغة بني عامر، وهذا من قولهم "فلان
يتأوَّه من ذنوبِهِ" معاني القرآن للفراء "2/ 23".
والشاهد فيه "فأوّ" حيث صاعف الواو.
3 {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} الشاهد فيه "فأووا" حيث حذفت الياء في
الفعل "أوى" وثبتت الهمزة في أول الفعل.
(2/299)
أوله كسره أو ضمة أو فتحة ثبت على كل حال،
وذلك قولك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] 1 وضربت القوم إلا إياك،
فالهمزة ثابتة مكسورة في الوصل والوقف، ألا ترى أنهم قالوا في مثل
"إجرد"2 من "أويت": "أي". وأصله "إئوي" فقلبت الهمزة الثانية لاجتماع
الهمزتين ياء، فصارت "إيوي" وقلبت الواو ياء لوقوع الياء الساكنة
المبدلة من الهمزة قبلها، فصارت "إييي" فأدغمت الأولى في الثانية،
فصارت "إيي"، فلما اجتمعت ثلاث ياءات على هذه الصفة حذفت الآخرة
تخفيفا، كما حذفت من تصغير أحوى في قولك "أحي".
وكذلك قولوا في مثل "أوزة" من "أويت": "إياة" وأصلها "إئوية" فقلبت
الهمزة الثانية ياء، وأبدلت لها الواو بعدها ياء، وأدغمت الأولى في
الثانية، وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت
"إياه". فهذا حكم الأسماء لأنها غير منتقلة، والأفعال لا تثبت على طريق
واحدة، فليس التغير فيها بثابت.
وأما كونه "فعيلا" من "أويت" بوزن "طريم"3 و"غريل"4 و"حذيم"5 فأصله على
هذا "إويي" تفصل ياء "فعيل" بين الواو والياء كما فصلت في المثال بين
العين واللام، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء، وأدغمت في
ياء "فعيل" فصارت "إيي" ثم قلبت الياء الأخيرة التي هي لام ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إيا".
وأما كونه "فعلى" فأصله "إويا" فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما
قبلها، ولوقوع الياء بعدها أيضا، ثم أدغمت في الياء بعدها، فثارت
"إيا".
فإن سميت به رجلا وهو "أفعل" لم ينصرف معرفة، وانصرف نكرة، وحاله فيه
حال إشفي6. وإن سميت به رجلا وهو "فعيل" فالوجه أن تجعل ألفه للتأنيث
__________
1 {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} الشاهد فيه "إياك" حيث نثبت الهمزة في الاسم على
كل جال سواء كانت في أوله كسرة أو فتحة أو ضمة.
2 إجرد: نبت يدل على الكمأة. لسان العرب "3/ 119" مادة/ جرد.
3 الطريم: العسل إذا امتلأت البيوت خاصة، والسحاب الكثيف. اللسان "12/
361".
4 الغريل: ما يبقى من الماء في الحوض، والغدير الذي تبقى فيه الدعاميض
لايقدر على شربه.
5 الحذيم: القاطع.
6 إشفي: المثقب. اللسان "14/ 438".
(2/300)
بمنزلة ألف "ذكرى" و"ذفرى"1 وإذا كان ذلك
كذلك لم ينصرف معرفة ولا نكرة. وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق بهجرع2،
وأجريتها مجرى ألف "معزى" لم تصرفه معرفة، وصرفته نكرة، وجرى حينئذ
مجرى "أرطى"3 و"حنبطى"4 و"دلنظى"5 و"سرندى".
وأما إذا جعلت "إيا" من لفظ "الآية" فإنه يحتمل أن يكون على واحد من
خمسة أمثلة، وهي: "إفعل" و"فعل" و"فعيل" و"فعول" و"فعلى" وذلك أن عين
"الآية" من الياء لقول الشاعر7:
لم يبق هذا الدهر من آياته ... غير أثافيه وأرمدائه8
فظهور الياء عينا في "آيائه" يدل على ما ذكرناه من كون العين ياء، وذلك
أن وزن "آياء": "أفعال" ولو كانت العين واوا لقال "من أوائه" إذ لا
مانع من ظهور الواو في هذا الموضع، فإذا ثبت بهذا وبغيره مما يطول ذكره
كون العين من "آية" ياء، ثم جعلت "إيا": "إفعلا" فأصله "إئيي" فقلبت
الهمزة الثانية التي هي فاء ياء لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى
منهما، ثم ادغتمها في الياء هي عين بعدها، فصارت "إيي" ثم قلبت الياء
التي هي لام في "آية" و"آي" ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت
"إيا".
ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة
التي هي فاء في "إفعل" من "أويت" قبلها إذ صار لفظها إلى "إيوا"
والانتصار لذاك هناك،
__________
1 ذفري: العظم الشاخص خلف الأذن. لسان العرب "4/ 307" مادة/ ذفر.
2 هجرع: الأحمق من الرجال. اللسان "8/ 368".
3 أرطى: شجر ينبت بالرمل.
4 حبنطى: الممتلئ غضبا أو بطنه.
5 دلنظى: السمين في كل شئ.
6 سرندي: الجرئ، وقيل: الشديد. اللسان "3/ 212".
7 هو أبو النجم العجلي، والبيتان في ديوانه "ص54-55" وذكره صاحب اللسان
دون أن ينسبه ماددة "ثرا" "14/ 111".
8 الآياء: جمع آية، وهو جمع الجمع وهو نادر، وهي العلامة.
الدهر: الزمن.
أثافيه: أحجار توضع تحت القدر عند الطهي. اللسان "3/ 9" مادة/ أثف.
أرمدائه: واحد الرماد. يعني أن الدهر لم يترك من علامته إلا الرماد.
الشاهد فيه "آيائه" حيث إن ثبت أن عين الكلمة "ياء".
(2/301)
وأما إذا جعلتها من الآية فالعين في الأصل
ياء، ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء، فلما اجتمع
المثلان، وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظر، فقلت "إيا" وجرى
ذلك مجرى قوله عز اسمه: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] 1 في من لم
يهمز، جعله "فعلا" من "رأيت" وأصله على هذا "رئيا".
وحدثنا أبو علي أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه: رئيا وريا وزيا بالزاي.
وإذا جعلته "فعلا" مثل "إلق"2 و"قنب" فالياء المشددة هي العين المشددة،
والألف آخرا هي لام "فعل" وهي متقلبة من الياء التي هي لام "آية" وأصله
"إيي" فقلت الياء الأخيرة ألفا كما ذكرت لك.
وإذا جعلته "فعيلا" مثل "غرين"3 و"حذيم"4 فالياء الثانية في "إيا" هي
ياء "فعيل" والياء هي عين "فعيل".
وإذا جعلته "فعولا" فأصله "إيوي" وهو بوزن "خروع"5 و"جدول" فيمن كسر
الجيم، فلما اجتمعت الياء الواو، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء،
وأدغمت الياء التي هي عين "فعول" في الياء التي أبدلت من واوه، وقلبت
الياء التي هي لام ألفا لما ذكرنا، فصارت "إيا".
__________
1 "أَثَاثًا وَرِيًّا" قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي
"وَرِئْيًا" مهموزة بين الراء والياء، وقرأ ابن عامر ونافع "وَرِيًّا"
بغير همز، وروي عن نافع الهمز.
السبعة "ص411-412".
وقرأ طلحة "وريا" خفيفة بلا همز وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري
والمكي "وَزِيًّا" بالزاي.
المحتسب "1/ 43-44". والزي: الهيئة والمنظر.
2 إلق: الإلق: المتألق. لسان العرب "10/ 8" مادة/ ألق.
3 غرين: الطين يجملة السيل. لسان العرب "11/ 491".
4 حذيم: الحذيم: القاطع.. اللسان "12/ 118" مادة/ حذم.
5 خروع: شجرة تحمل حبا كأنه بيض العصافير، يسمى السمسم الهندي.
وهو نبت يقوم على ساق، ورقة كورق التين، وبذوره ملس كبير الحجم ذات
قشرة رقيقة صلبة وهي غنية بالزيت.
(2/302)
وإذا جعلته "فعلى" فالياء الأولى في "إيا"
هي العين، والثانية هي اللام، والألف ألف "فعلى". فيجوز أن تكون
للتأنيث، ويجوز أن تكون للإلحاق على ما تقدم. والوجه في هذه الألفات أن
تكون التأنيث لأنها كذلك أكثر ما جاءت.
وأما إذا كان من لفظ "فأو لذكراها" -وأصله على ما ثبت من تركيب "أوو"-
فإنه يحتمل مثالين: أحدهما "إفعل" والآخر "فعيل". فإذا جعلته "إفعلا"
فأصله "إئوو". فقلت همزته الثانية التي هي فاء "إفعل" ياء لانكسار
الهمزة قبلها، فصارت في التقدير "إيوو" ثم قلبت الواو الأولى التي هي
عين "إفعل" ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها على ما تقدم، فصارت في التقدير
"إيو" ثم قلبت الواو التي هي لام ياء لأنها وقعت رابعة، كما قلبت في
"أغزيت" و"أعطيت" فصار في التقدير "إيي"، ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار "إيا" كما ترى.
وإذا جعلته "فعيلا" فأصله حينئذ "إويو" فقلبت الواو الأولى التي هي عين
الفعل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولأنها أيضا ساكنة قبل الياء، ثم
أدغمت تلك الياء في ياء "فعيل"فصارت "إيو"، ثم قلبت الواو ياء لأنها
رابعة طرق، ثم قلبت تلك الياء ألفا على ما عمل في المثال الذي قبل هذا،
فصارت "إيا".
ولا يجوز أن تكون "إيا" إذ جعلتها من لفظ "أوو": "فعلا" ولا "فعلى" كما
جاز فيما قبل، لأنه كان يلزم أن يكون اللفظ به "إوى". وإن شئت جوزت ذلك
فيه، وقلت: إنهما ليستا عينين فيلزما ويصا. ولا يجوز أن تكون "إيا"
"فعللا" مضعف اللام بمنزلة "ضربب" لأن ذلك لم يأت في شئ من الكلام.
ويجوز فيه أيضا وجه ثالث، وهو أن يكون "فعولا" قلبت عينه للكسرة، ثم
واوه لوقوع الياء قبلها، فقلت "إيا".
فإن أردت تحقير هذه الأمثلة أو تكسيرها على اختف الأصول المركبة هي
منها طال ذلك جدا، إلا أنه متى اجتمع معك في ذلك ثلاث ياءات كاللواتي
في آخر تحقير "أحوى" حذفت الآخرة، ومتى اكتنف ألف التكسير حرفا علة،
ولم يكن بين ألف التكسير وبين آخر الكلمة إلا حرف واحد همزت ذلك الحرف،
وأبدلت الآخر ألفا، ثم أبدلت الهمزة حرف لين.
(2/303)
ولا يجوز أن يكون "إيا" من لفظ "آءة" على
أن تجعله "فعيلا" منها، ولا "إفعلا" لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة
لأنه لام، فتقول "إيا" ولم يسمع فيه الهمزة البتة، ولا سمع أيضا مخففا
بين بين، ولكن يجوز فيه عندي على وجه غريب أن يكون "فعلى" من لفظ
"وأيت"، ويكون أصله على هذا "وئيا" فهمزت واوه لانكسارها، كما همزت في
"إسادة" و"إعاء" و"إشاح" ونحو ذلك فصارت "إئيا"، ثم أبدلت الهمزة
لانكسار الهمزة الأولى قبلها، ثم أدغمت الياء المنقلبة من الهمزة في
الياء التي هي لام "وأيت" فصارت "إيا".
فهذه أحكام تصريف هذه اللفظة، ولست أعرف أحدا من أصحابنا خاض فيها إلى
ههنا، ولاقارب هذا الموضع أيضا، بل رأيت أبا علي وقد نشم فيها القول
يسيرا لم يستوف الحار فيها، ولا طار بهذه الجهة، وإن كان -بحمد الله،
والاعتراف له- الشيخ الفاضل، والأستاذ المبجل. ولو لم يتضمن هذا الكتاب
من الكلام على الدقيق أكثر من هذه المسألة لكانت -بحمد الله- جمالا له،
ومحسنة حاله.
ثم نعود إلى حكم الألف، فنقول: إن ألف "ذا" من قولك "هذا زيد" منقلبة
عن ياء ساكنة، وقد ذكرنا في هذا الكتاب وغيره العلة التي لأجلها جاز
قلب الياء الساكنة ألفا إذ كان أصله "ذي".
فإن قلت: فما تقول في ألف "لكن" و"لكن"؟
فالجواب: أن يكون أصلين لأن الكلمتين حرفان، ولا ينبغي أن توجد الزيادة
في الحروف، فإن سميت بهما ونقلتهما إلى حكم الأسماء حكمت بزيادة الألف،
وكان وزن المثقلة "فاعلا" والمخففة "فاعلا".
__________
1 آءة: الأءة: واحدة الآء: هو شجر له ثمر يأكلة النعام. لسان العرب "1/
24".
(2/304)
إبدال الألف
مدخل
...
إبدال الألف:
أبدلت الألف من أربعة أحرف، وهي: الهمزة، والياء، والواو، والنون
الخفيفة.
(2/304)
إبدال الألف عن
الهمزة:
هذه الهمزة في الكلام على ضربين: أصل، وزائدة، ومتى كانت الهمزة ساكنة
مفتوحا ما قبلها غير طرف، فأريد تخفيفا أو تحويلها أبدلت الهمزة ألفا
أصلا كانت أو زائدة، فالأصل نحو قولك في "أفعل" من "أمن": "آمن" وأصلها
"أأمن" فقلبت الثانية ألفا لاجتماع الهمزتين وانفتاح الأولى وسكون
الثانية. ومثله "ألفت زيدا" أي: ألفته.
قال ذو الرمة1:
من المؤلفات الرمل أدماء حرة ... بياض الضحى في لونها يتوضح2
ومن ذلك قولهم في تخفيف "رأس" و"بأس"3 و"فأل"4: "راس" و"باس" و"فال".
ومنه قولك في "قرأت": "قرات" وفي "هدأت": "هدات"5.
والزائد نحو قولك في تخفيف "شأمل"6: "شامل" وفي "احبنطأت"7 فيمن همز
"احبنطات".
واعلم أن هذا الإبدال على ضربين: أحدا لابد منه، والآخر منه بد. فأما
ما لا بد منه فأن تلتقي همزتان مفتوحة والثانية ساكنة، فلا بد من إبدال
الثانية
__________
1 البيت في ديوانه "ص1197" وكتاب الهمز "ص29".
2 يتوضح: يظهر.
أدماء: بيضاء خالصة البياض.
والشاعر يصف ظبية بيضاء تلمع مثل نوره الضخى.
والشاهد فيه: مؤلفات" حيث قلبت همزة "أألف" الثانية ألف "آلف".
3 بأس: العذاب، والشدة في الحرب. لسان العرب "6/ 20".
4 فأل: ضد الكيرة والجمع فؤول. لسان العرب "11/ 513".
5 هدأت: هدأ هدوءا أي سكن. لسان العرب "1/ 180" مادة/ هدأ.
6 شأمل: شمل الأمر القوم شملا عمهم. وقد شملت الريح: تحولت شمالا.
7 احبنطأت: احبنطأ الرجل: انتفخ جوفه. اللسان "1/ 57-58" مادة/ حبطأ.
(2/305)
ألفا، وذلك نحو آدم، وآخر، وأمن، وآوى،
وآساس جمع أس1، وآياء2 جمع آية وآي، فهذا إبدال لازم كراهية التقاء
الهمزتين في حرف واحد، وإذا أبدلت الهمزة على هذا جرت الألف التي هي
بدل منها مجرى ما لا أصل له في همز البتة، وذلك قولهم في جمع "آدم":
و"أوادم" فأجروا ألف "آدم" مجرى "ألف" "خاتم" فقلبوها واوا في "أوادم"
كما قلبوا الألف واوا في "خواتم" فقالوا3:
................................. ... وتترك أموال عليها الخواتم4
وإذا لم تكن الهمزة هكذا لم يلزم إبدالها، ألا ترى أنك مخير بين أن
تقول "قرأت" و"قرات" و"بدأت" و"بدات"، ولا يجوز أن تقول "أأدم" ولا
"أأخر".
وقد أبدلت الهمزة المفتوحة التي قبلها فتحة ألفا أيضا على غير قياس،
وإنما يحفظ حفظا، أنشدنا أبو علي5:
بتنا وبات سقيط الطل يضربنا ... عند الندول قرانا نبح درواس6
إذا ملأ بطنه ألبانها حلبا ... باتت تغنيه وضرى ذات أجراس7
يريد: إذا ملأ بطنه، فأبدل الهمزة الفا.
__________
1 أس: كل مبتدأ شئ، وهي أصل البناء، وجمعه إساس. اللسان "6/ 6" مادة/
أسس.
2 وآياء: جمع آية وهي الدليل أو العلامة.
3 البيت في ديوان الأعشى "ص129" وصدره:
يقلن: حرام ما أحل بربنا
4 الشاهد فيه "الخواتم" حيث قلبت الألف واوا. فأصلها "خاتم" في المفرد.
5 البيتان في المبهج "ص30".
6 الندول: اسم رجل.
درواس: كلب كان معه.
الطل: المطر الصغار القطر الدائم وهو أرسخ المطر ندى. اللسان "11/ 405"
مادة / طلل.
والشاعر يهجو رجلا يدعى "الندول" بأنهم باتوا عنده يتساقط عليهم المطر
وضايقهم بسماع صوت كلبه.
7 أجراس: أصوات. لسان العرب "6/ 35" مادة/ جرس.
فكلبه يصدر أصواتا من شدة جوعه لبخل صاحبه.
والشاهد فيه: "ملا" حيث أبدلت الهمزة ألفا على غير القياس.
(2/306)
ومن أبيات الكتاب1:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعي فزارة لا هناك المرتع2
يريد: هنأك.
فأما من همز "العالم" و"الخاتم" و"الباز" و"التابل" فلا يجوز على مذهبه
تخفيف هذه الهمزة، وذلك أن مذهبه أن يجتلب همزا لا أصل له، فلا يجوز
على هذا أن يخفف الهمزة، فيردها ألفا، لأنه عن الألف قلبها، فلو أراد
الألف لأقر الألف الأولى، واستغنى بذلك عن قلبها همزة، ثم قلبت تلك
الهمزة ألفا. وأما غيره فلا ينطق بهذه الهمزة في هذا الموضع أصلا، فلا
يمكن أن يقال فيه إنه يخففها ولا يحققها.
__________
1 من أبيات سيبويه والبيت للفرزدق، وهو في ديوانه "ص508" والكتاب "3/
554".
مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك كان على العراق، فعزله يزيد بن عبد الملك
واستعمل عمر بن هبيرة الفزاري فأساء وعزل مسلمة عزلا قبيحا.
2 راحت: راح فلان يروح رواحا من ذهابه أو سيره بالعشي. اللسان "2/ 464"
مادة/ روح.
المرتع: الموضع الذي ترتع فيه الماشية.
والشاهد فيه: "هناك" حيث أبدلت الهمزة ألفا يريد "هنأك".
(2/307)
إبدال الألف عن الياء والواو:
وذلك على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تكونا أصلين، والآخر: أن تكونا
منقلبتين، والاخر: أن تكونا زائدتين.
فأما إبدال الألف عن الياء والواو
وهما أصلان فنحو قولك في "ييأس"1: "ياءس" وفي "يوجل"2: "ياجل" ونحو
قولك: "باع، وسار، وهاب3، وحار، وقام، وصاغ4، وخاف، ونام، وطال" لقولك:
"البيع، والسير، والهيبة، والحيرة، وقومة، وصوغة، وخوف، ونوم، وطويل".
__________
1 ييأس: اليأس القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء. اللسان "6/ 259" مادة/
يأس.
2 يوجل: وجل يوجل خاف وفزع "ج" وجال. اللسان "11/ 722" مادة/ وجل.
3 هاب: هابه هيبا ومهابة: أجله وعظمه وحذره وخافه. لسان العرب "1/ 790"
مادة/ هيب.
4 صاغ: صاغ فلان زورا وكذبا إذا اختلقه، وسكبه. اللسان "8/ 442" مادة/
صوغ.
(2/307)
ومن ذلك "رمى، وسعى، ودعا، وعدا" للقولك:
"الرمي، والسعي، والعدو والدعو" فهذا حكم الياء والواو، متى تحركتا
وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفا إلا أن يضطر أمر إلى ترك قلبهما، وذلك نحو
قولك للاثنين: "قضيا، ورميا، وخلوا، ودعوا" وإنما صحتا هنا ولم تقلبا
ألفا، لأنهم لو قلبوها ألفا وبعدها ألف تثنية الضمير لوجب أن تحذف
إحداهما لالتقاء الساكنين، فيزول لفظ التثنية، ويلتبس الاثنان بالواحد.
ونحو من ذلك قولهم: "النفيان" و"الغليان" و"الصميان"1 و"العدوان"2
و"النزوان"3 و"الكروان"4، ألا ترى أنهم لو قلبوا الياء والواو هنا
ألفين وبعدهما ألف "فعلان" لوجب حذف إحدهما، وأن تقول "نفان" و"غلان"
و"صمان" و"عدان" و"نزان" و"كران" فيلتبس "فعلان" مما اعتلت لامه ب
"فعال" مما لامه نون، فترك ذلك لذلك.
وربما جاء شئ من ذلك على أصله صحيحا غير معل ليكون دليلا على الأصول
المغيرة، وذلك قولهم "الصيد"5 و"الجيد"6 و"القود"7 و"الأود"8 و"الحوكة"
و"الخونة" جمع "حائك"9 و"خائن" فأما قولهم في "ييأس": "ياءس" وفي
"يوجل": "ياجل" فإنما قلبوا الياء والواو فيهما وإن كانتا ساكنتين
تخفيفا، وذلك أنهم رأوا أن جمع الياء والألف أسهل عليهم من جمع
الياءين، والياء والواو، وقد حملهم طلب الخفة على أن قالوا في
"الحيرة": "حاري" وفي "طيئ": "طائي" قال10:
إذ هي أحوى من الربعي خاذلة ... والعين بالإثمد الحاري مكحول11
__________
1 الصميان: الشديد المحتنك السن، والشجاع الصادق الحملة، والسرعة.
اللسان "14/ 469".
2 العدوان: الشديد العدو. لسان العرب "15/ 31" مادة/ عدا.
3 النزوان: مصدر نزا الفحل، أي: وثب. لسان العرب "15/ 319" مادة/ نزا.
4 الركوان: طائر طويل الرجلين أغبر، نحو الحمامة، له صوت حسن.
5 الصيد: الكبر.
6 الجيد: طول العنق وحسنه.
7 القود: القصاص.
8 الأود: الاعوجاج.
9 حائك: الذي ينسج الثياب. لسان العرب "10/ 418" مادة/ حيك.
10 هو الطفيل الغنوي، والبيت في ديوانه "ص55" والكتاب "1/ 240".
11 الأحوى: أسود ليس بشديد السواد.
الربعي: ما نتج في الربيع.
الحاري: نسبة إلى الحيرة بالكسر بلد بجنب الكوفة. لسان العرب "4/ 225".
والشاعر يصف الظبية بأنها جميلة اللون تنتج أفضل النتاج وكحيلة
العينين.
والشاهد فيه: "الحاري" حيث أبدلت الياء ألفا تخفيفا.
(2/308)
وحكى أبو زيد عن بعضهم1 في تصغير "دابة":
"دوابة" يريد "دويبة" فأبدل من ياء التصغير الساكنة ألفا، وقال
الراجز2:
تبت إليك فتقبل تابتي ... وصمت ربي فتقبل صامتي3
يريد: توبتي، وصومتي.
وقال الآخر: وهو مالك بن أسماء بن خارجة4:
ومن حديث يزيدني مقة ...
ما لحديث الماموق من ثمن5
يريد: الموموق. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ارجعن مأزورات
غير ماجورات" 6 وأصله "موزورات" فقلبت الواو ألفا تخفيفا كما ذكرنا.
وقال الكوفيون: إنما أريد به ازدواج الكلام لقوله "ماجورات". وهو قول
أيضا.
وقال سيبويه في "آية" و"ثاية": "وقال غيره -يعنى غير الخليل- إنها
"فعلة" فأبدلت الألف من الياء"7. وأخذ بعض البغداديين8 هذا من سيبويه،
فقال9 في قولهم: "ضرب عليه ساية": إنما هي "سية" أبدلت الألف من الياء
المنقلبة عن الواو التي هي عين في "سويت".
__________
1 هو أبو عمرو الهذلي كما في المسائل البغداديات "ص395".
2 البيتان في اللسان "توب" "1/ 226".
3 الشاهد فيه "تابتي -صامتي" حيث قلبت الواو ألفا للتخفيف يريد "توبتي
-صومتي".
4 البيت منسوب إليه في ذيل الأمالي "ص91" وبغير نسبة في المحتسب "2/
331" وروي في ذيل الأمالي "الموموق" ولا شاهد فيه.
5 الشاهد فيه "الماموق" حيث أبدلت الواو ألفا تخفيفا، فأصله "الموموق".
6 الشاهد فيه "مازورات -ماجورات" حيث قلبت الواو ألفا تخفيفا.
أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز -باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز
"1/ 502-503".
7 الكتاب "2/ 388".
8 هو الفراء كما في اللسان "سوا" "14/ 415".
9 نص ابن جني في التمام "ص233" على أنه الفراء.
(2/309)
وطرد أيضا هذا الآخذ من سيبويه في غير هذه
اللفظة، فقال في قولهم: "أرض دواية": إنه أراد "دوية" فأبدل من الواو
الأولى الساكنة التي هي عين "دو" ألفا.
قال ذو الرمة1:
دوية ودجى ليل كأنهما ... يم تراطن في حافاته الروم2
قال أبو علي3: وهذه دعوى من قائلها لا دلالة عليها، وذلك أنه يجوز أن
يكون بني من "الدو" فاعلة، فصارت "دواية" بوزن "زاوية" ثم أنه الحق
الكلمة ياءي النسب، وحذف اللام، كما تقول في الإضافة إلى "ناجية":
"ناجي" وإلى "قاضية": "قاضي" وكما قال علقمة4:
كأس عزيز الأعناب عتقها ... لبعض أربابها حانية حوم5
فنسبها إلى "الحاني" بوزن "القاضي".
وكما قالوا: "رجل ضاوي" إنما هو منسوب إلى "فاعل" من "الضوى"6 وهو
"ضاو" ولحقتا في "ضاوي" كما لحقتا في "أحمر وأحمري" و"أشقر وأشقري"7
والمعنى واحد.
__________
1 في ديوانه "ص410".
2 الدوية والداوية: المفازة المستوية.
تراطنهم: كلام لا يفهمه الجمهور.
حافاته: جوانبه، ونواصيه.
دجى الليل: سواده مع غيم.
والشاعر يصف الصحراء أثناء الليل وكأنهما بحر هائج يموج بمن فيه.
والشاهد فيه "دوية" حيث جاءت على الأصل بدون قلب.
3 انظر/ المسائل الحلبيات "ص81".
4 ديوانه "ص68" وكتاب الاختيارين "ص641"، ونسبه صاحب اللسان إلى هلقمة
بن عبدة مادة "حوم".
5 الشاعر يتحدث عن الخمر ويصفها بأنها كأس عزيز على أصحابها ومصنوعة من
الأعناب، ويحوم حولها الجميع.
والشاهد فيه: "حانية" حيث نسبها إلى الحاني.
6 الضوى: دقة العظم، والضعف والهزال.
7 أشقر: الأحمر في الدواب.
(2/310)
وأنشدنا1:
كأن حداء قراقريا2
يديد: قراقرا، وهذا كثير واسع، فعلى هذا يجوز أن تكون "الدواية" منسوبة
إلى "فاعلة" من "الدو". وأما ما قرأته على ابي علي في نوادر أبي زيد من
قول عمرو بن ملقط جاهلي3:
والخيل قد تجشم أربابها الشق ... وقد تعسف الدوايه4
فإن شئت قلت: إنه بنى من "الدو" "فاعلة"5، فصارت في التقدير "دواوة"
ثم قلبت الواو الآخرة التي هي لام ياء لانكسار ما قبلها ووقوعها طرفا،
فصارت "دواية". وإن شئت قلت: أراد "الدواية" المحذوفة اللام كالحانية،
إلا أنه خفف ياء الإضافة كما خفف الآخر فيما أنشده أبو زيد، وأنشدناه
أبو علي6:
بكي بعينك واكف القطر ... ابن الحواري العالي الذكر7
يريد: ابن الحواري. وهذا شئ اعترض، فقلنا فيه، ثم نعود.
__________
1 البيت في جمهرة اللغة "3/ 433" والخصائص "3/ 105".
2 قراقر وقراقري: حسن الصوت.
وفي الجمهرة واللسان "وكان" بدلا من "كأن" وقبله في الجمهرة: "أبكم لا
يكلم المطيا".
3 النوادر "ص268" وشرح المفصل "10/ 19" والخزانة "3/ 633"، واللسان
"10/ 183".
4 تجشم أربابها: تكلفة على المشقة.
والشق: الجهد والعناء.
والمعنى أن الخيل يتحمل أصحابها المشقة والتعب وهي تجوب الصحراء.
والشاهد فيه "الدواية".
5 هذا قول أبي علي الفارسي كما في المسائل البغداديات "ص395".
6 البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات كما في النوادر "ص527"، وهو في
ملحقات ديوانه "ص183" منقولا عن النوادر، وهو بغير نسبة في المسائل
الحلبيات، وذكره صاحب اللسان وقد نسبه لابن دريد مادة "حور" "4/ 220".
7 أكف القطر: كف الدمع والماء كفا: سال.
ابن الحواري: يريد به مصعب بن الزبير.
والشاهد فيه "الحواري" حيث حذفت الياء تخفيفا يريد "ابن الحواري".
(2/311)
وأما إبجالها منهما منقلبين فقولهم: "أعطى،
وأغزى، واستقصى، وملهى، ومغزى، ومدعى" أصل هذا كله "أعطو، وأغزو،
واستقصو، وملهو، ومغزو، ومدعو" فلما وقعت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء،
فصارت في التقدير "أعطى، وأغزي، واستقصي، وملهي، ومغزي، ومدعي" فلما
وقعت الياء طرفا في موضع حركة وما قبلها مفتوح قلبت ألفا، فصارت "أغزى،
وأعطى، وملهى، ومغزى" فالألف إذن إنما هي بدل من الياء المبدلة من
الواو.
وكذلك لو بنيت من "قرأت" مثل "دحرج" لقلت "قرأى" وأصله "قرأأ" فلما
اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة قلبت الآخرة ياء، فصارت في التقدير
"قرأي" ثم قلبت الياء الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "قرأى".
فالألف في "قرأى" إذن إنما هي بدل في "قرأي"، والياء بدل من الهمزة
الثانية في "قرأأ".
ويدلك على أنه لابد من هذا التقدير فيها لتكون الألف بدلا من الياء
المبدلة من الهمزة قول النحويين في مثال "فعل" من قرأت: "قرأي" أفلا
ترى كيف أبدلوها هنا ياء. وكذلك قولهم في مثال "فرزدق": من قراـ
"قرأيا" وأصله "قرأأ" فأبدلوا الهمزة الوسطى ياء ليفصلوا بها بين
الهمزتين الأولى والآخرة. ويدلك أيضا على صحة ذلك أنك متى أسكنت اللام
فزالت الفتحة رجعت اللام إلى أصلها، وهو الياء، وذلك قولك في "افعللت"
من قرأت، وهدأت: "اقرأيت" و"اهدأيت"، ولهذا نظائر. فهذا إبدال الألف عن
الياء المبدلة.
وأما إبدالها عن الواو المبدلة فنحو قولك في ترخيم "رحوي" اسم رجل على
قول من قال"يا حار": "يا رحا أقبل" وذلك أنك حذفت ياء النسب، فبقي
التقدير "يارحو"، فلما صارت الواو على هذا المذهب حرف إعراب، واجتلبت
لها ضمة النداء كالضمة المجتلية في راء "حارث" إذا قلت "يا حار" أبدلت
الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فقلت: "يارحا أقبل" فالألف الآن
في "رحا" إنما هي بدل من الواو في "رحوي" والواو في "رحوي" بدل من ألف
"رحى" في قولك: هذه رحى، ورأيت رحى، ومررت برحى، وألف "رحى" هذه بدل من
الياء التي هي لام في "رحيان". وكذلك القول في ترخيم "فتوي" و"هدوي"
و"شروي" على لغة من قال: "يا حار" إذا قلت: "يا فتى" و"يا هدى" و"يا
شرى"
(2/312)
لا فرق بينهما. فأما قولك في ترخيم "ملهوي"
اسم رجل على قول من قال: "يا حار": "يا ملهى" فالألف فيه إذن إنما هي
بدل من ياء بدل من واو بجل من ألف بدل من ياء بدل من الواو التي هي لام
العل في "لهوت"، فأصله الأول "ملهو" ثم صار "ملهى" ثم صار "ملهوي" ثم
صار بعد الترخيم وقلب الواو ياء "ملهي" ثم صار في آخر أحواله "ملهى"
وهو قولك: "يا ملهى أقبل".
وأما إبدال الألف عن الياء والواو الزائدتين فقولك في ترخيم اسم رجل
يقال له: "زميل" على قول من قال "يا حار": "يا زما أقبل". فالألف الآن
بدل من ياء "زميل" التي هي زائدة؛ لأن مثاله "فعيل".
ونظير ذلك قول العرب "سلقى"1 و"جعبى"2 إنما الألف فيهما بدل من ياء
"سلقيت" و"جعبيت" وهي زادئة لا محالة.
وأما الواو فأن تسمي رجلا "عنوقا" جمع "عناق"3 ثم ترخمه على قول من قال
"يا حار" فتبدل واوه ياء لأنه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها ضمة،
فتقول: "ياعني أقبل" فإن سميت ب "عني" هذا رجلا ونسبت إليه أبدلت من
الكسرة قبل الياء فتحة لتنقلب الياء ألفا، فيصير في التقدير "عنا" ثم
تقلب ألفه واوا لنوع لوقوع ياءي النسب بعدها، فتقول "عنوي".
فإن رخمت "عنوي" هذا على قول من قال "يا حار" حذفت ياءي النسب، وأبدلت
من الواو التي قبلها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتقول: "يا عنا
أقبل". فالألف الآن في "عنا" إنما هي بدل من الواو الزائدة في "عنوي"،
والواو في "عنوي" بدل من الألف في "عنا" والألف في "عنا" بدل من الواو
في "عنو" التي هي ترخيم "عنوق". وهذا لطيف دقيق فتظن له، فإنه لا يجوز
في القياس غيره.
__________
1 سلقى: سلقاه: طعنه فألقاه على جنبه.
2 جعبى: جعباه: صرعه.
3 عناق: العناق: الأنثى من أولاد الماعز. اللسان "10/ 274" مادة/ عنق.
(2/313)
ووجه آخر في قلب الألف عن الواو الزائدة،
وذلك أن تسمي رجلا "فدوكسا"1 أو "سرومطا"2 ثم ترخمه على قول من قال "يا
حار" فتحذف آخره، فتقول "يا فدوك" ثم تسمي ب "فدوك" هذا المرخم، ثم
ترخمه على قول من قال "يا حار" فتحذف كافه، وتبدل واوه الزائدة ألفا،
فتقول "يا فدا" فاعرفه.
__________
1 فدوكسا: الفدوكس: الشديد، وقيل: الغليظ الجافي، وقيل: الأسد.
2 سرومطا: السرومط: الطويل من الإبل وغيرها. اللسان "7/ 314".
(2/314)
إبدال الألف عن
النون الساكنة:
قد أبدلت الألف عن هذه النون في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن تكون في الوقف بدلا من التنوين اللاحق علما للصرف، وذلك
قولك: رأيت زيدا، وكلمت جعفرا، ولقيت محمدا، فكل اسم منصرف وقفت عليه
في النصب أبدلت من تنوينه ألفا كما ترى، إلا أن يكون حرف إعراب ذلك
الاسم تاء التأنيث التي تبدل في الوقف هاء، وذلك وقلك: أكلت تمرة،
وأخذت جوزة، ولم تقل: أكلت تمرتا، وأخذت جوزتا، لأنهم أرادوا الفرق بين
التاء الأصلية في نحو: دخلت بيتا، وسمعت صوتا، وصدت حوتا، وكفنت ميتا،
والوقف على قوله عز اسمه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}
[الأنعام: 122] 1، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} والتاء الملحقة نحو: رأيت
عفريتا، وملكوتا، وجبروتا2، وبين تاء التأنيث في نحو "تمرة" و"غرفة".
فأما قولك: أكررت لك بنتا، وصنت لك أختا، ووقوفك على هاتين التاءين
بالألف فإنما ذلك لأنهما ليستا علمي تأنيث، وإنما هما بدلان من الواو
التي هي لام الفعل في "إخوة" و"أخوان" و"أخوات" وفي "الأخوة"
و"البنوة". وقد تقدم من الحجاج على صحة ذلك وإعلامنا ما علم التأنيث
فيهما في باب التاء ما يغني عن إعادته، وقد تقدم أيضا في باب النون ذكر
العلة التي لأجلها جاز إبدالها هذا التنوين ألفا في الوقف، وما السبب
الذي منع من التعويض في الوقف من تنوين المرفوع واوا، ومن تنوين
المجرور ياء، فلم نر لإعادته هنا وجها.
__________
1 {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} : الشاهد فيه "ميتا" حيث
أبدلت نون التنوين ألفا في الوقف.
2 جبروتا: متكبرا، عتوا قهرا. اللسان "4/ 113".
(2/314)
وذكرنا أيضا هناك أن من العرب من يقول في
الوقف على المنصوب المنون: رأيت فرج، وقوله1:
.................................... ... وآخذ من كل حي عصم2
و3:
........................................ ... جعل اليقين على الدف
إبر4
وغير ذلك من الشواهد. واختلف أصحابنا في الوقف على المرفوع والمجرور من
المقصور المنصرف في نحو قولك: هذه عصا، ومررت بعصا، فقالت الجماعة5:
الألف الآن هي لام الفعل؛ لأن التنوين يحذف في الوقف على المرفوع
والمجرور، نحو: هذا زيد، ومررت بزيد، إلا أبا عثمان فإنه ذهب6 إلى أن
الألف فيهما عوض من التنوين، وأن اللام أيضا محذوفة لسكونها وسكون هذه،
قال: وذلك أن ما قبل التنوين في المقصور مفتوح في جميع حالاته، فجرى
مجرى المنصوب الصحيح نحو: رأيت زيدا.
فأما في النصب فلا خلاف بينهم أن الوقف إنما هو على الألف التي هي عوض
من التنوين.
فأما قوله تعالى: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] 7 و
{قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}
[الأحزاب: 10] 8 فإنما زيدت هذه الألفات في أواخر هذه الأسماء التي لا
تنوين فيها لإشباع الفتحات، وتشبيه رؤوس الآي بقوافي الأبيات.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 الشاهد فيه "عصم" حيث وقف على الكلمة بالسكون وأصله "عصما".
3 تقدم تخريجه.
4 الشاهد فيه "إبر" حيث وقف عليها بالسكون بدل الألف.
5، 6 انظر/ التكملة "ص199".
7 الشاهد "السبيلا" حيث وقف على الألف التي هي عوض عن التنوين.
8 الشاهد "الظنونا" حيث وقف على الألف.
(2/315)
على أن من العرب من يقف على جميع ما لا
ينصرف إذا كان منصوبا بالألف، فيقول: رأيت محمدا، وكلمت عثمانا، ولقيت
إبراهيما، وأصحبت سكرانا. وإنما فعلوا ذلك لأنهم قد كثر اعتيادهم لصرف
هذه الأسماء وغيرها مما رينصرف في الشعر، والشعر كثير جدا، وخفت أيضا
عليهم الألف، فاجتلبوها فيما لا ينصرف لخفتها وكثرة اعتيادهم إياها، لا
سيما وهم يجتلبونها فيما لا يجوز تنوينه في غير الشعر، نحو قول جرير:
............................ ... وقولي إن أصبت لقد أصابا1
و2:
.................................. ... إذا ما الفعل في است أبيك
غابا3
وقالوا أيضا: جئ به من حيث وليسا، يريدون "وليس" فأشبعوا فتحة السين
بإلحاق الألف، وسنذكر هذا الفصل في هذا الحرف بعون الله، فهذا إبدال
الألف من نون الصرف.
الثاني: إبدالها من نون التوكيد الخفيفة إذا انفتح ما قبلها ووقفت
عليها، وذلك نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة} [العلق: 15]
4 إذا وقفت قلت {لَنَسْفَعًا} وكذلك: اضربن زيدا، إذا وقف قلت: اضرب،
قال الأعشى5:
يريد: فاعبدن.
__________
1 الشاهد فيه "أصابا" حيث أتى بالألف للوقوف عليها في القافية لخفتها.
2 عجز البيت لجرير من قصيدته التي يهجو فيها الراعي النميري في ديوانه
"ص812" وصدره:
أجندل ما تقول بنو نمير
3 جندل: ابن الراعي.
الشاهد فيه "غابا" حيث وقف بالألف على ما لا يجوز توينه وذلك لخفتها.
4 الشاهد فيه "لنسفعا" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف
عليها.
5 ديوانه "ص187".
6 الشاهد فيه "فاعبدا" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف
عليها وانفتاح ما قبلها، والتقدير "فاعبدن".
(2/316)
وقال ابن الحر1:
متى تأننا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا2
يريد: تأججن، فأبدلها ألفا.
وقال عمر3:
وقمير بدا ابن خمس وعشرين ... له قالت الفتاتان: قوما4
اراد: قومن. وقال الآخر:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيه معمما5
يريد: ما لم يعلمن.
__________
1 ابن الحر: هو عبيد الله بن الحر يخاطب رجلا من أصحابه يقال له عطية
بن عمرو وكان حبس معه. شرح المفصل "4/ 53" والخزانة "3/ 660-664" بغير
نسب في الكتاب "1/ 446".
2 جزلا: يابسا، وقيل: الغليظ.
تأجج: الأجيج: تلهب النار.
والشاعر يفتخر بكرمه وكرم قومه.
واستخدم في ذلك أسلوب الكناية عن الكرم بذكر الحطب الكثير والنار
المشتعلة.
والشاهد فيه "تأججا" حيث أبدلت النون الخفيفة أيضا عند الوقف عليها.
3 عمر بن أبي ربيعة، والبيت في ديوانه "ص26"، والبيت الذي قبله:
من لدن فحمة العشاء إلى أن ... لاح ورد بسوق جونا بهيما
الورد: لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة في كل شئ. اللسان "3/ 456".
الجون: الأسود المشرب حمرة، والمقصود الظلام. اللسان "13/ 101".
4 هذان البيتان من قصيدة مرجزة، وقد ذكر البغدادي في الخزانة "4/
569-574" أن هذا الشعر نسب إلى ابن جبانة، هو شاعر جاهلي من بني سعد،
وجبانه أمه، واسمه المغوار بن الأعنق، ونسب إلى ساور بن هند العبسي وهو
مخضرم، ونسبه بعضهم إلى العجاج، وقال بعضهم: هو لأبي حيان الفقعسي.
وهما في الكتاب "2/ 152".
وقوله له: قالت الفتاتان قوما: أي: قالت الفتاتان لي: قم لئلا يراك
الناس.
والشاهد فيه "قوما" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف
عليها والتقدير "قومن".
5 وقد شبه القمع والرغوة التي تعلوه بشيخ معمم جالس على كرسي.
وقد أخطأ بعض الشراح ومنهم -الأعلم- حيث وصف جبلا قد عمه الخصب وحفه
النبات فجعله كشيخ معمم بعمامته مزمل في ثيابه، وسبب الخطأ عدم الاطلاع
على ما تقدم الشاهد.
(2/317)
وقال الآخر:
واحمر للشر ولم يصفرا1
يريد: يصفرون، كذا تأوله بعضهم، ومثله كثير.
الثالث: إبدال الألف من نون "إذن"، وذلك أيضا في الوقف، تقول: أنا
أزورك إذا، تريد: إذن، وإذا وقفت على قوله عز وجل: {فَإِذًا لا
يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] 2 قلت: {فَإِذًا} وإنما
أبدلت الألف من نون "إذن" هذه، ونون التوكيد التي تقدم ذكرها آنفا لأن
حالهما في ذلك حال النون التي هي علم الصرف، وإن كانت نون "إذن" أصلا
وتانك النونان زائدتين.
فإن قلت: فإذا كانت النون في "إذن" أصلا وقد أبدلت منها الألف، فهل
تجيز في نحو "حسن" و"رسن" و"علن" ونحو ذلك مما نونه أصل أ، تقلب نونه،
فيقال فيه: "حسا" و"رسا" و"علا"، وفي "فدن": "فدا" وفي "زمن": "زما"؟
فالجواب: أن ذلك لا يجوز في غير "إذن" مما نونه أصل، وإن كان ذلك قد
جاء في "إذن" من قبل أن "إذن" حرف، فالنون فيها بعض حرف كما أن التنوين
ونون التوكيد ونون الصرف، وأما النون من "حسن" و"حسنا" و"حسن" فالنون
في ذلك كالدال من "زيد" والراء من "بكر"، ونون "إذن" ساكنة كما أن نون
التوكيد ونون الصرف ساكنتان، فهى بهما -لهذا ولما قدمناه من أن كل
واحدة منهما حرف- كما أن النون في "إذن" بعض حرف- أشبه منها بنون الاسم
المتمكن.
__________
والشاهد فيه: "لم يعلما" حيث أكد الفعل المضارع المنفي بلم وأصله "ما
لم يعلمن" وقبلت النون ألفا للوقف عليها، وهذا التوكيد لا يجوز عند
سيبويه إلا للضرورة.
انظر/ شرح ابن عقيل "2/ 310-311".
1 الشاهد فيه "يصفرا" حيث قلب نون التوكيد الخفيفة ألف للوقف عليها.
2 الشاهد فيه "فإذن" حيث يجوز إبدال نون "إذن" ألفا عند الوقف عليها.
(2/318)
فإن قلت: فالنون في "عن" و"أن" كل واحدة
منهما حرف ساكن من جملة كلمة هي حرف، كما أن نون "إذن" ساكنة من حرف،
كما أن نون "إذن" ساكنة من جملة حرف، فهل يجوز أن تبدل منها في الوقف
ألفا، فتقول: "عا" و"أا" كما قلت: إذا؟ وأن كان ذلك غير جائز، فهلا لم
يجز أيضا إبدال النون من "إذن" ألفا في الوقف؟
فالجواب: أنهما حرفان لا يتوقف عليهما، أما "عن" فحرف جر، وحروف الجر
لايمكن تعلقيها عن المجرور ولا الوقوف عليها دونه إلا عند انقطاع نفس،
وذلك قليل مغتفر. وأما "أن" فلا تخلو من أن تكون الناصبة للفعل، وهذه
لا يوقف عليها لأنها من عوامل الأفعال، وعوامل الأفعال أضعف من عوامل
الأسماء، أولا ترى أنه لا يمكنك الفصل بينها وبين ما تنصبه من الأفعال
إلا ب "لا" في نحو قولك: أحب أن لا تقوم، وأسألك أن لا تفعل، فجرى هذا
الفصل بينهما في ترك الاعتداد به وقلة المراعاة له مجرى الفصل ب "لا"
بين الجار والمجرور في نحو قولك: جئت بلا مال، وضربته بلا ذنب، ومجرى
الفصل بين الجازم والمجزوم المشبهين للجار والمجرور في نحو قولك: إن لا
تقم لا أقم، فلما ضعفت "أن" الناصبة للفعل عن فصلها واقتطاعها عما
بعدها لم يحسن الوقوف صله لها، والوقوف على الموصول دون صلته قبيح مع
الأسماء القوية، فكيف به مع الحروف الضعيفة.
أو أن تكون "أن" المخففة من الثقيلة الناصبة للاسم نحو قوله عز اسمه
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] 1.
ونحو قول الشاعر2:
زعم الرزدق أن سيقتل مربعا ... ...............................3
__________
1 الشاهد "أن سيكون" حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا لأنها حرف لا
يجوز الوقوف عليها، ولا يمكن فصلها عما بعدها.
2 البيت لجرير وهو في ديوانه "ص916" وشطر البيت الثاني:
أبشر بطول سلامة يا مربع
3 الشاهد فيه "أن سيقتل" حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا لأنها حرف،
ولا يجوز الوقوف عليه.
(2/319)
وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها دون ما
بعدها؛ لأنها إذا كانت مثقلة على أصلها لم يجز الوقوف عليها، لأن ما
بعدها من اسمها وخبرها صلة لها، وخطأ الوقوف على الموصول دون صلته وهو
اسم، فكيف به وهو حرف! ولا سيما وقد أجحف به تخفيفه وإزالة التثقيل
عنه، وأيضا فإن السين، وسوف، وقد، ولا بعده في نحو: علمت أن سيقوم زيد،
وسوف يقوم، وأعلم أن قد فعلت.
ونحو قولها1:
فلما رأينا بأن لا نجاء ... وأن لايكون فرار فرارا2
إنما هي أعواض للتخفيف من الحرف المحذوف الذي كان كأنه مصوغ مع الكلمة
من جملة حروفها، وفي موضع اللام لو وزنت منها، أعني الهاء، وكما أنه
كالعوض من النون المحذوفة التي هي من نفس الكلمة، كذلك يجب أن يلزم ما
قبله، ولا يفارقة، ولا ينفصل عنه، ولا يوقف عليه دونه كما لا يوقف على
إحدى النونين دون الأخرى، وإذا كان ذلك فقد عرفت به شدة اتصال "أن"
المخففة من الثقيلة بما بعدها، فبحسب ذلك ما لا يجوز أن يوقف دونه
عليها.
أو أن تكون "أن" المزيدة في قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا لُوطًا} [العنكبوت: 33] 3 ونحو قول الشاعر4:
ويوما توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وراق السلم5
فيمن جر الظبية.
__________
1 لم أقف عليها فيما بين أيدينا من مراجع.
2 فرارا: هربا. والشاهد فيه "أن لا ... " حيث لا يجوز إبدال نون "أن"
ألفا.
3 الشاهد فيه "إن جاءت" حيث جاءت أن المخففة زائدة ومع ذلك لا يجوز
إبدالها نونها ألفا والوقوف عليها.
4 هذا البيت اختلف في قائله: فعند أبي عبيد البكري: هو لراشد بن شهاب
اليشكري، وعند سيبويه: هو لابن صريم اليشكري، وكذا قال النحاس والأعلم،
وكذلك الكتاب "1/ 281"، ونسب في الأصمعيات إلى "الأصمعية 55" علياء بن
أرقم، وهو بغير نسب في المنصف "3/ 128" وقال ابن بري في حاشية الصحاح:
هو لباغت بن صريم.
5 المقسم: رجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ وسما من
الجمال.
تعطو: التطاول إلى الشجر ليتناول منه. لسان العرب "15/ 69" مادة/ عطا,
السلم: نوع من شجر البادية. لسان العرب "12/ 297" مادة/ سلم.
والشاعر يمدح محبوبته بأنها تطلع عليه بوجه جميل حسن ويشبهها بظبية
تنال شجر السم.
والشاهد فيه: "كأن ظبيه" حيث جاءت "أن" زائدة ودخلت عليها كاف التشبيه،
والتقدير: "كظبية".
إعرابه: اسم مجرور بحرف الجر الكاف، وعلامة جره الكسرة.
(2/320)
وقول الآخر1:
منا الذي هو ما أن طر شاربه ... والعانسون، ومنا المرد والشيب2
فيمن فتح همزة "أن" في رواية هذا البيت و"أن" هذه ايضا لا يحسن الوقوف
عليها، ألا تراها في هذه الآية وهذين البيتين قد وقعت موقعا لا يحسن
الوقوف عليها فيه.
أما قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ} فإنها وقعت معترضة بين المضاف
الذي هو {وَلَمَّا} والمضاف إليه الذي هو {جَاءَتْ} وغير جائز الوقوف
على المضاف دون المضاف إليه إلا لضرورة انقطاع النفس.
وأما قوله: "كأن ظبية" فقد ترى "أن" واقعة بين حرف الجر وما جره، وهذا
أحرى بأن لا يجوز فيه الوقوف على "أن".
وأما قول الآخر: "ما أن طر شاربه" فإنما فصلت بين حرف النفي وبين
الجملة التي نفاها، وغير جائز الوقوف على الحرف الداخل على الجملة؛ ألا
ترى أنك لا تجيز الوقوف على "هل" من قولك: هل قام زيد؛ لضعف الحرف وعدم
الفائدة أن توجد فيه إلا مربوطا بما بعده.
__________
1 ذكره صاحب اللسان في مادة "عنس" "6/ 149"، ونسبه إلى "أبو قيس بن
رفاعة"، ونسبه الأصبهاني إلى "أبو قيس بن الأسلت الأوسي" وقد نسب في
إصلاح المنطق "341".
2 العانسون: جمع عانس والعانس من بلغ سن الزواج ولم يتزوج. اللسان "6/
149".
المرد: جمع أمرد وهو الذي لم تنبت لحيته. اللسان "3/ 104" مادة/ مرد.
الشيب: جمع أشيب وهو الذي أبيض شعره. اللسان "1/ 512" مادة/ وثب.
والشاهد فيه: "ما أن" حيث وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها ولذلك لا
يجوز إبدال النون ألفا.
(2/321)
فأما قول الشاعر1:
ليت شعري هل ثم هل آتينهم ... أم يحولن من دون ذاك الردى2
فتقديره: هل آتينهم ثم هل آتينهم، وإنما جاز اقتطاع الجملة الأولى بعد
"هل" الأولى لأنه قد عطف عليها "هل" الثانية وما ارتبطت به من الجملة
المستفهم عنها، فدل ذلك على ما أراده في أول كلامه، وهذا واضح.
أو أن تكون "أن" التي معناها العبارة كالتي في قوله عز وجل:
{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص: 6] 3 قالوا: معناه
أي امشوا. وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها؛ لأنها تأتي ليعبر بها وبما
بعدها عن معنى الفعل الذي قبلها، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها
ليفسر به ما قبلها، فبحسب ذلك يمتنع الوقوف عليها. ويدلك في الجملة على
شدة اتصال الحروف بما ضمنت إليه أنك تجد بعضها قد صيغ في نفس الكلمة
ووسطها، وجرى مجرى ما هو دزء من أصل تصريفها، وهو ألف التكسير وياء
التحقير، نحو "دارهم" و"دريهم" و"دنانير" و"دنينير"، ولم نجد شيئا من
الأسماء ولا الأفعال صيغ واسطا في أنفي المثل كما صيغت ألف التكسير
وياء التحقير فهذا في الجملة يؤكد عندك ضعف الحروف وقوة حاجتها إلى ما
تتصل به، فلما كانت "عن" و"أن" بحيث ذكرنا من الضعف وفرط الضرورة إلى
اتصالهما بما بعدهما لم يجز الوقوف عليها، ولما لم يجز ذلك لم تبدل
الألف من نونها، وليست كذلك "إذن" لأنهما قد تقع آخرا، فيوقف عليها في
نحو قولك:
__________
1 البيت في شرح المفصل "8/ 151" ومغني اللبيب "ص458" والبيت للكميت بن
زيد الأسدي من قصيدة مطلعها:
من لصب متيم مستهام
غير ما صبوة ولا أحلام
2 الردى: الهلاك. لسان العرب "14/ 316" مادة/ رجي.
ليت شعري: أسلوب تمني يستخدمه العرب بمعنى ياليتني.
والشاعر يتمنى أن يأتي أحبابه قبل أن يحول بينه وبين ذلك الهلاك.
الشاهد فيه "هل ثم هل ... " فتقديره "هل آتينهم" حيث قطع بين الجملتين
بحرف العطف.
3 الشاهد فيه "أن امشوا" حيث جاءت "أن" بمعنى أي امشوا، ورغم ذلك لا
يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي لتعبر عن الفعل قبلها.
(2/322)
إن زرتيني فأنا أزورك إذن، وأنا أحسن إليك
إذن، فلما ساغ الوقوف عليها جاز إبدال الألف من نونها.
والوجه الآخر الذي امتنع له إبدال الألف من نون "عن" و"أن" ولم تجر
النون فيهما مجرى النون "إذن" أن نون "إذن" بالتنوين أشبه من نون "عن"
و"أن"، وذلك أن "إذن" على ثلاثة أحرف، فإذا شبهت النون وهي ثالثة
الحروف بنون الصرف جاز ذلك/ لأنه قد تبقى قبلها حرفان، وهما الهمزة
والذال، فيشبهان من الأسماء "يدا" و"غدا" و"أخا" و"أبا" و"دما" و"سها"
و"فما" ونحو ذلك من الأسماء المنقوصة التي يجوز أن يلحقها التنوين،
فيصير قولك "إذا" كقولك: رأيت يدا، وكسرت فما، وأكرمت أبا ونحو ذلك،
و"عن" و"أن" ليس قبل نونهما إلا حرف واحد، وليس في الأسماء شئ على حرف
واحد يجوز أن يلحقه تنوين، فلم يكن ل "أن" و"عن" شئ من الأسماء
يشبهانه، فتشبه نونهما بتنوينه، فتبدل ألفا كما يبدل تنوينه ألفا،
فاعرف ذلك.
والقول في "لن" كالقول أيضا في "عن" و"أن" في هذا الفصل وفي الذي قبله
جميعا سواء.
فاما قولهم في اللعب واللهو "ددن" و"ددا" فليست الألف فيه بدلا من نون
"ددن" من قبل أنها في لغة من نطق بها بالألف ثابتة موجودة في الوصل
والوقف جميعا، وذلك نحو قولهم: هذا ددا يا هذا، ورأيت فيك ددا مفرطا،
وعجبت من ددن رأيته في فلان، ولو كانت الألف في "ددا" بدلا من النون في
"ددن" لما وجدت في الوصل، كما أن ألف "إذا" لا توجد في الوصل، إنما
تقول: إذن أزورك، ولا تقول: إذا أزورك. ومنهم من يحذف اللام، فيقول
"دد". قال أبو علي: ونظير "ددن" و"ددا" و"دد" في استعمال اللام تارة
نونا، وتارة حرف علة، وتارة محذوفة "لدن" و"لدى" و"لد"، كل ذلك يقال
فاعرفه.
(2/323)
زيادة الألف:
اعلم أن الألف تزاد ثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة، ولا تزاد
أولا البتة؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة، والساكن لا يمكن الابتداء به.
فإن قلت: فهلا زيدت أولا وإن كانت ساكنة، ثم أدخلت عليها همزة الوصل
توصلا إلى النطق بها، كما زيدت النون في "انطلق" ساكنة، ثم أدخلت عليها
همزة الوصل ليمكن النطق بها؟
فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لدخلت همزة الوصل وهي مكسورة كما ينبغي
لها، ولو لحقت مكسورة قبل الألف لانقلبت الألف ياء لسكونها وانكسار ما
قبلها، فيقع هناك من الإشكال والاستثقال ما بعضه مستكره، فرفض ذلك
لذلك.
وهذا كرفضهم أن يبنوا في الأسماء اسما مما عينه واو على "فعل" مثل
"عضد"2 و"سبع"2 وذلك أنهم لو بنوه لم يكونوا ليخولا من قلب الواو ألفا
أو تركها غير مقلوبة ألفا، فإن لم يقلبوا ثقل ذلك عليهم، وإن قلبوه صار
لفظه كلفظ ما عينه مفتوحة، فلم يدر أمفتوحة كانت أم مضمومة، فلما كانوا
لا يخلون في بناء ذلك من إشكال أو استثقال رفضوه البتة.
قال أبو علي: ونظير هذا قول الشاعر3:
رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا4
__________
1 عضد: العضد الساعد وهو من المرفق إلى الكتف، وفيه خمس لغات: عضد،
عضد، عضد، عضد، عضد. لسان العرب "3/ 292" مادة/ عضد.
2 سبع: مفرد سباع. لسان العرب "8/ 147" مادة/ سبع.
3 البيت في الخصائص "1/ 209" "2/ 31، 170"، والمحتسب "1/ 188".
4 يعني أن الأمور تتابع فيقضي أولها إلى آخرها وتكون متصلة دائما.
والشاهد فيه: "آخر" حيث زيدت الألف ثانية.
إعرابه: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة.
(2/325)
فزيادة الألف ثانية نحو: "ضارب" و"قاتل"
و"خاتم" و"طابق" و"سابط"1 و"خاتام" و"عاقول"2 و"حاطوم"3 و"قاصعاء"4
و"نافقاء"5 وفي الفعل "خاصم" و"شاتم".
وزيادتها ثالثة نحو: "كتاب" و"حساب" و"غراب" و"جراب"6 و"حباب"7 و"سراب"
و"سخاخين" بمعنى سخن.
أنشدنا أبو علي8:
أحب أم خالد وخالدا ... حبا سخاخسنا وحبا باردا9
وفي الفعل نحو "اشهاب" و"احمار".
وزيادتها رابعة نحو: "حملاق"10 و"درياق"11 و"زلزال" و"بلبال"12
و"قرطاس" و"قرناس"13 و"أرطى"14 و"معزى" و"حبلى" و"سكرى".
__________
1 ساباط: سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب "7/ 311" مادة/
سبط.
2 عاقول: عاقول البحر: معظمه، وموجه، وهو ما التبس من الأمور. اللسان
"11/ 463".
3 حاطوم: السنة الشديدة لأنها تحطم كل شئ. اللسان "12/ 138".
4 قاصعاء: حجر يحفره اليربوع، فإذا دخل فيه سد فمه لئلا يدخل عليه حيه
أو دابة.
5 نافقاء: حجر الضد واليربوع، وقيل النفقة. اللسان "10/ 358" مادة/
نفق.
6 جراب: وعاء، وقيل: المزود. اللسان "1/ 261" مادة/ جرب.
7 حباب: حباب الماء: طرائقه، ومعظمه، وفقاقيعه التي تطفو كأنها
القوارير.
8 البيتان في اللسان مادة "سخن" "13/ 206"، والتاج "سخن" "9/ 233".
9 سخاخينا: أي ساخنا. اللسان "13/ 206".
باردا: أي يسكن إليه قلبه.
والشاهد: "سخاخينا" حيث زيدت الألف ثالثا.
إعرابه: نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
10 حملاق: حملاق العين: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان "10/
69".
11 درياق: هو الترياق فارسي معرب. اللسان "10/ 96" مادة/ درق.
12 بلبال: الهم ووساوس الصدر. لسان العرب "11/ 69" مادة/ بلل.
13 قرناس: ما يلف عليه الصوف ليغزل. اللسان "6/ 173" مادة/ قرنس.
14 أرطى: شجر يدبغ به من شجر الرمل. اللسان "14/ 325" مادة/ رطا.
(2/326)
فأما ألف "سلقى"1 و"جعبى"2 و"خنظى"3
و"خنذى"4 فإنها منقلبة عن ياء لقولك "سلقيت"5 و"جعبيت"6 و"خنظيت"
و"خذنيت".
قال7:
قامت تعنظي بك سمع الحاضر8
وزيادتها خامسة نحو: "حبركى"9 و"دلنظى"10 و"قرقرى"11 و"سمهى"12، قال13:
فأصبحت بقرقرى كوانسا ... فلا تلمه أن ينام البائسا14
__________
1 سلقى: سلقاه: طعنه فألقاه على جنبه. اللسان "10/ 162" مادة/ سلق.
2 جعبى: جعبأه: صرعه. اللسان "1/ 267" مادة/ جعب.
3 خنظى: أي ندد به وأسمعه المكروه.
4 خنذي: البذاءة وسلاطة اللسان.
5 سلقيت: سلقه بالكلام أذاه وهو شدة القول باللسان. قال تعالى: {سلقوكم
بألسنة حداد}
6 جعبيت: صرعته. اللسان "1/ 267" مادة/ جعب.
7 البيت لجندل بن المثنى الطهوي كما في تهذيب الألفاظ "ص263" واللسان
"جرس" "6/ 35".
8 سمع الحاضر: بمسمع من الحاضر.
يخاطب بهذا البيت وبأبيات قبله زوجه ويقول: لقد خشيت أن أموت ولا أرى
لك ضرة سليطة اللسان تفضحك بشنيع الكلام.
9 حبركى: الطويل الظهر القصير الرجلين. اللسان "1/ 409" مادة/ خبرك.
10 دلنظى: الصلب الشديد. اللسان "7/ 444" مادة/ دلنظ.
11 قرقرى: موضع. اللسان "5/ 90" مادة/ قرر.
12 سمهي: الباطل والكذب. اللسان "13/ 500" مادة/ سمه.
13 البيتان في الكتاب "1/ 255"، والثاني في الهمع "1/ 66".
14 أصبحت: أي الإبل.
قوله "كوانس" استعارة من كنس الظبى، أي دخل -كنس- كناسه وهو بيته.
البائس: يعني راعيتها.
يصف إبلا بركت بعد أن شبعت، فنام راعيها.
الشاهد فيه "قرقري" حيث زيدت الألف خامسا.
إعرابه: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسره المقدرة.
(2/327)
فأما الألف في "احنبطى"1 و"ابرنتى"2
و"اسرندى" و"اغندى"3 فإنما هي بدل من ياء لقولهم "احبنطيبت" و"ابرنتيت"
و"اسرنديت" و"اغرنديت" وفي الحديث: "فيظل محبنطيا على باب الجنة"4.
وقال5:
فظل محبنطيا ينزو له حبق ... إما بحق وإما كان موهونا6
أي: منتفخا.
وقرأت على أبي علي، وأنشدنا من بعض كتب الأصمعي7:
ما بال زيد لحية العريض ... مبرنتيا كالخزر المريض8
أي: غضبان. وقال الآخر9:
قد جعل النعاس يسرنديني
أدفعه عني ويغرنديني10 أي: يعولني ويتجللني.
__________
1 احنبطى: انتفخ. لسان العرب "7/ 27" مادة/ حبط.
2 ابرتنى: ابرنتى للأمر: تهيأ. اللسان "2/ 10" مادة/ برت.
3 اسرنداه: واغرنداه: إذا جهل عليه وإذا علاه وغلبه. اللسان "3/ 212"
مادة/ سرد.
4 قد استشهد به في المنصف "3/ 10"ممهوا، وذكر عن أبي عبيدة أن المحبنط
-بغير همز- المتغضب المستبطئ الشئ.
5 لم أقف عليه.
6 الحبق: الضرط. اللسان "10/ 37".
موهونا: ضعيفا، محبنطيا: منتفخا.
الشاهد فيه "محبنطيا" حيث جاءت على الأصل فأصلها ياء من "احبنطيت"
وليست ألفا زائدة.
7 البيت في إبدال أبي الطيب "2/ 238" وفيه "مبرشما" بدلا من "مبرنتيا"
ولا شاهد فيه حينئذ يقال: برشم الرجل، أي أحد النظر.
8 الشاهد فيه "مبرنتيا" حيث جاءت الكلمة على الأصل، فأصلها ياء من
"ابرنتيت".
9 البيتان في المنصف "1/ 86" "3/ 11" واللسان "سرد" "3/ 212" بدون نسب
ونصه:
قد جعل النعاس يغزنديني
أدفعه عني ويسرنديني
10 سيرنديني: يعلوني.
يغرنديني: يغلبني ويعلوني. اللسان "3/ 325".
والشاهد فيه "يسرنديني -يغرنديني" حيث جاءت على الأصل الياء.
(2/328)
وزيادتها سادسة نحو: "قبعثرى"1 و"ضبغطرى"2
و"عبوثران"3 و"هزنبران"4 و"عريقصان" و"معلوجاء"5 وبابه نحو: "محظوراء"6
و"معيوراء"7 و"فيضوضاء"8 وغير ذلك.
واعلم أن الألف الزائدة إذا وقعت آخرا في الأسماء فإنها تأتي على ثلاثة
أضرب: أحدها أن تاتي ملحقة، والآخر أن تكون تأنيث، والآخر أن تكون زائد
لغير إلحاق ولا تأنيث.
الأول: نحو قولهم "أرطى" هو ملحق بالألف من آخره بوزن "جعفر" ويدلك على
زيادة الألف في آخره قولهم: "أديم مأروط" إذا دبغ بالأرطى، وهو شجرن
فالهمزة كما ترى أصل فاء، والألف الآخرة زائدة.
وحدثنا أبو علي أن أبا الحسن حكى: "أديم مرطي" فأرطى على هذا أفعل،
والألف في آخره منقلبه عن ياء لقولهم "مرطى" كمرمي من رميت، هذا هو
الوجه، وهو أقيس من أن تحمل على قول الحارثي9:
وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معديا عليه وعاديا10
ويدلك على أن الألف في قول من قال "مأروط" زائدة للإلحاق لا للتأنيث،
تنوينها ولحاق الهاء في قولهم: أرطاة واحدة، بها سمي الرجل أرطاة، ولو
كانت الألف للتأنيث لما جاز تنوينها ولا إلحاق علم التأنيث لها، كما لا
يجوز شئ من ذينك في "حبلى" ولا "حبارى".
__________
1 قبعثرى: الجمل الضخم العظيم.
2 ضبغطرى: الرجل الشديد، والأحمق.
3 عبوثران: نبات طيب الريح.
4 هزنبران: الشئ الخلق.
5 معلوجاء: اسم جمع للعلج، والعلج: الرجل الشديد الغليظ. اللسان "2/
326".
6 محظوراء: ماء لبني أبي بكر بن كلاب.
7 معيوراء: اسم جمع للعير، وهو الجمار أيا كان أهليا أو وحشيا وقد غلب
على الوحشي.
8 فيضوضاء: يقال أمرهم فيضوضاء بينهم: إذا كانوا مختلطين يتصرف كل منهم
في ما للآخر.
9 هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي، والبيت من مفضيلة له وهو في الكتاب "2/
382" والخزانة "1/ 316" وهو بغير نسبة في المنصف "1/ 118".
10 العرس: زوجة الرجل.
الليث: الأسد.
والشاهد فيه "عاديا" حيث أن الياء منقلبة عن واو لأنه من عدا يعدو.
(2/329)
ومثل "أرطى" "معزى" وهو ملحق بـ "هِجرَع"1.
ويدلك على أن ألفه ليست للتأنيث تنوينها، وأنه أيضًا مذكر، قال2:
ومعزى هَدِبا يعلو ... قِران الأرض سُوادنا
ومثل ذلك أيضًا "حَبَنْظًى"4 و"سَرَنْدًى"5 و"دَلَنْظًى"6
و"عَفَرْنًى"7 و"جَلَعْبًى"8 و"صَلَخْدًى"9 و"سَبَنْتًى"10
و"سَبَنْدًى"11. كل ذلك ملحق بسَفَرْجل لإلحاق الهاء فيها ولتنوينها،
قال الأعشى12:
بذات لَوْث عَفَرْناةٍ إذا عَثَرَت ... فالتَّعسُ أدْنَى لها من أن
أقول لَعا13
وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى للكميت بن معروف
الفَقْعَسِي14:
بكلّ سَبَنْتَاةٍ إذا الخِمْسُ ضَمَّها ... يُقَطِّعُ أضْغان النوَاجي
هِبابُها15
__________
1 هجرع: الأحمق، والطويل، والجبان. اللسان "8/ 368" مادة/ هجع.
2 البيت في الكتاب "2/ 12"، والمنصف "1/ 36" "3/ 7"، واللسان "قرن" دون
أن ينسبه.
3 الهدب: كثير الشعر.
قران الأرض: أعلاها.
الشاهد فيه: "سودانا" حيث ألحقت به ألف الإلحاق.
4 حبنطى: القصير الغليظ.
5 سرندي: الجريء، والشديد.
6 دلنظى: ضخما غليظ المنكبين، والصلب الشديد.
7 عفرنى: الأسد.
8 جلعبى: الرجل الجافي الكثير الشر. اللسان "1/ 274" مادة/ جلب.
9 صلخدى: الجمل المسن الشديد الطويل. اللسان "3/ 258" مادة/ صلد.
10 سبنتى: الجريء المقدم من كل شيء.
11 سبندي: الجريء المقدم في كل شيء.
12 ديوانه "ص153"، وذكره صاحب اللسان في مادة "لوث".
13 اللوث: القوة. اللسان "2/ 186" مادة/ لوث.
لعا له: دعا له بأن ينتعش.
والمراد بذات لوث: الناقة القوية. اللسان "2/ 186".
الشاهد فيه "لعا" حيث زيدت ألف الإلحاق.
14 البيت منسوب إليه في مجالس ثعلب "ص428" والمنصف "3/ 30".
15 الخمس: أن ترد الإبل اليوم الخامس بعد أن تمسك عن الماء ثلاثا.
اللسان "6/ 76".
النواجي: الإبل السريعة. اللسان "15/ 306" مادة/ نجا.
تقطع أضغانها: تفوقها في الجري.
الهباب: النشاط والإسراع.
(2/330)
وقالوا: "صَلَخداة" و"جَلَعباة"
و"سَرَنداة" و"دَلَنظاه".
الثاني: وهو إلحاق الألف للتأنيث، وذلك كل ما لم ينون نكرة نحو
"جُمادَى" و"حُبارَى" و"حُبلَى" و"سَكْرى" و"غَضْبى"، فهذه كلها وما
يجري مجراها للتأنيث، قال1:
إذا جُمادَى مَنَعَت قَطْرَها ... زَان جنابي عَطَنٌ مُغْضِفٌ2
ولعمري إن "جُمادَى" معرفة، وقال الفرزدق3:
وأشلاء لحم من حُبَارى يصيدها ... لنا قانصٌ في بعض ما يَتَخَطَّف4
فلم يصرف "حُبَارى" وهي نكرة.
وأنشدنا أبو علي5:
وبِشْرة يأبونا كأن خباءنا ... جَناح سُمانى في السماء تطير6
فلم يصرف "سُمانى" وهي نكرة.
__________
1 نسب الجوهري البيت إلى أبي قيس بن الأسلت، ونسبه ابن بري لأحيحة بن
الجلاح. اللسان "عصف" "9/ 248" وهو له أيضًا في "غضف" "9/ 268".
الجناب: الناحية. لسان العرب "1/ 278" مادة/ جنب.
العطن هنا: النخيل الراسخة في الماء الكثيرة الحمل. اللسان "13/ 286"
مادة/ عطن.
عطن مغضف: كثر نعمه. اللسان "9/ 286".
2 الشاهد فيه "جُمادَى" حيث ألحقت الألف للتأنيث.
3 البيت في ديوانه "ص555" وجمهرة أشعار العرب "ص887" وعجزه فيها:
إذا نحن شئنا صاحب متألف
4 أشلاء: بقايا. لسان العرب "14/ 442، 443" مادة/ شلا.
حُبارَى: طائر يقع على الذكر والأنثى. اللسان "4/ 160" مادة/ حبر.
قنص الصيد: صاده فهو قانص.
والشاهد فيه: "حُبارَى" حيث زيدت الألف للتأنيث.
5 البيت في الخصائص "2/ 39" واللسان "4/ 63" مادة/ بشر.
6 بشرة: اسم. اللسان "4/ 63" مادة/ بشر.
يأبونا: يكون لنا أبا.
السُّمانى: طائر واحدته سمانة، وقد يكون السماني واحدا. اللسان "13/
220".
(2/331)
وحكى سيبويه على جهة الشذوذ "بُهْماة"1
فأدخل الهاء على ألف "فُعلى"، وألف "فُعلى" لا تكون لغير التأنيث، وقد
ذكرنا علة ذلك قديما في هذا الكتاب.
وحكى أبو الحسن2 أيضًا نحوا من هذا، وهو قولهم: "شُكاعاة"3 فالألف في
هذا لغير التأنيث.
ومثله ما حكاه ابن السكيت4 من قولهم: "باقِلاةٌ"5 فالألف هنا أيضًا
لغير التأنيث. وحكى البغداديون "سُماناة".
وأنشد ابن الأعرابي6:
ويتقي السيف بأُخْراته ... من دون كف الجار والمِعصَم7
قال: أراد أخراه، فقال: أُخْراته، فيضاف هذا إلى "بُهْماة" وقالوا لضرب
من النبت "نُقاوَى" والواحدة "نُقاواةٌ" فقس على هذا.
الثالث: لحاقها لغير إلحاق ولا تأنيث، وذلك قولهم "قَبَعْثَرى" فليست
هذه الألف للتأنيث لأنها منونة، ولا إلحاق لأنه ليس لنا أصل سداسي
فيلحق "قَبَعْثَرى" به.
ومثله ما حكيناه عنهم من قول بعضهم "باقِلاةٌ" و"شُكاعاة" و"سُماناة"
و"نُقاواة" لأن لحاق الهاء لها يدل على أنها ليست عندهم للتأنيث، ولا
هي أيضًا للإلحاق، لأنه ليس لنا أصل على هذا النحو فتلحق هذه الأسماء
به. فأما "بُهْماة" فقد تقدم من القول فيها ما أغنى عن إعادته.
__________
1 بهماة: الكتاب "2/ 320"، البهماة: واحدة البهمى، وهو نوع من النبات.
2 حكى ذلك في كتابه معاني القرآن "ص96".
3 والشكاعاة: واحدة الشكاعي، وهو نبت وقيل: شجر صغار ذو شوك.
4 إصلاح المنطق "ص183".
5 والباقلاة: واحدة الباقلي وهو الفول، اسم سوادي. اللسان "11/ 62"
مادة/ بقل.
6 البيت في معاني القرآن للفراء "1/ 239" واللسان مادة "أخر" ونسبه له
"4/ 13".
7 المعصم: موضع السوار من اليد "ج" معاصم. لسان العرب "12/ 408" مادة/
عصم.
والشاهد فيه "بأخراته" حيث ألحقت الألف لغير التأنيث فالمراد "أخراه".
(2/332)
واعلم أن هذه الألف قد زيدت في الاسم
المثنى علمًا للتثنية، وذلك قولهم: رَجُلان، وفَرَسان، وزَيدان،
وعمران. واختلف الناس من الفريقين في هذه الألف ما هي من الكلمة، فقال
سيبويه1: هي حرف الإعراب، وليست فيها نية إعراب، وإن الياء في حال الجر
والنصب في قولك: مررت بالزيدين، وضربت العَمْرين حرف إعراب أيضًا، ولا
تقدير إعراب فيها، وهو قول أبي إسحاق، وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي.
وقال أبو الحسن2: إن الألف في التثنية ليست حرف إعراب، ولا هي أيضًا
إعراب، ولكنها دليل الإعراب3، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع،
وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم مجرور أو منصوب. وإليه ذهب أبو العباس4.
وقال أبو عمرو الجرمي صالح بن إسحاق5: الألف حرف إعراب كما قال سيبويه،
ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب.
وقال الفراء وأبو إسحاق الزيادي: الألف هي الإعراب، وكذلك الياء. واعلم
أنا بلونا هذه الأقوال على تباينها وتنافرها واختلاف ما بينها، وترجيح
مذاهب أهلها القائلين بها، فلم نر فيها أصلب مكسرا ولا أحمَدَ مَخبرا
من مذهب سيبويه، وسأورد الحجاج لكل مذهب منها والحجاج عليه.
إن سأل سائل فقال: ما الدليل على صحة قول سيبويه: إن ألف التثنية حرف
الإعراب دون أن يكون الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو الحسن أو غيره ممن
خالفه؟
فالجواب: أن الذي أوجب للواحد المتمكن حرف الإعراب في نحو "رجل" و"فرس"
هو موجود في التثنية في نحو قولك: "رجلان" و"فرسان" وهو التمكن، فكما
أن الواحد المعرف المتمكن يحتاج إلى حرف إعراب، فكذلك الاسم المثنى إذا
كان معربا متمكنا احتاج إلى حرف إعراب، وقولنا: "رجلان، وفرسان،
__________
1 الكتاب "1/ 4".
2 المقتضب "2/ 152".
3 قال في معاني القرآن "ص14": "وجعل رفع الاثنين بالألف".
4 المقتضب "2/ 152-153".
5 المقتضب "2/ 151".
(2/333)
وغلامان، وجاريتان" ونحو ذلك أسماء معربة
متمكنة، فتحتاج إذن إلى ما احتاج إليه الواحد المتمكن من حرف الإعراب،
فقد وجب بهذا أن يكون الاسم المثنى ذا حرف إعراب إذ كان معربا.
ونظير ذلك أيضًا الجمع المكسر في نحو: رجُل ورجال، وفَرَس وأفراس،
وغلام وغِلمان، فكما أن الواحد في هذا ونحوه فيه حرف إعراب، فكذلك قد
وجدت في جمعه حرف إعراب، فحال التثنية في هذه القضية حال الجمع وإن
اختلفا من غير هذا الوجه، وإذا كان ذلك كذلك، وكان قولنا "الزيدان"
و"العمران" ونحوهما أسماء معربة ذات حروف إعراب فلا يخلو حرف الإعراب
في قولنا: الزيدان، والعمران، والرجلان، والغلامان من أن يكون ما قبل
الألف، أو الألف، أو ما بعد الألف، وهو النون.
فالذي يفسد أن تكون الدال من "الزيدان" هي حرف الإعراب أنها قد كانت في
الواحد حرف إعراب في نحو: هذا زيد، ورأيت زيدا، ومررت بزيد، وقد انتقلت
عن الواحد الذي هو الأصل إلى التثنية التي هي فرع، كما انتقلت عن
المذكر الذي هو الأصل في قولك: "قائم" إلى المؤنث الذي هو فرع في قولك
"قائمة"، فكما أن الميم في قائمة ليست حرف إعراب، وإنما علم التأنيث في
"قائمة" هو حرف الإعراب، فكذلك ينبغي أن يكون علم التثنية في نحو قولك:
"الزيدان" و"العمران" هو حرف الإعراب، وعلم التثنية هو الألف، فينبغي
أن تكون هي حرف الإعراب، كما كانت الهاء في "قائمة" حرف الإعراب، على
أن أحدا لم يقل إن ما قبل ألف التثنية حرف إعراب.
فإن قلت: فإنا نقول: رجل، وفرس، فتكون اللام والسين حرفي الإعراب، ثم
نقول: رجال، وأفراس، فنجد اللام والسين أيضًا حرفي الإعراب، فما تنكر
أن تكون الدال من "زيد"حرف الإعراب، ثم تكون أيضًا في "الزيدان" حرف
الإعراب؟
فالجواب: أن حال التثنية في هذا غير حال التكسير، وذلك أن جمع التكسير
ليس توجد فيه صيغة الواحد كما توجد صيغة الواحد في التثنية، ألا ترى
أنك إذا قلت رجل ورجال، فقد نقضت تركيب الواحد وصغته صياغة أخرى،
وكذلك: فَرَس، وأفراس، وعبد وعِباد، وكلب وأكلب، وليست التثنية كذلك،
إنما يوجد
(2/334)
فيها لفظ الواحد وصيغته البتة، ثم تزيد
عليها علم التثنية، وهي الألف، فتقول: الزيدان، والرجلان، فجرى ذلك
مجرى قولنا: "قائم" فإذا أردنا التأنيث أدينا صيغة المذكر بعينها، ثم
زدنا علم التأنيث، وهو الهاء، فقلنا "قائمة" وكذلك "قاعد" و"قاعدة"،
فالتثنية إذن بالتأنيث أشبه منها بجمع التكسير، فبه ينبغي أن يقاس لا
بجمع التكسير، وهذا أوضح.
وأيضًا فإن حرف الإعراب من جمع التكسير كما يكون هو حرف الإعراب في
الواحد فيما ذكرت، فقد يكون أيضًا غير حرف الإعراب في الواحد نحو قولك:
غلام وغلمان، وجَريب وجربان، وصبي وصبية، وضاربة وضوارب، وقَصعة
وقِصاع، وقتيل وقتلى، وصريع وصرعى، وغير ذلك مما يطول ذكره. فقد علمت
أنه لا اعتبار في هذا بجمع التكسير، وعلم التثنية لا يكون لفظ الواحد
أبدا، كما أن علم التأنيث لا يكون لفظ المذكر أبدا، فهو لما ذكرت به
أشبه.
وأيضًا فلو كان حرف الإعراب في: الزيدان" هو الدال كما كان في الواحد
لوجب أن يكون إعرابه في التثنية كإعرابه في الواحد، كما أن حرف الإعراب
في نحو: "فرس" لما كان هو السين، وكان في "أفراس" أيضًا هو السين كان
إعراب "أفراس" كإعراب "فرس"، وهذا غير خفي، على أنا لا نعلم أحدا ذهب
إلى أن حرف الإعراب في الواحد هو حرف الإعراب في التثنية، وإنما قلنا
ما قلنا احتياطيا لئلا تدعو الضرورة إنسانا إلى التزام ذلك، فيكون
جوابه وما يفسد به مذهبه حاضرا عتيدا.
ولا يجوز أيضًا أن تكون النون حرف الإعراب لأنها حرف صحيح يتحمل
الحركة، فلو كانت حرف إعرابه لوجب أن تقول: قام زيدان، ومررت بالزيدان،
فتعرب النون، وتقر الألف على حالها، كما تقول: هؤلاء غلمان، ورأيت
غلمانا، ومررت بغلمان. وأيضًا فإن النون قد تحذف في الإضافة، ولو كانت
حرف إعراب لتثبت البتة في الإضافة، كما تقول: هؤلاء غلمانك، ورأيت
غلمانك، فقد صح أن الألف حرف الإعراب.
فإن قلت: فإذا كانت الألف حرف الإعراب فما بالهم قلبوها في الجر
والنصب، فقالوا: مررت بالزيدين، وضربت الزيدين، وهلا دلك قلبها على
أنها ليست كالدال
(2/335)
من "زيد" إذ الدال ثابتة على كل حال، ولا
كألف "حُبلى" و"سَكرى" لأنها موجودة في الرفع والنصب والجر؟
فالجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن انقلاب الألف في الجر والنصب لا يمنع من كونها حرف إعراب؛
لأنا قد وجدنا فيما هو حرف إعراب بلا خلاف بين أصحابنا هذا الانقلاب،
وذلك ألف "كلا" و"كلتا" في قولهم: قام الرجلان كلاهما، والمرأتان
كلتاهما، ومررت بهما كليهما، وكلتيهما، وضربتهما كليهما، وكلتيهما،
فكما أن الألف في "كلا" و"كلتا" حرف إعراب وقد قلبت كما رأيت، فكذلك
أيضًا ألف التثنية حرف إعراب وإن قلبت في الجر والنصب.
فإن قلت: إن انقلاب ألف "كلا" و"كلتا" إنما هو لعلة أنهما أشبهتا "على"
و"إلى" و"لدى".
قيل لك: وألف التثنية أيضًا انقلبت لعلة سنذكرها عقيب هذا الفصل بإذن
الله.
ومثل ذلك أيضًا من حروف الإعراب التي قلبت قولهم: هذا أخوك وأبوك وحموك
وهنوك وفوك وذو مال، ورأيت أباك وأخاك , وحماك وهَناك وذا مال، ومررت
بأخيك وأبيك وحميك, وهَنيك وفِيك وذي مال، فكما أن هذه كلها حروف
إعراب، وقد تراها منقلبة، فكذلك لا يستنكر في حرف التثنية أن يقلب وإن
كان حرف إعراب.
قال أبو علي1: فلم لم تكن الواو في "ذو" حرف إعراب لبقي الاسم المتمكن
على حرف واحد، وهو الذال.
ومثل ذلك أيضًا قولهم فيما ذكر أبو علي: هذه عصي2، و"يَا بشري"3 فيمن
قرأ بذلك.
__________
1 المسائل البغداديات "ص540-541".
2 عصى: من ذلك قوله تعالى: {هِيَ عَصَاي} [طه: 18] فقد قرأ ابن أبي
إسحاق والجحدري "هي عصي" البحر المحيط "6/ 234".
3 هذه قراءة أبي الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق ورويت عن الحسن.
المحتسب "1/ 336".
(2/336)
وقول أبي ذؤيب1:
سبقوا هَوَيَّ وأعْنَقُوا لِهَواهُمُ ... فتُخُرِّموا، ولكل جَنب
مَصْرع2
وقول الآخر أنشدناه عن قطرب3:
يُطوّف بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ ... ويَطعُنُ بالصمُلّة في قَفَيَّا4
فإن لم تثأراني من عِكَبٍّ ... فلا أرويتُما أبدا صَدَيّا5
وقول أبي داود6:
فأبلوني بليَّتكم لعليّ ... أُصالِحكم وأستدرج نَوَيّا7
وهو كثير جدا، فكما جاز للألف في هذه الأشياء أن تقلب ياء وهي حرف
إعراب، فكذلك أيضًا يجوز لألف التثنية أن تقلب ياء وإن كانت حرف إعراب.
ومثل ذلك أيضًا إبدالهم تاء التأنيث في الوقف هاء وذلك نحو: "قائمه"
و"قاعده" و"منطلقه"، فكما أن التاء حرف إعراب وإن كانت قلبت في الوقف
هاء، فكذلك أيضًا لا يمتنع كون ألف التثنية حرف إعراب وإن كانت قد تقلب
ياء.
__________
1 البيت في شرح أشعار الهذليين "ص7"، وقد أنشده أبو علي الفارسي في
المسائل العسكريات "ص26" وذكره صاحب اللسان في مادة "هوا".
2 أعنقوا: أسرعوا.
تخرموا: تشققوا، والمقصود أخذوا واحدا واحدا.
والشاهد فيه "هوى" حيث قلب حرف الإعراب ألفا.
3 أنشد أبو علي البيت الأول في المسائل العسكريات "ص26" عن أبي الحسن،
والبيتان للمنخل اليشكري. انظر/ شرح ديوان الحماسة للتبريزي "2/ 48"،
واللسان "1/ 626" مادة/ عكب.
4 الصملة: عصا مصنوعة من الشجر.
عكب: صاحب سجن النعمان.
والشاهد فيه "قفيا" حيث قلبت الألف ياء.
5 صدى: طائر يصيح إذا لم يثأر للمقتول، في رأي الجاهلين.
الشاهد فيه "صديا" حيث قلبت الألف ياء.
6 البيت في النقائض "ص408" والخصائص "1/ 176" "2/ 341".
7 أبلوني: اصنعوا بي صنيعا جميلا.
أستدرج: أرجع أدرجي من حيث أتيت.
البيت في قوم جاورهم، فأساءوا جواره.
الشاهد فيه "نويا" حيث قلبت الألف ياء.
(2/337)
ونحو من ذلك أيضًا إبدال بعضهم ألف التأنيث
في الوقف همزة، وذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في الوقف "هذه حُبْلأْ"1.
وقد أبدلوا أيضًا الألف في الوقف ياء، فقالوا2: هذه أفعَيْ، حُبلَيْ".
قال الراجز3:
إن لِطَيَّ نِسوَة تحت الغَضَيْ ... يمنعُهن الله ممن قد طَغَيْ
بالمشرَفِيات وطَعْنٍ بالقَنَيْ4
قال سيبويه5: "ومنهم من يبدلها أيضًا في الوصل ياء، فيقول: هذه أفعيْ
عظيمة". فكما أبدل حرف الإعراب في جميع هذه الأشياء، ولم يدل انقلابه
على أنه ليس بحرف إعراب، كذلك أيضًا يجوز قلب الألف التي للتثنية، ولا
يدل ذلك على أنها ليست بحرف إعراب. فهذا أحد وجهي الحجاج.
وأما الوجه الآخر فإن في ذلك ضربا من الحكمة والبيان، وذلك أنهم أرادوا
بالقلب أن يُعلموا أن الاسم باق على إعرابه، وأنه متمكن غير مبني،
فجعلوا القلب دليلا على تمكن الاسم وأنه ليس بمبني بمنزلة "متى" و"إذا"
و"أنى" و"إيا" مما هو مبني وفي آخره ألف.
فإن قلت: فإذا كانت الألف في التثنية حرف إعراب، فهلا بقيت في الأحوال
الثلاث ألفا على صورة واحدة، كما أن ألف حُبلى وسَكرى، حرف إعراب وهي
باقية في الأحوال الثلاث على صورة واحدة في نحو قولك: هذه حبلى، ورأيت
حبلى، ومررت بحبلى.
__________
1 الكتاب "2/ 285".
2 الكتاب "2/ 285" وهل لغة لفزارة وناس من قيس وهي قليلة كما في الكتاب
"2/ 287" وقد حكاها الخليل وأبو الخطاب.
3 الأبيات في المنصف "1/ 160" والمحتسب "1/ 77".
4 الغضي: نوع من النبات.
المشرفيات: السيوف المصنوعة من المشارف وهي قرى من اليمن.
القنا: الرماح.
والشاهد فيه "الغضي- بالقنيْ" حيث أبدلت الألف في حالة الوقف ياء.
5 الكتاب "2/ 287" وفيه أن هذه لغة طيئ.
(2/338)
فالجواب: أن بينهما فرقًا، وذلك أن الأسماء
المقصورة التي حروف إعرابها ألفات، وإن كانت في حال الرفع والنصب والجر
على صورة واحدة، فإنه قد يلحقها من التوابع بعدها ما يُنبه على مواضعها
من الإعراب، وذلك نحو الوصف في قولك: هذه عصًا مُعوجّةٌ، ورأيت عصا
معوجةً، ونظرت إلى عصا معوجةٍ، فصار اختلاف إعراب "معوجة" دليلا على
اختلاف أحوال "عصا" من الرفع والنصب والجر.
وكذك التوكيد نحو قولك: عندي العصا نفسُها، ورأيت العصا نفسَها، ومررت
بالعصا نفسِها، فاختلاف إعراب "النفس" دليل على اختلاف إعراب "العصا"
وأنت لو ذهبت تصف الاثنين لوجب أن تكون الصفة بلفظ التثنية، ألا تراك
لو تركت التثنية بالألف على كل حال لوجب أن تقول في الصفة: رأيت
الرجلان الظريفان، ومررت بالرجلان الظريفان، فيكون لفظ الصفة كلفظ
الموصوف بالألف على كل حال، فلا تجد هناك من البيان ما تجده إذا قلت:
رأيت عصا معوجةً أو طويلةً أو قصيرةً أو نحو ذلك مما يبين فيه الإعراب.
وكذلك البدل نحو: رأيت أخواك الزيدان، ومررت بأخواك الزيدان، فلا تجد
في التابع بيانا يدل على حال المتبوع، فلما كان كذلك عدلوا إلى أن
قلبوا لفظ الجر والنصب إلى الياء ليكون ذلك أدل على تمكن الاسم
واستحقاقه الإعراب. ونظير قلبهم الألف في لتثنية ياء في الجر والنصب
قولهم هدَيَّ وعَصَيَّ ألا ترى أنهم قلبوا الألف "ياء لما كانت ياء
المتكلم يكسر ما قبلها، فاعرفه.
على أن من العرب من لا يخاف اللبس، ويجري الباب على أصل قياسه، فيدع
الألف ثابتة في الأحوال الثلاث، فيقول: قام الزيدان، وضربتُ الزيدان،
ومررتُ بالزيدان، وهم بنو الحارث بن كعب، وبطن من ربيعة، وأنشدوا في
ذلك:
تزود منا بين أُذْناه طعنةً
دعته إلى هابي التراب عقيم1
__________
1 البيت لهوبر الحارثي كما في اللسان "صرع" "8/ 197"، "15/ 351" مادة/
هبا.
طعنة: أثر الطعن.
هابي التراب: ما ارتفع ودق. اللسان "15/ 351".
عقيم: لا فائدة منه. اللسان "12/ 413" مادة/ عقم.
والشاهد فيه "أذناه" حيث لم تقلب ألف أذناه ياء وهي لغة بنو الحارث
(2/339)
وقال الآخر1:
فإطراف الشجاع ولو يرى ... مساغا لِناباه الشجاعُ لَصَمّما2
وقال الآخر3:
أعرف منها الجيد والعَينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا4
يريد: العينين، ثم إنه جاء بالمنخرين على اللغة الفاشية.
وروينا عن قطرب5:
هَيّاك أن تُمنى بشَعشعانِ ... خَبّ الفؤاد مائلِ اليدانِ6
وقال الآخر7:
__________
1 هو المتلمس يعاتب خاله الحارث بن التوأم اليشكري، والبيت في ديوانه
"ص34".
2 الشجاع: الحية الذكر.
المساغ: المدخل. اللسان "8/ 435".
صمم: عض.
والشاهد فيه "لناباه" حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر وهي لغة بعض
القبائل.
3 البيت لرجل من بني ضبة كما في النوادر "ص168" وزقم العيني أنه لا
يعرف قائله.
4 منخرين: ثقبا الأنف.
الجيد: العنق. اللسان "3/ 139".
الظبيانا: اسم رجل، وقيل مثنى ظبي. لسان العرب "15/ 24" مادة/ ظبا.
والشاهد فيه "العينانا" يريد العينين حيث لم تقلب الألف ياء.
إعرابه: معطوف على الجيد، منصوب بفتحة مقدرة على الألف.
5 البيت في الإفصاح "ص377".
6 الشعشعان: الطويل الحسن الخفيف اللحم، شبه بالخمر المشعشعة لدقتها.
اللسان "8/ 182".
الخب: الخبيث الماكر.
الفؤاد: القلب.
والشاهد فيه "بشعشعان" حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر.
7 نسب البيتان إلى أبي النجم وهما في ديوانه "ص227"، ونسبهما العيني
إلى أبي النجم نقلا عن الجوهري، وذكر أنهما ينسبان إلى رؤبة ونص على
أنهما ليسا في ديوان العيني "1/ 133".
وذكر العيني أن أبا زيد نسبه في نوادره لبعض أهل اليمن.
قال محيي الدين عبد الحميد: وقد بحثت عنه في النوادر فلم أجد فيها هذا
البيت، ولكني وجدت أبا زيد أنشد عن أبي الغول أبيات قافيتها نفس قافية
البيت ومن هنا وقع السهو للعيني.
انظر/ شرح ابن عقيل "1/ 51".
(2/340)
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد
غايتاها1
وفيها2:
واشدد بمثنى حقب حقواها3
وعلى هذا تتوجه عندنا قراءة من قرأ: "إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" [طه:
63] 4 وقد ذكرنا هذه المسألة في باب النون بما أغنى عن إعادته.
واعلم أن سيبويه يرى أن الألف في التثنية كما أنه ليس في لفظها إعراب،
فكذلك لا تقدير إعراب فيها كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية
الإعراب؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هذا فتى، ففي الألف عندك تقدير ضمة،
وإذا قلت: رأيت فتى، ففي الألف تقدير فتحة، وإذا قلت: مررت بفتى، ففي
الألف تقدير كسرة، وهو لا يرى أنك إذا قلت: هذان رجلان أن في الألف
تقدير ضمة، ولا إذا قلت: مررت بالزيدين، وضربت الزيدينأن في الياء
تقدير كسرة ولا فتحة، ويدل على أن ذلك مذهبه قوله: "ودخلت النون كأنها
عوض لما منع من الحركة والتنوين"5، فلو كانت في الألف عنده نية حركة
لما عوض منها النون كما لا يعوض، منها في قولك: هذه حبلى، ولاأيت حبلى،
ومررت بحبلى، النون.
__________
1 الشاهد فيه "أباها" الثالثة لأنها مجرورة حيث جاءت بالألف في حالة
النصب ولم تقلب ياء.
إعرابه:
أبا: اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف. ويحتمل أن يكون منصوبًا
بالألف نيابة عن الفتحة، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه مبني في محل جر.
2 البيت ذكر في الخزانة "3/ 338"، وشرح المفصل "3/ 129"، وشرح ابن عقيل
"1/ 51".
3 الشطر الثاني من البيت: "ناجية وناجيا أباها".
وهو موضوع الشاهد في قول الشاعر "أباها" حيث يعرب فاعل مرفوع بضمة
مقدرة على الألف منع ظهورها التعذر، وهذه لغة القصر.
ولو جاء به على لغة التمام لقال "وناجيا أبوها" على أنها فاعل مرفوع
وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة.
4 الشاهد فيه "هذان" حيث نصبت بفتحة مقدرة، ولم تقلب الألف ياء.
5 انظر/ الكتاب "1/ 4".
(2/341)
قال أبو علي: ويدل على صحة ما قال سيبويه
من أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية تقدير حركة في المعنى كما أن ذلك
ليس موجودا فيها في اللفظ، صحة الياء في الجر والنصب في نحو: مررت
برجلين، وضربت رجلين، ولو كان في الياء منها تقدير حركة لوجب أن تقلب
ألفا كرَحَى، وفتًى، ألا ترى أن الياء إذا انفتح ما قبلها وكانت في
تقدير حركة وجب أن تقلب ألفا.
وهذا استدلال من أبي علي في نهاية الحسن، وصحة المذهب، وسداد الطريقة.
فإن قلت: فإذا كانت النون عند سيبويه عوضًا مما منع الاسم من الحركة
والتنوين، فما بالهم قالوا في الجر والنصب ضربت الزيدين، ومررت
بالزيدين، فقلبوا الألف ياء، وذلك على الجر والنصب، ثم إنهم عوضوا من
الحركة نونا، وكيف يعوضون من الحركة نونا وهم قد جعلوا قلب الألف ياء
قائما مقام علم الجر والنصب، وهل يجوز أن يعوض من شيء شيء وقد أقيم
مقام المعوض منه ما يدل عليه، ويغني عنه، وهو القلب؟
فالجواب: أن أبا علي ذكر أنهم إنما جوزوا ذلك لأن الانقلاب معنى لا لفظ
إعراب، فلما لم يوجد في الحقيقة في اللفظ إعراب جاز أن تعوض منه النون،
وصار الانقلاب دليلا على التمكن واستحقاق الإعراب.
وهذا أيضًا من لطيف ما حصلته عنه، فافهمه.
فإن قلت: فإذا كانت الدلالة قد صحت على قول سيبويه أنه لا تقدير إعراب
في حرف الإعراب من التثنية، فما كانت الحاجة من العرب إلى ذلك، وما
السر، وما السبب الذي أوجب ذلك فيها؟
فالجواب: أنهم لو اعتقدوا في حرف إعراب التثنية تقدير حركة كما
يعتقدونه في حرف الإعراب من المقصور، لوجب أن تقر الألف في الأحوال
الثلاث على صورة واحدة كما يقر حرف الإعراب من المقصور على حال واحدة
في رفعه ونصبه وجره، ولو فعلوا ذلك فقالوا: قام الزيدان، وضربت
الزيدان، ومررت بالزيدان، لدخل الكلام من الإشكال والاستبهام ما قد
تقدم قولنا فيه، وأنه تُنُكب لاستكراههم ما فيه من عدم البيان، ولما
كان الاسم االمثنى معربا متمكنا، وكرهوا أن يعتقدوا في حرف
(2/342)
إعرابه تقدير حركة إعراب لئلا يبقى في
الأحوال الثلاث على صورة واحدة، كما تبقى جميع الأسماء المقصورة فيها
كذلك، عوضوه من الإعراب الذي منعوه حرف إعرابه نونا، وأبدلوا من ألفه
في الرفع ياء الجر والنصب؛ ليدلوا بذلك على تمكنه وأنه معرب غير بمني
كـ "متى" و"إذا" و"أنى" فكان ذلك أحوط وأحزم.
فإن قلت: فهلا نَوَوا في الألف أنها في موضع حركة كما نووا ذلك في جميع
المقصور، ثم إنهم أبدلوا الألف ياء ليدلوا على تمكن الاسم، ولم يعوضوه
من الحركة نونا لأنها منوية مرادة، فقالوا: قام الزيدا، ومررت
بالزيدَيْ، وضربت الزيدَيْ؟
فالجواب: أن ما قدمناه يمنع من ذلك، وهو أنهم لو نووا في الياء حركة
وما قبلها مفتوح، لوجب أن يقلبوها ألفا، فكان يجب على هذا أن يقولوا
إذا لم يأتوا بالنون: قام الزيدا، ورأيت الزيدا، فيعود الكلام من
الإشكال واللبس إلى ما هربوا منه، فتركوا ذلك لذلك.
ونظير ألف التثنية في أنها حرف إعراب وعلامةُ التثنية ألفُ التأنيث في
نحو: حبلى، وسكرى، ألا تراها حرف إعراب وهي علم التأنيث، إلا أنهما
يختلفان في أن حرف التثنية لا نية حركة فيه، وأن ألف حبلى فيها نية
الحركة.
قال أبو علي: ويدل على أن الألف في التثنية حرف إعراب صحة الواو في
"مذروان"1. قال: ألا ترى أنه لو كانت الألف إعرابا أو دليل إعراب،
وليست مصوغة في جملة بناء الكلمة المتصلة بها اتصال حرف الإعراب بما
قبله، لوجب أن تقلب الواو ياء، فيقال: "مِذريان" لأنها كانت تكون على
هذا القول طرفًا كلام "مِعزى" و"مَدعى" و"مَلهى"، فصحة الواو في
"مِذروان" دلالة على أن الألف من جملة الكلمة، وأنها ليست في تقدير
الانفصال الذي يكون في الإعراب. قال: فجرت الألف في "مذروان" مجرى
الألف في "عنفوان"2 وإن اختلفت النونان. وهذا حسن في معناه.
فأما قولهم "قَشَوتُ العُود" 3 فشاذ غير مقيس عليه غير.
__________
1 مذروان: الجانبان من كل شيء. لسان العرب "14/ 285" مادة/ ذرا.
2 عنفوان: عنفوان الشيء أوله، ويقال هو في عنفوان شبابه: في نشاطه
وحدته.
3 قشوت: قشوت العود: قشرته وخرطته. لسان العرب "15/ 182" مادة/ قشا.
(2/343)
ونظير هذا الذي ذهب إليه أبو علي قولُهم:
"عقلته بثنايَيْن"1، ولو كانت ياء التأنيث إعرابا أو دليل إعراب لوجب
أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة، فيقال: "عقلته بثناءين، وذلك لأنها
ياء وقعت طرفًا بعد ألف زائدة، فجرت مجرى ياء "رداء" و"رِماء"
و"ظِباء".
ونظير هذا قولهم في الجمع: هؤلاء مَقتَوُون3، ورأيت مَقتَوِينَ، ومررت
بمقتَوِين، فلو كانت الواو والياء في هذا أيضًا إعرابا أو دليل إعراب
لوجب أن يقال: هؤلاء مَقتَوْن، ورأيت مَقتَيْنَ، ومررت بمَقتَينَ،
ويجري مجرى "مُصطَفَيْنَ".
فهذا كله يؤكد مذهب سيبويه في أن الألف والياء والواو حروف الإعراب في
التثنية والجمع الذي على حد التثنية، والقول فيهما من وجه واحد.
وأما قول أبي الحسن: إن الألف ليست حرف إعراب ولا هي إعراب، ولكنها
دليل الإعراب، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع، وإذا رأيت الياء
علمت أن الاسم منصوب أو مجرور، وقال: ولو كانت حرف إعراب لما عرفت بها
رفعا من نصب ولا جر، كما أنك إذا سمعت دال "زيد" لم تدلك على رفع ولا
نصب ولا جر، فإنه غير لازم، وذلك أنا قد رأينا حروف الإعراب بلا خلاف
تفيدنا الرفع والنصب والجر، وذلك نحو: أبوك وأخوك، وأباك وأخاك، وأبيك
وأخيك؛ ألا ترى أن الواو حرف الإعراب، وقد أفادتنا الرفع، والألف حرف
الإعراب، وقد أفادتنا النصب، والياء حرف الإعراب، وقد أفادتنا الجر.
فأما قوله: إنها ليست بإعراب، فصحيح، وسنذكر ذلك في فساد قول الفراء
والزيادي. فأما قوله: لو كانت الألف حرف إعراب لوجب أن يكون فيها إعراب
هو غيرها كما ذلك في دال "زيد" فيفسد بما ذكرناه من الحجاج في هذا عند
شرح مذهب سيبويه أول.
وبلغني أن أبا إسحاق قال منكرا على أبي الحسن أنها دليل الإعراب: إن
الإعراب دليل المعنى، فإذا كانت الألف تدل على الإعراب، والإعراب دليل،
فقد
__________
1 عقلته بثنايين: عقلت يديه جميعًا بعقالين، والتثنية حبل من شعر أو
صوف. اللسان "14/ 121"
2 من قوله "لو كانت الياء" إلى قوله "ظباء" نقله عن المصنف نصا ابن
منظور.
3 مقتوون: الخدام واحدهم مقتوى.
(2/344)
احتاج الدليل إلى دليل، وإذا احتاج الدليل
إلى دليل فقد سقط المعنى المدلول عليه. وهذا وإن كان ظاهره سائغا
متقبلا فإنه غير داخل على غرض أبي الحسن، وذلك أن معنى قوله: "دليل
الإعراب" أنها تقوم مقام الضمة والفتحة والكسرة، وتفيد ما يفدنه،
فشابهت الألفُ النونَ التي لرفع الفعل المضارع في نحو يقومان ويقومون
وتقومين في أنها تقوم مقام الضمة في "يقوم" و"يقعد" وأنها ليست من أصول
الإعراب؛ ألا ترى أن جنس الإعراب هو الحركة، ولذلك جعل الجنس البناء
سكونا إذ كانا ضدين، وكانت الحركة ضد السكون، فالألف إذن هناك كالنون
هنا.
ويدلك على أن الأفعال المضارعة التي رفعها بالنون ليست على طريق قياس
أصول الإعراب، حذفك النون في موضع النصب في قولك: "لن يقوما" ألا ترى
أن النصب هنا مدخل على الجزم كما أدخل النصب في الأسماء المثناة
والمجموعة على سبيل التثنية على الجر في قولك: "ضربت الزيدين
والعمرين"، ولست تجد في الآحاد المتمكنة الإعراب ما يحمل فيه أحد
الإعرابين على صاحبه. فأما "مررت بأحمد" فإن ما لا ينصرف غير متمكن
الإعراب.
ويزيد عندك في بيان ضعف إعراب الفعل المضارع، أنك إذا ثنيت الضمير فيه
أو جمعته أو أنثته، أنك تجده بغير حرف إعراب؛ ألا ترى أنه لو كان لـ
"يقومان" حرف إعراب لم يخل من أن يكون الميم أو الألف أو النون، فمحال
أن تكون الميم لأن الألف بعدها قد صيغت معها وحصلت الميم لذلك حشوا لا
طرفًا، ومحال أن يكون حرف الإعراب وسطا، ولا يجوز أن يكون إلا آخرا
طرفًا، ولا يجوز أن تكون الألف في "يقومان" حرف إعراب، قال سيبويه1:
"لأنك لم ترد أن تثني هذا البناء فتضم إليه يَفعلًا آخر" أي: لم ترد أن
تضم هذا المثال إلى مثال آخر، وإنما أردت أن تعلم أن الفاعل اثنان،
فجئت بالألف التي هي علم الضمير والتثنية، ولو أردت أن تضم نفس الفعل
إلى فعل آخر من لفظه لكانت الألف في "يقومان" حرف إعراب، كما كانت
الألف في "الزيدان" حرف إعراب، لما أردت أن تضم إلى زيد زيدا آخر. فقد
بطل إذن أن تكون الألف حرف إعراب. ومحال أيضًا أن تكون النون حرف إعراب
في "يقومان" لأمرين:
__________
1 الكتاب "1/ 5".
(2/345)
أحدهما: أنها متحركة محذوفة في الجزم، وليس
في الدنيا حرف متحرك يحذف في الجزم.
والآخر: أنه لو كانت النون حرف إعراب لوجب أن تجري عليها حركات
الإعراب، فتقول: هما يقومان، وأريد أن تقومان، فتضمها في الرفع،
وتفتحها في النصب، فإذا صرت إلى الجزم وجب تسكينها، فإذا سكنت والألف
قبلها ساكنة كسرت لالتقاء الساكنين، فتقول: لم يقومان، فلما كان القضاء
بكون نون "يقومان"حرف إعراب يقود إلى هذا الذي ذكرته، ورأيت العرب قد
اجتنبته، علمت أن النون ليست عندهم بحرف إعراب، فإذا لم يجز أن تكون
الميم حرف إعراب، ولا الألف، ولا النون، علمت أنه لا حرف إعراب للكلمة.
وإذا لم يكن لها حرف إعراب دلك ذلك على أن الإعراب فيها ليس له تمكن
الإعراب الأصلي الذي هو الحركة، وإذا كان ذلك كذلك علمت به أن النون في
"يقومان" تقوم مقام الضمة في "يقوم" وأنها ليس لها تمكن الحركة، وإنما
هي دالة عليها ونائبة عنها، فكذلك أيضًا لا يمتنع أن تكون الألف عند
أبي الحسن دليل الإعراب، أي قائمة مقامه ونائبة عنه، فإذا رأيتها فكأنك
رأيته، كما أنك إذا رأيت النون في الأفعال المضارعة فكأنك قد رأيت
الضمة في الواحد، فقد سقط بهذا الذي ذكرناه ما ألزمه أبو إسحاق إياه.
قال أبو علي: ولا تمنع الألف على قياس قول سيبويه إنها حرف إعراب أن
تدل على الرفع كما دلت عليه عند أبي الحسن لوجودنا حروف إعراب تقوم
مقام الإعراب في نحو قولك: أبوك، وأباك، وأبيك، وأخواته، وكلاهما،
وكليهما، ولكن وجه الخلاف بينهما أن سيبويه يزعم أنها حرف إعراب، وأبو
الحسن يقول: إنها ليست حرف إعراب، فهذا ما في خلاف أبي الحسن.
وأما قول أبي عمر إنها في الرفع حرف إعراب كما قال سيبويه، ثم إنه كان
يزعم أن انقلابها هو الإعراب، فضعيف مدفوع أيضًا، وإن كان أدنى الأقوال
إلى الصواب الذي هو رأي سيبويه. ووجه فساده أنه جعل الإعراب في الجر
والنصب معنى لا لفظا، وفي الرفع لفظا لا معنى، فخالف بين جهات الإعراب
في اسم واحد؛ ألا ترى أن القلب معنى لا لفظ، وإنما اللفظ هو نفس
المقلوب والمقلوب إليه، وليس
(2/346)
كذلك قول سيبويه "إن النون عوض مما مُنع
الاسم من الحركة والتنوين" لأن النون على كل حال لفظ، وليست بمعنى.
وألزم أبو العباس أبا عمر هنا شيئًا لا يلزمه عندي، وذلك أنه قال: قد
علمنا أن أول أحوال الاسم الرفع، فأول ما وقعت التثنية وقعت والألف
فيها، فقد وجب أن لا يكون فيها في موضع الرفع إعراب1. وذلك أن أبا عمر
إذا كان يقول في الألف ما قاله سيبويه فله فيه ما له، وعليه ما عليه.
وقد صح أن سيبويه يقول: إن النون عوض مما منع الاسم من الحركة
والتنوين، وكذلك أيضًا قول أبي عمر في الرفع إن النون عوض من الحركة
والتنوين، وإذا كانت عوضًا من الحركة فإن الاسم معرب، والنون تقوم مقام
حركة إعرابه، فقد كان يجب على أبي العباس أن لا يدعي على أبي عمر أنه
يعتقد أن الاسم في حال الرفع لا إعراب فيه.
فإن أراد أبو العباس أنه ليس في الألف إعراب، وإنما النون عوض من
الإعراب، فهذا هو الذي قاله سيبويه أيضًا، وقد قامت الدلالة على صحته،
فينبغي أن يكون قول أبي عمر صحيحا إذ هو قول سيبويه الصحيح، وإنما الذي
يلزم أبا عمر في هذا ما قدمناه من أنه جعل اسما واحدا في حال الرفع
معربا لفظا، وجعل ذلك الاسم بعينه في حال الجر والنصب معربا معنى،
فخالف بين جهتي إعراب اسم واحد من حيث لا يجوز الخلاف.
فإن قلت: فإذا كان قلب الألف ياء في الجر والنصب هو الإعراب عند أبي
عمر فما الذي ينبغي أن يعتقد في النون في حال الجر والنصب، هل هي عنده
عوض من الحركة والتنوين جميعًا أو عوض من التنوين وحده؛ إذ القلب قد
ناب على مذهبه عن اعتقاد النون عوضًا من الحركة؟
فالجواب: أن أبا علي سوغه أن تكون النون عوضًا من الحركة والتنوين
جميعًا، وإن كان يقول إن الانقلاب هو الإعراب، قال: وذلك أنه لم تظهر
إلى اللفظ حركة، وإنما هناك قلب، فحسُن العوض من الحركة وإن قام القلب
مقامها في الإعراب.
__________
1 المقتضب "2/ 152".
(2/347)
وهذا الذي رآه أبو علي حسن جدا، ويشهد
بقوته أن من رأى صرف المؤنث المعرفة إذا كان ثلاثيا ساكن الأوسط نحو
"جُمْل" و"دَعْد" لخفته بسكون وسطه، يرى مثل ذلك سواء في نحو "دار"
و"نار" إذا سمى بهما مؤنثا وإن كانت الألف تدل على أن العين محركة في
الأصل، وأصلهما "دور" و"نور" إلا أن تلك الحركة في العين لما لم تظهر
إلى اللفظ لم يعتد بها، ولم تجر الكلمة وإن كانت مقدرةَ حركة العين
مجرى "قَدَم" و"فَخِذ" إذا صارا علمين لمؤنث في ترك صرفهما كما يترك
صرفهما، فكذلك أيضًا لما كان الإعراب في رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين
على مذهب أبي عمر معنى لا لفظا، جاز أن يعوض من الحركة التي كان ينبغي
للاسم أن يحرك حرف إعرابه بها نون في الزيدينِ والعمرينِ، ونظائره
كثيرة، فهذا يؤيد ما رآه أبو علي لقياس مذهب أبي عمر.
ولو أن قائلا قال: قياس قول أبي عمر أن تكون النون في تثنية المنصوب
والمجرور عنده عوضًا من التنوين وحده، لأن الانقلاب قد قام مقام
الحركة، لم أر به بأسا.
فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فقد يجب على قول أبي عمر أن تكون النون
محذوفة مع اللام في موضع الجر والنصب إذا كانت عوضًا من التنوين الذي
يحذف مع اللام، وثابتة في حال الرفع معها لأنها عوض من الحركة معها على
ما بيناه في حرف النون، فكان يلزم أبا عمر أن يقول قام الزيدان، وضربت
الزيدَي، ومررت بالزيدَي.
فالجواب: أن النون على هذا القول وإن كانت في حال الجر والنصب عوضًا من
التنوين وحده، فإنها لم تحذف مع اللام كما يحذف التنوين معها، من حيث
كانت النون أقوى من التنوين إذ كانت ثابتة في الوصل والوقف متحركة،
والتنوين يزيله الوقف، وهو أبدا ساكن إلا أن يقع بعده ما يحرك له، فلما
كانت النون أقوى من التنوين لم تقو اللام على حذفها كما قويت على حذف
التنوين.
وأما قول الفراء وأبي إسحاق الزيادي "إن الألف هي الإعراب" فهو أبعد
الأقاويل من الصواب. قال أبو علي: يلزم من قال إن الألف هي الإعراب أن
يكون الاسم متى حذفت منه الألف دالا من معنى التثنية على ما كان يدل
عليه والألف فيه؛ لأنك لم تعرض لصيغة الاسم، وإنما حذفت إعرابه، فسبيل
معناه أن يكون قبل
(2/348)
الحذف وبعده واحدا، كما أن "زيدا" ونحوه
متى حذفت إعرابه فمعناه الذي كان يدل عليه معربا باق فيه بعد سلب
إعرابه. ويفسده أيضًا شيء آخر، وهو أن الألف لو كانت إعرابا لوجب أن
تقلب الواو في "مذروان" ياء لأنها رابعة، وقد وقعت طرفًا، والألف بعدها
إعراب كالضمة في "زيد" و"بكر"، وقد تقدم هذا ونحوه من باب "ثِنايَينِ"
و"مَقتَوِينَ".
وقال أبو علي: سرق الزيادي هذا القول من لفظ سيبويه "إن الألف حرف
الإعراب" قال: معناه عند الزيادي أن الألف هو الحرف الذي يعرب به، كما
تقول "ضمة الإعراب" أي: الضمة التي يعرب بها.
ويدلك أيضًا على أن ألف التثنية ليست إعرابا ولا دليل إعراب، وجودك
إياها في اسم العدد نحو: واحد اثنان، فكما أن جميع أسماء الأعداد مبنية
لأنها كالأصوات نحو: ثلاثهْ، أربعهْ، خمسهْ، فكذلك "اثنان" لا إعراب
فيه، ولو قال لك إنسان: اللفظ لي بالتثنية غير معربة لم تقل إلا
"الزيدان" بالألف".
وكذلك أيضا أسماء الإشارة نحو هذان وهاتان، والأسماء الموصولة نحو
اللذان واللتان، لا إعراب في شيء منها، وهي بالألف كما ترى.
وكذلك الألف في النداء إذا قلت "يا رجلان" ألا ترى أن الكلمة غير
مرفوعة، وإنما هي في موضع المبني على الضم في نحو "يا رجل" لأن الاسم
في التثنية معرفة كحاله قبل التثنية، ألا تراك تقول: يا رجلان
الظريفان، كما تقول: يا رجلُ الظريفُ. وإنما فعلوا هذا في هذه الأشياء
التي ليست معربة، وألحقوها أيضًا بعد الألف النونَ لئلا يختلف حال
التثنية، فيكون مرة بالألف والنون، ومرة بلا ألف ولا نون، فجعلوها بلفظ
واحد.
وقد تقدمت الدلالة في حرف النون على أن النون في نحو "هذان" و"اللذان"
ليست بعوض من الحركة والتنوين، إذ موجب ترك الحركة والتنوين في الواحد
موجود الآن في التثنية، وأنه إنما لحقت النون هنا لئلا يختلف الباب.
وجميع ما ذكرناه في الألف من الخلاص واقع في واو الجمع نحو "الزيدون"
و"العمرون". وإنما تركنا ذكر ذلك في حرف الواو لأنا كنا أجمعنا القول
عليه في باب ألف التثنية.
(2/349)
فإن سأل سائل فيما بعد، فقال: ما بالهم
ثنوا بالألف، وجمعوا بالواو، وهلا عكسوا الأمر؟
فالجواب: أن التثنية أكثر من الجمع بالواو؛ ألا ترى أن جميع ما تجوز
فيه التثنية من الأسماء فتثنيته صحيحة لأن لفظ واحدها موجود فيها،
وإنما تزيد عليه حرف التثنية، وليس كل ما يجوز جمعه يجمع بالواو، ألا
ترى أن عامة المؤنث وما لا يعقل لا يجمع بالواو، وإنما يجمع بغير
الواو، إما بالألف والتاء، وإما مكسرا، على أن ما يجمع بالواو قد يجوز
تكسيره نحو: زيد وزيود، وقيس وأقياس، وغير ذلك، فالتثنية إذن أصح من
الجمع لأنها لا تخطئ لفظ الواحد أبدا، فلما ساغت فيمن يعقل وما لا
يعقل، وفي المذكر والمؤنث، وكان الجمع الصحيح إنما هو لضرب واحد من
الأسماء، وجعلوا الواو الثقيلة في الجمع القليل ليقل في كلامهم ما
يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون، فاعرف ذلك.
قال أبو علي: لما كان الجمع أقوى من التثنية لأنه يقع على أعداد
مختلفة، وكان لذلك أعم تصرفا من التثنية التي تقع لضرب واحد من العدد
لا تتجاوزه، وهو اثنان، جعلوا الواو التي هي أقوى من الألف في الجمع
الذي هو أقوى من التثنية.
وقد زيدت الألف علامة للتثنية والضمير في الفعل نحو: أخواك قاما،
وعلامة للتثنية مجردة من الضمير نحو قول الشاعر1:
أُلفِيتا عَيناك عند القَفا ... أَولى فأَولى لك ذا واقِيهْ2
وقد ذكرنا هذه اللغة في حرف النون وحرف الواو. قد أخذت التثنية بحظ،
على أن فيها شيئًا آخر سوى هذا.
واعلم أن الألف قد زيدت في أثناء الكلام على أنها ليست مصوغة في تلك
الكلم، وإنما زيدت لِمعانٍ حدثت وأغراض أريدت، وهي في تقدير الانفكاك
__________
1 هو عمرو بن ملقط كما في النوادر "ص268" والعيني "2/ 458".
2 الشاهد فيه "ألفيتا" حيث زيدت الألف علامة التثنية والضمير في الفعل.
إعرابه: فعل مضارع مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، والألف: فاعل مبني في
محل رفع.
(2/350)
والانفصال، فمن ذلك أن العرب قد أشبعت بها
الفتحة، يقولون: بينا زيد قائم أقبل عمرو، وإنما هي "بين" زيدت الألف
في آخرها إشباعا للفتحة.
ومن أبيات الكتاب1:
بَينا نحن نرقُبُه أتانا ... مُعلّقَ وَفْضَةٍ وزنادَ راعِ2
وقال الهذلي3:
بينا تَعَنُّقِهِ الكُماة ورَوغِهِ ... يوما أُتيحَ له جريء سَلفَعُ4
أي: بين، وهو كثير.
ومن ذلك فيما حدثنا به أبو علي قولهم: جئْ به من حيث ولَيْسا، أي:
وليسَ، فأشبعت فتحة السين إما لبيان الحركة في الوقف، وإما كما ألحقت
"بينا" في الوصل.
وأنشدنا أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه5:
فأنت من الغوائل حيث تُرمَى ... ومن ذَم الرجال بمُنتَزَاحِ6
أي: بمُنتَزَح.
وأنشدنا أيضًا لعنترة7:
يَنباعُ من ذِفرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ ... زَيّافةٍ مثلِ الفَنيقِ
المُكدَمِ8
وقال: أراد يَنبَعُ.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 الشاهد فيه "بينا" يريد "بين" وقد زيدت الألف إشباعا للفتحة.
3 تقدم تخريجه.
4 الشاهد فيه "بينا" حيث زيدت الألف لإشباع الفتحة وتقديره "بين".
5 تقدم تخريجه.
6 الشاهد فيه "بمنتزاح" حيث زيدت الألف إشباعا للفتحة وتقديره
"بمنتزح".
7 تقدم تخريجه.
8 والشاهد فيه "ينباع" حيث زيدت الألف لإشباع الفتحة وتقديره "ينبع".
(2/351)
وروينا عن قطرب1:
عَضِضتَ بأَيْرٍ من أبيك وخالكا ... وعضَّ بنو العَمار بالسُّكر
الرطْب2
أشبع فتحة الكاف، فحدثت بعدها ألف.
ونحو من ذلك قولهم في الوقف عند التذكر "قالا" أي: قال زيد، ونحوه،
فجعلوا الاستطالة بالألف دليلا على أن الكلام ناقص.
وكذلك تقول "أينا" أي: أين أنت؟ فتتذكر "أنت".
وقد زادوها أيضًا عند التذكر بعد الألف، فقالوا: "الزيدان ذهباْاْ" إذا
نووا "ذهبا أمس" أو نحوه مما يصحبه من الكلام، وتقول على هذا "زيد
رَمَاْاْ" أي: رمى عمرا، ونحوه، فتزيد في التذكر على الألف ألفا،
وتمده.
كما زيدت الألف إشباعا فقد حذفت اختصارا، من ذلك قصر الممدود نحو
قوله3:
..................... ... وتَبَوَّا بمكَّةٍ بطحاها4
أي: بطحاءها.
ومن الصحيح ما رويناه عن قطرب5:
ألا لا بارك الله في سُهيل ... إذا ما الله بارك في الرجال6
__________
1 لم أقف عليه.
2 عضضت: تمسكت. اللسان "7/ 188".
السكر: كل مسكر يغيب العقل.
ويعني أنه تمسك بفعل وخصال أهلي وتمسك بنو عمار بكل مسكر من الخمر.
والشاهد فيه "خالكا" حيث أشبع فتحة الكاف فجاء بعدها ألفا.
3 هو العرجى كما في الأغاني "1/ 372".
4 الشاهد فيه "بطحاها" حيث حذفت الألف اختصارا، فقصر المدود وأصله
"بطحاءها".
5 البيت في الخصائص "3/ 134" والمحتسب "1/ 181".
6 سهيل: اسم رجل. لسان العرب "11/ 350" مادة/ سهل.
الشاهد فيه "سهيل" حيث حذفت الألف اختصارا فتقديره "سهيلاء".
(2/352)
وقال الآخر1:
أقبَلَ سيلٌ جاء من عند الله ... يَحرِدُ حَردَ الجنة المُغِلّة2
وعلى هذا بيت الكتاب3:
أوالِفًا مكّة من وُرْق الحَمِي4
أراد: الحَمام، فحذف الألف، وأبدل الميم ياء، هذا أحسن ما قيل فيه5.
ومن ذلك لحاقها في الوقف لبيان الحركة كما تبين الحركة بالهاء، وذلك
قولهم في الوصل "أنَ فعلتُ" فإذا وقفت قلت "أنا". وكذلك "حيهلا".
ومن ذلك لحاقها فصلا بين النونات في نحو قولك للنساء: اضربنانِّ يا
نسوة، واشتمنانِّ بكرا، وأصل هذا أن تدخل نون التوكيد وهي مشددة على
نون جماعة المؤنث فتجتمع ثلاث نونات، فكان يلزم أن يقال: "اضربنَنَّ
زيدا" فكرهوا اجتماعهن، ففصلوا بينهن بالألف. ومن كلام أبي مهدية
"اخسأنانِّ عني"6.
ودار بيني وبين المتنبي في قوله7:
................................. ... وقلنا للسيوف: هَلُمُّنّا8
__________
1 نسب هذا الرجز لقطرب في الكامل "1/ 53"، وذكره صاحب اللسان في مادة
"حرد" "3/ 145" دون أن ينسبه.
2 الحرد: الإسراع في السير.
المغلة: التي لها غلة. اللسان "11/ 504" مادة/ غلل.
المعنى: أن السيل جاء بالخير من عند الله يسرع بغلاته الوفيرة.
3 البيت للعجاج، وهو في ديوانه "ص295"، والكتاب "1/ 5628".
4 الشاهد فيه "الحمي" حيث حذفت الألف وأبدلت الميم ياء يريد "الحمام".
5 انظر/ المسائل العسكريات "ص27" والعيني "3/ 557-558".
6 اخسأنان عني: قال الأصمعي: يعني الشياطين. لسان العرب "1/ 65" مادة/
خسأ.
7 هذه قطعة من بيت في ديوانه "4/ 166" وهو من قصيدة يمدح فيها سيف
الدولة.
والبيت بتمامه
قصدنا له قصد الحبيب لقاؤه
إلينا، وقلنا للسيوف: هلمنا
8 الشاهد فيه "هلمنا" القياس أن نقول "هلممنان" حيث أكد الفعل بالنون
ثم فصل بين النون بالألف.
(2/353)
كلام فيه طول، وأنكرت ضم الميم هنا من طريق
القياس إلى أن قال لي: فكيف كان ينبغي أن يكون إذا أكدته هنا بالنون؟
فقلت: كان قياسه أن تقول: هَلْمُمْنانِّ. فقال: هذا طويل. فقلت: هذا
جواب مسألتك، فأما طوله وقصره فشيء غير ما نحن فيه.
ومن ذلك أن تدخل فاصلة بين الهمزتين المحققتين استكراها لاجتماعهما
محققتين، قال ذو الرمة1:
آأنْ ترسّمْتَ من خرقاءَ منزلةً ... ماءُ الصبابة من عينيك مَسجُومُ2
وقال الآخر3:
تَطَاللتُ، فاستشرفتُهُ، فرأيتُهُ ... فقلت له: آأنت زيدُ الأراقِمِ4
وقرأت على أبي علي في كتاب الهمز عن أبي زيد5:
حُزُقٌّ إذا ما القوم أبدَوا فُكاهةً ... تَفَكَّرَ آإياه يَعنُون أم
قِرْدا6
وقرأ بعضهم: "آئِذَا"7 و"آئِنَا"8 [الرعد: 2,3] و"آأنْتَ قُلْتَ
لِلنَّاسِ" [المائدة: 116] 9.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 الشاهد فيه "آأن" حيث جاءت الألف فاصلة بين الهمزتين.
3 نسب البيت في اللسان "حرف الهمزة" "1/ 11" إلى ذي الرمة.
4 الشاهد فيه "آأنت ... " حيث فصل بين الهمزتين بزيادة الألف.
5 البيت ليس في مطبوعة كتاب الهمز، وقد نسب في شرح شواهد شرح الشافية
"ص349، 350" لجامع بن عمرو بن مرخبة الكلبي، ونسب في اللسان "حزق" "10/
47" لرجل من بني كلاب وهو بغير نسب في شرح المفصل "9/ 118".
6 الحزق: السيئ الخلق البخيل، وقيل: القصير. لسان العرب "10/ 47" مادة/
حزق.
والشاهد فيه "آأياه ... " حيث فصل بين الهمزتين بألف.
7 "آئذا": القراءة بهمزتين محققتين.
8 "آتنا": بينهما مدة مروية عن ابن عامر. السبعة "ص357-358".
وقرأ بها عبد الله بن أبي إسحاق "اللسان حرف همزة" "1/ 11" وهذه لغة
ناس من العرب وهم أهل التحقيق. الكتاب "3/ 549".
9 "آأنت قلت للناس": الشاهد فيه "آأنت" حيث فصل بين الهمزتين بألف.
(2/354)
وقال ذو الرمة أيضا1:
هيا ظَبيةَ الوَعساءِ بين جلاجِل ... وبين النَّقا آأنتِ أَم أُمُّ
سالِم؟ 2
أراد: أأنت، فثقل عليه تحقيق الهمزتين، ففصل بينهما بالألف، وكذلك
الباقي.
ومن ذلك الألف التي تلحق أواخر الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة إذا
حُقرت عوضًا من ضمة أول الحرف، وذلك قولهم في "ذا": "ذيا" وفي "تا":
"تيا" وفي "ذاك": "ذياك" وفي "ذلك": "ذيالك" وفي "الذي": "اللذيا" وفي
"التي": "اللتيا" وفي "هؤلاء" مقصورا: "هؤليا" وفي "أولاء" ممدودات:
"ألياء". وهذه مسألة اعترضت ههنا، ونحن نوضحها.
اعلم أن "أولاءِ" وزنه إذا مثل "فُعال" كغُراب، وكان حكمه إذا حقرته
على مثال تحقير الأسماء المتمكنة أن تقول: هذا أُليِّئٌ، ورأيت
أُليِّئًا، ومررت بأُليِّئٍ، فلما صار تقديره "أُليِّئٌ" أرادوا أن
يزيدوا في آخره الألف التي تكون عوضًا من ضمة أوله، كما قالوا في "ذا":
"ذيا" وفي "تا": "تيا"، فلو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا "أليئا" فيصير
بعد التحقير مقصورا، وقد كان قبل التحقير ممدوا، فأرادوا أن يقروه بعد
التحقير على ما كان عليه قبل التحقير من مده، فزادوا الألف قبل الهمزة،
فالألف الآن التي قبل الهمزة في "أُليّاء" ليست بتلك التي كانت قبلها
في "أُولاءِ"، وإنما هذه في "أُليّاء" هي الألف التي كان سبيلها أن
تلحق آخرا، فقدمت كما ذكرنا. وأما ألف "أولاء" فقد قلبت ياء كما تقلب
ألف "غلام" إذا قلت "غليم" وهي الياء الثانية في "أُليّاء" والياء
الأولى هي ياء التحقير.
فإن قلت: فإن الألف إنما تلحق آخرا في تحقير هذه الأسماء، لأنها جعلت
عوضًا من ضمة أوائلها، وأنت في "أُليّاء" قد ضممت أول الاسم، فلم جئت
بالألف في آخره؟
__________
1 ديوانه "ص767"، والكتاب "2/ 168"، ومعاني القرآن للأخفش "ص30".
2 الوعساء وجلاجل: موضعان.
النقا: الكثيب من الرمل.
والشاهد فيه "آأنت" فثقل تحقيق الهمزتين ففصل بينهما بالألف.
(2/355)
فالجواب: أن ضمة أول "أُلَيّاء" ليست
مجتلبة للتحقير بمنزلة ضمة كاف "كُتَيب" وحاء "حُسَيب"، وإنما هي الضمة
التي كانت موجودة في التكبير في قولك "أُولاءِ"، يدلك على صحة ذلك
تركهم أول ما هو مثله في الإشارة واستحقاق البناء بحاله غير مضموم،
وذلك قولك: "ذيا" و"تيا" ألا ترى أن الذال والتاء مفتوحتان كما كانتا
قبل التحقير في "ذا" و"تا" فكذلك ضمة همزة "أُلياء" هي ضمة الهمزة في
"أُولاءِ"، فلما كان أول الكلمة باقيا بحاله غير مجتلبة له ضمة التحقير
عُوّض الألف من آخره، فأما ضمة عين "غُرَيب" و"غُلَيم" فضمة التحقير لا
الضمة التي كانت في "غُراب" و"غُلام".
ألا تراك تقول "كِتاب" و"غَزال" فتجد الأولين مفتوحًا ومكسورا، فإذا
حقرت ضممت، فقلت "كُتيب" , "غُزيل" فقد بان ذلك. وكذلك ضمة قاف
"قُفَيل" إنما هي ضمة التحقير، وليست بضمة القاف من "قُفل". يدلك على
ذلك ضمك ما أوله مفتوح أو مكسور، وهو "كَعب" و"حِلس"1 إذا قلت "كُعَيب"
و"حُلَيس" فالضمتان وإن اتفقتا في اللفظ فإنهما مختلفتان في المعنى،
وغير منكَر أن يتفق اللفظان من أصلين مختلفين؛ ألا ترى أن مَن رخّم
"منصورا" في قول من قال "يا حارِ" قال "يا مَنصُ" فبقى الصاد مضمومة
كما بقى الراء مكسورة، ومن قال "يا حار" فاجتلب للنداء ضمة قال أيضا:
"يا منصُ"، فحذف ضمة الصاد كما حذف كسرة الراء، واجتلب للصاد ضمة
النداء كما اجتلب للراء ضمة النداء، إلا أن لفظ "يامَنصُ" في الوجهين
واحد، والمعنيان متباينان.
وكذلك قول سيبويه2 في "الفُلْك" إذا جُمع على "فُلْك" فضمة الفاء من
الواحد بمنزلة ضمة باء "بُرْد" وخاء "خُرْج"3، وضمةُ الفاء من الجمع
بمنزلة ضمة حاء "حُمر" وصاد "صُفر" جمع "أحمر" و"أصفر"، وهذا أوسع من
أن أتحجره، ولكنني قد رسمت طريقه وأمثلته.
ومن ذلك لحاقها للندبة نحو "واغلاماه" و"وازيداه" و"واأمير
المؤمنيناه".
__________
1 حلس: كل ما ولي ظهر الدابة تحت الرحل، والقتب، والسرج. اللسان "6/
54" مادة/ حلس.
2 الكتاب "2/ 181".
3 خرج: وعاء من شعر أو جلد ذو عدلين، يوضع على ظهر الدابة لوضع الأمتعة
فيه.
(2/356)
ومن ذلك زيادة ألف للإطلاق في نحو1:
أَقِلّي اللوم عاذلَ والعِتابا ... ............................2
و3:
يا دارَ عَمْرَة من مُحْتلّها الجَرَعا ...
...................................4
وقد ذكرنا ذلك بما فيه في هذا الكتاب وغيره.
ونحو منه لحاقها في أواخر الآي نحو {الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] و
{السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] و {قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] وقد ذكرناه
أيضًا.
ومن ذلك زيادتها بعد هاء الضمير علامة للتأنيث، وذلك نحو: "رأيتها"
و"مررت بها" فالاسم هو الهاء، وأما الألف فزيدت علمًا للتأنيث.
ومن حذف الواو في نحو قوله5:
له زَجَل كأنه صوت حادٍ ... إذا طَلَب الوَسيقة أو زَمِيرُ6
وقول الآخر7:
فظَلتُ لدى البيت العتيق أُخيلُهُ ... ومِطوايَ مُشتاقانِ لَهْ
أَرِقانِ8
__________
1 تقدم تخريجه.
1 الشاهد فيه "العتابا" حيث زيدت الألف للإطلاق.
3 تقدم تخريجه.
4 الشاهد فيه "الجرعا" حيث زيدت الألف للإطلاق.
5 البيت للشماخ يصف حمار الوحش وهو في ديوانه "ص155".
6 الزجل: رفع الصوت الطرب.
الوسيقة: من الإبل والحمير: كالرفقة من الناس.
الزمير: صوت المزمار. لسان العرب "4/ 327" مادة/ زمر.
7 البيت من قصيدة ليعلى الأحولي الأزدي. الخزانة "1/ 401-405".
وقال البغدادي في الخزانة "1/ 405": قال الشيباني: "ويقال إنها لعمرو
بن أبي عمارة الأزدي من بني خنيس، ويقال: إنها لجواس بن حيان من أزد
عمان".
انظر المقتضب "1/ 39، 267".
8 الشاهد فيه "مشتاقان" حيث زيدت الألف فأصله "مشتقان".
(2/357)
وقول الآخر رويناه عن قطرب1:
وأشربُ الماء ما بي نحوَهُ عَطَش ... إلا لأنّ عيونه سَيْل واديها2
وغير ذلك من هذه الأبيات، لم يقل في نحو "رأيتها" و"نظرت إليها" إلا
بإثبات الألف، وذلك لخفة الألف وثقل الواو، إلا أنا قد روينا عن قطرب
بيتا حذفت فيه هذه الألف تشبيها بالواو والياء لما بينهما من الشبه،
وهو قوله3:
أعلَقْتُ بالذئب حَبلا ثم قلتُ له ... الحَق بأهلكَ، واسلم أيها
الذيبُ4
إما تقودُ به شاةً فتأكُلُها ... أو أن تَبيعَه في بعض الأراكيب5
يريد: تبيعها، فحذف الألف، وهذا شاذ. ونحو منه بيت أنشدناه أبو علي عن
أبي الحسن، وهو6:
فلستُ بمدرِك ما فات مني
بـ "لَهْفَ" ولا بـ "ليت" ولا لَوَ انّي7
يريد: بلَهفِى.
وقرأ بعضهم: "يَا أَبَتَ" [يوسف: 4] 8 بفتح التاء، يريد: يا أبتاه9.
__________
1 البيت في الخصائص "1/ 128، 138" والمحتسب "1/ 244".
2 يعني يرتوي مما به من عطش من عيون الماء السائلة في الوادي.
الشاهد فيه "واديها" حيث زيدت الألف بعد هاء الضمير للدلالة على
التأنيث.
3 البيتان في أخبار أبي القاسم الزجاجي "ص152"، واللسان "ركب" "1/
430".
4 الشاهد فيه "أيها" حيث زيدت الألف بعد الضمير للدلالة على التأنيث.
5 الشاهد فيه "تبيعه" يريد "تبيعها" حيث حذف الألف الدالة على التأنيث.
وهذا شاذ لا يقاس عليه.
6 تقدم تخريجه، وقد أنشده أبو علي عن أبي الحسن في المسائل العسكريات
"ص35".
7 يقول الشاعر أنه لا يتحسر على ما فات منه ولم يدركه بقوله: "يا ليت
أو لو أني فعلت كذا لكان كذا". والشاهد فيه "لهف" يريد "لهفي".
8 "يَا أَبَتَ" هذه قراءة ابن عامر وحده في جميع القرآن، وقرأ بقية
السبعة بكسر التاء. السبعة "ص344".
وقرأ بفتح التاء من غير السبعة الأعرج وأبو جعفر. البحر المحيط "6/
193".
9 انظر المسائل البغداديات "ص505-506".
(2/358)
وأنشد سيبويه1:
وقبيلٌ من لُكَيز شاهدٌ ... رَهطٌ مرجومٍ ورهطُ ابنِ المُعَل2
يريد: ابن المُعَلّى، فحذف الألف، على أن هذا شاذ قليل النظير. فهذه
وجوه زيادة الألف في كلام العرب، فاعرفها.
واعلم أن الألف متى حركت انقلبت همزة، وذلك لضعفها عن تحمل الحركة، وقد
ذكرنا ذلك في باب الهمزة في قولنا: "شَأَبّة" و"دَأَبّة" وفي القرآن
"وَلَا الضَّأَلِّين" [الفاتحة: 7] و"لَا يُسأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ
وَلَا جَأَْنّ"3 [الرحمن: 39] ونحو ذلك مما أثبتناه هناك.
__________
1 البيت للبيد وهو في ديوانه "ص199" والكتاب "2/ 291".
2 البيت سبق شرحه والتعليق عليه.
3 الشاهد فيه "جأَنّ" حيث حركت الألف فانقلبت همزة.
(2/359)
|