اللمحة في شرح الملحة

بَابُ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا:
وَستَّةٌ تَنْتَصِبُ1 الأَسْمَاءُ ... بِهَا كَمَا تَرْتَفِعُ2 الأَنْبَاءُ
وَهْيَ إِذَا رَوَيْتَ أَوْ أَمْلَيْتا ... إِنَّ وَأَنَّ يَا فَتَى وَلَيْتَا
ثُمَّ كَأَنَّ ثُمَّ لَكِنَّ وَعَلَّ ... وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفُصْحَى لَعَلَّ
هذه الحروف تجري في العمل مجرى (كان) في دخولها على المبتدأ والخبر؛ مع اختلاف العمل.
عملها3 في المبتدأ والخبر، عكس عمل (كان) ؛ فالمعمولان معها4 كمفعولٍ قُدِّم، وفَاعلٍ أُخِّرَ5.
وهي: (إِنَّ) و (أَنَّ) 6 وهما للتّأكيد؛ وبينهما فرق نذكره7.
و (كأَنَّ) للتّشبيه؛ وهذا الحرف مركّبٌ8؛ لأنّ الأصل في قولهم: (كأنّ
____________________
1 في متن الملحة 31: تُنْصَبُ.
2 في متن الملحة 31: تُرْفَعُ.
3 في ب: في عملها.
4 في ب: منها.
5 تنبيها على أنّها فرعٌ عن (كان) .
يُنظر: ابن النّاظم 162، والأشمونيّ 1/270.
6 عدّ سيبويه هذه الحروف خمسة - لأنّه أسقط (أنَّ) المفتوحة، لأنّ أصلها (إنَّ) المكسورة - فقال 2/131: "هذا باب الحروف الخمسة الّتي تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده؛ وهي: (إنّ) و (لكنَّ) و (ليتَ) و (لَعَلَّ) و (كأَنَّ) ".
7 في أ: يذكر.
8 هذا مذهب الخليل، وسيبويه، وجمهور البصريّين، والفرّاء.
وقال قومٌ منهم المالقيّ - صاحب رصف المباني -، وأبو حيّان: إنها بسيطة.
يُنظر: الكتاب 3/151، والأصول 1/230، وسرّ صناعة الإعراب 1/303، وشرح الجمل 1/449، والبسيط 2/762، ورصف المباني 284، والارتشاف 2/128، والجنى الدّاني 568، 569، والمغني 252، والهمع 2/151، والأشمونيّ 1/271.

(2/535)


زيدًا أسدٌ1) أنّ زيدًا كالأسد، فأُريد المبالغة في التّشبيه؛ فقُدِّمت الكاف وجُعِلت مع (إنَّ) كالشّيء الواحد، فصارت غير متعلِّقة بعاملٍ2، بعد أنْ كانت متعلّقة [85/أ] ، وصارت حرفا لا غير، بعد أنْ كانت صالحة للاسميّة.
وتخفّف (كَأنَّ) فيبطُل3 عملها؛ قال الشّاعر:
____________________
1 في أ: الأسد.
2 وإن كانت هي حرف جرّ؛ لأنّها أُزيلت عن الموضع الّذي كان يمكن أن تتعلّق فيه بمحذوف، وقدّمت إلى أوّل الجملة فزال ما كان لها من التّعلّق بخبر (أنّ) المحذوف، وليست الكاف هُنا زائدة.
وذهب الزّجّاج إلى أنّ الكاف الجارّة في موضع رفع؛ فإذ قلتَ: (كأنِّي أخوك) ففي الكلام حذفٌ، تقديرُه: كأخوتي إيّاك موجود؛ لأنّ (أنّ) وما عملت فيه بتقدير مصدر.
يُنظر: سرّ صناعة الإعراب 1/303، وشرح المفصّل 8/81، والارتشاف 2/129، والجنى الدّاني 568، 569، والمغني 252، 253، والهمع 2/152.
3 وقد تعمل مخفّفة؛ لكن يجوز ثبوت اسمها وإفراد خبرها، كقوله:
كَأَنْ وَرِيدَيْهِ رِشاءٌ خُلُبْ
والغالب أنْ يكون اسمها ضمير شأن محذوفا، ويكون خبرها جملة؛ ثمّ إنْ كانت الجملة اسميّة لم تحتج إلى فاصلٍ بينها وبين (كأنّ) .
وأمّا إنْ كان الخبر جملة فعليّة فيفصل بينها وبين (كأنّ) ب (لم) قبل المضارع المنفي، أو (قد) قبل الماضي المثبَت.
يُنظر: ابن النّاظم 183، وأوضح المسالك 1/268، وابن عقيل 1/357، والتّصريح 1/234.

(2/536)


وَنَحْرٍ مُشْرِقِ اللّوْنِ ... كَأَنْ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ1
وباقي هذه الحروف مفردة2.
____________________
1 هذا بيتٌ من الهزج، احتجّ به سيبويه في كتابه، ولم ينسبه لأحد؛ ولم أقف على قائله.
والشّاهدُ فيه: (كَأنْ ثدياه حُقّان) حيث خفّفت (كأنّ) وبطل عملها، وحذف اسمها، ووقع خبرها جملة اسميّة؛ وأصلُه: كأنه ثدياه حقّان؛ ويُروى: (كأن ثدييه حُقّان) على الإعمال.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/135، والأصول 1/246، والمنصف 3/128، وأمالي ابن الشّجريّ 1/362، والإنصاف 1/197، والتّبيين 349، وشرح المفصّل 8/82، والجنى الدّاني 575، وابن النّاظم 184، وتخليص الشّواهد 389، والخزانة 10/398.
2 هذا مذهب البصريّين.
وقال الفرّاء: إنّ (لكنّ) مركّبة من (لكنْ) و (أَنّ) فطرحت همزة (أنّ) وسقطت نون (لكنْ) حيث استقبلت ساكنا.
وللكوفيّين رأيان غير هذا:
الأول: أنّها مركّبةٌ من (لا) و (أن) ، والكافُ زائدة، والهمزة محذوفة.
والثّاني: أنّها مؤلّفة من (لا) و (كأنّ) ، والكاف للتّشبيه، و (أنّ) على أصلها؛ ولذلك وقعت بين كلامين لِمَا فيها من نفي لشيء وإثبات لغيره؛ وكُسرت الكاف لتدلّ على الهمزة المحذوفة.
يُنظر: معاني القرآن للفرّاء 1/465، والإنصاف 1/217، وشرح المفصّل 8/80، وشرح الرّضيّ 2/360، والبسيط 2/762، والارتشاف 2/128، والأشمونيّ 1/270.

(2/537)


وَ (لَعَلَّ) مختَلَفٌ1 فيه2، والصّحيح إفرادُه3؛ وفيه لُغات4؛ وهي: (لَعَلَّ) و (عَلَّ) و (لَعَنَّ) و (عَنَّ) و (لأنّ) و (أَنّ) .
ومعناه: التّوقُّع لمرجوّ، أو مخوفٍ من الطّمع5 والإشفاق.
____________________
1 في ب: مختلفة.
2 في أ: فيها.
3 ذهب البصريّون إلى أنّ (لَعَلّ) مركّبة من (عَلّ) واللاّم الزّائدة؛ وقيل: من لام الابتداء.
وذهب الكوفيّون إلى أنّ (لَعَلّ) بسيطة، ولامُها أصل.
وقال ابن الأنباريّ مرجّحا: "والصّحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الكوفيّون".
وهو ما رجّحه الشّارح.
تُنظر هذه المسألة في: المقتضب 3/73، والإنصاف، المسألة السّادسة والعشرون، 1/218، والتّبيين، المسألة الخامسة والخمسون، 359، وشرح المفصّل 8/87، وشرح الرّضيّ 2/361، والبسيط 2/763، والجنى الدّاني 579، وجواهر الأدب 402، والتّصريح 2/2، 3، والهمع 2/153، والأشمونيّ 1/271.
4 أوصلها السّيوطيّ في الهمع 2/153 إلى ثلاث عشرة لغة.
وتُنظر هذه اللّغات في: معاني الحروف للرّمّانيّ 124، والإنصاف 1/224، وشرح المفصّل 8/87، وشرح الرّضيّ 2/361، وشرح الكافية الشّافية 1/470 472، والبسيط 2/763، والجنى الدّاني 582، وجواهر الأدب 402.
5 الطّمع المرغوب فيه نحو: (لعلّ الله يرحمنا) ؛ والاشفاق في المكروه نحو: (لعلّ العدوّ يَقْدُمُ) .

(2/538)


وقد جاءت شبيهة ب (عسى) في الشّعر1 باقتران (أَنْ) في2 خبرها، كقول مُتمّم بن نويرة:
لَعَلَّكَ يَوْما أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... عَلَيْكَ مِنَ اللاَّئِي3 يَدَعْنَكَ أَجْدَعَا4
وقد جُرّ ب (لعلَّ) في النّظم؛ ومنه قولُ الشّاعر:
................................... ... لَعَلَّ أَبِي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ5
____________________
(عسى) بمعنى (لعلّ) في التّرجّي والاشفاق؛ فأجريت مجراها في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت (لعلّ) مجرى (عسى) في اقتران خبرها ب (أن) .
يُنظر: شرح المفصّل 8/85، 86، والتّصريح 1/213.
2 في ب: بخبرها.
3 في أ: الآتي، وفي ب: الآئي؛ وكلتاهما محرّفة؛ والصّواب ما هو مثبت.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، من كلمة رثى فيها الشاعر أخاه مالكا.
و (الإلمام) : النّزول؛ والملمّة: البليّة النّازلة. و (الأجدع) : المقطوع الأنف والأذن؛ ويُستعمل في الذّليل، وهو المُراد هُنا.
والمعنى: أيُّها الشّامتُ لا تكن فرحا بموت أخي، عسى أن تنزل عليك بليّةٌ من البليّات اللاّتي يتركنك ذليلاً خاضعا.
والشّاهد فيه: (لعلّك يوما أن تُلِمَّ) حيث جاء خبر (لَعَلّ) مضارِعا مقرونا ب (أن) حملاً لها على (عسى) .
يُنظر هذا البيت في: المفضّليّات 270، والمقتضب 3/74، والكامل 1/254،2/553، وشرح المفصّل 8/86، وشرح الجمل 2/179، والارتشاف 2/156، والمغني 379، والأشباه والنّظائر 2/191، والخزانة 5/345، والدّيوان 119.
5 هذا عجز بيتٍ من الطّويل، وصدره:
فَقُلْتُ: ادْعُ أُخْرَى وَارْفَعِ الصَّوْتَ جَهْرَةً
وهو لكعب بن سعد الغنويّ، ويُنسب لسهم الغنويّ.
والشّاهدُ فيه: (لعلّ أبي المغوار) حيث جرّ ب (لعلّ) لفظ (أبي) على لغة عُقَيْلٍ.
ويروى: (لعلّ أبا المغوار) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.
يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 37، والأصمعيّات 96، وسرّ صناعة الإعراب 1/407، وجمهرة أشعار العرب 2/705، وأمالي ابن الشّجريّ 1/361، ورصف المباني 436، والجنى الدّاني 584، والمغني 377، والمقاصد النّحويّة 3/247، والخزانة 10/426.

(2/539)


والمبرّد1 يرى2 أنّ أصلها (علّ) 3 زيدت عليها لامُ الابتداء.
و (ليت) معناه: التّمنّي؛ وهو طلب ما لا طمعَ4 فيه؛ كقولك: (ليت الشّباب يعودُ) ؛ وقد ينصب5 بعدها الاسمان؛ وفي نصبهما6 ثلاثةُ أقوالٍ:
فعند بعضِهم7: أنّه يحذف الخبر؛ كقول الرّاجز:
____________________
1 يُنظر: المقتضب 3/73.
وقد تعرّضنا للخلاف في (لَعَلّ) في ص 538؛ فليُنظر هُناك.
2 في ب: يقول.
3 في كلتا النّسخين: على؛ والصّواب ما هو مثبت.
4 في ب: مطمع.
5 في ب: ينتصب.
6 في ب: نصبها.
7 جمهور البصريّين لا يرون أنّ (ليت) تنصب الجزأين؛ ويؤوّلون ما ورد من ذلك - كالبيت الّذي أورده الشّارح - على أنّه حال والخبر محذوف، والتّقدير: يا ليت أيّام الصِّبا رواجعا لنا، أو أقبلت رواجعا؛ ف (رواجعا) حالٌ من ضمير هذا الخبر المحذوف.
يُنظر: شرح المفصّل 8/84، وشرح الرّضيّ 2/347، ورصف المباني 366، والجنى الدّاني 393، 394، والمغني 376، والهمع 2/157.

(2/540)


يا لَيْتَ أَيامَ الصِّبا رَوَاجِعا1
[85/ب]
وقول الفرّاء2 إنّ الاسمين3 منصوبان ب (ليت) ؛ لأنّها بمنزلة تمنيّت4.
وقول الكسائيّ5 إنّه على تقدير (كان) ؛ لكثرة استعمالها معها، كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا} 6، [و] 7 {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} 8.
____________________
1 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، وهو للعجّاج كما ذكر الجمحيّ في طبقات فحول الشّعراء 1/78، وذكر ابن يعيش أنه لرؤبة بن العجّاج 1/104.
والشّاهدُ فيه نصبُ (ليت) للجزأين على لغة بعض العرب.
والبصريّون يقدِّرون خبر (ليت) محذوفا و (رواجعا) حال من ضميره، والتّقدير: يا ليت أيّام الصِّبا لنا رواجعا.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 2/142، وشرح المفصّل 1/103، 104، 8/84، وشرح عمدة الحافظ 1/434، وشرح الرّضيّ 2/347، ورصف المباني 366، والجنى الدّاني 492، والمغني 376، والهمع 2/157، والخزانة 10/234، وملحق ديوان العجّاج 2/306.
2 يُنظر: معاني القرآن 2/352.
3 في ب: الاسمان، وهو خطأ.
4 في أ: اتمنيت.
5 يُنظر: المفصّل 400، وشرح المفصّل 8/48، وشرح التّسهيل 2/10، وشرح الرّضيّ 2/347، والارتشاف 2/131، والمغني 376.
6 من الآية: 40 من سورة النّبأ.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
8 سورة الحاقّة، الآية: 27.

(2/541)


و (لَكِنَّ) للاستدراك؛ وهو تعقيبُ الكلام برفع ما توهّم1ثبوته، كقولك: (ما زيدٌ شُجاعا ولكنَّه كريم) أوهم ذلك نفي الكرم؛ لأنّهما كالمتضايفين2، فارتفع3 ذلك ب (لَكِنّ) .
و (إِنّ) هي أصلُ الباب؛ ومعناها - كما تقدّم -: توكيد الحكم، وقد تكون بمعنى (نَعَمْ) 4، كقوله:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبُو ... حِ5 يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ6 قَدْ عَلاَ. ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إنَّهْ7
أي: نعم.
____________________
1 في ب: يوهم.
2 يقصد أنّهما متلازمان؛ لأنّ أحدهما لا يستغنى به عن الآخَر في بنية التّركيب.
3 في ب: هذا.
4 وقد أنكر أبو عُبيد أن تكون (إنّ) بمعنى (نعم) .
يُنظر: غريب الحديث 1/356، 357، والجنى الدّاني 398، والمغني 56.
5 في ب: الصّباح.
6 في ب: شتب؛ وهو تحريف.
7 هذا بيتٌ من مجزوء الكامل، وهو لعبيد الله بن قيس الرّقيّات.
والشّاهدُ فيه: (إنّهْ) حيث جاءتْ (إنّ) بمعنى (نعم) .
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/151، والأصول 2/383، وسرّ صناعة الإعراب 2/492، 516، والأزهيّة 258، وأمالي ابن الشّجريّ 2/65، وشرح المفصّل 8/6، 78، ورصف المباني 200، 204، والجنى الدّاني 399، والمغني 57، 851، والخزانة 11/213، 216، والدّيوان 66.

(2/542)


وقد تكون فعلاً إذا وردت ساكنة بمعنى الأمر، كقولك: (إِنْ) من يَئِنّ.
والمفتوحة تكون بمعنى (لعلّ) ، ومنه قولهم: (إئتِ1 السُّوقَ لأنّكَ تشتري لنا شيئا2) أي: لَعَلّكَ.
وتبدل قيس وتميم3 همزتها عينا، فتقول: (عنّي منطلق) فتقول4 فيها: (إنّ زيدًا عالم) و (حقّقت أنّ خالدًا صديق) و (لَكِنَّ أخاه منطلق) [86/أ] و (كأنّ أباهُ الأسد) و (ليت عبد الله مقيم) و (لعلّ أخاهُ راحلٌ5) .
فهذه6 الحروف [عملت] 7 لَمّا أشبهت الأفعال الماضية في البناء على الفتح؛ ولتضمُّنها ما تضمّنت [من] 8 معانيها؛ وباتّصالها بنون الوقاية الّتي تقي الفعل من الكسر9؛ وهي في ذلك10 على ثلاثة أضرُب:
____________________
1 في كلتا النّسختين: أتيت، والصّواب ما هو مثبت.
2 يُنظر: الكتاب 3/123، والأصول 1/271، وشرح المفصّل 8/78.
3 يُنظر: المفصّل 398، وشرحه 8/78، 79، والمزهر 1/221.
4 في ب: فنقول.
5 في ب: راجل.
6 في ب: هذه.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
(من) ساقطةٌ من أ.
9 يُنظر: الكتاب 2/131، والمقتضب 4/108.
وقال الحريريّ في شرحه على الملحة 236: "وهذه الأحرُف السّتّة لَمّا أشبهت الأفعال الماضية في البناء على الفتح، وفي اتّصال ضمير المتكلِّم بها بنون وبياء، كما يتّصل الفعل، أُجرِيَت مجرى الفعل المتعدّي الّذي يرفع وينصب بفعليّته، إلاّ أنّها تجري مجرى الفعل الّذي تقدّم مفعوله وتأخّر فاعله".
10 أي: في اتّصالها بنون الوقاية.

(2/543)


ضربٌ منها يستوي فيه إثبات النّون وحذفها، وذلك مع (إنّ) و (أنّ) و (لكنّ) 1، تقول: (إنّي قائم) و (إنّني) ، ومنه قولُه تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ} 2، و {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} 3؛ فحجّة مَن أثبت تمسُّكُه بالأصل4؛ وحجّة الحذف اجتماع الأمثال من النّون، فاستُغْنِيَ ببعضها عن البعض5.
واختُلف في المحذوفة:
فقيل: هي الأولى؛ لأنّها لمّا اعتلّت بالسّكون اعتلّت بالحذف6.
____________________
1 وكذلك: (كأنَّ) .
2 من الآية: 14 من سورة طه.
3 من الآية: 12 من سورة طه.
4 "ولأنّها حروف أشبهت الأفعال، وأجريت في العمل مجراها، فلزمها من علامة الضّمير ما يلزم الفعل". شرح المفصّل 3/123.
ويُنظر: شرح الرّضيّ 2/23، والبسيط 2/765، والتّصريح 1/112، والأشمونيّ 1/124.
5 قال ابن يعيش: "وإنّما ساغ حذف النّون منها لأنّه قد كثُر استعمالها في كلامهم، واجتمعت في آخرها نونات؛ وهم يستثقلون التّضعيف؛ ولم تكن أصلاً في لحاق هذه النّون لها، وإنّما ذلك بالحمل على الأفعال؛ فلاجتماع هذه الأسباب سوّغوا حذفها". شرح المفصّل 3/123.
ويُنظر: شرح الرّضيّ 2/23، والبسيط 2/765، والتصريح 1/112، والأشمونيّ 1/124.
6 يُنظر: شرح الجمل لابن با بشاذ ج1/ ق 56 /ب، والارتشاف 1/470، والهمع 1/225، وحاشية يس على التّصريح 1/112، والصّبّان 1/124.

(2/544)


وقيل: إِنَّها الوُسطى؛ لأنّها في محلّ اللاّمات الّتي يلحقها التّغيير غالبا1.
وقيل2: هي الأخيرة3؛ لأنّها الّتي تناهى بها الثّقل4.
الضّرب الثّاني: ما5 الأقيسُ فيه ثبات النّون، والأحسنُ حذفها6؛ وهي (لَعَلَّ) ؛ لأنّ القُرآن العظيم جاء بحذفها من نحو قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} 7، وقد أُلحقت8 النّون9 في ضرورة 10 [86/ ب]
____________________
1 يُنظر: المصادر السّابقة.
2 وهذا قولُ الأكثرين من البصريّين والكوفيّين كما نصّ على ذلك أبو حيّان في الارتشاف 1/470. ويُنظر: المصادر السّابقة.
3 في أ: الاخرة.
4 في أ: النّقل، وفي ب: الفعل؛ وكلتاهُما مُحرّفة؛ والصّواب ما هو مثبَت.
5 في أ: ممّا.
6 قال الرّضيّ في شرح الكافية 2/23 معلِّلاً ذلك: "لاجتماع اللاّمات فيه، وهي مشابهة للنّون، قريبة منها في المَخْرَج، وليس بين الأولى والأخيرتين إلاّ حرفٌ واحد - أعني العين -، ولأنّ من لغاتها: لعنّ".
وفي التّصريح 1/111: "لأنّها شبيهة بحروف الجرّ في تعليق ما بعدها بما قبلها، كما في قولك: تُبْ لعلّك تُفلح".
ويُنظر: شرح المفصّل 3/123، وشرح التّسهيل 1/137، وابن النّاظم 69، والملخّص 236، والأشمونيّ 1/124.
7 من الآية: 36 من سورة غافر.
8 في أ: التحقت.
9 في كلتا النّسختين: بالنّون؛ والصّواب ما هو مثبت.
10 والشّارح متابِعٌ في هذا ابن النّاظم.
أمّا ابن مالك والأكثرون فيرون أنّ الأكثر (لعلّي) بلا نون، والأقلّ (لعلّني) .
يُنظر: شرح التّسهيل 1/137، وابن النّاظم 69، والارتشاف 1/471، وأوضح المسالك 1/81، والتّصريح 1/111، والأشمونيّ 1/123، 124.

(2/545)


الشّعر، كقول الشّاعر:
فَقُلْتُ: أَعِيْرَانِي الْقَدُومَ لَعَلَّنِي ... أَخُطُّ بِهَا قَبْرًا لأَبْيَضَ مَاجِدِ1
الضّرب الثّالث2: ما3 الأقيس فيه [حذف النّون] 4، والأحسن إثباتُها؛ وهي (ليت) 5، كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيما} 6؛
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لِمُدْرِك بن حصْن الأسديّ.
و (القَدُوم) : الآلة الّتي ينجر بها الخشب. و (أخطُّ) : أَنْحَتُ. و (قبرًا) المُراد: جفن السّيف وقُرابه. و (أبيض ماجد) : سيف صقيل.
والشّاهد فيه: (لعلّني) حيث جاء بنون الوقاية مع (لَعَلَّ) ؛ وهو ضرورة عند الشّارح، وقليلٌ عند أكثر النُّحاة.
يُنظر هذا البيت في: كنز الحفّاظ 1/292، وشرح التّسهيل 1/137، وابن النّاظم 69، وتخليص الشّواهد 105، وابن عقيل 1/108، والمقاصد النّحويّة 1/350، والهمع 1/224، والأشمونيّ 1/124، والدّرر 2/212.
2 في أ: الثّاني، وهو سهو.
3 في أ: ممّا.
4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
5 قال ابن النّاظم 69: "واستأثرت (ليت) بلزومها في الغالب إلحاق النّون قبل ياء المتكلّم تنبيها على مزيّتها على أخواتها في الشّبه بالفعل إذْ كانت تغيّر معنى الابتداء، ولا يتعلّق ما بعدها بما قبلها".
ويُنظر: شرح المفصّل 3/123، وشرح التّسهيل 1/136، 137، وشرح الرّضيّ 2/23، والبسيط 2/765، والتّصريح 1/111، والأشمونيّ 1/123.
6 من الآية: 73 من سورة النّساء.

(2/546)


لأنّه لم يجتمع فيه الأمثال، ولا1 المتقاربة؛ فلم يأت الحذف إلاّ في الشّعر، ومنه قولُه2:
كَمُنْيَةِ جَابِرٍ إِذْ قَالَ لَيْتِي ... أُصَادِفُهُ وَأَفْقِدُ بَعْضَ مَالِي3
وهذا نادر4.
وَإِنَّ بِالْكَسْرَةِ أُمُّ الأَحْرُفِ ... تَأْتِي مَعَ الْقَوْلِ وَبَعْدَ الحَلِفِ
وَاللاَّمُ تَخْتَصُّ بِمَعْمُولاَتِهَا ... ليستبين فضلها في ذاتها
____________________
1 في أ: ولا المقارنة.
2 في ب: قول.
3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لزيد الخيل.
و (جابر) : رجل من غطفان تمنّى أن يلقى زيدًا ليقتُله كما تمنّى قبله مزيد أن يلقى زيدًا، فتشابهت مناهما.
والشّاهد فيه: (ليتي) حيث حذف نون الوقاية عن (ليت) على النُّدرة.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/370، ونوادر أبي زيد 68، والمقتضب 1/250، ومجالس ثعلب 1/106، وسرّ صناعة الإعراب 2/550، وشرح المفصّل 3/123، والمقرّب 1/108، وشرح التّسهيل 1/136، وابن النّاظم 68، وشرح الرّضيّ 2/23، والدّيوان 137.
4 والشّارح متابِعٌ في هذا ابن النّاظم.
وعند سيبويه وغيره ضرورة، وعند الفرّاء يجوز (ليتي) و (ليتني) .
يُنظر: الكتاب 2/370، وشرح المفصّل 3/123، 124، وابن النّاظم 68، وشرح الرّضيّ 2/23، والارتشاف 1/471، وأوضح المسالك 1/81، والتّصريح 1/111، والأشمونيّ 1/123.
5 في ب: من.

(2/547)


مِثَالُهُ: إِنَّ الأَمِيرَ عَادِلُ ... وَقَدْ سَمِعْتُ: أَنَّ زَيْدًا رَاحِلُ
وَقِيلَ: إِنَّ خَالِدًا لَقَادِمُ ... وَإِنَّ هِنْدًا لأَبُوهَا عَالِمُ
قال شيخُنا1- رحمه الله -: "المواضع الّتي يجب فيها كسر (إنّ) ستّة2:
الأوّل: أن يبتدأ بها الكلام مستقلاًّ، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 3، [أو] 4 مبنيا5 على ما قبله، نحو: (زيدٌ إنّه منطلق) ، قال الشّاعر:
مِنَّا الأَنَاةُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَحْسِبُنَا ... إِنَّا بِطَاءٌ وَفِي إِبْطَائِنَا سَرَعُ6
____________________
1 هو ابن النّاظم - رحمه الله -.
وهذا الكلامُ منقولٌ من شرحه على الألفيّة 163 وما بعدها؛ بتصرّف.
2 وهُناك مواضع أُخرى يجب فيها كسر همزة (إنَّ) ؛ منها:
أن تقع تالية ل (حيث) ، نحو: (جلستُ حيث إنّ زيدًا جالس) .
أو ل (إذ) ، نحو: (جئتك إذ إنّ زيدًا أميرٌ) .
أو تقع صفة لاسم عين، نحو: (مررت برجلٍ إنّه فاضل) .
أو خبرًا عن اسم ذات، نحو: (زيد إنّه فاضل) .
يُنظر: أوضح المسالك 1/241، والتّصريح 1/215، 216، والهمع 2/166، والأشمونيّ 1/274.
3 سورة الكوثر، الآية: 1.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في أ: مبيناً.
6 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لوضّاح بن إسماعيل اليشكريّ.
و (الأناة) : التّأنّي والتّمهّل في الأمور. و (بطاء) : من البطء وهو عدمُ التّسرّع. و (سرع) بمعنى: السّرعة.
والشّاهد فيه: (إنّا بطاء) حيث كسر همزة (إنّ) ؛ لأنّ (إنّ) وإن لم تقع في أوّل الكلام حقيقة لكنّ الكلام الّذي به (إنّ) مبنيّ على ما قبله.
يُنظر هذا البيت في: شرح الحماسة للمرزوقيّ 2/647، وشرح الحماسة للتّبريزيّ 1/262، وشرح عمدة الحافظ 1/226، وابن النّاظم 163، والجنى الدّاني 407، وتخليص الشّواهد 344، والمقاصد النّحويّة 2/216.

(2/548)


الثّاني: أنْ تكون1 [أوّل] 2صلة، كقولك: (جاءني الّذي إنّه شُجاع) ، ونحوه3 قولُه تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} 4. [87/أ]
[واحتُرز بكونها أوّل الصّلة من نحو: (جاء الّذي عندك أنّه فاضل) ، ومن نحو] 5 قولهم6: ( [لا] 7أفعله ما أنّ في السّماء نجما) ؛ لأنّ تقديره: ما ثبت أنّ8 في السّماء نجما.
الثّالث9: أن يتلقّى بها القسم، كقوله: {حَم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} 10.
____________________
1 في ب: يكون.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 في أ: ونحوه.
4 من الآية: 76 من سورة القصص.
5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من ابن النّاظم 164.
6 في كلتا النّسختين: ومنه قولهم، والتّصويب من ابن النّاظم 164.
(لا) ساقطٌة من أ.
8 في أ: ما ثبت أنّ في السّماء نجما، تقديره.
9 في أ: هذه الكلمة في غير موضعها؛ وهو انتقال نظرٍ من النّاسخ؛ حيث وردتْ هكذا: الثّالث: ما ثبت أنّ في السّماء نجما، تقديره: أن نتلقّا بها القسم
10 الآيتان: 1، 2، وبعض الآية: 3 من سورة الدّخَان.

(2/549)


الرّابع: أن يحكى بها القول؛ وهو: مجرّدًا من معنى الظّنّ، لقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} 1؛ [واحترزت بـ] 2 تجريده من معنى الظّنّ، من نحو: (أتقولُ أنّك فاضل) .
الخامس: أنْ تقع موقع الحال، نحو: (زرتُكَ وإنّي ذو أمل) كأنّك قلتَ: زُرته آملاً.
السّادس: أنْ تقع بعد فعل معلّق3 باللاّم، نحو: (علمت إنّه لذو أمل) ٍ فلولا اللاّم لكانت (إنّ) مفتوحة؛ لكونها وما عملت فيه تقدّر4 بمصدرٍ منصوب بـ (علمت) ؛ فدخلت اللاّم فعلّقت الفعل عن العمل، كما قال تعالى: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} 5.
وكسر (إِنَّ) في الخمسة الأولى6 واجب7؛ لأنَّها مواضع الجمل ولا يصحّ فيها وُقوع المصدر".
وتدخُلُ لام التّاكيد على معمول (إنّ) 8؛ وذلك إنّها9 و (إنّ)
____________________
1 من الآية: 30 من سورة مريم.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من ابن النّاظم 164.
3 في كلتا النّسختين: متعلّق، والتّصويب من ابن النّاظم 165.
4 في أ: يقدر.
5 من الآية: 1 من سورة المنافقون.
6 في ب: الأوّل.
7 وكذلك الحالة السّادسة كسر (إنّ) فيها واجب؛ وقد نصّ على ذلك ابن النّاظم 165.
8 دون سائر أخواتها. الجمل 53.
9 في أ: إنّ. والضّمير في إنّها: راجعٌ إلى لام التّأكيد.

(2/550)


معناهما التّأكيد؛ فلزم الفصل بينهُما كيلا يجمع1بين حرفين متّفقي المعنى؛ فإذا [ادخلوا (إنّ) على المبتدأ] 2 ادخلوا اللاّم على الخبر، كقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} 3؛ فإن أُخِّر الاسم [وحلّ في محلّ الخبر] 4، وفصل بينه وبين (إنّ) بجارّ ومجرور أو ظرفٍ5 [أُدخلت اللاّم على الاسم، كقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً} 6.
وإن فصل بين اسم (إنّ) والخبر بجارّ ومجرور أو ظرفٍ] 7؛ جاز إدْخالُ اللاّم على الفاصل8 وعلى الخبر9، تقول: (إنّ زيدًا لَبِكَ10 واثق11) ، ونحوه12 قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 13. [87/ب]
____________________
1 في كلتا النّسختين: يتوالى؛ والصّواب ما هو مثبَت.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 من الآية: 6 من سورة الرّعد.
4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. يُنظر: شرح الملحة 238.
5 في أ: بظرفٍ. ومثالُه: (إنّ عندك لزيدًا) ؛ وهما الخبران إذْ لا يتقدّم الخبر إلاّ وهو أحدُهما. يُنظر: المقتصد 1/454، 455.
6 من الآية: 8 من سورة الشّعراء.
7 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. يُنظر: شرح الملحة 238.
8 في أ: على الفاعل، وهو تحريف.
9 في أ: والخبر.
10 في أ: إليك، وهو تحريف.
11 ويجوز: (إنّ زيدًا لبك لواثق) ، ويجوز: (إنّ زيدًا بك لواثق) .
يُنظر: شرح الملحة 238.
12 في ب: ونحو.
13 سورة القلم، الآية: 4.
وإيرادُ الشّارحِ لهذه الآية هُنا سهو؛ وإنما يكون عند الحديث على أنّ الخبر تدخُل عليه اللاّم بثلاثة شروط: كونه مؤخّرًا، ومثبتا، وغير ماض؛ سواءً كان مفرَدًا، أو ظرفا، أو شبهه، وهُنا شبيهٌ بالظّرف.

(2/551)


ولا يجوز: (لإنّ زيدًا منطلقٌ) - بفتح اللاّم وكسر إنّ -، ولا: (إنّ لزيدًا منطلق) لئلاَّ يجمع بين حرفين مؤكّدين -كما تقدّم -.
وتُكسر بعد (حَتَّى) الّتي يبتدأ بها الكلام؛ فتقول1: ( [قد] 2 قال القومُ ذلك حتَّى إنّ زيدًا يقولُه) وهي بعد العاطفة، والجارّة مفتوحة3.
وأمّا مواضع المفتوحة4:
فهي تفتح إذا وقعت موقع الفاعل، كقولك: (أعجبني أنّك قائم) ، أو موقع المفعول، كقولك: (كرهت أنّك ذاهب) أو مجرورة 5،
____________________
1 في أ: تقول.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 نحو: (عرفتُ أُمورك حتى أَنّك فَاضِلٌ) إنْ جعلت (حتّى) حرف جرٍّ بمعنى (إلى) ، ف (أنّ) ومعمولاها في موضع جرٍّ بها، أي: عرفتُ أمورك إلى فضلك.
وإنْ جعلت عاطفة كانت هي وما بعدها في موضع نصبٍ عطفا على (أمورك) ، أي: عرفت أمورك وفضلك.
4 قال ابن مالكٍ في شرح الكافية الشّافية 1/482: " (إنّ) - بالكسر - هي الأصل؛ لأنّ الكلام معها جملة غير مؤوّلة بمفرد. و (أنّ) - بالفتح - فرعٌ؛ لأنّ الكلام معها جملة في تأويل مفرد".
5 سواءً كانت مجرورة بالحرف - كما مثّل -، أو مجرورة بالإضافة، نحو: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذّاريات: 23] .

(2/552)


كقولك: (عجبت من أنّك قائم) ؛ لأنّها في هذه المواضع واقعة موقع المصدر، مختصّةٌ بالاسم؛ لتقدير: أعجبني قيامك، وكرهت ذهابك، وعجبت من قيامك.
وكذلك1 تُفتح بعد (لو) و (لولا) ، نحو: (لو أنّك عرفتني لساعدتّك) ، ومنه قولُه تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} 2 لاختصاصها بالفعل؛ و (لولا أنّك خرجت لساعدتّك) لاختصاصها بالاسم3.
والموضع الّذي يجوز [فيه] 4 الكسر والفتح؛ فيكونُ5 على تأويلين، [88/أ]
____________________
1 في ب: ولذلك.
2 من الآية: 27 من سورة لقمان.
3 وهُناك مواضع أُخرى يجب فيها الفتح؛ منها:
أنْ تقع نائبة عن فاعل، نحو: {قُلْ أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} [الجنّ:1] ؛ أو مبتدأً، نحو: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ} [فصّلت:39] ، أو خبرًا عن اسم معنىً غير قول، ولا صادق عليه خبرُها، نحو: (اعتقادي أنّه فاضل) .
أو معطوفة على شيء من ذلك، نحو: {اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُم} [البقرة:122] .
أو مبدلةً من شيء من ذلك، نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال:7] .
يُنظر: شرح المفصّل 8/59، وشرح التّسهيل 2/21، والارتشاف 2/140، وأوضح المسالك 1/242، والتّصريح 1/216، والأشمونيّ 1/273.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 في ب: فتكون.

(2/553)


مثالُ ذلك: (سَأَلْتُ عنه فإذا أنَّهُ عبد) و (إذا إنَّهُ عبد) 1؛ فمن فَتح أراد العبوديّة نفسها، ومَن كسر أراد العبد نفسه؛ تقدير الفتح: مشاهدة [نفس] 2 المعنى الّذي هو الخدمة، وتقدير الكسر: مشاهدة الشّخص نفسه على غير صفة العمل؛ ففتحت موضع المفرد3، وكسرت موضع الجملة، تقديره4: فإذا هو عبد.
ومن ذلك: (أوّل ما أقول: أنّي أحمد الله) و (إِنِّي) 5 [- بالفتح والكسر -،فتقدير الفتح: أَوّلُ قَوْلِي] 6 حَمْدُ7 الله فهو هو؛ وإذا كان كذلك فهو المبتدأ8 في المعنى، والمبتدأ يختصّ بالاسم؛ فلذلك فُتحت.
وتقدير الكسر مستنبط لا من اللّفظ لأنّه لا خبر معنا حيث كانت مكسورة متّصلة بالقول؛ فإذا لم يكن في اللّفظ صَلَحَ أن يقدّر بالثّبات
____________________
1 في ب: عنه، وهو تحريف.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 والتّقدير: فإذا العبوديّة موجودة؛ بجعلها وما بعدها مبتدأ محذوف الخبر. ينظر ابن النّاظم 165.
4 في أ: لتقديره.
5 ضابطُ ما يجوز فيه الوجهان من هذا النّوع: أن تقع خبرًا عن قول، ومخبرًا عنها بقول، والقائل واحد.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 1/488، وابن النّاظم 167، وأوضح المسالك 1/246.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 في أ: أحمد الله.
8 في أ: المتبدى.

(2/554)


والوُجود حسب ما تدلّ عليه الحال؛ وتلخيصُه: أوّل ذلك ثابت؛ فالتّأويلان مختلفان معنىً وإعرابا1.
فإنْ عطف2 على اسم (إِنَّ) فحقّ المعطوف النّصب، نحو: (إنّ زيدًا وعمرًا في الدّار) - بالنّصب -، قال الرّاجز:
إِنَّ الرَّبِيْعَ الْجَوْنَ وَالْخَرِيفَا ... يَدَا أَبِي الْعَبَّاسِ وَالصُّيُوفَا3
____________________
1 وهُناك مواضع أُخرى غير هذين الموضعين يجوز فيها الوجهان؛ منها:
أنْ تقع بعد فاء الجزاء، نحو: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54] ؛ فالكسر على معنى فهو غفورٌ رحيم، والفتح على معنى فالغفران والرّحمة حاصلان، أو: فالحاصل الغفران والرّحمة.
وأن تقع بعد واوٍ مسبوقةٍ بمفرد صالح للعطف عليه، نحو: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيْهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيْهَا وَلاَ تَضْحَى} [طه:118] قرأ نافعٌ وأبو بكر بالكسر إمّا على الاستئناف، أو بالعطف على جملة (إنّ) الأولى؛ والباقون بالفتح بالعطف على {أَلاَّ تَجُوعَ} .
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 1/485، وابن النّاظم 165، وأوضح المسالك 1/242، والتّصريح 1/218، والأشمونيّ 1/275.
2 في ب: عطفت.
3 هذا بيتٌ من الرّجز، وهو لرؤبة بن العجّاج.
وأراد بالرّبيع، والخريف، والصّيوف - وهو جمع صيف -: أمطارهنّ. و (الجون) : الأسود، والمُراد: سواد سحابه، كنايةً عن كثرة مائه؛ لأنّ السّحابة إنّما توصف بالسّواد إذا كانت حافلة بالماء؛ ويروى في مكانه (الجود) : وهو المطر الغزير.
وأبو العبّاس هو: الخليفة العبّاسي، الملقّب بالسّفّاح.
والشّاهدُ فيه: (والخريفا، والصّيوفا) حيث عطفهما بالنّصب على (الرّبيع) الّذي هو اسم (إنّ) .
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 2/145، والمقتضب 4/111، وشرح الكافية الشّافية 1/510، وابن النّاظم 175، وأوضح المسالك 1/251، والمقاصد النّحويّة 2/261، والتّصريح 1/226، والهمع 5/285، وملحقات ديوان رؤبة 179.

(2/555)


وقد يرفع على محلّ [اسم] 1 (إنّ) في الابتداء؛ وذلك إذا جاء بعد اسمها وخبرها، [88/ب] ومنه قولُالشّاعر:
إِنَّ النُّبُوَّةَ وَالْخِلاَفَةَ فِيهُمُ ... وَ2 المَكْرُمَاتُ وَسَادَةٌ أَطْهَارُ3
ويجوز أن تخفّف (أنّ) المفتوحة فلا4تلغى، ولا يظهر اسمها إلاَّ لضرورة، كقوله:
لَقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ وَالمُرْمِلُونَ ... إِذَا اغْبَرَّ أُفْقٌ وَهَبَّتْ شَمَالاَ
بِأَنْكَ رَبِيعٌ وَغَيْثٌ مَرِيعٌ ... وَأَنْكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثِّمَالاَ5
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. يُنظر: ابن النّاظم 175.
2 في ب: فالمكرمات.
3 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لجرير، من قصيدة يمدح بها بني أُميّة، ويصفُهم بالفضائل والخصائل المحمودة.
والشّاهد فيه: (والمكرمات) حيث رفع (المكرمات) حَمْلاً على محلِّ (إنّ) واسمها؛ وهو الرّفع على الابتداء.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/145، وشرح المفصّل 8/66 - وفيهما قُدِّم (الخلافة) على (النّبوّة) -، وابن النّاظم 175، وتخليص الشّواهد 369، والمقاصد النّحويّة 2/263؛ ولم أجده في ديوانه.
4 في ب: ولا.
5 هذان بيتان من المتقارِب، يُنسبان لكعب بن زُهير، وقيل: لجنوب بنت العجلان - أخت عمرو ذي الكلب -، وقيل: لعمرة بنت العجلان - أخت عمرو ذي الكلب -.
و (المرملون) : الفقراء؛ من أرمل القوم: إذا نفد زادهم. و (المريع) : الواسع. و (الثّمال) : الغياث، يُقال: فلانٌ ثمال قومه، أي: غياثٌ لهم يقوم بأمرهم.
والشّاهد فيهما: (بِأَنْكَ ربيع) و (وأنْك هُناك) حيث صرّح باسم (أنّ) المخفّفة في الموضعين لأجل الضّرورة؛ فأخبر عن الأول بالمفرد، وعن الثّاني بالجملة.
يُنظر هذان البيتان في: معاني القرآن للفرّاء 2/90، وديوان الهذليّين 3/122، وشرح أشعار الهذليّين 2/585، والأزهيّة 62، وأمالي ابن الشّجريّ 3/153، والإنصاف 1/207، وشرح المفصّل 8/75، وشرح الكافية الشّافية 1/496، وابن النّاظم 180، وأوضح المسالك 1/265، والمقاصد النّحويّة 2/282.

(2/556)


ولا يجيء خبرها إلاّ جملة؛ إمّا اسميّة، وإمّا مصدّرة1 بفعل مضمّن دعاء2.
____________________
1 في أ: مصدريّة.
2 كقراءة نافع: {وَالْخَامِسَةَ أَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النّور:9] ، وإمّا غير متصرّف، نحو: {وَأَن لَّيسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [النّجم:39] ، وإمّا متصرّف مفصول من (أن) ب (قد) ، نحو: (علمتُ أنْ قدْ قام زيدٌ) ، أو حرف نفيٍ، نحو: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة:3] ، أو حرف تنفيس، نحو: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى} [المزّمّل: 20] ، أو (لو) ؛ وقلَّ مَن ذكر كونها فاصلة من النّحويّين، ومنه قولُه تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجنّ:16] .
يُنظر: شرح المفصّل 8/74، وشرح التّسهيل 2/41، 42، وشرح الكافية الشّافية 1/497، وابن النّاظم 181، والارتشاف 2/152، 153، وأوضح المسالك 1/266، والتّصريح 1/232.

(2/557)


فالاسميّة كقوله:
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ1
والمصدّرة بالفعل كقولك: (وبعد أَنْ أحسن الله إليك إنْ كنتَ مطيعَه) .
____________________
1 هذا بيتٌ من البسيط، وهو للأعشى الكبير.
والنّحويّون أوردوه على ما ذكر الشّارح، والّذي ثبت في ديوانه في عجز البيت:
أَنْ لَيْسَ يَدْفَعُ عَن ذِي الْحيلَةِ الحِيَلُ
وأمّا العجز الّذي أوردوه فليس فيه من كلام الأعشى إلاّ قوله: (يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ) فإنّه عجُز بيتٍ آخر من القصيدة؛ وهو:
إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لاَ نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
والمعنى: هم بين فتية كالسّيوف الهنديّة في مضائهم وحدّتهم، وأنّهم موطِّنون أنفسهم على الموت موقنون به؛ لأنّهم قد علِموا أنّ الإنسان هالكٌ سواءٌ كان غنيا أو فقيرًا.
والشّاهد فيه: (أنْ هالكٌ) حيث خفّفت (أنّ) وحذف اسمها، والتّقدير: أنه هالك؛ وجاء خبرها جملة اسميّة (كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ هَالِكٌ) ، فـ (هَالكٌ) خبر مقدّم ل (كُلُّ) .
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 2/137، والمقتضب 3/9، والخصائص 2/441، وأمالي ابن الشّجريّ 2/178، والإنصاف 1/199، وشرح المفصّل 8/71، وشرح الكافية الشّافية 1/497، وابن النّاظم 181، وتخليص الشّواهد 382، والمقاصد النّحويّة 2/287، والخزانة 8/390، والدّيوان 59.

(2/558)


وقد يأتي بعدها الماضي مفصولاً1ب (قد) ، كقولك: (علمت أَنْ قد [قام] 2) .
والمضارع مفصولاً3بحرف تنفيس، كقوله تعالى: { [عَلِمَ] 4 أَن سَيَكُونُ مِنْكُم مَّرْضَى} 5، ورُبّما جاء الفعل غير مفصول6، كقول الشّاعر:
عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلونَ فَجَادُوا ... قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ7
[89/أ]
وَلاَ تُقَدِّمْ خَبَرَ الْحُرُوْفِ ... إِلاَّ مَعَ الْمَجْرُورِ وَالظُّرُوفِ
كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ لِزَيْدٍ مَالاَ ... وَإِنَّ عِنْدَ عَامِرٍ جِمَالاَ
____________________
1 في كلتا النّسختين: موصولاً، والصّواب ما هو مثبَت.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 في كلتا النّسختين: موصولاً، والصّواب ما هو مثبت.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 من الآية: 20 من سورة المزّمّل.
6 في أ: موصول.
7 هذا بيتٌ من الخفيف، ولم أقف على قائله.
والشّاهد فيه: (أَنْ يُؤمّلون) حيث استعمل فيه أَنْ) المخفّفة من الثّقيلة وأعملها في الاسم الّذي هو ضمير الشّأن المحذوف، وفي الخبر الّذي هو جملة (يؤمَّلون) ، ومع أنّ جملة الخبر فعليّة فعلها متصرّف غير دعاء، ولم يأت بفاصل بين (أنْ) وجملة الخبر.
يُنظر هذا البيت في: شرح الكافية الشّافية 1/500، وابن النّاظم 182، والجنى الدّاني 219، وتخليص الشّواهد 383، وابن عقيل 1/355، والمقاصد النّحويّة 2/294، والتّصريح 1/233، والهمع 2/187، والأشمونيّ 1/292.

(2/559)


هذه الحروف لا يجوز تقديم أخبارها، ولا أسمائها [عليها] 1؛ لأنّها لَمّا لم تتصرّف في أنفسها لم تتصرّف في عملها؛ فلذلك لا يجوز: (زيدًا إنّ قائم) [ولا (قائم] 2 إنّ زيدًا) ؛ فإن أتيت بضميره جاز، كقولك: (زيدٌ إنّه قائم) .
وأخبارها لم تقدّم3على أسمائها إلاّ أن تكون ظروفا، أو جارًّا ومجرورًا4؛ فإنّه يجوز التّقديم والتّأخيرُ ما لم يمنع مانع؛ وقيل: إنّ ذلك لا يخلو من ثلاث مسائل:
الأولى: لا يكون5الظّرف فيها إلاّ مقدَّما6؛ مثل: (إنَّ قدّام زيد أباه) ، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً} 7.
الثّانية: لا يكون الظّرف [فيها] 8 إلاَّ مؤخّرًا9؛ مثل: (إنّ زيدًا لقدّامك) .
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 في أ: تتقدّم.
4 في كلتا النّسختين: أو مجرورًا، والصّواب ما هو مثبَت.
5 في أ: لا تكون الظّروف.
6 حتى لا يعود الضّمير على متأخّر لفظا ورُتبة، لكون الاسم متّصلاً بضمير يعود على شيءٍ في الخبر.
يُنظر: ابن النّاظم 162، والتّصريح 1/175، 214.
7 من الآية: 12 من سورة المزّمّل.
8 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
9 لوُجود لام الابتداء، وشرطُها في الخبر: أن يتأخّر عن الاسم.
يُنظر: التّصريح 1/222.

(2/560)


الثّالثة: يجوز فيها الأمران؛ نحو: (إنَّ عِنْدَك زيدًا) و (إنَّ زَيْدًا عِنْدَكَ) ؛ وتقديم1 الظّرف أجود.
وكذلك الجارّ والمجرور، نحو: (إنَّ زيدًا لفي الدّار) و (إنَّ في الدّار لزيدًا) .
وعلّة جواز تقديم ذلك: أنّ العرب [89/ ب] قد اتّسعت في الظّروف وحروف الجرّ اتّساعًا لم تتّسع2 مثله في غيرها؛ بدليل أنَّهم فصلوا بهما3 بين المضاف والمضاف إليه، كقول الشّاعر:
لِلَّهِ - دَرُّ الْيَوْمَ - مَنْ لاَمَهَا4
ففصل بالظّرف.
وقال الآخر:
كَأَنَّ أَصْوَاتَ - مِنْ إِيْغَالِهِنَّ بِنَا - ... أَوَاخِرِ المَيْسِ أَصْوَاتُ الْفَرَارِيجِ5
____________________
1 في أ: وتقدّم.
2 في أ: يتّسع.
3 في أ: بها.
4 هذا البيتُ تقدّم تخريجه في ص 279.
والشّاهد فيه هُنا: (درّ اليوم من لامها) ، حيث فصل بين المضاف (درّ) والمضاف إليه (من لامها) بالظّرف (اليوم) .
5 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لذي الرُّمّة.
و (مِن) للتّعليل. و (الإيغال) : الإبعاد؛ تقولُ: أوغل في الأرض: إذا أبعد فيها؛ والضّمير يعود إلى الإبل. و (الأواخر) : جمع آخرة الرّحل؛ وهي: العود الّذي يستند إليه الرّاكب. و (المَيْس) - بالفتح - شجر يتّخد منه الرّحال والأقتاب. و (الفراريج) : جمع فرّوج، وهو: الصّغير من الدّجاج.
والمعنى كما قال البغداديّ في الخزانة 4/413: "يريد أنّ رحالهم جديدة، وقد طال سيرُهم فبعض الرّحل يحكّ بعضا، فيحصل مثل أصوات الفراريج من اضطّراب الرِّحال لشدّة السّير".
والشّاهد فيه: (كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا أواخر) حيث فصل بين المضاف (أصوات) والمضاف إليه (أواخر) بالجارّ والمجرور (من إيغالهنّ بنا) .
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/179، والمقتضب 4/376، وسرّ صناعة الإعراب 1/10، والإنصاف 2/433، وشرح المفصّل 1/103، وشرح الكافية الشّافية 2/980، وشرح الرّضيّ1/293، ورصف المباني 153، والخزانة 4/108، والدّيوان 2/996.

(2/561)


وإذا ثبت1 هذا كان في باب (إنَّ) وأخواتها المشبّهات بالأفعال أحرى؛ فلذلك جاز: (إنَّ عِنْدَك زيدًا) و2 (لعلّ له عُذرًا) إلاّ أنّ ههنا سرًّا وهو: أنّ الاستقرار العامل في الظّرف مقدّر3 في مثل هذا آخِرًا لا أوّلاً؛ فهذا4 أوجُه الاتّساع المقدّر في الظّرف.
وَإِنْ تَزِدْ (مَا) بَعْدَ هَذِى الأَحْرُفِ ... فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ أُجِيزَ فَاعْرِفِ
وَالنَّصْبُ فِي لَيْتَ5 وَعَلّ أَظْهَرُ ... وَفِي كَأَنَّ فَاسْتَمِعْ مَا يُؤْثَرُ
____________________
1 في أ: اثبتّ.
2 في ب: أو.
3 في أ: يقدر.
4 في أ: فهذه.
5 في متن الملحة 33، وشرح الملحة 239: وَالنَّصْبُ فِي لَيْتَ لَعَلَّ.

(2/562)


(ما) تدخُل على هذه الحروف فتكفّها عن العمل؛ فهي إمّا الكافّة، وإمّا الزّائدة1؛ ومنه2 قولُه تعالى: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهُ وَاحِدٌ} 3. [90/أ]
وهي إذا كانت مَعَ (إنّ) و (أنَّ) و (لَكِنَّ) فالأحسن الأقيس إبطال عملها، وجعل (ما) كافّة4؛ واختير الرّفع في هذه الثّلاثة؛ لأنّ معنى الابتداء لا يتغيّر فيها، ويتغيّر في الثّلاثة الأُخر5.
فإن دخلت على (ليت) و (لعلّ) و (كأنّ) كان6 الأقيس إعمالُ هذه الحروف، وجعل (ما) زائدة7؛ لأنّ هذه الحروف لَمّا
____________________
1 في ب: أو الزّائدة.
2 في ب: كقوله.
3 من الآية: 171 من سورة النّساء.
4 وقد أجاز أبو القاسم الزّجّاجيّ، ووافقه الزّمخشريّ وابن مالكٍ أنْ تكون (ما) معهنّ زائدة؛ فأجاز أن تقول: (إنّما زيدًا قائمٌ) و (لكنّما عمرًا شاخصٌ) لأنّهنّ كلّهنّ أخوات، فيجرين في اللّفظ مجرى واحداً.
يُنظر: الجمل 304، والمفصّل 424، وشرح المفصّل 8/133، وشرح الجمل 1/433، وشرح التّسهيل 2/38، وشرح عمدة الحافظ 2/232، والملخّص 245، والارتشاف 2/157، والتّصريح 1/225، والهمع 2/191.
5 لأنّه يستحيل الكلام في (كأنّما) إلى تشبيه، وفي (ليتما) إلى تمنّ، وفي (لعلّما) إلى ترجّ. شرح الملحة 240.
6 في ب: فإن.
7 هذا مذهب الزّجّاج، وابن السّرّاج، وابن أبي الرّبيع؛ وهو: أنّه يجوز في هذه الثّلاثة خاصّة.
يُنظر: الأصول 1/232، وشرح الجمل 1/433، وشرح التّسهيل 2/38، وشرح عمدة الحافظ 1/233، والملخّص 244، والارتشاف 2/157، والتّصريح 1/225، والهمع 2/191، والأشمونيّ 1/284.

(2/563)


كانت تغيّر اللّفظ والمعنى قوي شبهها بالأفعال، وضعُف إبطال عملها؛ وعلى هذا أنشدوا1 بيت النّابغة؛ وهو:
قَالَتْ أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامَ لَنَا ... إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ2
وقد يجوز الرّفع.
ولقوّة شبهها بالأفعال عملت في الأحوال؛ وقيل: إنّ الإعمال يجوز ل (ليت) دون أخواتها3.
____________________
1 في ب: أُنْشِدَ.
2 هذا بيتٌ من البسيط؛ وهو للنابغة الذّبيانيّ.
و (فَقَدِ) أي: حَسْبي.
والشّاهدُ فيه: (الحمام) يروى بالنّصب على الإعمال، وبالرّفع على الإهمال.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/137، والأصول 1/233، ومعاني الحروف للرّمّانيّ 89، واللّمع 303، والأزهيّة 89، والإنصاف 2/479، وشرح المفصّل 8/58، والمقرّب 1/110، وشرح الكافية الشّافية 1/480، وابن النّاظم 174، والدّيوان 24.
3 ونسب أبو حيّان هذا القولَ في الارتشاف إلى سيبويه والأخفش والفرّاء؛ وعقّبه بقوله: ((وصحّحه أكثرُ أصحابنا)) . الارتشاف 2/157.
والعلّة في ذلك: أنّ اتّصال (ما) بها لم يزل اختصاصها بالأسماء، بخلاف أخواتها؛ فإنّ اتّصال (ما) بها أزال اختصاصها بالأسماء، فاستحقّت (ليتما) بقاء العمل دون (إنّما) و (كأنّما) و (لكنّما) و (لعلّما) .
يُنظر: الكتاب 2/137، 3/129، 4/221، ومعاني القرآن للفرّاء 2/186، وشرح الجمل 1/434، وشرح التّسهيل 2/38، وابن النّاظم 173، وابن عقيل 1/342، والتّصريح 1/225، والهمع 2/189، والأشمونيّ 1/284.

(2/564)


وروى ابنُ بَرْهَان1: "أَنَّ الأخفش رَوَى: إنَّما زَيْدًا2 قَائِمٌ، وعزاه إلى الكسائيّ". وهو غريب3.
والحروف تُذكّر وتُؤنّث؛ بدليل قول الشّاعر في التّأنيث:
................................... ... كَمَا بُيِّنَتْ4 كَافٌ تَلُوحُ وَمِيْمُهَا5
____________________
1 شرح اللّمع 1/75.
وابن بَرْهَان هو: أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن بَرهان العُكبريّ النّحويّ: كان من العلماء القائمين بعلوم كثيرة؛ منها: النّحو، واللّغة، ومعرفة النّسب، والحفظ لأيّام العرب وأخبار المتقدِّمين؛ وله أُنْس شديد بعلم الحديث؛ توفّي سنة (450هـ) .
يُنظر: نزهة الألبّاء 259، وإنباهُ الرُّواة 2/213، وإشارة التّعيين 199، وبُغية الوُعاة 2/120.
2 في أ: زيدٌ، وهو سهوٌ من النّاسخ.
3 كان هذا النّقل غريباً عند الشّارح؛ لأنّه يرى أنّ الأقيَس إبطال عملها، وجعل (ما) كافّة.
وهو متابِعٌ - في غرابته لهذا النّقل - شيخه ابن النّاظم - رحمه الله -. شرح الألفيّة 174.
وقال ابن عقيل: ((وأمّا ما حكاه الأخفش والكسائيّ فشاذّ)) . شرح الألفيّة 1/343.
4 في كلتا النّسختين: بنيت، وهو تحريف؛ والصّواب ما هو مثبَت.
5 هذا عجُز بيتٍ من الطّويل، وصدُره:
أَهَاجَتْكَ آياتٌ أَبَانَ قَدِيمُهَا
وهو للرّاعي النّميريّ.
شبّه آثار الدّيار بحروف الكلِمة على ما جرَتْ عليه عادتهم من تشبيه الرُّسوم بحروف المعجم.
والشّاهد فيه: تأنيث (كاف) حملاً على معنى اللّفظة والكلمة.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/260، والمذكّر والمؤنّث لأبي حاتم السّجستانيّ 180، والمقتضب 1/237، 4/40، والمذكّر والمؤنّث للأنباريّ 450، وسرّ صناعة الإعراب 2/782، والمخصّص 17/49، وشرح المفصّل 6/29، واللّسان (كوف) 9/311، والدّيوان 258.

(2/565)


وفي التّذكير كقول الرّاجز:
كَافا وَمِيْمَيْنِ وَسِيْنا طَاسِما1
[90/ب]
__________
1 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، ولم أقف على قائله.
والقولُ في معناه كسابِقه من تشبيه آثار الدّيار.
والشّاهد فيه: تذكير (طاسم) وهو نعت ل (السّين) لأنّه أراد الحرف، ولو أمكنه التّأنيث على معنى الكلمة لجاز.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/260، والمذكّر والمؤنّث لأبي حاتم السّجستانيّ 180، والمقتضب 4/40، والمذكّر والمؤنّث للأنباريّ 450، وسرّ صناعة الإعراب 2/782، والمخصّص 17/49، والنّكت 2/846، وشرح المفصّل 6/29، واللّسان (موم)

(2/566)


بَابُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا:
وَعَكْسُ إِنَّ يَا أُخَيَّ فِي الْعَمَلْ ... كَانَ وَمَا انْفَكَّ الْفَتَى وَلَمْ يَزَلْ
وَهَكَذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى ... وَظَلَّ ثُمَّ بَاتَ ثُمَّ أَضْحَى
ثُمَّ1 صَارَ ثُمَّ لَيْسَ مَا بَرِحْ2 ... وَمَا فَتِىءْ فَافْهَمْ3 بَيَانِي المُتَّضِحْ
وَأُخْتُهَا مَا دَامَ فَاحْفَظَنْهَا ... وَاحْذَرْ هُدِيتَ أَنْ تَزِيغَ عَنْهَا
تَقُولُ: قَدْ كَانَ الأَمِيرُ رَاكِبًا ... وَقَامَ قُسٌّ فِي عُكَاظٍ خَاطِبًا4
وَأَصْبَحَ الْبَرْدُ شَدِيدًا فَاعْلَم ... وَبَاتَ زَيْدٌ سَاهِرًا لَمْ يَنَمِ
اعلم أنّ (كان) وأخواتها ثلاثة عشر فعلاً.
قيل5: إنّ دخولها على المبتدأ والخبر على خلاف القياسِ؛ لأنّها أفعال، وحقّ الأفعال أن تُنسب معانيها إلى المفردات لا الجمل؛ فإنّ ذلك للحروف6، نحو: (هل جاء زيدٌ) و (ليته عندنا) . [91/ أ]
____________________
1 في أ: ثمّت.
2 ورد صدرُ هذا البيت في متن الملحة 33، وشرح الملحة 241 كالتّالي:
وَصَارَ ثُمَّ لَيْسَ ثُمَّ مَا بَرِحْ ... ............................
3 في متن الملحة 33، وشرح الملحة 241: فَافْقَهْ بَيَانِي.
4 ورد عجُز هذا البيت في متن الملحة 33، وشرح الملحة 241 كالتّالي:
........................... ... وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَليّ غَائِبًا
5 القائل بذلك هو: شيخُه ابن النّاظم.
ينُظر: شرح الألفيّة 128.
6 أراد نحو: (هل) و (ليت) و (ما) .
يُنظر: ابن النّاظم 128.

(2/567)


لكنّهم توسّعوا في هذه لكونها لا تتمّ بالفاعل؛ فنسبوا معانيها إلى الجمل، فأدخلوها على المبتدأ والخبر على نسبة معانيها [إلى مضمونها] 1؛ فرفعوا بها المبتدأ تشبيهًا بالفاعل، ونصبوا الخبر تشبيهًا بالمفعول، سواءً تأخّر أو تقدّم، نحو: (كان زيد قائمًا) و (كان جوادًا حاتم) .
ويسمّى المرفوع في هذا الباب اسمها، والمنصوب خبرها.
فمعنى (كان) : وجد؛ وهي أصل الباب؛ لأنّ كلّ شيء داخل تحت الكون؛ فلا2 ينفكّ شيء من الأفعال عن3 معناه؛ ولأنّها تتصرّف تصرّفًا ليس لغيرها بانقسامها أربعة أقسام4.
ومعنى (ظَلّ) : أقام نهارًا.
و (بات) : أقام ليلاً.
و (أضحى) و [أصبح] 5 و (أمسى) : دخل في الضُّحى، والصّباح، والمساء6.
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق، وهي من ابن الناظم 128.
2 في أ: ولا ينفكّ.
3 في ب: من.
4 الأقسام الأربعة يأتي الحديث عنها في ص 577.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
6 في ب: والمساء، والصّباح. وهذا التّفسير إنّما يكون لها وهي تامّة؛ أمّا إذا كانت ناقصة فتدلّ على اتّصاف الاسم بالخبر في الأوقات الّتي تدلّ عليها صيغها. يُنظر: الارتشاف 2/77.

(2/568)


و (صار) : تجدّد.
و (ليس) : نفي الحال؛ فإن نفت غيره فبقرينةٍ1، كقول الشّاعر:
وَ2 مَا مِثْلُهُ فِيهِمْ وَلاَ كَانَ قَبْلَهُ ... وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ3 مَا دَامَ يَذْبُلُ4
ومعنى (زال) : انفصل، وكذا (برح) و (فتىء) و (انفكّ) .
ومعنى (دام) : بقيَ.
وهي في العمل على ثلاثة أقسام:
قسمٌ يعمل بلا شرط؛ وهي: (كان) و (أصبح) و (أمسى) [91/ب] و (ظلّ) و (أضحى) و (بات) و (صار) و (ليس) .
وقسمٌ يعمل بشرط تقدُّم نفي أو شبهه؛ وهو: (زال) و (برح) و (فتىء) و (انفكّ) ؛ كقولك: (ما زال زيدٌ عالمًا) و (ما فتىء محمّد صادقًا) و (لن يبرح خالدٌ كريمًا) و (ما انفكّ عمرو جوادًا) .
____________________
1 في ب: بقرينة.
2 في ب: فما، وهي رواية.
3 في أ: الذّمّ، وهو تحريف.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لحسّان بن ثابت، من قصيدة يمدح بها الزّبير بن العوّام.
و (يذبل) : اسم جبل.
والشّاهد فيه: (وليس يكون) على أنّ (ليس) قد نفت المستقبل لوُجود قرينة؛ فقد انتفى الماضي والحال، ولم يبق إلا المستقبل، فقد انتفى بـ (ليس) .
يُنظر هذا البيتُ في: الجنى الدّاني 499، والمقاصد النّحويّة 2/2، والهمع 1/29، والدّرر 1/76، والدّيوان 1/433.

(2/569)


وقد يغني معنى النّفي عن لفظه، كقوله تعالى: { [تَاللَّهِ] 1 تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 2، وقال الشّاعر:
تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيْـ ... ـتَ بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ3
والنّهي4 يشبه النّفي، كقول الشّاعر:
صَاحِ شَمِّرْ وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ الْمَوْ ... تِ فَنِسْيَانُهُ ضَلاَلٌ مُبِينُ5
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 من الآية: 85 من سورة يوسف.
3 هذا بيتٌ من مجزوء الكامل، وهو لخليفة بن براز، وبعده:
وَالْمَرْءُ قَدْ يَرْجُو الرَّجَا ... ءَ مُؤَمِّلاً وَالمَوْتُ دُونَهُ
وكان أبو بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - كثيرًا ما يتمثّل بهما.
و (هالك) : ميّت.
والمعنى: لا تزال تسمع مات فلان وفلان، حتى تكون أنت الميّت.
والشّاهد فيه: (تنفكّ) حيث حذف النّافي فيه؛ إذْ أصلُه: لا تنفكّ.
يُنظر هذا البيت في: المفصّل 355، والإنصاف 2/824، وشرح المفصّل7/109، 110، وشرح عمدة الحافظ 1/198، وشرح الرّضيّ 2/295، وابن النّاظم 130، وتخليص الشّواهد 233، والمقاصد النّحويّة 2/75، والهمع 2/66، والخزانة 9/242.
4 في أ: والّذي.
5 هذا بيتٌ من الخفيف، ولم أقف على قائله.
والمعنى: يا صاحبي اجتهد، واستعدّ للموت، ولا تنس ذكره؛ فإنّ نسيانَه ضلالٌ ظاهر.
والشّاهد فيه: (ولا تزل ذاكر الموت) حيث عمل الفعل (زال) عمل (كان) لأنّه سُبق بحرف النّهي، والنّهي شبيهٌ بالنّفي.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/199، وابن النّاظم 131، وتخليص الشّواهد 230، وابن عقيل 1/247، والمقاصد النّحويّة 2/14، والتّصريح 1/185، والهمع 2/65، والأشمونيّ 1/228، والدّرر 2/44.

(2/570)


ومتى خَلَت هذه الأفعال الأربعة عن نهيٍ، أو نفيٍ ظاهرٍ، أو مقدَّرٍ، فإنّها لا تعمل العمل المذكور.
وقسم يعمل بشرط تقدّم (ما) المصدريّة النّائبة عن الظّرف عليه؛ وهي: (دام) كقول شيخنا1- رحمه الله [تعالى] 2 -: "كأعط ما دمت مُصيبًا درهمًا، أي: مدّة دوامك مصيبًا.
فعملت لكونها3صلةً لـ (ما) فإنْ كانت (ما) غير نائبة عن الظّرف لم يصحّ العمل".
فـ (أصبح) و (أمسى) أختان؛ لأنّهما طرفا الزّمان.
و (ظلّ) و (أضحى) أختان؛ لأنّهما لصدر النّهار.
و (ظلّ) - أيضًا - أُخت (بات) ؛ لدلالتهما [92/أ] على سائر مدّة النّهار واللّيل.
وقيل: (بات) و (صار) أُختان؛ لاعتلال عينهما.
____________________
1 أي: ابن النّاظم في شرحه على الألفيّة 131.
علمًا بأنّ قوله: "كأعط ما دمت مصيبًا دِرْهمًا" مقتَبسٌ من كلام والده في الألفيّة.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 في كلتا النّسختين: كونها. والمعنى يتطلّب وُجود اللاّم.

(2/571)


وقيل: ذلك في (كان) و (صار) ؛ لاستعمال (كان) في موضع (صار) ، ومنه قولُ الشّاعر:
ثُمَّ كَانُوا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَـ ... ـفَّ1............................
و (ما زال) و (ما بِرَح) و (ما فتىء) و (ما انفكّ) و (ما دام) أخواتٌ؛ لتقدُّم (ما) عليها.
و (ليس) منفردة2؛ لكونها غير متصرّفة.
وما تصرّف من هذه الأفعال فللمضارع منه وللأمر ما للماضي من العمل؛ تقولُ: (يكون زيدٌ فاضلاً) و (كن عَالِمًا أو متعلِّمًا) ؛ قال الله تعالى: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} 3.
____________________
1 هذا صدْرُ بيتٍ من الخفيف، وتمامُه:
فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ
وهو لعديّ بن زيد العباديّ.
والشّاهد فيه: (ثمّ كانوا كأنّهم) حيث جاءت (كان) فعلاً ماضيًا ناقصًا، بمعنى (صار) .
يُنظر هذا البيتُ في: أمالي ابن الشّجريّ 1/137، والمفصّل 353، وشرح المفصّل 7/104، 105، وشرح عمدة الحافظ 1/211، والهمع 2/76، وشرح شواهد المغني 1/470، والأشمونيّ 1/230، والدّرر 2/57، والدّيوان 90 - والرّواية في هذه الكتب (ثم أضحوا كأنّهم) بدل (ثمّ كانوا كأنّهم) ولا شاهد فيه حينئذٍ على هذه الرّواية -.
2 في ب: مفردة.
3 من الآية: 50 من سورة الإسراء.

(2/572)


ويجري المصدر واسم الفاعل في ذلك مجرى الفعل؛ تقول: (أعجبني كونُ زيدٍ صديقَك) ، وقال الشّاعر:
وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِنًا ... أَخَاكَ إِذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا1
وإذا وقع بعد2هذه الأفعال جارّ ومجرور أو ظرف كان ما بعد المخفوض مرفوعًا اسمًا لها، وكان المجرور خبرًا لها؛ كقولك: (كان في الدّار زيدٌ) و (كان عندك عمرو) ، ومنه قولُه تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} 3.
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يَجْعَلَ الأَخْبَارَا ... مُقَدَّمَاتٍ فَلْيَقُلْ مَا اخْتَارَا
مِثَالُهُ: قَدْ كَانَ سَمْحًا وَائِلُ ... وَوَاقِفًا بِالْبَابِ أَضْحَى السَّائِلُ
[92/ب]
خبر هذه الأفعال على أربعة أقسام:
خبرٌ لا يكون إلاّ مقدّمًا4؛ وهو إذا كان اسم استفهام، كقولك: (مَنْ كان أخوك؟) و (كيف أصبح زيد؟) و (أين أمسى عمرو؟) .
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
والشّاهدُ فيه: (كائنًا أخاك) حيث عمل اسم الفاعل (كائن) عمل فعله في رفع المبتدأ ونصب الخبر.
يُنظر هذا البيت في: شرح الكافية الشّافية 1/387، وابن النّاظم 132، وتخليص الشّواهد 234، وأوضح المسالك 1/168، وابن عقيل 1/250، والمقاصد النّحويّة 2/17، والتّصريح 1/187، والهمع 2/78، والأشمونيّ 1/231، والدّرر 2/58.
2 في أ: في.
3 من الآية: 48 من سورة النّمل.
4 في أ: مقدّرًا، وهو تحريف. ولا يكون إلاّ مقدّمًا لأحقيّته في الصّدارة.

(2/573)


وخبرٌ لا يكون إلاّ مؤخّرًا بعد الفعل؛ وهو ما كان من الأفعال الّتي تلتزم بتقدّم1 (ما) عليها غالبًا؛ والخبر ههنا لا يجوز تقدمّه على (ما) ؛ لأنّ لها صدر الكلام2.
وخبرٌ في تقديمه خلاف3؛ وهو خبر (ليس) ؛ لإجرائها مجرى أخواتها في العمل، ولم يختلفوا في تقديم خبرها على اسمها.
____________________
1 في ب: بتقديم.
((فلا يجوز نحو ذلك في (دام) ؛ لأنّها لا تعمل إلاّ مع (ما) المصدريّة و (ما) هذه ملتزمة صدر الكلام؛ وألاّ يفصل بينها وبين صلتها بشيء؛ فلا يجوز معها تقديم الخبر على (دام) وحدها، ولا عليها مع (ما) .
ومثل (دام) في ذلك كلّ فعلٍ قارنه حرف مصدريّ، نحو: (أُريد أن تكون فاضلاً) ، وكذلك المقرون بـ (ما) النّافية، نحو: (ما زال زيد صديقك) و (ما برح عمرو أخاك) ؛ فالخبر في نحو هذا لا يجوز تقديمُه على (ما) ؛ لأنّ لها صدر الكلام، ويجوز توسّطه بين (ما) والفعل، نحو: ما قائمًا كان زيد)) . ابن النّاظم 134.
3 منع تقديم خبر (ليس) الكوفيّون، والمبرّد، وابن السّرّاج، وأكثر المتأخّرين - ومنهم ابن مالك -.
وجوّزه البصريّون، والفرّاء، والفارسيّ؛ واختاره ابن بَرْهَان، والزّمخشريّ، وابن عصفور.
تُنظر هذه المسألة في: الأصول 1/90، والحلبيّات 280، والمفصّل 355، 356، والإنصاف، المسألة الثّامنة عشرة، 1/ 160، والتّبيين، المسألة السّابعة والأربعون، 315، وشرح المفصّل 7/114، وشرح الكافية الشّافية 1/397، وابن النّاظم 135، وشرح الرّضيّ 2/297، وائتلاف النُّصرة، فصل الفعل، المسألة التّاسعة، 123، والتّصريح 1/225، والهمع 2/88، والأشمونيّ 1/234.

(2/574)


وخبرٌ أنت المخيّر في تقديمه وتأخيره وتوسّطه؛ وهو (كان) وما كان عاريًا من النّفي؛ فتقول: (قائمًا كان زيد) ، ومنه قولُه تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 1 و (مسرورًا ظلّ عمرو) و (أصبح صائمًا خالد) ؛ لأنّ هذه الأفعال لَمّا تصرّفت في أنفسها تصرّفت في معمولها لعدم المانع.
وكلّ ما كان خبرًا لمبتدأ جاز2 أنْ يكون خبرًا لهذه3 الأفعال.
فإنْ وقع الخبر فعلاً ماضيًا فهو مستكرَهُ؛ لأنّه مثلها، ولا يحسُن إلاّ أنْ يكون معه (قد) ملفوظًا بها أو مقدّرة؛ فتقولُ: (كان زيدٌ قد قام أمس وإن كان عَمِلَ خيرًا فهو مُجْزء به) ؛ وحَسَّنَ التّقدير كون الكلام شرطًا، ومنه قولُه تعالى: {وَإِنْ كَانَ قَمِيْصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} 4. [93/أ]
وأمَّا (ليس) فلا يكون خبرها بالماضي؛ لأنّ حقيقتها نفي الحال.
وهذه الأفعال سُمِّيت ناقصة؛ لأنّها سُلِبت الدّلالة على الحدَث5.
____________________
1 من الآية: 47 من سورة الرّوم.
2 في أ: فجائز.
3 في أ: خبر هذه.
4 من الآية: 27 من سورة يوسف.
5 نسب ابن النّاظم هذا المذهب إلى سيبويه وأكثرِ البصريّين، ثمّ عقّبه بقوله: "وهو باطل؛ لأنّ هذه الأفعال مستوية في الدّلالة على الزّمان، وبينها فرقٌ في المعنى؛ فلا بدّ فيها من معنى زائد على الزّمان؛ لأن الافتراق لا يكون بما به الاتّفاق؛ وذلك المعنى هو الحدَث؛ لأنّه لا مدلول للفعل غير الزّمان إلاّ الحدَث.
والّذي ينبغي أن يُحمل عليه قولُ مَن قال إِنّ (كان) النّاقصة مسلوبة الدّلالة على الحدَث إنّها مسلوبة أن تستعمل دالّة على الحدَث دلالة الأفعال التّامّة بنسبة معناها إلى مفرد، ولكن دلالة الحروف عليه، فسمّي ذلك سلْبًا لدلالته على الحدَث بنفسه". شرح الألفيّة 137.

(2/575)


ومن هذه أفعال يجوز أن تجري على القياس فتكتفي بالإسناد إلى الفاعل، وتُسمّى حينئذٍ تامّة، بمعنى: أنّها لم تحتج1 إلى خبر، وذلك نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} 2، وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} 3، ومنه قولُ الشّاعر:
وَبَاتَ وَبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ4 ... ..........................
____________________
1 في ب: تحتاج.
2 من الآية: 280 من سورة البقرة.
3 سورة الرّوم، الآية: 17.
4 هذا صدرُ بيتٍ من المتقارِب، وعجُزه:
كَلَيْلَةِ ذِي العَائِرِ الأَرْمَدِ
وهو لامرئ القيس بن عانس، وقيل: لامرئ القيس الكِنديّ، وقيل: لعمرو بن معدي كرِب، وقيل: لغيرهم.
و (العائِرُ) : هو القذى تدمَعُ له العين؛ ويُقال: هو نفس الرّمد.
والشّاهد فيه: (وبات) فقد جاءت (بات) تامّة. أمّا (وباتت له ليلة) فإنّ (بات) ناقصة، واسمها (ليلة) وخبرها (له) . يُنظر هذا البيت في: ابن النّاظم 137، وتخليص الشّواهد 243، وأوضح المسالك 178، والمقاصد النّحويّة 2/30، والتّصريح 1/191، والأشمونيّ 1/236، وشرح شواهد المغني 2/732، وديوان امرئ القيس 185، وملحق ديوان عمرو بن معدي كَرِب 200.

(2/576)


وَإِنْ تَقُلْ: يَا قَوْمِ قَدْ كَانَ الْمَطَرْ ... فَلَسْتَ تَحْتَاجُ لَهَا إِلَى خَبَرْ
وَهَكَذَا يَصْنَعُ كُلُّ مَنْ نَفَثْ ... بِهَا إِذَا جَاءَتْ وَمَعْنَاهَا حَدَثْ
(كان) لها أربعة أقسام:
تكون ناقصة، وتكون زائدة، وتكون بمعنى (صار) ، [93/ب] وتكون تامّة.
والنّاقصة1 على ضربين:
الأوّل: كقولك: (ما كان زيدٌ قائمًا) ؛ فهذه مسلوبة المصدر، ولا تدلّ على الحدَث، ولا تعمل في الفضلات من الحال، ولا الظّرفين - عند المحقّقين -، وأنّه لا يجوز حذف منصوبها، ولا يُبنى [منها] 2 ما لم يسمّ فاعله، وأنّها يجوز حذف نون مستقبلها في بعض الأحوال3.
الثّاني4: كقولك: (ما كان زيدٌ قائم) - بالرّفع - على إسناد الفعل
____________________
1 في ب: فالنّاقصة.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 يجوز حذف نون المضارِع بشرط أن يكون مجزومًا بالسّكون، وألاّ يليه ساكن، ولا ضميرٌ متّصل، وألاّ يكون موقوفًا عليه، نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم:20] .
يُنظر: أوضح المسالك 1/191، والتّصريح 1/196، والأشمونيّ 1/245.
4 وبعضُ النُّحاة يفردها بالذِّكر، ويجعلها قسمًا قائمًا بنفسه؛ "لأنّ لها أحكامًا تنفرد بها وتخالِف فيها النّاقصة؛ وذلك أنّ اسم هذه لا يكون إلاّ مضمَرًا، وتلك يكون اسمها ظاهرًا ومضمَرًا؛ والمُضمَر هُنا لا يعود إلى مذكور، ومن تلك يعود إلى مذكور؛ ولا يُعطف على هذا الضّمير، ولا يؤكَّد، ولا يبدل منه، بخلاف تلك؛ ولا يكون الخبر هنا إلا جملة على المذهب، وتلك يكون خبرها جملة ومفرَدًا؛ والجملة في خبر هذه لا تفتقر إلى عائد يعود منها إلى المخبَر عنه، وفي تلك يجب أن يكون فيها عائد؛ فلمّا خالفتها في هذه الأحكام جعلت قسمًا قائمًا بنفسه.
وقد كان ابن درستويه يذهب إلى أنّ هذا القسم من قبيل التّامّة الّتي ليس لها خبر، ولا تفتقر إلى مرفوع". شرح المفصّل 7/101.
ويُنظر: أسرار العربيّة 135، وابن النّاظم 139.

(2/577)


إلى ضمير الشّأن والقصّة1، والجملة بعده خبر؛ كما إذا وقع المبتدأ والخبر بعده مرفوعين2، ومنه قولُ الشّاعر:
إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ3
فهذه الجملة لا يجوز أن تتقدّم على (كان) ، ويجو في الأولى؛ وهذه
____________________
1 في أ: الصّفة، وهو تحريف.
2 في ب: فرعين، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للعجير السّلوليّ.
والشّاهد فيه: (كان النّاس نصفان) حيث جاء اسم (كان) ضمير الشّأن، وخبرها الجملة الاسميّة (النّاس نصفان) .
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/71، ونوادر أبي زيد 156 - وفيه (كان النّاسُ نصفين) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -، والجمل 50، واللّمع 89، وأمالي ابن الشّجريّ 3/116، وأسرار العربيّة 136، وكشف المشكِل 1/324، وشرح المفصّل 1/77، 3/116، 7/100، وابن النّاظم 139، وتخليص الشّواهد 246، وشعرُه - ضمن مجلّة المورِد، المجلّد الثّامن، العدد الأوّل - 225 - وفيه (نصفين) بدل (نصفان) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -.

(2/578)


لا تحتاج فيها إلى عائد، وتحتاج في الأخرى.
والتّامّة تتميّز1 عن النّاقصة بأشياء:
منها: أنّها تحتاجُ2 إلى اسم واحد يكون فاعلاً، وأنّها فعل حقيقيّ يدلّ على الزّمان والحدَث، كالحدوث3 والوُقوع.
ومنها: أن يستعمل منها المصدر المنصوب؛ كقولك: (كان، يكون، كونًا) بمنزلة حدث، حُدوثًا، ومنه4 قولُ الشّاعر:
إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... فَإِنَّ الشَّيْخَ يَهْدِمُهُ الشِّتَاءُ5
[94/أ]
وأمّا الزّائدة فإنّها لا تحتاج إلى اسمين، ولا إلى اسم واحد؛ فهي تقع [في] 6 وسط الكلام وآخره لا أوّله؛ ولا يتصرّف فيها بمستقبل7 ولا أمرٍ،
____________________
1 في أ: قسمين، وهو تحريف.
2 في أ: يحتاج، وهو تصحيف.
3 في أ: كالحدث.
4 لعلّ الضّمير في (ومنه) يقصد به مجيء (كان) تامّة، وإنْ كان في ظاهره يجعل البيت غير موافق لِمَا قبله في الاستشهاد.
5 هذا بيتٌ من الوافر، وهو للرّبيع بن ضَبْعُ الفزاريّ.
والشّاهد فيه: (إذا كان الشّتاء) حيث جاءت (كان) تامّة بمعنى (حَدَثَ) .
يُنظر هذا البيتُ في: الجمل 49، والأزهيّة 184، وأسرار العربيّة 135، وشرح التّسهيل 1/342، والبسيط 2/739، واللّسان (كون) 13/365، وشرح شذور الذّهب 332، والهمع 2/82، والخزانة 7/381، والدّرر 2/60.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
7 في ب: لا بمستقبل.

(2/579)


ولا نهيٍ، ولا اسم فاعلٍ.
وتتعيّن زيادتها إذا وقعت بين (ما) وفعل التّعجُّب، نحو: (ما كان أحسنَ زيدًا) 1، وبين الجارّ والمجرور، كقول الشّاعر:
سَرَاةُ بَنِي [أَبِي] 2 بَكْرٍ تَسَامَى ... عَلَى كَانَ المُسَوَّمَةِ العِرَابِ3
و [نَدَر] 4 زيادتها بلفظ المضارِع، كقول أُمِّ عَقِيل5:
____________________
1 وتتعيّن زيادتها - أيضًا - إذا وقعت بين المسند والمسند إليه، كقوله: (أو نبيّ كان موسى؟) . ابن النّاظم 139، 140.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 هذا بيتٌ من الوافر، ولم أقف على قائله.
و (سراة) جمع سري: الماجد الشّريف. و (تسامى) : أصلُه تتسامى، والمسوّمة: الخيل الّتي جعلت لها علامة ثم تُركت في المرعى. و (العِراب) : هي خلاف البراذين والبخاتي.
والمعنى: إنّ سادات بني أبي بكر ليركبون الخيول العربيّة الّتي جُعلت لها علامة تتميّز بها عمّا عداها من الخيول.
والشّاهد فيه: (على كان المسوّمة) حيث زاد (كان) بين الجارّ والمجرور.
يُنظر هذا البيت في: اللّمع 89، والأزهيّة 187، وأسرار العربيّة 136، وشرح المفصّل 7/98، وشرح الكافية الشّافية 1/412، وابن النّاظم 140، ورصف المباني 218، واللّسان (كون) 13/370، وتخليص الشّواهد 252، والخزانة 9/207.
4 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق.
5 هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أم عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أسلَمت، وهاجرت إلى المدينة، وتوفّيت بها؛ كانت ذات صلاح ودين، وراوية من راويات الحديث؛ وهي أوّل هاشميّة وَلدت هاشميًّا.
يُنظر: الاستيعاب 4/445، 446، وسير أعلام النّبلاء 2/118، وأعلام النّساء 4/33.

(2/580)


أَنْتَ تَكُونُ مَاجِدٌ جَلِيلٌ1 ... ..................................
وشَذَّ زيادة (أصبح) و ( [أمسى] 2) في قولهم: (مَا أَصْبَحَ أَبْرَدَهَا، وَمَا أَمْسَى أَدْفَأَهَا!) 3.
والّتي بمعنى (صار) ، كقول4 الشّاعر:
ثُمَّ كَانُوا5 كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَـ ... ـفَّ فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ6
____________________
1 في ب: خليل، وهو تصحيف.
وهذا البيتُ من الرّجز المشطور، وبعده:
إِذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ
و (ماجد) : كريم. و (شمأل) : هي ريح تهبّ من ناحية القطب. و (بليل) رطبة نديّة.
والشّاهد فيه: (أنت تكون ماجد) حيث زيد المضارع من (كان) بين المبتدأ وخبره، والمشهور الزّيادة بلفظ الماضي؛ لأنّ الماضي شبيهٌ بالحرف لبِنَائه، والحرف يقع زائدًا في المشهور.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح التّسهيل 1/362، وابن النّاظم 140، وتخليص الشّواهد 252، وابن عقيل 1/270، والمقاصد النّحويّة 2/39، والتّصريح 1/191، والهمع 2/99، والأشمونيّ 1/241، والخزانة 9/225، 226، والدّرر 2/78.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 قال ابن مالكٍ بعد أن ذكر هذا القول: (يعنون الدّنيا؛ روى ذلك الكوفيّون) .
شرح الكافية الشّافية 1/413، 414.
ويُنظر هذا القولُ في: ابن النّاظم 140، وتخليص الشّواهد 252، والهمع 2/100، والأشمونيّ 1/241.
4 في ب: كقول الشّاعر المتقدِّم ذكره.
5 في أ: ثم صار، وهو تحريف.
6 تقدّم تخريج هذا البيت في ص 572.
والشّاهد فيه هُنا: (ثمّ كانوا كأنّهم) حيث جاءت (كان) بمعنى (صار) .

(2/581)


وإذا اجتمع في باب (كان) النّاقصة معرفة ونكرة؛ فالاسم المعرفة، والخبر النّكرة، كالحكم1في المبتدأ.
وأنت مخيّرٌ إذا كانا معرفتين في جعلك أيّهما شئت الاسم والآخر الخبر؛ للتّساوي في التّعريف إلاّ أن يكون [94/ ب] أحدهما أعرف من الآخر، كالضّمير2 مع العلم، والعلم مع المُبْهَم، والمُبْهَم مع المعرّف بالألف واللاّم، والألف واللاّم مع المضاف.
فقولُك3: (كان زيدٌ صديقك) أحسن من قولك: (كان صديقك زيدًا) ، وعلى ذلك يُقاسُ الباقي.
ويكونان مختلفين؛ أحدهما معرفة، والآخر نكرة؛ فإنْ كان الكلام نَثْرًا لم يكن الاسم إلاّ معرفة، وإنْ كان شعرًا جاز أن يجعل4 الاسم [نكرة] 5 والخبر معرفة للضّرورة، كقول حسّان بن ثابت [رضي الله عنه] 6:
كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ7
____________________
1 في أ: كالحلم، وهو تحريف.
2 في ب: كالمضمر.
3 في أ: كقولك.
4 في أ: تجعل.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 هذا بيتٌ من الوافر.
و (السّبيئة) : الخمر الّتي تُسبَأُ، أي: تُشتَرى؛ ورواه الأعلم: (كأنّ سُلافة) والسُّلافة: الخمر، أو خُلاصة الخمر، أو ما سال من العِنَب قبل العصر؛ وذلك أخلصها؛ وروي ـ أيضًا ـ: (كأنّ خبيئة) والخبيئة هي: الخمر المخبّأة المضنون بها. و (بيتُ رأس) : موضع بالشّام، وقيل رأس: اسمُ خمّار معروف.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/49، والمقتضب 4/92، والأصول 1/67، 83، والجمل46، والمحتسب 1/279، والمقتصد 1/404، وشرح المفصّل 7/93، وشرح التّسهيل 1/356، والمغني 591، والخزانة 9/224، والدّيوان 1/17.

(2/582)


وفي هذا البيتُ ثلاث روايات:
رفعُ (العسل) و (المزاج) ؛ وهذا على ضمير الشّأن والقصّة1.
____________________
1 وهو مذهب السّيرافيّ وغيره، على أنّ اسم (يكون) ضمير الأمر والشّأن، وما بعدها مبتدأ وخبر، والجملة في محلّ نصب خبر (يكون) .
وأجاز ابن هشام اللّخميّ، والسّيرافيّ، وابن السّيّد أيضًا تخريجًا آخر؛ على أن يجعل اسم (يكون) ضمير (سبيئة) ، و (مزاجها عسل) في موضع الخبر؛ أو أنّ الخبر مقدّم عليها وهو: (من بيت رأس) ، وجملة: (تكونُ من بيت رأس) صفةً أولى (لسبيئة) ، وجملة (مزاجها عسل) صفة ثانية لها؛ وعلى هذين القولين يُقال: (تكون) بالتّاء؛ لأنّ اسمها سيكون ضميرًا مستترًا يعود إلى مؤنّث، فيجب تأنيث الفعل له، ولا يجوز تذكيره إلاّ في الضّرورة.
وذهب أبو البقاء، وابن السّيّد ـ أيضًا ـ إلى أن (يكون) زائدة، مع كونها بلفظ المضارِع، و (مزاجُها عسل) مبتدأ وخبر.
وخطّأ ابن هشام هذا التّوجيه؛ لأنّ (كان) لا تزاد بلفظ المضارع بقياس؛ ولا ضرورة لدعوى ذلك هُنا.
يُنظر: شرح أبيات سيبويه للسّيرافيّ 1/51، والإفصاح 62، 63، 64، والمغني 912، والخزانة 9/224، 225.

(2/583)


ويروى برفع (المزاج) ونصب (العسل) ، و (الماء) مرفوع بتقدير فعلٍ، والتّقدير: خالطها ماء1.
الثّالثة: ما عليه البيت2؛ وفيه قولٌ لأبي عليّ الفارسيّ يخرجه3 من حيّز الضّرورة، قال4: "مزاجُها ينتصب5 على الظّرف6 تشبيهًا، وإذا كان ظرفًا لم ينتصب7بـ (كان) وجرى مجرى: عندك8 رجل؛
____________________
1 وهي رواية أبي عثمان المازنيّ، حيث جعل (مزاجها) الاسم، ونصب (عسلاً) على الخبر؛ فقال: ((يكون مزاجُها عسلاً، ورفع (ماء) بفعل مضمَر دلّ عليه الكلام، كأنّه قال: وخالطها ماء)) .
يُنظر: المقتضب 4/92، وشرح أبيات سيبويه للسّيرافيّ 1/51، والمقتصد 1/404، والإفصاح 64، والخزانة 9/227، والحُلل في شرح أبيات الجُمل 49.
2 أي: نصب (مزاجها) خبرًا لـ (كان) مقدّمًا، وهو معرفة، ورفع (عسل) وما عُطف عليه اسمًا لـ (كان) مؤخّرًا مع كونه نكرة.
يُنظر: الكتاب 1/47، وتحصيل عين الذّهب 78، وشرح أبيات سيبويه للسّيرافيّ 1/50، 51، والإفصاح 63، والخزانة 9/226، 281.
وهُناك تخريجٌ آخر على هذه الرّواية على أنّ الشّاعر أراد (مزاجًا لها) فنوى بالإضافة الانفصال، فأخبر بنكرة عن نكرة.
يُنظر: الحُلل في شرح أبيات الجُمل 48، والخزانة 9/283.
3 في أ: تخريجه.
4 لم أجد هذا القول فيما وقفت عليه من كتبٍ لأبي عليّ الفارسيّ.
ويُنظر: شرح الجمل لابن با بشاذ جـ1/ ق 50/أ، والحُلل في شرح أبيات الجُمل 48، والمغني 912، والخزانة 9/283، 284.
5 في ب: نصب.
6 في ب: الظّرفيّة.
7 في ب: ينصب.
8 في أ: كان عندك.

(2/584)


فكأنّه يقول: يكون عسل وماء [في] 1 مزاجها".
[أو هو] 2 منصوبٌ بـ (كان) [95/أ] نفسها؛ وهو معرفة بمنزلة [قولك] 3: حالها أو جملتها؛ و (العسل) و (الماء) جنسان؛ فلم يُرد عسلاً من الأعسال ولا ماءً من المياه؛ فصارا4 في حكم المعرفة، ومنه قولُ الآخر:
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ضُبَاعَا ... و َلاَ يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ الْوَدَاعَا5
فلمّا نعت (الموقف) بـ (منك) تقرّب من المعرفة، و (منك) متعلّق باستقرارٍ محذوفٍ.
وَالْبَاءُ تَخْتَصُّ بِلَيْسَ فِي الْخَبَر ... كَقَوْلِهِمْ: لَيْسَ الْفَتَى بِالْمُحْتَقَرْ
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من شرح الجمل لابن بابشاذ.
4 في كلتا النّسختين: فصار؛ والأولى إثبات ألف الاثنين في الفعل؛ لأنّ الحديث عن العسل والماء.
5 هذا بيتٌ من الوافر، وهو للقطاميّ.
و (ضباعا) : ترخيم ضُباعة: اسم امرأة؛ وهي: ضُباعة بنت زفر بن الحارث الكلابيّ.
والشّاهد فيه: (ولا يكُ موقفٌ منك الوداعا) حيث جعل اسم (يَكُ) نكرة وهو (موقف) وخبرُها معرفة وهو (الوداعا) ؛ وهذا يجوز في ضرورة الشّعر فقط، وحسّن ذلك وصف (الموقف) بالجارّ والمجرور الّذي هو (منك) ؛ والتّقدير: موقفٌ كائنٌ منك؛ والنّكرة إذا وصفت قربت من المعرفة.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/243، والمقتضب 4/94، والأُصول 1/83، والجمل 46، واللّمع 87، وشرح المفصّل 7/91، وشرح التّسهيل 1/356؛ والمغني 591، والهمع 2/96، والخزانة 9/284، والدّيوان 37.

(2/585)


(ليس) لا نظير له في1 الأفعال؛ لأنّه فعلٌ ثُلاثيّ، ياؤُه ساكنة؛ ويختصّ2 بدخول (الباء) في خبره، كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} 3؛ فالجارّ والمجرور في موضع نصبٍ4.
وقد تُزاد هذه الباء في خبر (كان) إذا دخل عليها (ما) ، كقولك: (ما كان زيدٌ بخارج) فإنْ عطفت على الخبر5 جاز في المعطوف الجرُّ على اللّفظ، كقولك: (ليس زيد بكاتبٍ ولا فقيهٍ) ، والنّصبُ على الموضع6، كقول الشّاعر:
مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلاَ الْحَدِيْدَا7
__________
1 في أ: من.
2 أي: عن بقيّة الأفعال لا مطلقًا.
3 من الآية: 172 من سورة الأعراف.
4 وهو خبرُ ليس.
5 أي: خبر ليس المجرور بـ (الباء) .
6 فتجرّ (فقيه) عطفًا على لفظ (كاتب) ، وتنصب (فقيه) عطفًا على موضع كاتب.
7 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لعُقَيْبَة الأسديّ.
و (معاوي) : ترخيم معاوية بن أبي سفيان. و (أسجح) : أرفق وسهّل.
والشّاهد فيه: (ولا الحديدا) حيث عطف على خبر ليس المجرور بالنّصب، وهذا العطف على الموضع.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/67، والمقتضب 2/338، 4/112، وسرّ صناعة الإعراب 1/131، وأمالي القالي 1/36، والإنصاف 1/332، وشرح المفصّل4/9، ورصف المباني 202، واللّسان (غمر) 5/389، والمغني 621، والخزانة 2/260.

(2/586)