المنصف لابن جني ج / 1 ص -332-
قال أبو عثمان:
باب ما جاء من الأسماء ليس في أوله زيادة من الواو
والياء اللتين هما عينان له مثال في الفعل الذي ليس في
أوله زيادة:
اعلم أنه يُعَلّ كما يعل الفعل؛ لأن الفعل ليس
أولى بهذا البناء من الاسم، فإذا أردت "فَعَل" قلت: "باب,
ودار، وساق", وربما جاء على الأصل نحو "القَوَد,
والحَوَكة، والخونة" فأما الأكثر ومجرى الباب فالإسكان
والإعلال، وإنما هذا بمنزلة: "أجودْتُ، واستحوذْتُ".
قال أبو الفتح: يقول الاسم والفعل في هذا سواء؛ لأن أصل
"باب، ودار: بَوَب ودَوَر" كما أن أصل1 "قال: قَوَلَ,
وقام: قوم" فكل واحد منهما كصاحبه في أن قلبت عينه ألفا؛
لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وإذا ورد اسم على ثلاثة أحرف, أوسطه ألف منقلبة عن غير
همزة؛ فاقض بأنها من الواو دون الياء لكثرة الواو في هذا
الموضع -هكذا قال سيبويه, وهو الصواب- إلا أن تقوم دلالة
على أنها من الياء، وإذا تأملت أكثر اللغة أصبته كذلك.
فأما "القود، والحوكة" ونحوهما فشاذ كما ذكر؛ لأن العلة
التي أوجبت القلب في "باب، ودار" فيه، وكان2 القياس قلبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أن أصل: ساقط من ظ.
2 ظ، ش: فكان.
ج / 1 ص -333-
وقوله: "وإنما هذا بمنزلة: أجودْتُ،
واستحوذت" يريد في الشذوذ عن القياس.
قلب العين ألفا؛
لتحركها وانفتاح ما قبلها:
قال أبو عثمان:
وكذلك "فَعِل" كقولهم: "خِفت، ورجل خافٌ, ورجل مال، ويوم
راح".
وقال الخليل: هذا كله "فعل" وهو كقولهم: فَرِقت1 ورجل
فَرِق، ونزقت ورجل نزق".
قال أبو الفتح: العلة في قلب هذا وما قبله واحدة, وهو تحرك
العين وانفتاح ما قبلها.
فأصل "خافٍ: خَوِف" لقولهم: "خِفت تخاف".
وأصل "مالٍ: مَوِل" لقولهم: "مِلت يا رجل تَمَال".
وأصل "راحٍ: رَوِح" لقولهم: "رِحت يا يومنا تَرَاح"
فهذا كله "فَعِل يفعَل".
والاسم من "فَعِل" يجيء على "فَعِل" كما ذكر الخليل نحو
"فَرِق فهو فَرِق، ونزق فهو نزق".
مجيء "روع،
وحول" مصححا غير معل:
قال أبو عثمان: وقد جاء شيء منه على الأصل, كما جاء
"فَعَل", قالوا: "رجل رَوِع، ورجل حول".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش ظ: وكذلك فرقت "نسخة".
ج / 1 ص -334-
قال أبو الفتح: لما جاء "القَوَد,
والحَوَكَة" صحيحا -وإن كان فيه ما يوجب القلب- كذلك جاء
"رَوِع، وحَوِل" على الأصل, إلا أن هذا أبعد من ذاك قليلا؛
لأن الحركة في العين في "رَوِع، وحَوِل" كسرة, والحركة في
"القود، والحوكة" فتحة، والكسرة ثقيلة والفتحة خفيفة.
لو بنيت من
"قَامَ" مثل "عَضُد" لقلت: "قام":
قال أبو عثمان:
وأما "فَعُل" فلم يجيئوا بشيء منه على الأصل؛ كراهة الضمة
في الواو نحو: "رجل حَدُث, وندس, وخلط".
قال أبو الفتح: هذا المثال لا أعلمه جاء اسما فيما عينه
معتلة -لا صحيحا ولا معتلا- ولكنك لو بنيت من "قام" مثل
"عضد، ورجل" قلت: "قام", وأصله "قَوُم", فقلبت الواو ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها كما قالوا1: "طال" وأصله "طَوُل"
لقولهم: "طويل" -وقد مر هذا- ولا يجوز تصحيح هذا المثال؛
كراهة الضمة في الواو.
فإن قلت: أقول في "فَعُل" من "قام: قَؤُم" فأهمز الواو
لانضمامها, فتعسّف، وترك للصواب؛ لأنك لو صحّحت لهربت إلى
الهمز، فكان ترك ذلك2 وقلبه هو القياس كما رأيتهم قلبوا في
"طال".
فأما "أَدْؤُر" فلما لم يجدوا بدا من حركة الواو همزوها،
وكذلك "نُور، جمع نَوَار" لما وجدوا لها مثالا من الصحيح
يسكن أسكنوها نحو "رُسْل",
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قال.
2 ظ، ش: زيد، وهو خطأ.
ج / 1 ص -335-
فإذا كانوا يُسكِنون في "رُسْل" مع أن
الضمة لا1 تستثقل في السين كما1 تستثقل في الواو, فهم
بتسكين الواو في "نُور"2 وترك الضم أجدر، ولو وجدوا3 سبيلا
في "أدؤر، ونُور" إلى قلب الواو ألفا فعلوا ذلك4, ولكنهم
لم يجدوا فغيروا بالهمز والإسكان، وإذا وجدوا سبيلا إلى
قلب الواو ألفا في "فُعْل" من "قام" قلبوا5 فقالوا: "قامٌ"
هذا هو القياس.
"فُعَل",
و"فِعَل" لا يعتلان, ولا يكونان في التضعيف مدغمين:
قال أبو عثمان: فأما6 "فعل، وفعل" فعلى الأصل ولا يكون
هذا البناء معتلا, كما لا يكون في التضعيف مدغما نحو
"خُزَز، وبِزَز" وذلك قولهم: "رجل نُوَم، ورجل سولة،
ولومة، وعيبة".
و"فِعَل" نحو "صِيَر، وبيع، وديم" وكذلك إن أردت مثل "إبل"
قلت: "قِوِل، وبِيِع".
قال أبو الفتح: إنما سلمت هذه الأمثلة؛ لأنها جاءت على غير
وزن الفعل فصحت كما ظهر "حُضَض، ومِرَر" لما لم يأت على
مثال الفعل، وقد سبق القول في العلة التي من أجلها اطراد7
إعلال الفعل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: في جمع نوار.
3 ظ، ش: وجدوه.
4 ذلك: زيادة من ظ، ش.
5 ظ، ش: قلبوها.
6 ظ، ش: وأما.
7 ظ، ش: اطرد إعلال.
ج / 1 ص -336-
وتغييره وليس "سُوَلة" من الهمز, إنما هو
من "سِلت تَسال" مثل "خفت تخاف" من الواو؛ فلذلك ذكره هنا.
"فُعُل" من
الواو تسكن عينها؛ لاجتماع الضمتين والواو:
قال أبو عثمان:
وأما "فعل" من الواو1 فإنها تسكن عينها1 لاجتماع الضمتين
والواو, فجعلوا الإسكان فيها نظير الهمزة في "أَدْؤُر،
وقَئُول" وذلك قولهم: "نوار، ونور، وعوار، وعور2، وعوان،
وعون, وقئول, وقول" وألزموا هذا السكون إذ كانوا يسكنون
غير3 المعتل نحو "الرُّسْل والعضد" وأشباه ذلك.
قال أبو الفتح: أصل هذه الأمثلة كلها تحريك عينها بالضم
نحو: "نور, وعون، وقول" ولكنهم هربوا من الضمة إلى السكون
استثقالا للضمة في الواو, ولما كانوا يقولون في "الرسُل،
والكتُب: رسْل، وكتْب", فيسكنون غير الواو كراهية الضمة
ويجيزون التسكين والتحريك كانت الواو حقيقة بإلزام السكون؛
لأنه قد انضم إلى أن الحركة مستثقلة، أن الحرف نفسه واو،
والواو ثقيلة، فلذلك اقتصروا فيها على التسكين وحده4.
ونظير هذا في كلامهم قولهم في تحقير5 "أسود، وجدول:
أُسَيِّد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ: فإنها. وفي هامشها: فإنما تسكن عينها: صح نسخة.
2 عوار وعور: زيادة من ظ، ش.
3 ظ، ش: عين، وهو خطأ.
4 ظ، ش: وحدها، وهو خطأ.
5 تحقير: ساقط من ظ.
ج / 1 ص -337-
وجديل", ويجيزون " أُسَيْوِد، وجديول"
بإظهار الواو لقولهم في الجمع: "أساوِد, وجداول" فإذا
جاءوا إلى نحو "مقام، ومعان" أعلوا لا غير فقالوا: "مقيم,
ومعين1"؛ لأنهم إذا اختاروا فيما الواو فيه2 ظاهرة صحيحة
الإعلال، فهم بأن يلزموا الإعلال ما كان قبل التحقير
معتلا3 جديرون.
"آثروا" تسكين
عين نحو "عور" على همزها؛ لأن له مثالا من الصحيح يسكن نحو
"رسل":
قال أبو عثمان:
وآثروا السكون على الهمزة حيث كان له مثال من غير المعتل
يسكن, ولم يكن لـ "أدؤر4، وقئول" مثال من غير المعتل يسكن
فيشبه به.
قال أبو الفتح: كأن هذا القول منه جواب لمن قال له: فهلا
قالوا: "نُؤُر، وعؤن" فهمزوا الواو5 كما قالوا: "أدؤر,
وقئول" فهمزوا؟ فانفصل من هذا بما قال، وهو أنه قد وجد في
الصحيح من أمثلة الجمع ما أصله "فُعُل" ثم أسكنت عينه نحو:
"رُسُل، وكتب"!
يقول: فلما سكّنوا6 نظيره من الصحيح, عدلوا بهذا المعتل
إلى الإسكان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في ظ، ش: "مقيم ومعين" بتسكين الياء فيهما، والصواب ما
نقلناه عن ص بتشديدها.
2 فيه: ساقط من ش.
3 ظ، ش: معلا.
4 ظ، ش: الأحور.
5 الواو: ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش: أسكنوا.
ج / 1 ص -338-
لأنه أولى من الصحيح, ولم يهمزوه لأنهم قد
رأوا له نظيرا من الصحيح قد أُسكن وباب "قئول، وأدؤر" لم
ير له نظير من الصحيح قد أسكن.
ألا ترى أنك لا تجد مثل: "ضَرُوب، وأَكْلُب" قد أُسكنت
عينه فتسكن عين "قئول1، وأدؤر" قياسا عليه، كما رأيتهم
قالوا: "كُتْب ورسل" فأسكنوا، وإنما لم يجز لهم إسكان عين
"فَعُول، وأفعُل" لسكون الواو في "فعول" والفاء في "أفعل",
وأرادوا تصحيح "أفعُل" لأن الزيادة في أوله من زوائد
الأفعال.
وقد مضى ذكر هذا.
قد يحركون عين
نحو "سور، وسوور" في الشعر, كما يفكون المضاعف نحو "ضننوا،
والأجلل":
قال أبو عثمان:
2 وقد يجوز تثقيله في الشعر؛ لأنهم قد يضاعفون في الشعر ما
لا يضاعف في الكلام2, كما قال الشاعر3:
وفي الأكف اللامعات سور
وأنشدنا أبو زيد قال: أنشدني الخليل بن أحمد:
أغرّ الثنايا أحمّ اللثا
ت تمنحه سوك الإسحل
قال أبو الفتح: يقول: تثقيل مثل هذا إنما يجيء لضرورة
الشاعر, وهو بمنزلة إظهاره التضعيف نحو قول قعنب الغطفاني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: أقؤل, وهو خطأ.
2، 2 عن ص ما عدا في الشعر، وفي ش مثله ما عدا قد الثانية
بزيادة في الشعر، أما ظ ففيها ما يأتي: وقد يجوز تثقيله في
الشعر؛ لأنهم يضاعفون في الكلام ما لا يضاعف.
3 الشاعر: زيادة من ظ، ش.
ج / 1 ص -339-
مهلا أعاذلَ قد جربت من خلقي
أني أجود لأقوام وإن
ضَنِنُوا
يريد: "ضَنُّوا" فأظهر التضعيف.
ومثله قول الآخر:
الحمد لله العليّ الأَجْلِلَ
يريد: "الأجلّ".
وقال1 الآخر:
تشكو الوجى من أظْلَل وأظْلَل
وحكى أبو زيد: "رجل جواد, وقوم جود، وجود".
قال: "وقالوا: رجل قَئُول2 وقوم2 قُول".
وقولهم: "سُور" جمع "سِوَار" و"سُوك" جمع "سواك", ولم أسمع
شيئا من هذا مهموزا، وهمزه جائز في القياس؛ لأن الضمة في
الواو لازمة. فإن3 كانوا قد أجمعوا على ترك همزه، فإنما
فعلوا ذلك لئلا يكثر تثقيل هذا الضرب في كلامهم, فيحتاجوا
إلى همزه هربا من الضمة في الواو, فحسموا المادة أصلا بأن
ألزموه التخفيف في الأمر العام لا غير.
و"فُعُل" الأجوف
بالياء بمنزلة الصحيح, فلا تستثقل الضمة فيه:
قال أبو عثمان:
و"فعل" من الياء بمنزلة غير المعتل وذلك في "غُيُر" جمع
"غيور" و"دجاج بُيُض" جمع "بَيُوض".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: وقول.
2، 2 ظ، ش: من قوم.
3 ظ، ش: وإن.
ج / 1 ص -340-
وأخبرني أبو زيد أنه سأل غير واحد من العرب
ممن يوثق1 به في عربيته1 فقالوا: "دجاجة بَيُوض، ودجاج
بُيُض".
قال أبو الفتح: إنما جرت الياء في هذا الموضع مجرى الصحيح
في أن لم تستثقل الضمة فيها كما استثقلت في الواو؛ لأنها
أخف من الواو.
وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن, عن أبي العباس أحمد بن
يحيى:
إذا كحلن عيونا غير مورقة
رَيَّشن نبلا لأصحاب الصبا صُيُدا
فـ "صيد" جمع "صَيُود".
من قال في "رسل"
الصحيح: "رسل" فأسكن، قال في "بيض" الأجوف بالياء: "بيض"
فأسكن:
قال أبو عثمان:
ومن قال: "رسل" فأسكن قال: "بيض".
وتركنا المسائل هنا؛ لأن هذا موضع2 تفسير الأصول, والكلام
كثير، والأصول تدل على الفروع. فإذا عرضت المسائل فقسها
على ما ذكرت لك، فأعلل ما أعلوا، وصحح ما صححوا، إن شاء
الله.
قال أبو الفتح: إنما لزمه أن يقول: "بيض"؛ لأنه لما أسكن
العين صار في التقدير "بُيْض", فجرى مجرى جمع "أبيض"3 ثم
أبدل من الضمة كسرة لتصح الياء, كما فعل في جمع "أَبْيَض"3
فصار "بِيض" كما ترى، وليس إسكان العين ههنا واجبا، من قبل
أنها ياء؛ لأن الياء في هذا تجري مجرى الصحيح كما ذكرنا،
ولكنه إسكان على حد ما يكون في الصحيح نحو: "كُتْب، ورسل"
وهو ههنا أحسن منه في الصحيح قليلا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: بعربيته.
2 ظ، ش: مواضع، وهو خطأ.
3، 3 ساقط من ظ، ش. |