المنصف لابن جني ج / 2 ص -51-
هذا1
باب ما اللام منه2 همزة من بنات
الياء والواو، اللتين هما عينان،
قال أبو عثمان:
وذلك نحو: "ساءَ يسوءُ، وناءَ ينوءُ، وجاء يجيء، وشاء
يشاء"3 فهذه كلها تجري3 مجرى: "قال يقول, وباع يبيع, وخاف
يخاف" في جميع ما تصرفت منه، إلا أنك تحول4 اللام ياء إذا
همزت عين فاعل التي همزتها في "قائل، وبائع" فتقول: "جاء،
وساء5, وشاء" لأنك حين همزت موضع العين، وكان موضع اللام
همزة اجتمعت همزتان في كلمة، فأبدلت الثانية ياء، وأجريتها
مجرى "قاض، وغاز" في جميع ما تصرفت فيه:
قال أبو الفتح: معنى قوله: أنها تجري مجرى "قال يقول: وباع
يبيع، وخاف يخاف" يريد أن انقلاب أعينها 6كانقلاب أعينها،
وأن الهمزة منها7 تجري مجرى اللام في "يقول"، والعين في
"يبيع" والفاء في "يخاف". وأصل "ساء: سَوَأ، وجاء: جَيَأ،
وشاء شَيِئ" بكسر الياء8 على "فَعِل" لقولهم في المضارع:
"يشاء"، و"يشاء: يَفْعَل" فهو بمنزلة "خاف يخاف9": وهذه
الهمزة متى لم تجتمع معها في الكلمة همزة أخرى كانت صحيحة
يجري عليها الإعراب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا: ساقط من ظ، ش.
2 ص، ظ: منه. وفي الهامش ظ، ش، ع: فيه.
3، 3 ساقط من ظ. وهو في ش: فإنها تجري.
4 بدل "تحول" في ظ ما يأتي: تقول جاء وساء فتحول.
5 وساء: ساقط من ظ، ش.
6 ص: عينها.
7 منها: ساقط من ظ، ش.
8 بكسر الياء: زيادة من ظ، ش، ع.
9 يخاف: زيادة من ظ، ش، ع.
ج / 2 ص -52-
فإن جئت باسم الفاعل وجب همز موضع عينه،
كما همز في "قائم، وخائف" فتلتقي حينئذ همزتان، فيجب إبدال
الثانية لاجتماعهما في كلمة، فتقول: "جاءٍ، وشاءٍ"، وأصله:
"جائئ، وشائئ" بوزن: "جاعع، وشاعع" فلا1 بد من قلب
الثانية، وإخراجها من باب الهمز أصلا، ولذلك2 مثلها أبو
عثمان بـ"قاض, وغاز".
ومن العرب من يجمع بين الهمزتين فيقول: "جائئ" وهذا قليل,
لا يؤخذ به.
"إذا التقت
همزتان في كلمة فلا بد من إبدال الثانية":
قال أبو عثمان: وكذلك إذا التقت الهمزتان في كلمة واحدة
فلا بد من إبدال الثانية على كل حال, وكان الأصل: "جائئ"3
على وزن3: "جاعِع"؛ ففعلوا4 به ما قلت لك لاستثقالهم
الهمزتين في كلمة واحدة5.
قال أبو الفتح: قد تقدم من القول ما فيه6 شرح لهذا الفصل.
"اطراد القلب
عند الخليل فيما اجتمع فيه همزتان":
قال أبو عثمان: وكان الخليل يقول: هو مقلوب، كما قالوا:
شاك، و:
لاث به الأشاء والعبريّ
7يريد: "شائكا، ولائثا"7.
واطرد القلب عند الخليل في هذا لئلا تلتقي همزتان, ولا
يطرد القلب8 في قول الخليل، في مثل "شاك، ولاث".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ولا.
2 ظ، ش: فلذلك.
3، 3 ص، ظ، ش، ك: كقولهم.
4 ظ، ش: فعلوا.
5 واحدة: ساقط من ظ، ش، ع.
6 ظ، ش، ع: هو.
7، 7 ساقط من ظ، ش.
8 القلب: ساقط من ظ، ش. وفي هامش ظ: القلب عند الخليل.
نسخة.
ج / 2 ص -53-
وقال غيره: ليس هذا مقلوبا، ولكن اللام
ألزمت البدل لئلا تلتقي همزتان: وكلا القولين حسن جميل.
وقال الشاعر فيما جاء مقلوبا:
فتعرفوني أنني أنا ذاكمو
شاك سلاحي في الحوادث معلم
وقال الآخر:
لاث به الأشاء والعبري
قال أبو الفتح: رأيت1 أبا علي يذهب إلى قوة قول الخليل في
هذا الباب قال2: لأنه لا يجمع على الكلمة إعلالين، إنما هو
إعلال واحد، وهو تقديم اللام، وتأخير العين.
قال: ومن قال: إنه ليس بمقلوب، فقد جمع على الكلمة
إعلالين: 3قلب العين همزة وقلب اللام ياء.
قال: وإذا كانوا قد قلبوا في: "شاك، ولاث" مع أنه ليس فيه
اجتماع همزتين، ومع أنهم لو لم يقلبوا لما جمعوا على
الكلمة إعلالين3، فهم بأن يقلبوا فيما لو لم يقلبوه للزمهم
إعلالان -وهو باب "ساء، وشاء, وجاء4"- أولى.
وإنما "شاك" فاعل من5 الشوكة من الواو5، يراد به السلاح،
و"لاث" من "لاث يلوث" إذا جمع ولف، وأصلهما: "لائث، وشائك"
فقلبوا العين إلى موضع اللام, فزالت الهمزة التي إنما وجبت
لمصاحبة العين ألف فاعل.
ويقال لأبي علي: إن الذي قال: "شاء" قد قدم اللام, وقلب
العين ياء، وأصله: "شائو"6، فهذان أيضا إعلالان. والقولان
متقاربان إلا أن هذا لا يلزم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ورأيت.
2 قال: ساقط من ص.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 جاء: ساقط من ص، ع.
5، 5 ظ، ش: الشوك.
6 ع: شاوئ.
ج / 2 ص -54-
أبا علي في "جئت" ونحوه من ذوات الياء.
وفي1 قول النحويين غير الخليل على كل حال قد حصل في الكلمة
إعلالان، فافهمه2.
وقول أبي عثمان: ولا يطرد القلب في قول الخليل في مثل
"شاك, ولاث". يقول: لأنه إذا لم يقلب فليس3 يلزمه اجتماع
إعلالين4، ولا بد منه في "جاء" ونحوه، لئلا5 يجتمع
إعلالان5.
ووزن "جاء" عند الخليل: "فالع"، وعند غيره: "فاعل".
وحكي أنهم يقولون: "شاك، ولاث" بحذف العين أصلا. وأنشد:
لاث به الأشاء والعبري
ووجه هذا أنهم لما قالوا في الماضي: "شاك، ولاث" وسكنت العين
بانقلابها ألفا، وجاءت ألف فاعل التقت6 ألفان، فحذف
الثانية حذفا، ولم يحركها حتى تنقلب همزة، كما فَعَلَ من
يقول: "قائم، وبائع".
"جمع خطيئة
ورزينة على فعائل":
قال أبو عثمان: وهذه مسائل تعرض في هذا الباب توضح أمره:
اعلم أنك إذا جمعت "خطيئة، ورزيئة" على فعائل. قلت:
"خَطَايا، ورَزايا" وما أشبه هذا مما لامه همزة في الأصل؛
لأنك همزت ياء "خطيئة، "ورزيئة"7" في الجمع كما همزت ياء
"قبيلة، وسفينة" حين قلت: "قبائل، وسفائن" وموضع اللام من
"خطيئة" مهموز, فاجتمع همزتان، فقلبت الثانية ياء لاجتماع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: في.
2 ظ، ش: فافهم. وفي ع: فافهم ذلك.
3 فليس: ساقط من ظ، ش.
4 إعلالين: ساقط من ظ، ش.
5، 5 ص، ك: يجمع إعلالين.
6 ظ، ش: فالتقت.
7 الزيادة من ع.
ج / 2 ص -55-
الهمزتين فصارت1 "خطائي"، ثم أبدلت مكان
الياء ألفا, كما فعلت ذلك في: "مَدارا2، ومعايا" وما أشبه
ذلك، فصارت "خَطاءَا"، وتقديرها: "خَطاعا"، والهمزة قريبة
المخرج من الألف، فكأنك جمعت بين ثلاث ألفات فلما كان كذلك
أبدلوا من الهمزة ياء فصارت "خطايا" فلا تستنكر هذا
التفسير، وتطويله، فإن هذا الباب يدور على هذا فاعلم ذاك3.
قال أبو التفح: قد شرح أبو عثمان هذا الفصل كما ترى،
ويحتاج إلى تتبع فإن4 قال قائل: لم لما صار التقدير: خطأ
بعد قلب الهمزة الآخرة ياء فتحت الهمزة حتى انقلبت الياء
ألفا؟
قيل: لأنهم قد قالوا في "مدارٍ: مَدارا" وفي "معاي:
مَعايا"، فأبدلوا من الكسرة فتحة مع أنه ليس في الكلمة
همزة عارضة في الجمع.
فلما عرضت في "خَطائِي" همزة كان ذلك تغييرا لَحِق الكلمة،
فأجترئ عليها بعد ذلك، فألزمت الفتح تخفيفا؛ ولأن الفتح
تغيير أيضا, كما أنهم6 لما لزمهم حذف الهاء من "حنيفة" في
النسب، اجترءوا على حذف الياء أيضا7، فقالوا: "حنفي"، وقد
مضى هذا.
ومثل ذلك أيضا: "مهارا، وبخاتا" جمع "مَهْرِيّ8،
وبُخْتِيّ" هَرَبوا9 من الكسر إلى الفتح، قال الشاعر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: فصار.
2 أمام "مدارى" في هامش "ع" ما يأتي.
"قال أبو عمر فيما يتعلق بهذا الفصل ما لا يسع إغفاله،
وهذا لفظه: "ليس شيء عدته أربعة أحرف، أو خمسة أحرف يكسر
بتمامه يخرج عن مثال: مفاعل، ومفاعيل؛ فلذلك جعلها مثل
"حبالى" وما أشبهه. أصله: "حبالى" ولكنهم قلبوا الياء
ألفا، كما قالوا في جمع "مدرى: مدار" وقال بعضهم: "مدارى""
ا. هـ من هامش ع. "بفتح اللام في "حبالى" الأولى وكسرها في
الثانية".
3 ذاك: ساقط من ظ، ش، وفي ع: ذلك، بدل: ذاك.
4 ظ، ش، ع: إن.
5 همزة: ساقط، من ظ، ش.
6 ص: أنه.
7 أيضا: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش، ع: مهرية. وفي ع: أيضا بعدها: بختية.
9 ظ، ش: فر.
ج / 2 ص -56-
إذا ما المهارى بلّغتنا بلادنا
فبعد المهارى من حسير ومتعب
وأيضا: فإنهم أرادوا أن يكون بين الهمزة العارضة
في الجمع، والهمزة التي كانت في الواحد فصل، فغيروا الهمزة
في "خَطايا" وأثبتوها في: "جواء" جمع "جائية".
فإن قيل: فقد قالوا: "قبائِل وسفائِن" فأقروا الهمزة وإن
كانت عارضة في الجمع؟
قيل: إنما صحت الهمزة في "سفائِن" لأن اللام صحيحة فلم
يمكن تغيير الهمزة، فهذا مذهب عامة النحويين في هذا
الباب1.
فأما الخليل: فإنه يرى أن "خطايا"، ورزايا" وما كان نحوهما
قد قلبت لامه التي هي همزة إلى موضع ياء "فَعِيلة" فكأنها2
في التقدير: "خطايئ"، ثم قلب3 الهمزة فصارت موضع الياء
فصارت4: "خطائي"، فأبدلت الكسرة فتحة وعمل بها5 كما عمل
بها في قول عامة النحويين.
فسألت أبا علي عن هذا، فقلت: هلا أقر الهمزة6 بحالها فقال:
"خطاء"6 لأنها لام، وهي من الأصل، وليست عارضة في جمع، كما
يقول في جمع "جائية: جواء7" لأنها ليس عارضة في جمع؟
فقال: إن اللام لما قدمت فجعلت8 في موضع الهمزة العارضة في
الجمع أشبهتها فجرى عليها حكمها, فغيرت كما تغير العارضة
في الجمع كما تقول في جمع "قوس: قسِيّ" وأصله: ""قُؤُوْسٌ"
ثم تقدم السين، وتؤخر الواو, فكان يجب أن تصحح؛ لأنها عين
الفعل، فيقال: "قُسُوّ" ولكنهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الباب: ساقط من ظ، ش، ع.
2 ظ، ش: فكأنهما. وفي ع: وكأنها.
3 ظ، ش، ع: قلبت.
4 ظ، ش، ع: فصار.
5 ظ، ش: فيها.
6، 6 ظ، ش: يقول في جمع جائية جواء.
7 ع: جواءي.
8 ظ، ش: فجعل.
ج / 2 ص -57-
لما أخروا العين إلى موضع اللام أعلت كما
تعل اللام. فجرت، قِسيّ" مجرى "عِصِي"، فهذا هنا1 كذاك
ثمة. انتهى2 قول أبي علي.
وكأن الخليل إنما ذهب إلى القلب في هذا؛ لأنه قد رآهم
قلبوا نظيره مما لامه صحيحة نحو قول الشاعر، أنشده سيبويه:
تكاد أوليها تفري جلودها
ويكتحل التالي بمور وحاصب
يريد: أوائلها.
3 وقول الآخر:
وكأن أولاها كعاب مقامر
ضربت على شزن فهي شواعي
قالوا4: يريد: شوائع.
وقول5 الآخر:
لقد زودتني يوم قو حزازة
مكان الشجا تجول حول الترائق
قالوا: أراد: التَّراقي. فله أن يقول: إنهم إذا قلبوا فيما
اللام فيه6 صحيحة، فهم بأن يقلبوا فيما اللام فيه معتلة:
أجدر؛ لأن القلب ضرب من الإعلال، والإعلال إلى المعتل أسبق
منه إلى الصحيح.
ومذهب من لم يقل بالقلب في "خطايا" عندي أقوى من قول
الخليل. وذلك أنه قد حكي عنهم: "غفر الله له7 خطائئه" بوزن
خطاععه. وحكى أبو زيد: "دَرِيئة، ودَرائي -بوزن دراعِع-
وخطيئة، وخطائي"، وذلك في كتاب الهمز المقيس، قرأته على
أبي علي عنه.
أفلا تراهم قد نطقوا بالهمزتين كما ذهب إليه غير الخليل،
ثم قلبوا الثانية ياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: هناك.
2 ظ، ش: انتهى إلى.
3 ظ، ش: وقال.
4 قالوا: ساقط من ع. وفي ظ، ش: فقال.
5 ظ، ش: وقال.
6 ظ: فيها.
7 له: ساقط من ظ، ش، ع.
ج / 2 ص -58-
لانكسار ما قبلها، فصارت "خطائي"، ثم اتفق
الخليل وسائر النحويين في التغيير من هنا إلى آخر ما جرى
على الكلمة.
قال أبو علي: ولا يلزم النحويين -غير الخليل- إذا أبدلوا
الهمزة العارضة في الجمع ياء في: "خطايا" أن يردوا الهمزة
التي هي لام لزوال همزة "فَعائِل" وقلبها ياء؛ لأن الهمزة
التي هي لام قد لزمها الإبدال والقلب فتركت الهمزة مبدلة
بحالها.
فإن قال قائل -منكرا على أبي علي هذا القول: إن هذا فاسد؛
لأن اللام إذا أبدلت لم يلزمها البدل, ألا ترى أن سيبويه
يقول في تحقير "مِنْساة" فيمن أبدل من الهمزة ألفا:
"مُنَيْسِئة" بالهمز. ويقول في تحقير: "تَوْلَج:
تُوَيْلِج"، فيرد الهمزة في "مُنَيْسِئة" لأن اللام ضعيفة
تحتمل1 التغيير. ولا تغير التاء في "تولج" لأنها فاء،
والفاء قوية لا تحتمل كثرة2 التغيير، فكذلك كان يلزم
النحويين غير الخليل إذا أبدلوا همزة "فعائل" في "خطايا"
ياء3، أن يردوا الهمزة التي هي لام، فيقولوا: "خطايأ"؟
قيل له: هذا إلزام فاسد من وجهين:
أحدهما:4 أن هذا4 الجمع قد اجتمع على ترك همزة: إما بالقلب
كما يقول الخليل. وإما بغيره كما يقول النحويون واطرد5 ترك
الهمز فيه على كل حال حتى إن الذي6 يجيء منه بالهمز على
غاية الشذوذ والقلة، وليس كذلك باب "مِنْسأة". ألا ترى أنه
ليس كل العرب يبدل الهمزة في7 "مِنْسَأة" وأنه قد جاء فيها
التحقيق كما جاء "فيها"8 البدل، نحو قول الشاعر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فتحمل.
2 كثرة: ساقط من ظ، ش.
3 ياء: ساقط من ظ، ش، ع.
4، 4 مكرو في ظ.
5 ظ، ش: فاطرد.
6 ظ، ش، ع: ما.
7 ظ، ش، من.
8 الزيادة: من ع.
ج / 2 ص -59-
أمن أجل حبل لا أباك ضربته
بمنسأة قد جاء جبل
بأحبل
ويروى:
قد جر حبلك أحبلا
فهذا البيت قد جاء كما جاء قول الآخر:
إذا دببت على المنساة من كبر
فقد1 تباعد عنك اللهو والغزل
وأيضا فإنه ليس كل ما كان مثل "مِنْسأة" يلزم
البدل. ألا ترى أنك2 لو بنيت مثل "مَفْعَلة" من "هَنَأت أو
حَظَأت3" لقلت: "مَهْنأة ومَحْظأة"، ولم4 تكن تجيز البدل،
إلا أن تسمعه؟ فلما كان القياس في "مِنْسأة" أن تهمز،
وكانت5 أيضا ليس مما اجتمع على6 همزه وهمز نظيره فارقت
"خطايا" التي القياس ترك همزها، وبذلك ورد السماع إلا في
حرف أو حرفين، فردت الهمزة في التحقير، ولم ترد في "خطايا"
لما قلبت همزة "فعائِل" ياء.
والوجه الآخر أن "خطايا" جمع، والذي عرض فيه إنما عَرَض
وهو على ما هو عليه من الجمعية، وليس كذلك "مِنْسأة" لأن
البدل إنما عرض فيها وهي مكبرة، ورد الهمزة إنما جاءها وهي
مصغرة في قولك: "مُنَيْسئة"، وقد يحدث في التحقير من الرد
إلى الأصل ما لا يوجد في التكبير في مواضع ألا ترى أنك لو
حقرت "يدا ودما" لرددت لام الفعل، فقلت: "يُدَيّة،
ودُمَيّ"؛ لأن بناء التحقير ضرب على حياله، وإن كان فيه
كثير مما في الواحد، فلما زال التكبير7 رجعت الكلمة في8
التحقير إلى أصلها الذي هو القياس وهو الهمز:
وليس كذلك "خطايا" لأن8 الكلمة مبقاة على ما هي عليه من
الجمعية لم تنتقل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: قد.
2 أنك: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: وخطأت.
4 ظ، ش: لم.
5 ظ، ش: وكان.
6 ظ، ش، ع: على ترك.
7 ظ: التكثير.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -60-
إلى غير الجمع. كما انتقلت "مِنْسأة" من
التكبير إلى التحقير، فزال القلب الذي ليس بقياس, ورجع
التحقيق1 الذي هو الأصل, أو التخفيف القياسي. فهذا فرق ما2
بينهما. والاحتجاج فيه تكثير3 وإسهاب، وإن لم نختصره طال
به الكتاب.
"فعيلة من جئت،
وسؤت يكسر على جيايا وسوايا":
قال أبو عثمان: ولو بنيت مثل "فَعِيلَة" من "جئت، وسُؤْت"
كنت قائلا في تكسيره: "جبايا. وسَوَايا" وما أشبه ذلك.
قال أبو الفتح: في هذا القول منه شيء، وهو أنه أجاز أن
تبنى "فَعِيلة" من "جِئت" و"جِئْت" عينه ياء, ولامه همزة،
والهمزة صحيحة، و"فَعِيل" لم يأت في كلام العرب مما عينه
ياء ولامه صحيحة, ليس في كلامهم مثل: "بَيِيع، وكَيِيل"
إنما يكون ذلك فيما عينه ولامه ياءان, نحو: "حَيِيْت فأنا
حَيِيّ، وعَيِيْت فأنا عَيِيّ".
ووجه هذا القول من أبي عثمان: أنه جاء به على طريق الرياضة
في المسائل, وينبغي أن يكون جوازه على مذهب أبي الحسن، على
أنه لو جاء لكانت هذه4 سبيله كما قدمنا ذكره وكان ينبغي أن
يقال في "فَعِيلة" من "جِئْت، وسُؤْت: جَيِيْئَة،
وسَوِيْئَة"، فيجريان مجرى "خَطِيْئَة، ورَزِيْئَة" وقد
تقدم القول فيها في الفصل الذي قبل هذا.
"فعائل وما كان
على مثاله من الجمع يستوين في اللفظ":
قال أبو عثمان: واعلم أن فعائِل وما كان على هذا المثال من
الجمع يستوين في اللفظ، وإن كان يحاول بهن أبنية مختلفة،
ولكنهن يجتمعن في الإعلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ك: التحقير.
2 ما: ساقط من ظ، ش، ع.
3 ص، ظ، ش: كثرة.
4 ش: لكان هذا. وفي ع: كذا هذا.
ج / 2 ص -61-
لأنه يعرض فيه ما يعرض في "فعائِل"، وذلك
نحو "فعاعِل" من "جئت، وسؤت" تقول1: "جبايا، وسوايا".
قال أبو الفتح: قوله: لأنه يعرض فيه ما يعرض في "فعائل".
يريد أنك تهمز "فعاعل" من "جئت" وأصلها: "جَيايئ" لاكتناف
الألف ياءان. وكذلك أصل "فعاعل" من "سُؤت: سَواوِئ2" فهمز
أيضا لاكتناف الألف واوان، فيصيران: "جَيائي، وسَوايئ"،
فيصيران إلى ما صار إليه "خطايا" من التغيير؛ لأن الهمزة
عارضة في الجمع.
"فيعل من جئت،
وسؤت يكسر على جيايا وسيايا":
قال أبو عثمان: وكذلك الواو والياء3 نحو: "فَيْعِل" من
"جِئْت، وسُؤْت" إذا قلت: "جَيِّئ، وسَيِّئ" إذا جمعته كما
تجمع "سَيِّدا" إذا قلت:
"سيائد" تقول فيه: "جيايا، وسيايا".
قال أبو الفتح: يقول: اكتناف الألف واو وياء كاكتنافها
واوان أو ياءان. وأصل "سيايا: سياوئ"، ثم هُمِزَت الواو
فصارت: "سيائئ" مثل "سياعع" فلزمها ما لزم خطايا، وكان
الصواب أن يقول في4 نحو: "فَوْعَل" من "جئت: فَيْعَل" من
"سُؤْت" حتى تكتنف الألف واو وياء كما ذكر؛ لأن أصل جمع
"فَوْعَل" من "جئت: جَوائِي"، ثم تهمز الياء فيصير "جوائئ"
مثل "جَواعع"، وإذا كان "فَيْعَل" من "جئت" فأصل جمعه5
"جيايئ" مثل "جيايع"، وهذا لم يكتنف ألفه واو وياء، ولا
ياء6 وواو إنما اكتنفها7 ياءان، وليس هذا قصد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقول: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: سوائي.
3 ظ، ش: والفاء.
4 في: ساقط من ظ، ش.
5 ظ: جميعه. وفي ع: جمعها.
6 ظ، ش: ولا واو.
7 ظ، ش: اكتنفتها. وفي ع: وإنما.
ج / 2 ص -62-
"إذا اكتنف الألف واوان أو ياءان، أو واو وياء همزت
الأخيرة":
قال أبو عثمان: وكل1 شيء همزته من باب "سيّد، وعيّل" إذا
قلت: "سيائِد وعيائِل" فهو من باب ما عينه ياء أو واو
ولامه همزة مغيرة على تغيير "جيايا" وأخواته2. هذا أصل هذا
إذا كانت تعرض في الجمع، وكان موضع اللام مهموزا، أو كان
من بنات الياء والواو اللواتي هن لامات وذلك نحو: "خطايا،
ورزايا، ومطايا، ورَوَايا"؛ لأن "مطايا" فعائل وهمزة
"فعائل" عارضة في الجمع كما عرضت همزة "قبائل" في الجمع
ولم تكن في الواحد3، فإذا كان موضع اللام ما ذكرت لك
فالهمزة العارضة في الجمع مُغَيّرة مبدلة كما ذكرت لك.
قال أبو الفتح: يقول: يلزمك إذا اكتنف الألف واوان، أو
ياءان، أو واو وياء: أن تهمز الآخرة، سواء كانت اللام
صحيحة أو4 معتلة، فإن كانت صحيحة ثبتت الهمزة نحو: "أوائل،
وسيائد، وعيائل". وإن كانت اللام همزة أو واوا، أو ياء:
لزم الهمزة التغيير لما ذكرت لك في أول هذه الفصول من
العلة الموجبة لتغيير الهمزة العارضة في الجمع إذا كانت
اللام معتلة.
فأما "مطايا" فأصلها: "مطاء"، والهمزة عارضة في الجمع،
واللام من بنات الواو؛ لأنها من "مطوت" فجرت مجرى "خطاء"
بعد بدل الهمزة الثانية فغيرت كما غيرت "خطايا".
فأما5 "رَوايا" فأصلها: "رَوَاو"6 فلما اكتنفت الألف واوان
همزت الآخرة فصارت "رَوَاء"6؛ فلما عرضت الهمزة في الجمع
واللام معتلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: فكل.
2 زادت ظ، ش بعد "وأخواته": قال أبو الفتح: ولا محل لهذه
الزيادة.
3 زادت ظ، ش بعد "الواحد": قال أبو عثمان؛ ولا حاجة إلى
هذه الزيادة.
4 ظ، ش: أم.
5 ظ، ش، ع: وأما.
6، 6 ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -63-
من بنات الياء؛ لأنها من "رويت" عُمِل فيها
كما1 عُمِل في "مَطايا".
"إذا جمعت
"جائية" على فواعل قلت "جواء"":
قال أبو عثمان: وإذا كانت الهمزة ثابتة في الواحد، ثم كسرت
ذلك الواحد على هذا المثال لم تغير الهمزة؛ لأنها لم تعرض
في جمع. وذلك أنك إذا2 جمعت "جائية" على "فواعِل" قلت:
"جَوَاء" مثل "جَواع"؛ لأن الهمزة لم3 تعرض في جمع فيُفْعل
بها ما فُعِل بـ"خطايا، ومطايا، وجبايا، وسَوايا".
4قال أبو الفتح4: قال لي أبو علي: هذا هو القياس؛ لأن
الهمزة قد تجتلب5 في جمع ما ليس واحده مهموزا نحو "قبيلة
وقبائل، وسفينة وسفائن" فهم بأن يجيئوا في الجمع بالهمزة
التي كانت في الواحد أجدر.
"جمع إداوة،
وغباوة، وشقاوة":
قال أبو عثمان: واعلم أن اللام إذا كانت واوا وكانت ظاهرة
في الواحد، فإن الهمزة تبدل مكانها الواو إذا كُسّر الواحد
على هذا الجمع نحو: "إداوة وأداوَى، وغباوَة وغباوى،
وشَقاوة وشقاوَى" وإنما "إداوة" فِعالة6 كـ"رسالة" فإذا
قلت: "رسائِل" همزت، فكأن جمع "إداوة" في الأصل: "أداء" ثم
غيرت على ما ذكرت لك، فأبدلت من همزتها الواو؛ لأن الواو
كانت ظاهرة في الواحد، فأرادوا أن تظهر في التكسير فلم
يمكنهم أن يظهروا الواو التي كانت في الواحد ظاهرة،
فأبدلوا "من
"8 الهمزة التي عرضت في الجمع واوا؛ لأن ذلك موضع تثبت في
مثله
الواو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: ما.
2 ظ، ش، ع: لو.
3 ظ، ش: لا.
4، 4 ساقط من ظ.
5 ش: تجلب.
6 ظ، ش: كفعالة.
7 ظ: همزها.
8 زيادة من ع.
ج / 2 ص -64-
قال أبو الفتح: قوله: فلم يمكنهم أن يظهروا
الواو التي كانت في الواحد1 ظاهرةو يريد: أن أصلها أن تقع
بعد الهمزة المكسورة على هذه الصورة: "أدائِو" بمنزلة
"أداعِو" فانقلبت2 الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها، فصارت3
"أدائي" بمنزلة "أداعي" فجرى عليها ما جَرَى على "خطاء" من
تغيير الحركة والقلب.
وقوله: فأرادو أن تظهر الواو في التكسير: هذا من ذلك الذي
عرفتك أنهم يراعون "في الجمع"4 في كثير من المواضع5 حكم6
الواحد، وليست الواو في "أدَاوَى" هي الواو في "إداوة"،
وإنما7 الواو في "أدَاوَى" بدل من الهمزة التي هي بدل من
ألف8 "إداوة" وإنما9 يفعلون ذلك إذا كانت الواو لاما لا
عينا.
وإنما فعلوا ذلك؛ لأن اللام إذا كانت واوا رابعة فصاعدا
فقد كثر قلبهم إياها إلى الياء نحو: "أَغْزَيت
واسْتَغْزيت، ومَغْزَيان ومَلْهَيان، وغازِية ومَحْنية"،
فأظهروا الواو هنا في "أداوَى" ونحوها؛ ليعلموا أن اللام
في "إداوة" وإن كانت رابعة فإنها10 صحيحة غير منقلبة.
فإذا11 كانوا قد راعوا الزائد في الجمع نحو: ياء "خَطِيئة"
حتى قالوا: "خَطايا" فهم بمراعاة الأصلي أجدر.
"قالوا: شهية
وشهاوي":
قال أبو عثمان: وقد قالوا: "شَهيَّة وشهاوَى" فجعلوها
بمنزلة ما ظهرت12 في واحده الواو؛ وهو شاذ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: الواحدة.
2 ظ: فتقلب - وفي "ش" فتقلب.
3 ظ، ش: فصارت أداء بمنزلة أداع - و"أدائي" زيادة من ع.
4 في الجمع: زيادة من ع.
5 ص، ظ، ش: الجمع.
6 ظ، ش: من حكم.
7 ظ، ش: إنما.
8 ألف: ساقط من ظ، ش.
9 ظ، ش: فإنما.
10 ظ، ش، ع: فإنها كانت.
11 ظ، ش: وإذا.
12 ظ، ش، ع: ظهر.
ج / 2 ص -65-
قال أبو الفتح: يقول: شبهوا "شَهِيَّة
بإداوَة"، فأظهروا الواو في جمعها كما ظهرت في جمع
"إدَاوَة" وليست كذلك، وكأن1 الذي حَسَّن هذا -على شذوذه-
أن الام من "شهية" واو2 في الأصل2، وكانت: "شَهِيْوَة" ثم
انقلبت الواو.
فكأن هذه الياء الأخيرة لما كان أصلها الواو صارت بمنزلة
ما نطقوا فيه بواو ظاهرة، فراعوا الأصل المتروك واعتدوا
به، كما أنهم قالوا: "قلت3 فضموا الفاء3؛ لأنهم راعوا أصل
حركة4 العين قبل الحذف والإسكان وهي الضمة المجتلبة لها
بدل الفتحة، وقد مضى ذكر هذا.
وأيضا: فإن من قال: "شَهاوَى" ولم يقل: "شهايا" مثل
"مَطايا"، فإنه6 كره الياء بين ألفين لقرب مخرج الياء من
الألف7 فجعل مكان الياء واوا؛ لأنها بعيدة من الألف7، وقد
قالوا: "هَدِيَّة وهَدَاوَى، ومَطِيّة ومَطَاوَى"، والسبب
في ذلك ما ذكرت لك، وليس بعلة قاطعة.
والأجود في جمع "شهية: شَهايا"، وكذلك: "مطايا، وهدايا".
"يجوز أن يكون
شهاوى جمع: شهوى":
قال أبو عثمان: فإن قال قائل: "شَهاوَى" جمع
"شَهْوَى". فقد قال قولا يجوز.
قال أبو الفتح: "شهاوَى" في هذا القول، في أنه جمع
"شَهْوى" بمنزلة "حُبْلى وحَبَالى"، وليست الألف في
"شهاوَى" هي الألف في "شَهْوى" وإنما هي بدل من الياء
المنقلبة في الجمع عن ألف "شهوى"، فكأنه كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فكأن.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3، 3 ظ، ش: فضموا القاف التي هي الفاء.
4 ظ، ش: الحركة من.
5 ش: فلم.
6 ظ، ش: فإنه قد.
7، 7 ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -66-
"شَهاوٍ" بمنزلة "دعاوٍ" ثم قلبت الياء ألفا؛ لأنهم فتحوا
ما قبلها، وأمالوا في الجمع محافظة على إمالة الواحد الذي
هو "شَهْوى"1 كما قالوا: "حُبْلَى وحَبالى"؛ وقد تقدم شرح
هذا.
وحمل "شَهاوَى" على أنه جمع "شهوى"1 قوي حسن؛ لأنه ليس فيه
حمل على الشذوذ؛ قال العجاج:
فهي شهاوى وهو شَهْواني
يريد2: "شَهْوان"، وهو مذكر "شَهْوَى".
"جمع سماء على فعائل في الشعر بلا إعلال الياء":
قال أبو عثمان: وقد جاء3 الشاعر بجمع3 "سماء" على فعائل
ولم يعل الياء؛ لأنه احتاج إلى حركتها فقال:
سماء الإله فوق سبع سمائيا
وذلك أنه لما أجرى على ياء "سماء" ما أجرى على غير المعتل لم
يعل الهمزة التي عرضت4 في الجمع كما لم يعل همزة "قبائل
ورسائل"5 ألا تراه فتح ياء "سمائيا" في موضع الجر فأجراها
مجرى لام "قبائل ورسائل5 وما كان آخره ياء 6ما قبلها
مكسور6 وهي ساكنة7 في موضع الجر والرفع؛ فالتنوين بدل منها
كذلك8 مجراها في أمثاله8 من غير الياء ينصرف أو لا ينصرف،
فإذا جاء النصب ظهرت الياء، فإن كان مثالها من9 غير المعتل
ينصرف صرفت، وإن كان مثالها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: فمعناه وهو - غير أن ع: ومعناه.
3، 3 ظ، ش، ع: في الشعر جمع.
4 ش: كانت.
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6، 6 كذا في: ص، ظ. وفي هامش ظ، وصلب: ش، ع: مكسورا ما
قبلها.
7 ساكنة: ساقطة من ظ، ش.
8، 8 ص: والتنوين بالواو مجراها فيما مثاله.
9 ظ، ش: على.
ج / 2 ص -67-
لا ينصرف لم تصرف1 في حال النصب. وذلك
قولك: "هذا قاض، ومررت بقاض، ورأيت2 قاضيا"، لأن "فاعلا"
من غير المعتل ينصرف نحو: "خالد، وحاتم" وما أشبهه.
وكذلك "جوار" تقول: "هؤلاء جوار، ومررت بجوار" فتصرفه في
الجر والرفع؛ لأن ياءه في الجر والرفع لا تظهر فهو أنقص من
"ضوارِب"، فإذا قلت: "رأيت جواري يا فتى" ظهرت ياؤه في
النصب فتم بناؤه على مثال ما لا ينصرف فلم ينصرف. فإذ اضطر
شاعر رفع الياء في موضع الرفع وجرها في موضع الجر، إذا كان
ذلك المثال ينصرف من غير الياء، فإذا جاء مثل "جوار" رفعه
إذا اضطر فقال: "هؤلاء جواري" فاعلم.
فإذا رفعه في موضع الرفع فهو عنده يجري آخره مجرى آخر
"ضوارِب" فإذا جاء موضع الجر فتحه كما يفتح آخر "ضوارِب"
في3 موضع الجر؛ لأنه لا ينصرف.
فإن اضطر الشاعر؛ إلى أن يصرف ما لا ينصرف صنع به ما يصنع
بغيره من غير5 المعتل، قال الشاعر:
لا بارك الله في الغواني هل
يصبحن إلا لهن مطلب
فجر ياء "الغواني"؛ حين احتاج إلى ذلك. وشبَّهه بباء
"الضوارب".
وأنشدنا الأصمعي:
أبيت على معارِيَ فاخرات
بهنّ مُلَوَّب كَدَم العِباط
فهذا إنشاد بعض العرب، وهو غلط؛ لأنه لو أنشده6: "معار
فاخرات"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: تنصرف.
2 ورأيت: عن ص وهامش ظ. وفي ظ، ش: ضربت.
3 في: ساقط من ش.
4 ص وهامش ظ: الشاعر. وفي ظ، ش: شاعر.
5 غير: ساقط من ش.
6 ظ، ش، ع: أنشد.
ج / 2 ص -68-
لم ينكسر الشعر، ولكن الذين أنشدوه مفتوحا
استنكروا قبح الزحاف، ونفرت عنه طبائعهم مسكنا مخافة كسر
الوزن. وأما الجفاة الفصحاء فلا يبالون كسر البيت
لاستنكارهم زيغ الإعراب.
وقال الشاعر -1فأجراه على الأصل1:
قد عجبت مني ومن يعيليا
لما رأتني خلقا مقلوليا
وقال "الآخر"2:
خريع دوادي في ملعب
تأزر طورا وتُرخى
الإزارا
ودعانا إلى هذا كله:
سماء الإله فوق سبع سمائيا
لئلا يحتج به محتج على القياس المنقاد، فإن من يغلط في هذا
كثير ممن يدعي العلم:
قال أبو الفتح: في هذا الفصل أشياء أنا أبينها بحول الله.
أما قول الشاعر
سماء الإله فوق سبع سمائيا
فقد خرج فيه عما عليه الاستعمال، من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه جع "سماء" على "فعائل"، فشبهها بـ"شمال
وشمائل"، والجمع معروف فيها إنما هو "سُمي"3 على "فُعُول".
قال الراجز:
كنهور كانت من أعقاب السمي
وأصلها التشديد: "سُميّ" فخففت للقافية نحو قول الآخر:
حيدة خالي ولقيط وعلي4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 زيادة من ظ، ش.
3 ظ، ش، ع: فعول سمى.
4 ظ: على.
ج / 2 ص -69-
يريد: علي وهذا كثير، ونظير "سماء وسُمي:
عَناق وعُنُوق" ألا ترى أن "سماء" مؤنثة كما أن "عناقا"
كذلك، فهذا وجه.
والثاني: أنه أقر الهمزة العارضة في الجمع مع أن اللام
معتلة، وهذا غير معروف, ألا ترى أن ما تعرض الهمزة في جمعه
ولامه ياء أو واو أو همزة؛ فالهمزة العارضة فيه مغيرة
مبدلة نحو: "خَطِيئة وخَطايا، ومَطِيّة ومَطايا" ولم
يقولوا: "خطاء ولا مطاء" كما قالوا: "سماء" فهذا وجه ثان.
والثالث: أنه أجرى الياء في "سماء" مجرى الباء في "ضوارب"
ففتحها في موضع الجر كما تقول: "مررت بضوارب" والمعروف
عندهم أن تقول: "هؤلاء جوار، ومررت بجوار" فتحذف الياء،
وتدخل التنوين؛ وسأذكر العلة في ذلك "إن شاء الله"1 ومن
أين جاء هذا الضرب من الجمع الصرف؟
وللنحويين في هذه اللفظة احتجاج وتقوية لما يذهبون إليه من
أن أصل "مطايا: مطاوى2"، ألا ترى أن الشاعر لما اضطر جاء
به على أصله3 فقال: "سمائيا" كما أنه لما اضطر إلى إظهار
أصل "ضن" قال:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي
أني أجود لأقوام وإن ضننوا
4يريد: ضنوا4.
وكما قال الآخر:
صددت فأطولت الصدود وقلما
وصال على طول الصدود يدوم
يريد: أطلت.
فهذه الأشياء الشاذة فيها حجج للنحويين في أن يقولوا: إن
أصل هذا كذا، وإن5 أصل هذا كذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الزيادة من ع.
2 ص، ظ، ش: مطاء.
3 ظ، ش: الأصل.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 إن: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -70-
وكذلك ما حكي عنهم1 من أنهم يقولون1: "غفر
الله2 خطائئه" بوزن "خطاععه"، فيه دلالة على أن أصل
"رزايا: رزائئ" بوزن "رزاعع". ألا ترى أن "رزيئة كخطيئة"
فلا بد لهم3 في جميع ما يدعونه من قياس يرجعون إليه، أو
مسموع يحملون ما غير عليه.
"التنوين في
"جوار، وغواش" ونحوهما ليس بدلا من الحركة":
فإما "جوار وغواش" ونحوهما، فللسائل أن يقول: لم صرف هذا4
الوزن وبعد ألفه حرفان: الراء والياء والشين والياء؟
وقد قال أبو إسحاق: في هذا ما أذكره لك: وهو أنه ذهب إلى
أن التنوين إنما دخل في هذه الوزن؛ لأنه عوض من ذهاب حركة
الياء، فلما جاء التنوين وهو ساكن والياء قبله ساكنة التقى
ساكنان فحذفت الياء فقيل: "هؤلاء جوار" كما قيل: "هذا قاض،
ومررت بقاض" يريد أن أصله: "هؤلاء جواري" ثم أسكنت الياء
اسثقالا للضمة فبقيت5 "جواري" ثم عوض من الحركة التنوين،
فالتقى ساكنان فوجب حذف الياء كما ذكرنا6 قبل.
ألا ترى أن الحركة لما ثبتت في موضع النصب في قولك: "رأيت
جواري"7 لم يُجأ7 بالتنوين؛ لأنه إنما كان يجيء عوضا من
الحركة، فإذا كان الحركة ثابتة لم يلزم أن يعوض منها شيء.
وأنكر8 أبو علي هذا القول على أبي إسحاق، وقال9: ليس
التنوين عوضا من حركة الياء، وقال10: لأنه لو كان كذلك
لوجب أن يعوض التنوين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ: الله له.
3 لهم: ساقط من ظ، ش.
4 هذا: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: فبقي.
6 ظ: ذكرنا ما: وفي ش: ذكرناها.
7، 7 ظ: ثم يجاء.
8 ظ، ش: فأنكر.
9 ظ، ش: فقال.
10 ظ، ش: وقيل.
ج / 2 ص -71-
من1 حركة الياء في "يرمي" ألا ترى أن
أصله: "يَرْمِيُ" بوزن يضرب؛ فلما لم ترهم عوضوا من1 حركة
هذه2 الياء، كذلك لا يجوز أن يكون التنوين في "جوار"
عِوَضا من ذهاب حركة الياء.
فإن انتصر منتصر لأبي إسحاق فقال: إلزام أبي علي إياه لا
يلزمه؛ لأن له أن يقول: إن "جوار" ونحوه اسم والتنوين بابه
الأسماء. و"يرمي ويغزو" فِعْل، والتنوين لا مدخل له في
الفعل؛ فلذلك لم يلزم أن يعوض من3 حركة ياء "يرمي"
ونحوها3.
قيل له: ومثال "مفاعل" أيضا لا يدخله التنوين؛ فجرى مجرى
الفعل:
فإن قال: مفاعل على كل حال اسم، والاسم مما يصح تنوينه،
فلذلك عوض من حركة تنوينا؟
قيل له: لو كان الأمر كذلك لوجب أن يعوض من حركة الألف في
"حبلى" ونحوها تنوينا، ولم نرهم فعلوا ذلك، وإن كانت اسما.
فإن قال: لو عوض من حركة "حُبْلَى" ونحوها لدخل التنوين ما
لا ينصرف على وجه من الوجوه؟
قيل: وكذلك4 مثال "مفاعل" قد5 لا ينصرف معرفة ولا نكرة.
فإن قال: مثال "مفاعل" قد ينصرف في بعض المواضع، وذلك عند
ضرورة الشعر6، و"حُبْلَى" وبابها لم يصرف قط لضرورة الشعر،
فهذا الفصل بينهما؟
قيل: إنما لم يصرفوا نحو: "حُبْلَى" للضرورة؛ لأن التنوين
كان يذهب الألف من اللفظ، فيحصل على ساكن هو التنوين، وقد
كانت الألف قبله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1, 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: هذا.
3، 3 ص، ظ، ش: حركته.
4 ظ، ش: وكذلك أيضا.
5 قد: ساقط من ظ، ش، ع.
6 ظ، ش: الشاعر.
ج / 2 ص -72-
ساكنة، فلا يزدادون أكثر مما كان قبل
الصرف1 فتركوا الصرف1 في نحو: "حُبْلَى" لذلك.
ألا ترى أنهم يصرفون نحو: "حمراء" فيقولون: "مررت بحمراءٍ"
للضرورة؛ لأنهم قد ازدادوا حرفا يقوم به وزن البيت، وهمزة
"حمراء" كألف "سَكْرَى وحُبْلَى" فمن هنا سقط انتصار
المنتصر لأبي إسحاق؛ فتفهم هذا فإنه لطيف جدا.
والقول في هذا ما ذهب إليه الخليل، وسيبويه من أن الياء
حذفت حذفا، لا2 لالتقاء الساكنين؛ فلما حذفت الياء صار3 في
التقدير "جوار" بوزن "جَناح" فلما نقص عن وزن "فواعل"
ودخله التنوين، كما يدخل "جناحا" فقيل: "جوارٍ".
يدل على أن التنوين إنما دخله لما نقص عن وزن "ضوارب": أنه
إذا تم الوزن في النصب، وظهرت الياء، امتنع التنوين أن
يدخل؛ لأنه قد تم في وزن "ضوارب"، وذلك قولهم: "رأيت
جواري" فالتنوين4 على هذا معاقب للياء، لا للحركة، إذ لو
كان معاقبا للحركة لوجب أن يدخل في "يَرْمي" لأن الحركة قد
حذفت من الياء في موضع الرفع.
وشيء آخر يدل عندي على أن التنوين في "جوارٍ" ونحوه ليس
بدلا من الحركة، وذلك أن الياء في "جوارٍ" قد عاقبت5
الحركة في الرفع، والجر في الغالب من الأمر، وإذا كان6
الأمر كذلك فقد7 صارت الياء لمعاقبتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 لا: ساقط من ظ، ش، والصواب إثباتها.
3 ش: صارت.
4 ظ، ش: فالنون.
5 ظ، ش: عاقب.
6 ظ: كانت.
7 فقد: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -73-
الحركة تجري مجراها؛ فكما لا يجوز أن يعوض
من الحركة وهي ثابتة، كذلك لا يجوز أن يعوض منها، وفي
الكلمة ما هو معاقب لها، وجار مجراها، وقد دللت في هذا
الكتاب على أن الحركة قد تعاقب الحرف، وتقوم مقامه في كثير
من كلام العرب.
فإن قال قائل: فلم ذهب الخليل، وسيبويه إلى أن الياء حذفت
حذفا حتى أنه لما نقص وزن الكلمة عن بناء فواعل دخلها
التنوين؟
قيل: لأن الياء قد حذفت في مواضع لا تبلغ أن تكون في الثقل
مثل هذا نحو قوله تعالى:
{الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}1 يريد: المتعالي.
وقال2 تبارك اسمه2:
{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}3 يريد: الداعي.
وقال:
{يَوْمَ التَّنَادِ}4 يريد: التنادي.
وقال الشاعر:
وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه
ويكن أعداء بعيد وداد
5يريد: الغواني5.
وقال الآخر:
وطرت بمنصلي في يَعمَلات
دوامي الأيد يخبطن السَّريحا
6يريد: الأيدي6.
وقال الآخر:
لا صلح بيني فاعلموه ولا
بينكم ما حملت عاتقي
سيفي وما كنا بنجد وما
قرقر قمر الواد بالشاهق
يريد: الوادي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 9 من سورة الرعد 13.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 من الآية 6 سورة القمر 54.
4 من الآية 32 سورة غافر 40.
5، 5 ساقط من ظ، ش، ع.
6، 6 يريد الأيدي: ساقط من ع.
ج / 2 ص -74-
فاكتفى في جميع هذا بالكسرة1 من الياء، وهو
كثير جدا؛ فلما كان هذا الاكتفاء بالكسرة من الياء جائزا
مستحسنا في هذه الأسماء الآحاد، والآحاد أخف2 من الجموع
كان باب "جوار" جديرا بأن يلزم الحذف لثقله.
ألا ترى أنه جمع، وهو من ذلك الجمع الأكبر الذي3 تنتهي
إليه الجموع، فلما اجتمع فيه ذلك -وكانوا قد حذفوا الياء
مما هو أخف منه- ألزموه الحذف البتة حتى لم يجز غيره؛ وقد
حذفت الياء أيضا من الفعل في موضع الرفع حذفا كالمطرد. نحو
قوله تعالى:
{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}4
يريد: نبغي.
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}5 يريد: يسري.
وقال زهير:
ولأنت تفري ما خلقت
وبعض القوم يخلق ثم لا يفر.
ينشد هكذا، يراد به يفري.
وقال الآخر:
كفاك كف ما6 تُلِيق درهما
جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
يريد: تعطي7 وهو كثير.
فهذا يدلك على اطراد حذف الياء؛ فكذلك8 حذفت أيضا في
"جوار" استخفافا، فلما نقص البناء عن زنه "فواعل" عاد
التنوين.
ومن ذهب إلى أن الياء حذفت لسكونها وسكون التنوين بعدها
فمخطئ، تارك للصواب، وما عليه الخليل وسيبويه.
فإن قال قائل: نحن نعلم أن الفعل أثقل من الاسم، فكيف جاز
أن يلزموا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بالكسر.
2 ظ، ش: أخص.
3 ظ، ش: التي.
4 من الآية 64 من سورة الكهف 18.
5 من الآية 4 من سورة الفجر 89.
6 ظ، ش، ع: لا.
7 يريد تعطي: ساقط من ع.
8 ظ، ش: وكذلك.
ج / 2 ص -75-
باب "جوارٍ" الحذف إلزاما -وهو اسم- ولم
نرهم ألزموا نحو: "يَرْمِي، ويسري" الحذف البتة، وهو فعل؟
قيل: لم يلزم باب "يَرْمِي, ويسري" الحذف؛ لأن هذه الياء
قد تحذف في الجزم حذفا مطردا لا يجوز غيره، فلو ألزموها
الحذف في موضع الرفع أيضا لالتبس الرفع بالجزم، ولم ينفصلا
فأقروها في الرفع للفصل، وأجازوا1 الحذف فيه في بعض
المواضع استخفافا.
"توافق الجر والرفع في "جوار، وغواش" ونحوهما":
فإن قيل: هلا فصلت بين2 الرفع والجر3 في نحو3: "جوار" كما
فصلت بين الرفع والجزم في نحو: "نبغ، ويسر".
قيل: الضمة، والكسرة، وإن اختلفتا4 في الصوت فقد اتفقتا في
أن كل واحدة منهما حركة، وأنهما5 كلتيهما مستثقلتان في
الياء، فلذلك6 لم يفصلوا بينهما في باب "جوار, وغواش7"،
واعتمدوا على ما يصحب الكلام من أوله، أو8 آخره، وليس كذلك
الرفع والجزم9؛ لأنهما لم يتفقا في حال، كما اتفقت الضمة،
والكسرة، فافهم!.
وأما10 قول أبي عثمان في قول الشاعر:
أبيت على معاري فاخرات
بهن ملوب كدم العباط
فهذا إنشاد بعض العرب، وهو غلط؛ لأنه لو أنشد: "معارٍ
فاخرات" لم ينكسر الشعر، ولكن الذين أنشدوه مفتوحا
استنكروا11 قبح الزحاف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: في إجازة.
2 ظ: بأن.
3، 3 ظ، ش: أيضا في.
4 ظ: اختلفا.
5 ش: وأن.
6 ظ، ش: ولذلك.
7 وغواش: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش، ع: إلى.
9 ظ: الكسر، وهو خطأ.
10 ظ، ش: فإن قيل فأما.
11 ص: استكرهوا.
ج / 2 ص -76-
ونفرت عنه طبائعهم مسكنا، مخافة كسر الوزن،
وأما الجفاة الفصحاء فلا يبالون كسر البيت لاستنكارهم1 زيغ
الإعراب. فليس2 يريد بالكسر هنا ما يألفه الناس؛ لأن الكسر
لا يجوز في الشعر.
ألا تراه قال: لأنه لو أنشد: "معار فاخرات" لم ينكسر
الشعر؛ فقد صرح بأنه لو قيل: "معارٍ "بالتنوين"3" لم
ينكسر. و"قد"4 قال فيما بعد: مخافة كسر الوزن، فإنما5 يعني
بكسر الوزن في هذا الموضع: الزحاف.
6ويدل على أنه يريد بالكسر هنا الزحاف6 قوله قبل: ولكن
الذين أنشدوه مفتوحا استنكروا قبح الزحاف، ولم يقل:
استنكروا كسر الشعر؛ وإذا تأملت وزن هذا البحر من الشعر
أيضا علمت أن إنشاد "معار" زحاف لحق البيت لا كسر؛ ألا ترى
أنه من الوافر. وتقطيعه:
أبي تُعَلا، معارنفا، خِراتن
بهن نملو، وبن كدَمِل، عِباطي
مفاعلتن مفاعيلن فعولن
مفاعلتن مفاعلتن فعولن
وإنما7 جعلت "مفاعيلن" موضع "مفاعلتن" وهذا جائز، واسمه
العصب. ولو قال: "معاري فا" لكان "مفاعلتن"، 8وفي الإجماع
أن "مفاعيلن" في هذا الموضع جائزة في "مفاعلتن"8، وإنما
يمتنع "مفاعلتن" من أن يجوز فيها "مفاعيلن" في الضرب
الثاني، لئلا يلتبس بالضرب الثالث لا9 في هذا الموضع، وهذا
مبين في العروض.
"أصل يرجع إليه في باب وزن الشعر":
وقوله: وأما الجفاة الفصحاء فلا يبالون كسر البيت،
لاستنكارهم زيغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: لاستكراههم.
2 ظ، ش: وليس.
3 زيادة من ظ، ش.
4 زيادة من ظ، ش، ع.
5 ع: وإنما.
6، 6 ساقط من ظ، ش، ع.
7 ظ، ش: فإنما.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9 ص: إلا.
ج / 2 ص -77-
الإعراب: قد تحصل لنا من أصل نرجع إليه في
باب وزن الشعر، وذلك أنه إذا ورد بيت يحتمل أن يكون فيه
زِحاف، وألا يكون، إلا أنه لا يوصل إلى ألا يكون فيه زحاف
إلا باحتمال ما لا يجوز مثله إلا في ضرورة الشعر؛ فالصواب
أن ينشد مزاحفا، ويترك ألا يكون فيه زحاف مخافة زيغ
الإعراب، وألا يتجوز1 فيه ما لا2 يجوز مثله3 إلا في ضرورة
شعر, مثال ذلك3 قول الشاعر، أنشدناه أبو علي لقطري بن
فجاءة:
وضاربة خدا كريما على فتى
أغر نجيب الأمهات كريم
هكذا أنشدناه "أغرَّ" غير مصروف، ولو صرفه فقال: "أغر نجيب
الأمهات" لكان أصح في الوزن؛ لأنه كان يكون4 وزنه في
العروض: "فَعُولن" "على التمام"5، وهو إذا قال: "أغر"6 فلم
يصرفه6 دخله القبض فصار7 "فَعُول", والوجه على 8ما ذكر أبو
عثمان ألا يصرف؛ لأن حمله على الزحاف أقيس من صرف ما لا
ينصرف، وهو مذهب الجفاة الفصحاء 9من العرب 9كما قال أبو
عثمان.
وقد يجوز أن يحتمل ما لا يجوز مثله إلا في ضرورة شعر
محافظة على صحة الوزن، وكراهية لقبح الزحاف, قال الشاعر:
لم تتلفع بفضل مئررها دعـ
ـد ولم تغد دعد في العلب
فصرف "دعدا" الأولى، فصار وزن الجزء10 الذي هي فيه10
"مستفعلن"11 ولو لم يصرف فقال "دعد ولم" لصار12 وزنه:
"مفتعلن"11.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يجوز.
2 لا: ساقط من ع.
3، 3 ظ، ش: ألا ترى إلى.
4 يكون: ساقط من ظ، ش.
5 الزيادة من ع.
6، 6 ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: فقال.
8 على: ساقط من ظ، ش، ع.
9، 9 من العرب: ساقط من ظ، ش، ع.
10، 10 الذي هي فيه: ساقط من ع.
11، 11 ساقط من ع.
12 ظ: ولم صار. وفي ش: وعد صار.
ج / 2 ص -78-
و"مفتعلن" ههنا جائز؛ لكنه استنكره؛ لأن
فيه زحافا، فصرف، وجعل إرادته "مستفعلن" ضرورة يجب لها
احتمال صرف ما لا ينصرف1 وعلى أن منهم من يصرف نحو: "دعد"
وإن لم يكن قويا1.
وكذلك قول الآخر أنشدناه أبو علي عن أبي زيد:
إذا العجوز غضبت فطلق
ولا ترضاها ولا تملّق
فأثبت الألف في "ترضّاها" في موضع الجزم، ولو قال: "ولا
ترضها، ولا تملق" لم ينكسر الشعر؛ لأنه كان يصير موضع
"مستفعلن: مفاعلن"، وهو جائز؛ ولكنه كره الزحاف.
وقد روي أيضا: "ولا ترضها" مزاحفا، وهذا خلاف2 مذهب الجفاة
من العرب، ومذهبهم أقوى عندي من هذا؛ لأن3 زحاف البيت أسهل
من احتمال ما لا يجوز مثله إلا في شعر!
والدليل على ذلك: أنك لا تكاد تجد في القصيدة -وإن طالت-
من الأبيات السالمة من الزحاف إلا البيت الشاذ، وقد تجد
كثيرا من الشعر يسلم من أن يكون قد احتمل شيء مكروه من
أجله، أو أن4 يكون قد تجوز لضرورة5 ما لا يجوز إلا في شعر،
وهذا أشهر من أن أحتاج إلى أن أورد منه شيئا لكثرته6،
وفشوه، واشتهاره في أشعارهم.
فأما لو ورد بيت وفيه من الضرورة ما إذا لم يحتمل انكسر
البيت انكسارا لم يجز إلا التزام تلك الضرورة نحو قول
النابغة7:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش، ع.
2 خلاف: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: ولأن.
4 ظ، ش: وأن.
5 ظ، ش: لضرورته.
6 ظ، ش: لكثره.
7 ظ، ش: الشاعر، وهو النابغة.
ج / 2 ص -79-
فلتأتينك قصائد وليركبا
جيش إليك قوادم الأكوار
فهذا لا بد فيه من صرف "قصائد" وإلا انكسر1 البيت؛ لأنك لو
لم تصرفه لصار: "متفاعلن" إلى "متفاعل"، وهذا لا يجوز فيه
على وجه؛ فإذا كانت الضرورة2 على هذا النحو لم يكن بد من
التزامها، وإلا انكسر الشعر، والكسر لا يجوز، الزحاف جائز
في الشعر واسع جدا.
وأما قول الآخر:
قد عجبت مني ومن يعيليا
فهو3 تصغير: "يَعْلَى" وقياسه: "يُعَيْل"، كما تقول في تصغير
"يشقى" اسم رجل: "يُشَيق"، تصرفه وتحمله على باب "جوار"
لأنه لا يبلغ أن يكون في الثقل مثل: "جوار" فإذا4 صرفت
"جوار" كان "يُعَيْل"، أحرى بالصرف؛ لأن "يفعل" ينصرف
نكرة، ومفاعل، لا ينصرف معرفة ولا نكرة، إلا أنه أجراه
مجرى الصحيح فقال: "يُعَيْليا" كما تقول في5 تصغير "ثعلب:
ثُعَيْلب"5.
وليست الألف في آخر "يُعَيْليا" مثل التي في قولك: رأيت
زيدا، إنما6 هي ألف الوصل مثل التي في قول الشاعر:
أقلي اللوم عاذل والعتابا
لأن: "يُعَيْلِيَ" لما تم فصار7 في وزن
"يُفَيْعل" لم ينصرف.
فإن قلت: فهلا صرفت "يُعَيْلِي" لضرورة الشعر، وجعلت الألف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ظ، ش: لانكسر.
2 ظ، ش، ع: الضرورة فيه.
3 ظ، ش؛ فهي.
4 ظ، ش: وإذا.
5، 5 ص: "في تصغير ثعلب: رأيت ثعليب". وفي ع: "كما تقول في
رأيت ثعلب: رأيت ثعيلب".
6 ظ، ش: وإنما.
7 ش: صار.
ج / 2 ص -80-
في "يُعَيْلِيا" عوضا من التنوين الذي هو
علامة الصرف على حد قولك: رأيت زيدا؟
قيل: لو صرفه لعاد إلى الجر، فقال: "ومن يُعَيْل" وإن
أجراه مجرى الصحيح فصرفه1 قال: "ومن يُعَيْلِي" كما تقول:
"مررت بعثمان" عند الضرورة، ولا يقول أحد: "مررت2
بعثمانا"؛ فكذلك لا يجوز أن تكون الألف في "يعيليا" بدلا
من التنوين.
وأما3 قوله:
خريع داودي في ملعب
فليس بمنزلة "معاري" في أنه يجوز أن تقول: "دواد4 في معلب4"
كما يجوز أن تقول في ذلك البيت: "معار" لأنك لو قلت:
خريع دواد في ملعب
لانكسر البيت5؛ لأنك كنت تجعل موضع "فعولن" في المتقارب في
حشو البيت "فعلن"، وهذا لا يجوز؛ فهذا نظير قوله:
فلتأتينك قصائد
في أنه لا بد من الصرف.
ونظير ما أنشده أبو عثمان من هذه الأبيات قول جرير:
فيوما يوافين الهوى غير ماضي
ويوما ترى6 منهن غولا6 تغول
وحكى أبو7 علي عن أبي7 العباس أن أبا عثمان كان ينشده:
فيوما يوافين الهوى ليس ماضيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: وصرفه.
2 مررت: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: فأما.
4، 4 ساقط من ظ، ش، ع.
5 ظ، ش، ع: الوزن.
6، 6 ظ، ش: فيهن غول.
7، 7 ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -81-
فهذا لا ضرورة فيه. وأما1 قول الآخر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
بما لاقت لبون بني زياد
فهذه إنما جاء على لغة من يقول: "هو يأتيك، وغير ماضي"
فيجريه مجرى الصحيح؛ فكأنه حذف الضمة للجزم، كما يحذفها له
من الصحيح في قوله:
"ألم يبلغك".
وأنشد بعضهم عن أبي عثمان:
تراه وقد فات الرماة كأنه
أمام الكلاب مصغي الخد أصلم
فحرك الياء من "مصغي" بالضم.
وحكى أبو علي أيضا عن أبي العباس، عن أبي عثمان في هذا
البيت:
ألا هل أتاك والأنباء تنمي
فهذا أيضا7 لا ضرورة فيه3.
وقال أبو إسحاق: كان الأصمعي ينشد:
لا بارك الله في4 الغوان فهل4
والقول يتسع، وفيما مضى كفاية:
"بناء فعائل كحطائط من "جئت، وسؤت"":
قال أبو عثمان: ولو بنيت "فعائلا" مثل "حُطائط" من "جئت،
وسؤت" لقلت6: "جُيَاء، وسُوَاء" فعلت به ما فعلت بـ"جاء،
وساء" ولم تغير الهمزة؛ لأنها تعرض في جمع7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فأما.
2 أيضا: ساقط من ظ، ش.
3 فيه: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ظ، ش: الغواني وهل.
5 في كعب ع، أمام "حطائط" ما يأتي:
أنشد قطرب:
إن حرى حطائط بطائط
كأثر الظبي بجنب الغائط
6 ظ، ش: قلت.
7 زادت ع هنا ما يأتي على أنه كلام أبي عثمان: "كما لم
تغير همزة فاعل من "جئت" وأخواته لأنها لم تعرض في جمع".
ج / 2 ص -82-
قال أبو الفتح: أصل هذا1: "جُيَائئ:
وسُوائئ" بوزن "جُياعِع، وسُواعِع"، فالهمزة الأولى هي
الزائدة بمنزلة همزة "حُطائط" لأنه من الانحطاط، والثانية2
لام الفعل، بمنزلة الطاء الثانية، فلما اجتمعت الهمزتان في
كلمة قلبت الثانية ياء، لانكسار ما قبلها، كما فعلت ذلك في
"جاء، وساء"، فهذا معنى قوله: فعلت به ما فعلت بـ"جاء،
وساء".
وقوله: ولم تغير الهمزة؛ لأنها لم تعرض في جمع, يقول: لم
تقل "جُبايا وسُوايا" كما قلت: "خَطايا" فقلبت الهمزة
الزائدة ياء؛ لأن "جُياء، وسُواء" وإن كان فيهما همزة
زائدة، فليسا3 جمعا؛ إنما هما واحد4، والهمزة الزائدة إنما
تغير إذا عرضت في جمع، ولا واحد.
"تكسير "جياء،
وسواء"":
قال أبو عثمان: ولو كسرت "جُياء، وسُواء" لقلت: "جَياء،
وسَواء" فلم تغير الهمزة؛ لأنها التي كانت في الواحد، 5كما
لم تغير جمع "فاعلة" من "جئت" حين قلت: "جوائي" إذ كانت
همزتها الهمزة التي كانت في الواحد5
.
قال أبو الفتح: إنما وجب أن تقول في تكسير "جُياء، وسُواء:
جَياء وسَواء"؛ لأن "جُياء، وسُواء" على خمسة أحرف، وإذا
أريد6 تكسير ما هو6 على خمسة أحرف، ولم يكن رابعه ياء ولا
واوا ولا ألفا، فلا بد من حذف حرف، وفي "جُياء. وسواء"
حرفان زائدان: الألف والهمزة؛ فيجب حذف إحداهما7، فحذفت
الألف؛ لأنها ضعيفة ساكنة، وبقيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هذه.
2 ظ، ش: والثاني.
3 ظ، ش: فليستا.
4 ش: واحدة.
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6، 6 ظ، ش، ع: تكسيرها.
7 ظ، واحدهما. وفي ش: أحدهما.
ج / 2 ص -83-
الهمزة؛ لأنها قوية حية متحركة؛ فمن1 حيث
حذفت2 الألف في تكسير "حُطائط" إذا قلت: "حَطائط" [وجب أن
تحذفها أيضا في "جَياء, وسَواء" فأما الألف فيهما، فهي ألف
"فَعائل"؛ ومن حيث وجب تبقية الهمزة في "حَطائط"] وجب أن
تبقى الهمزة أيضا في جمع2 "جُياء، وسُواء" فتقول: "جَياء،
وسَواء" ولم تغير الهمزة في الجمع؛ لأنها قد كانت ثابتة في
الواحد: أعني" جُياء، وسُواء" فأقررتها في الجمع وجرت في
ذلك مجرى" جائية، وجواء".
"تصغير "حطائط:
حطيط"":
قال أبو عثمان: وكان يونس يقول في تصغير "حُطائط:
حُطَيِّط" فيحذف الهمزة، ويثبت الألف، فهو يلزمه في تكسير
هذا أن يقول: "جَيايا، وسَوايا" لأنه إذا حذف الهمزة التي
كانت3 بعد الألف3 في الواحد بقيت الألف ثالثة كألف "رسالة"
وواو "عجوز" وياء "خَطِيئَة".
فإن كان الجمع همزت4 الألف، فصارت5 الهمزة تعرض في الجمع
فلزمها البدل، كما يلزم جمع "مَطِيَّة" إذا قلت: "مَطايا"
وإثبات الهمزة وحذف الألف أَقْيس؛ لأن الهمزة حرف حي
متحرك، والألف ساكنة؛ فهي أولى بالحذف.
قال أبو الفتح: إذا كان يونس6 يقول في تحقير "حُطائط:
حُطَيِّط" فيحذف الهمزة ويقر الألف، فقياسه أن يحذف الهمزة
من "جُياء وسُواء" فإذا حذفها رجعت الهمزة التي هي لام7
الفعل التي كانت8 أبدلت لوقوع همزة "فَعائل"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ومن.
2، 2 ساقط من ظ، ش. وما بين المعقوفين زيادة من ع.
3 ساقط من ظ، ش.
4 ع: حذفت.
5 ظ: فصار.
6 يونس: ساقط من ظ، ش.
7 ع: فاء.
8 كانت: ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -84-
قبلها فتصير في التقدير "جُياء، وسُواء"
بوزن: "فُعال".
فإذا جمع "فُعال" على "فَعائِل" لزم أن تنقلب الألف همزة,
كما تنقلب في جمع "رسالة" إذا قلت: "رسائل" فيصير التقدير:
"جيائئ، وسوائئ". فتلتقي همزتان، فتبدل الثانية ياء1، كما
فعلت في "خطائئ" لما أصرتها إلى "خَطاء2" فيصير في
التقدير:3 "جَيَاء، وسَوَاء"3 فيلزم4 تغيير هذه الهمزة؛
لأنها عرضت في جمع, وإنما هي بدل من ألف "جُياء، وسُواء"5
بعد أن قدرتهما على "فُعال", فتنقلهما إلى "جَيَاءا،
وسَوَاءا"5. ثم تبدل6 الهمزة ياء كما فعلت في "خَطايا"7
فتقول: "جَيَايا، وسَوَايا".
فإن قال قائل: فهلا كره وقوع الألف بين ياءين في "جَيايا"
وبين واو. وياء في "سَوَايا" كما تقدم من القول في غير
موضع؟
قيل: إنما هذه الياء بعد الألف في "جَيايا، وسَوَايا" بدل
من الهمزة المقدرة في "جَياءا، وسَوَاءا"، فلو ذهبت تقلبها
لوجب قلبها همزة؛ فكنت8 ترجع إلى ما منه هربت، فتقول:
"جَيَاءا، وسَوَاءا" فترك تغيير ذلك لذلك9.
وإنما ذهب يونس إلى حذف همزة "حُطائط" في التحقير؛ لأنها
أقرب إلى الطرف فضعفت فحذفها, والألف وإن كانت ساكنة فهي
أسبق منها فقويت عنده بالتقدم فأقرها. والقول ما رآه10 أبو
عثمان من حذف الألف لضعفها بالسكون، وهو قول الخليل
وسيبويه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ياء: ساقط من ظ، ش.
2 ع: خطائي "بفتح الياء".
3، 3 هامش ع: جيائي، وسوائي "بفتح الياء فيهما".
4 ع: فلزم.
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6 ظ، ش، ع: تبدل من.
7 ع: خطاءا.
8 ظ، ش: وكنت.
9 لذلك: ساقط من ظ، ش.
10 ظ، ش: رواه.
ج / 2 ص -85-
"لو سمي رجل "قبائل" لصغر على "قبيل"":
قال أبو عثمان: وكان يونس يقول في تحقير "قبائل" اسم شيء1:
"قُبِيِّل" فلا يهمز، 2والخليل يهمز, والقياس2 على ما فسرت
لك.
قال أبو الفتح: قول يونس3 في "قبائل" وقوله3 في "حُطائط"4
واحد؛ لأن من مذهبه حذف الآخر5 من الزائدين, ولا ينظر إلى
قوته، وضعف الأول؛ فكأنه لما حذف الهمزة من "قبائل" صار
الحرف إلى "قَبال" بوزن "غَزال"؛ فلما حقر قلب ألف "فَعال"
ياء لوقوع ياء التحقير قبلها، فقال: "قُبَيِّل" كما تقول:
"غُزَيِّل". والخليل وسيبويه يقولان: "قُبَيْئِل" فيحذفان
الألف كما قدمنا، ويقران الهمزة.
وإنما يجوز تحقير "قبائل" إذا جعلت اسما لشيء، فأما وهي
على ما هي عليه6 من الجمعية فلا يجوز7 تحقيرها؛ لأن
"فَعائل" مثال يراد به الجمع الأكبر، وتحقير الجموع إنما
يراد به تقليل أعدادها، ومحال أن يجتمع في الكلمة الواحدة
معنيان يتنافيان؛ لأنه من حيث كان هذا المثال على
"فَعائِل" كان دالا على الكثرة؛ ومن8 حيث كانت9 فيه ياء
التحقير يجب أن يكون دالا على القلة. ويمتنع10 أن يكون
الشيء الواحد قليلا كثيرا في حالة11 واحدة، فإذا صار اسما
لشيء وخرج عن الجمعية لم يستنكر تحقيره؛ لأنه لا يجتمع مع
التحقير معنى ينافيه من دلالة الكلمة على الكثرة.
ولو أردت تحقير "قبائِل" لقلت: "قُبَيِّلات" فصغرت "قبيلة"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ظ: شيء. وهامش ظ، وصلب ش: رجل.
2، 2 ظ، ش: وهذا.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ش: حطائط وقبائل.
5 ع: الآخرين، وهو خطأ.
6 عليه: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: يكون.
8 ظ، ش: من.
9 ظ، ش: كان.
10 ظ، ش، ع: وممتنع.
11 ظ، ش، ع: حال.
ج / 2 ص -86-
وجمعها بالألف والتاء. ولم يمكن غير هذا؛
لأنه ليس "لقبيلة" جمع التقليل فتردها إليه1، 2ثم تحقره,
كما تقول في تحقير كلاب: "أُكيلب" فتردها إلى جمع القلة2
ثم تحقرها.
وكذلك تقول في تحقير "دراهم: دُرَيْهمات" لأنه لا جمع قلة
"لدرهم" ولو سميت رجلا: "دَرَاهم" ثم حقرته لحذفت الألف
فقلت: "دُرَيْهم" وصرفت الكلمة؛ لأنه قد زال مثال "مَفاعل"
المانع من الصرف.
"لو سمي "خطايا"
لصغر على "خطيّئ"":
قال أبو عثمان: ولو سميت رجلا: "خَطايا" ثم صغرته، قلت في
تصغيره: "خُطَيِّئ"، فهمزت موضع اللام؛ لأنها مهموزة في
الأصل؛ وإنما تغيرت في الجمع لعلة قد ذكرناها، فإذا ذهبت
تلك العلة ردت إلى الأصل؛ وهذا قول جميع من يوثق بعلمه.
قال أبو الفتح: اعلم أن هذه المسألة يتفق فيها قول3
الخليل، ويونس، من أصلين مختلفين، وذلك أن قياس قول الخليل
أن يحذف الألف من "خطايا" في التحقير، فيصير -بعد رد
الهمزة التي4 هي لام- كأنه حقر5: "خَطَيَأ" فيقول:
"خُطَيِّئ"، فيدغم ياء التحقير في ياء "خطيأ"6.
وأما يونس، فيقدر حذف الياء من "خَطايا" لأنها نظيرة
الهمزة من "قَبائِل"، ويرد الهمزة التي هي لام، فيصير كأنه
حقّر: "خَطاء" بوزن "خَطاع"؛ فكما تقول في "خَطاع:
خُطَيِّع"، فكذلك تقول في تحقير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، إلى جمع القلة.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ص، ظ، ش: لفظ.
4 التي: ساقط من ظ، ش.
5 حقر: ساقط من ظ، ش.
6 زادت ع في هذا الموضع في هامشها: "بوزن خطيع".
ج / 2 ص -87-
"خَطاء: خُطَيِّئ" فيتفق اللفظان على هذا من أصلين
مختلفين، وتقديرين متضادين.
ونظير هذا -مما اتفق لفظه، واختلف تقديره: أنهم يقولون:
"دِرْع دِلاص, وأدْرُع1 دِلاص"، فيجمعون "فِعال" على
"فِعال"، كما جمعوا "فَعِيلا" على "فِعال" لمشاركة "فَعِيل
- فِعالا" في العدة، وزيادة حرف اللين ثالثا؛ فالألف في
"دِرع - دِلاص" مثل الألف في "ضِناك, وكِناز"، والألف في
"أدْرُع دِلاص" بمنزلة الألف في: "ظراف، وكِرام"، فهذا
أيضا مما اتفق لفظه، واختلف2 تقديره.
فإن قلت: فلم رُدّت الهمزة في "خُطَيِّئ"، وقد كانت ثبتت
ألفا في "خطايا"؟
قيل: لأنها إنما صارت في "خَطايا" ألفا، وزالت3 عن الهمزة4
لوقوع همزة "فعائل" قبلها, وكراهية اجتماع همزتين، فلما
حقرت تركت5 الجمع، فزالت6 الهمزة7 الأولى التي كانت في
"خَطائي" في الجمع، ورجعت الهمزة الثانية إلى أصلها في
التحقير فقلت: "خُطَيِّئ"7 كما أنك لو حقرت "كِساء" لتركت
همزة؛ لأنك8 إنما كنت تهمز الواو فيه؛ لوقوع ألف فِعال
قبلها، وكونها حرف إعراب، فإذا زالت الألف من قبلها تركت
همزها9 فقلت: "كُسَي" وأصله: "كُسَيِّئ" فحذفت الياء
الأخيرة؛ لاجتماع الياءات.
فإن قيل: فهلا رددت الهمزة في قولك: "خَطايا" فقلت:
"خَطايَأ"،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: "ويقولون: أدرع".
2 ظ، ش، واتفق.
3 ظ، ش: ونابت.
4 ص: الهمز.
5 ظ، ش، ع: وتركت.
6 "في الأصل: فزالت الهمزة عنها في "خطى" رجعت إلى أصلها"
كذا من هامش الأصل؛ وهذا الهامش في صلب ع أيضا.
7، 7 ظ، ش، ع: عنها في "خطيئ" رجعت إلى أصلها.
8 ظ، ش: لأنه.
9 ظ، ش: همزتها.
ج / 2 ص -88-
لأن الهمزة قبلها1 قد صارت ياء؟ فلأن لفظ
الجمع باق بحاله، فتركت الهمزة مبدلة بحالها, وأنت إذا
صغرت "خطاياه" فقد أخرجتها عن الجمعية ألبتة فرددت الهمز
الذي إنما كان زال في الجمعية دون غيرها, وقد مضى نظير هذا
فيما2 تقدم.
"التصغير يجري
مجرى جمع التكسير":
قال أبو عثمان: وإنما كتبت لك3 شيئا من التصغير ههنا؛ لأن
هذا التصغير يجري مجرى4 الجمع.
قال أبو الفتح: إنما صار هذا التحقير يجري مجرى هذا الجمع؛
لأنه ثالثه ياء كما أن ثالث الجمع ألف، وهي ساكنة، كما أن
الألف كذلك، وقبلها حرف مفتوح كالألف، وبعدها حرف مكسور،
كما أن ما5 بعد الألف كذلك6؛ فلذلك جرى "دُرَيْهم" مجرى
"دراهم".
"فعلل من "جئت
وسؤت: جيئى وسوءى"":
قال أبو عثمان: وتقول في "فَعْلَل" من "جِئت, وسُؤت:
جَيْئَى، وسَوْءَى" فتبدل الهمزة الثانية7 ياء، ثم تقلبها
ألفا؛ لانفتاح ما قبلها.
قال أبو الفتح: أصل هذا: "8جَيْئَأ، وسَوْءَأ8" لأنك كررت
اللام في "فَعْلَل"، فوجب9 تكرير الهمزة في المبني، فلما
اجتمعت الهمزتان، قلبت الآخرة ياء؛ لاجتماع همزتين، فصارت:
"10جَيْئى، وسَوْءَى"10 ثم قلبت الياء ألفا؛ لتحركها
وانفتاح ما قبلها؛ فصارت "11جَيْئَى، وسَوْءَى"11.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قبلها: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: مما.
3 لك: ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ، ش، ع: مجرى هذا.
5 أن ما: ساقط من ظ، ش، ع.
6 كذلك: ساقط من ظ، ش.
7 الثانية: ساقط من ظ، ش.
8، 8 في النسخ الثلاث: جيئأأ وسوأأ.
9 ظ، ش: فلك.
10، 10 ساقط من ص.
11، 11 في النسخ الثلاث: جيأا، وسوأا.
ج / 2 ص -89-
فإن قيل: وهلا1 قلبت الهمزة الآخرة ألفا؛
لانفتاح ما قبلها في أول الأمر، دون أن تقلبها ياء، ثم
تقلبها ألفا؟ أولا ترى أن قلبت الهمزة في "آدم" ألفا في
أول الأمر؟
قيل: إن الهمزة في "آدم" الثانية ساكنة، والهمزة الساكنة
إذا أبدلت أو خففت وقبلها فتحة، فإلى الألف تقلب، وليس
كذلك الهمزة الثانية في: 2"جَيْئَإٍ، وسَوْءَإٍ"2 لأنها
حرف الإعراب، والهمزة المتحركة إذا قلبت فإلى حرف أصلي
ينبغي أن تقلب، إما ياء، وإما واو؛ لأن الواو، والياء
يكونان من الأصل، والألف لا تكون إلا زائدة، أو مبدلة من
الأسماء, والأفعال.
فإن قيل: فهلا قبلت في 3"جَيْئَاء، وسَوْءَإ"3 واوا، ثم
قلبت ألفا؟ قيل: لأنها رابعة، وهذا موضع تغلب عليه الياء،
دون الواو. ألا ترى أن الواو إذا وقعت رابعة قلبت ياء!
فليس للواو في هذا الموضع مدخل؛ فلذلك عدل إلى الياء دونها
"فعلل من "جئت:
جوء"":
قال أبو عثمان: "و"فُعْلُل": "جُوء" [مثل "جُوعٍ"]4، تقلب
الياء واوا؛ لأنها ساكنة قبلها ضمة.
قال أبو الفتح: أصل هذا: "جُيْؤُؤ" بوزن "جُيْعُع"؛
فانقلبت الياء واوا، لسكونها وانضمام ما قبلها؛ فصار
التقدير: "جُوْؤُؤ"، قلبت الهمزة الآخرة ياء؛ لاجتماع
همزتين، فصارت في التقدير: "جُوْؤُى"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هلا.
2، 2 و3، 3 كتبت الكلمات الأربعة في الموضعين في النسخ
الثلاث بألفين مهموزتين.
4 هذه الزيادة من ع.
ج / 2 ص -90-
1ثم أبدلت الضمة التي في الهمزة الأولى كسرة لتسلم الياء
بعدها؛ فصار2 "جُوْء"1 مثل "قاض، وغاز" تقول: "هذا جُوْء،
ومررت بجُوْء، ورأيت جُوئِيا" مثل: "رأيت قاضيا".
"فعلل من جئت
جيء":
قال أبو عثمان: و"فِعْلِل: جيء" "مثل "جِيع""3 والتفسير4
واحد.
قال أبو الفتح: أصل هذا: "جِيْئِئ" مثل "جِيعع" فقلبت
الهمز الثانية ياء فصار "جيء" مثل "جِيع". وجرى مجرى "قاض،
وغاز"؛ لأن في آخره ياء قبلها كسرة.
""جوء، وسوء"
يكسران على "جياء، وسواء"":
قال أبو عثمان: فلو5 كسرت هذا لقلت: "جَيَاءٍ، وسَوَاء"
فهمزت6؛ لأنها الهمزة التي كانت في الواحد.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول في نظير هذا في باب "جائية"،
وجواء" وإنما جمعت "جُوء "على"7 جَياء"، وأزلت الواو،
لزوال الضمة التي كانت قبلها، وتحركها، كما تقول في جمع
"مُوقِن، مُوسِر: مَياقن، ومَياسر" فترد الياء لما7 تحركت،
وزالت الضمة.
"تقول في مثل
"احمررت" من "جئت وسؤت: اجيأيت واسوأيت"":
قال أبو عثمان: وتقول في مثل "احْمَرَرت" من "جِئْت:
اجْيَأيْت" ومن "سُؤْت: اسْوَأيتْ". ومثل "مُحْمَرّ,
مُجْيأ"، ومن "سُؤْت: مُسْوَأ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ذكر في ظ، ش مرة سابقة قبل إحدى عشرة كلمة، غير أن
آخر لفظ فيها: جوءؤ.
2 ع: فصارت.
3 الزيادة من ع.
4 ظ، ش: والأصل.
5 ظ، ش، ع: ولو.
6 ظ، ش، ع: وهمزت.
7 الزيادة من ش.
8 ظ: كما.
ج / 2 ص -91-
لأن الهمزة الثانية التي هي نظير الراء
الثانية تبدل ياء؛ لئلا تجتمع همزتان، فلا يكون إدغام.
قال أبو الفتح: أصل هذا أن يقال1: "اجْيَأَأْت،
واسْوَأَأْت، ومُجَيْئِئ، ومُسَوْئِئ" بوزن: "اجْيَعَعْت،
واسْوَعَعْت؛ ومُجَيْعِع، ومُسْوَعِع"، فوجب قلب الثانية
ياء، كما تقدم ذكره.
وقوله: فلا يكون ادغام، يقول: إنما يجب2 أن يدغم الشيء في
مثله، حتى ينبو اللسان عنهما معا3 نبوة واحدة, فإذا اختلف
الحرفان لم يجز الإدغام.
وتقول إذا أظهرت الفاعل:4 "اجْيَأَى زَيْد، واسْوأَى"4
تقلب الياء ألفا,
فإن قيل: فهلا قالوا: "اجْيَأَّ واسْوأَّ, وهو مُجْيَأّ
ومُسْوأّ" فادغموا الهمزة في الهمزة، كما قالوا: "سآَّل
ورآَّس"؟
قيل: الهمزتان في: "سآَّل، ورآَّس" عينان، فجاز إدغامهما,
وهما في: "مُجْيَأّ، ومُسْوأّ" لامان، والهمزتان إذا كانتا
لامين لم يكن فيهما إدغام، وسنذكر العلة في ذلك في موضعها
من هذا5 الكتاب6 بحول الله وقوته6.
"قال الخليل
"سؤته: سوائية" مثل "كراهية" وبعض العرب "سواية" مثل
"كراهة"":
قال أبو عثمان: وقال الخليل في "سؤته: سَوَائية" مثل:
"كَرَاهِية". وقال بعض العرب: "سَوَاية" فحذفت الهمزة، كما
قال بعضهم: "شاكُ السِّلاح ولاث" فحذف الهمزة، والأصل7:
"لائث وشائك".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يقال فيه.
2 ظ، ش: وجب.
3 معا: ساقط من ظ، ش.
4، 4 كتبت الألف فيهما في النسخ الثلاث ألف طويلة.
5 هذا: ساقط من ظ، ش، ع.
6، 6 ظ، ش: إن شاء الله.
7 ظ، ش: من.
ج / 2 ص -92-
قال أبو الفتح: وجه هذا: أنهم لما حذفوا
الهمزة من: "شاك، لاث" وهم يريدون: "شائك، ولائث" لضرب من
الاستخفاف، إذ الهمزة حرف ثقيل، مع أن الهمزة في: "لائِث،
وشائِك" عين, فهم بأن يحذفوها في "سواية" استخفافا؛ لأن
اللام أضعف من العين, أجدر.
فإن قيل: إن الهمزة في "شائِك، ولائِث" مبدلة من الواو،
وهم على حذف المعتل أجرأ منهم على حذف السالم؟
قيل: الهمزة في "شائِك، ولائِث" وإن كانت مبدلة فهي1 بدل
من حرف أصلي، وهو العين، والعين أقوى من اللام، وإذا أبدلت
العين همزة جرت مجرى الهمزة الأصلية. ألا ترى أن سيبويه
يقول في تحقير "قائم، ونائم: قُوَيْئِم، ونُوَيْئِم" كما
قول في تحقير "سائل: سُوَيْئِل" يجرى المبدل في هذا الموضع
مجرى الأصل, وخالفه أبو عمر في ذلك فقال: أقول2:
"قَُوَيِّم، ونُوَيِّم" فأزيل3 الهمزة لزوال ألف "فاعل" من
قبلها.
ويدل على صحة مذهب سيبويه في إقرار الهمزة مع زوال ألف
"فاعل"4, وأنها تجري مجرى الهمزة الأصلية: قول العرب في
"أدْؤر: آدُرٌ" على تقدير الهمزة، وكان قياس قول أبي عمر
أن يقولوا5: "أوْدُر"6 فيردوا7 الواو، لزوال الضمة عنها؛
كما قال: إنه يزيل الهمزة من "قائم" إذا قال: "قُوَيّم"
لزوال ألف "فاعل" من قبلها، ولم نرهم قالوا: "أوْدُر" ولكن
أجروها مجرى الهمزة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فهو.
2 أقول: ساقط من ظ، ش.
3 ش: فأزيلت.
4 ظ، ش: الفاعل.
5 ظ، ش: يقول.
6 ظ، ش: أدور. وهو خطأ.
7 ظ، ش: فترد.
ج / 2 ص -93-
الأصلية، فقالوا: "آدُرٌ"، كما قالوا في
تقديم1 همزة "أرْؤُس2: آرُس" فافهم ذلك!
فقد ثبت3 من هذا أن الهمزة المبدلة إذا كان بدلها عن4
العين جرت مجرى الهمزة الأصلية؛ فكذلك "شاك" يجرى مجرى
"سَوَاية".
"قولهم: "ما
أبغض إلى مساءيتك"":
قال أبو عثمان: وقال الخليل في قول العرب: "ما أبغض إلى
مساءيتك": هو مقلوب، والأصل: "مساوئتك".
قال أبو الفتح: اعلم أن هذه الكلمة إنما هي جمع "مَساءة"
و"مَساءة: مَفْعَلة". وأصلها: "مَسْوَأة" ثم جمعت "مفعلة"
على "مفاعِلة"، وأصلها: "مفاعل"؛ ولكن الهاء دخلت لتأنيث
الجمع، كما دخلت في "صياقلة" وحدها: "صياقل" فالهاء قد
تدخل في الجمع لتأنيثه.
ونظيره: "حَجر وحِجارة. وذَكر وذِكارة، وفَحل وفُحولة"
إنما أصل هذا: "فِعال وفُعُول" ثم دخلت الهاء لتأنيث
الجمع.
وكان5 قياسه "مساوئة" ترد الواو، كما تردها في "مقاوم،
ومقاول" جمع "مقام، ومقال"، ثم إن اللام قلبت، فجعلت قبل
العين، فتأخرت الواو، وقبلها كسرة الهمزة، فانقلبت ياء؛
لانكسار ما قبلها، ومثالها بعد القلب: "مفالعة"؛ كما أن
مثال "سَوَاية: فَعايَة" واللام محذوفة.
وهذا القلب كثير في كلام العرب، وسيمر بك، وأتبعه كثيرا
مما ليس في هذا الكتاب؛ لتتأنس به إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: "تقديم" صريحة، وهي كذلك في ص، غير أن "أرؤس" لم
تظهر فأشبهت الراء.
2 ص: رأس.
3 ظ، ش: يجب.
4 ظ، ش: غير.
5 ظ، ش: فكان.
ج / 2 ص -94-
"اختلاف العلماء في ميزان "أشياء"":
قال أبو عثمان: وقال: "أشياء" فعلاء مقلوبة، وكان أصلها:
"شَيْئاء" مثل: "حَمْراء"،1 فقلب، فجعل1 الهمزة التي هي
لام أولا فقال: "أشياء" كأنها "لَفْعاء"، ثم جمع فقال2:
"أشاوَى" مثل: "صَحَارى" فأبدل الياء واوا، كما قالوا:
"جبيت الخراج جباوة" وهذا شاذ. وإنما احتلنا3 لـ"أشَاوَى"
حيث جاءت هكذا ليعلم أنها مقلوبة عن وجهها.
وأخبرني الأصمعي. قال: سمعت رجلا من أفصح العرب يقول لخلف
الأحمر: "إن عندك لأَشاوَى".
ولو جاءت الهمزة في "أشياء" في موضعها لجاءت مؤخرة بعد
الياء، فكنت تقول: "شيئاء"4 فاعرف هذا5.
وكان أبو الحسن يقول: "أشياء: أفْعِلاء"، وجُمع "شيء"
عليه"، كما جمع "شاعر" على: "شُعراء" ولكنهم حذفوا الهمزة
التي هي لام الفعل استخفافا وكان الأصل: "أشيئاء" فثقل
هذا6 فحذفوا.
قال أبو الفتح: علم أنه إنما ذهب الخليل، وأبو الحسن في
"أشياء" إلى ما ذهبا7 إليه، وتركا أن يحملاها على ظاهر
لفظها فيقولا: إنها "أفعال" لأنهما رأياها نكرة غير مصروفة
نحو قوله تعالى:
{لَا تَسْأَلُوا8 عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ
تَسُؤْكُمْ9}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: فقلبت. وزادت ظ في الهامش: نسخة: فجعل.
2 ص، هامش ظ: فقال. وفي صلب ظ، ش: فقيل.
3 ظ، ش: احتملت. وبين السطور في ظ: احتلنا.
4 "في نسخة: وكنت تقول في "أشاوى" شياأا" رأينه هكذا في
نسخة من "التصريف" للمازني، مقروءة مصححة". كذا من هامش
الأصل.
5 ص، وهامش ظ: هذا. وفي صلب ظ، ش: ذلك.
6 ظ، ش، ع: ذلك.
7 ظ: ذهبنا.
8 انفردت ع بذكر: "لا تسألوا".
9 من الآية 10 من سورة المائدة 5.
ج / 2 ص -95-
فلما رأيها نكرة1 غير مصروفة في حال
التنكير ذهبا إلى أن الهمزة فيها للتأنيث، فقال الخليل: هي
"فَعْلاء" منقولة إلى "لَفْعاء". وقال أبو الحسن هي
"أفْعِلا" وقول الخليل فيها2 أقوى، لما يأتي3 إن شاء الله.
وذلك أن حملها على هذا الظاهر، وأنها مقلوبة "أولى"5
وأقوى6 من حملها على أنها محذوفة اللام, ألا ترى أن القلب
قد كثر في كلامهم حتى إن ابن السكيت قد صنف فيه كتابا، ولم
نر الهمزة وهي لام إلا في "سَوَاية"7 وما لعله7 إن جاء
فقليل نزر، فحمله على الأكثر هو القياس.
وأما قول أبي الحسن إنها "أفْعِلاء" فلأنه هرب من القلب،
فلم يجعلها "لَفْعاء"، ورآها غير مصروفة، فلم يجعلها
"أفْعالا"، فذهب إلى أنها "أفْعلاء" محذوفة اللام.
فأما تشبيهه لها "بشاعر وشعراء" فمن قبل أن "شَيْئا: فَعْل
"وليس حكم "فَعْل" أن يجمع على "أفْعلاء"؛ كما أنه ليس حكم
"فاعل" أن يجمع على "فُعَلاء"؛ وكما قالوا: "سمح وسمحاء"
فجمعوا "فَعْلا" على فُعَلاء". وعلى أنه قد حكى8 "سَمْح
وسَمِيح" فيكون على هذا "سُمحاء" جمع "سميح"، والمشهور
عنهم9: "سَمْح".
وذهب الكسائي إلى أن "أشياء10: أفعال" بمنزلة: أبيات،
وأشياخ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نكرة: ساقط من ص، ع.
2 ظ، منها. وفي ش: منهما.
3 ظ، ش: سيأتي.
4 هذا: ساقط من ظ، ش.
5 الزيادة من ع.
6 وأقوى: ساقط من ظ. وبدلها في ش: أولى.
7، 7 ظ: فالعلة، وش: والعلة.
8، 8 ظ، ش: قد جاء وقد حكى.
9 ظ، ش: عندهم.
10 أمامه في هامش ع ما يأتي:
"يقال للكسائي: جمعهم إياها على ذلك هو الدليل على أنه
"فعلاء" دون ما ذكرته؛ وإنما قدمت اللام كما قيل في غيرها"
كذا من هامش ع.
ج / 2 ص -96-
إلا أنها لما جمعت على: "أشياوات"1 أشبهت
ما واحده على "فَعْلاء"، فلم تصرف لأنها جرت مجرى "صحراء
وصحراوات2" وهذا إنما حمله عليه، وسوغه "له"3 ارتكابه
اللفظ؛ لأن "أشياء" أشبهت "أحياء" جمع "حي".
فكما أن "أحياء: أفعال" لا محالة؛ فكذلك "أشياء" عنده
"أفعال".
ثم احتال لامتناعها من الصرف فشبهها4 "بفعلاء". وهذا
الاعتلال5 في امتناعها من الصرف على ضعفه إنما كان6 يكون
فيه بعض العذر لترك الصرف لو صح أنها "أفعال".
وإذا جاء أن تكون "فَعْلاء" استغني عن هذا الاحتجاج، وجرت
مجرى "طَرَفَة وطَرْفاء، وقَصَبَة وقَصْباء" في أنه اسم
للجمع لم يكسر عليه الواحد، إلا أنه من لفظ الواحد نحو:
"جَمَل وجامِل، وبَقَرة وباقِر"، وقرأ7 بعضهم: "إِنَّ
الْبَاقِرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا"8.
وأما الفراء: فذهب إلى أن "أشياء: أفْعلاء" محذوفة اللام
-كما رأى أبو الحسن- إلا أنه ادعى أن "شيئا" محذوف من:
"شَيِّئ" كما قالوا في "هَيّن: هَيْن" فكما9 جمعوا
"هيِّنا" على "أفعلاء"، فقالوا: "أهوناء" كذلك جمعوا
"شيئا" على "أفعِلاء" لأن أصله: "شَيِّئ" عنده.
والذي ادعاه من أن "شيئا" محذوف من "شيِّئ" لا أعلم له
دلالة تدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أشاوى - وأمامه في هامش ع ما يأتي:
"وقال القراء: تقول العرب: هذا من أبناوات سعد؛ وأعيذه
بأسماوات الله - وواحد هذه: أبناء، وأسماء؛ فلو جاز ألا
يجرى: أشياء؛ لأنها واحدة: أشياوات؛ لجاز ذلك في "أبناء
وأسماء" كذا من هامش ع.
2 وصحراوات: ساقط من ظ، ش.
3 زيادة من ع.
4 ص: شبيها. وع: بأن شبهها. وما أثبتناه في الصلب عن ظ، ش،
وهو حسن.
5 ظ، ش: الإعلال.
6 كان: ساقط من ظ، ش، ع.
7 ظ، ش: قرأ.
8 من الآية 70 من سورة البقرة 2.
9 ظ، ش: وكما.
ج / 2 ص -97-
عليه؛ لأنا لم نسمعهم قالوا: "شَيِّئ" كما
قالوا: "هَين". ولو كان أصله: "شَيِّئا" لنطقوا به، كما
قالوا: "هَيْن، وهَيِّن".
وكان أبا الحسن رغب عن قول الفراء: إن أصله: "فَيْعِل"
لأنه معلوم أن "فَيْعِلا" ليس حكمه أن يجمع على "أفْعِلاء"
-وإن كانت قد جاءت عليه أحرف يسيرة نَزْرة- كما أن
"فَعْلا" ليس حكمه أن يجمع على "أفْعِلاء".
1فإن قال1: إن "فَيْعِلا" إنما أصله: "فَعِيل"2، وإلى هذا
ذهب، كأنه كان3: "شَيِيئا"، ثم عدل إلى: "شيِّئ"، ثم حذف،
فصار: "شيء" وكذلك قوله في جميع ما هو على "فَيْعِل" نحو:
"ميِّت، وسيِّد". فإذا كان أصله "فَعيلا"4 جاز أن يجمع على
"أفْعلاء"، نحو: "صديق وأصدقاء"؟ فإن هذا أيضا باطل؛ لأنه
قد ادعى ما لا دلالة5 عليه.
وأيضا فإن ما عينه ياء لا يجيء منه6 "فعيل" نحو: "يبيع"،
إلا أن تكون لامه ياء نحو: "حيي، وشَيِّئ" و"لسَيِّن" مما
"عينه ياء و"7 لامه صحيحة، ولم تدل دلالة على أن "أشياء:
أفعلاء" فيضطر إلى هذا كله.
فلما كان "فَعْل، وفِعِل" جميعا مما ليس بابه أن يجمع على
"أفْعِلاء"، ولم يسمع "شيِّئ" حمل "شَيْئا" على أنه
"فَعْل"، فارتكب الظاهر وعدل عن ادعائه ما لا دلالة عليه،
من أن أصله "فَيْعِل"8 إذ كان "فَيْعِل"8 أيضا مما ليس
حكمه أن يجمع على "أفعلاء".
9فقوله: إن أصله "فَيْعِل" بعيد من الصواب؛ لما ذكرت لك9.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش "فيعل"، وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه عن ص بدليل
التمثيل الآتي في نفس الصفحة سطر 9 "بصديق وأصدقاء".
3 كان: ساقط من ظ، ش، ع.
4 فعيلا: ساقط من ظ، ومستدرك في هامش ش.
5 ظ، ش: دلالة له.
6 ظ، ش: منه على.
7 الزيادة من ع.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9، 9 ساقط من ظ، ش. وأمامه في كعب ع ما يأتي:
"قال أبو حاتم فيما حكاه عنه أبو الحسن علي بن محمد
الهروي: إنما تركوا صرف: أشياء، على غير قياس؛ لأنه جمع
شيء، مثل: حي وأحياء؛ وقد بلغني أن من العرب من يصرفها"
كذا من كعب ع
ج / 2 ص -98-
وأنكر الفراء قول الخليل وقال: إن فيه1
حملا على الكلمة إذا جعلها "لفعاء" لما دخلها من القلب؛
ولأنهم جمعوه جمع ما واحده محرك العين، مؤنث بالهاء نحو:
"طَرَفَة وطَرْفاء2، وقَصَبَة وقَصْباء".
وهذا غير لازم له؛ لأنه ليس عنده أن "أشياء" جمع كسّر عليه
"شَيْءٌ" بمنزلة: "كَلْب وكِلاب، وكَعْب وكِعاب3"، وإنما
"أشياء" عنده اسم للجمع فيه لفظ الواحد بمنزلة "الجامل
والباقر" فهذان لم يكسر عليهما "حمل4 ولا بقر4"، وإنما
هما5 اسمان للجمع بمنزلة "نفر، ورهط، وقوم، ونسوة. وإبل،
وجماعة"، فمن هنا لم6 يلزم الخليل ما ألزمه الفراء إياه.
وهذا الذي أنكره الفراء على الخليل، لا7 يلزمه، لما ذكرت:
قد أتى هو بمثله أو أشنع منه في هذه المسألة؛ لأنه ذهب إلى
أن أصل "شيء: فَيْعِل"، وأنه جمع على "أفعلاء"، وحذفت
لامه، فليس تقديم اللام بأشنع من حذفها.
ولو صح أيضا أن أصل "شيء: فيعِل"8 لما كان له فيه حجة؛
لأنه ليس حكم "فيعِل" أن يجمع على "أفعلاء"، فهو مدع أن
أصل "شيء: فيعِل"8 ولا دلالة له9 عليه، وقد ذهب إلى أن كسر
على "أفعلاء" وليس بابه، 10وادعى أنه10 في الأصل "فعيل"،
وهو محال.
والخليل لم يقل: إن "شيئا" كسر على "فعلاء". فالذي11 ذهب
إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: عليه.
2 أمامه في كعب ع ما يأتي:
"يقال: حلفاء -واحد وجمع- وقال الأصمعي: الواحدة حلفة
-بكسر اللام- وقال غيره: حلفة -بفتح اللام- وكذلك طرفاء
واحد وجمع، وقال غير سيبويه: الواحدة طرفة بفتح الراء".
كذا من كعب ع.
3 ص، ع: وكعوب.
4، 4 ص، ع: وبقرة.
5 في نسخة: ولكنهما، كذا من هامش الأصل.
6 لم: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ع: ولا.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9 له: ساقط من ظ، ش.
10، 10 ظ، ش: وأنه.
11 ظ، ش: والذي.
ج / 2 ص -99-
الفراء في هذا بعيد مما عليه الجمهور
والأكثر، وقول الخليل لا دخل فيه.
فأما قولهم في جمعها: "أشاوى" فقياسه: "أشايا"؛ لأن الياء
ظاهرة في "أشياء"، ولكن الياء قلبت واوا، كما قالوا: "جبيت
الخراج جباوة1"، وكما قالوا: "رجاء بن حيوة" يريدون:
"حية". وحكى أبو زيد: "باد الشيء يبيد بوادا" بالواو؛
وكأنهم إنما فعلوا ذلك كراهية للياء بين الألفين في
"أشايا" لو قالوها لقرب الألف من الياء؛ وليكون قلب الياء
واوا2 هنا عوضا للواو من "كثرة"3 دخول الياء عليها؛ وكأن
من قال في "مطيّة. وهديّة: مطاوى، وهداوى" إلى هذا ذهب؛
على أنه ليس بعلة قاطعة، ولكن فيه ضربا من التعلل4.
وأخبرني أبو علي5 أن بعضهم ذهب إلى أن "أشاوى" ليس بجمع6
"أشياء" من لفظها، وأنه من لفظ قول الشاعر:
يا حبذا حين تمسي الريح باردة
وادي أُشَي وفتيان7 به هضم7
فـ"أشاوى" على هذا "فَعالى" بمنزلة "عذارى"؛ لأن الهمزة في
"أشيّ": فاء، فينبغي أن تكون في "أشاوى": فاء؛ كأن
واحدتها: "إشاوة"8، وتكون "إشاوة" كإداوة،9 وتكون "أشاوى":
فَعائل -في الأصل- كأداوى9.
ووزن "أشاوى" على قول الخليل "لَفاعى"؛ لأن الهمزة عنده
لام مقدمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أمامه في هامش ع ما يأتي:
"حكى أبو عبيد في الغريب: "جبيت الخراج جباية، وجبوته
جباوة فلا حجة فيه على هذا".
2 ظ، ش: والواو.
3 زيادة من ص، ظ، ش.
4 ظ، ش: التعليل.
5 ظ، ش: أبو علي رحمه الله.
6 ظ، ش، ع: جمع.
7، 7 ظ: بهم أضم. وفي هامش ظ: بهم، صح.
8 ظ، ش، ع: أشواء.
9، 9 ساقط من ع.
ج / 2 ص -100-
فقلت لأبي علي: فهلا كانت "أشياء" على هذا
"فَعْلاء" من غير لفظ "شيء"، وتكون الهمزة فيها: فاء، دون
أن تكون "لَفْعاء"؟
فقال: إنه1 إنما ذهب في "أشاوى" إلى أنها من غير لفظ
"أشياء" لأن2 في "أشياء" ياء، وفي "أشاوى" واوا، فأما
"أشياء"3 فلا إبدال فيها يسوغ أن يقال فيها: إنها4 من غير
لفظ "شيء".
فأما التقديم: فجائز كثير في كلام العرب, وحكى الفراء
عنهم: "بُرَاء" غير مصروف، وقال5: يريدون به: بُرَءاء"
وحذفوا اللام، فهذا يؤنِّس بقول الأخفش في حذف الهمزة من
"أشيئاء"6.
"تصغير
"أشياء"":
قال أبو عثمان: فسألته -يعني أبا الحسن- عن تصغيرها،
فقال: العرب تقول "أُشَيّاء" فاعلم؛ فيدعونها على لفظها.
فقلت: فلم لا رُدّت إلى واحدها، كما رد7 شعراء إلى واحده8؟
فلم يأت بمقنع!
قال أبو الفتح: يقول: يلزم أبا الحسن إذا كانت "أشياء"
عنده "أفعلاء"؛ فأراد تحقيرها، وهي من أبنية الكثرة، أن
يردها إلى واحدها، 9فيحقرها ويجمعها9 بالألف والتاء فيقول:
"شُيَيْئات"، كما أنه إذا10 أراد تحقير "شعراء" قال:
"شُوَيعرون"، فصغر الواحد وجمعه الواو والنون؛11 لأن الواو
والنون للقلة؛ وكذلك الألف والتاء.
وإنما لزم تحقير الواحد من هذا، وجمعه بالواو والنون11؛
لأنه لا جمع قلة له.
وقد تقدم القول في هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إنه: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: لأجل أن.
3 أشياء: ساقط من ظ، ش.
4 إنها: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: قال: وقال: ساقط من ع.
6 ع: أشياء.
7 ظ، ش: ردت.
8 ظ، ش: واحدها.
9، 9 ظ، ش، ع: فيحقره ويجمعه.
10 ظ، ش: إن.
11، 11 ساقط من ظ، ش، ع.
ج / 2 ص -101-
يقول1: فقولهم: "أُشَيّاء" وتركهم لها على
بنائها يدل على أنها لو كانت "أفعلاء" لما جاز تحقيرها على
بنائها؛ لأنه2 دال على الكثرة، وللزم أن يقال: "شُيَيئات"
كما يقال: "شُوَيعرون".
فلهذا كان قول الخليل هو الصواب دون قول أبي الحسن. ألا
ترى أنه لا يلزمه أن يقول: "شييئات" لأنها ليست بجمع كسر
عليه "شيء"، وإنما هي اسم للجمع، بمنزلة: "نفر، ورهط"
فكما3 تقول: "نُفَير، ورُهَيط" كذلك جاز أن تقول:
"أُشَيَاء"، فمن هنا قوي قول الخليل، وضعف قول أبي الحسن!
وهذا الذي يلزم أبا الحسن لازم للفراء؛ لأنهما جميعا
يقولان: إنها "أفعلاء". ولا يلزم ذلك الكسائي؛ لأنها عنده
"أفعال"، و"أفعال" تحقر على لفظها4.
وكذلك5 جميع ما كان اسما للجمع تحقره على لفظه.
أخبرنا أبو علي أن أبا عثمان أنشد:
بنيته بعصبة من ماليا
أخشى رُكَيبا أو رُجَيْلا
عاديا
فهذان تحقير: "ركْب، ورجْل"، وهما اسمان للجمع بمنزلة:
"رُكّاب، ورُجّالة". وكان أبو الحسن يقول في تحقير "ركْب:
رُويكبون"؛ لأنه عنده جمع كسر عليه "راكب"، وقوله6: "ركيب"
يدل على خلاف مذهبه، وهو قول سيبويه، وهو الصواب.
"قال الخليل:
"أشياء مقلوبه":
قال أبو عثمان: وقال الخليل: "أشياء" مقلوبة، كما قلبوا
"قِسي"، وكان أصلها "قُؤُوس" لأن ثاني "قوس" واو، فقدم
السين في الجمع، وهم مما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يقول: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: لأنها.
3 ظ: فلما.
4 ظ، ش، ع: لفظه.
5 ظ، ش: فكذلك.
6 ظ، ش، ع: وقولهم.
ج / 2 ص -102-
يغيرون الأكثر في كلامهم، وقال1 الشاعر:
مَرْوان مروان أخو اليوم اليَمِي
يريد: "اليوم" فأخر الواو، وقدم الميم، ثم قلب الواو حيث
صارت طرفا، كما قلب حين قال: "أدل" في جمع "دلو".
قال أبو الفتح: اعلم أن أصل "قسي: قووس" كما ذكر، وكان
ينبغي لما قدم السين أن يقول: "قُسوّ" فيصحح الواو؛ لأنها
ليست لاما فيعلها كما يعل "عصي" ولكنه لما أخر العين
فجعلها في موضع اللام أشبهت اللام فقلبت كما تقلب اللام.
فإذا كانت العين قد قلبت لشبهها باللام وهي في موضعها غير
مؤخرة نحو: "صُيِّم ونُيَّم" فهي بالقلب -إذا صارت في موضع
اللام- أحرى.
وأما تشبيهه "اليمى بأدل" فمن قبل أن أصل "اليمي: اليَمِو"
فانقلبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها؛ وكذلك أصل "أدل:
أدلُو" لأنها "أفعُل"، فقلبت الواو ياء لوقوعها طرفا
مضموما ما قبلها، فصارت في التقدير: "أدْلُي" ثم أبدلت من
الضمة في اللام كسرة لتصح اللام، فصارت: "أدْلِي"، ثم عمل
بها ما عمل بـ" غاز" ونحوه؛ فإنما جمع بين "اليمى، وأدل"
بانقلاب لاميهما.
"أصل "ملك: ملأك" وألزم حذف الهمزة لكثرة استعماله":
قال أبو عثمان: ومما ألزم حذف الهمزة لكثرة استعماله:
"ملك"، وإنما هو: "ملأك"، فلما جمعوه ردوه إلى أصله،
فقالوا: "ملائكة وملائك" وقال2 الشاعر، فرد الواحد إلى
أصله حين احتاج إليه في الشعر:
فلَسْت لإنسي ولكن لملأك
تنزل من جو السماء يصوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قال.
2 ظ، ش: قال.
ج / 2 ص -103-
فرد "مَلَكا" إلى الهمز.1 وقال الآخر:
أبا خالد صلت عليك الملائك1
قال أبو الفتح: اعلم أنه يريد بالحذف هنا: التخفيف. ألا ترى
أنهم يحركون اللام من "ملك" بفتحة الهمزة من "مَلْأك" كما
تقول2 في "مسألة: مسلمة"، وفي "حوأية: حَوَبة"، وهذا هو
التخفيف؛ إلا أنهم قد ألزموه التخفيف في الأمر الشائع في
الواحد، وصارت ميم "مَفعَل" كأنها بدل من إلزامهم إياه3
التخفيف، كما أن حرف المضارعة في: "ترى، ونرى، ويرى، وأرى"
كأنه بدل من إلزامهم إياه3 التخفيف في الأمر الشائع، حتى
إن التحقيق -وإن كان هو الأصل- قد صار مستقبحا، لقلة
استعماله.
وينبغي أن يعلم أن أصل تركيب "مَلَك" على أن: الفاء لام،
والعين همزة، واللام كاف؛ لأن هذا هو الأكثر، وعليه تصرف
الفعل، قال الشاعر:
ألكني إلى قومي السلام رسالة
بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا
ولا سيّئ زي إذا ما تلبسوا
إلى حاجة يوما مخيسة بزلا
فأصل "ألِكْني: ألْئِكْنِي" فخفف الهمزة بأن طرح كسرتها على
اللام.
وقال الآخر:
ألكني إليها وخير الرسو
ل أعلمهم بنواحي الخبر
وقال النابغة:
ألكني يا عيين إليك قولا
ستحمله الرواة إليك عني
وعلى هذه اللغة جاء "مَلَك"، وأصله4: "ملأك"، وعلى هذا جمعوه
فقالوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش. وفي ع - بدله: وقال الآخر: وقال
الشاعر.
2 ظ، ش: يقولون.
3، 3 ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ، ش: والأصل.
ج / 2 ص -104-
"ملائك وملائكة"؛ لأن جمع "مفعَل: مفاعل"، ودخلت الهاء في
"ملائكة" لتأنيث الجمع.
وقد قدموا الهمزة على اللام فقالوا: "مأْلَكة ومأْلُكة"
للرسالة، قال عدي ابن زيد:
أبلغ النعمان عني مأْلُكا
أنه قد طال حبسي وانتظار
وقال لبيد:
وغلام أرسلته أمه
بألوك فبذلنا ما سأل
ولم نرهم استعملوا الفعل بتقديم الهمزة؛ فهذا يدل على أن
الفاء لام، والعين همزة
.
"طأمن واطمأن":
قال أبو عثمان: ومن1 القلب "طَأْمَن واطْمَأنّ".
قال أبو الفتح: اعلم أن أبا عمر الجرمي خالف سيبويه في هذه
اللفظة، فذهب إلى أن "اطمأنّ" غير مقلوب، وأن "طَأْمَن" هو
المقلوب. كأن أصل هذا الفعل عنده أن يكون الميم قبل
الهمزة، وهو بخلاف مذهب سيبويه؛ لأن2 عند سيبويه2 أن
"طَأْمَن" هو الأصل، و"اطمأنّ" مقلوب منه. والصحيح ما ذهب
إليه سيبويه؛ لأن الفعل إذا لم تكن فيه زوائد فهو أجدر أن
يكون على أصله.
وإذا3 دخلته الزوائد تعرض للتغيير؛ لأن دخول الزوائد فيه
ضرب من التغيير لحقه، والتغيير إلى التغيير أسبق. ألا ترى
أن أحدا لا يقول في "طأْمَنَ" الذي هو الأصل: "طمْأَنَ"؟
فهذا هو الصحيح، وينبغي أن يُحْتَجّ به لسيبويه وعن أبي
علي أخذته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ومثل هذا.
2، 2 ظ، ش: سيبويه عنده.
3 ظ، ش: فإذا.
ج / 2 ص -105-
"جبذ وجذب":
قال أبو عثمان: وأما "جبذ وجذب" فليس واحد منهما مقلوبا عن
صاحبه؛ لأنهما جميعا يتصرفان، ولا يختص واحد منهما بشيء
دون الآخر.
ألا ترى أنك تقول: "جذب يجذب، وجبذ يجبذ، وهو جاذب وجابذ،
ومجبوذ ومجذوب"؟ فليس1 واحد منهما أولى بأن يكون مقلوبا
إلى صاحبه من الآخر.
وأما "طأمن" فليس أحد يقول فيه: "طَمْأَن".
قال أبو الفتح: الأمر كما ذكر؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما
يتصرف في وجوه التصرف، ويستعمل2 مصدر هذا الذي هو أصله،
كما يستعمل مصدر هذا، لم يكن أحدهما أولى بأن يكون أصلا
لصاحبه من أن يكون الآخر أصلا له.
ألا ترى أن "أيس" لما كان لا مصدر له، حكم عليه بأنه مقلوب
عن "يَئِس"؟ وذلك أنه يقال: "يَئِس ييأس يأسا، وأيِس
يَأْيَس يأْسا"، فـ"اليأس"3 مستعمل في الفعلين جميعا، ولا
يقول أحد: "أيْسا".
فأما تسميتهم الرجل "إياسا"، فلا يدل على أنهم قد استعملوا
مصدر "أيِسْت" وليس "إياس" مصدر "أيِسْت" كما سموه "عطاء"
من "أعطيت" والياء من "إياس" إنما هي بدل من الواو انقلبت
كما انقلبت في "قيام" مصدر "قمت".
وأخبرني أبو سهل أحمد بن محمد عن أبي سعيد الحسن بن الحسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، وهامش ظ: فليس. وظ، ش: وليس.
2 ظ، ش: يستعمل.
3 ص: فاليأس هو.
4 ظ، ش، ع: فسموه.
ج / 2 ص -106-
السكري أنه يقال: "يَئِسْت أَيْأَس يَأْسا،
وأيِسْت1 آيَس إياسا" فجعل "إياسا" مصدر "أيِسْت"1، وأحسب
أن هذا وهم من أبي سعيد؛ لأنه لو كان "لأَيِسْت" مصدر لما
قال النحويون: إنه مقلوب عن "يَئِست" وما أعلم بينهم خلافا
في ذلك.
ويقوي أن يكون مقلوبا من "يئست" عندي صحة الياء فيه، ولو
لم يكن مقلوبا من "يَئِسْت" لوجب أن يقال؛ "إسْت أوَاس2"
كما قالوا3: "هبت أهاب".
وليس لك أن تحمله على باب "عَوِر، وحَوِل، وصَيِد" لأن ذلك
منقوص من "افْعَلّ" كما تقدم، وليس "أيِسَ"4 محذوفا من
"افْعَلّ"، ولكن لما كانت العين في "يَئِسْت" مكسورة
تركوها ظاهرة مكسورة في "أيِسْت" ليكون ذلك دلالة على
القلب الواقع في الكلمة.
فإن قلت: أحمله5 -في تصحيح عينه- على الشذوذ؟
قيل: إنما يحمل على الشذوذ إذا لم يوجد له وجه6 غيره؛ فأما
إذا كانت علته في الصحة قائمة فحمله على الشذوذ خطأ.
فأما ما حكي عن أبي سعيد فلم أسمعه7 إلا من هذه الجهة،
والذي ذهبت8 إليه من أنه لا مصدر "لأَيِسْت" هو رأي أبي
علي. قال: ونظير هذا في أنه مقلوب قولهم: "آن يَئين"9 إنما
هو مقلوب عن "أَني يَأنِي"10 لأنه لا مصدر "لآن يئين"9
إنما المصدر لـ"أنى" يقال: "أني يأني10 إني وإنيا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ: أيا.
2 ظ، ش، ع: أآس.
3 ظ، ش: يقال.
4 ظ: صيد كأيس، وش: أيس كصيد.
5 ظ، ش: فأحمله.
6 ص: اسم.
7 ظ، ش: نسمعه.
8 ظ، ش: ذهب.
9، 9 ساقط من ع.
10، 10 ساقط من ظ، ش.
ج / 2 ص -107-
"إني، ومعي، وحسي":
وأخبرني عن أبي العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي أنه
قال1: يقال "إنْيٌ وإنًى، ومِعْيٌ ومِعًى، وحِسْيٌ
وحِسًى".
وحُكي عن أبي الحسن أنه قال2: يقال: "إنْوٌ" في معنى
"إنْيٍ"، قال: وهو شاذ نحو: "جبيت الخراج جباوة". قال
الشاعر:
حلو ومر كعطف القدح مرته
بكل إني قضاه الليل ينتعل
3ويروى: حذاه4 الليل3. وقولهم:
"مِعْي" يدل على أن الألف في "مِعى" منقلبة عن ياء، لا عن
واو.
"كل وكلا":
قال أبو عثمان: وأما "كُلّ وكِلا" فليس واحد منهما مبدلا
ولا مقلوبا؛ لأن كل واحد منهما له أصل سوى أصل صاحبه.
قال أبو الفتح: يريد: أن5 "كلا" مما5 عينه ولامه من موضع
واحد بمنزلة: "جُلّ وقُلّ، وكِلَى" معتل اللام من باب
"رِضًى وعِدًى".
وإنما جمع بين "كُلّ وكِلَى" في هذا الموضع، ثم فصل
بينهما؛ لأن "كلا" لتأكيد الجمع، و"كلا" لتأكيد الاثنين؛
ولما كانت التثنية ضربا من الجمع ومقاربة له، وتقارب لفظ
"كل وكلا" أوقع الفصل بينهما؛ لئلا يظن أن هذا من أصل هذا.
وينبغي أن يعلم أن الألف في "كِلا" بدل من الواو. لا من
الياء، لقولهم في المؤنث: "كِلتا"، فـ"كلتا6" من الفعل
"فِعْلى"، والتاء فيها بدل من لام الفعل، والتاء إنما تبدل
من الواو في الأمر الشائع نحو: "تُجاه، وتُراث،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 2 قال: ساقط من ظ، ش في الموضعين.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 في كعب ع: حذاء بالذال معجمة كقوله ينتعل.
5، 5 ظ: كل ما.
6 ظ: وكلتي. وش: وكلتا.
ج / 2 ص -108-
وتوراة"، وكأنها كانت "كِلْوَى" ثم أُبدلت
الواو تاء فصارت "كِلْتا".
قال أبو علي: ولذلك1 مثّلها سيبويه بـ"شَرْوَى"، يريد أن
أصل "شَرْوَى: شَرْيَا"2 كما أن أصل "كِلْتا: كِلْوَى"
فأبدلت اللامان.
ويدل على أن "شَرْوَى" في الأصل2 من الياء: أنها3 من
"شَرَيت"، و"شَرْوَى الشيء: مقداره ومثله"، وهذا المعنى
موجود في "شَرَيْت"؛ لأن العرف والعادة أن الشيء، إنما
يُشْتَري بقيمته وبمقداره4؛ ولكن الياء قلبت واوا لما
أذكره في موضعه إن شاء الله.
"المطرد وغير
المطرد في المقلوب والمغير":
وقد مر في هذا الباب من المقلوب والمغير ما أذكره5 لك أصلا
تقيس6 تمثيله من الفعل عليه7 إن شاء7 الله.
اعلم أن هذه الأشياء المغيرة والمقلوبة على ضربين: أحدهما:
ما يطرد تغييره، والآخر: ما هو غير مطرد في بابه.
فالمطرد في بابه نحو قولك إذا أمرت من "قام، وخاف، وباع:
قُمْ, وخَفْ، وبِع"، فهذا لا ينكسر في بابه، وأصله:
"اقْوُم، اخْوَف، ابْيِع"، فنقلت الحركة من العين إلى
الفاء وحذفت8 همزة الوصل لتحرك ما بعدها، وسقطت العين،
لسكونها وسكون اللام.
فإذا قيل لك: مثل هذه الأشياء من الفعل، مثلت أصولها؛ لأن
هذا التغيير الذي فيها مطرد لا ينكسر، فتقول في "قُم:
افْعُل"، وفي "خَف: افْعلَ"، وفي "بِعْ: افْعِل"، ويجوز أن
تمثل اللفظ فتقول في9 "قُمْ: فُلْ"، وفي10 "خَفْ: فَلْ"،
وفي11 "بِعْ: فِلْ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولذلك: ساقط من ظ، ش. وفي ع: فلذلك.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: لأنها.
4 ص، ظ، ش: ومقداره.
5 ظ، ش، ع: أذكر.
6 ظ، ش: تفسير.
7، 7 ظ، ش، ع: بحول.
8 ظ، ش،ع: فحذفت.
9، 10، 11 في: ساقط من ظ، ش في المواضع الثلاث.
ج / 2 ص -109-
وغير المطرد في بابه: نحو "قِسيّ وأشياء"
تمثله1 من الفعل على لفظه؛ لأنه ليس بمطرد في بابه.
ألا ترى أنك لو جمعت "ثَوْبا" على "فُعُول" لم تقل:
"ثُبِي"، ولا كنت تقول في جمع "زوج" على "فُعُول":
زُجِيّ". وكذلك لا تقول في "طَرْفاء وقَصْباء: فَطْراء
وبَقْصَاء"، كما قلت في "شَيْئاء: أشْياء".
فهذا لو مثلته لوجب تمثيله على اللفظ دون الأصل؛ فتقول في
"أشياء: لفعاء"، وفي "قِسيّ: فِلِيع" وفي "اليَمِي:
فَلِع"، وفي "مَأْلَكَة: مَفْعَلَة"، وفي "يد ودم: فَعٌ"
وفي "سَه: فَل"؛ لأن هذا كله غير مطرد في بابه.
وإن أردت تمثيل ما2 كان عليه في "أشياء: فَعْلاء"، وفي
"قِسِيّ: فُعُول"، وفي "اليَمِي: فَعِل"، وفي "مَأْلَكَة:
مَفْعَلَة"، وفي "يد: فَعَل" بإجماع، وفي "دم" على3 قول
سيبويه: "فَعْل" ساكن العين، وفي قول غيره "فَعَل"، وفي
"سَه: فَعَل".
فأم "أيْنُق" فأصلها: "أنْوُق"؛ لأنها جمع ناقة، وهي من
الواو لقولهم فيها: "نوق"، وفيها قولان:
أحدهما: أن العين قدمت على الفاء، وقلبت ياء.
والآخر: أن العين حذفت: وعوضت الياء منها.
والتغييران كلاهما غير4 مطرد.
ألا ترى أنك لا تقول في "أدْؤُر: أيدُر" كما لا تقول في
"ظَبْي: ظَبٌّ"؟ فمثال5 "أينق" فيمن جعلها عينا مقدمة:
"أعْفُل"، ومن جعل الياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: فهذا تمثيله.
2 ظ، ش، ع: أصل ما.
3 ظ، ش: في.
4 غير: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: ومثال.
ج / 2 ص -110-
عوضا من العين قال: "أيْفُل". ومن حكى
الأصل قال: "أفْعل"، وهو أقل الثلاثة.
والوجه: أن تكون الياء في "أيْنُق" عينا مقدمة مبدلة؛
لأنه1 كما أعلت الكلمة بالقلب كذلك أعلت بالإبدال.
فهذا قياس ما قدمت ذكره؛2 فافهم، واعمل2 عليه تصب3 إن شاء
الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ظ، ش: لأنها.
2، 2 ظ، ش، ع: فاعمل.
3 ظ، ش: تصب الحق. |