شرح أبيات سيبويه

حذف اللام المتصلة بأن الناصبة
قال سيبويه: (لا تفعل كذاْ وكذا أن يصيبك أمر تكرهه، كأنه قال: لأن يصيبك، أو من أجل أن يصيبك. وقال الله تعالى: (أن تَضِلَّ إحداهما) وقال: (إن كان ذا مالْ وبنين) كأنه قال: ألأن كان. . .) يريد حذف اللام في جميع هذا. وقال الأعشى:
صدَتْ هُريرةُ عنّا ما تكلمنا ... جهلاً بأُمِّ خُلَيدٍ حبلَ مَنْ تَصِلُ
(أإنْ رأت رجلاً أعشى أضرَّ بِهِ ... ريبُ المَنونِْ ودهرُ مفسد خَبِلُ)

(2/85)


أراد ألأن رأت. واللام المقدرة متصلة بفعل محذوف، كأنه قال: ألأنْ رأتني على
هذه الحال هجرتنيْ وصرمتني. كأنه كان: أعرضَتْ لأن رأت رجلاً على هذه الأوصاف. ولا يجوز أن يتعلق (لأن) التي بعد الحرف الاستفهام بـ (صدّت) لأن ما بعد حرف الاستفهام لا يتصل بما قبله في العمل. وريب المنون: ما يحدث من الضعفْ والكبرْ وأسباب الموت، والخَبِلُ: الذي يفسد العقلْ وهريرة: هي أم خُلَيد.
وقوله: (جهلاً بأُمِّ خُلَيدٍ) منصوب مفعول له كأنه قال: صدت عنا لجهلٍ منها بمن ينبغي أن تصله، وبمن ينبغي أن تصرمه. يقول: إنها وضعت صدودها عنا في غير موضعه.

إعمال (كأنْ) مخففةً
قال سيبويه في باب (أن) بعد إنشاده:
(كأنْ وريدَيْه رِشاءُ خُلبِ)
(هذه الكاف مضافة إلى (أنْ) - يريد الكاف من (كأن) - فلما اضطررت إلى تخفيفْ ولم تضمر - يريد لم تضمر اسم كأنْ - لم يغير ذلك أن تنصب بها، كما أنك قد تحذف من الفعلْ ولا يتغير).
يقول: تخفيفك لها لم يغير عملها، كما أن الفعل إذا حذف منه بعض حروفه لم يغير عن عمله.

إعمال (أن) مخففة وإضمار اسمها
قال سيبويه: ومثل ذلك قول الأعشى:

(2/86)


وقد غدوتُ إلى الحانوتِ يتبعُني ... شاوٍ مِشُلُّ شَلولُ شُلشُلُ شَوِلُ
(في فتيةٍ كسيوف الهندِ قد عَلموا ... أنْ هالكُ كلُّ من يَحفَىْ وينتعلُ)
الحانوت: بيت الخمّار، والشاوي: الشوّاء، ومِشُلُّ: مستحثّ، والمِشَل: السريع السَّوق، وقيل: المشل الذي يَشل اللحم في السفّود، والشُلشُلُ: الخفيف فيما أخذ فيه
من عمل، والشَوِلُ: مثل الشلشل، وقيل: شَول: عادته ذلك، والشَلولُ: مثل المِشَل. ويروى: نَشول، وهو الذي يأخذ اللحم من القدر، يقال منه: نشَل ينِشُل.
يريد أنه غدا إلى بيت الخمارْ ومعه غلام يشويْ ويطبخ.
وقوله: في فتية، يريد مع فتية كالسيوف في مضائهم في الأمور، ويحتمل أنه صِباحُ وجوههم، تبرق كالسيوف. قد علموا أنْ هالك: يريد أنه هالك كل إنسان. ومن يحفى هو الفقير، ومن ينتعل هو الغني. يريد: قد علم هؤلاء الفتيان أن الهلاك يعم الناس غنيِّهمْ وفقيرَهم، فهم يبادرون إلى اللذات قبل أن يحال بينهمْ وبينها.
والشاهد على تخفيف (أنَّ) وحذف اسمها المضمر، والمضمر هو ضمير الأمرْ والشأن.

(2/87)


وقوع المصدر ظرفاًْ وفتح همزة (أنّ) بعده
قال سيبويه في باب (أنّ): (وذلك قولك: أحقاً أنك ذاهب، والحقَّ أنك ذاهب). كأنه قال: أفي حق ذهابُك. فـ (أنك) مبتدأْ و (حقاً) في موضع خبره.
ثم ساق سيبويه الكلام حتى انتهى إلى قوله: ْ وزعم يونس أن العرب تنشد للأسود بن يعفر:
(أحقاً بني أبناءِ سلمَى بنِ جَندَلٍ ... تهدُّدُكم إيايَ وسطَ المجالس)
(تهدُّدُكم) مبتدأْ و (حقاً) خبره. وأراد: يا بَني أبناء سلمى بن جندل. والمعنى واضح. وكانوا تهددوه بسبب فرس أخذها ابنه الجراح بن الأسود لرجل من بني تيم الله بن ثعلبة يقال له فارس العصماء. وحديثه معهم طويل.

(2/88)


(أنْ) المفتوحة لا يجازى بها
قال سيبويه في باب الجزاء إذا كان القسم في أوله: (وأما قول الفرزدق:
وجدْنا بني مروانَ أوتادَ ديننا ... كما الأرضُ أوتادُ عليها جبالُها
(وأنتم لهذا الناسِ كالقبلةِ التي ... بها أنْ يَضِلَّ الناسُ يُهدَى ضَلالُها)
قال سيبويه بعد إنشاد هذا البيت الثاني: (ولا يكون الآخر إلا رفعاً) يعني يُهدى (لأنّ (أنْ) لا يجازى بها، وإنما هي مع الفعل اسم كأنه قال: لأن يضلّ الناس يُهدى ضَلالها).
يريد (أنْ) المفتوحة الخفيفة لبست بجزاء، و (إنْ) المكسورة الخفيفة يجازى بها، ويجزم الفعل الذي يليها لأنه شرط، ويجزم الفعل الثاني لأنه جواب الشرط.
وهذه المفتوحة مع الفعل بمنزلة اسم تعمل فيه العوامل. والفعل المتأخر الذي ولِيته (أنْ) لبست (أنْ) تعمل فيه، ولم يدخله شيء من عوامل الأفعال، فهو مرفوع في ذا الموضع كما يرفع في غيره. وإنما أنشد هذا البيت في باب الجزاء، ليُعلم أنه ليس مثله.
و (أنْ يَضِلَّ الناسُ) منصوب لأنه مفعول له، والعامل (يُهدَى) كأنه قال: لأن يضل الناس يُهدَى ضَلالُها.

(2/89)


فإن قال قائل: فإذا كان هذا مفعولاً له، فكأنه قال: يُهدَى ضَلال الناس لأن يضلوا. وهم لا يُهدون لأن يضلّوا، وإنما يُهدون لئلا يضلوا.!
قيل له: لهذا نظائر. قال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجلْ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أنْ تضلْ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى).
قيل فيه: إن التقدير: لكراهة أن تضل إحداهما. ومثله قول العرب: أعددتُ الخشبة أنْ يميل الحائط فأدعمَه. فأخبر بالعلة التي دعت إلى إعداد الخشبة.
مدح الفرزدق بهذا سليمان بن عبد الملك، وجعل الفرزدق بني مروان كالقبلة التي يصلي الناس إليها. يريد أنه من انصرف عن طاعتهم؛ فقد ضل، كضلال من
صدفَ وجهه عن القبلة.

(مَنْ) الموصولية
قال سيبويه في باب الأسماء التي يجازى بها وتكون بمنزلة (الذي). يريد أنّ: (مَنْ وماْ وأيّهم) إذا وصلت واحدة منها بطل الجزاءْ وصارت بمنزلة (الذي). وساق كلامه في هذا المعنى حتى انتهى إلى قول الفرزدق:
منا الكواهِلُ والأعناقُ تَقْدُمُها ... والرأسُ مناْ وفيه السمْعُ والبَصَرُ

(2/90)


ولا نُحالف إلا اللهَ مِن أحَدٍ ... غيرَ السُّيوفِ إذا ما اْغرورقَ النظَرُ
(ومَن يَميلُ أمالَ السيفُ ذِروتَهُ ... حيث التَقَى من حفا فَيْ رأسهِ الشَّعَرُ)
الشاهد فيه أنه جعل (مَن) بمنزلة الذي ووصلها بـ (يميل) كأنه قال: والذي يميل أمال السيف ذورته.
وزعموا أن لَبَطَة بن الفرزدق قال - حين ذهب خالد بن عبد الله القسري إلى الشام، واستخلف أسدَ بن عبد الله أخاه على العراق - لأبيه: إنك قد كبرتْ سنك، وقد قعدت عن الرحلةْ والوفادة، وهذا اليماني - يعني أسداً - شديد العصبية، معروف بحب قومه، فإن أتيته فاستنشدك فأنشده أبياتاً - في جملتها هذه الأبيات المتقدمة - تفخر بمضر.
فلما خرج قال له لبطة: هذا ما وصيتك. فقال له: اسكت، ما كنت أكبر في صدره من اليوم. وقوله: (اغرورقَ النظَرُ) يريد أنه إذا دهش الإنسان، اضطرب نظره من الفزعْ ولم يتأمل ما ينظر إليه، فكأنّ عينيه قد غرقت بشيء غطّاها.
ويروى: مَن يَمل يُمِل المأثور ذروته.
أي ذروة رأسه. وذروة

(2/91)


كل شيء: أعلاه، والمأثور: السيف له أثرْ وهو فِرِنده، وفرند السيف: الماء الذي فيه.

(مَنْ) تصلح للمفردْ والمثنىْ والجمع
قال سيبويه في باب إجرائهم صلة (مَنّْ) وخبره إذا عنيتَ اثنين أو جماعة كصلة (الذين): (فإذا ألحقت التاء في المؤنث، ألحقت الواوْ والنون في الجمع).
يريد أنك إذا قلت: من تقوم نكرمها. إذا أردت بـ (مَن) امرأة. فإذا فعلت هذا في المؤنثْ وجعلت الصلة على معنى (مَن) لا على لفظ (مَن)، وجب إذا أردت الجماعة أن تقول: مَن يقومون اخوتك، ومن يذهبان غلاماك.
قال الفرزدق:
فقلتُ له لما تَكشَّر ضاحكاً ... وقائِم سيفي من يدي بمكانِ
(تَعشَّ فإن عاهدْتَني لا تخونُني ... نكنْ مثلَ من يا ذئبُ يصطحبانِ)

(2/92)


الشاهد في قوله (يصطحبانِ) لأنه ثنى على معنى (مَن).
وتَكشَّر: أبدى عن أسنانه. وصف الفرزدق ذئباً أتاهْ وهو في قفر، ووصف حاله معه، وأنه أطعمهْ وألقى إليه ما يأكله. وقوله (تَعشَّ) خطاب للذئب فإن عاهدتني بعد أن تتعشى على أن لا يخون كل واحد منا الآخر، كنا مثل رجلين يصطحبان.
و (يصطحبانِ) صلة (مَن) و (يا ذئب) نداء اعترض بين الصلةْ والموصول. وقد ذكر جماعة من العرب أنهم قَرَوا الذئب لما أتاهمْ وهم مسافرون، منهم: الفرزدقْ ومضرِسْ وغيرهما.

(2/93)


رفع جواب الشرط على تقدير التقديم
قال سيبويه في باب الجزاء: (وتقول: إنْ أتيتني آتيك، أي آتيك إنْ أتيتني).
قال زهير:
(وإنْ أتاه خليلُ يومَ مسألةٍ ... يقول: لا غائبُ ماليْ ولا حَرِمُ)
الشاهد فيه أنه رفع (يقولُ) ولم يجعله للشرط في اللفظ، وجعله في تقدير التقديم، كأنه قال: يقول: لا غائبُ مالي إنْ أتاه خليلُ.
يمدح هَرِمَ بن سنان المُرّي. يريد أنه لا يعتل في خليله إذا سأله شيئاً من ماله بعلة حتى يحرمه. يريد أنه لا يقول: مالي غائبُ عني. أو يقول: ليس لي شيء أعطيك منه. وقوله: يوم مسألة، يعني يوم حاجة توجب المسألة.

اسم (إنّ) ضمير الشأن مقدر
قال سيبويه في باب ما يكون من الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الذي: (وتقول: كان مَن يأتِه يعْطه) يريد أن (كان) فيها ضمير، هو

(2/94)


اسمها. ثم قال: (وقد جاء في الشعر: إنّ مّن يأتي آتِه) (يريد (إنه) حذف اسم إنّ وقدره (إنّهّ) وهذا ضمير الأمرْ والشأن)
قال الأعشى:
(إنّ مَنْ لامَ في بني ابنة حسانَ ... ألمْهُ وأعْصِهِ في الخُطوبِ)
إنّ قيساً قيسَ الفعال أبا الأشعث ... أمستْ أصداؤه لِشَعوبِ
يمدح الأشعث بن قيس. يريد أنه يحبهم، وأنّ مَن لامه في محبته إياهم، كافأه على لومٍ بلومٍ مثله، ولم يطعه في أمره إياه بترك محبتهم. وشعوب: اسم للمنية. والأصداء: جمع صدى، وزعموا أنه طائر يكون في المقابر يخرج من هام الموتى.
وأراد بقوله: أمستْ أصداؤه أمسى جسده - الذي يخرج منه الصدى - للمنية، لأنها غلبت عليه فصار في حزبها، أي في الهَلكَى.

العدول عن الجزم على الجواب - للمعنى
قال سيبويه في: هذا باب من الجزم. وأما قول الأخطل:

(2/95)


(كُرُّوا إلى حَرَّتَيْكُمْ تَعْمرونَها ... كما تَكُرُّ إلى أوطانها البقرُ)
الشاهد فيه أنه رفع (تَعْمرونَهاّ) ولم يجزمه على جواب (كُرُّواّ) وجعل (تَعْمرونَها)
في موضع الحال، كأنه قال: كروا عامرين.
يريد: ارجعوا إلى الحجازْ وإلى موضعكم فيه، والحِرار التي لكم هناك، فليست الجزيرةْ وما قَرُب منها دياراً لكمْ ولأننا لا ندعكم فيها. وهو على تقدير: كروا عامرين، وليسوا بعامرين في وقت كَرِهم إلى ديارهمْ ومعناه كروا مقدَرين لعمارتها.
ومثله قوله عزْ وجل: (فادخلوها خالدين)، أي مقدِّرين الخلود. وقوله: كما تكر إلى أوطانها البقر، يريد كما ترجع بقر الوحش إلى كُنُسها إذا خافت. وقد يجوز أن يريد البقر الإنسية، أي ارجعوا إلى مواضعكم التي كنتم فيها فالزموها، كما ترجع البقر التي تحرث إلى مواضعها التي تأوي إليها.

الفصل بالاسم بين حرف الجزاءْ وفعله
قال سيبويه في الجزاء: (وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيها ضعيف في الكلام، لأنها ليست كـ (إنْ). يريد أن الفصل بين حروف

(2/96)


الجزاءْ وبين فعل الجزاء بالاسم ضعيف في حروف الجزاء، لا يجوز إلا في الشعر. سوى (إنْ) فإنه يجوز فيها الفصل في الكلام. ثم قال: ومما جاء من الشعر مجزوماً في غير (إنْ) قول عدي بن زيد:
وهمُ ما همُ إذا عزَّتِ الخَمْرُ ... وقامت زِقاقهمْ بالحِقاقِ
يعقِرون العِشارَ للشَّرْبِْ والذِّمَّةِ ... والفاقدين للأوراقِ
(ومتى واغِلُ يَنُبْهُمْ يحيُّوهُ ... وتُعطفْ عليه كأسُ الساقي)
الشاهد فيه أنه فصل بين (متى) وهي للشرط، وبين الفعلْ وهو (يَنُبْهُمْ) بـ (واغل) وأصله: متى ينبهم واغل، فقدمه. وإذا تقدم ارتفع بفعل مضمر تقديره: فمتى ينبهم واغل ينبهم، ويكون الذي أظهر تفسيراً للذي أُضمر.
مدح نداماه، يقول: أي قوم هم إذا عزَّتِ الخَمْرُ.! يعني أنهم يبذلون أموالهم حتى
يشتروها، ولا ينظرون في عزة الأثمان. وقوله: وقامت زِقاقهمْ بالحِقاقِ، يريد أن كل زق بحقّة أو حِقّ من الإبل، والعِشارَ من الإبل: جمع عُشراءْ وهي الناقة التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر، والشَّرْب: الذين يشربون، والذمة: الحُرمةْ والعهد، والفاقدون للأوراق: الذين افتقرواْ وفقدوا الدراهم التي تشترى بها الخمرْ وغيرها.

(2/97)


يريد أنهم ينحرون الجُزُر للذين يشربون معهم، ولمن بينهمْ وبينه ذمة وعهد، وللفقراء المحتاجين. والواغل: الداخل (على القوم في شرابهم من غير أن يُدعى. يقال منه وغَل يغِل. ويَنُبْهُمْ: من باب ينوب: إذا أتى.
يريد أن الداخل) عليهم - وهم يشربون - يكرم ويُحَيَّاْ ويسقىْ وإن كانوا لم يدعوه.
قال سيبويه في آخر الباب: ومثل الأول - يعني مثل قول عدي (فمتى واغل ينبهم):
قول هشام المُرّي:
تركنا رِقابَ الناسِ تحتَ سيوفِنا ... لطاعتِنا من رَهبةِ الموتِ خُضَّعا
(فمَن نحن نُؤْمِنْهُ يَبِتْْ وهو آمِنُ ... ومن لا نُجِرْهُ يُمْسِ منا مُفزَّعَا)
الشاهد فيه أنه فصل بين (مَنّ) وهي للشرط، وبين فعلهاْ وهو مجزوم بقوله (نحن) و (نحن) مرفوع بفعل مقدر بعد (مَن) كأنه قال: فمن نؤمنه نحن نؤمنه. والمعنى واضح.

مجيء فعل الشرط ماضياًْ وجوابه مضارع
مجزوم
قال سيبويه في الجزاء قال الفرزدق:
كيف بِبَيتٍ قريبٍ منك مطلبُه ... في ذاك منكَ كنائي الدارِ مهجورِ

(2/98)


(دَسّتْ رسولاً بأنّ القومَ إنْ قَدَروا ... عليكَ، يَشفوا صدوراً ذاتَ توغيرِ)
الشاهد فيه أنه جعل الماضي فعل الشرط، وجعل الجواب بفعل مجزوم.
والتوغير: الحَمْي في الصدور، وقوله: (كيف ببيت قريب منك مطلبه)، يريد كيف بنيل بيت، والوصول إليه، يريد أنه يحول بينهْ وبين الوصول إلى هذه المرأة من لا يمكنه مقاومتهْ ولا مدافعته. وقوله: (دَسّتْ رسولاً) يريد: المرأة التي كان يهواها، دست إليه رسولاً بأن لا تأتينا، وأن أهلها إن رأوه قاصداً إليها قتلوه.
وقوله: (في ذاك منكَ) أي هو في ذاك منكَ، وأشار بـ (ذاك) إلى القرب. يريد: هو في قربه منك كبيت نائي الدار، أي نائي المحل، مهجور لا يزارْ ولا يقرب منه. والباء من قوله: (كيف بِبَيتٍ) متصلة بشيء محذوف، كأنه قال: كيف تصنع ببيت هذا حاله.

عطف المصدر المؤولْ ولم يجعله معمولاً لما
قبله
قال سيبويه: (وتقول: رأيته شاباً، وإنه يفخر يومئذ كأنك قلت رأيته شاباً وهذه حاله. تقول هذا ابتداء، ولم تحمل إن على (رأيت). يعني لم يعطفه على مفعول (رأيت) (وإن شئت

(2/99)


حملت الكلام على الفعل) أي عطفته على ما عمل فيه الفعل.
قال ساعدة بن جُؤَيّة:
وما وجدَتْ وجدي بها أمُّ واحدٍ ... على النأي شمطاءُ القذالِ عقيمُ
(رأتهُ على فَوْتِ الشّبابِْ وأنها ... تُراجع بَعْلاً مرةًْ وتئيمُ)
الشاهد في البيت الثاني، أنه عطف (أنها تُراجع) على (الفوت) والفوت مجرور بـ (على) كأنه قال: رأته على فوت الشبابْ وعلى أنها تراجع بعلاً.
يقول: ما وجدت امرأة - لها ولد واحد، وسمعتْ أن ابنها قتلْ وهو ناء عنها
غريب - كوجدي بمفارقة هذه المرأة. يريد أن حزنه على مفارقتها، أشد من حزن هذه المرأة حين بلغها أن ولدها قد قتل. وجعلها أم واحد ليعْظم حزنها على فقده، ولو كان لها غيره لكان حزنها أقل، وجعلها عقيماً لا ترجو أن تلد بعده ولداً، وذلك أصعبْ وأعظم، ورأته: أي رأته مولوداً وقد فات شبابها؛ ولدته على كبر، ورأته أيضاً على حالة تراجع فيها التزوج، وتطلق أخرى. يعني أنها لبست ترضى حالها مع الأزواج،

(2/100)


وإنما كان سرورها بذلك الولد يخفف عنها ما تلقاه من أزواجها، ومن اختلاف أحوالها.

الجملة الشرطية، بعضها متقدمْ وبعضها متأخر
قال سيبويه في باب الجزاء، قال ذو الرمة:
فيا ميَّ هل يُجزَى بكايَ بمثلِهِ ... مِراراً وأنفاسي إليكِ الزوافرُ
(وإني متى أُشْرِفْ على الجانب الذي ... به أنتِ من بينِ الجوانبِ ناظرُ)
الشاهد فيه أنه جعل الجملة، بعضها متقدمْ وبعضها متأخر يسد مسد الجواب، كأنه قال: وإني ناظر متى أُشْرِفْ، و (ناظر) خبر (إنّ) وهذا يقبح إذا كان الشرط بالمستقبل، ويحسن إذا كان فعل الشرط ماضياً.
يقول: هل تجزينني يا مي ببكاي لمفارقتكْ والبعد عنك، فتبكين شوقاً إلي كما أبكي شوقاً إليك. وقوله: متى أُشْرِفْ، يريد متى أشرف على الناحية التي يُقصد منها إلى الموضع الذي ينزله أهلك، أنظر محبة مني للجهة التي يقصد منها إليك.

في تكرير (أي)
قال سيبويه قال عباس بن مرداس:
(فأيّي ماْ وأيُّك كان شراً ... فقِيدَ إلى المقامةِ لا يراها)

(2/101)


ولا وَلَدتْ لهمْ أبداً حَصانُ ... وخالفَ ما يريد إذا ابتغاها
الشاهد في تكرير اللفظ (أيّ) وإنما يريد: أيّنا كان شراً.
والمقامة بفتح الميم: الجماعة من الناس. ويروى: (فقِيدَ إلى المنية لا يراها) يدعو عليه بالعمى. وقوله: (ولا وَلَدتْ لهمْ أبداً حَصانُ) هو دعاء عليهم بانقطاع النسل. وقوله: (وخالفَ ما يريد إذا ابتغاها) يعني أنه إذا قصد الجماع - في الموضع الذي هو موضعه، وهو موضع ابتغاء الولد - أخطأه، وجامعها في الموضع الذي لا يجيء منه الولد، يعني مؤخرها.
يهجو عباسُ بذلك خُفافاً.

المجازاة بـ (إذما)
قال سيبويه في الجزاء، قال عباس بن مرداس:
(إذ ما مررْتَ على الرسولِ فقُلْ له ... حقاً عليك إذا اطمأنّ المجلسُ)
يا خيرَ من ركب المطيْ ومن مشى ... فوقَ التراب إذا تعَدُّ الأنفسُ

(2/102)


وفي شعره: (إما مررْتَ) والشاهد فيه أنه جعل (إذ ما) بمنزلة (إنْ) والمعنى واضح.

إفراد (أي)
قال سيبويه قال عباس بن مرداس:
(ولقد علمتُ إذا الرجالُ تَناهزوا ... أيِّيْ وأيُّكُمُ أعزُّ وأمنعُ)
إني امرؤُ منعَ الإلهُ وأسرتي ... ضيمي، ويحملني فؤادُ أروع
تَناهزوا: بدر بعضهم إلى بعض للقتال، وأسرته: رهطه الأدنَوْن، والضيم: القهرْ والذل، الأروع: الذكي الحاد.
والشاهد فيه إفراد (أي) لكل واحد من الاسمين. والشعر في الكتاب منسوب إلى خِداش، ورأيته في شعر عباس.

إدخال الكاف على الضمير اضطراراً
قال سيبويه في باب (ما لا يجوز فيه الإضمار من حروف الجر) بعد ذكره أنهم استغنوا عن أن يدخلوا (حتى) إلى اسم مضمر بقولهم: (دعه إليه) فاستغنوا بإدخال (إلى) على المضمر عن إدخال (حتى) عليه. ثم قال: (كما استغنوا بـ (مثليْ ومثله) عن (كِيْ وكَهُ).

(2/103)


يريد أنهم لا يُدخلون كاف التشبيه على المضمر، استغنوا عن ذلك بإدخال (مثل) كما استغنوا باستعمال (إلى) في المضمر عن استعمال (حتى).
ثم قال: (إلا أن الشعراء إذا اضطروا أضمروا في الكاف، فيجرونها على القياس). قال العجاج:
نَحَّى الذُّباباتِ شِمالاً كثبا
(وأمُّ أوعالٍ كها أو أقربا)
ذاتَ اليمين غيرَ ما إنْ يَنْكبا
الشاهد فيه أنه اضطر فأدخل الكاف على الضمير. والذبابات مكان بعينه، وأم أوعال هضبة بعينها، والكثب القريب، ويَنْكب: يجور، وفي (نحى) ضمير يعود إلى حمار وحش ذكره. وقوله: (نَحَّى الذُّبابات) يعني أنه مضى في عدوه ناحية من الذُّبابات، فكأنه نحاها عن طريقه، وهي عن شماله في الموضع الذي عدا فيه بالقرب من الموضعْ وليست ببعيدة.
وأم أوعال من الموضع الذي عدا فيه (كها) كالذُّبابات منه أو أقرب إليه منها. والضمير الداخل عليه الكاف، هو ضمير الذبابات، والهضبة التي هي أم أوعال هي عن يمينه مثل الذبابات عن شماله.
وقوله: (غيرَ ما إنْ يَنْكبا) يقول: هما عن يمين طريقهْ وشماله، ومقدار ما بين كل واحد من الموضعينْ وبين طريقه متقارب، إلا أن يجور في

(2/104)


عدوه فتصير الذبابات
- إنْ مال إليها في العدو - أقرب من أم أوعال، وإنْ مال في العدو إلى أم أوعال، صارت أقرب إليه من الذبابات.
و (أم أوعال) رفع بالابتداء، و (كها) خبرها.

قولهم (ليتي) ضرورة
قال سيبويه في باب الضمير: (وقد قالت الشعراء (ليتي) إذا اضطروا، كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: الضاربي). يريد أنهم اضطروا إلى حذف النون التي تكون مع الياء التي هي ضمير المتكلم. قال زيد الخيل الطائي:
تمنَّى مَزْيَدُ زيداً فلاقى ... أخا ثقةٍ إذا اختلفَ العوالي
(كمُنيةِ جابرٍ إذ قال ليتي ... أُصادفُهْ وأفقِدُ بعضَ مالي)
مَزْيَد: رجل من بني أسد كان يتمنى أن يلقى زيد الخيل، فلقيه زيد الخيل، فطعنه، فهرب منه، فقال زيد في ذلك شعراً أوله ما أنشدته.
وقوله: (أخا ثقةٍ) أي يوثق بشجاعتهْ وصبره، والعوالي: عوالي الرماح، جمع عالية، والعالية من الرمح: ما يلي الموضع الذي يركب فيه السنان. وقوله (كمُنيةِ جابر) يريد أن مزيداً تمنى أن يلقاه كما تمنى جابر، وكلاهما لقي منه ما يكره.

(2/105)


حذف لام الأمرْ وإبقاء عملها - ضرورة
قال سيبويه: (واعلم أن هذه اللام قد يجوز حذفها في الشعر يريد اللام التي تدخل على فعل الأمر وتعمل مضمرة، كأنهم شبهوها بـ (أنْ) إذ عملت مضمرة). قال متمم بن نويرة:
وكلُّ امرئٍ يوماًْ وإنْ عاشَ حِقبةً ... له غايةُ يَجري إليهاْ ومُنْتهَى
(على مثل أصحابِ البَعوضةِ فاْخُمشي ... - لك الويل - حُرَّ الوجه أو يبكِ مَن
بَكَى)
الشاهد في قوله (أو يبكِّ) وهو أمر للغائب، والأمر للغائب يكون بالفعل المضارعْ ويدخل عليه اللام، فلما اضطر حذف اللام.
وكان أبو العباس يدفع هذا القولْ ويقول: إن قوله (فاْخُمشي) في معنى (فلتخمشي) فعطف (أو يبكِ) على تقدير فلتخمشي، ولم يجزمه بلام محذوفة.
وهذا القول لا يُخرج الشاعر عن أن يكون مضطراً، وجعله أبو العباس مضطراً إلى أن يعدل فعل الأمر الذي للمخاطبْ والمبني في تقدير الأمر بالفعل المضارع الذي تدخل عليه اللام. وليس يدفع أن فعل الأمر قد يضطر

(2/106)


الشاعر إلى حذف اللام منه، وإذا كان هذا سائغاً، لم يمتنع أن نقدر اللام في (يبك من بكى).
والبعوضة: مكان بعينه، قتل فيه أخوه مالك بن نويرةْ وجماعة من بني يربوع. يقول لها: على مثل هؤلاء القوم فاخدشي وجهك، وليبك من كان باكياً على مثلهم. ولو عاش حقبة يرونه ودهراً طويلاً، وليس يراد به سنة واحدة، والحقبة: السنةْ وجمعها حِقب واستعمل لفظ الواحد لمعنى الجمع.
يقول: كل امرئ يجري إلى غاية ينتهي - مدةَ حياته - إليها، ثم يموت.

في عمل (إذن)
قال سيبويه في باب (إذاً): (ومن ذلك قولك: إن تأتني إذاً آتك، لأن الفعل معتمد على ما قبل (إذاً).
يريد أنّ (إذن) إذا كانت في أول الكلام نصبت الفعل، وإن دخلت في حشو الكلام - والفعل الذي بعدها معلق بما قبله - ألغيت، كهذه المسألة التي ذكر، لأن الشرط إذا أتى فهو محتاج إلى جواب، وجوابه فعل مجزوم أو جملة في أولها الفاء فإذا أدخل (إذاً) على المجزومْ وهو جواب الشرط، لم يَجُز أن تعمل فيه، لأنه معلق بالشرط الذي قبله.
ومثله: أن تدخل (إذاً) بين الابتداءْ وخبره، فلا تعمل شيئاً. وقد ذكره سيبويه ثم
قال: (وليس هذا كقول ابن عَنَمة:

(2/107)


(أُرْدُدْ حمارَكَ لا تُنْزَعْ سَوِيّتهُ ... إذن يُردَ وقَيْدُ العَيْرِ مكروبُ)
الشاهد على نصب (يرد) بـ (إذن) وليس الفعل الذي بعد (إذاً) معتمداً على ما قبلها، لأن الكلام الأول قد تمْ واستأنف الكلام بـ (إذاً).
وقوله: (أُرْدُدْ حمارَكَ) مَثَل، أي لا تتعرض لنا. والسوية: كساء يحشىْ ويطرح على ظهر الحمار. يقول: إن لم تردده لا تؤخذ منه السوية التي على ظهره. وقوله: لا تُنْزَعْ سَوِيّتهُ، جواب الأمر، كأنه قال: إن تردده لا تُنزع سويته. وقوله (إذن يُردَ) استئناف، كأنه لما قال له: اردد حمارَكَ. قال: لا أفعل. فقال له مجيباً عن كلامه: إذن يرد. والمكروب: الموثق بالكَرَبْ وهو عَقد الحبل بعد عقده، وأراد أنه كان يقطع قوائمه بالسيف فيسقط فلا يتحرك.
ويروى: (لا يرتع بروضتنا) أي لا يأكل منها.

العطف بالظاهر على المضمر المرفوع
قال سيبويه في باب الضمير، وأنه لا يُعطف على الضمير

(2/108)


المرفوع المتصل حتى يؤكد: (وقد جاء في الشعر. قال عمر بن أبي ربيعة:
(قلتُ إذْ أقبلتْ وزُهْرُ تهادى ... كنِعاجِ المَلا تعسَّفْنَ رَمْلا)
قد تَنَقبْنَ بالحريرْ وأبْدَيْنَ ... عيوناً حورَ المدامعِ نُجلا
الشاهد فيه أنه عطف على الضمير في (أقبلتْ) من غير أن يؤكده.
والزُهْرُ: جمع زهراءْ وهي البيضاء. وتهادى: تميل في مشيها يميناً وشمالاً، والنِعاج: نِعاج الوحش، والمَلا: الصحراء، وتعسفن رَمْلا: يريد أن هؤلاء النسوة يمشين كمشي نِعاج الوحش إذا وقعت في الرمل، فهن ينقلن قوائمهن نقلاً بطيئاً، وتتحرك أحشاؤهن لتكلفهن نقل قوائمهن.
شبه مشي النساء بمشي بقر الوحش التي قد وقعت في رمل متعقد يتعب من مشى
فيه. ويروى:
قلتُ إذْ أقبلتْ تَهادى رويداً
ولا شاهد فيه على هذه الرواية. ويروى: (كنِعاج المهاّ) والمها: بقر الوحش. وأراد: قد تنقبن من حرير. وحورَ المدامع يريد أنهن كحل العيون، بيض الخدود. والنجل: الواسعةْ وهو جمع نجلاء. يقال عين نجلاء أي واسعة.

(2/109)


نصب (غير) على الاستثناء المنقطع
قال سيبويه قال الفرزدق:
فإنْ أكُ محبوساً بغيرِ جَريرةٍ ... فقد أخذوني آمِناً غيرَ خائفِ
(وما سجنوني غيرَ أني ابنُ غالبٍ ... وأني من الأثرَين غيرِ الزعانفِ)
الشاهد فيه على أنه نصب (غير) على الاستثناء المنقطع.
والذي حبسهْ وسجنه خالد بن عبد الله القسري، وكان من قسِل هشام على العراق. وقوله: فقد أخذوني آمِناً: يريد أنه لم يذنب فيَحذر، وأنه أُخذْ وهو آمن من السلطان، ولم يكن عنده أنه يطلب.
والأثرَوْن: جمع الأثرَىْ وهو الأغنى، يريد أنه أغنى من غيره. وأراد بالأثرَين الأغنياء من المكارمْ والحسبْ والرفعةْ والشرف. والزعانف: رُذال القومْ والملصَقون بهم.

العطف بالجر على الكلام الأول كأن اللام
مذكورة فيه
قال سيبويه في الجواب بالفاء. قال الفرزدق:
فقلتُ لها الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفتى ... وهَمُّ تعنّاني مُعَنّى ركائِبُهْ
(وما زرتُ سلمى أنْ تكونَ حبيبة ... إليّ ولا دَيْنٍ بها أنا طالبُهْ)

(2/110)


ولكِنْ أتينا خِنْدِفِيّا كأنّه ... هلالُ غيومٍ زال عنه سَحائِبُهْ
الشاهد فيه أنه جر (دَيْن) على أنه توهم أن اللام مذكورة في قوله: (أنْ تكونَ حبيبةّ) ومعناه: لأن تكونَ حبيبة، فلما كان المعنى معني اللام، عطف على الكلام الأول كأن اللام مذكورة. وسلمى أحد جبلَيْ طيّئ.
وسبب هذا الشعر أن الفرزدق نزل بامرأة من العرب من طيئ، فقالت له: ألا أدلك على رجل يعطيْ ولا يُليق شيئاً. فقال: بلى. فدلته على المطلب بن عبد الله بن حَنظب المخزومي. وكان مروان بن الحكم خاله، وبعث به مروان على صدقات طيئ، ومروان عامل معاوية يومئذ على المدينة.
فلما أتى الفرزدق المطلبَْ وانتسب له، رحب بهْ وأكرمه، وأعطاه عشرين أو ثلاثين بَكرة، فأعطى الطائية بكرة. وقال هذه القصيدة.

(2/111)


والمُعَنى: المتعب، والركائب: جمع رِكابْ وهي الإبل التي يركبونهاْ ويسار عليها.

رفع جواب الأمر بَدل جزمه
قال سيبويه قال صفوان بن محرث الكناني:
بني أسدٍ أغنُوا سُليماً لديكُمُ ... ستغني تميمُ عنكمُ غَطفانا
(وكونوا كمن آسَى أخاه بنفسه ... نموتُ جميعاً أو نعيشُ كِلانا)
كذا أنشد سيبويه. والشاهد فيه أنه رفع (نعيشّ) ولم يجعله جواباً لفعل الأمرْ وهو (كونوا). والذي رأيته في شعره: (فنحيا جميعاً أو نموتُ كِلانا) ولا شاهد فيه على هذا الإنشاد.
وسبب هذا الشعر أن البرّاض الكِناني قتل عروة الجعفري، فهاجت الحرب بين قيسْ وخِنْدِف. وأسدْ وكنانة أخوان، ابنا خُزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.

(2/112)


يقول لهم: أغنوني اخوتكم. وأغنوا عنهم سُليماً، أي ادفعوا عنهم بني سليم فإن بني
تميم ستدفع غطفان. رتب كل قبيلة من خِنْدِف بإزاء كل قبيلة من قيس. فجعل تميماً بازاء غطفانْ وبني أسد بازاء سليم، وكانت قريشْ وكنانة بازاء بني عامر بن صعصعة. وتميم هو تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر.
يقول لبني أسد: أنتم اخوتنا، فكونوا مواسين لنا. نعيش جميعاً أي مجتمعين في الحياة، أو نموت كلانا.
و (كلانا) توكيد للضمير في (نموت) وإنما استعمل قوله (كلانا) لأنه أراد حيَّيْ كنانةْ وأسد.