شرح الأشموني على ألفية ابن مالك
ج / 2 ص -334-
التوكيد:
هو في الأصل مصدر، ويسمى به التابع المخصوص،
ويقال: أكد تأكيدًا، ووكد توكيدًا، وهو بالواو أكثر.
"نوعا التوكيد":
وهو على نوعين: لفظي وسيأتي، ومعنوي، وهو: التابع
الرافع احتمال إرادة غير الظاهر، وله ألفاظ أشار إليها
بقوله:
"التوكيد بالنفس
أو بالعين":
520-
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا
مع ضمير طابق المؤكدا
521-
وأجمعهما بأفعل إن تبعا
ما ليس واحدًا تكن متبعا
"بالنفس أو بالعين الاسم أكدا
مع ضمير طابق المؤكدا"
أي في الإفراد والتذكير وفروعهما، فتقول: "جاء زيد نفسه، أو
عينه، أو نفسه عينه" فتجمع بينهما، والمراد حقيقته، وتقول:
"جاءت هند نفسها أو عينها" وهكذا، ويجوز جرهما بباء زائدة
فتقول: "جاء زيد بنفسه وهند بعينها".
"واجمعهما" أي النفس والعين "بأفعل إن تبعا ما ليس واحدًا
تكن متبعًا" فتقول: "قام الزيدان أو الهندان أنفسُهما أو
أعينُهما، وقام الزيدون أنفسُهم أو أعينُهم، والهندات
ج / 2 ص -335-
أنفسُهن أو أعينُهن" ولا يجوز أن يؤكد بهما
مجموعين على "نفوس" و"عيون"، ولا على "أعيان"، فعبارته هنا
أحسن من قوله في التسهيل: "جمع قلة" فإن "عينًا" تجمع جمع
قلة على "أعيان"، ولا يؤكد به.
تنبيه: ما أفهمه كلامه من منع مجيء "النفس" و"العين"
مؤكدًا بهما غير الواحد -وهو المثنى والمجموع- غير مجموعين
على "أفعل" هو كذلك في المجموع.
وأما المثنى فقال الشارح -بعد ذكره أن الجمع فيه هو
المختار- ويجوز فيه أيضًا الإفراد، والتثنية.
قال أبو حيان: ووهم في ذلك؛ إذا لم يقل أحد من النحويين
به.
وفيما قاله أبو حيان نظر، فقد قال ابن إياز في شرح الفصول،
ولو قلت: "نفساهما" لجاز، فصرح بجواز التثنية.
وقد صرح النحاة بأن كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه
يجوز فيه الجمع، والإفراد، والتثنية، والمختار الجمع، نحو:
{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}1 ويترجح الإفراد على التثنية
عند الناظم، وعند غيره بالعكس، وكلاهما مسموع كقوله "من
الطويل":
796-
حمامة بطن الواديين ترنمي
"سقاك من الغر الغوادي مطيرها"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحريم: 4.
796- التخريج: البيت للشماخ في ملحق ديوانه ص438، 440؛
والمقاصد النحوية 4/ 86؛ وللمجنون في ديوانه ص113؛ ولتوبة
بن الحمير في الأغاني 11/ 98؛ والدرر 1/ 154؛ والشعر
والشعراء 1/ 453؛ وبلا نسبة في المقرب 2/ 129؛ وهمع
الهوامع 1/ 51.
اللغة: الترنم: مد الصوت للتطريب. الغوادي: ج الغادية، وهي
التي تجيء عند الغداة. المطير: الماء.
الإعراب: حمامة: منادي منصوب، وهو مضاف. بطن: مضاف إليه
مجرور، وهو مضاف. الواديين. مضاف إليه مجرور بالياء لأنه
مثنى. ترنمي: فعل أمر مبني على حذف النون، و"الياء": ضمير
في محل رفع فاعل. سقاك: فعل ماض، و"الكاف": ضمير متصل
فيمحل نصب مفعول به. من الغر: جار ومجرور متعلقان
بـ"سقاك". الغوادي. نعت "الغر" مجرور. مطيرها: فاعل مرفوع،
وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة
"ترنمي": استئنافية لا محل لها من الإعراب وجملة "سقاط: لا
محل لها من الإعراب لأنها دعائية.
الشاهد فيه قوله: "بطن الواديين" حيث ورد المضاف "بطن"
مفردًا باللفظ، ومثنى بالمعنى لأن المضاف إليه مثنى
"الواديين"، ولكل واد بطن. وذلك منعًا لاستثقال اللفظ،
والأصل أن يقال: "حمامة بطني الواديين" كما أن المقصود من
المعنى مفهوم لدى السامع.
ج / 2 ص -336-
وكقوله "من الرجز":
797-
ومهمهين قذفين مرتين
ظهراهما مثل ظهور الترسين
"التوكيد بكل وجميع وكلا
وكلتا":
522-
وكلًّا اذكر في الشمول، وكلا
كلتا، جميعًا بالضمير موصلا
"وكلًّا اذكر في" التوكيد
المسوق لقصد "الشمول" والإحاطة بأبعاض المتبوع، "وكلا"
و"كلتا" و"جميعًا"، فلا يؤكد بهن إلا ما له أجزاء يصح وقوع
بعضها موقعه، لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن،
نحو: "جاء الجيشُ كلُّه، أو جميعُه، والقبيلةُ كلُّها، أو
جميعُها، والرجالُ كلُّهم، أو جميعُّهم، والهنداتُ كلُّهن،
أو جميعُهن، والزيدان كلاهما، والهندان كلتاهما"؛ لجواز أن
يكون الأصل: "جاء بعض الجيش، أو القبيلة، أو الرجال، أو
الهندات، أو أحد الزيدين، أو إحدى الهندين".
ولا يجوز "جاءني زيدٌ كلُّه" ولا "جميعُه" وكذا لا يجوز
"اختصم الزيدان كلاهما"، ولا "الهندان كلتاهما" لامتناع
التقدير المذكور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
797- التخريج: الرجز لخطام المجاشعي في خزانة الأدب 2/
314؛ والدرر 1/ 116، 118، 166؛ وشرح المفصل 4/ 156؛
والكتاب 2/ 48؛ ولسان العرب 2/ 89؛ "كرت"؛ وله أو لهميان
بن قحافة في خزانة الأدب 7/ 544، 547؛ والمقاصد النحوية 4/
89؛ ولهميان في الكتاب 3/ 622؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب
7/ 302، 7/ 539، 572؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 194؛ وهمع
الهوامع 1/ 40، 51.
اللغة: المهمان: مثنى المهمه، وهو الصحراء المقفرة. القذف:
بعيدة الأرجاء، واسعة. رجل مرت: ليس له شعر بحاجبيه.
الترسين: مثنى الترس، وهو ما يتقى به ضربات السيف مثلًا.
الإعراب: ومهمهين: "الواو": واو رب حرف جر زائد،
و"مهمهين": اسم مجرور لفظًا مرفوع محلًّا على أنه مبتدأ.
قذفين: نعت "مهمهين" مجرور باعتبار اللفظ. مرتين: نعت ثان
لـ"مهمهين". ظهراهما: مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى، وهو
مضاف، و"هما": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. مثل: خبر
المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. ظهور: مضاف إليه مجرور، وهو
مضاف. الترسين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى.
وجملة المبتدأ في محل جر نعت لـ"مهمهين".
الشاهد فيه قوله: "ظهراهما مثل ظهور الترسين" حيث ورد
المضاف مثنى، والمضاف إليه مثنى أيضًا في قوله: "ظهراهما".
وورد المضاف في "ظهور الترسين" جمعًا، والمضاف إليه مثنى،
وهذا جائز لأن العرب تنزل المثنى منزلة الجمع، نحو قول
الاثنين: "نحن فعلنا".
ج / 2 ص -337-
وأشار بقوله: "بالضمير موصلا" إلى أنه لا
بد من اتصال ضمير المتبوع بهذه الألفاظ، ليحصل الربط بين
التابع ومتبوعه كما رأيت، ولا يجوز حذف الضمير استغناء
بنية الإضافة، خلافًا للفراء والزمخشري، ولا حجة في
{خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ
جَمِيعًا}1 ولا قراءة بعضهم: "إنًّا
كلًّا فيها" على أن المعنى: جميعه وكلنا، بل "جميعًا" حال
"وكلًّا" بدل من اسم "إن" أو حال من الضمير المرفوع من
"فيها".
وذكر في التسهيل أنه قد يُستغنى عن الإضافة إلى الضمير
بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بـ"كل"، وجعل منه قول كثير
"من البسيط":
798-
"كم قد ذكرتك لو أُجزى بذكركم"
يا أشبه الناسِ كلِّ الناسِ بالقمرِ
"التوكيد بعامة":
523-
واستعملوا أيضًا ككل فاعله
من عم في التوكيد مثل النافلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البقرة: 29.
798- التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص145؛
وخزانة الأدب 9/ 35؛ وسمط اللآلي ص469؛ وشرح شواهد المغني
2/ 518؛ وشرح عمدة الحافظ ص557؛ ولكثير عزة في الدرر 6/
33؛ والمقاصد النحوية 4/ 88؛ ولم أقع عليه في ديوان كثير.
اللغة: أجزى: أثاب.
المعنى: يا من هي أكثر الناس شبهًا بالقمر، لقد ذكرتك
كثيرًا جدًّا، ولو كافأني ربي على كثرة ذكركم لأدخلني
جنته، أو لو كافأتني عليه لواصلتني.
الإعراب: كم: خبرية، في محل نصب على المفعولية المطلقة.
قد: حرف تحقيق وتقريب. ذكرتك: فعل ماض مبني على السكون،
و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"الكاف": ضمير متصل
في محل نصب مفعول به. لو: حرف للتمني. أجزى: فعل ماض مبني
للمجهول مبني على الفتح المقدر على الألف، و"الفاعل": ضمير
مستتر تقديره "أنا". بذكركم: جار ومجرور متعلقان بـ"أجزى"،
و"كم": ضمير متصل في محل جر مضاف إليه، يا أشبه: "يا": حرف
نداء، "أشبه": منادى مضاف منصوب بالفتحة. الناس: مضاف إليه
مجرور بالكسرة. كل: توكيد لـ"الناس" مجرورة مثله بالكسرة.
الناس: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بالقمر: جار ومجرور
متعلقان بـ"أشبه".
وجملة "كم قد ذكرتك": ابتدائية لا محل لها. وجملة "أجزى
بذكركم": اعتراضية، أو استئنافية لا محل لها، فعل شرط
جوابه محذوف. وجملة "النداء": استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "يا أشبه الناس كل الناس" حيث أضاف "كل"
المؤكدة إلى اسم ظاهر.
ج / 2 ص -338-
"واستعملوا أيضًا ككل" في الدلالة على الشمول اسمًا
موازنًا "فاعله من عم في التوكيد" فقالوا: "جاء الجيش
عامَّتُهُ،والقبيلة عامَّتُهَا، والزيدون عامَّتُهُم،
والهندات عامَّتُهُن"، وعد هذا اللفظ "مثل النافلة" أي:
الزائد على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم
أغفله، لكن ذكره سيبويه، وهو من أجلهم، فلا يكون حينئذ
نافلة على ما ذكروه، فلعله إنما أراد أن التاء فيه مثلها
في "النافلة" أي: تصلح مع المؤنث والمذكر، فتقول: "اشتريت
العبد عامَّتَهُ" كما قال تعالى:
{وَيَعْقُوبَ نَافِلَة}1.
تنبيه: خالف في "عامة" المبرد، وقال: إنما هي بمعنى
"أكثرهم".
"التوكيد بأجمع وأخواته":
524-
وبعد كل أكدوا بأجمعا
جمعا، أجمعين، ثم
جُمَعَا
فقالوا: "جاء الجيشُ كلُّه أجمعُ، والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ،
والزيدون كلُّهم أجمعون، والهندات كلُّهن جُمَعُ".
525-
"ودون كل قد يجيء أجمع
جمعاء أجمعون ثم جمع"
المذكورات، نحو:
{لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}2،
{لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين}3 وهو قليل بالنسبة لما سبق.
"التوكيد بأكثر
وأخواته":
وقد يتبع أجمع وأخواته، بأكْتَع وكَتْعاء وأَكْتَعين
وكُتَع، وقد يتبع أكتع وأخواته، بأَبْصَع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأنبياء: 72.
2 الحجر: 39.
3 الحجر: 43.
ج / 2 ص -339-
وبَصْعاء وأَبْصَعين وبُصَع، فيقال: "جاء
الجيشُ كلُّه أجمعُ أكتعُ أبصعُ، والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ
كتعاءُ بصعاءُ، والقومُ كلُّهم أجمعون أكتعون أبصعون،
والهنداتُ كلُّهن جُمَعُ كُتَعُ بُصَعُ".
وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته أَبْتَع وبَتْعاء
وأَبْتَعين وبُتَع.
قال الشارح: ولا يجوز أن يُتعدى هذا الترتيب، وشذ قول
بعضهم: "أجمع أبصع"، وأشذ منه قول الآخر "جمع بتع"، وربما
أكد بأكتع وأكتعين غير مسبوقين بأجمع وأجمعين، ومنه قول
الراجز:
799-
يا ليتني كنت صبيًّا مرضعًا
يحملني الذلفاء حولًا أكتعا
إذا بكيت قبلتني أربعا
إذًا ظللت الدهرَ أبكي
أجمعَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
799- التخريج: الرجز بلا نسبة في الدرر 6/ 35، 41، وخزانة
الأدب 5/ 169؛ وشرح عمدة الحافظ ص562، 565؛ ولسان العرب 8/
305 "كتع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 93؛ والمقرب 1/ 240؛ وهمع
الهوامع 2/ 123، 124.
اللغة: الذلفاء: اسم امرأة. الحول: العام. أكتعًا: كاملًا.
الإعراب: "يا": حرف نداء، والمنادى محذوف. "ليتني": حرف
مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب اسم
"ليت". "كنت": فعل ماض ناقص، والتاء ضمير في محل رفع اسم
"كان". "صبيًّا": خبر "كان" منصوب. "مرضعًا": نعت "صبيًّا"
منصوب. "تحملني": فعل مضارع مرفوع، والنون للوقاية، والياء
ضمير في محل نصب مفعول به. "الذلفاء" فاعل مرفوع. "حولًا":
ظرف زمان متعلق بـ"تحمل". "أكتعًا": توكيد معنوي
لـ"حولًا". "إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه.
"بكيت": فعل ماض، وهو فعل الشرط، والتاء ضمير متصل مبني في
محل رفع فاعل. "قبلتني": فعل ماض، والتاء للتأنيث، والنون
للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، وهو
جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هي" "أربعًا":
مفعول به ثان لـ"قبل"، أو نائب مفعول مطلق تقديره: "أربع"
قبلات". "إذًا": حرف جواب. "ظللت": فعل ماض ناقص، والتاء
ضمير متصل مبني في محل رفع اسم "ظل". "الدهر": ظرف زمان
متعلق بـ"أبكي". "أبكي": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير
مستتر تقديره: "أنا" "أجمعا": توكيد معنوي لـ"الدهر".
وجملة: "كنت صبيًّا..." في محل رفع خبر "ليت". وجملة:
"تحملني..." في محل نصب نعت "صبيًّا". وجملة: "بكيت" في
محل جر بالإضافة. وجملة: "قبلتني" لا محل لها من الإعراب
لأنها جواب شرط غير جازم. وجملة: "أبكي في محل نصب خبر
"ظل".
الشاهد فيه قوله: "الدهر... أجمعا" حيث أكد "الدهر"
بـ"أجمع" من غير أن يؤكده أولًا بـ"كل". وفي البيت شاهدان
آخران: أولهما قوله: "حولًا أكتعا" حيث أكد النكرة
المحدودة بـ"أكتعا" على المذهب الكوفي. والبصريون لا
يجيزون تأكيد النكرة محدودة كانت أو غير محدودة. وثانيهما
قوله: "الدهر أبكي أجمعًا" حيث فصل بين التوكيد والمؤكد
بأجنبي.
ج / 2 ص -340-
وفي هذا الرجز أمور: إفراد "أكتع" عن
"أجمع"، وتوكيد النكرة المحدودة، والتوكيد بـ"أجمع" غير
مسبوق بـ"كل"، والفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد، ومثله في
التنزيل:
{وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ
بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}1.
تنبيهات: الأول: زعم الفراء أن "أجمعين" تفيد اتحاد الوقت،
والصحيح أنها كـ"كل" في إفادة العموم مطلقًا، بدليل قوله
تعالى:
{لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}2.
الثاني: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني
تأكيدًا للتأكيد.
الثالث: لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع، ولا
إلى النصب.
الرابع: لا يجوز عطف بعضها على بعض، فلا يقال: قام زيد
نفسه وعينه"، ولا "جاء القوم كلهم وأجمعون" وأجازه بعضهم،
وهو قول ابن الطراوة.
الخامس: قال في التسهيل: وأجرى في التوكيد مجرى "كل" ما
أفاد معناه من الضرع والزرع، والسهل والجبل، واليد والرجل،
والبطن والظهر، يشير إلى قولهم: "مطرنا الضرعَ والزرعَ"،
و"مطرنا السهلَ والجبلَ"، و"ضربت زيدًا اليدَ والرجلَ"،
و"ضربته البطنَ والظهرَ".
السادس: ألفاظ التوكيد معارف، أما ما أُضيف إلى الضمير
فظاهر، وأما "أجمع" وتوابعه ففي تعريفه قولان: أحدهما: أنه
بنية الإضافة، ونُسب لسيبويه، والآخر بالعلمية علق على
معنى الإحاطة.
526-
وإن يفد توكيد منكور قبل
وعن نحاة البصرة المنع شمل
"وإن يفد توكيد منكور" بواسطة
كونه محدودًا، وكون التوكيد من ألفاظ الإحاطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأحزاب: 51.
2 الحجر: 39.
ج / 2 ص -341-
"قبل" وفاقًا" للكوفيين والأخفش؛ تقول: "اعتكفت شهرًا
كله"، ومنه قوله "من البسيط":
800-
"لكنه شاقه أن قيل ذا رجب"
يا ليت عدة حولٍ كلِّه رجبُ
وقوله: "من الرجز":
تحملني الذلفاء حولًا أكتعا1
وقوله "من الرجز":
801-
قد صرت البكرة يومًا أجمعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
800- التخريج: البيت لعبد الله بن مسلم الهذلي في شرح
أشعار الهذليين 2/ 910؛ ومجالس ثعلب 2/ 407؛ وبلا نسبة في
أسرار العربية ص190؛ والإنصاف ص450؛ وأوضح المسالك 2/ 332؛
وتذكرة النحاة ص640؛ وجمهرة اللغة ص525؛ وخزانة الأدب 5/
170؛ وشرح التصريح 2/ 125؛ وشرح قطر الندى ص296؛ والمقاصد
النحوية 4/ 96.
اللغة والمعنى: شاقه: هيج شوقه. الحول: السنة.
يقول: إنه في شهر رجب قد اشتد شوقه وهاج، فيا ليت جميع
أشهر السنة رجب.
الإعراب: لكنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء: ضمير في محل نصب
اسم "لكن". شاقه: فعل ماض، والهاء: في محل نصب مفعول به.
أن: حرف مصدري. قيل: فعل ماض للمجهول. ذا: اسم إشارة مبني
في محل رفع مبتدأ. رجب: خبر المبتدأ مرفوع. يا: حرف تنبيه.
ليت: حرف مشبه بالفعل. ويجوز أن تكون "يا" حرف نداء،
والمنادى محذوف تقديره: "يا قوم". عدة: اسم "ليت" منصوب،
وهو مضاف. حول: مضاف إليه مجرور. كله: توكيد معنوي لـ"حول"
مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. رجب: خبر
"ليت" مرفوع.
وجملة "لكنه شاقه" الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها
ابتدائية أو استئنافية. وجملة "شاقه" الفعلية في محل رفع
خبر "لكن". وجملة "أن قيل" المؤولة بمصدر في محل رفع فاعل
لـ"شاقه" تقديره: "شاقه قول الناس: هذا رجب". وجملة "ذا
رجب" الاسمية في محل رفع نائب فاعل. وجملة "يا ليت"
الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة
"ليت عدة..." الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها
استثنافية.
والشاهد فيه قوله: "حول كله" حيث أكد النكرة التي هي قوله:
"حول" لما كانت النكرة محدودة؛ لأن "العام" معلوم الأول
والآخر، وكان لفظ التوكيد من الألفاظ الدالة على الإحاطة،
وهو قوله: "كله"، وتجويز ذلك هو مذهب الكوفيين.
1 تقدم بالرقم 799.
801- التخريج: الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص291؛
والإنصاف 2/ 455؛ وخزانة الأدب 1/ 181، 5/ 169؛ والدرر 6/
39؛ وشرح عمدة الحافظ ص565؛ وشرح المفصل 3/ 44، 45؛ =
ج / 2 ص -342-
"وعن نحاة البصرة المنع شمل"، أي: عم المفيد وغير المفيد،
ولا يجوز: "صمت زمنًا كله"، ولا "شهرًا نفسه".
"التوكيد بكلا
وكلتا":
527-
واغن بكلتا في مثنى وكلا
عن وزن فعلاء ووزن أفعلا
"واغن بكلتا في مثنى وكلا عن"
تثنية "وزن فعلاء ووزن أفعلا" كما استغنى بتثنية "سي" عن
تثنية "سواء"، فلا يجوز "جاء الزيدان أجمعان"، ولا
"الهندان جمعاوان"، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش قياسًا
معترفين بعدم السماع.
تنبيهان: الأول: المشهور أن "كلا" للمذكر "وكلتا" للمؤنث،
قال في التسهيل: وقد يُستغنى بـ"كليهما" عن "كلتيهما"،
أشار بذلك إلى قوله "من الطويل":
802-
يمت بقربى الزينبين كليهما
"إليك، وقربى خالد وحبيب"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والمقاصد النحوية 4/ 95؛ والمقرب 1/ 240؛ وهمع الهوامع
2/ 124.
اللغة: صرت: صوتت. البكرة: ما يستقى عليها من البئر.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق "صرت": فعل ماض، والتاء للتأنيث.
"البكرة": فاعل مرفوع. "يومًا": ظرف زمان متعلق بـ"صر"
"أجمعا": توكيد معنوي لـ"يومًا".
الشاهد فيه قوله: "يومًا أجمعا" حيث أكد النكرة المحدودة
"أجمعا"، وهذا هو مذهب المدرسة الكوفية، والمدرسة البصرية
تأباه.
802- التخريج: البيت لهشام بن معاوية في المقاصد النحوية
4/ 106؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص559؛ والمقرب 1/
239.
اللغة: يمت: يتقرب، يتوسل. الزينبين: مثنى "زينب"، وهي اسم
امرأة.
الإعراب: يمت: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه
جوازًا تقديره: "هو". بقربى: جار ومجرور متعلقان بـ"يمت"،
وهو مضاف. الزينبين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى.
كليهما: توكيد لـ"الزينبين" مجرور بالياء لأنه ملحق
بالمثنى، وهو مضاف، و"هما": ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
إليك: جار ومجرور متعلقان بـ"يمت". وقربى: "الواو": حرف
عطف، و"قربى": معطوف على "قربى" الأولى مجرور، وهو مضاف.
خالد: مضاف إليه مجرور. وحبيب: "الواو": حرف عطف، و"حبيب":
معطوف على "خالد" مجرور بالكسرة.
وجملة "يمت...": ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "الزينبين كليهما" حيث أكد المثنى المؤنث
"الزينبين" بمثنى مذكر، وذلك لأن المعنى مفهوم، أو التقدير
أن "الزينبين" شخصان أو نحوهما مما هو مذكر.
ج / 2 ص -343-
وقال ابن عصفور: هو من تذكير المؤنث حملًا
على المعنى للضرورة. كأنه قال: بقربى الشخصين.
الثاني: ذكر في التسهيل أيضًا أنه قد يُستغنى عن "كليهما"
و"كلتيهما" بـ"كلهما"؛ فيقال على هذا: "جاء الزيدان
كلُّهما" و"الهندان كلُّهما".
528-
وإن تؤكد الضمير المتصل
بالنفس والعين فبعد المنفصل
529-
عنيت ذا الرفع، وأكدوا بما
سواهما، والقيد لن يلتزما
"وإن تؤكد الضمير المتصل"
مستترًا كان أو بارزًا "بالنفس والعين فبعد" الضمير
"المنفصل" حتمًا "عنيت" المتصل "ذا الرفع"، نحو: "قم أنت
نفسُك، أو عينُك، وقوموا أنتم أنفسُكم، أو أعينُكم"؛ فلا
يجوز: قم نفسك، ولا قوموا أعينكم، بخلاف "قام الزيدون
أنفسُهم" فيمتنع الضمير، وبخلاف "ضربتهم أنفسَهم، ومررت
بهم أعينِهم" فالضمير جائز لا واجب.
تنبيه: ما اقتضاه كلامه هنا من وجوب الفصل بالضمير المنفصل
هو ما صرح به في شرح الكافية، ونص عليه غيره، وعبارة
التسهيل تقتضي عدم الوجوب. ا. هـ.
"التوكيد بغير
النفس والعين":
"وأكدوا بما سواهما" أي بما سوى " النفس" و"العين"
"والقيد" المذكور "لن يلتزما" فالوا: "قوموا كلُّكم،
وجاءوا كلُّهم" من غير فصل بالضمير المنفصل، ولو قلت:
"قوموا أنتم كلكم، وجاءوا كلهم" لكان حسنًا.
"التوكيد
اللفظي":
530-
وما من التوكيد لفظي يجي
مكررًا كقولك: "ادرجي ادرجي"
ج / 2 ص -344-
"وما من التوكيد لفظي يجي مكررًا" "ما": مبتدأ موصول،
و"لفظي": خبر مبتدأ محذوف هو العائد، والمبتدأ مع خبره صلة
"ما"، وجاز حذف صدر الصلة -وهو العائد- للطول بالجار
والمجرور، وهو متعلق باستقرار على أنه حال من الضمير
المستتر في الخبر؛ إذ هو في تأويل المشتق، و"مكررًا": حال
من فاعل "يجي" المستتر، وجملة "يجي" خبر الموصول: أي النوع
الثاني من نوعي التوكيد، وهو التوكيد اللفظي، هو: إعادة
اللفظ أو تقويته بموافقه معنى، كذا عرفه في التسهيل،
فالأول يكون في الاسم، والفعل، والحرف، والمركب غير
الجملة، والجملة، نحو: "جاء زيد زيد"، "ونكاحها باطل باطل
باطل"، وقوله "من الطويل":
803-
فإياك إياك المراءَ؛ فإنه
إلى الشر دعاء وللشر جالب
ونحو: "قام قام زيد"، ونحو: "نعم نعم"، وكقوله "من الطويل":
804-
"فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم"
فحتام حتام العناء المطول؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
803- التخريج: البيت للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة
4/ 76؛ وخزانة الأدب 3/ 63؛ ومعجم الشعراء ص310؛ وله أو
للعرزمي في حماسة البحتري ص253؛ وبلا نسبة في أمالي ابن
الحاجب ص686؛ والخصائص 3/ 102؛ ورصف المباني ص137 وشرح
التصريح 2/ 128؛ وشرح المفصل 2/ 25؛ والكتاب 1/ 279؛ وكتاب
اللامات ص70؛ ولسان العرب 15/ 441 "أيا"؛ ومغني اللبيب
ص679؛ والمقاصد النحوية 4/ 113، 308؛ والمقتضب 3/ 213.
شرح المفردات: المراء: الجدال والمنازعة. جالب: مسبب.
المعنى: ينصح الشاعر بعدم المراء لأنه مسبب للشر.
الإعراب: "فإياك": الفاء بحسب ما قبلها، "إياك": ضمير
منفصل مبني في محل نصب مفعول به لفعل التحذير المحذوف.
"إياك": توكيد لفظي للسابق. "المراء": مفعول به ثان تقديره
"جنب نفسك المراء"، أو اسم منصوب على نزع الخافض تقديره:
"باعد نفسك عن المراء". "فإنه": الفاء استئنافية، "إنه":
حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير في محل نصب اسم "إن" "إلى
الشر": جار ومجرور متعلقان بـ"دعاء". "دعاء": خبر "إن"
مرفوع. "وللشر": الواو حرف عطف، "للشر" جار ومجرور متعلقان
بـ"جالب". "جالب": معطوف على "دعاء" مرفوع.
وجملة: "...إياك" بحسب ما قبلها. وجملة "إنه دعاء"
استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "إياك إياك" حيث كرر الضمير المنفصل
جاعلًا من الثاني توكيدًا لفظيًّا للأول.
804- التخريج: البيت للكميت في الدرر 6/ 46؛ وشرح شواهد
المغني 2/ 709؛ وشرح عمدة الحافظ ص571؛ والمقاصد النحوية
4/ 111؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في الدرر 4/ 73؛ ولسان
العرب 12/ 563 "لوم"؛ وهمع الهوامع 2/ 125. =
ج / 2 ص -345-
والجملة "كقولك أدرجي أدرجي" وقوله "من
الهزج":
805-
"لك الله على ذاك"
لك الله لك الله
والثاني كقوله "من الرمل":
806-
أنت بالخير حقيق قمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= اللغة: الوالي: الحاكم. المكث: طول الإقامة. العناء:
التعب.
المعنى: لقد حكموا بالشر، وطال حكمهم، وإقامتهم على
الرقاب، فإلى متى نعاني من ظلمهم وشرهم.
الإعراب: فتلك: "الفاء": حسب ما قبلها، و"التاء": اسم
إشارة في محل رفع مبتدأ، و"اللام" للعبد، و"الكاف":
للخطاب. ولاة: بدل من "تلك" مرفوع بالضمة وهو مضاف. السوء:
مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. قد طال: "قد": حرف
تحقيق، و"طال": فعل ماض مبني على الفتح. مكثهم: فاعل مرفوع
بالضمة، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، و"مكث":
مضاف، و"الميم": للجماعة. فحتام: "الفاء": استئنافية،
"حتام"، "حتى": حرف جر "م": اسم استفهام مبني على السكون
المقدرة على الألف المحذوفة في محل جر بـ"حتى"، والجار
والمجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. حتام: توكيد لفظي لما
قبلهما. العناء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. المطول:
صفة مرفوع بالضمة الظاهرة.
وجملة: "تلك ولاة السوء قد طال مكثهم": ابتدائية لا محل
لها. وجملة "قد طال مكثهم": خبرية محلها الرفع. وجملة
"حتام العناء المطول": استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "حتام" فقد حذف ألف "ما" الاستفهامية
بعد الجر وهذا واجب للتمييز بينها وبين ما الخبرية
الموصولية.
805- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 6/ 48؛ وشرح عمدة
الحافظ 573؛ والمقاصد النحوية 4/ 97؛ وهمع الهوامع 2/ 125.
اللغة: لك الله: دعاء بالمساعدة والعون.
الإعراب: لك: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف للمبتدأ.
الله: مبتدأ مؤخر مرفوع. على ذاك: جار ومجرور متعلقان
بمحذوف خبر المبتدأ. لك الله: توكيد للأولى. ولك الله:
تأكيد للأولى.
الشاهد: قوله: "لك الله لك الله" حيث جاءت الجملة الثانية
تأكيدًا للأولى.
806- التخريج: الشطر بلا نسبة في الدرر 6/ 42؛ وهمع
الهوامع 2/ 125.
الغلة: قمن: جدير.
الإعراب: أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. بالخير: جار
ومجرور متعلقان بـ"حقيق". حقيق: خبر المبتدأ مرفوع. قمن:
توكيد لـ"حقيق" مرفوع.
الشاهد فيه قوله: "حقيق قمن" حيث أكد "حقيق" بمرادف له وهو
"قمن".
ج / 2 ص -346-
وقوله "من الطويل":
807-
وقلن على الفردوس أول مشرب
أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره
وقوله "من الكامل":
808-
"فرت يهود وأسلمت جيرانها"
صمي لما فعلت يهود صمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
807- التخريج: البيت لمضرس بن ربعي في ديوانه ص76؛ وخزانة
الأدب 10/ 103، 106، 107؛ وشرح شواهد المغني 1/ 362؛
والمقاصد النحوية 4/ 98؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص360؛
وجواهر الأدب ص373؛ والدرر 6/ 43؛ وشرح المفصل 8/ 122،
124، ولسان العرب 4/ 156 "جير"، 4/ 287 "دعثر".
اللغة: الفردوس: ما لبني تميم، وهو اسم لأعلى مكان في
الجنة. المشرب: اسم مكان من الشرب. أجل وجبر ونعم: حروف
جواب. أبيحت: حللت، سمح بها. الدعائر: تجمع دعثور وهو
الحوض المتهدم.
المعنى: قالت النسوة سنرد على ماء بني تميم لنشرب أولًا،
فقلت لهن: إن سمح لكن بالاقتراب من أحواضها المتهدمة بعد
القتال.
الإعراب: وقلن: "الواو": بحسب ما قبلها، "قلن": فعل ماض
مبني على السكون و"النون" ضمير متصل في محل رفع فاعل. على
الفردوس: جار ومجرور متعلقان بخبر "أول" المحذوف بتقدير
"أول مشرب هو على الفردوس" أول: مبتدأ مرفوع بالضمة. مشرب:
مضاف إليه مجرور بالكسرة. أجل: حرف جواب. جير: حرف جواب في
محل توكيد لـ"أجل". إن: حرف شرط جازم. كانت: فعل ماض ناقص
في محل جزم فعل الشرط، و"التاء": للتأنيث، واسمها ضمير
مستتر تقديره "هي" أبيحت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على
الفتح، و"التاء": للتأنيث. دعاثره: نائب فاعل مرفوع
بالضمة، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر مضاف إليه، أو اسم
لـ"كان" على ما يعرف بالتنازع.
وجملة "وقلت": بحسب ما قبلها، أو ابتدائية لا محل لها.
وجملة "أول مشرب هو على الفردوس": في محل نصب مفعول به
"مقول القول". وجملة "فقلت: أجل": استئنافية لا محل لها.
وجملة "أبيحت دعاثره": في محل نصب خبر "كانت". وجملة "إن
كانت..." حالية محلها النصب. وجملة "كانت..." جملة الشرط
غير الظرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "أجل جير" حيث أكد "أجل" بـ"جير"، وهذا
رده على من زعم أن "جير" بمعنى حقًّا، فهي حرف جواب بمعنى
"نعم".
808- التخريج: البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص61؛ وشرح
شواهد الإيضاح ص437؛ ولسان العرب 3/ 439 "هود"، 12/ 345
"صمم"؛ ومجالس ثعلب ص589؛ والمقاصد النحوية 4/ 112.
اللغة: صمي صمام: أخرسي يا داهية.
الإعراب: فرت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث. يهود: فاعل
مرفوع. وأسلمت: "الواو": حرف عطف، "أسلمت": فعل ماض،
و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره
هي. جيرانها: =
ج / 2 ص -347-
ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل.
تنبيه: الأكثر في التوكيد اللفظي أن يكون في الجمل،
وكثيرًا ما يقترن بعاطف، نحو:
{كَلَّا سَيَعْلَمُون}1
الآية، ونحو:
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}2، ونحو:
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}3 الآية، ويأتي بدونه، نحو قوله عليه الصلاة والسلام:
"والله لأغزون قريشًا"
ثلاث مرات، ويجب الترك عند إيهام التعدد، نحو: "ضربت
زيدًا، ضربت زيدًا"، ولو قيل: "ثم ضربت زيدًا" لتوهم أن
الضرب تكرر منك مرتين تراخت إحداهما عن الأخرى، والغرض أنه
لم يقع منك إلا مرة واحدة. ا. هـ.
531-
"ولا تعد لفظ ضمير متصل
إلا مع اللفظ الذي به وصل"
فتقول: "قمت قمت"، و"عجبت منك منك"؛ لأن إعادته مجردًا تخرجه
عن الاتصال.
532-
"كذا الحروف غير ما تحصلا
به جواب كنعم وكبلى"
و"أجل"، و"جير"، و"إي"، و"لا"؛ لكونها كالجزء من مصحوبها.
فيعاد مع المؤكد ما اتصل بالمؤكد إن كان مضمرًا، نحو:
{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا
وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}4
ويعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرًا، نحو: "إن زيدًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر
بالإضافة. صمي: فعل أمر، و"الياء": ضمير في محل رفع فاعل.
لما: جار ومجرور متعلقان بـ"صمي". فعلت: فعل ماض، و"التاء"
للتأنيث. يهود: فاعل مرفوع بالضمة. صمام: اسم فعل أمر،
وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت".
وجملة "فرت...": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة
"أسلمت": معطوفة على سابقتها. وجملة "صمي": استئنافية لا
محل لها من الإعراب. وجملة "فعلت": صلة الموصول لا محل لها
من الإعراب. وجملة "صمام": توكيد لـ"صمي".
الشاهد: قوله: "صمي صمام" حيث وردت جملة "صمام" توكيدًا
لجملة "صمي".
1 النبأ: 4.
2 القيامة: 34.
3 الانفطار: 17، 18.
4 المؤمنون: 35.
ج / 2 ص -348-
إن زيدًا فاضل" أو "إن زيدًا إنه فاضل" وهو
الأولى، ولا بد من الفصل بين الحرفين كما رأيت.
وشذ اتصالهما، كقوله "من الخفيف":
809-
إن إن الكريم يحلم ما لم
يرين من أجاره قد ضيما
وأسهل منه قوله "من الرجز":
810-
حتى تراها وكأن وكأن
أعناقها مشددات بقرن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
809- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 6/ 54؛ وشرح
التصريح 2/ 130؛ والمقاصد النحوية 4/ 107؛ وهمع الهوامع 2/
125.
شرح المفردات: الكريم: هنا الذي يأبى الضيم. بحلم: يتعقل
أجار: أغاث. ضيم: ظلم.
المعنى: يقول: إن الرجل الأبي يستعمل العقل والأناة في
أموره إلا إذا ظُلم من استجاره، أي لا يتخلى عن رزانته إلا
إذا بُخس حق من استجار به.
الإعراب: "إن": حرف مشبه بالفعل. "إن": توكيد لفظي للأولى.
"الكريم": اسم "إن" منصوب "بحلم": فعل مضارع مرفوع، وفاعله
ضمير مستتر تقديره: "هو". "ما": حرف مصدري. "لم": حرف نفي.
"يرين": فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم بـ"لم"،
والنون للتوكيد، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو". "من": اسم
موصول مبني في محل نصب مفعول به. "أجاره": فعل ماض، وفاعله
ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو"، والهاء ضمير في محل
نصب مفعول به. "قد": حرف تحقيق. "ضيما": فعل ماض للمجهول
والألف للإطلاق، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره
"هو".
وجملة: "إن الكريم يحلم" ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
وجملة: "يحلم" في محل رفع خبر "إن". والمصدر المؤول من
"ما" وما بعدها في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق
بالفعل "يحلم". وجملة: "لم يرين" صلة الموصول الحرفي لا
محل لها من الإعراب. وجملة "أجاره" صلة الموصول لا محل لها
من الإعراب، وجملة "ضيما" في محل نصب حال.
الشاهد: قوله: "إن إن" حيث أكد "إن" الأولى توكيدًا
لفظيًّا بتكرير لفظها من غير أن يفصل بين المؤكِّد
والمؤكَّد مع أن "إن" ليست من حروف الجواب، والتوكيد على
هذا الوجه شاذ.
810- التخريج: الرجز لخطام المجاشعي أو للأغلب العجلي في
الدرر 6/ 50؛ وشرح التصريح 2/ 130؛ والمقاصد النحوية 4/
100؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 342؛ وشرح التصريح 1/
371؛ وهمع الهوامع 2/ 125.
شرح المفردات: القرن: الحبل.
المعنى: يصف الراجز سير إبل تُستحث للإسراع فرفعت أعناقها
متساوية في سيرها وكأنها شدب أعناقها بحبل. =
ج / 2 ص -349-
وقوله "من الخفيف":
811-
ليت شعري هل ثم هل آتينهم
"أم يحولن دون ذاك الحمام"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: "حتى": حرف جر وغاية. "تراها": فعل ماض مرفوع،
وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت"، و"ها" ضمير
في محل نصب مفعول به. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في
محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بلفظ في بيت
سابق. "وكأن": الواو حالية، "كأن": حرف مشبه بالفعل.
"وكأن": توكيد لفظي للأولى. "أعناقها": اسم "كأن" منصوب،
وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة. "مشددات": خبر
"كأن" مرفوع. "بقرن": جار ومجرور متعلقان بـ"مشددات".
وجملة: "تراها" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
وجملة "وكأن أعتاقها..." في محل نصب حال.
الشاهد قوله: "وكأن وكأن" حيث أكد "كأن" التي هي حرف تشبيه
توكيدًا لفظيًّا بتكرير لفظها "مخففة" من غير أن يفصل بين
المؤكِّد والمؤكَّد.
811- التخريج: البيت للكميت بن معروف في الدرر 6/ 52؛ وشرح
شواهد المغني 2/ 771؛ والمقاصد النحوية 4/ 109؛ وبلا نسبة
في رصف المباني ص334، 406؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 684، وهمع
الهوامع 2/ 125. ويروى "الردى" مكان "الحمام".
اللغة: الحِمام: بكسر الحاء الموت وانتهاء الأجل.
المعنى: ليتني أعرف وأعلم هل يقدر لي الوصول إلى أحبتي
والاجتماع بهم أو يحول الموت دون ذلك، ويمنع من ملاقاتهم.
الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل. شعري: اسم ليت منصوب
بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و"الياء": ضمير
متصل في محل جر بالإضافة، وخبر ليت محذوف تقديره: حاصل أو
موجود. هل: حرف استفهام. ثم: حرف عطف. هل: حرف استفهام
معطوف على ما قبله. آتينهم: فعل مضارع مبني على الفتح
لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، و"الهاء": ضمير متصل في محل
نصب مفعول به، و"الميم": للجمع والفاعل ضمير مستتر وجوبًا
تقديره: أنا. أو: حرف عطف. يحولن: فعل مضارع مبني على
الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. دون: مفعول فيه ظرف
مكان متعلق بالفعل يحولن. ذاك: "ذا": اسم إشارة في محل جر
بالإضافة، و"الكاف": للخطاب. الحمام: فاعل مرفوع وعلامة
رفعه الضمة.
وجملة "ليت شعري مع خبرها المحذوف": ابتدائية لا محل لها.
والجملة: المحذوفة بعد هل الأولى في مح نصب مفعول به.
وجملة "آتينهم" معطوفة على سابقتها في محل نصب. وجملة
"يحولن الحمام": معطوفة على سابقتها في محل نصب.
الشاهد فيه قوله: "هل ثم هل آتينهم" حيث أكد الحرف غير
الجوابي "هل" توكيدًا لفظيًّا، وفصل بين المؤكَّد
والمؤكِّد بـ"ثمَّ" ويبقى هذا من الشاذ لأنه لم يأت بمدخول
المؤكَّد والقياس أن يقول "هل آتينهم ثم هل آتينهم".
ج / 2 ص -350-
وقوله "من الرجز":
812-
لا ينسك الأسى تأسيًا فما
ما من حمام أحد معتصما
للفصل في الأولين بالعاطف، وفي الثالث بالوقف.
وأشذ منه قوله "من الوافر":
813-
فلا والله لا يلفى لما بي
ولا للما بهم أبدًا دواء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
812- التخريج: الرجز بلا نسبة في تخليص الشواهد ص278؛
وحاشية يس 2/ 130؛ وخزانة الأدب 4/ 120؛ والجني الداني
ص328؛ والدرر 2/ 102، 103، 6/ 52؛ والمقاصد النحوية 4/
110؛ وهمع الهوامع 1/ 124، 2/ 125.
اللغة: الأسى: الحزن. التاسي: التصبر. الحمام: الموت.
المعتصم: الممتنع.
المعنى: يوصي الشاعر مخاطبه بقوله: لا تنس بأن تكون صبورًا
على مصائب الدهر، وأن ليس لأحد ملجأ يمنع عنه الموت.
الإعراب: لا: ناهية جازمة. ينسك: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف
العلة، و"الكاف": ضمير في محل نصب مفعول به. الأسى: فاعل
مرفوع. تأسيًا: مفعول به ثان منصوب. فما: "الفاء":
تعليلية، و"ما": من أخوات "ليس". ما: توكيد للأولى. من
حمام: جار ومجرور متعلقان بـ"معتصما". أحد: اسم "ما"
مرفوع. معتصما: خبر "ما" منصوب.
وجملة "لا ينسك": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة
"ما ما من حمام...": تعليلية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "فما ما من حمام" حيث أكد الشاعر "ما"
الحجازية بـ"ما" توكيدًا لفظيًّا من غير فاصل.
813- التخريج: البيت لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب
2/ 308، 312، 5/ 157، 9/ 528، 534، 10/ 191، 11/ 267، 287،
330؛ والدرر 5/ 147، 6/ 53، 256؛ وشرح شواهد المغني ص773؛
وبلا نسبة في الإنصاف ص571؛ والجني الداني ص80، 345؛
والخصائص 2/ 282؛ ورصف المباني ص202، 248، 255، 259؛ وسر
صناعة الإعراب ص282، 332؛ وشرح التصريح 2/ 130، 230؛
والصاحبي في فقه اللغة ص56؛ والمحتسب 2/ 256؛ ومغني اللبيب
ص181؛ والمقاصد النحوية 4/ 102؛ والمقرب 1/ 338؛ وهمع
الهوامع 2/ 125، 158.
شرح المفردات: أُلفي: وجد. لما بي: أي للذي عندي من الحقد
عليهم. لما بهم: أي للذي عندهم من الحقد أيضًا. دواء:
علاج.
المعنى: يقول: ليس هناك من علاج لما ملأ قلبي وقلوبهم من
حقد وضغينة.
الإعراب: "فلا": الفاء بحسب ما قبلها، "لا": حرف نفي.
"والله": جار ومجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف. "لا":
حرف نفي. "يلفى": فعل مضارع للمجهول. "لما": جار ومجرور
متعلقان =
ج / 2 ص -351-
لكون الحرف المؤكد، وهو اللام، موضوعًا على
حرف و احد.
وأسهل من هذا قوله "من الطويل":
814-
فأصبحن لا يسألنه عن بما به
"أصعد في علو الهوى أم تصوبا؟"
لأن المؤكَّد على حرفين، ولاختلاف اللفظين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بـ"يلفى". "بي": جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول
المقدر بـ"استقر". "ولا": الواو حرف عطف، "لا": حرف نفي.
"للما": اللام الأولى حرف جر، واللام الثانية توكيد لفظي
للأولى. "ما": اسم موصول مبني في محل جر بحرف الجر. "بهم":
جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول المقدر بـ"استقر".
"أبدًا": ظرف زمان منصوب. متعلق بـ"يلفى". "دواء": نائب
فاعل مرفوع.
وجملة: "والله" ابتدائية. وجملة: "لا يلفى" جواب القسم.
وجملة "استقر بي" المحذوفة صلة الموصول. وجملة: "استقر
بهم" مثلها.
الشاهد قوله: "للما بي" حيث أكد الشاعر اللام الجار، وهي
حرف غير جوابي، توكيدًا لفظيًّا، فأعادها بنفس لفظها الأول
من غير أن يفصل بين المؤكد والتوكيد. والتوكيد على هذا
الشكل شاذ.
814- التخريج: البيت للأسود بن البيت للأسود بن يعفر في
ديوانه ص21؛ وشرح التصريح 2/ 130؛ والمقاصد النحوية 4/
103؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 527، 529، 11/ 142؛
والدرر 4/ 105، 147، وسر صناعة الإعراب ص136؛ وشرح شواهد
المغني ص774؛ ولسان العرب 3/ 251 "صعد"؛ ومغني اللبيب
ص354؛ وهمع الهوامع 2/ 22، 30، 78، 158.
شرح المفردات: صعد: ارتفع. تصوب: انحدر.
المعنى: يصف الشاعر نفسه بعد أن ضعفت همته ووخطه الشيب بأن
النساء لم يعدن يكترثن به، ولا يسألنه عما حل به سواء أشتد
به الهوى أم خفت صوته.
الإعراب: "فأصبح": الفاء بحسب ما قبلها، "أصبح": فعل ماض
ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: "هو". "لا": حرف نفي.
"يسألنه": فعل مضارع مبني على السكون، والنون ضمير في محل
رفع فاعل، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به. "عن": حرف جر.
"بما": الباء حرف جر توكيد لفظي لـ"عن". "ما": اسم موصول
مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان
بـ"يسأل". "به": جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول
تقديره: استقر. "أصعد": الهمزة للاستفهام، "صعد": فعل ماض،
وفاعله "هو". "في علو": جار ومجرور متعلقان بـ"صعد"، وهو
مضاف. "الهوى": مضاف إليه. "أم": حرف عطف. "تصوبا": كإعراب
"صعد"، والألف للإطلاق.
وجملة: "أصبح..." بحسب ما قبلها. وجملة "لا يسألنه" في محل
نصب خبر "أصبح". وجملة: "استقر به" صلة الموصول لا محل لها
من الإعراب. وجملة: "أصعد" تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
وجملة "تصوب" معطوفة على الجملة السابقة.
الشاهد: قوله: "عن بما" حيث أكد حرف الجر "عن" توكيدًا
لفظيًّا بإعادة لفظ مرادف له، وهو الباء التي هي بمعنى
"عن" والمتصلة بـ"ما" الموصولية. والتوكيد على هذا النحو
شاذ عند ابن مالك، وابن عصفور؛ لأنه لم يفصل بين المؤكِّد
والمؤكَّد، مع أن الحرف المؤكّد ليس من أحرف الجواب،
والقياس القول: "عما بما".
ج / 2 ص -352-
أما الحروف الجوابية فيجوز أن تؤكد بإعادة
اللفظ من غير اتصالها بشيء؛ لأنها لصحة الاستغناء بها عن
ذكر المجاب به هي كالمستقل بالدلالة على معناه، فتقول: نعم
نعم، وبلى بلى، ولا لا، ومنه قوله "من الكامل":
815-
لا لا أبوح بحب بثنة؛ إنها
أخذت عليَّ مواثقًا وعهودا
533-
"ومضمر الرفع الذي قد انفصل
أكِّد به كل ضمير اتصل"
نحو: قم أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت، وزيد جاء هو،
ورأيتني أنا.
تنبيه: إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب، نحو "رأيتك
إياك"، فمذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
815- التخريج: البيت لجميل بثينة في ديوانه ص58؛ وخزانة
الأدب 5/ 159؛ والدرر 6/ 47؛ وشرح التصريح 2/ 129؛ وبلا
نسبة في أوضح المسالك 3/ 338؛ والمقاصد النحوية 4/ 114؛
وهمع الهوامع 2/ 125.
اللغة: شرح المفردات: باح بالحب: أظهره. بثنة: تصغرها
بثينة، وهي حبيبة جميل بن معمر. المواثق: ج الموثق، وهو
العهد الذي توثق به كلامك، وتلتزم به.
المعنى: يقول: إنه لن يظهر محبته لبثينة أمام الناس، وقد
تعهد ذلك صوتًا لكرامتها.
الإعراب: لا: حرف نفي. لا: توكيد لفظي لسابقتها، أبوح: فعل
مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره
"أنا". بحب: الباء حرف جر، "حب": اسم مجرور بالكسرة،
والجار والمجرور متعلقان بالفعل "أبوح"، وهو مضاف. بثنة:
مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلًا من الكسرة لأنه ممنوع من
الصرف للعملية والتأنيث. إنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها":
ضمير متصل مبني في محل نصب اسم "إن". أخذت: فعل ماض مبني
على الفتح، والتاء للتأنيث. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا
تقديره "هي". عليّ: حرف جر، والياء ضمير متصل مبني في محل
جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "أخذت".
مواثقًا: مفعول به منصوب بالفتحة، ومن حقه المنع من الصرف
لأنه على صيغة منتهى الجموع وقد صرفه الشاعر للضرورة
الشعرية. وعهودًا: الواو حرف عطف، "عهودًا" معطوف على
"مواثقًا" منصوب بالفتحة.
وجملة: "لا لا أبوح...": ابتدائية لا محل لها من الإعراب،
وجملة "إنها أخذت..." استئنافية لا محل لها من الإعراب.
وجملة "أخذت" في محل رفع خبر "إن".
الشاهد فيه قوله: "لا لا" حيث أكد الحرف "لا" توكيدًا
لفظيًّا.
ج / 2 ص -353-
البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه
توكيد. قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب
المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من
المرفوع المتصل في نحو: "فعلت أنت" والمرفوع تأكيد بإجماع.
خاتمة: في مسائل منثورة: الأولى: لا يُحذف المؤكَّد ويقام
المؤكِّد مقامه، على الأصح، وأجاز الخليل، نحو: "مررت
بزيد، وأتاني أخوه أنفسُهما" وقدره: هما صاحباي أنفسهما.
الثانية: لا يُفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد بـ"إما"، على
الأصح، وأجاز الفراء: "مررت بالقوم إما أجمعين وإما
بعضهم".
الثالثة: لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد، وهو على
حاله في التوكيد، إلا "جميعًا" و"عامة" مطلقًا، فتقول:
"القوم قام جميعُهم وعامتُهم"، و"رأيت جميعَهم وعامتَهم"،
و"مررت بجميعِهم وعامتِهم"، وإلا "كُلًّا"، و"كِلَا"،
و"كِلْتَا": مع الابتداء بكثرة، ومع غيره بقلة، فالأول،
نحو: "القوم كلُّهم قائم"، و"الرجلان كلاهما قائم"،
و"المرأتان كلتاهما قائمة"، والثاني كقوله "من الطويل":
816-
يميد إذا والت عليه دلاؤهم
فيصدر عنه كلها وهو ناهل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
816- التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص506؛ وشرح عمدة
الحافظ ص575؛ وبلا نسبة في الدرر 5/ 132؛ وشرح شواهد
المغني 2/ 512؛ وهمع الهوامع 2/ 73.
اللغة: يميد: يضطرب ويتحرك. الدلاء: جمع دلو وهو الوعاء
الذي كانوا يستخرجون به الماء من الآبار. يصدر: يبتعد عن
الماء. ناهل: عطشان وريان "من الأضداد".
المعنى: يصف ماء بئر بأنها تتحرك عندما تتحرك الدلاء
نزولًا وصعودًا، ويملؤها جميعها فكأنها ريانة منه.
الإعراب: يميد: فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"الفاعل": ضمير
مستتر تقديره "هو". إذ: ظرف زمان في محل نصب مفعول فيه
متعلق بالفعل "يميد". مادت: فعل ماض مبني على الفتح،
و"التاء": للتأنيث. عليه: جار ومجرور متعلقان بـ"مادت".
دلاؤهم: فاعل مرفوع بالضمة، و"هم": ضمير متصل في محل جر
بالإضافة. فيصدر: "الفاء": للعطف، "يصدر": فعل مضارع مرفوع
بالضمة. عنه: جار ومجرو متعلقان بـ"يصدر". كلها: "كل":
فاعل "يصدر" مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل في محل جر
مضاف إليه. وهو: "الواو": حالية، "هو": ضمير منفصل في محل
رفع مبتدأ. ناهل: خبر مرفوع بالضمة.
وجملة "يميد": صفة لماء البئر المذكور قبلًا. وجملة
"مادت": في محل جر بالإضافة. وجملة "فيصدر": معطوفة على
جملة "يميد". وجملة "وهو ناهل": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "فيصدر كلها" حيث جاءت "كل" المضافة إلى
ضمير، والتي أصلها أن تستعمل كتوكيد لما قبلها، جاءت في
غير توكيد، بل جاءت فاعلًا، وهذا الاستعمال قليل.
ج / 2 ص -354-
وقولهم: "كليهما وتمرًا"1، أي: أعطني
كليهما، وأما قوله "من الطويل":
817-
فلما تبينا الهدى كان كلنا
على طاعة الرحمن والحق والثقى
فاسم "كان" ضمير الشأن لا "كلنا".
الرابعة: يلزم تابعية "كل" بمعنى كامل، وإضافته إلى مثل
متبوعه مطلقًا نعتًا لا توكيدًا، نحو: "رأيت الرجل كلَّ
الرجلِ"، و"أكلت شاة كلَّ شاة".
الخامسة: يلزم اعتبار المعنى في خبر "كل" مضافًا إلى نكرة،
نحو:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا مثل وقد ورد في جمهرة الأمثال 2/ 147؛ والفاخر ص149؛
وفصل المقال ص110؛ وكتاب الأمثال ص200؛ والمستقصى 2/ 231؛
ومجمع الأمثال 2/ 151، 287. ويروى: "كلاهما "أو: كلتاهما"
وتمرًا".
قال ذلك رجل مر بإنسان وبين يديه زيد وسنام وتمر، فقال له
الرجل: أنلني مما بين يديك. قال: أيهما أحب إليك؛ زبد أم
سنام؟ فقال الرجل: كلاهما وتمرًا، أي: كلاهما أريد، وأريد
تمرًا.
يضرب في كل موضع خير فيه الرجل بين شيئين، وهو يريدهما
معًا.
817- التخريج: البيت للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه
ص11؛ وشرح شواهد المغني 2/ 521.
اللغة: الهدى: الحق والرشاد.
المعنى: فعندما عرفنا الحق والصواب اتبعناه، وكنا جميعًا
خاضعين لرب العالمين الرحمن الرحيم، متبعين لدينه القويم،
متقين من عذابه العظيم.
الإعراب: فلما: "الفاء": بحسب ما قبلها، "لما": مفعول فيه
ظرف زمان محله النصب يتضمن معنى الشرط عند بعضهم، ويتعلق
بجوابه. تبينا: فعل ماض مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل
في محل رفع فاعل. الهدى: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على
الألف. كان: فعل ماض ناقص. كلنا: "كل": اسم كان مرفوع
بالضمة، و"نا": ضميرمتصل في محل جر مضاف إليه، وخبرها
محذوف بتقدير "كان كلنا مقبلًا على طاعة الرحمن". على
طاعة: جار ومجرور متعلقان بخبر "كان" المحذوف. الرحمن:
مضاف إليه مجرور بالكسرة. والحق: "الواو": للعطف، "الحق":
معطوف على "الرحمن" مجرور بالكسرة. والتقى: حرف عطف ومعطوف
مجرور بالكسرة.
وجملة "فلما تبينا كان محلنا" بحسب ما قبلها. وجملة
"تبينا" مضاف إليه محلها الجر. وجملة "كان كلنا...": جواب
شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "كان كلنا": حيث جاءت "كل" اسمًا
لـ"كان" الناقصة، كما جاءت فاعلًا لـ"يصدر" في البيت
السابق، وهو قليل، وهذا برأيي أفضل وأقرب منطقًا من تقدير
ضمير شأن محذوف اسمًا لـ"كان" وجعل "كل" مبتدأ خبره محذوف،
والجملة الاسمية في محل نصب خبر لـ"كان".
ج / 2 ص -355-
الْمَوْتِ}1،
{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ
فَرِحُون}2 ولا يلزم مضافًا إلى معرفة، فتقول: "كلهم
ذاهب، وذاهبون" والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 آل عمران: 185.
2 الروم: 32. |