شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو

باب العدد
مدخل
...
باب العدد:
بفتحتين، وهو ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه، القريبتين أو البعيدتين على السواء، [كـ: الاثنين] 1 فإن حاشيته السفلى واحد2، والعليا ثلاثة، ومجموع ذلك أربعة، ونصف الأربعة اثنان، وهو المطلوب. ومن ثم قيل: الواحد ليس بعدد لأنه لا حاشية له سفلى حتى تضم مع العليا. والمراد به هنا الألفاظ الدالة على المعدود، كما يقال الجمع، للفظ الدال على الجماعة.
"اعلم أن الواحد والاثنين يخالفان الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين:
أحدهما: أنهما يذكران مع المذكر، فتقول: واحد، اثنان، ويؤنثان مع المؤنث، فتقول: واحدة، واثنتان"، على لغة الحجازيين، و"ثنتان" على لغة بني تميم.
ويشاركهما في ذلك ما وازن فاعلا مطلقًا، والعشرة إذا ركبت، فتقول: الجزء الثالث والثالث عشر، والمقامة الثالثة والثالثة عشرة. "والثلاثة وأخواتها تجري على عكس ذلك"، فتؤنث مع المذكر وتذكر مع المؤنث. "فتقول: ثلاثة رجال بالتاء, وثلاث إماء3، بتركها. قال الله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} " [الحاقة: 7] . وقال ابن مالك4. وإنما حذفت التاء من عدد المؤنث وأثبتت في عدد المذكر في هذا القسم، لأن
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 في "ط": "واحدة".
3 سقط من "ب".
4 شرح التسهيل 2/ 397.

(2/446)


الثلاثة وأخواتها أسماء جماعات كـ: "زمرة وأمة وفرقة"، فالأصل أن تكون1 بالتاء لتوافق نظائرها، فاستصحب الأصل مع المذكر لتقدم رتبته، وحذفت مع المؤنث فرقًا لتأخر رتبته. انتهى.
"و" الحكم "الثاني" من حكمي2 واحد واثنين: "أنهما لا يجمع بينهما وبين المعدود، لا تقول: واحد رجل، ولا: اثنا رجلين، لأن قولك: رجل، يفيد الجنسية والوحدة وقولك: رجلان، يفيد الجنسية وشفع الواحد، فلا حاجة إلى الجمع بينهما"، فأما قوله: [من الرجز]
871-
......................... ... ............ ثنتا حنظل
فقليل3.
وأما البواقي، وهي الثلاثة والعشرة وما بينهما، فلها ثلاثة أحوال: الأول: أن يقصد بها العدد المطلق. والثاني: أن يقصد بها معدود ولا يذكر، والثالث: أن يقصد بها معدود ويذكر.
فأما لو قصد بها العدد المطلق، فإنها كلها بالتاء، نحو: ثلاثة نصف ستة، ولا تنصرف لأنها أعلام مؤنثة، خلافًا لبعضهم؛ وأما إذا أريد بها معدود ولم يذكر في اللفظ.
__________
1 في "ب": "يكون".
2 في "أ": "حكم".
871- تمام الرجز:
كأن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
وهو لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو للشماء الهذلية في خزانة الأدب 7/ 400، 404، ولجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو للشماء الهذلية في الدرر 1/ 532، وللشماء الهذلية في خزانة الأدب 7/ 526، 529، 531، وبلا نسبة في إصلاح المنطق 189، وتاج العروس "دلل" "هدل" "ثنى" "خصى"، وتهذيب اللغة 6/ 199، 7/ 478، وخزانة الأدب 7/ 508، وديوان الأدب 4/ 11، وشرح ابن الناظم ص518، وشرح أبيات سيبويه 2/ 361، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1847، وشرح المفصل 4/ 143، 144، 6/ 16، 18، والكتاب 3/ 569، 624، وكتاب العين 4/ 25، 287 ولسان العرب 11/ 249 "دلل"، 692 "هدل"، 14/ 117 "ثنى"، 230، "خصا"، والمخصص 12/ 110، 16/ 98، 17/ 100، والمقتضب 2/ 156، والمنصف 2/ 131، وهمع الهوامع 1/ 253.
3 وقيل: "ضرورة". انظر شرح ابن الناظم ص518، وهمع الهوامع 1/ 253، والدرر 1/ 532، والارتشاف 1/ 358.

(2/447)


فالفصيح أن تكون1 بالتاء للمذكر وبحذفها للمؤنث، كما لو ذكر المعدود: فتقول: "صمت خمسة"، تريد أيامًا، و"سهرت خمسة"، تريد ليالي.
ويجوز أن تحذف التاء كما2 في المذكر، كالحديث: "ثم أتبعه بست من شوال"، وأما إذا قصد بها معدود وذكر. "فلا تستفاد العدة والجنس إلا من العدد والمعدود جميعًا، ذلك لأن قولك: "ثلاثة" يفيد العدة دون الجنس. وقولك: "رجال"، يفيد الجنس دون العدة، فإذا قصدت الإفادتين"، وهما العدة والجنس. "جمعت بين الكلمتين" وهما: العدد والمعدود. فقتل: ثلاثة رجال. وثلاث إماء، بالتاء مع المذكر، وبعدمها مع المؤنث، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
726-
ثلاثة بالتاء قل للعشره ... في عد ما آحاده مذكره
727-
في الضد جرد........ ... ........................
__________
1 في "أ": "يكون".
2 سقط من "ب"، "ط".

(2/448)


فصل:
ألفاظ الأعداد بالنسبة إلى الاستعمال أربعة أنواع:
مفرد، وهو عشرة ألفاظ: واحد واثنان1 وعشرون وتسعون وما بينهما.
ومضاف، وهو أيضًا عشرة ألفاظ. مائة وألف وثلاثة وعشرة وما بينهما.
ومركب، وهو تسعة ألفاظ: أحد عشر وتسعة عشر وما بينهما.
ومعطوف وهو: أحد وعشرون، وتسعة وتسعون وما بينهما، فمميز العشرين، والتسعين وما بينهما، والأحد عشر والتسعة عشر وما بينهما، والأحد والعشرين، والتسعة والتسعين وما بينهما، مفرد منصوب. و"مميز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جنس ". وهو ما يفرق بينه وبين مفرده بالتاء غالبًا. "كـ: "شجر وتمر". أو اسم جمع"، وهو ما دل على الجمع، وليس له مفرد من لفظه غالبًا"، "كـ: "قوم ورهط"، خفض بـ"من" تقول: "ثلاثة" من الشجر غرستها"، و"خمسة "من التمر" أكلتها"، "و"عشرة من القوم" لقيتهم"، و"تسعة من الرهط صحبتهم". "قال الله تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} " [البقرة: 260] . وعلل الأخفش امتناع الإضافة إلى اسم الجنس بأنه قد يقع على الواحد، ولا يضاف هذا الجمع إلى الواحد فكذا ما أشبهه.
قال الموضح في الحواشي: قلت وكذا اسم الجمع بالنسبة إلى الصيغة، فإن صيغته كصيغة الواحد، وإن كان لا ينطبق2 على الواحد، والدليل على أنه يعامل لفظًا معاملة الواحد، أنه قد يعود عليه ضمير الواحد، ويفرد الخبر عنه، نحو: الركب سائر. انتهى.
"وقد يخفض" مميز اسمي الجنس والجمع، "بإضافة العدد" إليه، فاسم الجمع "نحو: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] . وفي الحديث: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"3. وقال الشاعر": [من الوافر]
__________
1 في "أ", "ط": "اثنتان.
2 في "أ", "ط": "ينطلق".
3 أخرجه البخاري برقم 1340، 1390، ومسلم في أول كتاب الزكاة برقم 979.

(2/449)


872-
ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد جار الزمان على عيالي
والذود من الإبل: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. كذا في الصحاح1. وذاله الأولى معجمة، والثانية مهملة. و"الأنفس": جمع نفس، وهي مؤنثة، وإنما أنت عددها، لأن النفس كثر استعمالها مقصودًا بها إنسان قاله المرادي2. واسم الجنس كقول جندل بن المثنى: [من الرجز]
873-
كأن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوز فليه ثنتا حنظل
فـ"حنظل": اسم جنس مخفوض بالإضافة على حد: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] قاله الموضح، واتفق الجميع على الخفض بـ"من". وأما بالإضافة ففيه مذاهب:
أحدها: الجواز على قلة، وهو ظاهر كلام الموضح هنا3، تبعًا لابن عصفور4.
والثاني: الاقتصار على ما سمع، وهو مذهب الأكثرين5.
والثالث: التفصيل في اسم الجمع، فإن كان مما يستعمل للقليل فقط نحو: "نفر ورهط، وذود"، جاز. وإن كان مما يستعمل للقليل والكثير، كـ: "قوم ونسوة"، لم يجز.
حكاه الفارسي عن أبي عثمان المازني. وعلله المبرد بأن العدد لا يضاف لواحد ولا لما يدل على الكثرة، وأما: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فمسموع. انتهى.
"وإن كان" مميزها "جمعا، خفض بإضافة العدد إليه، نحو: ثلاثة رجال"
وثلاث إماء، "ويعتبر التذكير والتأنيث مع اسمي الجمع والجنس بحسب حالهما" باعتبار
__________
872- البيت للحطيئة في ديوانه 270، والأغاني 2/ 144، والإنصاف 2/ 771، وخزانة الأدب 7/ 367، 369، 394، والخصائص 2/ 412، والكتاب 3/ 565، ولسان العرب 3/ 168، "ذود"، 6/ 235 "نفس"، ولأعرابي أو للحطيئة أو لغيره في الدرر 1/ 534، ولأعرابي من أهل البادية في المقاصد النحوية 4/ 485، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 246، والدرر 2/ 490، 540، وشرح ابن الناظم 519، وشرح الأشموني 2/ 620، ومجالس ثعلب 1/ 304، وهمع الهوامع 1/ 253، 2/ 170.
1 الصحاح "ذود".
2 شرح المرادي 4/ 304.
873- تقدم تخريج البيت برقم 871.
3 سقط من "ط".
4 المقرب 2/ 305.
5 انظر الارتشاف 1/ 358.

(2/450)


عود الضمير عليهما1، تذكيرًا وتأنيثًا، "فيعطى العدد عكس ما يستحقه ضميرهما"2، مذكرًا، أنت العدد، وإن كان مؤنثًا ذكر.
"فتقول" في اسم الجنس: "ثلاثة من الغنم" عندي، "بالتاء" في ثلاثة، "لأنك تقول: غنم كثير، بالتذكير" للضمير المستتر في: كثير، "وثلاث من البط، بترك التاء" من ثلاثة3، "لأنك تقول: بط كثيرة، بالتأنيث" للضمير المستتر في: كثيرة.
"و" تقول: "ثلاثة من البقر"، بالتاء، "أو: ثلاث"، بتركها، "لأن" ضمير البقر يجوز فيه التذكير والتأنيث باعتبارين، وذلك أن4 "في البقر لغتين: التذكير والتأنيث، قال الله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70] بتذكير الضمير، "وقرئ: تشابهت" بتأنيثه5.
وحاصل ما ذكره من أمثلة اسم الجنس ثلاثة أنواع: ما فيه لغتان، التذكير فقط [وهو: الغنم. وما فيه لغة التأنيث فقط وهو: البط, وما فيه لغتان، التذكير والتأنيث وهو: البقر، ولم يمثل] 6 لاسم الجمع، وفصل فيه ابن عصفور فقال7: إن كان لمن يعقل فحكمه حكم المذكر كـ: القوم والرهط والنفر. وإن كان لما لا يعقل فحكمه حكم المؤنث كـ: الجامل والباقر.
"و" التذكير والتأنيث "يعتبران مع الجمع بحال مفرده" فإن كان مفرده مذكرًا أنت عدده، وإن كان مؤنثًا ذكر، "فلذلك تقول: إصطبلات" جمع إصطبل، بقطع الهمزة المكسورة. "وثلاثة حمامات" جمع حمام؛ بتشديد الميم؛ "بالتاء فيهما" اعتبارًا بالإصطبل والحمام فإنهما مذكران، ولا تقول: ثلاث، بتركها؛ "اعتبارًا بالجمع، خلافًا للبغداديين" والكسائي8. ونقل سيبويه والفرء أن كلام العرب على خلاف ذلك9.
__________
1 في "ب": "إليهما".
2 في "ب": "ضميرها".
3 في "أ", "ب": "ثلاث".
4 في "ب": "لأن".
5 في البحر المحيط 1/ 254، وتفسير القرطبي 1/ 452، أنها قراءة أبي.
6 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
7 المقرب 2/ 306-307.
8 الارتشاف 1/ 361.
9 الكتاب 3/ 561-562.

(2/451)


وتقول: ثلاث سحابات؛ بترك التاء؛ اعتبارًا بالسحابة فإنها مؤنثة، "ولا يعتبر من حال الواحد حال لفظه" في التأنيث والتذكير "حتى يقال: ثلاث طلحات؛ بترك التاء" نظرا إلى تأنيث لفظ واحده وهو: طلحة، "ولا" يعتبر "حال معناه" تذكيرًا وتأنيثًا، "حتى يقال: ثلاث أشخص؛ بتركها" أيضًا؛ نظرًا إلى تأنيث معنى واحده وهو شخص، "تريد: نسوة"، لأن الشخص يقع على المذكر والمؤنث1. "بل ينظر إلى ما يستحقه المفرد باعتبار ضميره، فيعكس حكمه في العدد، فكما تقول: طلحة حضر، وهند شخص جميل, بالتذكير فيهما تقول: ثلاثة طلحات، وثلاثة أشخص؛ بالتاء فيهما؛ فأما قوله" وهو عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل]
874-
فكان مجني دون من كنت أتقى ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
"فضرورة".
وكان القياس فيه: ثلاثة شخوص؛ بالتاء؛ ولكنه كنى بالشخوص عن النساء. "والذي سهل ذلك قوله: كاعبان ومعصر"، أي: هن كاعبان ومعصر، "فاتصل باللفظ ما يعضد المعنى المراد" وهو التأنيث. "ومع ذلك فليس بقياس خلافًا للناظم"، بل قال2: إن اقترن باللفظ ما يرجح جانب المعنى، ترجح. والكاعب: الجارية حين يبدو ثديها للنهود. والمعصر؛ بضم الميم وكسر الصاد المهملة، الجارية أول ما أدركت، سميت بذلك لكونها دخلت في عصر الشباب، قاله الخليل. "وإذا كان المعدود صفة" منونا موصوفها، "فالمعتبر" في التذكير والتأنيث "حال الموصوف المنوي لا حالها". فإن كان الموصوف مذكرًا، أنث العدد، وإن كان مؤنثًا ذكر. "قال الله تعالى": {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] بترك التاء؛ لأن الموصوف مؤنث، "أي: عشر حسنات أمثالها، ولولا ذلك" الاعتبار "لقيل: عشرة" بالتاء "لأن المثل" الذي هو
__________
1 في شرح ابن الناظم ص519: "الشخص مؤنثة"، وفي الكتاب 3/ 562: "الشخص اسم مذكر".
874- البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص100، والأشباه والنظائر 5/ 48، 129، والأغاني 1/ 90، وأمالي الزجاجي ص118، والإنصاف 2/ 770، وخزانة الأدب 5/ 3210، 312، 7/ 394، 396، 398، والخصائص 2/ 417، وشرح أبيات سيبويه 2/ 366، وشرح شواهد الإيضاح 313، والكتاب 3/ 566، ولسان العرب 7/ 45، "شخص"، والمقاصد النحوية 4/ 483، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 104، وأوضح المسالك 4/ 251، وشرح ابن الناظم ص519، وشرح الأشموني 3/ 620، وشرح عمدة الحافظ ص519، وعيون الأخبار 2/ 174، والمقتضب 2/ 148، والمقرب 1/ 307.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1664.

(2/452)


واحد الأمثال "مذكر. و" تقدم أنه يعتبر مع الجمع حال مفرده. "تقول: عندي ثلاثة ربعات، بالتاء" في ثلاثة "إن قدرت" الموصوف "رجالا، وبتركها إن قدرت" [الموصوف] 1 "نساء"، لأن ربعات؛ بفتح الباء؛ في الأصل اسم. ثم استعملت في الصفة، وهي جمع ربعة؛ بسكونها؛ يوصف به المذكر والمؤنث. يقال: رجل ربعة وامرأة ربعة: وهي المربوع لا طويل ولا قصير.
واعتبار توهم الموصوف كاعتبار نيته. "ولهذا" ترى العرب "يقولون: ثلاثة دواب؛ بالتاء؛ إن2 قصدوا ذكورا، لأن الدابة" وهي لغة كل ما يدب على الأرض "صفة في الأصل" غلبت عليها الاسمية. "فكأنهم قالوا: ثلاثة أحمرة"، جمع حمار، "دواب، وسمع" من كلامهم: "ثلاث دواب ذكور"، بترك التاء، لأنهم" اعتبروا تأنيث اللفظ، و"أجروا الدابة مجرى" الاسم "الجامد" نظرًا إلى الحال. "فلا يجرونها على موصوف"، قال ابن مالك3 أخذًا من قول ابن عصفور4: وأما ثلاث دواب فعلى جعل الدابة اسمًا.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 في "ب", "ط": "إذا".
3 شرح التسهيل 2/ 400.
4 المقرب 2/ 307.

(2/453)


فصل:
"الأعداد التي تضاف للمعدود عشرة، وهي نوعان:
أحدهما: الثلاثة والعشرة وما بينهما" وذلك ثمانية ألفاظ، "وحق ما تضاف إليه أن يكون جمعًا مكسرًا" ليطابق العدد المعدود لفظًا، "من أبنية القلة" ليتطابقا معنى.
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
727-
............. والمميز اجرر ... جمعا بلفظ قلة في الأكثر
"نحو: ثلاثة أفلس" من الجوامد، "وأربعة أعبد" من المشتقات الجارية مجرى الجوامد.
و: {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] من المائعات، وثمانية أحمال، وتسعة حبية، وعشرة أرغفة.
"وقد يختلف كل واحد من هذه الأمور الثلاثة"، وهي: الجمع والتكسير والقلة. "فيضاف للمفرد" في مسألتين:
إحداهما: أن يكون اسم جمع، وذلك قليل نحو: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] ، و: "خمس ذود"1.
والثانية: في لفظ واحد. "وذلك إن كان نحو: ثلاثمائة وتسعمائة"، لأن المائة وإن أفردت لفظًا فهي جمع معنى، لأنها عشر عشرات وهو عدد قليل. قاله الموضح في الحواشي.
"وشذ في الضرورة قوله"، وهو الفرزدق: [من الطويل]
875-
ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
ووجه شذوذه أن المائة إذا جمعت كان أقل مفهوماتها ثلاثمائة، وهو مما يفيد الكثرة فكان غير مناسب2.
__________
1 أخرجه البخاري في الزكاة برقم 1340، 1390.
875- البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 310، وخزانة الأدب 7/ 370، 373، واللسان 14/ 317 "ردي"، والمقاصد النحوية 4/ 480، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 253، وشرح ابن الناظم ص518، وشرح الأشموني 2/ 622، وشرح عمدة الحافظ 518، وشرح المفصل 6/ 21، 23، والمقتضب 2/ 170.
2 في شرح ابن الناظم ص518: "يقال: ثلاث مائة، وقد يقال ثلاث مئات وثلاث مئين".

(2/454)


"ويضاف لجمع التصحيح في مسألتين:
إحداهما: أن يهمل تكسير الكلمة، نحو: {سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة: 29] و: خمس صلوات و: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يوسف: 43] فإن: سماء وصلاة وبقرة، لم يسمع لها جمع تكسير أصلا، فضلا عن أن يكون للقلة فلما لم يسمع لها جمع تكسير أضيف إليها وهي جمع تصحيح لأنه يفيد القلة عند سيبويه وأتباعه1.
"والثانية: أن يجاور"؛ بالراء المهملة؛ "ما أهمل تكسيره"، وإن كان هو مسموع التكسير "نحو: {سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ} [يوسف: 43] فإنه" كسر على: سنابل. ولكنه "في التنزيل مجاور لـ: سبع بقرات" المهمل تكسيره، فلذلك حسن تصحيحه وقد جاء في التنزيل مكسرًا نحو: {سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261] .
وبقي مسألتان:
إحداهما: أن يكون تكسير الكلمة غير مقيس نحو: ثلاث سعادات فإن2 جمع سعاد على: سعائد، خلاف القياس. كذا قال ابن مالك3. وهو مبني على أن فعائل إنما يطرد في المؤنث، بالعلامة نحو: رسالة ورسائل، وأن نحو: عجائز، يحفظ ولا يقاء عليه.
والثانية: أن يكون تكسير الكلمة قليل الاستعمال نحو: {تِسْعَ آَيَاتٍ} [النمل: 12] قال الموضح: كذا ظهر لي، فإن تكسير آية على: آي جائز لكنه ليس بالفاشي. وجعلها ابن مالك مما أهمل تكسيره. قال: وفيه نظر.
"ويضاف لبناء الكثرة في مسألتين:
إحداهما: ان يهمل بناء القلة: نحو: ثلاث جوار، وأربعة رجال، وخمسة دراهم". فإن جارية ورجلا ودرهمًا، لم يستعمل لها جمع قلة. وأما أرجل فجمع: رجل، بكسر الراء وسكون الجيم.
"والثانية: أن يكون له بناء قلة، ولكنه شاذ قياسًا أو سماعًا، فينزل لذلك منزلة المعدوم" ويعدل عنه4 إلى جمع الكثرة.
"فالأول" وهو الشاذ قياسًا "نحو: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فإن جمع: قرء؛ بالفتح؛ على أقراء، شاذ" كما سيأتي في باب جمع التكسير. نعم إن جعل قروء
__________
1 الكتاب 3/ 603.
2 في "أ": "فإنه".
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1866.
4 في "أ": "منه".

(2/455)


جمعًا لـ: قرء؛ بالضم؛ كان قياسًا. والقرء بالفتح والضم؛ يطلق على الطهر والحيض.
"والثاني": وهو الشاذ سماعًا "نحو: ثلاثة شسوع"؛ بمعجمة فمهملة؛ "فإن أشساعًا" وإن كان قياسًا لأن مفرده: شسع، بكسر أوله1 وسكون ثانيه: أحد سيور النعل1، وأفعال قياس فيه كـ: حمل وأحمال؛ بالحاء المهملة؛ ولكنه "قليل الاستعمال".
"النوع الثاني" من النوعين: "المائة والألف، وحقهما أن يضافًا إلى مفرد نحو": {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، "و" نحو: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] وإنما كان حقهما ذلك؛ لأن المائة اجتمع فيها ما افترق في عشرة وعشرين من الإضافة والإفراد، لأنها مشتملة عليهما، فأخذت من العشرة الخفض ومن العشرين الإفراد. والألف عوض من2 عشر مائة، هي تميز3 بمفرد مخفوض، فعوملت الألف معاملة ما عوضت منه. "وقد تضاف المائة إلى جمع، كقراءة الأخوين حمزة والكسائي: "ثلاثمائة سنين" [الكهف: 25] بحذف التنوين للإضافة4.
قيل: ووجه تشبيه المائة بالعشرة إذ كانت تعشيرًا للعشرات، والعشرة تعشيرًا للآحاد، وقيل: إنه من وضع الجمع موضع المفرد. ومن نون فقيل: هو عطف بيان، أو بدل من ثلاثمائة5.
ورد بأن البدل على نية طرح الأول. وعلى تقدير طرحه يكون لمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين. فيفوت التنصيص على كمية العدد. ويجاب بأن نية الطرح غالبة لا لازمة. ولا يكون: سنين تمييزًا لأنه يقتضي أنهم أقل ما لبثوا: تسعمائة وتسع سنين.
قاله الموضح في الحواشي. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
728-
ومائة والألف للفرد أضف ... ومائة بالجمع نزرا قد ردف
"وقد تميز" المائة "بمفرد منصوب6، كقوله"، وهو الربيع بن ضبع
__________
1 سقط ما بينهما من "ب".
2 في "أ": "عن".
3 في "أ", "ب": "تمييز".
4 الرسم المصحفي: {مِائَةٍ} وقرأها "مِائَةِ" بالإضافة: حمزة والكسائي وخلف والحسن والأعمش وطلحة بن سعدان، انظر الإتحاف 289، ومعاني القرآن للفراء 2/ 138، وهي من شواهد أوضح المسالك 4/ 255، وشرح ابن الناظم ص520، وشرح ابن عقيل 2/ 407.
5 انظر الإتحاف ص289، ومعاني القرآن للفراء 2/ 138.
6 في شرح ابن الناظم ص520: "وقد شذ تمييز المائة بمفرد منصوب".

(2/456)


الفزاري: [من الوافر]
876-
إذا عاش الفتى مائتين عامًا ... فقد ذهب المسرة والفتاء
فـ"عامًا": تمييز منصوب بعد مائتين.
قال ابن مالك1: وذلك يقوي ما أجازه ابن كيسان من نحو: الألف درهما والمائة دينارًا بالنصب. ويؤيده قوله حذيفة رضي الله عنه: "ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة" بالنصب، فأجرى "أل" في تصحيح نصب التمييز مجرى التنوين والنون، وروي بحفض مائة، على زيادة "أل"، أو تقدير مضاف مماثل لمصحوب "أل" أو إبدال مائة من المخفوض على إنابة المفرد عن الجمع مثل: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54] ، والحق أن البيت ضرورة، والرواية شاذة.
__________
876- البيت للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى 1/ 254، وخزانة الأدب 7/ 379، 380، 38، 385 والدرر 1/ 534، وشرح ابن الناظم ص520، وشرح عمدة الحافظ ص545، والكتاب 1/ 208، 2/ 162، ولسان العرب 15/ 145، "فتا"، والمقاصد النحوية 4/ 481، وهمع الهوامع 1/ 135، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص299، وأوضح المسالك 4/ 255، وجمهرة اللغة ص1032، وشرح الأشموني 3/ 623، وشرح المفصل 6/ 21، ومجالس ثعلب ص333، والمقتضب 2/ 169، والمنقوص والممدود ص17.
1 شرح التسهيل 2/ 395.

(2/457)


فصل:
"فإذا تجاوزت العشرة جئت بكلمتين:
الأولى: النيف" بفتح النون وتشديد الياء مكسورة؛ وقد تخفف1 كـ: هين، وأصله الواو، من ناف ينوف إذا زاد. وقال أبو زيد2: "وهو التسعة فما دونها"، وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات3: النيف من العدد: ما جاوز العقد إلى الثلاثة. هذا قول أهل اللغة، وفي الصحاح والقاموس4: كل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني. انتهى.
والعقد ما كان من مرتبة العشرات أو المئات أو الألوف، "وحكمت لها"، أي للكلمة الأولى وهي النيف، "في التذكير والتأنيث بما ثبت لها قبل ذلك" التركيب، "فأجرت الثلاثة والتسعة وما بينهما على خلاف القياس، و" أجريت "ما دون ذلك" وهو: الأحد5 والاثنان "على القياس, إلا أنك تأتي بأحد وإحدى" بإبدال الواو همزة فيهما.
إلا أن الأول شاذ لازم6 غالبًا. والثاني: مطرد على الأصح كـ: إشاح وإكاف، ولهذا نبهوا على الأصل في أحد فقالوا: وحد. ولم ينبهوا عليه في إحدى، وأتوا بأحد وإحدى مع التركيب "مكان واحد وواحدة" مع الإفراد، خوف الالتباس بالصفة.
"ويبنى الجميع" من النيف والعقد بعد التركيب "على الفتح"، ليعادل خفته ثقل التركيب، أما بناء الكلمة الأولى فلأنها منزلة صدر الكلمة من عجزها، وأما
__________
1 في "ط": "يخفف".
2 في شرح القصائد التسع ص228، أن الجرمي حكى عن أبي زيد: أن النيف ما بين الواحد إلى التسعة.
3 شرح القصائد التسع ص228.
4 الصحاح والقاموس "نوف".
5 في "أ": "الواحد".
6 في "أ": "لا لازم".

(2/458)


بناء الثانية فلتضمنها حرف العطف، وقيل: لوقوعها موقع التنوين، "إلا اثنين واثنتين فتعربهما" بالألف رفعًا وبالياء جرًّا ونصبًا "كالمثنى"، لوقوع ما بعدهما موقع النون وليسا مضافين للعقد. وقيل: مضافان إليه. وعليهما فالعقد لتضمنه معنى حرف العطف.
وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن اثنين واثنتين مبنيان مركبان مع العقد كسار أخواتهما1.
ورد بأنهما لو كانا مبنيين لزما الياء لأنها نظير الفتحة في الواحد، ولهذا قالوا: لا يدين بها2 لك "وإلا: ثماني، فلك فتح الياء" لأنها مفتوحة في ثمانية، قاله السهيلي في الروض. "و" لك "إسكانها" كما في: معدي كرب.
"ويقل حذفها مع بقاء كسر النون" لأنها ياء زائدة فحذفت وبقيت الكسرة دليلا عليها فأشبهت: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 6] "و" يقل3 حذفها "مع فتحها"، أي النون لأنها لما كانت تضم الآخر إذا كان الآخر نون، كقوله: [من الرجز]
877-
لها ثنايا أربع حسان ... وأربع فثغرها ثمان
جعلت فتحة بناء على التركيب.
"والكلمة الثانية" من الكلمتين: "العشرة، ويرجع بها إلى القياس" في "التذكير مع المذكر والتأنيث مع المؤنث"، فتجردها من التاء مع المذكر وتؤنثها مع المؤنث، رجوعًا إلى الأصل، لئلا يجمع بين علامتي تأنيث، "وتبنيها على الفتح مطلقًا" سواء أكانت مع انثني واثنتين أم مع غيرهما. أما بناؤها مع اثنين واثنتين فلأنها واقعة موقع النون المحذوفة لشبه الإضافة. والاسم إذا وقع موقع الحرف بني. وأما بناؤها مع غيرهما فلأنها واقعة موقع التنوين، وهو حرف مبني على السكون، وخالفت في البناء حكم ما وقعت موقعه تنبيهًا على الفرعية، واختير الفتح طلبًا للتخفيف.
__________
1 الارتشاف 1/ 366.
2 في "أ", "ب"، "ط": "لها"، والتصويب من لسان العرب 15/ 424 "يدي"، وفيه: "ابن سيده: وقولهم لا يدين لك بها، معناه لا قوة لك بها، لم يحكه سيبويه إلا مثنى، ومعنى التثنية هنا: الجمع والتكثير". وفي الكتاب 2/ 279 أن إثبات النون في هذا القول أحسن وهو الوجه.
3 في "ط" "ونقل".
877- الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 365، وشرح الأشموني 3/ 627، واللسان 4/ 103، "ثغر" 13/ 81، "ثمن"، وتاج العروس. 10/ 32 "ثغر" "ثمن"، وتهذيب اللغة 15/ 107 وشرح التسهيل 2/ 403.

(2/459)


"وإذا كانت" العشرة مختومة "بالتاء سكنت" أنت "شينها في لغة الحجازيين"، فإنهم ينطقون بها ساكنة كراهة، توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة.
"وكسرتها في لغة" أكثر بني "تميم"1 تشبيها بتاء كيف. "وبعضهم"، وهم الأقلون من بني تميم "يفتحها". إبقاء لها على أصلها من الفتح، وبذلك قرأ يزيد بن القعقاع: "فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنًا"2 [البقرة: 60] وبعضهم يسكن العين من عشرة فيقول: أحدَ عْشَرَ، احترازًا من توالي المتحركات. قاله في المفصل3.
"وقد تبين بما4 ذكرنا أنك تقول": عندي "أحد عشر عبدًا، واثنا عشر رجلا، بتذكيرهما" أي: النيف والعقد من المثالين، و"ثلاثة عشر عبدًا بتأنيث الأول" وهو ثلاثة، "وتذكير الثاني" وهو عشر. "وتقول": عندي "إحدى عشرة أمة، واثنتا عشرة جارية، بتأنيثهما، أي: النيف والعقد من المثالين.
وإنما جمعوا بين تأنيثين في: إحدى عشرة لاختلاف لفظي العلامتين، وفي اثنتا عشر إما لأن التاء بدل من الياء، وليست للتأنيث. أو لأنها زائدة للإلحاق بـ"أصبهان". وإما لأن "اثنان واثنتان" معربان، وعشرة مبنية، والمبني غير المعرب فكأنهما اسمان: مضاف ومضاف إليه، وإما لأنهما متضايفان حقيقة بدليل حذف النون.
قال الموضح: كل ذلك قد قيل، والسؤال عندي من أصله ليس بالقوي لأنهم قالوا في اسم الفاعل: خامس عشر في المذكر، وخامسة عشرة في المؤنث فأنثوا الكلمتين جميعًا وبنوهما على الفتح، وذلك مجمع عليه، وكذا في الباقي فدل على أنهم اعتبروا حالة الكلمتين قبل التركيب. انتهى.
"و" تقول: عندي "ثلاث عشرة جارية، بتذكير" الجزء "الأول وتأنيث" الجزء "الثاني" وإلى هذا الفصل أشار الناظم بقوله:
__________
1 شرح ابن عقيل 2/ 409، وشرح ابن الناظم ص521، والارتشاف 1/ 365.
2 لم تنسب هذه القراءة إلى يزيد، بل إلى الأعمش، وابن فضل الأنصاري، انظر البحر المحيط 1/ 229, والكشاف 1/ 71، والمحتسب 1/ 85، وقد نسب إلى يزيد أنه قرأها "عشرة"؛ بكسر الشين، انظر المصادر السابقة، وحاشية يس 2/ 274.
3 لم أجده في المفصل خلال حديثه عن العدد، انظر المفصل ص212-216, وفي لسان العرب 4/ 568 "عشر": "قال ابن السكيت: ومن العرب من يسكن العين فيقول أحد عشر، وكذلك يسكنها إلى تسعة عشر، وقال الأخفش: إنما سكنوا العين لما طال الاسم وكثرت حركاته".
4 في "ط": "مما".

(2/460)


729-
وأحد اذكر وصلنه بعشر ... ...............................
الأبيات الستة1.
"فإذا جاوزت التسعة عشر في التذكير، والتسع عشرة في التأنيث، استوى لفظًا المذكر والمؤنث تقول": عندي "عشرون عبدًا"، وعشرون أمة وثلاثون عبدًا "وثلاثون أمة". والمدار في التذكير والتأنيث على التمييز، "وتمييز ذلك كله مفرد منصوب نحو: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4] ، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] ، {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} " [الأعراف: 142] ، {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32] ، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، " {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} " [ص: 23] .
"وأما قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا " أُمَمًا} [الأعراف: 160] ، "فـ: أسباطا" ليس بتمييز لأنه جمع؛ وإنما هو "بدل من اثنتي عشرة"، بدل كل من كل، "والتمييز محذوف أي: اثنتي عشرة فرقة"، قاله الشلوبين وابن أبي الربيع وغيرهما. "ولو كان: أسباطًا، تمييزًا" عن اثنتي عشرة، "لذكر"؛ بتشديد الكاف؛ "العددان" ولقيل: اثني عشر بتذكيرهما وتجريدهما من علامة التأنيث، "لأن السبط" واحد الأسباط "مذكر"، فكان يجب أن تجرد التاء من عدده.
"وزعم الناظم" في شرح الكافية2 "أنه" لا حذف، وأن أسباطا "تمييز، وأن ذكر "أمما" رجح حكم التأنيث" في أسباطًا لكونه وصف بـ"أمما" جمع أمة، "كما رجحه"؛ أي التأنيث، في شخوص "ذكر كاعبان ومعصر في قوله": [من الطويل]
__________
1 الأبيات هي:
............................ ... مركبا قاصد معدود ذكر
وقل لدى التأنيث إحدى عشره ... والشين فيها عن تميم كسره
ومع غير أحد وإحدى ... ما معهما فعلت فافعل قصدا
ولثلاثة وتسعة وما ... بينهما إن ركبا ما قدما
وأول عشرة اثنتي وعشرا ... إثني إذا أنثى تشا أو ذكرا
واليا لغير الرفع وارفع بالألف ... والفتح في جزءي سواهما ألف
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1664.

(2/461)


878-
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وكان القياس: ثلاثة شخوص، لأن الشخص مذكر، ولكنه لما فسره بـ: كاعبان ومعصر، وهما مؤنثان رجح تأنيثه، وما ذكره الناظم في الآية، مخالفًا في شرح التسهيل1 "إن أسباطا بدل لا تمييز"، انتهى.
والقول بالبدلية من اثنتي عشرة مشكل على قولهم: إن المبدل منه في نية الطرح غالبًا، ولو قيل: وقطعناهم أسباطًا لفاتت فائدة كمية العدد، وحمله على غير الغالب لا يحسن تخريج القرآن عليه.
والقول بأنه تمييز مشكل على قولهم: إن تمييز العدد المركب مفرد، وأسباطًا جمع، وقال الحوفي: "يجوز أن يكون أسباطا نعت الفرقة، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وأمما: نعت الأسباط وأنت العدد وهو واقع على الأسباط، وهو مذكر لأنه بمعنى فرقة أمة كقوله: [من الوافر]
879-
ثلاثة أنفس........... ... ...........................
يعني رجالا. انتهى.
فارتكب الوصف بالجامد، والكثير خلافه، وذهب الفراء إلى جواز جميع التمييز وظاهر الآية يشهد له، ويشهد له أيضًا ما روي من قول ابن مسعود؛ رضي الله تعالى عنه.
"قضى في دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض" وتخريج أبي حيان على أن: بني مخاض: حال من عشرين، أو نعت لها، والتمييز محذوف خلاف الأصل، وإلى تمييز المركب أشار الناظم بقوله:
736-
وميزوا مركبا بمثل ما ... ميز عشرون فسوينهما
__________
878- تقدم تخريج البيت برقم 874.
1 شرح التسهيل 2/ 293.
879- تمام البيت:
ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد جار الزمان على عيالي
وتقدم تخريجه برقم 872.

(2/462)


فصل:
"ويجوز في العدد المركب، غير اثني عشر واثنتي عشرة، وأن يضاف إلى مستحق المعدود، فيستغنى عن التمييز، نحو: هذه أحد عشر زيد"، فـ"هذه" مبتدأ، وأحد عشر، خيره: وزيد: مضاف إليه. وإنما لم يضف: اثنا عشر واثنتا عشرة لأن ما بعد اثنين واثنتين واقع موقع النون، فكما أن الإضافة تمتنع مع النون فكذلك تمتنع مع ما وقع موقعها، ولا كذلك الباقي. "ويجب" حينئذ "عند البصريين البناء في الجزأين" معًا، كما يبقى مع التمييز.
"وحكى سيبويه1 الإعراب في آخر" الجزء "الثاني" بحسب العوامل، وإبقاء الجزء الأول على بنائه على الفتح "كما في: بعلبك" فتقول: هذه أحد عشر زيد، ورأيت أحد عشر زيد، ومررت بأحد عشر زيد. بفتح أحد في الجميع، ورفع عشر في الأول ونصبه في الثاني وجره في الثالث. والفتح في النصب على هذه اللغة غير الفتحة في اللغة الأولى، لأن تلك فتحة بناء وهذه فتحة إعراب. "وقال" سيبويه2 في هذه اللغة: "هي لغة رديئة" وقال الأخفش: حسنة.
واختارها ابن عصفور3 وزعم أنها الفصحى، ووجه ذلك بأن الإضافة ترد الأسماء إلى أصلها من الإعراب، ورده ابن مالك في شرح التسهيل4 بأن المبني قد يضاف نحو: كم رجل عندك، انتهى.
وقد يفرق بين ما بناؤه أصلي فلا يرد إلى الإعراب، وما بناؤه عارض بسبب التركيب فيرد إليه بأدنى ملابسة. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
737-
وإن أضيف عدد مركب ... يبق البنا وعجز قد يعرب
__________
1 الكتاب 3/ 299.
2 الكتاب 3/ 299، وانظر شرح ابن الناظم ص523.
3 المقرب 2/ 309.
4 شرح التسهيل 2/ 419.

(2/463)


"وحكى الكوفيون وجهًا ثالثًا وهو أن يضاف" الجزء "الأول إلى" الجزء "الثاني"، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل، ويجر الجزء الثاني بالإضافة "كما في: عبد الله، نحو" ما حكى الأخفش1 أنه سمع ممن سمع من أبي فقعس الأسدي، وأبي2 الهيثم العقيلي: "ما فعلت خمسة عشرك"، برفع خمسة. وجر عشرك3.
"وأجازوا أيضًا هذا الوجه"، وهو إعراب المتضايفين "دون إضافة" إلى مستحق المعدود نحو: هذه خمسة عشر، ورأيت خمسة عشر، ومررت بخمسة عشر، بجر عشر في الأحوال الثلاثة، وإعراب خمسة بحسب العوامل، "استدلالا بقوله"؛ وهو نفيع بن طارق على ما قيل: [من الرجز]
880-
كلف من عنائه وشقوته ... بنت ثماني عشرة من حجته
فـ: "بنت": مفعول ثان بـ"كلف"، ومفعوله الأول مستتر فيه قائم مقام الفاعل، وثماني: مضاف إليه4، وعشرة: بالتنوين مجرورة بإضافة ثماني إليها، ولم يضف إلى مستحق المعدود. والعناء، بفتح العين المهملة: التعب والمشقة. والشهوة، بكسر الشين المعجمة: الشقاوة.
وقول ابن مالك في التسهيل5: ولا يجوز بإجماع ثمان يعشر إلا في الشعر. مردود فإن الكوفيين أجازوا ذلك مطلقًا في الشعر وغيره، كما قال الموضح فليس نقل الإجماع بصحيح.
__________
1 نسب هذا القول إلى الفراء في شرح ابن الناظم ص523.
2 في "ط": "ابن".
3 بعده في شرح ابن الناظم ص523: "والبصريون لا يرون ذلك، بل يستصحب عندهم البناء في الإضافة كما يستصحب مع الألف واللام بإجماع".
880- الرجز لنفيع بن طارق في الحيوان 6/ 463، والدرر 2/ 491، والمقاصد النحوية 4/ 488، وبلا نسبة في لسان العرب 14/ 438 "شقا"، والإنصاف 1/ 309، وأوضح المسالك 4/ 259، وتهذيب اللغة 9/ 209، وخزانة الأدب 6/ 430، وشرح الأشموني 3/ 627، وشرح التسهيل 2/ 402، والمخصص 14/ 92، 14/ 102، وهمع الهوامع 2/ 149.
4 في "ب", "ط": "إليها".
5 التسهيل ص118.

(2/464)


فصل:
"ويجوز أن تصوغ" أي تشتق "من لفظ اثنين وعشرة وما بينهما اسم فاعل"
على وزن فاعل، "كما تصوغه من فعل" المفتوح العين، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
738-
وصغ من اثنين فما فوق إلى ... عشرة كفاعل من فعلا
"فتقول: ثان وثالث ورابع إلى العاشر، كما تقول" من فعل المتعدي: "ضارب، و" من اللازم: "قاعد"، إلا أن الاشتقاق من أسماء العدد سماعي، لأنه من قبيل الاشتقاق من أسماء الأجناس كـ: "تربت يداك"1 من التراب، واستحجر الطين من الحجر، على ما هو مبين في علم الاشتقاق، ويستثنى من ذلك ما إذا أريد به معنى فاعل فإن له فعلا، كما صرح به في التسهيل2, فيكون مصوغًا من المصدر.
قال في شرح التسهيل3: وقولهم مصوغ من العدد تقريب على المتعلم، وفي الحقيقة أنه مصوغ من الثلث إلى العشر، وهي مصادر: ثلثت الاثنين إلى عشرت التسعة. انتهى.
وفي الصحاح4: عشرت القوم أعشرهم عشرًا إذا صرت عاشرهم.
"و" اسم الفاعل من العدد "يجب فيه أبدًا أن يذكر مع المذكر ويؤنث مع المؤنث" على القياس. "كما يجب ذلك مع ضارب ونحوه" من أسماء الفاعلين.
"فأما ما دون الاثنين فإنه وضع على ذلك" الحكم "من أول الأمر فقيل" في المذكر: "واحد، و" في المؤنث: "واحدة"، وهما من: وحد يحد.
__________
1 من حديث أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم 4802 ومسلم في الرضاع برقم 1466، وتمامه: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
2 التسهيل ص121.
3 شرح التسهيل 2/ 413.
4 الصحاح "عشر".

(2/465)


"ولك في اسم الفاعل المذكور" وهو: ثان1 وعاشر2 وما بينهما، "أن تستعمله بحسب المعنى الذي تريده على سبعة أوجه:
أحدها: أن تستعمله مفردًا" عن الإضافة "ليفيد الاتصاف بمعناه مجردًا" عن الاتصال بالعشرة، "فتقول: ثالث ورابع"، ومعناه حينئذ واحد موصوف بهذه الصفة وهي كونه ثالثًا ورابعًا، "قال" النابغة الذبياني: [من الطويل]
881-
توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام وذا العام سابع
والمعنى: وقع في وهمي أي: ذهني، علامات للمرأة فعرفت العلامات بعد ستة أعوام، وهذا العام الذي أنا فيه سابع.
الوجه "الثاني: أن تسعمله مع أصله" الذي صيغ هو منه، "ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
740-
وإن ترد بعض الذي منه بني ... تضف إليه.....................
"فتقول: خامس خمسة أي: بعض جماعة منحصرة في خمسة" أي: واحد من خمسة لا زائد عليها، "ويجب حينئذ إضافته إلى أصله"؛ كما مثل؛ "كما يجب إضافة البعض إلى كله" كـ: يد زيد. "قال الله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} " [التوبة: 40] , فـ: "ثاني" حال من الهاء في "أخرجه"، و"اثنين" مضاف إليهما "وقال" الله "تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} " [المائدة: 73] ، فـ"ثالث" خبر "إن"، و"ثلاثة" مضاف إليه.
"وزعم الأخفش وقطرب" من البصريين، "والكسائي وثعلب" من الكوفيين. "أنه يجوز إضافة الأول" وهو الفرع، "إلى الثاني" وهو الأصل، "ونصبه إياه"3. فعلى هذا يجوز: ثالث ثلاثة, بجر ثلاثة ونصبها، ونصبه إياه فعلى هذا يجوز: ثالث ثلاثة، بجر ثلاثة ونصبها. "كما يجوز في: ضارب زيد" جر زيد ونصبه.
__________
1 في "ط": "ثاني".
2 في "ب": "عشر".
881- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص31، وخزانة الأدب 2/ 453، وشرح أبيات سيبويه 1/ 447، والصاحبي في فقه اللغة ص113، والكتاب 2/ 86، ولسان العرب 4/ 569 "عشر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 406، 4/ 482، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 261، وشرح شواهد الشافية ص108، والمقتضب 4/ 422، والمقرب، وتاج العروس "لوم".
3 الارتشاف 1/ 367.

(2/466)


"وزعم الناظم" في التسهيل1 "أن ذلك جائز في ثان فقط" دون غيره. وعلله في شرح التسهيل2: بأن العرب تقول: ثنيت الرجلين، إذا كنت الثاني منهما، يعني ولا تقل ثلثت الرجلين3، إذا كنت الثالث منهم.
ثم قال4: فمن قال: ثاني اثنين بهذا المعنى عذر لأنه له فعلًا، ومن قال: ثالث ثلاثة1 لا يعذر لأنه لا فعل له. وتعقبه أبو حيان فقال6: ثنيت الرجلين، مخالف لنقل النحاة، ثم هو ليس نصًا في: ثنيت الاثنين، حتى يبنى عليه جواز: ثنيت الاثنين. قال الموضح: وما نقله ابن مالك عن العرب قاله ابن القطاع في كتاب الأفعال7. وإذا جاز ثنيت الرجلين، جاز ثنيت الاثنين، ولا يتوقف في ذلك إلا ظاهري جامد. انتهى.
الوجه "الثالث: أن تستعمله8 مع ما دون أصله" الذي صيغ منه بمرتبة واحدة، "ليفيد معنى التصيير" والتحويل. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
741-
وإن ترد جعل الأقل مثل ما ... فوق فحكم جاعل له أحكما
"فتقول: هذا رابع ثلاثة" بتنوين رابع ونصب ثلاثة، "أي: جاعل الثلاثة بنفسه أربعة، قال الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} " [المجادلة: 7] ، أي إلا هو مصيرهم أربعة ومصيرهم ستة.
"ويجوز حينئذ"، أي حين إذا كان بمعنى مصير "إضافته" إلى ما دونه "وإعماله" بشرط كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، واعتماده على نفي أو استفهام، أو ذي خبر أو حال أو موصوف. "كما يجوز الوجهان": وهما الإضافة والإعمال "في جاعل ومصير ونحوهما" من أفعال التحويل والانتقال.
__________
1 التسهيل ص121.
2 شرح التسهيل 2/ 412.
3 في جميع النسخ: "الرجال", والتصويب من شرح ابن الناظم ص523 الذي أجاز أن يقال: "ثلثت الرجلين إذا انضممت إليهما، فصرتم ثلاثة".
4 شرح التسهيل 2/ 412.
5 في "أ": "ثالثة".
6 الارتشاف 1/ 373.
7 في كتاب الأفعال 1/ 144 أن هذا كلام العرب، والقياس غيره.
8 في "أ": "يستعمل"، والتصويب من "ب", "ط"، وأوضح المسالك 4/ 262.

(2/467)


"ولا يستعمل بهذا الاستعمال ثان، فلا يقال: ثاني واحد، ولا: ثان واحدًا". نص على ذلك سيبويه1. "وأجازه بعضهم"، وهو الكسائي "وحكاه عن العرب" فقال2: تقول ثاني واحد. وحكى الجوهري3: ثان واحدًا.
وإنما ساغ عمل فاعل من العدد لأن له فعلا، كما أن جاعلا، كذلك، يقال: كانوا تسعة وعشرين فثلثتهم، أي: فصيرتهم ثلاثين، أثلثهم، فأنا ثالثهم. وهكذا إلى كانوا تسعة وثمانين فتسعتهم، أي: فصيرتهم تسعين أتسعهم، فأنا تاسعهم. إلا أن المضارع من ربعتهم وسبعتهم وتسعتهم مفتوح العين لا مكسورها. فإذا تجاوزت ذلك قلت: كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم، على أفعلتهم، وكذا كانوا تسعمائة وتسعًا وتسعين فآلفتهم، فأنا ممءٍ ومؤلفٌ.
ومن الغريب ما وقع في شرح موجز ابن السراج لأبي الحسن بن الأهوازي: كان القوم عشرة فحدعشتهم إلى تسعشتهم، وهم محدعشون، وأنا محدعش ومتسعش، قال: وكذا العقود، يقال: معشرن ومثلثن، ومن المائة والألف: ممء ومؤلف، لأن فعلهما: أمأى وأألف. انتهى.
والوجه "الرابع: أن تستعمله مع العشرة ليفيد الاتصاف بمعناه" حال كونه "مقيدًا بمصاحبة العشرة". وهو أنه واحد موصوف بهذه الصفة. "فتقول: حادي عشر، بتذكيرهما" على القياس، "وحادية عشرة، بتأنيثهما" على القياس أيضًا. "وكذا تصنع في البواقي: تذكر اللفظين مع المذكر، وتؤنثهما مع المؤنث4. تقول: الجزء الخامس عشر" بتذكيرهما، "والمقاومة السادسة عشرة" بتأنيثهما. "وحيث استعملت الواحد أو الواحدة مع العشرة أو مع ما فوقها كالعشرين، فإنك تقلب فاءهما" وهي الواو، "إلى موطن لامهما" وهي الدال. وتقول: حادو وحادوة "وتصيرها" أي الواو "ياء"، لأن إذا تطرفت إثر الكسر5 قلبت ياء، وتاء التأنيث في حكم الانفصال، إلا أنك تعل حاديًا إعلال قاض، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين وهما: الياء والتنوين ولا تعل حادية لتحرك الياء.
__________
1 الكتاب 3/ 559.
2 انظر الارتشاف 1/ 372-373.
3 الصحاح "ثنى".
4 في "أ": المؤنثة".
5 في "ط": "الكسرة".

(2/468)


"فتقول: حاد" بحذف الياء، ووزنه: عالف، "وحادية"، بإثبات الياء ووزنها: عالفة لأنهما من الوحدة، وحكى الكسائي عن بعض العرب: واحد عشر على الأصل. فلم يلتزم القلب كل العرب1.
الوجه "الخامس: أن تستعمله معها"، أي مع العشرة، "ليفيد معنى: ثاني اثنين، وهو انحصار العدة فيما ذكر، ولك في هذه الحالة ثلاثة أوجه:
أحدها؛ وهو الأصل؛ أن تأتي بأربعة ألفاظ: أولها: الوصف"، وهو اسم الفاعل. والثاني: العشرة، حال كون الوصف "مركبًا مع العشرة، و" اللفظ "الثالث: ما اشتق منه الوصف، و" الرابع: العشرة حال كون ما اشتق منه الوصف "مركبًا أيضًا مع العشرة. وتضيف جملة التركيب الأول"، وهو الوصف المركب مع العشرة "إلى جملة التركيب الثاني"، وهو ما اشتق منه الوصف المركب مع العشرة. "فتقول: ثالث عشر ثلاثة عشر2" فالوصف هو: ثالث، وما اشتق منه هو: ثلاثة، وكل منهما مركب مع العشرة، وهذه الألفاظ الأربعة مبنية على الفتح، وجملة التركيب الأول مضافة، وجملة التركيب الثاني مضاف إليها.
الوجه "الثاني" من هذه الحالة: "أن تحذف عشر من" التركيب "الأول استغناء به في" التركيب "الثاني"، وتعرب الجزء الأول من أول التركيبين لزوال التركيب منه وتضيفه إلى جملة التركيب الثاني، فتقول: هذا ثالث ثلاثة عشر برفع: ثالث، بلا تنوين، وبناء: ثلاثة عشر. قال أبو حيان3: وهذا الوجه أكثر استعمالا وجائز اتفاقًا، وإعراب اسم الفاعل فيه لعدم التركيب، وقياس من أجاز الإعمال في: ثاني اثنين، أن يجيزه هنا. انتهى.
الوجه "الثالث" من هذه الحالة: "أن تحذف العقد"، وهو العشرة "من" التركيب "الأول، و" تحذف "النيف"، وهو الثلاثة في مثالنا، "من" التركيب "الثاني. ولك في هذا الوجه" المشتمل على الحذفين المذكورين "وجهان:
أحدهما: أن تعربهما لزوال مقتضى البناء" وهو: التركيب "فيهما فتجري الأول" وهو الوصف "بمقتضى حكم العوامل" في الرفع والنصب والجر. "وتجر الثاني"
__________
1 انظر شرح المرادي 4/ 322.
2 أنكر ثعلب ذلك وقال: "إنما الوجه: ثالث ثلاثة عشر لا غير". انظر كتاب الحلل ص236.
3 الارتشاف 1/ 371.
4 إضافة من "ط".

(2/469)


وهو العقد، "بالإضافة" دائمًا فتقول: جاءني ثالث عشر، ورأيت ثالث عشر، ومررت بثالث عشر، بجر عشر في الأحوال الثلاثة. "و" إعراب ثالث بحسب العوامل، جزم بذلك ابن عصفور1. قال أبو حيان2: وينبغي أن لا يقدم على هذا إلا بسماع لما فيه من الإجحاف.
الوجه "الثاني" من هذين الوجهين: "أن تعرب" الجزء "الأول"، وهو الوصف، بحسب العوامل، "وتبني" الجزء "الثاني" وهو: العقد على الفتح، "حكاه الكسائي، و" يعقوب "بن السكيت، وابن كيسان3، ووجه أنه" أعرب الأول لزوال التركيب، "وقدر ما حذف من الثاني فبقي البناء بحاله" لنية الصدر. ونظيره: لا حول ولا قوة إلا بالله. فيمن فتح قوة. فإنه بنى مع كلمة أخرى ثم حذفها، وبقي البناء بحاله. قاله ابن مالك4.
قال أبو حيان5: "ولا يقاس على هذا الوجه لقلته. وزعم بعضهم"، وهو أبو محمد بن السيد6، "أنه يجوز بناؤها لحلول كل منهما محل المحذوف من صاحبه". فتقول: جاء ثالث عشر، ورأيت ثالث عشر، ومررت بثالث عشر، ببناء الجزأين على الفتح في الأحوال الثلاثة.
"وهذا مردود لأنه لا دليل حينئذ"، أي حين إذ بنيا، "على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين، بخلاف ما إذا أعرب" الجزء "الأول" فإنه يدل على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين.
"ولم يذكر الناظم" في التسهيل "وابنه" في شرح النظم "هذا الاستعمال الثالث"، وهو أن يحذف العقد من الأول، والنيف من الثاني، "بل ذكرا مكانه"، في الكتابين المذكورين7: "أنك تقتصر على التركيب الأول، باقيًا بناء صدره، وذكرا"، أي الناظم وابنه "أن بعض العرب يعربه" زاد ابنه: حكى ذلك ابن السكيت وابن
__________
1 المقرب 2/ 317.
2 الارتشاف 1/ 371.
3 في شرح ابن الناظم ص525: "حكى ذلك ابن السكيت وابن كيسان".
4 تخليص الشواهد ص405-406.
5 الارتشاف 1/ 371.
6 كتاب الحلل ص235، 236.
7 التسهيل ص121، وشرح ابن الناظم ص525.

(2/470)


كيسان1. قال الموضح: "والتحرير ما قدمته" من الاستعمال الثالث بوجهيه. وأن ما حكاه ابن السكيت وابن كيسان من إعراب الأول إنما هو فيما إذا حذف العقد من الأول والنيف من الثاني، لا فيما إذا اقتصر على التركيب الأول خاصة. وما ذكره الناظم وابنه يجب حمله على تركيب واحد، وإلا فقد قال أبو حيان2: إنه باطل، لأنه يلتبس بما ليس أصله تركيبتين. ورده الموضح في الحواشي بأن الذي أجازه ابن مالك في التسهيل لا يمنعه بشر وأنه يقال: حادي عشر، وليس في كلامه ما يقتضي أنه منتزع من تركيبين: انتهى. وعبارة النظم ناطقة بما قال أبو حيان: فإن قوله:
744-
وشاع الاستغنا بحادي عشرا ... .....................................
معناه: استغنى بحادي عشر عن بقية التركيب، وتلخص في هذه المسألة خمسة أوجه:
الأول: الإتيان بأربعة ألفاظ، وإليه يشير قول الناظم.
742-
................................... ... ........... فجيء بتركيبين
وهو قليل الاستعمال، حتى إن بعضهم منعه.
الثاني: أن تحذف عقد الأول. وإليه يشير قول الناظم:
743-
أو فاعلًا بحالتيه أضف ... إلى مركب.............
الثالث: حذف هذا ونيف الثاني، وبناء ما بقي.
الرابع: حذفهما وإعراب ما بقي.
الخامس: إعراب الوصف مع حذف عقده وبناء عشر مع حذف نيفه.
الوجه "السادس" من أوجه استعمال اسم3 الفاعل: "أن تستعمله معها؛ أي مع العشرة "لإفادة معنى: رابع ثلاثة"، فيكون بمعنى: جاعل، وليس بمسموع. فتأتي أيضًا بأربعة ألفاظ، ولكن يكون" اللفظ "الثالث منها دون ما اشتق منه الوصف فتقول: رابع عشر ثلاثة عشر. أجاز ذلك سيبويه"4, وجماعة من المتقدمين قياسًا، "ومنعه بعضهم"، وهم الكوفيون وأكثر البصريين، وقوفًا مع السماع5. "وعلى الجواز فيتعين بالإجماع أن يكون التركيب الثاني" من التركيبين "في موضع خفض"،
__________
1 شرح ابن الناظم ص525.
2 الارتشاف 1/ 371.
3 سقط من "ط".
4 الكتاب 3/ 559.
5 في كتاب الحلل ص236-237: "أكثر النحويين على أنه لا يجوز".

(2/471)


بإضافة التركيب الأول إليه. ويمتنع النصب وإن كان الوصف فيه بمعنى جاعل، لأن عمل الوصف إنما يتأتى مع تنوينه أو اقترانه بـ"أل"، وهما منتفيان مع التركيب، ومن ثم أجاز بعض النحويين1: هذا ثان أحد عشر وثالث اثني عشر، بتنوين الوصف ونصب ما بعده لعدم تركيب الوصف مع العشرة.
"ولك" إذا أتيت بتركيبين "أن تحذف العشرة من" التركيب "الأول" فتقول: رابع ثلاثة عشر، "وليس لك مع ذلك" الحذف للعشرة من الأول. "أن تحذف النيف من" التركيب "الثاني". وتقول: رابع عشر، بفتحهما، "للإلباس" بما ليس أصله تركيبين.
ومقتضى البناء في الجزأين الباقيين حلول كل منهما محل المحذوف من صاحبه. ويزول الإلباس بإعراب الأول، كما ذكر في الوجه الخامس، ولم أره مسطورًا.
الوجه "السابع: أن تستعمله مع العشرين وأخواتها" إلى التسعين. "فتقدمه" في اللفظ، "وتعطف عليه العقد بالواو خاصة"، فتقول حاد وعشرون وحادية وعشرون وكذا الباقي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
744-
.............................. ... ..... وقبل عشرين اذكرا
745-
وبابه الفاعل من لفظ العدد ... بحالتيه قبل واو يعتمد
وهذا لا يختص باسم الفاعل، بل للعشرين وأخواتها مع النيف ثلاثة أحكام: وجوب تأخيرها عنه لأن الأقل سابق للأكثر طبعًا، ووجوب عطفها عليه ليرتبطا ووجوب كون العاطف الواو، لأنه عدد واحد والواو للجمع.
__________
1 منهم ثعلب، انظر كتاب الحلل ص236.

(2/472)


باب كنايات العدد وهي ثلاث كم وكأي وكذا:
ولكل منها كلام يخصها، وشرح يكشف عن حقيقة أمرها.
"أما "كم" فتنقسم إلى: استفهامية بمعنى: أي عدد"، قليلا كان أو كثيرًا, ويستعملها من يسأل عن كمية الشيء "و" إلى "خبرية بمعنى" عدد "كثير". ويستعملها من يريد الافتخار والتكثير. "ويشتركان في خمسة أمور":
أحدها: "كونهما كنايتين عن عدد مجهول الجنس" والحقيقة، "والمقدار" والكمية.
"و" الثاني: كونهما مبنيين"، وسب بنائهما مشابهة الحرف في المعنى. وهو في الاستفهامية حرف الاستفهام، وفي الخبرية حرف التكثير الذي كان يستحق الوضع، أو في الوضع على حرفين.
"و" الثالث: "كون البناء" فيهما "على السكون"، وهو الأصل في البناء.
"و" الرابع: "لزوم التصدير"، فكل منهما له صدر الكلام.
"و" الخامس: "الاحتياج إلى التمييز"، لأن كل منهما عدد مجهول.
"ويفترقان أيضًا في خمسة أمور:
أحدها: أن "كم" الاستفهامية تميز بمنصوب مفرد"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
746-
ميز في الاستفهام كم بمثل ما ... ميزت عشرين......................

(2/473)


"نحو: كم عبدًا ملكت"، بفتح تاء الخطاب، أما إفراده فلازم خلافًا للكوفين، فإنهم يجيزون جمعه نحو: "كم شهودًا لك"، والصحيح مذهب جمهور البصريين، وما أوهم الحقيقة يحمل على الحال، ويجعل التمييز محذوفًا.
وذهب الأخفش إلى جواز جمعه إن كان السؤال عن الجماعات، نحو: "كم غلمانًا لك"؟ إذا أردت أصنافًا من الغلمان1.
وأما نصبه ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه لازم، ولا يجوز جره مطلقًا، وهو مذهب بعض النحويين.
والثاني: أنه ليس بلازم، بل يجوز جره مطلقًا حملا على الخبرية، وإليه ذهب الفراء، والزجاج، والفارسي2.
"و" الثالث: أنه "يجوز جره بـ"من" مضمرة جوازًا، إن جرت "كم" بحرف"3. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
747-
وأجز أن تجره من مضمرا ... إن وليت كم حرف جر مظهرا
"نحو: بكم درهم اشتريت ثوبك"؟ هذا هو المشهور، ولم يذكر سيبويه جره، إلا إذا دخل على "كم" حرف جر، ليكون حرف الجر الداخل على "كم" عوضًا من اللفظ بـ"من" المضمرة، وذهب الزجاج إلى أن جر التمييز إنما هو بإضافة "كم" إليه. ورد بأن "كم" بمنزلة عدد مركب، والعدد المركب لا يعمل الجر في مميزه، فكذلك ما كان بمنزلته، قاله ابن خروف4.
"وتميز الخبرية بمجرور" بإضافتها إليه حملا لـ"كم" على ما هي مشابهة له من العدد. وقال الفراء5: على إضمار "من"، لأن "من" كثر دخولها على تمييز "كم" الخبرية، فجاز إضمارها لدلالة الحال عليه. وهذا القول نقله ابن الخباز في شرح الجزولية. وابن مالك فلي شرح الكافية6، عن الخليل. "مفرد أو مجموع".
__________
1 في الكتاب 2/ 159: "ولم يجز يونس والخليل رحمهما الله: كم غلمانا لك، لأنك لا تقول: عشرون ثيابًا لك ... ويقبح أن تقول: كم غلمانًا لك".
2 انظر المسائل المنثورة ص76-77، وشرح المرادي 4/ 324، وكتاب الحلل ص239.
3 كتاب الحلل ص239.
4 شرح ابن الناظم ص527.
5 الارتشاف 1/ 379.
6 شرح الكافية الشافية 4/ 1710.

(2/474)


لأن "كم" بمنزلة عدد يضاف إلى مميزه تارة إلى جمع كالعشرة فما دونها، وتارة إلى مفرد، كالمائة فما فوقها. فاستعمل بالوجهين إجراء له مجرى الضربين. "نحو: كم رجال جاؤوك". كما يقال: عشرة رجال جاؤوك. "وكم امرأة جاءتك". كما يقال: مائة امرأة جاءتك.
"والإفراد أكثر" في الاستعمال "وأبلغ" في المعنى من الجمع، حتى ادعى بعضهم أن الجمع على نية معنى الواحد, فكم رجال، على معنى: كم جماعة من الرجال، ودخل في المفرد ما يؤدي معنى الجمع نحو: كم قوم صدقوني. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
748-
واستعملنها مخبرًا كعشره ... أو مائة.........................
"و" الأمر "الثاني: أن الخبرية تختص بـ" الزمن "الماضي كـ: رب" بجامع التكثير فيهما، فلهذا "لا يجوز: كم غلمان سأملكهم، كما لا يجوز: رب غلمان سأملكهم"، لأن التكثير والتقليل إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، "ويجوز" في الاستفهامية: "كم عبدًا ستشتريه"، لأن الاستفهام لتعيين المجهول.
"و" الأمر "الثالث" مما تختص به الخبرية: "أن المتكلم بها لا يستدعي"، أي لا يطلب "جوابًا من مخاطبه" لأنه مخبر بخلاف المتكلم بالاستفهامية فإنه مستخبر.
"و" الأمر "الرابع: أنه"؛ أي المتكلم بالخبرية؛ "يتوجه إليه التصديق والتكذيب"، لأنه منشئ، والإنشاء لا يحتمل ذلك.
"و" الأمر "الخامس" مما تختص به الخبرية: "أن المبدل منها لا يقترن بهمزة الاستفهام" لأنه خبر، والخبر لا يتضمن معنى الاستفهام. "تقول: كم رجال في الدار عشرون بل ثلاثون". بخلاف المبدل من الاستفهامية فإنه يجب اقترانه بهمزة الاستفهام، لتضمنها معنى الاستفهام. "و" لهذا "يقال: كم مالك أعشرون أم ثلاثون"؟ فـ"كم" في موضع رفع بالابتداء، و"مالك "خبره، عند سيبويه1، وعند الأخفش بالعكس. و"أعشرون" بدل من "كم"، و"أم" عاطفة وفيها معنى الاستفهام وتسمى معادلة الهمزة. و"ثلاثون" معطوف على "عشرون".
تنبيه:
"يروى قول الفرزدق"، وهو همام بن غالب التميمي، في هجو جرير: [من الكامل]
__________
1 الكتاب 2/ 160.

(2/475)


882-
كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت علي عشاري
"بجر: عمة وخالة، على أن "كم" خبرية، وبنصبهما. فقيل: إن تميمًا نصب مميز الخبرية مفردًا"، أي: كثيرًا من عماتك وخالاتك من جملة خدمي1.
"وقيل: على الاستفهام التهكمي"، أي: أخبرني بعدد عماتك وخالاتك اللاتي كن يخدمنني فقد نسيته. "وعليهما": أي الجر والنصب، "فهي": أي "كم" مبتدأ، و" جملة "قد حلبت: خبر، و" أفرد الضمير حملا على لفظ "كم". أو "التاء" في: حلبت "للجماعة، لأنهما" في المعنى: "عمات وخالات، و" يروى "برفعهما على الابتداء"، لتخصيص المعطوف عليه بوصفه بـ: لك، وبـ: فدعاء، محذوفة مدلول عليها بالمذكورة، إذ ليس المراد تخصيص الخالة بوصفها بالفدع، كما حذف: "لك" مع خالة استدلالا عليها بـ"لك" الأولى. "و" قد "حلبت: خبر للعمة أو الخالة، وخبر الأخرى محذوف. وإلا لقيل: قد حلبتا" لأن المخبر عنه في هذا الوجه متعدد لفظًا ومعنى، نظيره: زينب وهند قامت. "والتاء في: حلبت" على هذا "للوحدة، لأنها عمة واحدة وخالة واحدة. و: كم" على هذا الوجه محلها "نصب على المصدرية، أو" على "الظرفية" الزمانية. "أي كم حلبة"، على المصدرية. "أو" كم "وقتا" على الظرفية.
والفدعاء، بسكون الدال المهملة: من الفدع، بفتح الفاء، والدال: وهو اعوجاج الرسغ من اليد والرجل، حتى ينقلب الكف والقدم إلى إنسيهما، بكسر الهمزة والسين المهملة وبالنون الساكنة والياء المثناة تحت المشددة: وهو الجانب الأيسر على رأي أبي زيد، والأيمن: على رأي الأصمعي، والعشار, بكسر العين، جمع عشراء: وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر. ومعنى "علي": على كره مني،
__________
882- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 361، والأشباه والنظائر 8/ 123، وأوضح المسالك 4/ 271، وخزانة الأدب 6/ 458، 459، 493، 495، 498، والدرر 1/ 537، وشرح شواهد المغني 14/ 511، وشرح عمدة الحافظ ص536، وشرح المفصل 4/ 133، والكتاب 2/ 72، 162، 166، ولسان العرب 4/ 573 "عشر" واللمع ص228، ومغني اللبيب 1/ 185، والمقاصد النحوية 4/ 489، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 331، وشرح ابن الناظم ص527، وشرح الأشموني 1/ 98، وكتاب الحلل ص241، ولسان العرب 12/ 528 "كمم"، والمتقضب 3/ 58، والمقرب 1/ 312، وهمع الهوامع 1/ 254.
1 انظر كتاب الحلل ص241، والدرر 1/ 537.

(2/476)


لأن "على" تستعمل في الضر، كما أن اللام تستعمل في النفع، نحو: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] .
"وأما "كأين" فبمنزلة "كم" الخبرية" في خمسة أمور: "في إفادة التكثير"، وفي الإبهام، "وفي لزوم التصدير"، وفي البناء، "وفي انجرار التمييز. إلا أن حرجه بـ"من" ظاهرة لا بالإضافة"، بخلاف "كم". "قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: 60] وقد ينصب" تمييز: "كأين"، "كقوله": [من الخفيف] .
883-
اطرد اليأس بالرجا فكأين ... آلما حم يسره بعد عسر
فـ"آلما" بمد الهمزة على وزن فاعلا، من: ألم يألم إذا وجع، منصوب على التمييز بـ"كأين" و"اطرد" أمر من طرد يطرد؛ كـ: قتل يقتل. و"اليأس" بالياء المثناة تحت: القنوط: و "الرجا" بالقصر للضرورة: الأمل و"حم" بضم الحاء المهملة؛ بمعنى: قدر.
يقول: لا تقنط وترج حصول الفرج بعد الشدة، فكم من عديم قدر الله غناه بعد فقره.
و"كأين" تخالف "كم" في أمور:
منها أنها مركبة من كاف التشبيه، و"أي" المنونة، و"كم" بسيطة على الأصح. وقيل: مركبة من الكاف و"ما" الاستفهامية ثم حذفت ألفها لدخول الجار، وسكنت ميمها للتخفيف، لثقل الكلمة بالتركيب.
ومنها أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور، خلافًا لابن قتيبة، وابن عصفور، وابن مالك1.
ومنها أنها لا تقع مجرورة، خلافًا لابن قتيبة، وابن عصفور فإنهما أجازا: بكأين تبيع هذا الثوب2.
ومنها أن خبرها لا يقع مفردًا.
__________
883- البيت بلا نسبة في الارتشاف 1/ 386، وأوضح المسالك 4/ 276، والدرر 1/ 542، وشرح الأشموني 3/ 637، وشرح التسهيل 2/ 423، وشرح شواهد المغني 2/ 513، ومغني اللبيب 1/ 186، والمقاصد النحوية 4/ 495، وهمع الهوامع 1/ 255.
1 شرح التسهيل 2/ 423.
2 الارتشاف 1/ 387.

(2/477)


"وأما "كذا" فيكنى بها عن العدد القليل والكثير"، وتوافق "كأين" في أربعة أمور:
التركيب، فإنها مركبة من كاف التشبيه و"ذا" الإشارية، والبناء والإبهام والافتقار إلى التمييز بمفرد.
"و" تخالفها في ثلاثة أمور:
أحدها: أنه "يجب في تمييزها النصب"، فلا يجوز جره بـ"من" اتفاقًا، ولا بالإضافة، لأن عجزها اسم لم يكن له قبل التركيب نصيب في الإضافة فأبقي على ما كان عليه، خلافًا للكوفيين، أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال: كذا ثوبا، وكذا أثواب.
بالجر قياسًا على العدد الصريح. وقال الزجاجي: يجوز الجر على ضرب من الحكاية. وقال الحوفي. على البدل من "ذا".
"و" الثاني: أنها "ليس لها الصدر، فلذلك تقول: قبضت كذا وكذا درهما". والثالث: أنها لا تستعمل غالبًا إلا معطوفًا عليها كقوله: [من الطويل]
884-
عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرًا ... كذا وكذا لطفًا به نسي الجهد
وإلى "كأين" و"كذا" أشار الناظم بقوله:
749-
ككم كأين وكذا وينتصب ... تمييز ذين أو به صل من تصب
__________
884- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 281، والدرر 1/ 543، وشرح شواهد المغني 2/ 514، ومغني اللبيب 1/ 188، والمقاصد النحوية 4/ 497، وهمع الهوامع 1/ 256.

(2/478)